إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نبدأ الكلام على أدعية الاستفتاح.
وهنا قال: "دعاء الاستفتاح"، وهذا هو المشهور في التَّعبير عنها؛ أن يُقال: دعاء الاستفتاح، مع أنَّ الناظر في مضامين ما ورد في ذلك من الاستفتاحات عن رسول الله ﷺ يجد أنَّها على أنواع ثلاثة كما سيأتي، ولكن دعاء الاستفتاح قيل له: "دعاء" إمَّا باعتبار أنَّ ذلك من قبيل إطلاق الدُّعاء على بعض الأنواع الواردة في الاستفتاح؛ فإنَّ بعضَها من قبيل الدُّعاء كما هو معلوم، أو أنَّ ذلك باعتبار ما ذكرنا في مقدمات الأذكار؛ حيث ذكرنا أنَّ الذكرَ يكون على أنواعٍ، فالذكر منه ما يكون من قبيل الثَّناء على الله -تبارك وتعالى- والإخبار عن كمالاته، فهذا أكمل الأنواع، كما قال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[1].
النوع الثاني: ما كان من قبيل إخبار العبد عن نفسه حيث يذكر ربَّه، فهذا النوع الثاني: أن يُخبر عن ذكره لربِّه، يُخْبِر عن نفسه وعن ذكره لربِّه -تبارك وتعالى-.
النوع الثالث: هو ما كان من قبيل السُّؤال والطَّلب، يسأل ربَّه، فإذا قيل: "دعاء الاستفتاح"؛ فهذا كلّه من قبيل الدُّعاء، فهذا الذي يُخبر عن ربِّه بأوصاف الكمال ويُثني عليه بذلك إنما يُريد ما عند الله من الأجر، فهو سائلٌ بهذا الاعتبار.
والثاني الذي يُخبِر عن نفسه أنَّه عابدٌ، وذاكرٌ، وما إلى ذلك، هو يُريد ما عند الله، فهو سائلٌ بهذا الاعتبار.
والثالث الذي يقول: "يا ربّ"، ويسأل سؤالاً مُباشرًا، هذا واضحٌ.
فيكون الجميعُ بهذا الاعتبار يُقال له: دعاء، ويُقال له: ذكر، فالذِّكْر يشمل هذه الأنواع، والدُّعاء أيضًا يصدُق على ذلك كلِّه.
فلاحظوا مثل هذه الأذكار الواردة حينما يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك[2]، فهذا من النوع الأول: الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، وإضافة أوصاف الكمال له.
وحينما يقول: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79]، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهذا من أيِّ الأنواع؟
هذا من النوع الثاني: إخبار العبد عن نفسه أنَّه عابدٌ لربِّه، وأنَّه ذاكرٌ له، لاحظ، وقلنا بأنَّ هذا الذكرَ جاء فيه بعد هذا الإخبار: اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك ...، فهذا من قبيل الثَّناء على الله ، ثم جاء فيه قال: ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت[3]، هذا من قبيل السّؤال، فيكون هذا الدّعاء أو هذا الذكر مما يُقال في الاستفتاح: أنَّه قد اشتمل على الأنواع الثلاثة.
فلو تأمَّلتَ جميع الأذكار الواردة في الاستفتاح؛ فهي لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة، ومن ثم قيل له: دعاء الاستفتاح.
وقيل له: "استفتاح" بأي اعتبارٍ؟
باعتبار أنَّه يُستفتح به الصَّلاة؛ يعني: بعد التَّكبير يقول ذلك قبل أن يشرع في القراءة، فالصَّلاة تُبتدأ به، وتُسْتفتح.
والحديث عن الاستفتاح والأذكار المتنوعة الواردة فيه سيكون في قضايا مُحددة قبل الشُّروع في شرح هذه الأدعية والأذكار، فأول ما يتَّصل بذلك هو من جهة الحكم: هل دعاء الاستفتاح من قبيل الواجب بأي صيغةٍ كان، أو أنَّه من قبيل المستحبّ، أو أنَّ ذلك لا يُشرع أصلاً؟
فهذه احتمالات ثلاثة، والذي عليه عامَّة أهل العلم -الجمهور- أنَّ دعاء الاستفتاح مُستحبٌّ ومسنونٌ، وليس بواجبٍ؛ يعني: باعتبار أنَّ الـمُصلِّي لو تركه عمدًا صحَّت صلاته، أنَّ صلاته تكون سليمةً، صحيحةً، وهذا الذي عليه عامَّة أهل العلم، وبه قال الأئمّة الثلاثة -أعني: أبا حنيفة، والشَّافعي، وأحمد- [4].
