الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فنواصل في هذه الليلة الحديث عن حديث النواس في خبر الدجال.
قال: ثم يدعو يعني: الدجال رجلاً ممتلئًا شبابًا يعني: في عنفوان الشباب فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، رمية الغرض وقد مضى الكلام على هذا المعنى ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك يعني: يحيا من جديد ابتلاءً، واختبارًا للناس فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم ﷺ.
المسيح الدجال يقال له: المسيح، وسبب هذه التسمية: قيل: لأنه يمسح الأرض، وقيل: ذلك يعود إلى صفة عينه، وقيل غير ذلك، أما عيسى فقيل: لأن باطن القدم ممسوح، وقيل: لأنه لا يمسح على ذي عاهة إلا برئ بإذن الله -تبارك وتعالى- وقيل غير ذلك.
يقول: فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم ﷺ وعيسى ينسب إلى أمه؛ لأنه لا أب له، ولا يذكر، أو لا يكاد يذكر في القرآن غالبًا إلا منسوبًا لأمه، الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يذكرون من غير نسبة لأب، ولا لأم، وعيسى غالبًا ينسب إلى أمه، بعض أهل العلم يقول: تذكيرًا بالمعجزة؛ لأن خلقه كان آية، معجزة، فالله -تبارك وتعالى- يخلق ما يشاء، فخلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ضلع آدم، وخلق عيسى من أم بلا أب، وخلق سائر الناس من أبوين.
يقول: إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم ﷺ وهذا فيه الجمع بين الصلاة والتسليم على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هذا إذا كان الذي قاله رسول الله ﷺ يعني لم يكن ذلك من صنيع بعض الرواة، وعلى كل حال، لاشك أن النبي ﷺ قد أمرنا الله بالجمع له بين الصلاة، والسلام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] فما يكفي أن نقول في حق نبينا ﷺ: أو نقول: صلى الله عليه، أو عليه الصلاة، بل لابد من الجمع بين الأمرين.
أما سائر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والملائكة، فإن الأكمل أن يجمع بين هذا، وهذا، فيقال: جبريل ﷺ، عيسى ﷺ، ولو أنه اقتصر على السلام مثلاً، فقيل: جبريل ، عيسى ، موسى ؛ فإن ذلك لا حرج فيه.
أما غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإنه قد جرى العمل على الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، لكن لو قيل في آحاد الناس، لو قيل في آحاد الناس، أو في مجموعهم من أهل الإيمان على سبيل التبع، ذكرت الصلاة والسلام عليهم على سبيل التبع، قيل: اللهم صل على محمد، وعلى آله، وصحبه، وأتباعه إلى يوم الدين، فهذا لا إشكال فيه، أما على سبيل الانفراد مثلاً، فيقال: فلان ﷺ فهل هذا فيه حرج؟
الجواب: لا حرج فيه، يجوز، وهكذا يقال: فلان أو نحو ذلك، لا إشكال من الناحية الشرعية، ولكن العمل جرى على ما ذكرت، ثم أيضًا يراعى في ذلك ألا يكون شعارًا على أحد بعينه دون غيره، فيكون ذلك فيه نوع مضاهاة لبعض أهل البدع، كما يفعل الرافضة، يقولون: علي فاطمة -عليها السلام- وبعض الناس يقول ذلك، يعني من أهل السنة، في حق علي أو في حق فاطمة -رضي الله عنها- ولاشك أنهم أهل لذلك، ولكن لماذا لا يقال هذا، ولم نسمعه قط في حق أبي بكر وفي حق عمر، وفي حق عائشة، وفي حق خديجة -رضي الله عن الجميع-.
فالمقصود: أنه لا يخص به أحد؛ فيكون ذلك شعارًا عليه، فيكون فيه مضاهاة لهؤلاء المبتدعة، وإنما يترضى عن الصحابة، لكن لو قيل مثلاً: أبو بكر ﷺ لم يكن القائل قد أتى بشيء منكر، أو محرم، ولو قال في غيره ﷺ فهذا لا إشكال فيه، لكن كما سبق.
قال: فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ينزل يعني عيسى هو في السماء، كما قال الله : بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158] فعيسى لم يمت، وإنما هو حي في السماء، فينزل في آخر الزمان، والله قال: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159] فينزل ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، أو السيف، يعني يضع الجزية، لا يقبل من أهل الكتاب الجزية، فعيسى ينزل، هنا قال: عند المنارة البيضاء ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين فينزل في هذا المكان المحدد المعين بهذه الصفة: بين مهرودتين يعني عليه ثوبان مصبوغان بصفرة خفيفة بين مهرودتين، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين.
