الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
‏ [11] من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} الآية:41 إلى قوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الآية:49‏
تاريخ النشر: ٢٨ / ذو القعدة / ١٤٣٢
التحميل: 7858
مرات الإستماع: 3689

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

يقول الإمام الحافظ أبو الفداء ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ۝ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۝ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [سورة الأحزاب:41-44].

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم -تبارك وتعالى- المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن بُسْر قال: جاء أعرابيان إلى رسول الله ﷺ، فقال أحدهما: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال ﷺ: مَنْ طال عمره وحسن عمله[1]، وقال الآخر: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فمرني بأمر أتشبث به، قال ﷺ: لا يزال لسانك رَطْبًا بذكر الله تعالى[2]، وروى الترمذي وابن ماجه الفصل الثاني، وقال الترمذي: حسن غريب.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة[3].

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العُذْر، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [سورة النساء:103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وفي كل حال، وقال : وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته.

والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جداً، وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار من ذلك.

وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، هذه الآية وجه تعلقها بما قبلها أن السورة تحدثت في صدرها عن الأحزاب وما جاء بعد ذلك من وقعة قريظة، ثم بعد ذلك جاء الحديث عن التبني، الذي جاء إبطاله في أولها، وأن الله -تبارك وتعالى- أبطل ذلك من الناحية العملية، بتزويج النبي ﷺ لامرأة مُتبنّاه زيد -رضي الله تعالى عنه، فهنا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا، لما كان النبي ﷺ يخشى من قالة المنافقين ومن خوضهم في عرضه ﷺ حينما يتزوج امرأة مولاه، أمر الله -تبارك وتعالى- بالاشتغال بذكره.

هذا وجه لا بأس به فيما يقال من وجه الارتباط، أعني المناسبة بين هذه الآية وما قبلها، وذلك أن إشغال الناس عن قالة السوء لاسيما حيث يتوقع ذلك منهم مطلب من مطالب الشرع، والنبي ﷺ لما رميت عائشة -رضي الله عنها- بما برأها الله منه حث السير، ولم يكن على عادته ﷺ، كان يرفق بالناس وينزل بهم فسار بهم سيراً متواصلاً، حتى إذا نزل كان المسير قد أضناهم وأنهكهم فما أن مست جنوبهم الأرض حتى ناموا، وكانت حالهم من التعب والإعياء ومواصلة السير لا تمكن أحداً من الحديث أو الاستماع، وهنا هذه قضية كان يتخوفها النبي ﷺ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ [سورة الأحزاب:37]، فأمر بالاشتغال بذكره والإكثار منه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وقد مضى الكلام على ضابط الإكثار من الذكر، متى يكون ذلك كثيراً عند قوله -تبارك وتعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [سورة الأحزاب:35]، وأنه ينبغي للمسلم أن يكون لسانه رطباً من ذكر الله ، فلا يكون غافلاً، وأن من أهل العلم من قال: من حافظ على الأذكار والأوراد في أوقاتها التي شرعها الله فيها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

وقوله تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا أي: عند الصباح والمساء، كقوله : فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ۝ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [سورة الروم:17، 18].

وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ: هذا تهييج إلى الذكر، أي: أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم، كقوله كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ۝ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [سورة البقرة:151، 152]، وقال النبي ﷺ: يقول الله تعالى: مَنْ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَنْ ذكرني في مَلأ ذكرته في ملأ خير منهم[4]، الصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية، ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه.

وقال غيره: الصلاة من الله : الرحمة، وقد يقال: لا منافاة بين القولين، والله أعلم.

