الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
حديث «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة..» إلى «تريدين أن تصومي غدا..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة".

سواء كانت تلك الصلاة سنة أو غيرها، يعني: بعد إقامة الصلاة؛ وذلك لقول النبي ﷺ كما سيأتي: إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة[1].

"كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة" يعني: سواء كانت السنة الراتبة، كسنة الفجر مثلاً، أو كانت من قبيل تحية المسجد، أو التنفل المطلق، فإن ذلك منهي عنه، وعلة النهي من أهل العلم من يقول: من أجل مخالفة الإمام، الإمام يصلي فريضة، وهذا يصلي نافلة.

وبعضهم يقول -وهو الأقرب-: لما فيه من الاشتغال عن الصلاة المكتوبة، يعني: أقيمت هذه الصلاة، فهذا يصلي نافلة، فتفوته تكبيرة الإحرام، ويفوته التأمين مع الإمام، وقراءة الفاتحة، وما إلى ذلك، وهذا يقتضي أنه إذا سمع الإقامة فإنه لا يشرع في التنفل، ولكن يبقى النظر فيما إذا كان قد شرع قبل الإقامة هل يقطع أم لا؟

أورد المصنف -رحمه الله- تحت هذا الباب حديثًا واحدًا.

وهو حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة[2]، رواه مسلم.

فقوله: إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة هذا -كما سبق- أنه لا يشرع في صلاة إذا أقيمت الصلاة، أما النافلة فلا شك، ولكن الفريضة في الفائتة إذا كان هذا الإنسان دخل وأقيمت صلاة العشاء، ولم يصل المغرب لسبب أو لآخر مسافر قد أخرها، أو نسيها فتذكرها، أو تبين له أنه صلاها على غير ذلك، ثم تذكر عند إقامة صلاة العشاء أنه صلى المغرب بلا وضوء، فتوضأ، ثم أراد أن يصلي عند إقامة الصلاة، حينما أقيمت الصلاة بالنسبة للنافلة لا يصلي لا سنة راتبة، ولا تحية مسجد، ولا نفل مطلق، أما الفريضة فهنا إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فمن فسر (أل) هذه بأنها للجنس (المكتوبة) قال: لا يصلي نافلة، لكن هذا الذي فاتته لا يدخل فيه؛ لأنه يصلي فريضة، فشرع في صلاة فريضة، لا سيما عند من يقول: بأنه لا يصح الاختلاف في النية بين الإمام والمأموم، بمعنى: أن هذا يصلي مغرب، وهذا يصلي عشاء مثلاً عند من يقول: بهذا، ماذا يفعل مع وجوب الترتيب بين الصلوات؟ فإنه قد يقول: يصلي الفريضة أولاً التي فاتت، ثم يلتحق بالإمام فيما أدركه فيه، ولكن الأحسن من هذا -والله أعلم- أنه يصلي مع الإمام، ولا يتخلف عنه بصلاة ينشئوها فريضة، فضلاً عن النافلة، لكن هذه الصلاة التي يلتحق مع الإمام فيها هل هي الصلاة التي أقيمت -يعني: العشاء- أو يدخل معه بنية المغرب؟

من فسر (أل) هذه فلا صلاة إلا المكتوبة على أنها للجنس، قال: هذا ما خالف الحديث، هو يصلي مكتوبة، لكنها مغرب، خلف هذا الإمام الذي يصلي العشاء، ومن فسر (أل) هذه بأنها عهدية، العهد الذكري المذكور قبل ذلك إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت، يعني: لا يصلي فرضًا غيرها، قالوا: فلا يدخل مع الإمام بنية المغرب، وإنما المقصود أنه لا يصلي إلا هذه الصلاة التي أقيمت، فيصلي بنية العشاء طيب والمغرب؟ قالوا: يصليها بعدها، وهذه حال تسقط فيها وجوب الترتيب بين الفرائض، والحديث يحتمل، ولو قيل: بأنه يجوز له أن يدخل مع الإمام بنية الفائتة المغرب مثلاً، ثم يجلس إذا قام الإمام إلى الرابعة، وينوي الانفصال إن شاء، فيتشهد، ويسلم، ثم يدرك الإمام في الركعة، فيكون قد أدرك مع الإمام ركعة من العشاء، وبهذا يكون قد صلى جماعة المغرب والعشاء، أو أنه يجلس إذا قام الإمام إلى الرابعة حتى يأتي الإمام، ويجلس للتشهد، ثم يتشهد معه، ويسلم مع الإمام، فيكون قد صلى خلفه المغرب ثلاث ركعات، هذه طريقة صحيحة، والطريقة الأولى صحيحة، وكل طريقة لها مزية، فالطريقة هذه مزيتها الأخيرة: أنه قد صلى مع الإمام، حتى انصرف، فلم ينو الانفصال عنه، وهذا أكمل، والطريقة الأولى: أنه نوى الانفصال، فلم يصل مع الإمام الصلاة كاملة؛ لأنه تشهد ونوى الانفراد، فجلس جلوسه هذا على سبيل الانفراد، والتشهد على سبيل الانفراد، والتسليم على سبيل الانفراد، فصار منفردًا في ذلك، لم يكمل مع الإمام، لكن المزية أنه أدرك من العشاء ركعة مع الإمام.

