إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلا زال الحديثُ متَّصلاً بقوله ﷺ: مَن تعارَّ من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربِّ اغفر لي[1].
النبي ﷺ يقول: مَن قال ذلك غُفر له، فإن دعا استُجيبَ له، فإن قام فتوضّأ ثم صلَّى قُبلت صلاته، فهذه وعودٌ من الصَّادق المصدوق ﷺ لمن كان كذلك، فهذا يدل على أنَّ هذا المسلم، على أنَّ هذا القائم من نومه، على أنَّ هذا المتعارّ من نومه؛ أنَّه قد جاء بأمرٍ عظيمٍ، أنَّه قد صدر منه أمرٌ ذو شأنٍ، فكانت له هذه الوعود من الذي لا ينطق عن الهوى ﷺ.
فهذا فيه ما فيه من الدّلالات على رسوخ الذكر في قلب مَن كان بهذه المثابة.
وفي هذا الحديث فضل المبادرة إلى ذكر الله والثَّناء عليه عند الاستيقاظ، أو عند التَّيقّظ، أو عند التَّنبه، إذا كان الإنسانُ في حال نومه فحصلت له يقظة، وأن يكون ذلك هو أول شيءٍ يفعله ويُسارع إليه، فيبدأ بذكر الله -تبارك وتعالى-، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، وتنزيهه، وتسبيحه، فذكر هذه الكلمات العظيمة التي ابتدأت بأجلّ الكلمات، وأشرف الكلمات، وأعدل الكلمات، وأصدق الكلمات، وهي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، بدأ بها؛ لأنَّها الأجلّ والأشرف؛ ولأنها الأصل؛ ولأنها الكلمة الطيبة التي أصلها ثابتٌ وفرعُها في السَّماء، هي الكلمة التي لا تُرفع الأعمالُ إلا بتحقيقها: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، على بعض الأقوال المشهورة في التَّفسير: أنَّ الكلمَ الطَّيبَ يرفع العمل الصَّالح، فلا يرتفع إلا بالتوحيد، إلا بكلمة التوحيد، إلا بلا إله إلا الله، العمل الصالح يرفعه الكلمُ الطَّيب، وهذه أمورٌ مُتلازمة، لكن هذا هو الأصل الكبير، تحقيق هذه الكلمة، فبدأ بها مُؤكِّدًا معناها وما دلَّت عليه: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، فـ"لا إله إلا الله" كما هو معلومٌ فيها ركنان عظيمان، وأصلان كبيران، وفرعان أصليان: الأول: النفي. والثاني: الإثبات.
فـ"لا إله" نفيٌ لكلِّ ما يُعبد من دون الله -تبارك وتعالى-، من أي نوعٍ كان، جميع المعبودات، "لا إله" نفيٌ للعبودية عن كلِّ ما سوى الله.
والشقّ الآخر: الإثبات في قوله: "إلا الله"، إثبات العبودية بكلِّ معانيها لله وحده لا شريكَ له؛ لأنَّه هو الذي يستحقّ ذلك دون ما سواه، ليس هناك مَن يستحقّ العبودية: أن يُصرف له منها قليلٌ أو كثيرٌ سوى الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه- فأكَّد هذين الأمرين، أكَّد هذين الأصلين بقوله: "وحده لا شريكَ له".
"لا إله إلا الله" هذه تكفي، فجاء التَّأكيدُ عليها بقوله: "وحده"، يُؤكد الإثبات، وجاء تأكيد الشّق الآخر فيها وهو النَّفي: "لا إله" بقوله: "لا شريك له"، ليس له شريكٌ في ذاته، ولا في أفعاله، ولا في مُلكه، ليس له شريكٌ في صفاته، فهو الواحد الفرد: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، أحدٌ في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، أحدٌ في إلهيَّته، أحدٌ في ربوبيَّته، أحدٌ في أوصاف كماله، ونعوت جلاله، كل ذلك هو واحدٌ فيه.