قوله -تبارك وتعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا لما أمر بذكره والإكثار منه أمر أيضاً بالتسبيح الذي هو بمعنى التنزيه، وذلك أن ينزه المعبود عما يصفه الواصفون وعن إشراك أهل الإشراك، وأن العبد مهما عبَدَ ربه وذكره فإنه لا يفي بحقه، ولا يكون مؤدياً ما عليه، ولا قائماً بما يليق بالله مما يتفق مع عظمته وجلاله وكبريائه، فالعبد بحاجة مع الذكر إلى التنزيه والتسبيح، كأنه يقول: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا قال: أي عند الصباح والمساء، والبكرة أول النهار، والأصيل آخر النهار، والمعنى: اشغلوا ألسنتكم معظم أوقاتكم بذكره وتسبيحه وحمده وتنزيهه، والتسبيح والتحميد في البكور والآصال، بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [سورة النور:36]، وقد مضى في بعض المناسبات أن من أهل العلم من يحمل ذلك على العموم في الأوقات، باعتبار أن العرب تذكر طرفي الشيء وتريد العموم، كما في قوله -تبارك وتعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [سورة البقرة:115]، مع أن جميع الجهات لله ، وهنا ذكر هذه الأوقات الغدو والآصال، وكذلك البكرة والأصيل، باعتبار أن ذلك أطراف الليل والنهار، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا، وحمل بعضهم ذلك التسبيح على الدعاء، وبعضهم حمله على الصلاة لله بكرة وأصيلاً، وبعضهم يقول: المقصود صلاة الفجر والمغرب والعشاء، وأنه ذكر هذه؛ لأنها أطراف الليل والنهار.

وبعض السلف يقول: إن هذا يشير إلى صلاتين: صلاة العصر وصلاة الفجر، وهذا اختيار كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير -رحمه الله، وهو مسبوق إلى هذا، قاله قبله قتادة، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا، والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن المعنى أعم من ذلك، فالله -تبارك وتعالى- يُسبَّح في كل الأوقات، ويُذكَر في جميعها، وهذه الأوقات تتأكد أكثر من غيرها لكونها أطراف الليل والنهار، ولهذا تقال أذكار الصباح في البكور، بالغدو، مع أنه لو قالها قبل الزوال صح ذلك في أذكار أول النهار، ولو قال بعد صلاة الظهر أذكار المساء فإن ذلك يصدق على كونه قالها في المساء، ولو قالها في الليل بعد العشاء فإنه قالها في المساء، ولكن الأفضل أن يكون ذلك في أول النهار، بِالْغُدُوِّ يعني: بعد صلاة الفجر، وفي آخر النهار يعني بعد العصر، والله تعالى أعلم.

قال: وأما الصلاة من الملائكة، فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار، كقوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ۝ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ الآية [سورة غافر: 7-9].

بعده قال: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ لما أمر بذكره وتسبيحه قال: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ، فمن كان مصلياً عليك من غير حاجة إلى عبادتك وذكرك فإن ذلك ينبغي أن يكون حافزاً ودافعاً ومحركاً للنفوس أن تذكره وأن تسبحه وأن تنزهه وأن تكثر وأن تلهج من ذكره في الأوقات كلها، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم...، وهو ليس بحاجة وأنت محتاج إليه، فأكثِر من ذكره وأقبل عليه.

وصلاته -تبارك وتعالى- الأرجح فيها ما ذكره الحافظ ابن كثير وهو اختيار ابن القيم -رحمه الله: أن صلاته على عبده أن يذكره في الملأ الأعلى، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [سورة البقرة:152]، وأن صلاة الملائكة بمعنى الاستغفار، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ [سورة الشورى:5]، وهذا الاستغفار في واقعه هو من قبيل الدعاء؛ ولهذا من عبر عن صلاة الملائكة بأنها الدعاء فإن هذا لا منافاة بينه وبين من قال: إنه الاستغفار، ولهذا في قوله -تبارك وتعالى- في الآية التي ساقها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من قِيل الملائكة -عليهم الصلاة والسلام: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [سورة غافر:7] إلى آخر ما ذكر، هذا كله من قبيل الدعاء، وهو من جملة صلاة الملائكة على المؤمنين، وصلاة الناس بمعنى الدعاء، وصلاة المخلوقين بمعنى الدعاء، وبعضهم يقول: صلاتنا على النبي ﷺ بمعنى سؤال الرحمة، والمعنى أعم من ذلك، والله تعالى أعلم.

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ، فصلاته هذه التي بمعنى: أن يذكر عبده في الملأ الأعلى تقتضي الهداية والتوفيق والصلاح، أن يسوق إليه الألطاف؛ ولهذا قال بعده: لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فاللام هذه تدل على التعليل، فكانت صلاته مفضية إلى ذلك، فإذا كان الله يصلي على عبده ويذكره في الملأ الأعلى فإن هذا يقتضي أن يسوق إليه ألطافه وأن يوفقه وأن ينقله من هداية إلى هداية، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.

