الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
‏[16] من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ} الآية 61 إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الآية 74‏
تاريخ النشر: ١٩ / ذو الحجة / ١٤٢٩
التحميل: 6156
مرات الإستماع: 6268

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وبعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى:

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سورة الحـج:61، 62]

يقول تعالى منبها على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء، كما قال: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [سورة آل عمران:26، 27]، ومعنى إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل: إدخاله من هذا في هذا، ومن هذا في هذا...

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما وعد الله –تبارك وتعالى- بالنصر في قوله: ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [سورة الحج:60]، قال بعدها: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ فكأنه يقول: لأني قادر، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ فذلك النصر الذي نصرناه لأنني قادر على ذلك، فلهذا قال: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ومن كان بهذه المثابة فله القدرة التامة، وإنما ينصر من كان قادراً على النصر.

ثم قال: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ، فكأنه يقول: هذا الفعل الذي فعلت من إيلاجي لما قال في الآية التي قبلها: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ قال: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّذلك الذي فعلته من إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، لأني أنا الحق، فذلك الفعل لأني أنا الحق.

معنى إيلاج الليل في النهار: يعني في المُضِىِّ، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا يقول: "ومعنى إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل إدخاله من هذا في هذا، ومن هذا في هذا، فتارة يطول الليل ويقصر النهار، كما في الشتاء، وتارة يطول النهار ويقصر في الليل"، بمعنى أن الليل يمتد فيأخذ من النهار، فيتقاصر النهار، وتقل ساعاته، ويكون ذلك منصرفاً إلى الليل، وعكسه، فيكون إدخال هذا في هذا لهذا الاعتبار، ويحتمل معنى آخر من إدخال النور في الظلمة، وهذا عكسه، ويمكن أن ينظر لكلام ابن القيم -رحمه الله- في هذا المعنى، حيث قال -رحمه الله: قال الله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وفيه قولان:

أحدهما: أن المعنى يدخل ظلمة هذا في مكان ضياء ذلك، وضياء هذا في مكان ظلمة الآخر، فيدخل كل واحد منهما في موضع صاحبه، وعلى هذا فهي عامة في كل ليل ونهار.

القول الثاني: أنه يزيد في أحدهما ما ينقصه من الآخر، فما ينقص منه يلج في الآخر، لا يذهب جملة، وعلى هذا فالآية خاصة ببعض ساعات كل من الليل والنهار في غير زمن الاعتدال، فهي خاصة في الزمان وفي مقدار ما يلج في أحدهما من الآخر، وهو في الأقاليم المعتدلة غاية ما تنتهي الزيادة خمس عشرة ساعة، فيصير الآخر تسع ساعات، فإذا زاد على ذلك انحرف ذلك الإقليم في الحرارة أو البرودة إلى أن ينتهي إلى حد لا يسكنه الإنسان، ولا يتكون فيه النبات، وكل موضع لا تقع عليه الشمس لا يعيش فيه حيوان ولا نبات؛ لفرط برده ويبسه، وكل موضع لا تفارقه كذلك لفرط حره ويبسه، والمواضع التي يعيش فيها الحيوان والنبات هي التي تطلع عليها الشمس وتغيب، وأعدلها المواضع التي تتعاقب عليها الفصول الأربعة ويكون فيها اعتدالان خريفين وربيعين"[1].

وقال الإمام الشنقيطي -رحمه الله: "قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ذكر غير واحد من المفسرين: أن الإشارة في قوله: "ذلك" راجعة إلى نصرة من ظُلم من عباده المؤمنين المذكور قبله في قوله: ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ الآية"[2].

وهذا اختيار ابن جرير -رحمه الله.

ثم قال -رحمه الله: "أي: ذلك النصر المذكور كائن بسبب أنه قادر لا يعجز عن نصرة من شاء نصرته، ومن علامات قدرته الباهرة: أنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل أو بسبب أنه خالق الليل والنهار، ومصرفهما، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار، وأنه سميع لما يقولون، بصير بما يفعلون أي: وذلك الوصف بخلق النهار والليل والإحاطة بما يجري فيهما، والإحاطة بكل قول وفعل بسبب أن الله هو الحق أي: الثابت الإلهية والاستحقاق للعبادة وحده، وأن كل ما يُدعى إلهاً غيره باطل وكفر، ووبال على صاحبه، وأنه -جل وعلا- هو العلي الكبير، الذي هو أعلى من كل شيء وأعظم وأكبر، علوا كبيرا.

وقد أشار تعالى لأول ما ذكرنا بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ الآية، ولآخره بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ.

والأظهر عندي: أن الإشارة في قوله "ذلك": راجعة إلى ما هو أعم من نصرة المظلوم، وأنها ترجع لقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [سورة الحج:56]، إلى ما ذكره من نصرة المظلوم أي: ذلك المذكور من كون الملك له وحده يوم القيامة، وأنه الحاكم وحده بين خلقه، وأنه المُدخِل الصالحين جنات النعيم، والمعذب الذين كفروا العذاب المهين، والناصر مَن بُغي عليه من عباده المؤمنين، بسبب أنه القادر على كل شيء، ومن أدلة ذلك: أنه يولج الليل في النهار إلى آخر ما ذكرنا...