وعلى كل حال هذا يجوز، وهذا يجوز، ومبنى الخلاف السابق على (أل) هذه هل هي للعهد -الصلاة التي ذكرت آنفًا- أو أنها للجنس فلا صلاة إلا المكتوبة؟ وهنا فلا صلاة إلا المكتوبة هذا نفي مضمن معنى النهي، والنهي الأصل أنه للتحريم، والنهي للفساد، فلا يجوز له أن يشرع بصلاة؛ ولهذا قال النبي ﷺ: الصبح أربعًا؟[3]، لما شرع يصلي سنة الفجر لما أقيمت الصلاة، وهذا يرد على من قالوا: بأن سنة الفجر تصلى ولو أقيمت الصلاة، كما يقول الأحناف، فهذا مخالف لظاهر الحديث، لو أنه شرع في الصلاة، ثم أقيمت هل يصدق عليه هذا إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة؟ قد يشمله بظاهره، فلا صلاة سواء كان سيشرع بها، أو كان قد شرع بها لما أقيمت، فينوي الخروج منها، يعني: يقطع الصلاة، ويلتحق بالإمام، وهذا القطع لا يحتاج إلى تسليم كما يفعل بعض الناس؛ لأنها ليست صلاة تامة يخرج منها بالتسليم، وإنما يكفي بالنية قطع الصلاة، يعني: نية الخروج منها، وما يحتاج يسلم.

لكن من أهل العلم من قال: إنه إذا كان بقي عليه من الصلاة قليل، فإنه يكمل ذلك، ويخففها، مثل لو علم أنه ريثما ينتهي من الإقامة، ويقول الإمام: استووا اعتدلوا يكون قد انتهى من صلاته، فلا إشكال -إن شاء الله-، ويلتحق بالإمام ويدرك معه تكبيرة الإحرام، فيكبر الإمام، وهو قائم في الصف، فيكبر بعده، فيكون قد أدرك تكبيرة الإحرام.

ثم ذكر الباب الذي بعده.

وهو "باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام، أو ليلته بصلاة من بين الليالي".

وذكر تحته أربعة أحاديث.

كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام، هكذا أهل العلم يعبرون عادة بالكراهة، وهذا الذي عليه الجمهور: أنه يكره كما يقوله الشافعية[4]، والحنابلة[5]، وقال به أيضًا جمع من أهل العلم، كابن القيم[6]، والشوكاني[7]: أن ذلك يكره أن يخصص يوم الجمعة بالصيام، أو ليلة الجمعة بالصلاة من بين الليالي.

حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم[8]، رواه مسلم.

هذا نهي عن التخصيص، ولكن إن لم يكن ذلك على سبيل التخصيص، فلا إشكال، يبينه الحديث الذي بعده حديث أبي هريرة قال: سمعتُ النبي ﷺ يقول: لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا يومًا قبله، أو يومًا بعده[9]، فهذا متفق عليه.

يعني: أنه يقرن ذلك مع يوم آخر، وهنا في الحديث الذي قبله: إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم إذًا صار عندنا إما أن يكون مفردًا، وقد وافق في صوم يصومه مثل من يصوم يومًا، ويفطر يومًا، فصام الأربعاء، ثم أفطر الخميس، ثم صام الجمعة، ثم أفطر السبت، فهذا لا إشكال فيه، فالذي يصوم يوم ويفطر يوم، إذا وافق الصوم يوم الجمعة، فلا يحتاج أن يصوم يوم الخميس معه، أو يوم السبت معه، وهذا لا إشكال بنص الحديث إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم.

أو كان هذا الإنسان يصوم مثلاً مطلع الشهر، أو آخر الشهر، اعتاد على هذا، يصوم سرر الشهر، وقد جاء ذلك أيضًا عن النبي ﷺ، فوافق يوم جمعة، فلا إشكال، أو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم يوم الجمعة، فماذا يفعل؟ يصوم الجمعة، ولا يجب عليه يصوم قبله ولا بعده.

إذًا المقصود: ألا يقصد تخصيص يوم الجمعة بالصيام، والعلة في ذلك ما هي؟

من أهل العلم كالنووي -رحمه الله- يقول: "قال العلماء والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها...، وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط، وانشراح لها، والتذاذ بها، من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة"[10].