قال: وقوله تعالى: لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي: بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم، ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبَصّرهم الطريق الذي ضَلَّ عنه وحاد عنه مَن سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطِّغام، وأما رحمته بهم في الآخرة: فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم.

وروى الإمام أحمد عن أنس قال: مر رسول الله ﷺ في نفر من أصحابه وصبيٌّ في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، وَسَعَت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، قال: فَخَفَّضهم رسول الله ﷺ وقال: ولا الله، لا يلقي حبيبه في النار[5]، إسناده على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، ولكن في صحيح الإمام البخاري، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ رأى امرأة من السبي قد أخذت صبياً لها، فألصقته إلى صدرها، وأرضعته فقال رسول الله ﷺ: أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا: لا، قال رسول الله ﷺ: فوالله، لله أرحم بعباده من هذه بولدها[6].

الحديث الأول بهذا السياق ضعفه بعض أهل العلم، وإن كان يشهد له الحديث الآخر.

وقوله -تبارك وتعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، هذه يستدل بها من يقول: إن الرحيم أي ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين، وذلك أنه قدم الجار والمجرور، وذلك يفيد الاختصاص أو الحصر، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ، ما قال: وكان رحيماً بالمؤمنين، فيكون ذلك لهم ولغيرهم، ويقولون: الرحمن يعني: أنه ذو الرحمة العامة، هكذا فرق بعضهم بين الرحمن والرحيم، وهذه الآية -والله تعالى أعلم- لا تدل على ما ذُكر إذا نُظر إلى الآيات الأخرى في الباب، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، والآيات جاءت عامة في هذا المعنى، إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ [سورة البقرة:143].

والرأفة: رحمة رقيقة، فرحمته -تبارك وتعالى- عامة، هو رحيم بالعباد، رحيم بخلقه، ولكن المؤمنين لهم من رحمته النصيب الأوفر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فإن رحمته تختص بهم، ولعل من أحسن ما قيل في الفرق بين الرحمن والرحيم ما ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله- من أن الرحمن يدل على صفة الرحمة وكذا الرحيم، إلا أن الرحمن يدل على القدر الذي يعود إلى الله منها، وأما الرحيم فإنه يدل على ما يتعدى من هذه الصفة، القدر المتعدي من الصفة، المتعدي إلى المخلوقين، والله أعلم.

وقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الظاهر أن المراد -والله أعلم - تَحِيَّتُهُمْ أي: من الله تعالى يوم يلقونه سَلامٌ أي: يوم يسلم عليهم كما قال : سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [سورة يس:58].

وزعم قتادة أن المراد أنهم يُحيّي بعضهم بعضا بالسلام، يوم يلقون الله في الدار الآخرة، كما قال سبحانه: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة يونس:10].

قوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الحافظ ابن كثير قال: أي يوم يسلم عليهم، أي أنه أعاد الضمير إلى الله يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أي: الله، وبعضهم قال: إن الضمير يرجع إلى يوم القيامة، وبعضهم يقول: إن الضمير يرجع إلى ملك الموت، وهذا بعيد، والأقرب أنه يرجع إلى الله -تبارك وتعالى، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، التحية هنا مصدر، تحيتهم، والإضافة فيه إلى الضمير الهاء تَحِيَّتُهُمْ، يحتمل أن يكون من قبيل الإضافة إلى الفاعل، إضافة المصدر إلى الفاعل، ويحتمل أن يكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول، تَحِيَّتُهُمْ، الآن هذا القول الذي ذكره عن قتادة، أن المراد أنهم يحيي بعضهم بعضاً بالسلام يوم يلقونه في الدار الآخرة، فيكون هذا من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ومثل هذا لابد منه في فهم المعنى، إضافة المصدر إلى الفاعل، تَحِيَّتُهُمْ التحية الصادرة منهم، يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، التحية الصادرة منهم، يحيي بعضهم بعضاً، وإن كان الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أشار إلى ضعفه بقوله: وزعم قتادة، مع أن هذا اختيار ابن جرير -رحمه الله، وهو وجه.

