الأحد 15 / جمادى الأولى / 1446 - 17 / نوفمبر 2024
حديث «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه..» إلى "يا رسول الله كيف نصلي عليك.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

ففي باب فضل الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أورد المصنف -رحمه الله- حديث فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: عجل هذا ثم دعاه، فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ، ثم يدعو بعد بما شاء رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح[1].

"سمع رسول الله ﷺ رجلاً يدعو في صلاته" يدعو في صلاته، يحتمل: أن ذلك بعد التشهد والصلاة على النبي ﷺ؛ لأن ذلك من مواضع الدعاء، ويحتمل: أن يكون ذلك في سجوده، أو غير ذلك.

"كان يدعو" وربما دعا في قنوت في الوتر.

"ولم يمجد الله تعالى" وهذا التمجيد جاء موضحًا ومفسرًا، فيما ذكر بعده، قال: "ولم يصل على النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: عجل هذا يعني: أنه ترك ما كان ينبغي أن يذكره، وألا يغفله في دعائه.

"ثم دعاه، فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم صلى هنا بمعنى دعا؛ لأن الصلاة في أصلها في كلام العرب بمعنى: الدعاء وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] أي: ادع لهم، وليس المقصود: صلاة ذات ركوع أو سجود، ونحو ذلك، إذا صلى أحدكم يعني: إذا دعا.

فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه هنا هذا تفسير لقوله: "لم يمجد الله تعالى" والله -تبارك وتعالى- هو الماجد، والمجد إنما يكون باستجماع أوصاف الكمال، فإذا اجتمعت فيه أوصاف الكمالات كان ذلك هو المجد، فتضاف إليه -تبارك وتعالى- أوصاف الكمال.

قال: فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه والتحميد عرفناه.

وقوله: والثناء عليه ذكرت من قبل بأن الثناء هو إعادة الحمد ثانيًا، أي: تثنيته، يقال له: ثناء.

وبعضهم يقول: إن الثناء أوسع من الحمد، وأن ذلك من عطف العام على الخاص، وعلى كل حال فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه كأن يقول مثلاً: اللهم لك الحمد، ويذكر ربه -تبارك وتعالى- بالمحامد، وأصاف الكمال، ويثني عليه.

ثم يصلي على النبي ﷺ وهذا يدل على أن الصلاة على النبي ﷺ تكون قبل ذكر الحاجة في هذا الحديث، فيذكر ذلك بعد حمد الله؛ لأن حمد الله مقدم، ثم بعد ذلك يصلي على النبي ﷺ، فعن طريقه عرفنا هذه الهدايات والشرائع وهذه الآداب.

قال: ثم يصلي على النبي ﷺ، ثم يدعو بعد بما شاء يدعو بعد ذلك بما شاء، إذًا نعرف من هذا بعض آداب الدعاء، فإذا دعا الإنسان لا يبدأ مباشرة بحاجته، وإنما يقدم بين يدي ذلك.

ثم ذكر حديث أبي محمد كعب بن عجرة قال: خرج علينا النبي ﷺ، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد[2]، متفق عليه.

فقوله: "قد علمنا كيف نسلم عليك" فذلك النبي ﷺ علمهم كيف يقولون في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فسألوا عن الصلاة عليه، فعلمهم ما يقولونه في صلاتهم عليه -عليه الصلاة والسلام- فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد آل محمد -عليه الصلاة والسلام- كما سبق في بعض المناسبات، يقال ذلك بإطلاقات متعددة، يقال ذلك بإطلاق ضيق محصور، ويكون ذلك مقولاً لمن منعوا الصدقة من بني هاشم، وبني عبد المطلب، وأهل العلم يذكرون أهل بيوت أربعة، فيقول: هؤلاء الذين منعوا الصدقة، ويذكرون آل جعفر، وآل علي، وآل عباس.

قال: وعلى آل محمد ويقال بإطلاق أوسع، وهو أن ذلك يدخل فيه أزواج النبي ﷺ،  وأزواجه ﷺ لا شك أنهن داخلات في أهل بيته في بعض الإطلاقات، كما قال الله في سورة الأحزاب: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33] ولا شك أن الخطاب كان متوجهًا لأزواج النبي ﷺ: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32] فلما ذكر ما ينبغي لهن من الآداب علل ذلك بعده بقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33] فدخل أزواجه في أهل بيته بهذا الإطلاق، وحينما يذكر إطلاق أضيق من هذا، لا يدخلن في أهل بيت النبي ﷺ حينما يقال في أضيق إطلاقاته: علي وفاطمة والحسن والحسين ، فالنبي ﷺ قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا[3] في حديث الكساء، ولا يدخل في ذلك أزواجه بهذا الاعتبار، فآل محمد هنا يدخل فيهم بإطلاق أوسع، وهو أوسع الإطلاقات كل من اتبعه على دينه -عليه الصلاة والسلام- وكل أتباع النبي ﷺ إلى يوم القيامة.

وبعض أهل العلم قال: هذا هو الأنسب هنا، وهو أن يحمل عليه؛ لأنه الأوسع.

ونحن عرفنا معنى الصلاة على النبي ﷺ، وأنها بمعنى: أن يذكره في الملأ الأعلى.

كما صليت على إبراهيم الكاف هنا للتشبيه، كما صليت على إبراهيم بعضهم يقول تسوى بهذا، يعني بصلاة الله على إبراهيم؛ ليكون ذلك تقدمة لهذا المطلوب، وهو الصلاة على النبي ﷺ، كما قال زكريا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4] يقول: عودتني الإجابة من قبل، فكلما دعوتك أجبتني، فالآن أنا أدعوك يا رب، فتوسل بهذا، وهذا من الأدب مع الله .