فالابتداء بهذه الكلمة -أيها الأحبة- كلمة التوحيد؛ لأنَّها الأهمّ؛ لأنها الأصل، فالتوحيد هو مبدأ دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، هو الطريق إلى النَّجاة، هو المنطلق إلى الأعمال، هو الأساس الذي تُبنى عليه التَّصورات والأفكار؛ ولهذا فإنَّ الناس أسرى لأفكارهم ومُعتقداتهم، فإذا تصححت هذه التَّصورات بالتَّوحيد، وتصححت الأعمال؛ تصححت المفاهيم، تصححت المعايير والمقاييس في هذه الحياة، وتصححت أيضًا العلوم والمعارف إذا ثبتت هذه الكلمةُ في قلب العبد وفهمها ووعاها، وأدرك ما حوته من الهدايات والدّلالات والمعاني الكبار.
القرآن كله -أيها الأحبة- من أوله إلى آخره توحيدٌ، هو شرحٌ لهذه الكلمة، الإمام الشَّافعي -رحمه الله- يقول: "كلّ ما تقوله الأُمَّةُ فهو شرحٌ للسنة، والسنة شرحٌ للقرآن، والقرآن كلّه شرحٌ لأسماء الله وصفاته"[2]، أسماء الله وصفاته توحيدٌ؛ ولذلك فإنَّ مَن عرف الله معرفةً صحيحةً بأسمائه وصفاته فإنَّه يُوحِّده، ولا يلتفت لأحدٍ سواه، ومن هنا كان الاشتغالُ بمعاني الأسماء الحسنى والصِّفات العُلى من أعظم ما يرسخ التوحيد في قلب المؤمن.
القرآن كما يقول الحافظُ ابن القيم: "من أوَّله إلى آخره توحيدٌ"[3]، هو في التوحيد وحقوقه وجزائه، وكذا يتحدث عن أضداده؛ يتحدث عن الشِّرك وأهله وجزائهم.
انظر إلى أول سورةٍ في القرآن، التي نقرأها في كل ركعةٍ، من أولها إلى آخرها توحيدٌ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] توحيدٌ، هذا الذي تُضيف إليه جميع المحامد، لا يستحقّ جميع المحامد إلا الكامل من كل الوجوه، الكامل من كل الوجوه هو المستحقّ أن يُعبد وحده دون ما سواه، يبعد غيره؛ لماذا؟ الإلهية لله، الرُّبوبية لربِّ العالمين، ثم الصِّفات الكاملة في الإلهية والربوبية، فينتظمان جميع الأسماء الحسنى والصِّفات العُليا؛ لأنَّ ذلك يرجع إلى الإلهية والربوبية، فمَن كان هو الإله فهو الذي يُوصف بجميع صفات الكمال، والربُّ الذي يستحقّ أن يكون هو الربّ هو الذي يستحقّ نعوت الجلال والجمال والكمال من أوَّلها إلى آخرها، والخالق، الرَّازق، المحيي، المميت، المدبر، المعطي، المالك، المانع، المصور، الخالق، البارئ، كل هذه المعاني داخلةٌ في ربوبيَّته.
ومن هنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ توحيدٌ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] توحيدٌ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] الذي يملك الآخرةَ، وهو لما دونها أملك: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فهذا توحيدٌ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] نعبدك وحدك، توحيدٌ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] لا نستعين بأحدٍ سواك، هذا توحيدٌ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، الصِّراط المستقيم هو التَّوحيد، هو الإمام الصَّحيح، هو عبادة الله وحده لا شريكَ له، فهنا يسأل الهدايةَ إلى طريق أهل التَّوحيد، الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هم أهل التوحيد، هم أهل الإيمان، وضدّ هؤلاء: إمَّا أن يكون قد عرف الحقَّ فتركه؛ فهم أهل الغضب، أو ضلَّ عنه لجهله؛ فهم أهل الضَّلال، هذا كلّه توحيدٌ.
فهذه السّورة على قِصرها تنتظم جميع أنواع التَّوحيد، وكلّها في التوحيد، فكيف لو طالعت القرآنَ من أوله إلى آخره؟! لرأيتَ من ذلك الكثير في تقرير هذا الأصل الكبير وترسيخه بطرقٍ متنوعةٍ كثيرةٍ، لو نظرتَ إلى توحيد الإلهية كيف يُقرَّر بالقرآن بطرقٍ كثيرةٍ جدًّا؟ وتوحيد الربوبية كذلك، وتوحيد الأسماء والصِّفات، والكلام على قضايا اليوم الآخر؛ كيف تُقرر البعث والنّشور، والحساب والجزاء؟
كل هذه الأمور، القدر: أنَّ الله -تبارك وتعالى- ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنَّه قدَّر مقادير الخلق، كتب ذلك وأثبته، وحكم به، وقضى، وخلق، فهذا كلّه في التوحيد، والله يشهد -وهو أجلّ شاهدٍ- بهذه الشَّهادة: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ أيضًا يشهدون، وَأُولُو الْعِلْمِ يشهدون، قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:18- 19].
