الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
من قوله تعالى: {طسم} الآية:1 إلى قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} الآية:6
تاريخ النشر: ٠٩ / محرّم / ١٤٣٢
التحميل: 3091
مرات الإستماع: 9919

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

قال المصنف -رحمه الله:

روى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن معد يكرب قال: "أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا طسم المائتين، فقال: ما هي معي، ولكن عليكم مَن أخذها من رسول الله ﷺ: خَبَّاب بن الأرَت، قال: فأتينا خَبَّاب بن الأرت، فقرأها علينا -رضي الله عنه"[1].

هذه الرواية فيها ضعف في الإسناد، وهنا فيه إشكال قد يرد في المراد بـطسم المائتين، فإذا كان المراد الآيات فعدد آياتها 87 آية، وربما يكون المراد سورة الشعراء، لأنها 227 آية، وهي مبدوءة بهذا طسم، كما يقال: الم السجدة مثلًا، فقد جاء هذا موضحًا في رواية لهذا الأثر عند أبي نعيم في الحلية قال: طسم الشعراء، بدون ذكر المائتين، وعليه فهل ذكر الحديث أو الأثر هنا في هذا الموضع في سورة القصص ليس في محله، وإنما كان الأولى أن يوضع في سورة الشعراء؟

مع أن ابن كثير -رحمه الله- وجماعة من المفسرين ذكروا هذا الأثر ووضعوه في هذه السورة، ولم يضعوه في سورة الشعراء، وكأنهم تتابعوا على هذا، يعني: كتب التفسير تستفيد من بعضها فتقع بعض الأشياء أحيانًا ينقلها بعضهم عن بعض فتجد هذا مع أن الذين ذكروه ليسوا بكثير، لكن ذكروه في هذا الموضع، كما في مثل كتاب "الدر المنثور"، وفي "فتح القدير" للشوكاني، وعامة المفسرين ما ذكروا هذا الأثر أصلًا، ثم لو صح هذا الأثر فإنه يدل على أن ابن مسعود ما كان يحفظ كل القرآن، وإن قال بعض أهل العلم: لعله قصد أنه ما تلقاها من رسول الله ﷺ مباشرة فأرشدهم إلى خبّاب مع أن ظاهره لايدل على هذا.

طسم ۝ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ۝ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ۝ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۝ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ۝ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فـِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [سورة القصص:1-6].

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة.

وقوله:تِلْكَ أي: هذه آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ أي: الواضح الجلي الكاشف عن حقائق الأمور، وعلم ما قد كان وما هو كائن.

وقوله: نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ الآية، كما قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف:3]، أي: نذكر لك الأمر على ما كان عليه، كأنك تشاهد وكأنك حاضر.

نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ فـ"مِن" هذه تحتمل أن تكون تبعيضية، يعني: ذكر له طرفًا من خبره، ويحتمل أن تكون بيانية.

ثم قال: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ، أي: تكبر وتجبر وطغى، وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أي: أصنافا، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته.

جعل الإسرائيليين مثلًا للخدمة والأعمال المهينة الوضيعة التي كان يترفع عنها الفراعنة.

وقوله: يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يعني: بني إسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم.

كأن هذا تفسير لقوله: وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا فهذا مما يوضحه ويفسره فيدخل فيه ما ذكر هنا يَسْتَضْعِفُ يعني: جعلهم شيعًا يستضعف، يعني: فئة هي التي لها الريادة وهم الفراعنة، وفئة تكون للأمور المهينة الوضيعة، ويحصل لهم من التنكيل والتقتيل ما ذكره الله -تبارك وتعالى- هنا، وقصه يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ يذبح الأبناء إما لإضعافهم من أجل أنّ هؤلاء يبقون ويستمرون فئة ضعيفة يكثر فيهم الأرامل والأيتام، الرجال قليل والنساء كثير، فيقتل الرجال؛ ليبقى هؤلاء ضعفاء.

وَيَسْتَحْيِي يعني: يبقي البنت حية من أجل أن تقوم بأعمال الخدمة، يعني: هؤلاء هم فئة الخدم في المجتمع الفرعوني، أو أنه يقتل الأولاد من أجل ما ذكر من أنه قال له بعض الكهنة: إن غلامًا يولد لبني إسرائيل وإن ذهاب ملكك يكون على يده، فلو صح ذلك فإنه يقتل الأولاد.