فهنا يقول: إذا طأطأ رأسه قطر يعني إذا خفض رأسه قطر، يعني الماء منه، بأي صفة، قال: وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ جمان كاللؤلؤ يعني حبات مثل حبات الفضة المشبهة باللؤلؤ، حبات فضة مستديرة، في غاية الصفاء، فهذا الذي يتحدر منه، يتصبب من هذه القطرات في صفائها، ونقائها تشبه الفضة النقية الصافية، التي تشبه اللؤلؤ في صفائها ونقائها إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ يقول: فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه يعني عيسى نفسه ينتهي إلى حين ينتهي طرفه، فمن يجد نفسه من الكفار يموت مباشرة، لا يبقى حيًا، لا يحتاج إلى قتل، وهذه من آيات الله -تبارك وتعالى-.
يقول: فيطلبه يعني عيسى يطلب المسيح الدجال حتى يدركه بباب لد باب لد هذا بلدة قريبة من بيت المقدس، يدرك الدجال هناك.
طبعًا اليهود ينتظرون مجيء المسيح، مسيح اليهود، الذي هو المسيح الدجال، فقد صح أن النبي ﷺ أخبر أنه يتبعه سبعون ألفًا من يهود أصبهان، عليهم الطيالسة[1] يلبسون هذا اللباس الذي هو الطيلسان، نعم، هذا فقط من يهود أصبهان، وهي ناحية معروفة في إيران، نعم، هؤلاء الذين يتبعونه من هناك حينما يخرج من المشرق.
فعيسى يدرك الدجال بباب لد فيقتله، وقد جاء في بعض الروايات، الأحاديث الصحيحة: أنه يذوب كما يذوب الملح في الماء[2] فيدركه عيسى فيقتله.
ثم يأتي عيسى ﷺ قوم قد عصمهم الله منه يعني من فتنته، من أهل الإيمان بقوا ثابتين على الحق فيمسح عن وجوههم يمسح عن وجوههم يحتمل أنه يمسح حقيقة، ولا شك أن مسح نبي من الأنبياء أن ذلك فيه من البركة التي جعلها الله في مسحه، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يتبرك بذواتهم، والنبي ﷺ كما هو معلوم، كان عرقه يخلط مع الطيب، ويكون أحسن الطيب.
وكذلك أيضًا في حديث أنس في الجلجل، الذي فيه شيء من شعر النبي ﷺ فكانوا يضعون عليه الماء، أو يخلطونه بالماء، أو يغمسونه في الماء، فيشربه المريض[3].
وكان ﷺ كما هو معلوم في قصة الحديبية، ما بصق إلا تلقفوه، ويمسحون به وجوههم، وأيديهم[4] وكذلك كادوا أن يقتتلوا على فضل وضوئه[5] يعني ما انفصل من جسده من الماء، فهذا لا إشكال فيه.
لكن اليوم لا يثبت شيء من آثار النبي ﷺ إطلاقًا، فيبقى الكلام في هذه المسألة إنما هو كلام نظري فقط، يعني ما يذكر أن هذا من شعر النبي ﷺ في بعض البلاد، أو نحو ذلك، كل هذا لا يثبت فيه شيء، لا يثبت، والله تعالى أعلم.
على كل حال، فهنا يمسح عيسى يحتمل أن هذا المسح للبركة، ويحتمل أن يكون هذا المسح من أجل أن هؤلاء يمسح عنهم، أنه قد أصابهم من الرهق، والعناء، والخوف، والشدة، فيمسح عنهم ذلك، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، وهم في الدنيا، يقول: أنت في المرتبة الفلانية، وأنت في الدرجة الفلانية، وأنت، وهذا حديث نبي، وليست برؤيا منامية، أو أماني، أو نحو ذلك.
فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى ﷺ يعني بعدما يقتل الدجال، تتتابع هذه الأشراط الكبرى للساعة، بينما هو كذلك، وقتل الدجال، ويمسح على وجوه هؤلاء، ويحدثهم عن منازلهم في الجنة إذ أوحى الله إليه أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم يعني لا أحد يستطيع المقاومة، والمواجهة لهم، لكثرتهم، وقوتهم، وشدتهم، عدد هائل لا يمكن لأناس أن يقفوا في وجه هذا السيل الهادر، كما قال الله : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:96-97] فهنا اقتربت القيامة يعني مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ من كل ناحية بين جبلين، أو نحو ذلك يَنْسِلُونَ النسلان: مشي السباع، مشي الذئاب، رأيتم كيف الذئب يمشي، يتحرك بطريقة معينة، رأيتم الجنود حينما يدخلون بلدة يمشون بطريقة معينة فيها شيء من الإسراع، والمشي الحدر مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فهؤلاء بهذا العدد الهائل لا يدان لأحد بهم.
ونسبهم الله إليه: قد أخرجت عبادًا لي وهذا ليست الإضافة إضافة تشريف، وإنما هي إضافة خلق، وهذا أيضًا يشعر بعظمة الله أنه يخلق خلقًا بهذه الصفة، والكثرة، وإن كان لا يحبهم، وإن كانوا من الكافرين لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور.
حرز عبادي، حرز: يعني ضمهم إلى جبل الطور، وهذا يشعر أنهم ليسوا بكثير، أنهم قلة، أن أهل الإيمان في ذلك الوقت الذين يحصل لهم النجاة من فتنة الدجال ليسوا كثرة، بدليل أنهم يجمعون إلى الطور، فهم لا يملؤون الأرض، والآفاق، وإنما يمكن أن يجمعوا في هذا المكان، في جبل الطور حرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج.
يأجوج ومأجوج قبيلتان في المشرق، وذكرهم الله في سورة الكهف، في قصة ذي القرنين حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ الآيات [الكهف:93-94] فهؤلاء، وضع عليهم السد فامتنعوا، أين هؤلاء؟ -الله أعلم- هل هم الصين الآن؟
نقول: لا، ليسوا كذلك؛ لأن أهل الصين يذهبون، ويختلطون بالناس، ويخرجون، وهل هذا السد هو سد الصين الذي يذهب إليه الناس، والسواح، ويطوفون فوقه، وحوله، ويتجولون؟
الجواب: لا؛ لأن هذا السد لم يمنع أهل الصين من اجتيازه كما هو معلوم، فهذا أخبر النبي ﷺ أنهم في كل يوم ينقبون، قال الله تعالى: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:97] فهم في كل يوم ينقبونه كما ثبت عن النبي ﷺ ثم يقولون: في الغد نكمل، فيعود كما كان، لا يقولون: إن شاء الله، والنبي ﷺ قال ذات يوم لما أصبح: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا[6]
فهم يحفرون، هل الصين يحفرون في هذا السد؟
الجواب: لا، إذًا ليسوا هم.
قد يقول قائل: الآن الأقمار الصناعية، والكشوفات الجغرافية، والناس وصلوا إلى كل بقعة في الأرض، أين هم؟
نقول: الله على كل شيء قدير، الله قادر على أن يعمي خبرهم عن الناس إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ونعطيكم مثالاً على هذا، أو مثالين: بنو إسرائيل، وقع لهم التيه، تاهوا في سيناء، في صحراء محدودة معروفة، محددة المعالم، يتيهون في الأرض، كم بقوا فيها؟
أربعين سنة يتيهون في الأرض قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ [المائدة:26] الوقف هنا على قول بعض أهل العلم أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [المائدة:26] يكون مدة التيه أربعين سنة، أو قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [المائدة:26] بمعنى: أنهم في كل حالة من هاتين الحالتين أنهم سيبقون هذه الأربعين سنة، وقد ثبت: أنهم حينما يسيرون سائر النهار، إذا أصبحوا، وإذا هم في مكانهم الأول.