ويدلّ لذلك -يعني: أنَّه ليس بواجبٍ- يدل على أنَّه مسنونٌ الأحاديث الكثيرة التي جاءت مُصرِّحةً -كما سيأتي بعضُها- أنَّ النبي ﷺ استفتح الصَّلاة بدعاءٍ أو ذكرٍ بين يدي القراءة[5]، لكن ما الذي يدل على أنَّ ذلك ليس بواجبٍ؟
يدل أنَّ النبيَّ ﷺ كان إذا كبَّر قرأ فاتحةَ الكتاب، وهذا من حديث أنسٍ في "الصحيحين"، أو من حديث أنسٍ في "صحيح البخاري": "أنَّ النبي ﷺ وأبا بكرٍ وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصَّلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة]"[6]، كانوا يفتتحون الصَّلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ يعني: أنَّه هنا ما ذُكِر الاستفتاح؛ فُعدَّ ذلك من قبيل الصَّارف الذي صرفه من الوجوب إلى الاستحباب، وإلا فهو ثابتٌ على كل حالٍ عن رسول الله ﷺ بصيغٍ متنوعةٍ كما سيأتي: منها قول أبي هريرة للنبي ﷺ: "أرأيتك سكوتك بين التَّكبير والقراءة؟ ما تقول؟"[7]، فذكر له دعاء الاستفتاح؛ مما يدل على أنَّه كان ﷺ يقول قبل القراءة دُعاءً أو ذكرًا، كما يدل على ذلك هذا الحديث ودلائل مُتعددة.
هذا الذي عليه عامَّة أهل العلم، وذهب بعضُهم إلى أنَّه إن تركه عمدًا لم تصحّ صلاته، هذا قال به بعضُ الفقهاء، ولكنَّه قولٌ لا يخلو من بُعْدٍ -والله تعالى أعلم-.
وذهب إسحاقُ بن راهويه -رحمه الله- إلى أنَّ ذلك يكون فيه مُسيئًا؛ يعني: إن تركه عمدًا، ولكنَّه لم يحكم ببطلان صلاته؛ يعني: كأنَّه يُكره له ترك دعاء الاستفتاح عمدًا.
والعجيب أنَّ بعضَ أهل العلم -كالإمام مالك رحمه الله- ذهب إلى أنَّ ذلك لا يُشرع أصلاً[8]، واستدلّ بما سبق: من أنَّ النبي ﷺ وأبا بكرٍ وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصَّلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[9].
مع أنَّ هذا الحديثَ لا يدل على ترك الاستفتاح، وإنما يمكن أن يُحْمَل ذلك على معنًى آخر: أنَّهم ما كانوا يفتتحون الصَّلاةَ مثلاً بالجهر بالبسملة، ما كانوا يجهرون بها، أو أنَّ ذلك كان يقع منهم أحيانًا؛ لأنَّ دعاء الاستفتاح الأصل -كما سيأتي إن شاء الله- أنَّه يُقال سرًّا، ولا يُجْهَر به إلا على سبيل التَّعليم.
فهنا هذا القول للإمام مالك -رحمه الله- هو مسبوقٌ إليه، ومرويٌّ عن بعض السَّلف: كابن مسعودٍ وأصحابه -رضي الله تعالى عن الجميع-.
وأيضًا من أهل العلم مَن قال بأنَّ ذلك محمولٌ على كون النبي ﷺ؛ أعني: حديثَ أنسٍ [10]: أنَّ النبي ﷺ وأبا بكر وعمر ما كانوا يفتتحون مثلاً بالاستعاذة؛ يعني: فيما يُسْمِعون الناس، مع أنَّه يُشرع للقارئ أن يستعيذ، وأن يُبَسْمِل في الصَّلاة، لكن فيما يُسْمِعون مَن وراءهم، فلا شكَّ أنَّ الإمام إنما يُسْمِع مَن وراءه الفاتحة، والسُّورة التي بعدها في الجهرية، وما عدا ذلك فالأصل أنَّه يُسرّ به.
وعلى هذا المعنى؛ أعني: على هذا التَّوجيه من أنَّ هؤلاء -رضي الله تعالى عنهم- كانوا يفتتحون الصَّلاة بالفاتحة، وأنَّ ذلك هو المراد؛ يعني: دون الجهر بغيرها مما يسبقها؛ أنَّ ذلك لا يدل على نفي ما عداه، إلى هذا المحمل ذهب الشَّافعي -رحم الله الجميع-.
هذا ما يتَّصل بحكم دعاء الاستفتاح بأي صيغةٍ كان: أنَّه ليس بواجبٍ، وإنما هو من قبيل المسنون، ولا يحسن تركه.
أنتقل إلى المسألة الثانية: وهي ما يتعلَّق بتنوع الأذكار والأدعية الواردة في الاستفتاح.
هنا ذكر المؤلفُ في هذا الكتاب عددًا من الصِّيغ الصَّحيحة الثابتة، وهناك صيغٌ أُخرى صحيحة ثابتة لم يذكرها.