لكن قد يرد سؤال لماذا لم يقتل جميع الأولاد؛ فهارون -عليه الصلاة والسلام- ما قتل؟ فيجيبون عن هذا بناءً على ما سبق يقولون: إنه قيل له: إن قتلتهم فإن ذلك سيفضي بآل فرعون أو بالفراعنة إلى القيام بما يقوم به الإسرائيليون، فيلون من الأعمال ما كان يقوم به هؤلاء من الأعمال المهينة الوضيعة التي يترفعون عنها، فصار يقتل سنة ويترك سنة، لكن هذا لا يغني عنه شيئًا مما أراد، فلو صح أنه قتلهم من أجل أن لا يخرج منهم من يَذهب ملكُه على يده فإذا أبقى سنة فقد يكون هؤلاء الذين أبقاهم فيهم هذا الذي يتخوف منه، ويقولون: إن هارون -عليه الصلاة والسلام- كان في السنة التي لا يقتل فيها الأولاد، هكذا قالوا، والعلم عند الله .

لكن يحتمل هذا ويحتمل هذا، وليس عندنا شيء فيما أعلم يوجب القطع بأحدهما، قد يكون فعلَه استضعافًا، وقد يكون فعلَه؛ لأنه قيل له ذلك، فإن كان قيل له ذلك فعلًا فحتى لو قتل جميع الأولاد فإنهم أخبروه عن أمر متحقق إن كان يصدّقهم، فما يغني عنه قتل الأولاد، فإذا أخبروه بأن ملكه سيزول على يد واحد من هؤلاء، مولود يولد لهؤلاء فمعنى ذلك أن هذا تقتيل ما ينفع، بمعنى أنه لم يسلط عليه وإن كان ما قالوه له غير صحيح فلا حاجة له بتقتيل الأولاد على هذا، يعني: أنه لم يفكر بطريقة صحيحة؛ ولهذا قال النبي ﷺ لعمر لما أراد أن يقتل ابن صياد كان يظن أنه الدجال فقال: إنْ يكنْه فلن تُسلَّط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله[2].

هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدُّهُم ليلا ونهارًا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارا، وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه.

احترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب؛ ولهذا قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ... إلى قوله: يَحْذَرُونَ، وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ إلى قوله: يَعْرِشُونَ [سورة الأعراف:137]، وقال: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:59]، أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قَدَر الملك العظيم الذي لا يخالَف أمره القدري، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القِدَم بأن يكون إهلاك فرعون على يديه.

قوله -تبارك وتعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ هذا كما قال الله -تبارك وتعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ [سورة الأعراف:137]، وهكذا بين السبب الذي نال به بنو إسرائيل هذا التمكين، قال: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [سورة السجدة:24]، الصبر واليقين، وهنا قوله -تبارك وتعالى: وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ يعني: قادة في الخير، هكذا فسره جماعة من السلف فمن بعدهم.

وبعضهم كابن جرير يقول: وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي: ملوكًا وولاة فصار الملك في بني إسرائيل مع النبوة، وذلك في عهد يوسف -عليه الصلاة والسلام- ثم صار ذلك فيهم بعده.

قال: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بعض أهل العلم كابن جرير يقول: الأرض هذه هي الشام ومصر كما قال الله -تبارك وتعالى: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:59]، وهم القوم الآخَرون الذين ذكرهم الله : قَوْمًا آخَرِينَ [سورة الأنبياء:11]، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وقال: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [سورة الأعراف:137].

وما ذكره المؤرخون من أن بني اسرائيل لم يحفظ لهم في التاريخ رجوع إلى مصر بعد أن خرجوا منها وذكرت هناك أن كلام الله لا ينبغي أن يعارض بكلام المؤرخين ولا بكلام غيرهم، فالله أخبر أنه أورثها بني إسرائيل، إذًا أورثها بني إسرائيل، ولا يلزم من ذلك أنهم رجعوا إليها مرة ثانية هم ذهبوا إلى الشام، لكن هل هذا يمنع أن تكون تابعة لهم؟ أن تكون ولاية مصر تابعة للشام؟!

وهذا كان كثيرًا عبر التاريخ، ولذلك يذكر المؤرخون أن الجيوش الغازية التي كانت تغزو مصر وتستولي عليها كانت تأتي عبر التاريخ من الشام؛ ولهذا فإن محمد علي باشا -سيئ الذكر- كان يحاول في الدولة العثمانية أن تجعل السلطة في مصر في يده، وكان المطلب الآخر أن تكون الشام تابعة له، وهذا باعتبار أنه أراد الأمان يعني لا حرصًا على الشام، وإنما أراد أن يؤمن مصر من أن يغزوها أحد، وأن ذلك كان عادة عن طريق الشام فأراد أن تكون الشام تحت يده لئلا يأتي أحد ليغزو مصر، يعني: كأنه يريد أن تكون الشام خط دفاع فقط أو حاجزًا أو حائلًا يحول دون غزو بلده.