ثم استدل على قدرته على الخلق والبعث، فقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُون َخَبِيرٌ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سورة لقمان:29، 30]، فهذه الصفات الدالة على كمال قدرته، استدل بها على قدرته في "الحج"، وفي "لقمان"، وإيلاج كل من الليل والنهار في الآخر فيه معنيان:

الأول -وهو قول الأكثر: هو أن إيلاج كل واحد منهما في الآخر، إنما هو بإدخال جزء منه فيه، وبذلك يطول النهار في الصيف; لأنه أُولج فيه شيء من الليل، ويطول الليل في الشتاء; لأنه أُولج فيه شيء من النهار، وهذا من أدلة قدرته الكاملة.

المعنى الثاني: هو أن إيلاج أحدهما في الآخر، هو تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء ذلك، بغيبوبة الشمس، وضياء ذلك في مكان ظلمة هذا كما يضيء البيت المغلق بالسراج، ويظلم بفقده، ذكر هذا الوجه الزمخشري، وكأنه يميل إليه، والأول أظهر، وأكثر قائلا، والعلم عند الله تعالى"[3].

وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ أي: سميع بأقوال عباده، بصير بهم، لا يخفى عليه منهم خافية في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم.

ولما بين أنه المتصرف في الوجود، الحاكم الذي لا معقب لحكمه، قال: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أي: الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له؛ لأنه ذو السلطان العظيم، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء فقير إليه، ذليل لديه، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ أي: من الأصنام والأنداد والأوثان، وكل ما عبد من دونه تعالى فهو باطل؛ لأنه لا يملك ضرًا ولا نفعًا.

وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، كما قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [سورة البقرة:255]، وقال: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [سورة الرعد:9] فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ لأنه العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدس وتنزه، و عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ۝ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ۝ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ [سورة الحج:63-66].

وهذا أيضا من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه، فإنه يرسل الرياح، فتثير سحابا، فيمطر على الأرض الجُرُز التي لا نبات فيها، وهي هامدة يابسة سوداء قحلة، فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [سورة الحج:5].

وقوله: فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً، الفاء هاهنا للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه، كما قال: خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [سورة المؤمنون:14].

وقد ثبت في الصحيحين: "أن بين كل شيئين أربعين يوما" ومع هذا هو معقب بالفاء، وهكذا هاهنا قال: فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً أي: خضراء بعد يبسها ومُحُولها.

وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز: أنها تصبح عقب المطر خضراء، فالله أعلم.

قوله -تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً هذا الاستفهام للتقرير، أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة، والفاء للتعقيب المباشر، فلما لاحظ بعض أهل العلم هذا المعنى في "الفاء" حمله على معنى غير خضرة النبات، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه، وبعضهم خص ذلك بمكة، ولربما يوجد بعض العناصر من المعادن التي تتأثر بالماء، فيميل لون الأرض إلى الخضرة إذا وقع عليها الماء، عنصر النحاس، فإذا نزل الماء اخضر المكان، فجبال مكة مثلاً إذا نزل عليها الماء رأيت فيها اخضراراً ليس من النبات، فبعضهم حملها على هذا، لكن هذا المعنى متجه وهذا الشيء هو الذي أراد الله أن يدلل به على قدرته وعلى عظمته.

وجانب القدرة والعظمة حينما يتغير لون الجبل ويميل إلى الاخضرار بسبب عنصر من العناصر المعدنية كالنحاس، والذي يتكرر في القرآن ليدلل الله  به على قدرته، لاسيما على إحياء الموتى هو إحياء الأرض بعد موتها باخضرار النبات، فهذا الذي دل عليه القرآن في جميع المواضع "والفاء" للتعقيب المباشر ولكن ذلك في كل شيء بحسبه، وذكر شاهداً على هذا وهو قوله - تبارك وتعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [سورة المؤمنون:14] مع أن بين كل طور من هذه الأطوار أربعين يوماً، وعقب بالفاء، وهذا له نظائر في القرآن ولا إشكال فيه، فكل شيء بحسبه.

وقال الإمام الشنقيطي -رحمه الله: "فإن قيل: كيف قال: فتصبح مع أن اخضرار الأرض قد يتأخر عن صبيحة المطر.

فالجواب: أنه على قول من قال: فتصبح الأرض مخضرة أي: تصير مخضرة فالأمر واضح، والعرب تقول: أصبح فلان غنيا مثلا بمعنى صار، وذكر أبو حيان عن بعض أهل العلم: أن بعض البلاد تصبح فيه الأرض مخضرة في نفس صبيحة المطر.

وذكر عكرمة وابن عطية، وعلي هذا فلا إشكال، وقال بعضهم: إن الفاء للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه كقوله: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [سورة المؤمنون:14] مع أن بين ذلك أربعين يوما كما في الحديث، قاله ابن كثير"[4].

وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ أي: عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحَب وإن صغر، لا يخفى عليه خافية، فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء فينبته به، كما قال لقمان: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [سورة لقمان:16]. 

وقال: أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ [سورة النمل:25]، وقال تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة الأنعام:59]، وقال: وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كتَابٍ مُّبِينٍ [سورة يونس:61].

قوله: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- قد يتضمن المعنيين المذكورين، حيث قال في معنى اللطيف: "أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر ولا يخفي عليه خافية فيوصل إلى كل منهم قسطه من الماء فينبته به"، فالمعنى الأول: هو الذي يعلم خفايا الأمور -الأشياء الخفية- هذا الخبير.

والمعنى الثاني: اللطيف من اللطف وهو قد يعبر عنه بأنه قريب من الرفق، أو أخص من الرفق، أو نحو ذلك.