لاحظ معهم موسى ومعهم هارون، في مجاري العادات، يتوجه الإنسان في مثل هذه الصحراء، صحراء سيناء، أو غير صحراء سيناء، أربعين سنة الكرة الأرضية كلها، يستطيع أن يجتازها عدة مرات على الأقدام، أليس كذلك؟ هذه صحراء محدودة، أربعين سنة، وهم لا يستطيعون مجاوزتها في تيه، ومعهم أنبياء: موسى وهارون، -عليهم الصلاة والسلام- ومع ذلك ما استطاعوا شيئًا، لماذا؟
لأن الله على كل شيء قدير، وإلا لو نظر الإنسان في حاله، أحيانًا الإنسان يلبس النظارة، ويبحث في كل مكان في البيت، وفي السيارة، وهو يلبسها، أليس كذلك؟ يبحث عنها، أحيانًا يضع القلم في أذنه، ويبحث عن القلم في كل مكان، وهو في أذنه، ولكنه يعمى، وأحيانًا لا يضعه في أذنه، ولا يضع النظارة في عينه، يكون أمامه، ويبحث عن هذا، ويبحث في هذا المكان عدة مرات، ولا يراه حتى ييأس منه، ثم يراه، وكيف غاب؟ وهذا يقع لكل واحد منا، أليس كذلك؟
يقع من الإنسان أحيانًا شيء في أرض فلاة، في صحراء محدودة، خطواته فيها محدودة، يبحث شبرًا شبرًا، ومع ذلك لا يجد هذا الشيء؛ لأن الله ما أراد ذلك، فالله على كل شيء قدير، فيأجوج ومأجوج ليسوا هم أهل الصين، ولا جديد في موضوع الصين، وفي موضوع السد، العلماء، وصفوا هذا السد في الصين منذ قرون متطاولة، تظنون أنه ما عرف الناس إلا يوم جاءت الآلات الحديثة، والأقمار الصناعية، والطائرات، والمواصلات، لا لا لا، العلماء يذكر هذا من أواخر زمن الصحابة، من عهد معاوية هناك ناس ذهبوا، ورأوا سد الصين، كما يوجد من فتحوا الأهرام، ووصفوا كل الذي فيها، الكتب موجودة، فيها وصف التوابيت، والكنوز، وما إلى ذلك، في كتب قديمة، قبلما تأتي الحملة الفرنسية إلى مصر، كانوا يعرفون، ما يخفاهم، ومع ذلك ما قالوا: إن هذا سد الصين هو، وأن هؤلاء أهل الصين هم يأجوج ومأجوج، أولئك ينقبون في السد كل يوم، والله قال: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ [الأنبياء:96] قال: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الكهف:98] هذا السد هو الذي يحول بينهم، والناس، فالمقصود: أن هؤلاء يأتون من كل حدب ينسلون، يدخلون بهذه الطريقة.
فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها بحيرة معروفة في المشرق، يشربون ما فيها، بحيرة، ملح، فيشربونها، أهل الصين يشربون بحيرة طبرية؟ يشربون مياه البحار ويمر آخرهم لاحظ من الكثرة الآن، الأولون يشربون البحيرة من كثرتهم، ولازال خلفهم ناس فيأتي آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء شربت، انتهت، جفت، شربوها، ما تبخرت عبر هذه القرون المتطاولة من الشمس، والهواء، وعوامل التبخير، لا ما تبخرت، ويأتون هؤلاء، ويشربونها، ما شربتها لا السباع، ولا شربها البشر، ولا مصانع تحلية، ولا غير ذلك، ويأتي هؤلاء بمجرد المرور عليها.
قال: ويحصر نبي الله ﷺ وأصحابه يحصرون في الطور، لا يستطيعون الذهاب، والمجيء، والانطلاق، والتجارة، والتكسب، وما إلى ذلك، وفي مثل هذه الحالات في الحصر ما تنفع الأموال، والذهب، والفضة، الناس بحاجة إلى شيء يأكلونه، فهنا قال: حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم مائة دينار في زمن النبي ﷺ هذا شيء هائل، هذا كنز، هذه ثروة هائلة رأس الثور رأس الثور الراجح أن المقصود به الرأس نفسه، وليس المقصود الثور، وهذا يدل على الشدة، وإلا فالرأس عادة ليس فيه كثير لحم، إذا كان رأس الثور أفضل عند الواحد منهم من مائة دينار بالنسبة لأصحاب النبي ﷺ فكيف بالثور إذًا، كم يساوي؟
ولا يقال: إن المقصود برأس الثور يعني عبر بالرأس، وأريد الثور نفسه؛ لأنه لا يقال: رأس الثور، وإنما يقال: الرأس من الثور، الرأس من الثيران، أو يقال: رأس ثور، يعني: المقصود به ثور، فعبر بالرأس عنه، لكن حينما يقال: حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار رأس الثور، رأس الثور المقصود الرأس، لكن لو قال: رأس ثور، يحتمل أن يكون المراد به الثور، عبر بالرأس عنه، أو الرأس من الثور، يعني من جنس الثيران، فهنا المقصود الرأس نفسه، خيرًا من مائة، يعني هذا يدل على الشدة التي يكونون فيها، والجوع، فالله يبتلي أهل الإيمان، ولكن ذلك لا يدوم، الشدة لا تدوم: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].
