الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة..»، «إن في الجنة شجرة..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

ففي باب بيان ما أعد الله للمؤمنين في الجنة أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي موسى أن النبي ﷺ قال: إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا[1]، متفق عليه.

قال النووي -رحمه الله-: الميل ستة آلاف ذراع[2]، هذا عند الشافعية والحنابلة[3]، والمؤلف -رحمه الله- من الشافعية، وعلى اعتبار أن الذراع نصف متر، أو ما يقرب من نصف متر؛ لأن الذراع يتفاوت في حسبته، والذراع أنواع، ولكل نوع اسم، فالمقصود: أنه بهذا الاعتبار لو قلنا: إنه نصف متر، ستة آلاف ذراع، فهذه ثلاثة آلاف متر، هذا الميل، وهنا ستون ميلاً، وكنتُ تكلمتُ على هذا الحديث، لكن غفلتُ أن أتحدث عن الستين ميلاً، نحن نريد أن نخرج مقدار هذه اللؤلؤة بالأميال؛ لأن النبي ﷺ ذكر ذلك، وهي أمور معروفة لدى المخاطبين، فعلى اعتبار ما ذكره النووي -رحمه الله-: أن الميل ستة آلاف ذراع، معنى ذلك: أن ستين ميلاً بهذه الحسبة يصل إلى مائة وثمانين كيلو متر، ارتفاع خيمة مجوفة من لؤلؤ مائة وثمانين كيلو متر في السماء، هذا الارتفاع.

وجاء في رواية: عرضها ستون ميلاً[4]، يعني: العرض مثل الارتفاع، فإذا كان كذلك، فالعرض أيضًا يبلغ مائة وثمانين كيلو متر، وكما ذكرت في بعض المناسبات أن العرب من شأنها أن تذكر العرض لتبين الاتساع؛ لأن الطول لا يقل عن العرض بحال من الأحوال، والغالب أنه أطول، فإذا قال الله عن الجنة: عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133] فمعنى ذلك أن طولها لا تسأل عنه! وعلى اعتبار بأن الميل كما عند الأحناف أربعة آلاف ذراع مثلاً[5]، يعني: أن ذلك يُقدر بألفي متر، فيكون الارتفاع مائة وعشرين كيلو متر، والعرض مائة وعشرين كيلو متر، وعند المالكية الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع[6]، يعني: ألف وسبعمائة وخمسين مترًا، فستون ميلاً تبلغ مائة وخمسة كيلو مترات، هذا ارتفاع اللؤلؤة، وكذلك عرضها، والميل المتعامل به اليوم الذي يُقاس به المسافات، يسمونه الميل الإنجليزي، يصل إلى ألف وستمائة وتسعة من الأمتار، فستون ميلاً يعني: ستة وتسعين كيلو وخمسمائة وأربعين متر، يعني: ستة وتسعين كيلو ونصف تقريبًا، الآن حينما نقول مثلاً: بأن هذه ارتفاع هذه الخيمة إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً هذا الارتفاع، يعني أنه يتفاوت ما بين مائة وثمانين كيلو متر، وفي أقل تقدير ستة وتسعين كيلو متر ونص، هذا الارتفاع، وكذلك العرض، فلك أن تتصور، الآن لو جئنا ننظر أكبر مدينة أو عاصمة أطول عمارة، هل في هذه العواصم ناطحة سحاب أو عمارة تصل إلى مائة وثمانين كيلو متر في السماء؟ هم يتكلمون عن مائة وثلاثين دور، ومائة وثمانين دور، لكن مائة وثمانين كيلو في أقل تقدير ستة وتسعين كيلو ونصف، ناطحة السحاب تصل إلى كيلو؟ ما تصل إلى كيلو واحد، أنت الآن أمام مائة وثمانين كيلو، أو أقل تقدير ستة وتسعين كيلو ونصف ارتفاع لؤلؤة واحدة لمؤمن واحد، هذا غير الأشياء الثانية التي له من القصور ونحو ذلك، هذه لؤلؤة مجوفة فقط.

للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا يعني: يطوف على الأهلين فلا يرى بعضهم بعضًا، يعني حينما يكون مع بعض زوجاته في الجنة الآخرون لا يرون ذلك، وأن الزوجات الأخريات لا يرينه، فهي عريضة جدًا وطويلة، الآن لو نظرنا أكبر مدينة وعاصمة، كم طولها؟ وكم عرضها؟ هل يوجد عاصمة طول بنيانها وعرضه يصل إلى مائة كيلو متر؟ تعرفون شيئًا من هذا؟ هذا لا يوجد، فهذه لؤلؤة واحدة، فكيف بالبساتين والقصور والأنهار؟! فنحن حينما نريد دارًا في الدنيا ارتفاعها لربما لا يتجاوز ثلاثين مترًا، أو أربعين مترًا، ومساحتها لربما خمسمائة متر، أو أقل، كم نحتاج من أجل أن نخطط ونفكر ونقترض ونجمع من المال حتى نستطيع شراء هذه الأرض، ثم بعد عمر طويل -إن شاء الله- نستطيع أن نبنيها؟ الإنسان يفكر أحيانًا يشتري له شيء، أو يشتري له شقة، هذا مشروع العمر، وهنا لؤلؤة واحدة بهذا الارتفاع مائة كيلو متر في السماء، أو أكثر أو أقل بقليل، هذه تحتاج إلى عمل، ومجاهدة نفس، وصبر، وحبس للنفس عن شهواتها ولذاتها، وتحتاج أن يكون الإنسان عنده رغبة بما عند الله -تبارك وتعالى-، وأن يتوب من الذنوب، ويراجع نفسه ويحاسبها، وأن يدفع ثمنًا لهذه الجنة.

والحديث الآخر الذي ذكره حديث أبي سعيد : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها[7] متفق عليه.

وفي الرواية الأخرى: يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها[8]، يعني: أطول من هذا، وكما سبق الحديث عن هذا في مناسبة سابقة في رمضان: أنه إذا كان معدل سير هذا الفرس الجواد المضمّر السريع مائة كيلو في الساعة، فمعنى ذلك أنه عندما يسير سيرًا متواصلاً حتى يقطع هذا الظل مائة عام، بسرعة مائة كيلو، بلا توقف، فإن هذه المساحة التي يقطعها بسير مائة كيلو متر في الساعة، بسرعة مائة كيلو، أربعة وثمانين مليون وتسعمائة وستين ألف، يعني: خمس وثمانين مليون كليو متر، يقطعها بسرعة مائة كيلو في الساعة، بلا توقف، في مائة سنة، أربعة وثمانين مليون كيلو متر، يعني بل أكثر، يعني خمسة وثمانين مليون كيلو متر، فالأرض بكاملها لا شيء بالنسبة إلى هذه الشجرة، وهي شجرة واحدة في الجنة، هذا ينبئ -أيها الإخوة- عن أن عالم الآخرة، وأن الجنة وما فيها من نعيم لا يمكن أن يقاس في الدنيا، والآخرة ليس في الدنيا مما فيها إلا الأسماء، فإذا كان الحال كذلك، فإن هذا يدعونا إلى معرفة حقيقة الحياة الدنيا، وألا نتشاغل بها، وألا تصرفنا عن الآخرة، وأن لا نحزن على ما فات منها وتقضّى، ولا تذهب نفس الإنسان عليها حسرات، فكل هذه الدنيا ما تساوي حبة رمل بالنسبة لشجرة واحدة في الجنة، وقد جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب[9]، فما الذي فاتك من الدنيا؟ وعلام تأسف؟ وما الذي خسرته؟ وما الذي ضاع منك؟ وما هي الأموال التي ذهبت عليك؟ وما هي القروض التي لم ترجع؟ هذا كله لا شيء، فيحتاج العبد إلى أن يعمل للآخرة، ويجد ويجتهد.

نسأل الله أن يبلغنا وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين ما نؤمل ونرجو من رحمته وجنته ومغفرته، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الفردوس الأعلى ووالدينا وإخواننا المسلمين.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة برقم (3243) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين برقم (2838).
  2. شرح النووي على مسلم (5/195).
  3. الفروع وتصحيح الفروع (3/81).
  4. أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ} [الرحمن: 72] برقم (4879) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين برقم (2838).
  5. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/37).
  6. الذخيرة للقرافي (2/359).
  7. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار برقم (6553) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها برقم (2828).
  8. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة برقم (3251) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها برقم (2827).
  9. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة شجر الجنة برقم (2525) وصححه الألباني.

مواد ذات صلة