وليس معنى: "اللهم الطف بنا" اعلم بخفايانا وبدقائقها، ومعلوم أن أسماء الله ، قد يدل الاسم على عدة معانٍ، فالرب مثلاً له نحو سبعة معانٍ، وهكذا اللطيف: يعلم دقائق الأشياء، وهو أيضاً له معنى آخر قريب من الرفق إلا أنه أخص منه، وهذا كأنه يشير إليه كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله: فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء، فهذا من اللطف، من معاني اللطيف، فإذا قلنا: اللطيف يعلم دقائق الأشياء، فالخبير يعلم الخفايا، فيرجع ذلك جميعاً إلى العلم.

وقوله:لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [سورة الحج:64] أي: ملكه جميع الأشياء، وهو غني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، عبد لديه.

أي ملكه، والاستفهام في أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً تقريري، والرؤية هنا يمكن أن تكون رؤية بصرية؛ لأن هذا شيء يشاهد.

وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ [سورة الحج:65] أي: من حيوان، وجماد، وزروع، وثمار. كما قال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [سورة الجاثية:13] أي: من إحسانه وفضله وامتنانه.

قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ "ما" هذه للعموم تعم الحيوانات والجمادات والزروع والثمار، كما قال: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ؛ لأن ذلك صادر منه، وهذه الآية يرد فيها على النصارى، الذين يلبسون، ويشبهون، حيث يقولون: إن قوله -تبارك وتعالى- عن المسيح -عليه الصلاة والسلام- "وروح منه" أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، فيقولون: إنه روح غير مخلوقة، وَرُوحٌ مِّنْهُ [سورة النساء:171]، ونقول فما تقولون في قوله -تبارك وتعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ هل كل شيء هو صادر من الله، بمعنى أنه جزء من الله أم أن ذلك تبرأ منه، خلقه وأوجده وأنعم به وتفضل؟!.

وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ أي: بتسخيره وتسييره أي: في البحر العَجَاج، وتلاطم الأمواج، تجري الفلك بأهلها بريح طيبة، ورفق وتؤدة، فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع ومنافع، من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء، كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك، مما يحتاجون إليه، ويطلبونه ويريدونه.

وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ أي: لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ أي: مع ظلمهم، كما قال في الآية الأخرى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الرعد:6].

وقوله -تبارك وتعالى: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ رد على أهل الفلك من المعاصرين الذين يزعمون أن السماء ليست بسقف ولا لها جرم، وإنما يقولون: هذا الفضاء بما فيه من غازات ونحو ذلك هو السماء، ولا يوجد هناك سقف، والله يقول: وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا [سورة الأنبياء:32]، ويقول: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ.

وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ [سورة الحج:66]، كقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة البقرة:28].

وقوله: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة الجاثية:26].

وقوله: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [سورة غافر:11] ومعنى الكلام: كيف تجعلون لله أندادا وتعبدون معه غيره، وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف؟ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ أي: خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا يذكر، فأوجدكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي: يوم القيامة، إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ أي: جحود.

قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْحينما يكون الإنسان نطفة فهو ميت، فأحياه الله ونفخت فيه الروح يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [سورة الروم:19]، فيشمل المعنيين، المعنى الذي ذكره في الهدى والضلال، وكذلك المعنى المتبادر وهو الفرخ من البيضة، ويخرج الإنسان من النطفة، ولا يقولن قائل: إن النطفة فيها الحيوان المنوي، وإنه حي، وإنما يقال: نطفة ميتة، إنما الحياة ما كان فيها الروح، هذا هو المقصود، ولا عبرة بالاصطلاحات الحادثة، والذي لم تنفخ فيه الروح هذا يقال له: ميت.

قال تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ۝ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ۝ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [سورة الحج:67-69].

يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكا.

قال ابن جرير: يعني: لكل أمةِ نبيٍّ منسكا، قال: وأصل المنسك في كلام العرب: هو الموضع الذي يعتاده الإنسان، ويتردد إليه، إما لخير أو شر، قال: ولهذا سميت مناسك الحج بذلك، لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها.

فإن كان كما قال من أن المراد لكل أمةِ نبيٍّ جعلنا منسكا فيكون المراد بقوله: فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ أي: هؤلاء المشركون، وإن كان المراد: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا جعلا قدريا -كما قال: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] ولهذا قال هاهنا: هُمْ نَاسِكُوهُ أي: فاعلوه، فالضمير هاهنا عائد على هؤلاء الذين لهم مناسك وطرائق، أي: هؤلاء إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته، فلا تتأثر بمنازعتهم لك، ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق؛ ولهذا قال: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ، أي: طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود.

قوله -تبارك وتعالى:لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُالمنسك فيها لغتان "منسِك" و"منسَك"، وفيها قراءتان متواترتان –أيضاً- فالمنسِك هذه لغة أهل الحجاز، والمنسَك هذه لغة لبعض العرب -لغة أسد، وبالكسر قرأ بها حمزة والكسائي، وقراءة الجمهور بالفتح، كما نقرأ "منسَك"، وهذه اللفظة تطلق بإطلاق أخص، وتطلق بإطلاق أعم، وتطلق على معانٍ بين بين، فأخص إطلاقات هذه اللفظة أن المنسَك بمعنى الذبيحة، وإذا فسر بالمكان فيكون مكان الذبح خاصة، مكان للقرابين، مكان للذبائح، تقول: هذه نسيكة يعني الأضحية والهدي، ما يذبح للتقرب، وعلى سبيل التعبد يقال له ذلك وهذا المعنى صحيح لا إشكال فيه أنه يطلق على هذا المعنى الخاص، ويطلق على معنى أعم وهو التعبد، فيقال: فلان متنسك، فلان ناسِك، فهذا معنى عام.