يقول: فيرغب نبي الله عيسى ﷺ وأصحابه إلى الله تعالى.
يعني يدعون الله، يتضرعون إليه فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم أصل النغف يقال لنوع من الديدان، تكون في آناف الإبل والغنم، فهنا يرسل الله عليهم هذه الدويبة الحقيرة في رقابهم، فيهلكهم، هؤلاء الذين تطاولوا حتى إنهم يقولون: قهرنا أهل الأرض، ثم يبدؤون يضربون بالسهام إلى السماء، يريدون أن يقاتلوا أهل السماء، فتأتي هذه الدويبة، وتقضي عليهم، والله لا يعلم جنوده إلا هو -تبارك وتعالى- فيهلك الطغاة الكبار بأضعف الخلق، والواقع، والتاريخ عبرة كبيرة جدًا.
بعض خلفاء بني العباس كان له من الهيبة، والقوة، والشدة ما لا يقادر قدره، لا يستطيع أحد أن يقترب منه، فلما كان في حال الاحتضار، وظنوا أنه قد مات، ما كان يستطيع أن يدخل عليه إلا واحد من المقربين إليه، ووزرائه، أما بقية القرابات من بني العباس، وممن هم مرشحون للخلافة ما كان يستطيع أحد أن يقترب عنده، فكانوا يبعثون هذا، انظر، يعني هل فارقت روحه جسده، أم لا؟ يقول: فاقتربت دنوت منه، فنظر إليّ بعينه نظرة فزعت منها، فتراجع، يقول: ثم تركته، ثم رجعت ثانية فوجدت هذه العين التي قد نظر إلي فيها قد قضمتها فأرة -يعني مات-، هذه العين التي أرعبت هذا الوزير، قد نهشتها، قضمتها فأرة، هذه الدويبة الضعيفة، انظر هذه العين التي ترعب هؤلاء الخلفاء، والكبراء، والقادة، فالله -تبارك وتعالى- هو العظيم الأعظم.
وانظروا إلى حال هؤلاء الذين قد أرى الله فيهم عجائب قدرته، أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، من قبل أناس كانوا يملؤون السجون من الأخيار، ومن الصالحين، ومن الدعاة إلى الله في مصر، وليبيا، وتونس، فمن أين أتوا؟
من قبل أناس شباب هواة في بعض وسائل الاتصال الحديثة، ما كانوا يتوقعون، ولا يحترزون منهم، ولا يظنون أن نهايتهم ستكون على أيديهم فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2] وهكذا فعل قبلهم في بني قريظة، وغيرهم وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.
فالشاهد: أن هؤلاء من أصحاب عيسى يرغبون إلى الله، فيرسل عليهم هذا، يرسل على هؤلاء من يأجوج ومأجوج، قلنا هم قبيلتان، ولا صحة لمن قال: إن يأجوج هم الذكور، ومأجوج هم الإناث مثلاً، وبعضهم يقول: هي لغة عربية أصلها، فيذكرون الاشتقاق من أين اشتقت، هل هي ترجع إلى مادة يكون معناها الاختلاط، أو يكون معناها التأجج، التوقد، ونحو ذلك، أو غير هذا، فهذا كله -والله أعلم- فيه نظر.
فالشاهد: أنه هنا يموتون بهذه الأعداد الهائلة: يصبحون فرسى كموت نفس واحدة يتساقطون، فرسى فرسى، يقال: هذه الشاة التي افترسها الذئب فريسة، فهؤلاء يصبحون صرعى فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7] فهؤلاء بالهواء، وهؤلاء بالماء، وهؤلاء بديدان.
قال: ثم يهبط نبي الله عيسى ﷺ وأصحابه يهبطون من الطور إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم، ونتنهم لكثرتهم، ما في موضع شبر إلا وفيه زهم، الزهم: هو الذي يخرج من الأبدان، الزهومة، كالأشياء التي تنصهر من جسم الإنسان من زهمهم، ونتنهم تتغير، وتنتن تلك الأجساد المنتنة.
فيرغب نبي الله عيسى ﷺ لا ملجأ إلا إلى الله، هو الذي بيده كل شيء، فهؤلاء لا يمكن تأتي شركات، وتنظف الأرض، ولا يمكن لأحد، لا قبل لأحد، حتى حمل الجثث، لا قبل لأحد بقتالهم، ومواجهتهم، ولا قبل لأحد بحمل جثثهم، وتنظيف الأرض، ما الذي ينظف هذه الأرض، والزهم الذي تغلغل في التربة.