وقوله -تبارك وتعالى: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَنُرِي فِرْعَوْنَ في القراءة الأخرى قراءة حمزة والكسائي ويَرى فرعونُ وقومه منهم ما كانوا يحذرون ما الذي كانوا يحذرونه منهم؟

كانوا يحذرون -كما سبق- على قول من قال: إنه قيل لهم: سيخرج منهم غلام إلى آخره، فالله -تبارك وتعالى- إذا أراد أمرًا قال له: كن فيكون، فمهما فعلوا من الاحترازات فإن ذلك لن يغير من قدر الله شيئًا، فالله أراد أن يُري فرعون وجنوده من هؤلاء الإسرائيليين ما كان يحذره الفراعنة منهم ويَرى فرعونُ وقومه من هؤلاء الإسرائيليين ما كانوا يحاذرون من ذهاب ملكهم والقضاء عليهم؛ لأن هذا قدره النافذ، وهذا من أعجب الأشياء.

وإذا أيقن العبد بمثل هذا فإنه يحسن الظن بالله ويثق به وبوعده، وأنه مهما حاول أعداؤه وفعلوا ومكروا فإن الله -تبارك وتعالى- ناصر دينه، وقد يكون النصر منفتقًا من ذلك المكر الكبّار الذي يعملونه، فيخرج من بين ذلك من الأعمال التي يعملونها، من جملة المكر، يكون النصر متسببًا عن أعمالهم هذه، فهذا فرعون لما صار يقتل الأولاد اضطرت أم موسى لمّا أوحي إليها أن تلقي بهذا الولد من أجل أن يسلم من القتل؛ لأنه إن عثر عليه معها قتل، فكان تقتيل فرعون للأولاد هو السبب في أن ينشأ موسى ﷺ في قلب مكان الخوف، هذا الذي يخافه الإسرائيليون وامتلأت قلوبهم من رهبته، قتلوا الأولاد.

فهذا الصبي الصغير هذا المولود هذا الغلام يلقى في الماء، ولا حول له ولا طول ولا قوة تتقاذفه الأمواج بقدر الله حتى يأخذه آل فرعون، بعض المفسرين يقول: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ [سورة القصص:8]، يقول هو فرعون نفسه الذي التقطه، وبعضهم يقول: زوجته، وبعضهم يقول: الخادمات والوصيفات اللاتي معها، المهم أنهم التقطوه، هم أهل القصر سواءً الخدم أو التقطه فرعون بنفسه فأخذه ورباه عنده، هذه حضانة للموت، يكون حاضنًا للموت حاضنًا للهلاك الذي سيهلكه، فهو الذي يقوم بتربيته، هو يقتل الآن، ولا زال يقتل وهلاكه وسبب الهلاك يتربى عنده على يده وتحت نظره، وينشأ يأكل ويشرب في بيته، يتقلب بين يديه، وهو يقتل الأولاد خوفًا مما ذكر.

هذه آية عظيمة جدًا، فإذا أراد الله شيئًا قال له: كن، فمهما حاول الأعداء ومهما فعلوا من المكر الكبّار حينما يقرأ الإنسان مما يكاد به لهذا الدين في زماننا هذا يظن أنه لن تبقى للإسلام قائمة، لكن من تأمل في ثنايا ما يجري رأى بوارق انتصار الإسلام ظاهرة، ولا حاجة للاستطراد تأملوا فيما يجري عبر هذه السنين، فيجري قدر الله والأعداء وصل بهم الحال إلى أن باعوا كل القيم والمُثل والشعارات التي كانوا يتبجحون بها أمام العالم ملأوا العالم بها: الحرية، حقوق الإنسان، الديمقراطية، تحولوا إلى أشرس الخلق وأكثر الناس عدوانًا على الإنسانية، وحقوق الإنسان والحريات وخربوا ومزقوا شعار الديمقراطية، وصاروا يفعلون كل قبيح من أجل القضاء على هذا الإسلام المتنامي.