والنسك يطلق على العبادة بإطلاق لا يختص بنوع منها، كما أنه يطلق على معنى بين بين وهو أعمال الحج أو العمرة بما فيها الهدي، فيقال: أحكام المناسك، وقوله -تبارك وتعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًامن أهل العلم من فسره بالمكان فقال: أي متعبَّداً، تفسيراً له بالمعنى الأعم، يعني أنهم يقصدونه ويتعبدون فيه، ومن فسره بالمعنى الأخص بالذبح قال: منسك أي: مكان يتقربون به إلى الله بالذبائح.

ومن قال: إنه مصدر لا اسم مكان فسره بالشريعة لِكُلِّ أُمَّةٍأي: لكل قبيلة من الناس، أو جيل، أو طائفة جعلنا منسكاً يعني شريعة، فالذين كانوا في زمن موسى ﷺ كان ذلك بالنسبة إليهم هو التوراة، ثم بعد ذلك بعث الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- فكان الإنجيل مع تعبدهم بالتوراة، ثم بعث محمداً ﷺ فكان منسكهم هو القرآن، فهذا معنى ذكره بعض أهل العلم تفسيراً له بالمصدر لا أنه اسم مكان، واحتجوا بأنه قال: جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُولم يقل: ناسكوه فيه، ولو كان اسم مكان لقال: هم ناسكون فيه، وإنما قال: هُمْ نَاسِكُوهُ أي: جعلنا لهم شريعة، وهُمْ نَاسِكُوهُ أي: متعبدون فيها.

وبعضهم فسره بالعيد وهذا لا يعارض بعض ما سبق؛ لأن المكان الذي يعتاده الناس بخصوصه، ويترددون عليه من أجل التقرب فيه بلون من العبادة سواء الذبح أو الحج إليه أو نحو هذا يقال له: عيد، ولهذا سأل النبي ﷺ ذلك الرجل الذي نذر أن يذبح إبلاً في بوانة فسأله: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟[5]، ولهذا يقال: إن عرفة عيد مكاني، يجتمع فيه الحجاج في مكان معين، فالأعياد منها ما هو مكاني، ومنها ما هو زماني، مثل عيد الفطر لا يختص بمكان فهو عيد زماني، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- نقل كلام ابن جرير، وابن جرير له كلام قبل هذا، ونقل الحافظ ابن كثير بعض كلامه بمعناه، وليس بحروفه، والأصل أن يكون النقل بالحرف إلا أن ينبه على أن هذا معنى كلام ابن جرير، قال ابن جرير -رحمه الله: "وقوله: فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ يقول -تعالى ذكره: فلا ينازعنك هؤلاء المشركون بالله يا محمد في ذبحك ومنسكك بقولهم: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون الميتة التي قتلها الله؟ فإنك أولى بالحق منهم، لأنك محق، وهم مبطلون"[6].

وقال رحمه الله: "وقوله: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا يقول: لكل جماعةِ قومِ هي خلت من قبلك جعلنا مألفا يألفونه ومكانا يعتادونه لعبادتي فيه، وقضاء فرائضي، وعملا يلزمونه، وأصل المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر، يقال: إن لفلان منسكا يعتاده: يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وإنما سميت مناسك الحجّ بذلك، لتردّد الناس إلى الأماكن التي تُعمل فيها أعمال الحجّ والعُمرة، وفيه لغتان: "مَنْسِك" بكسر السين وفتح الميم، وذلك من لغة أهل الحجاز، و "مَنْسَك" بفتح الميم والسين جميعا، وذلك من لغة أسد، وقد قرئ باللغتين جميعا.

وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا أيّ المناسك عَنى به؟ فقال بعضهم: عنى به: عيدهم الذي يعتادونه.

وقال آخرون: عَنى به ذبحا يذبحونه، ودما يُهريقونه.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: عني بذلك إراقة الدم أيام النحر بمِنى، لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله ﷺ كانت إراقة الدم في هذه الأيام، على أنهم قد كانوا جادلوه في إراقة الدماء التي هي دماء ذبائح الأنعام بما قد أخبر الله عنهم في سورة الأنعام، غير أن تلك لم تكن مناسك، فأما التي هي مناسك فإنما هي هدايا أو ضحايا، ولذلك قلنا: عَنى بالمنسك في هذا الموضع الذبح الذي هو بالصفة التي وصفنا"[7].

وقال: "وقوله: فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ يقول -تعالى ذكره: فلا ينازعنك هؤلاء المشركون بالله يا محمد في ذبحك ومنسكك بقولهم: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون الميتة التي قتلها الله؟ فإنك أولى بالحقّ منهم، لأنك محقّ وهم مبطلون"[8].

وقال الشنقيطي -رحمه الله: "قوله تعالى: لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ الأظهر في معنى قوله: مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ أي: متعبداً هم متعبدون فيه، لأن أصل النسك التعبد، وقد بين تعالى أن منسك كل أمة فيه التقرب إلى الله بالذبح، فهو فرد من أفراد النسك، صرح القرآن بدخوله في عمومه، وذلك من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك.

والآية التي بين الله فيها ذلك هي قوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا [سورة الحج:34]، وقوله: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً في الموضعين قرأه حمزة والكسائي بكسر السين، والباقون بفتحها"[9].

فابن جرير حملها على المعنى الأخص، والشنقيطي حملها على المعنى الأعم، وجعل التقرب بالذبح أحد الأنواع الداخلة تحته.