ثم هذا التشبيه استشكل بعض أهل العلم وقوعه هنا، فالنبي ﷺ أكمل من إبراهيم فكيف قال: كما صليت على آل إبراهيم؟ فهل هذا يختص بآل محمد دون النبي ﷺ؟ قال: كما صليت على آل إبراهيم؟ الواقع أنه يقال: آل فلان، ويدخل فيهم هو دخولاً أوليًا، وقد يقال: آل فلان، ويكون المقصود هو: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] من يدخل فيه دخولاً أوليًا؟ هو فرعون، فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ [البقرة:248] في التابوت، فقال: آل موسى وآل هارون، يعني: موسى وهارون -عليهما السلام-.

وعلى كل حال هنا قال: كما صليت على آل إبراهيم فهذا التشبيه النبي ﷺ لا شك أنه أشرف الأنبياء وأكملهم، فكيف طلب في الصلاة عليه أن يصلى عليه كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم؟ فأجاب عن ذلك أهل العلم بأجوبة متعددة من أوضحها -والله تعالى أعلم-: أن النبي ﷺ  مع ما أعطيه من الكمالات والخصائص والمزايا التي لم تعط لنبي قبله، ومع ذلك طلب له أن يكون له كما كان لإبراهيم أيضًا من صلاة الله عليه، فينضاف إلى كمال النبي ﷺ ما لإبراهيم من كمال في ذلك.

قال: إنك حميد مجيد حميد على وزن فعيل، صيغة مبالغة، يعني: كثير المحامد، وتأتي هذه الصيغة لمعنى آخر أيضًا، يعني كثير الحمد، فهو محمود يحمد كثيرًا، فمجيد: يعني كثير عظيم المجد.

ثم ذكر حديث أبي مسعود البدري قال: أتانا رسول الله ﷺ ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، يعني في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله، يعني: ظنوا أنه كره السؤال، ثم قال رسول الله ﷺ: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد، والسلام كما قد علمتم[4]، رواه مسلم.

يعني: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فهنا يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وقد مضى الكلام على هذا.

وبارك على محمد وعلى آل محمد هذا دعاء بالبركة لهم، والبركة إنما تكون من الله وحده، وإذا طلبها الإنسان فإنما يطلبها من الله، ولا تكون من أحد من المخلوقين، ولا بأس أن يتعاطى الإنسان بعض ما أنزل الله فيه البركة، كالزيتون، والتين، وماء زمزم، وزيت الزيتون، وما أشبه ذلك، فلا شك أن هناك أعيان مباركة، لكن البركة تطلب من الله -تبارك وتعالى-؛ ولهذا ما يقال: تباركت علينا يا فلان، أو حينما يزورك تقول: زارتنا البركة، أو نزلت علينا البركة، أو حلت علينا البركة، أو هذا من بركات فلان، هذا كله لا يصح، وإنما البركة من الله وحده، لا شريك له، قال: إنك حميد مجيد وقد مضى الكلام على هذا الحديث الأخير، في هذا الباب، وهو حديث أبي حميد الساعدي .

قال: قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته[5]، لاحظ أزواجه وذريته، ففهم منه بعض أهل العلم أننا حينما نقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد: أن أزواجه داخلات في هذا، وأنه تفسير لما سبق، وعلى أزواجه وذريته؛ ذريته من أين؟ من بناته، ودل ذلك على أن أبناء البنات وبنات البنات من ذرية الرجل، وهذا لا شك فيه، خلافًا لما قاله الشاعر:

بَنُونا بَنو أبنائِنا وبَناتُنا بَنوهنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ[6]

فبعضهم يحتج بهذا البيت، ويترك الآيات الواضحة والأحاديث، مثل هذا الحديث، وتعرفون الحجاج بن يوسف لما جاء بأبي عمرو بن العلاء فيما يحضرني الآن، وتوعده وتهدده وأبو عمرو بن العلاء من كبار القراء، جاء به وقال: إنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي ﷺ لتأتين على ذلك ببرهان، أو لأفعلن بك، وأفعلن، والحجاج معروف، فبماذا احتج عليه؟ حجة من القرآن، ماذا قال؟ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنعام: 84-85] فجعلهم من ذريته، مع أن عيسى ابن بنت، ابن مريم، وليس له أب، فجعله من ذرية إبراهيم .

فالشاهد هنا: أن ذرية النبي ﷺ كلهم من بنات، ولم يكن له من الأولاد كما هو معلوم، فإنهم ماتوا وهم صغار.

كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد[7]، متفق عليه

هذه صيغ يحسن أن ينوع الإنسان فيها، كل مرة ينوع بنوع، لكنه لا يلفق منها صيغة واحدة، يقول: أنا أريد أن أخرج صيغة متكاملة أجمعها من هنا وهنا وهنا، وأضم ذلك إلى بعض، حتى يخرج صيغة طويلة، من مجموع هذه الروايات، يقال: لا، التلفيق بين هذه الروايات لا يشرع، وإنما في كل مرة يقول بصيغة، ولا يأتي بها متتابعة في التشهد، وإنما يكتفي بواحدة.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء برقم (1481) والترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات برقم (3477) وصححه الألباني.
  2. أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب:55] برقم (4797) ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (406).
  3. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحزاب برقم (3205) وصححه الألباني.
  4. أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (405).
  5. أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3369) ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (407).
  6. البيت في محاضرات الأدباء (1/443) من غير نسبة.
  7. أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3369) ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (407).

مواد ذات صلة