فيكون ذلك صادراً منهم، كان ينبغي أن يشار إلى هذا، يعني ترجيحات ابن جرير -رحمه الله- بتلك المنزلة، فلا يحسن حذفها من هذا المختصر، فـ تَحِيَّتُهُمْ، التحية مصدر، فإذا كان من الإضافة إلى الفاعل، التحية الصادرة منهم، يعني: يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، وعلى الأول الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله- يكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول، تَحِيَّتُهُمْ يعني: ما يحييهم الله به، تحية الله لهم، ولعل الأقرب -والله تعالى أعلم- أن ذلك يُحمل على المعنيين، بل يحمل على المعاني كلها؛ لأن هناك معنًى ثالثاً، تَحِيَّتُهُمْ أي: ما يُحيَّون به، تحييهم به الملائكة، فيحمل على هذه المعاني جميعاً، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، تحيتهم، أي ما يحييهم الله به، سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فهذا المعنى دل عليه القرآن، وما تحييهم به الملائكة، وهذا دل عليه القرآن، وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد:23، 24]، وكذلك يحيي بعضهم بعضاً بهذه التحية، فكل هذه المعاني صحيحة، فهذه تحية أهل الإيمان في الجنة، يُحيَّون بها ويحيي بعضهم بعضاً بها، وإذا كانت الآية تحتمل وجوهاً من التفسير، وكل وجه دل عليه دليل من القرآن أو من السنة، ولا يوجد ما يمنع من حملها على هذه المعاني، فلا إشكال في أن تحمل عليها، والله أعلم.

قال: وقوله تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا يعني: الجنة وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمناكح والملاذّ والمناظر مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

الإعداد يدل على عناية بالمُعَد وأما الأجر الكريم فهو الذي يكون طيباً في ذاته، في نفسه، فيخرج من ذلك كل ما لم يكن كذلك من الأمور التي تستقذر أو تستخبث أو نحو ذلك، فتقول: هذا رجل كريم في أصله، كريم في نسبه، هذا كما سبق في قوله -تبارك وتعالى: مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [سورة الشعراء:7]، فالكريم يقال للشيء الطيب بخلاف ما كان مستخبثاً أو مستقذراً أو نحو هذا، وكذلك الأجر الكريم هو الذي لا يكون معه تنغيص ولا تكدير، ولا يحصل معه لون من التأذي.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ۝ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ۝ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا [سورة الأحزاب:45-48].

روى الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا سَخّاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضَه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غلفاً"[7]. وقد رواه البخاري في البيوع والتفسير.

هو سأل عبد الله بن عمرو باعتبار أن ابن عمرو حصّل زاملتين -كما هو معلوم- في يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب، فكان يقرأ منها.

وقال وهب بن منبه: إن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل -يقال له: شعياء- أن قم في قومك بني إسرائيل، فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أمياً من الأميين، أبعثه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشراً ونذيراً، لا يقول الخنا، أفتح به أعينا كُمْهًا.

كُمْهاً يعني: أعيناً عمياً، كما في الذي قبله.

وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أسَدّده لكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلال، وأُعلِم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخَمَالة، وأعرّف به بعد النُّكْرَة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العَيْلَة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء متشتتة، وأستنقذ به فِئاماً من الناس عظيمة من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، موحدين مؤمنين مخلصين، مصدقين لما جاءت به رسلي، ألهمهم التسبيح والتحميد، والثناء والتكبير والتوحيد، في مساجدهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصلون لي قياماً وقعوداً، ويقاتلون في سبيل الله صفوفاً وزُحوفاً، ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب في الأنصاف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم، رهبان بالليل ليُوث بالنهار، وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين، أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون، وأُعِز مَنْ نصرهم، وأؤيد مَنْ دعا لهم، وأجعل دائرة السوء على مَنْ خالفهم أو بغى عليهم، أو أراد أن ينتزع شيئاً مما في أيديهم، أجعلهم ورثة لنبيهم والداعية إلى ربهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويوفون بعهدهم، أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم.