حاولوا وبذلوا كل الجهود أيام الاستعمار من أجل أن تبقى هذه الأمة من المحيط إلى حدودها في الشرق مع الصين والاتحاد أو روسيا أن تبقى هذه الأمة ضعيفة في الأغلال لا تنهض لحضارة، ولا يقوم لها نهضة، ولا يمكن أن يوجد فيها مشروع حضاري من شأنه أن يغير ويحول حالها من ضعف إلى قوة، لا يمكن، واقرأ وانظر ما يفعلونه من أجل الحيلولة بين المسلمين، ويتعاملون مع النابغين والنابهين في التخصصات النادرة مساومة على الشراء على أن يبقى عندهم أو التصفية والقتل.

كم قتلوا من عالم نووي في العراق! كم قتلوا في التخصصات العلمية المختلفة! وفي أرض الله الواسعة كم قُتل بطريقة غامضة، وغير غامضة من نابغين ونابهين رفضوا أن يعملوا عندهم، فتوجد في هذا بحوث وأشياء وكتابات لا تخفى، وتجهيل للأمة، وجعلها أمة مستهلكة لكل شيء لطعامها وشرابها، وكل ما تحتاج إليه هي عالة عليهم، ومع ذلك كله إذا نظرت في أوربا تجد نواقيس الخطر الآن تدق، الإسلام ينتشر بين أهل البلاد الأصليين، وأعداد وأرقام ثم يحسبون إلى عام 2050م كيف ستتحول أوربا إلى شيء آخر.

ونحن نطمئنهم أنها لن تتحول إلى بلد إسلامي، وستبقى -والله أعلم- على نصرانيتها، والنصارى هم الأكثر، وتقوم الساعة والروم أكثر الناس، لكن هم على حساباتهم قلة المواليد بجانب انتشار الإسلام، وكثرة التوالد والجاليات التي جاءت من تركيا ومن غيرها من المسلمين في بلادهم، كل هذا في حساباتهم أن الخريطة ستتغير في عام 2025م وليس 2050م، أما 2050م فستكون كارثة بالنسبة إليهم، وهم الآن يحاولون أن يتداركوا الوضع كمنع المآذن، منع الحجاب، التضييق على المراكز الإسلامية، منع إقامتها إلى آخر ذلك، يحاولون.

كل الشعارات السابقة والحرية، وأنها دول علمانية لا تتعرض للدين ولا تعارض، ولا تؤيد ومع ذلك بلاد الله الواسعة المهمشة التي هي العالم الثالث، العالم المتخلف، العالم الجاهل الذي لا يراد له أن ينهض، حال أهله في إقبالهم على دين الله وانتشار الوعي، وبدأ الناس يراجعون أنفسهم ويقبلون على المساجد، ويتمسكون بالدين وينتشر في الشمال فحيثما تقرأ في احصائيات في جمهوريات الاتحاد السوفيتي تجد تقارير أن الشباب هم الذين يقبلون، وأولئك يدرسون ويحصون ويرصدون، ولكنهم فعلوا كل ما يستطيعون، وما استطاعوا؛ لأن هذا دين الله .

وقل مثل ذلك في بقية البلاد الإسلامية طولًا وعرضًا حيث بدأ الناس يعودون إلى دين الله فهو كشجرة كانت الحياة كامنة فيها قد جفت أوراقها، وظنوا أنها قد ماتت إلى الأبد ثم فوجئوا أن الأوراق الخضراء تبدأ ترجع، فهم يحاولون أن يقطعوا هذه الورقة، وأن يقطعوا تلك، ولكن هيهات هيهات، وأقرب ما هنالك فلسطين هذه التي بقيت الأمة تُضلَّل فيها عقودًا متطاولة، ويعيشون في وهم كبير، والآن بدأ الصراع يأخذ منحىً آخر، فإنهم لا يتحملون مجرد التفكير فيه، فضلًا أن يكون واقعًا يفرض نفسه عليهم، فهذا أمر الله .

قصة فرعون هنا مع موسى هذه عبرة عظيمة جدًا لأهل الإيمان، وهي عبرة لغيرهم يقال لهم: افعلوا ماشئتم، كل ما في وسعكم افعلوه سيبقى دين الله هو الذي ينتصر في النهاية، وسيذهب هؤلاء، وسيذهب أشباههم من المردة والشياطين ممن يريدون تغريب المجتمعات الإسلامية وإشغالها باللهو والغفلة، وإفسادهم بإخراج المرأة وما إلى ذلك، نسأل الله أن يكبتهم.

  1. رواه أحمد في المسند، برقم(3980)، وقال محققوه: صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف شريك، وهو ابن عبد الله النخعي، وهو متابع، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. أبو الأحوص: هو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي.
  2. رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام، برقم (1289)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد، برقم (2930).

مواد ذات صلة