فيرغبون إلى الله، فيرسل الله تعالى طيرًا كأعناق البخت أعناق البخت، يعني: الجمال فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله تلقيهم في مكان بعيد ثم يرسل الله مطرًا والتنكير هنا للتعظيم، مطر عظيم كثير لا يكن منه بيت مدر ولا وبر يعني لا يستر منه، لا يواري منه، لا يغطي منه، لا يقي بيت مدر الذي هو الطين، ونحوه ولا وبر بيوت الشعر والخيام، ونحو ذلك، فهذا المطر ينظف الأرض تمامًا فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة يعني كالمرآة، نظيفة، نقية، تتلألأ.
ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة العصابة من الناس: الجماعة من الناس، يأكلون من رمانة واحدة ويستظلون بقحفها قحفها مثل قحف الجمجمة، وهو قعر الرمانة، القشر المقوس، لما تقسم الرمانة مثلاً إلى نصفين، ويؤكل ما في داخلها، فيستظلون بقحفها، قحف الرمانة يكون مثل الخيمة، عصابة من الناس يجلسون تحته، يعني تصور الآن رمانة بحجم الغرفة، يأكل منها عصابة من الناس، من رمانة، فكيف بالرمان؟ ما حجم الرمان؟
يعني يمكن -والله أعلم- عشر رمانات تملأ المسجد، وكم يحتاج الناس الذي مثل الذر حتى يحملون الرمانة الواحدة؟ كم شخص يحتاج أن يحملوا هذه الرمانة؟ أو يدحرجونها، هذه حينما تخرج البركة.
وقد ذكر الإمام أحمد في المسند أنه وجد في بعض خزائن بني أمية صرة فيها حب بر أمثال النوى، بقدر النوى حبة البر، مكتوب فيها رقعة: هذا يخرج في أيام العدل[7] قيل: إن هذا خرج في أيام عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-.
تخرج الأرض البركات، بعض طلبة العلم يقولون في ليبيا، العام الماضي لما هلك هذا المجرم الذي يدعي أنه عبيدي، وأنه يسخر من القرآن، ويسخر من دين الإسلام، وعنده الكتاب الأخضر، لما أهلكه الله يقول بعض طلبة العلم هناك، يقولون: خرج من الربيع، وبعض النباتات التي لم نرها منذ أربعين سنة، كبار السن عندهم يقولون: إن بعض النباتات ما رأيناها من أربعين سنة، خرجت لما أهلك الله هذا المجرم، فهلاك هؤلاء المجرمين، لا شك أنه يكون سببًا لبركات الأرض.
فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس بارك في الرسل، يعني: اللبن، واللقحة هي الناقة حديثة الولادة حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس عدد كثير، جماعات من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس القبيلة معروفة، قبيلة من الناس، بقرة واحدة واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس الفخذ أقل من القبيلة، يعني الترتيب سبق الكلام على هذا في التسلسل، فهناك أعلى، ثم دونه، ثم القبيلة، ثم دونها، ثم يأتي بعد ذلك الفخذ، يعني هو تقريبًا في المرتبة رقم خمسة، الفخذ من القبيلة، بنو فلان مثلاً من القبيلة الفلانية، هذه تكفيهم اللقحة من الغنم، اللقحة من الغنم الآن تكفي لاثنين، أو ثلاثة؛ لأنها حديثة العهد بالولادة.
فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر نسأل الله العافية، يعني تقوم الساعة على الكفار، على شرار الناس، يتهارجون بمعنى: الجماع، يعني يجامعون النساء في الطرقات، وفي الأماكن العامة، لا يستترون، إنما يكونون كالبهائم تمامًا، فعلى هؤلاء تقوم الساعة تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة[8] رواه مسلم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال، برقم (2944).
- أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في فتح قسطنطينية، وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم، برقم (2897).
- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب ما يذكر في الشيب، برقم (5896).
- أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، برقم (2731).
- أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، برقم (187).
- أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3598) ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، برقم (2880).
- أخرجه أحمد في مسنده، برقم (7949) وقال محققه: هذا خبر إسناده ضعيف لا يثبت، وليس هو بحديث، ولا ندري وجه وقوعه في مسند أبي هريرة!
- أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم (2937).