النبي ﷺ قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[8]، وهذا من هذا، وبعض المفسرين يذكر أشياء مما ورد في كتبهم من صفة النبي ﷺ والبشارة به عند قوله -تبارك وتعالى: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [سورة الصف:6]، يوجد في تفسير الرازي مثلاً، وكذلك في فتح البيان لصديق حسن خان، وهو في الواقع إعادة نسْخ وبعض الإضافات لكتاب فتح القدير للشوكاني إلا أنه زاد بعض الزيادات، وهذا من الزيادات، نقل من بعض الكتب أشياء من هذا القبيل، وتجد في المقابل من يشنع وينكر هذه الأشياء وأنه لم يجدها في كتبهم، تجد هذا لدى بعض المتأخرين مثل الشيخ محمد رشيد رضا، وفي غير كتب التفسير يوجد من هذا أشياء في مثل كتاب "إظهار الحق" وهو كتاب جيد في مناظرة النصارى والرد عليهم، للعالم الهندي الكيرانوي، مطبوع في مجلدين، فيه أشياء من هذا القبيل.

قال: فقوله تعالى: شَاهِدًا أي: لله بالوحدانية، وأنه لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة.

جمع بين معنيين، أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، شاهداً بماذا؟ بالتوحيد لله -عز وجل، والمعنى الثاني: أنه شاهد على الناس، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41]، هو شاهد عليهم، فجمع بين المعنيين، وكل ذلك يصدق على النبي ﷺ، وهذا كثير في هذا التفسير، يذكره ابن كثير -رحمه الله- كثيراً بهذه الطريقة التي قد لا يقف عندها القارئ، ولكن إذا نظر في أقوال المفسرين عرف قدر عبارته.

قال: وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا، كقوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.

وقوله : وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا أي: بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب، ونذيراً للكافرين من وبيل العقاب.

وقوله -جلت عظمته: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ أي: داعياً للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك، وَسِرَاجًا مُنِيرًا أي: وأمرُك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس...

الإذن وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ يعني: بأمره، والإذن يصدق على الأمر الكوني والأمر الشرعي، وعلى كل حال ذلك يجتمع في المؤمن كما هو معلوم، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى: مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [سورة الحشر:5]، محمول على المعنيين على الأرجح، يعني: أن الله قدر ذلك وقضاه، ومن جهة أخرى أن الله أذن لهم به شرعاً، الإذن الشرعي، معهم النبي ﷺ، فكونهم يقطعون بعض النخيل لما يتطلبه الحصار، فهذا أمر مأذون به في قصة النضير.

قال: وَسِرَاجًا مُنِيرًا أي: وأمرُك ظاهر فيما جئت به من الحق، كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند.

هذا معنى أنه لوضوح أمره ﷺ بمنزلة السراج المنير، وكذلك في هدايته ﷺ للخلق، يهديهم ويبدد الله به ظلمات الكفر والشرك والجهالة، فهو سراج منير -عليه الصلاة والسلام، وَسِرَاجًا مُنِيرًا يستضيئون به، فهذا وهذا، والله تعالى أعلم.

وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا قال أبي بن كعب -رضي الله تعالى عنه: هذه أرجى آية في كتاب الله، يعني أنها أكثر الآيات في القرآن ترجية لأهل الإيمان، يعني يرجيهم بما عند الله من الجزاء والثواب وما أعد لهم، والمشهور أن أرجى آية في كتاب الله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [سورة الزمر:53]. 

لكن من أهل العلم من يلحظ في بعض الآيات أمراً فيحكم بأن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله، وقد مر من هذا أشياء، ومن أعجبه ما مضى في سورة البقرة في آية الديْن، فإن بعض السلف قال: إنها أرجى آية في كتاب الله، قالوا: باعتبار لما احتاط الله لمال المسلم هذه الاحتياطات الكثيرة جداً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا... [سورة البقرة:282] إلى آخر الآية.