الإسلام الذي هو إسلام الوجه لله ، هذا هو التوحيد: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، فهذا أول ما يجب على المكلَّف: التوحيد، أن يُوحّد الله -تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ [إبراهيم:24- 25]، هذه هي كلمة التوحيد، وهذه هي التي دعا إليها الرسلُ -عليهم السلام-، كل الرسل من أوَّلهم إلى آخرهم جاءوا يدعون إلى هذه الكلمة بشقّيها: النَّفي والإثبات؛ ولهذا يقول الله : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163] هذا إثباتٌ، ثم قال: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، فذكر هذين الشقّين؛ لأنَّه لا يستحقّ الإلهية أحدٌ سوى الله، فهي تنفي ذلك بجميع صوره وأشكاله.
فهو الإله الحقّ، والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب، يعني: تعبده، وتُحبّه، وتُنيب إليه، وتُجلّه، وتُعظِّمه، المألوه.
ومن هنا إذا قال العبدُ: "لا إله إلا الله" يكون قد دخل في الإسلام، يكون قد دخل من بوابته الكبرى، من بوابته الصَّحيحة، ومن هنا بقي عليه أن يُحقق شروط هذه الكلمة ومُقتضياتها.
فهذه الكلمة تنتظم أنواعَ التوحيد الثلاثة، لو نظرنا إلى توحيد الإلهية في هذه الكلمة، لما جاء النبيُّ ﷺ إلى المشركين ودعاهم إلى هذه الكلمة أن يقولوها كانوا يفهمون معناها؛ ولهذا استنكفوا، عرفوا معنى الإله الواحد: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، رفضوا أن يقولوا هذه الكلمة، لماذا لم يقولوها قولاً مجرَّدًا بألسنتهم ثم يُفارقون مُقتضياتها بأفعالهم وواقعهم؟
لأنهم يعرفون أنهم إذا قالوا هذه الكلمة معناه أنَّهم لزموا الخطَّ الصَّحيح، والصِّراط المستقيم، لزموا عبادةَ الله دون ما سواه، فتُكسر هذه الأوثان والأصنام بجميع أشكالها، مهما تصورت بصور شجرٍ، أو حجرٍ، أو قبرٍ، أو بشرٍ، كل هذا سيُلغى، وكل هذه الزَّعامات التَّالفة التي بُنيت على هذه المعبودات الباطلة ستنتهي.
هذا سادنٌ لقبرٍ وتأتيه أموالٌ انتهى، هذا يقوم على دينهم، وهو من كبار أئمّتهم في الكفر والضَّلال، إذا انتهت تلك المعبودات الباطلة انتهى، فيأخذ حجمه الصَّحيح، يأخذ حجمه الطَّبيعي.
ولهذا الذين يُعادون الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ويردّون دعوةَ التوحيد، ويردّون دعوةَ الحقِّ أحيانًا، كما يقول المعلمي -رحمه الله-: "ومنهم مَن يكون له في الباطل شُهرة ومعيشة"[4] ستنقطع بعدما كان هو المقدّم، هو المعظّم، هو الإمام، هو القائد، سيأخذ حجمه الصَّحيح على الرَّف، قد يكون من أجهل الجاهلين، فيكون من عوامِّ المسلمين إذا دخل في الإسلام، وقبل ذلك كان هو الزعيم الذي لا يُردّ له أمرٌ، ولا يجترئ أحدٌ على مُخالفته.
فهنا ردُّوا هذه الكلمة لأنها ستلغي تلك الآلهة المدعاة من دون الله -عزَّ وجلَّ- التي تُصرف لها العبادة، وتعجَّبوا كيف جعل الآلهة إلهًا واحدًا؟!