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله: ولهذا قال: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ أي: طريق واضح مستقيم، موصل إلى المقصود.

وهذه كقوله: وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ [سورة القصص:87].

وقوله: وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ، كقوله: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41].

وقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ تهديد شديد، ووعيد أكيد، كقوله: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [سورة الأحقاف:8]؛ ولهذا قال: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وهذه كقوله: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ الآية [سورة الشورى:15].

قوله تعالى: وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ هذا فيه تهديد ووعيد، باعتبار أنه فيه تهديد مبطن غير صريح، فلم يقل: فإن جادلوك فموعدهم النار مثلاً، وإنما قال: فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ فإذا كان أعلم بما تعملون ففي ضمنه التهديد أنه سيجازيكم، ويحاسبكم، ويعاقبكم؛ فهو لا يخفى عليه من أعمالكم ومن تكذيبكم ومن مجادلتكم شيء، فيجزي كل عامل بعمله، فهذا يقال له: تهديد مبطن يعني غير صريح.

وهذه الآيات التي ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره قال: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْملُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَهذا في الإعراض؛ لأن الآية تضمنت التهديد غير الصريح، وتضمنت الأمر بالإعراض عن مجادلتهم؛ لأنهم لا يريدون الحق بهذه المجادلة، فهذا فيه تعليم من الشارع فيما يتصل بمجادلة من كان مبطلاً ألّا يجادل ولا يخاطب، وإنما يعرض عنه، وأمره بالإعراض فقال: فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ كما في قوله: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ما رد عليهم بمعنى أنه أبطل قولهم أو احتج عليهم أو نحو ذلك، وإنما فيه الإعراض عن مجادلتهم إذا كان المجادل لا يريد الحق، والتهديد: يقول: كقوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة الحج:70].

يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء[10].

وفي السنن من حديث جماعة من الصحابة، أن رسول الله ﷺ قال: أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة[11].

ولهذا قال تعالى: إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

قوله إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "ذلك" الإشارة ترجع إلى شيء، يحتمل أن ترجع إلى ما قبلها مباشرة وهو الأقرب، فيكون المعنى أنّ جعْل ذلك في كتاب أو أن كتابة ذلك -يعني في اللوح المحفوظ- على كثرته يسير على الله -تبارك وتعالى، وهذا هو المتبادر، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله.

ويحتمل معنى آخر وهو أنه -تبارك وتعالى- قال: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [سورة الحج:69] يعني أن الحكم بينكم يوم القيامة على كثرة الناس، وعلى كثرة اختلافهم وتفرق آرائهم ومذاهبهم وأديانهم واعتقاداتهم يسير على الله هكذا حمله بعض أهل العلم: إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة الحج:70] يعني الحكم بين الخلائق، لكن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن المراد به ما قبله وهو أن الله قد كتب ذلك جميعاً في كتاب، وهو اللوح المحفوظ.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ۝ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ علَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة الحج:71، 72].

يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني: حجة وبرهانا، كقوله: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [سورة المؤمنون:117]، ولهذا قال هاهنا: مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ أي: ولا علم لهم فيما اختلقوه وأْتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سوّل لهم الشيطان وزينه لهم؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال.

ثم قال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ أي: وإذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله، وأنه لا إله إلا هو، وأن رسله الكرام حق وصدق.

يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا أي: يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلائل الصحيحة من القرآن، ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء، قُلْ أي: يا محمد لهؤلاء، أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: النار وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، وعذاب الآخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون منهم، إن نلتم بزعمكم وإرادتكم.

وقوله: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: وبئس النار منزلا ومقيلا ومرجعا وموئلا ومقاما، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [سورة الفرقان:66].

بعض أهل العلم يقول في المراد بقوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ تعرف في وجوههم ما يُنكر من العبوس، ودلائل الغضب، وأمارات الشر التي تظهر على وجوههم مما يدل على حنقهم، وشدة تغيظهم على هذا الذي يتلو عليهم آيات الله البينات، فيكون تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ أي: ما يُنكر من هذه الأمارات الظاهرة على هذه الوجوه الغاضبة.

بعض أهل العلم يقول في المراد بقوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ تعرف في وجوههم ما يُنكر من العبوس، ودلائل الغضب، وأمارات الشر التي تظهر على وجوههم مما يدل على حنقهم، وشدة تغيظهم على هذا الذي يتلو عليهم آيات الله البينات، فيكون تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ أي: ما يُنكر من هذه الأمارات الظاهرة على هذه الوجوه الغاضبة.

 وبعضهم يقول: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يعني الإنكار عليك، أو أن هذه الوجوه منكرة لهذا الذي سمعتْه أو ما قرأه من التوحيد، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له وما شابه ذلك، وبعضهم يقول: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يعني الترفع، والتكبر، والتعالي وما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى أصل المعنى وإن كان يختلف عنه في توجيهه، فالمقصود أنك تعرف في وجوه هؤلاء أمراً مستنكراً، فيكون المنكر هو ما يُنكر مما يظهر على هذه الوجوه إما من تكبر، وترفع، أو غضب، وحنق، وعبوس، واشمئزاز وما أشبه ذلك.

ويمكن أن يقال: إن الآية تفسر بما هو أقرب من هذا كله تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ أي: تعرف في وجوههم ما يدل على التوثب، والحنق، وفسره بما بعده وهو قوله: يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [سورة الحج:72] فأنت تعرف في وجوههم المنكر بالدلائل والأمارات التي تدل على شدة توثب هذه النفوس، وتغيظها، وحنقها، حيث تريد البطش وإيصال السوء بمن تلا عليهم الآيات.