ونحن هنا ليس من مقصودنا أن نستوعب جميع الأذكار الصَّحيحة، وإنما نقتصر على ما أورده المؤلفُ إلا لحاجةٍ؛ كأن تكون الرِّواية المذكورة مثلاً في صحَّتها نظر، أو أنَّها لا تُقال في مثل هذه المناسبة، وأنَّه صحَّ غيرُها مما يمكن أن يُقال.
فالمقصود أنَّ الصيغ الواردة عن النبي ﷺ في الاستفتاح متنوعة، وكلّ ما صحَّ منها فهو مشروعٌ مسنونٌ أن يُفتتح به، وهذا كما يُقال في الاستفتاح كذلك يُقال في غيره مما ورد فيه هذا التَّنوع: كأنواع التَّشهدات، وصيغ الأذان والإقامة، وكذلك أيضًا صلاة الليل، ونحو ذلك. فهذا كلّه من قبيل اختلاف التَّنوع الذي يكون العملُ فيه بكلِّ صوره وأنواعه مشروعًا، فللمُكلَّف أن يأخذ بهذا، أو هذا، أو هذا من حيث الجملة.
لكن هنا شيخُ الإسلام -رحمه الله- أشار إلى مقامين في هذه المسألة:
المقام الأول: قرر فيه أنَّ ذلك جميعًا جائزٌ، لا إشكالَ فيه، ولا كراهةَ.
المقام الثاني: هو أنَّ ما فعله النبيُّ ﷺ من هذه الأنواع فإنَّه وإن قيل: إنَّ بعضَها أفضل، فإنَّ الاقتداء بالنبي ﷺ في أن يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً، وهذا تارةً[11]؛ بمعنى: أنَّه يُنَوِّع، يأتي بهذه الأنواع، لكن هل يأتي بهذه الأنواع في مقامٍ واحدٍ؛ يعني: في استفتاحٍ واحدٍ، بعدما يُكبّر يأتي بهذه الصيغ متكررةً، أو لا؟
الظاهر -والله تعالى أعلم- أنَّه يقتصر على نوعٍ واحدٍ منها، وفي صلاةٍ أُخرى يستفتح بنوعٍ آخر، وهكذا، إلا ما ورد الجمعُ فيه، وهكذا يُقال في صيغ التَّشهدات، ويُقال أيضًا في صيغ الأذان والإقامة، ويُقال ذلك أيضًا في القراءات الواردة الصَّحيحة المتواترة؛ بمعنى: أنَّه لا يُشرع له أن يقرأ بطريقة الجمع بين القراءات إلا في مقام العرض؛ يعني: على الشيخ فقط، أمَّا أن يكون ذلك على سبيل التَّعبد في التلاوة فإنَّ ذلك يكون من قبيل البدعة، كما يفعله بعضُ القرَّاء، هذا غير مشروعٍ، لكن يُنوِّع: يقرأ بهذا تارةً، وهذا تارةً، وبهذه القراءة تارةً أخرى، فكلّ ذلك مما ثبت وجاء وصحَّ عن رسول الله ﷺ كما هو معلومٌ.
فشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أنَّ التنويع من حيث الجملة أفضل وأكمل، وأنَّ هذا هو الأقرب إلى اتِّباع هدي النبي ﷺ، من غير المداومة على استفتاحٍ واحدٍ، هذا من حيث الجملة، لكنَّه حينما يُقرر هذا المعنى، وأنَّ هذا من حيث الجملة، يُقرر في الوقت نفسه أنَّه قد يكون أنفع لبعض الناس بعض هذه الأنواع من الأذكار في الاستفتاح، وفي غيره مما جاء فيه التَّنوع، فهذا يكون المفضولُ فيه بالنسبة للشَّخص المعين أفضل من غيره، وإن كان الأصلُ أن التَّنويع أكمل وأفضل، كما أنَّ بعض الأنواع قد يكون في صيغته أكمل، ولكنَّه قد يكون بالنسبة للشَّخص المعين يكون ما دونه أو المفضول أفضل من هذا الذي يكون فاضلاً، وهذا قد مضى الكلامُ عليه في مُقدّمات هذه المجالس.
فشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أنَّ هذا باعتبار ما يقوم في قلب الذَّاكر، مثلاً: كون الإنسان إذا قال بعضَ الأذكار يحصل له من حضور القلب مثلاً معه؛ فيكون في حقِّه أفضل، أو إلى حاجته؛ يعني: باعتبار حاجة هذا الـمُكلف إلى هذا النوع من الذكر، وأنَّه أنفع وأجدى لقلبه، وأصلح لحاله، وما إلى ذلك من المعاني، فإذا داوم على مثله فقد يكون هذا عذرًا له، ويكون هو الأفضل في حقِّه، وإلا فالأصل هو التَّنويع، لا سيَّما أيضًا مع ملحظٍ آخر، وهو أنَّ المداومة على ذكرٍ مُعينٍ قد يكون ذلك سببًا لعدم حضور القلب لدى أكثر الناس؛ يعني: أنَّه صار يقرأه قراءةً آليةً، يجري على لسانه من غير تفكرٍ بمعناه، فإذا نوَّع كان ذلك أدعى إلى حضور القلب؛ ولذلك لا شكَّ أنَّ من أسباب التَّفكر والتَّدبر لقراءة القرآن أن يسمع الإنسان، أو أن يقرأ إذا كان يُحْسِن ذلك، أن يسمع، أو يقرأ بقراءات صحيحةٍ، ثابتةٍ، مُتواترةٍ، متنوعةٍ، فيسمع من القراءات ما يُنبّه فكره، ويُوقظ قلبه، ويُحيي في نفسه من أنواع التَّفكر والتَّدبر، كما هو معلومٌ.
ثم أيضًا إنَّ غالبَ هذه الصيغ الواردة في أدعية الاستفتاح إنما جاءت في صلاة الليل، وهذا سيأتي الكلامُ عليه -إن شاء الله-.
فنحن في الوقت الذي نقول: إنَّه مُخيَّرٌ بين هذه الأذكار. هذا من حيث الجملة، لكن حينما نأتي إلى التَّفضيل بين هذه الأذكار؛ فسنذكر أنواعًا من وجوه التَّفضيل، بحيث يتخير المكلَّف منها ما يكون الأفضل والأكمل: إمَّا بالنَّظر إلى المقام التي تُقال فيه، أو بالنَّظر إلى الصحّة، أو بالنَّظر إلى المضامين والمعاني التي اشتملت عليها هذه الأدعية والأذكار. فهذه طُرقٌ ثلاثٌ سيأتي الكلامُ عليها -إن شاء الله تعالى- في المفاضلة بين هذه الأذكار.
فشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أنَّ الأمر في ذلك واسعٌ، وأنَّ مَن استفتح بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك[12] إلى آخره، فقد أحسن[13]، وأنَّ ذلك ثابتٌ عن رسول الله ﷺ، وأنَّ عمر كان يجهر به في الصَّلاة المكتوبة[14]؛ ليُعلّم الناس، وهذا الذي اختاره من أدعية الاستفتاح الإمامُ أبو حنيفة، والإمامُ أحمد، وكذلك أيضًا ثبت هذا مرفوعًا عن النبي ﷺ.
ويقول شيخُ الإسلام بأنَّ مَن استفتح بقوله: "وجهتُ وجهي.." إلى آخره؛ فقد أحسن[15]، وذلك ثابتٌ عن رسول الله ﷺ في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في "صحيحه": أنَّه كان يستفتح بذلك: وجهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا[16].
وكذلك اختار هذا القول أو هذا الذكر في الاستفتاح الإمامُ الشَّافعي -رحمه الله-[17].
وكذلك لو أنَّه جمع بين الأول والثاني؛ يعني: استفتح بـ"سبحانك اللهم وبحمدك"، وأيضًا بـ"وجَّهتُ وجهي" أنَّ هذا قال به بعضُ الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة[18]، ومن أصحاب أحمد[19]، وابن تيمية -رحمه الله-[20].
يأتي الكلامُ -إن شاء الله- على المفاضلة بين هذه الأذكار والأدعية، ويأتي الكلامُ على طُرق التَّرجيح بينها، ويأتي الكلامُ أيضًا على مسائل أخرى من الجهر والإسرار، وكذلك ما يتَّصل بالأنواع المشتملة على الأدعية منها.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا هُداةً مُهتدين، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- انظر: "مجموع الفتاوى" لابن القيم (22/342).
- أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب حجّة مَن قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399).
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
- انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" للزحيلي (2/875).
- أخرجه النَّسائي في "سننه": كتاب الطَّهارة، باب الوضوء بالثلج، برقم (60)، وصححه الألباني في نفس الكتاب.
- أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (743).
- أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598).
- انظر: "المغني" لابن قدامة (1/341).
- أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (743).
- أخرجه الترمذي في "سننه": كتاب أبواب الصَّلاة، باب في افتتاح القراءة بـ{الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الفاتحة]، برقم (246)، وصححه الترمذي.
- انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/337).
- أخرجه أبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصَّلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بـ"سبحانك اللهم وبحمدك"، برقم (775)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (815).
- انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/165).
- أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب حجّة مَن قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399).
- انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/165).
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
- انظر: "الأم" للشَّافعي (1/128).
- انظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني (1/202).
- انظر: "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" للكوسج (2/514).
- انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/165).