فكان الرسلُ -عليهم الصَّلاة والسَّلام- يبدأون من هنا، لا يبدأون بقيمٍ ولا بأمورٍ مُشتركةٍ، هنا: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، لو قال لهم: نبدأ بالأخلاق، نبدأ بالحياء، نبدأ بالرفق، نبدأ بصلة الرحم، نبدأ بإطعام الطعام، نبدأ بالرحمة بالإنسان والحيوان. لو قالوا: نبدأ بقضايا من هذا القبيل لرحَّبوا وقالوا: أهلاً وسهلاً ومرحبًا، كلنا نُوافقك على هذا، ونُعطيك، ونُوليك، ونُؤيدك، ونُقويك. لكن حينما يقول لهم: "لا إله إلا الله" هنا يفترق الناسُ إلى مؤمنين وكفَّار، فهذه الكلمة فارقة بين الناس.
ومن هنا صار الناسُ إلى أهل إيمانٍ، وأهل كفرٍ، صاروا إلى مُوحدين ومُشركين، فوقعت العداوةُ بين الرسل وأتباع الرسل، مع هؤلاء من عسكر الشيطان وجنده من أهل الإشراك والكفر ومحادّة الله ومحادّة رسله -عليهم الصلاة والسلام.
فتحقيق هذه الكلمة قولاً وعملاً واعتقادًا وأداءً لمقتضاها هو توحيد الإلهية الذي هو قطب الرَّحى لدعوة الرسل، هو قطب رحى الدِّين، هو الأساس الذي تُبنى عليه الأعمال، هو المنطلق كما سبق، هذا الفيصل بين أهل الإيمان وأهل الإشراك.
فهذا تضمّنها لتوحيد الإلهية، بقي الكلامُ على تضمنها لنوعي التوحيد الآخرين، ولا تستطيلوا هذا الكلام؛ فهذه الكلمة وما يتلوها من قول: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" هي أجلّ الكلمات، وأشرف الكلمات، وأعظم الكلمات بعد القرآن، وهنَّ من القرآن كما سيأتي، فذلك أجلّ الذكر وأشرفه، ومن هنا نحن نُرددها، يُردد الإنسانُ هذه الكلمات، إذا استيقظ قالها، ويُرددها بعد كل صلاةٍ، لكن ما الذي تحتها؟ لماذا تغير واقعُنا؟
إنسانٌ يقول مثل هذه الكلمات حينما يتعارّ من الليل، أو يقولها بعد كل صلاةٍ، ثم يقول: يا عيدروس، يا جيلاني، يا بدوي، يا علي، يا حسين. هذا لا يمكن، ولا يُتصور إنسانٌ فهم هذا ثم يلتفت إلى غير الله، إنسانٌ فهم هذا يمكن أن يتعاظم مخلوقٌ في قلبه فيخافه أكثر مما يخاف ربَّه -تبارك وتعالى-، أن يرجو مخلوقًا، أن يعلق قلبُه بمخلوقٍ وهو يُردد مثل هذه الكلمات.
فهنا نحن نُبين ما تحت هذه الجمل من المعاني والهدايات؛ لأننا سنحتاج إلى هذا في مواضع من هذه الأذكار، وسأُحيل إلى هذا الكلام حينما نأتي لأذكارٍ أخرى فيما يُقال بعد الصَّلاة وغير ذلك، سأُحيل إلى هذا التَّفصيل والبيان الذي أذكره في هذا الموضع، وإن لم نُبين ما تحت هذه الكلمات العظيمة الجليلة التي هي أجلّ الكلام بعد القرآن، ما الذي سنُبينه؟ ما الذي سنُوضحه؟
وسترون من هذا أشياء تدل على عظم وشرف هذه الكلمات التي تضمّنها هذا الحديث، ومن هنا لا نستغرب حينما يقول النبيُّ ﷺ في آخره بأنَّ: مَن فعل ذلك غُفِرَ له، وإن دعا استُجيبَ له، وإن صلَّى قُبِلَتْ صلاتُه، لا غرابةَ، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري: كتاب التهجد، باب فضل مَن تعار من الليل فصلَّى، برقم (1154)، وأبو داود -واللفظ له-: أبواب النوم، باب ما يقول الرجلُ إذا تعارّ من الليل، برقم (5060).
- انظر: "البرهان في علوم القرآن" (1/ 6).
- "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (3/ 478).
- انظر: آثار الشيخ العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (11/ 295).