ثم قال الله -تبارك وتعالى: أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول: أي النار وعذابها، ونكالها أشد، وأشق، وأطم، وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، بمعنى أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال بأن معنى أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ يعني أنتم تريدون إيقاع المكروه بهؤلاء الذين يتلون عليكم آيات الله ، وهناك ما هو أعظم من هذا وهو ما ينتظركم من عذاب الله ، فالنار أشد من هذا الذي تريدون إيصاله من الأذى إلى هؤلاء الذين يتلون عليكم آيات الله، فهذا الذي مشي عليه ابن كثير -رحمه الله.

وبعضهم يقول: بِشَرٍّ من هذا الذي ظهرت أمارته من الحنق والغضب في نفوسكم النار التي تصيرون إليها، وابن جرير -رحمه الله- ذهب به إلى معنى آخر أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ يعني: بأكره أو بما هو أشد كراهية من هذا الذي سمعتموه، أو من هذه الكراهية الشديدة حينما سمعتم آيات الله هناك ما هو أشد إيلاماً لنفوسكم وهو النار التي تنتظركم، هذا أشد وأعظم من هذا التكره الذي حصل لكم حينما سمعتم الآيات تتلى، كرهوا سماع هذه الآيات، فالله يقول: هناك ما هو أشد كراهة في نفوسكم، وأعظم وقعاً وهو ما ينتظركم من العذاب في الآخرة.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ۝ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِه ِإِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة الحج:73، 74].

يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ أي: لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، فَاسْتَمِعُوا لَهُ أي: أنصتوا وتفهموا، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.

قوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ الإشكال الذي عند الكثيرين في معنى المثل، وكثرة الاضطراب الذي تجده في كلام كثير من أهل العلم هو الذي جعل الكثيرين منهم في تفسير هذه الآية يقول بأقوال مخالفة تماماً لأقوال بعض السلف في الآية، والمثل له معنى في اللغة، وله معنى عند الأدباء، وله معنى عند البيانيين، والمثل الذي نردده ونقول مثلاً: قال المثل، كما في المثل غير مراد في كتاب الله ، ولا يوجد شيء من هذه الأمثال بالمعنى الذي عند الأدباء مثل: مَن عَزّ بَزّ، من غلب استلب وما شابه ذلك من العبارة المختصرة الوجيزة المعبرة التي قيلت في مناسبة، ثم صارت تذكر فيما شابهها، هذا غير موجود في القرآن؛ لأن الله لا يتمثل بكلام أحد من الناس؛ فالله أعظم وأجل شأناً.

فالمراد بالمثل في القرآن بعض أهل العلم يُرجع ذلك في جميع استعمالاته إلى أنه يعود إلى معنى الشبه -متصل بمعنى الشبه، ولهذا يقولون: قياس التمثيل إلحاق فرع بأصل، وقياس الفقهاء في حكم لعلةٍ جامعةٍ بينهما فيه شبه، ولكن هذا لا يتأتى في كل المواضع التي ذكر فيها لفظ المثل، فالمثل يأتي بمعنى الشبه ويأتي بمعنى الصفة، نقول: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [سورة محمد:15] يعني صفة الجنة. 

وهذا عبر به كثير من السلف وأئمة التفسير، ولا حاجة للتحمل والتكلف في إرجاع ذلك إلى الشبه، فالمثل أحياناً يطلق على معنى فيه شيء من المقايسة، وهذا له تعلق بموضوع الشبه، وهكذا حينما يقال: تصوير المعنى بصورة محسوسة، وإبراز المعنى المعقول بصورة حسية مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً [سورة البقرة:17]، هذا حال المنافق وتردده أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [سورة البقرة:19] إبراز المعاني المعقولة بصورة محسوسة يقربها إلى الإفهام هذا يقال له: مثل.

وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يوسع ذلك جميعاً، والواقع أن هذا من صنيع شيخ الإسلام، وإذا استُبعدت المقدرات الذهنية عندنا في معنى المثل فهو الذي يمكن أن يشمل المواضع المذكورة في القرآن، وشيخ الإسلام يرى أن المثل يطلق على كل ما يحصل به الاتعاظ، والاعتبار من إبراز معنى المعقول، أو ذكر القصص، والأخبار، وكل هذه الأشياء هي أمثال، ولهذا يقول الله : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [سورة العنكبوت:43]، ويكون في الأمور التي يحصل بها التشبه مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً [سورة البقرة:17]، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [سورة الأعراف:176]، وأحياناً لا يذكر لفظ المثل أصلاً أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ [سورة الرعد:17] ثم قال: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ [سورة الرعد:17].

فشيخ الإسلام يرى أن قصص الأنبياء هذه من قبيل الأمثال، فإذا قيل أمثال القرآن: يدخل فيها كل هذه الأمور، والمعاني التي يحصل بها الاتعاظ، والاعتبار، ويدخل فيها ما يذكر من الأوصاف، كصفة الجنة ونحو هذا، فوسعه جداً، أوسع الإطلاقات، أو التفسيرات للمثل هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهذا يُحل به إشكالات.