هذا كلام النووي -رحمه الله-، بصرف النظر هذا التعليل صحيح أم لا؟ لكن انظر أهل العلم كيف ينظرون؟ وكيف يفكرون؟ وكيف يعتبرون؟ ونحن يوم الجمعة لربما لا نأتي إلا وقت إقامة الصلاة، نوم، وبعضنا لا يأتي للمساجد التي تتأخر، فهنا تعليل للنهي عن الصوم من أجل أن يتقوى لذلك اليوم، ويحضر مبكرًا من الساعة الأولى إذا استطاع، أو الساعة الثانية، فلا يضعف.

لكن هذا يرد عليه أنه في الحديث الآخر قال: لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا يومًا قبله، أو يومًا بعده طيب سيضعف، فيوم قبله، بعضهم قال: إذا صام يومًا قبله يتهيأ تتروض نفسه، وبعضهم قال: لا، إذا صام يومًا قبله، أو يومًا بعده يكون قد جاء بعبادة عظيمة، صام يومين، فيكون ذلك في مقابل الضعف الذي يحصل له يوم الجمعة، فيكافئ ذلك بصيام يومين، لكن هذا فيه نظر.

وبعضهم علل: بأنه يوم عيد، وهذا هو الأقرب، وهو الذي اختاره الحافظ ابن القيم[11]، والحافظ ابن حجر[12]، قالوا: هذا يوم عيد، ويوم العيد هذا كما صح عن علي : "من كان منكم متطوعًا من الشهر أياما يصومها، فليكن من صومه يوم الخميس، ولا يتعمد يوم الجمعة، فإنه يوم عيد وطعام وشراب، فيجتمع له يومان صالحان، يوم صيامه، ويوم نسكه مع المسلمين"[13]، فهذا هو الأقرب -والله أعلم- أنه يوم عيد.

وبعض أهل العلم قال: من أجل ألا يتشبه باليهود أو النصارى، ولكن هذا يجاب عنه بأن اليهود لا يصومون يوم السبت تعظيمًا له، وبعضهم يقول: لا يتشبه بالنصارى؛ لأنهم يستحبون صومه، وهذا أيضًا فيه نظر.

وبعض أهل العلم قال: لما كان يومًا معظمًا من أجل ألا يكون ذريعة لإدخال عبادات فيه، من أجل تحقيق هذا التعظيم بأمور لم يأذن به الله -تبارك وتعالى-، هو يوم عظيم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم[14]، إلى آخره، في هذه الخصائص.

وألف بعض أهل العلم رسائل خاصة في فضائل وخصائص يوم الجمعة، فبعض أهل العلم قالوا: من أجل ألا تخترع عبادات يزعم صاحبها أنه معظم لذلك اليوم، فيلفقون فيه عبادات في قيام تلك الليلة، ويتحرون فضل يوم الجمعة، وصيام ذلك اليوم لفضله، فهذا منهي عنه.

وعلى كل حال الأقرب أنه يوم عيد، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر حديث محمد بن عباد، قال: "سألت جابر أنهى النبي ﷺ عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم[15]، متفق عليه.

والعلماء يحملون ذلك على الكراهة، والأصل أن النهي للتحريم.

ثم ذكر حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها: أن النبي ﷺ دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري[16]، رواه البخاري.

وهذا يدل على جواز الفطر في صيام التطوع، وأن صوم يوم الجمعة مفردًا أنه أمر غير مستحب، ومر ناس من أصحاب عبد الله، على أبي ذر يوم جمعة، وهم صيام، فقال: "أقسمت عليكم لتفطرن، فإنه يوم عيد"[17]، وإسناده صحيح عن أبي ذر ، فعلى كل حال هذا ما يتعلق بتخصيص يوم الجمعة بالصيام، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن برقم (710).
  2. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن برقم (710).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة برقم (6639 ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن برقم (711).
  4. شرح النووي على مسلم (8/19).
  5. الفروع (3/91).
  6. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (7/47).
  7. نيل الأوطار (4/296).
  8. أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا برقم (1144).
  9. أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة برقم (1985) ومسلم في كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا برقم (1144).
  10. شرح النووي على مسلم (8/19).
  11. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/405).
  12. فتح الباري لابن حجر (4/234).
  13. مصنف عبد الرزاق الصنعاني برقم (7813) ومصنف ابن أبي شيبة برقم (9243).
  14. أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة برقم (854).
  15. أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة برقم (1984) ومسلم في كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا برقم (1143).
  16. أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة برقم (1986).
  17. مصنف ابن أبي شيبة برقم (9244).

مواد ذات صلة