والذين استشكلوا لفظة المثل أن تذكر في غير المعاني التي تسبق إلى أذهانهم قالوا: ما فيه مثل هنا ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ذكر صفة الآلهة المعبودة من دون الله ، ولهذا فإن بعضهم قال: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إن الكفار ضربوا لله مثلاً بهذه الآلهة المعبودة فجعلوا لها شأنا، وأضفوا عليها من صفات الآلهة -وهي جمادات لا تنفع ولا تضر- فوُجد نوع من المشابهة بإعطاء هذه المعبودات أوصافاً أكبر مما تستحق، وجعلوا لها أوصاف الإلهية، شبهوها بالخالق، فهم يريدون أن يرجعوه إلى الشبه، هذا الذي حمل بعض المفسرين على أن يقول في ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إن الكفار ضربوا لله مثلاً بجعل آلهة مزعومة تعبد من دونه -تبارك وتعالى- أضفوا عليها أوصاف الإلهية شبهوها بالخالق، الله يقول: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ معناه أن ما سيأتي بعده هو المثل، وهؤلاء قالوا: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ضُرب مثل: أن الكفار ضربوا لله المثل، فأبطل الله ذلك بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ.

لكن هذا تفكيك للكلام ولا يدل عليه السياق، ولهذا فإن المثل المضروب هو الذي ذكر الله ، والتشبيه فيه، إذا قلنا: إن المثل دائماً يرجع إلى معنى التشبيه، ومن وقف عند هذه القضية وقال: المثل لابد فيه من تشبيه حاول أن يوجد نوعاً من الارتباط بين التشبيه، أقول: لا حاجة لمثل هذا التكلف، فالمثل يطلق على الصفة، فهذه حال وصفة هذه المعبودات من دون الله -تبارك وتعالى، والمثل كما يقول ابن قتيبة: من عبد آلهة لم تستطيع أن تخلق ذباباً وإن يسلبها الذباب شيئاً لا تستطيع أن تستنقذه منه، ولهذا يعبر بعضهم كالنحاس فيقول: ضرب الله مثلاً للآلهة المعبودة من دون الله ؛ لأنها بهذه المثابة لا تستطيع أن تخلق أحقر الأشياء، ولا تستطيع أن تستعيد ما أخذه هذا المخلوق الضعيف منها، فهو مثل لهذه الآلهة المُدّعاة.

كما قال الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعا قال: ومن أظلم ممن خلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا مثل خلقي ذَرّة، أو ذبابة، أو حَبَّة[12].

وأخرجه صاحبا الصحيح، من طريق عُمَارة، عن أبي زُرْعةَ، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: قال الله : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة [13].

ثم قال تعالى أيضا: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئًا من الذي عليها من الطيب، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك. هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.

قال ابن عباس: الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. واختاره ابن جرير، وهو ظاهر السياق، وقال السدي وغيره: الطالب: العابد، والمطلوب: الصنم.

ثم قال: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره، من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ أي: هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سورة الروم:27]، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ۝ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [سورة البروج:12، 13]، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سورة الذاريات:58].

وقوله: عَزِيزٌ أي: قد عز كل شيء فقهره وغلبه، فلا يمانَع ولا يغالب، لعظمته وسلطانه، وهو الواحد القهار.

قوله: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ الأقرب -والله تعالى أعلم- عند الترجيح بين الأقوال هو ما ذكر ابن جرير -رحمه الله- بمعنى أن الله قال: وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ [سورة الحج:73] فهي تطلب خلاصه واسترجاعه، قال: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ فالصنم يريد أن يسترجع هذا الشيء الذي أُخذ فهو طالب، والذباب مطلوب، والمقصود أن الله -تبارك وتعالى- بيّن حال هذه الآلهة المعبودة من جهة عجزها عن خلق أضعف الأشياء قدراً وهو الذباب، بأنها لا تستطيع أن تخلق ذباباً، لا تستطيع أن تستخلص ما سلبه الذباب منها مما يوضع عليها من طيب ونحو ذلك.

ولا حاجة لتفخيم ما حقره الله ، أو ذُكر على سبيل بيان حقارته فيفخم كما يذكر بعض من تكلم في الإعجاز العلمي، فإذا سمعتَهم يتكلمون عن الذباب تجد أنهم يذكرون كيف أنه إذا امتص شيئاً فإنه يتحول إلى شيء آخر لا يمكن للبشر أن يرجعوه إلى طبيعته السابقة. أنتم الآن تضخمون الموضوع، والله -تبارك وتعالى- تكلم عن الأصنام هذه أنها لا تستطيع أن تستخلص هذا الذي أخذه الذباب منها.

صاحب التفسير العلمي هذا الذي يتكلم الآن في هذه القضية يقول: إن البشر لا يستطيعون إرجاع هذا الشيء الذي امتصه الذباب؛ لأنه يفرز عليه إفرازات معينة ويتحول إلى مادة أخرى تماماً لا يمكن إرجاعه إلى حالته السابقة، ليس الكلام في تعظيم شأن الذباب، وكيف أن الذباب عنده هذه القدرة القوية التي أودعها الله ، فيحول هذه الأشياء إلى مواد أخرى، لو اجتمع البشر جميعاً على أن يرجعوها إلى حالها السابقة لا يستطيعون، فأنت بهذا الكلام جعلت الذباب شيئاً هائلاً، وليس المقصود هذا، وليس المقصود أن الناس بمختبراتهم ومعاملهم لا يستطيعون استرجاع ما أخذه الذباب.

فالكلام في هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر وما تستطيع أن تأخذ هذا الشيء من الذباب بعد أن سلبه منها، فهي جمادات لا نفع فيها ولا ضر، هذا المخلوق الحقير لا تدفعه عن نفسها، ولا تستطيع خلقه، ولا إرجاع ما استلبه منها، ومثلما يقولون في البعوضة أيضاً: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً [سورة البقرة:26] ذكر الشيء الصغير الحقير يضرب به المثل فيأتون ويتكلمون عن البعوضة أنها مخلوق هائل، ويذكرون فيها من الخراطيم والأشياء والقدرات العجيبة، تفرز مادة كذا وكذا، ويذكرون أشياء إذا قرأتها تخيل لك أن هذه البعوضة طيارة أباتشي، فالله ذكر هذه البعوضة على أنها مخلوق بسيط صغير لا يستحيي –تبارك وتعالى- أن يضرب به المثل للدلالة على معنى من المعاني، وهؤلاء يضخمون موضوع البعوضة جداً وهذا خلاف مقصود القرآن، ولكن هؤلاء كثير منهم يتكلم بلا علم، فيأتون بهذه الأمور المخالفة لمقصود الشارع من سياق هذه الآيات وتقريرها، الله يريد أن يحقرها وهم يأتون ويعظمونها.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ... الآية: "حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه؛ وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده، وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه فكيف ما هو أكبر منه؟! ولا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مما عليهم من طيب ونحوه فيستنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟! 

وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك وتجهيل أهله وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة، حيث أعطوا الإلهيّة التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات والإحاطة بجميع المعلومات والغنى عن جميع المخلوقات وأن يُصعَد إلى الرب في جميع الحاجات وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات وإجابة الدعوات فأعطوها صورا وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الآلهة الحق وأذلها وأصغرها وأحقرها، ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه.

وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء الإلهيّة عنهم أن هذا الخلق الأقل الأذل العاجز الضعيف لو اختطف منهم شيئا واستلبه فاجتمعوا على أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا عليه، ثم سوى بين العابد والمعبود في الضعف والعجز بقوله: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ قيل الطالب: العابد، والمطلوب: المعبود، فهو عاجز متعلق بعاجز وقيل: هو تسوية بين السالب والمسلوب، وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز، وعلى هذا فقيل: الطالب: الإله الباطل، والمطلوب: الذباب يطلب منه ما استلبه منه، وقيل الطالب: الذباب والمطلوب: الإله، فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه، والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع، فضعف العابد والمعبود والمستلِب والمستلَب، فمن جعل هذا إلها مع القوي العزيز فما قدره حق قدره ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظيمه"[14].

وقال ابن جرير الطبري -رحمه الله: "يقول -تعالى ذكره: يا أيها الناس جُعل لله مثل وذكر، ومعنى ضُرب في هذا الموضع: جُعل من قولهم: ضَرب السلطان على الناس البعث، بمعنى: جَعل عليهم، وضرب الجزية على النصارى، بمعنى جعل ذلك عليهم؛ والمَثَل: الشَّبَه، يقول جلّ ثناؤه: جُعل لي شبه أيها الناس، يعني بالشَّبَه والمَثَل: الآلهة، يقول: جعل لي المشركون الأصنامَ شبها، فعبدوها معي، وأشركوها في عبادتي، فاستمعوا له: يقول: فاستمعوا حال ما مثلوه وجعلوه لي في عبادتهم إياه شبها، وصفته: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا يقول: إن جميع ما تعبدون من دون الله من الآلهة والأصنام لو جمعت لم يخلقوا ذبابا في صغره وقلته، لأنها لا تقدر على ذلك ولا تطيقه، ولو اجتمع لخلقه جميعها، والذباب واحد، وجمعه في القلة أَذِبّة وفي الكثير ذِبَّان، غُراب، يجمع في القلة أَغْرِبَة، وفي الكثرة غِرْبان.

وقوله: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا يقول: وإن يسلب الآلهةَ والأوثانَ الذبابُ شيئا مما عليها من طيب وما أشبهه من شيء لا يستنقذوه منه: يقول: لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه.

واختلف في معنى قوله: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ فقال بعضهم: عَني بالطالب: الآلهة، وبالمطلوب: الذباب"[15].

  1. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 209-210).
  2. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للإمام الشنقيطي (5/ 293).
  3. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5/ 293-294).
  4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5/ 296).
  5. رواه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء عن النذر، رقم (3313)، وأحمد في المسند، برقم (15456)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، أبو الحويرث حفص من رجال "التعجيل" انفرد بالرواية عنه  عبد الصمد بن عبد الوارث، ولم يؤثر توثيقه عن أحد، لكنه قد توبع، وعبدالله بن عبدالرحمن بن يعلى بن كعب: وهو الطائفي، مختلف فيه، قيل: لم يسمع من ميمونة، بينهما يزيد بن مقسم الثقفي، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 874) برقم (2872): "و إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين".
  6. جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 680).
  7. جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 679).
  8. جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 680).
  9. أضواء البيان (5/ 298).
  10. رواه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام، برقم (2653).
  11. رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، برقم: (4700)، والترمذي، كتاب القدر عن رسول الله ﷺ، باب 17، برقم (2155)، وأحمد في المسند، برقم: (22705)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2017).
  12. رواه أحمد في المسند، برقم (9082)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف من أجل شريك النخعي.
  13. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [سورة الصافات:96]، برقم (7120)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة -عليهم السلام- لا يدخلون بيتا فيه صورة ولا كلب، برقم (2111).
  14. إعلام الموقعين عن رب العالمين، للإمام ابن القيم (1/ 214).
  15. جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (18/ 685).

مواد ذات صلة