أطول آية في قضية مال المسلم ولو كان قليلاً، فإذا كان الله احتاط لمال المؤمن هذا الاحتياط من الضياع، فإن الله -تبارك وتعالى- لا يضيع عبده المؤمن، وبعض الناس في المعاملات المالية ونحو ذلك في رمضان أحياناً تسمع من يقول: لو أن الإمام يتجاوز سورة البقرة وآل عمران والمائدة وهذه السور ويقرأ في سور مثل الأنبياء وطه وما بعد ذلك، هذا أمر لا ينقضي منه العجب، هذه السور اقرءوا الزهراويْن[9]، وما قاله النبي ﷺ عن سورة البقرة وما إلى ذلك، فهذه إذا كان قيل هذا في آية الدين فماذا يمكن أن يقال في الآيات التي ظاهرها ترجية أهل الإيمان كقوله -تبارك وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [سورة فاطر:32]، قالوا: بدأ بالظالم لنفسه من أجل أن لا يقنط، والجميع قال لهم: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [سورة فاطر:33]، فأضاف ذلك إليهم جميعاً بطبقاتهم ومراتبهم ودرجاتهم الثلاث، ولهذا قالوا عن هذه الواو في قوله: يَدْخُلُونَهَا التي جمعت هذه الطوائف الثلاث: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين.

وأبي بن كعب يقول: إن قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا أرجى آية في كتاب الله -تبارك وتعالى، والفضل الكبير جاء مبيَّناً في قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ [سورة الشورى:22]، فهذا هو الفضل الكبير.

وقوله -جل وعلا: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ، أي: لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه وَدَعْ أَذَاهُمْ أي: اصفح وتجاوز عنهم، وكِلْ أمرهم إلى الله، فإن فيه كفايةً لهم؛ ولهذا قال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا.

هذا كما في أول السورة في قوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [سورة الأحزاب:1]، فيما يشيرون به وما يدعونك إليه، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۝ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [سورة الأحزاب:1-3]؛ لأنه إذا اتبعت ما أوحي إليك لن يتركوك، وسيصل إليك ألوان الأذى منهم، فقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فوِّضْ أمرك إلى الله ، فالله كافيك.

فهنا قال: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لا تجعل من هؤلاء مستشارين، ولا تسمع ما يقولون، وما يشيرون به، وما يدعونك إليه، قال: وَدَعْ أَذَاهُمْ قال: أي لا تطعهم وتسمع منهم، وَدَعْ أَذَاهُمْ أي: اصفح وتجاوز عنهم، وكِل أمرهم إلى الله فإن فيه كفاية لهم، وَدَعْ أَذَاهُمْ يمكن أن يكون الأذى مصدراً مضافاً إلى الفاعل، ويمكن أن يكون مضافاً إلى المفعول، والمعنى يتغير تماماً، فإذا كان من قبيل الإضافة إلى الفاعل، وَدَعْ أَذَاهُمْ أي: دع، يعني لا توصل الأذى لهم، وَدَعْ أَذَاهُمْ يعني: دع أن تؤذيهم مجازاة على أذيتهم لك، لا تؤذهم، أعرِض عنهم، لا تنتقم منهم وَدَعْ أَذَاهُمْ.

والمعنى الثاني: أن يكون من قبيل الإضافة إلى المفعول وَدَعْ أَذَاهُمْ دع الأذى الصادر منهم إليك، فإنهم سيؤذونك فلا تلتفت إلى ذلك ولا تعبأ به، ووُجِّه إلى أن يتوكل على الله وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا فالله سيكفيك ذلك جميعاً، وَدَعْ أَذَاهُمْ، المعنى الأول لا توصل إليهم أذى، لا يصل إليهم منك أذى، وَدَعْ أَذَاهُمْ لا تؤذهم أعرض عنهم، المعنى الثاني: وَدَعْ أَذَاهُمْ لا تكترث ولا تعبأ بما يؤذونك به، أعرض عن أذاهم فإنه لا يضرك، كما قال الله : لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى [سورة آل عمران:111]

والأذى غير الضرر -والاستثناء منقطع هنا، كما في قوله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر[10]، فهذا أذى، وفي الحديث الآخر: لن تبلغوا ضري فتضروني[11]، فالضر لا يصل، المخلوق أضعف من أن يوصل الضر إلى الله ، لكن يمكن أن يوصل الأذى، فالأذى يصل، لكن الضر لا يصل، المخلوق أضعف من أن يضر الله ، ولهذا قال: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى فالاستثناء منقطع، يعني: لكن أذى، فالأذى لا يضر، فهؤلاء من المنافقين حينما يرجفون بأهل الإيمان من أهل الصلاح أو العلم، ويتكلمون في أعراضهم ويخوضون، هذا لا يضرهم، وإنما يضر من صدر منه.

وقد مضى الكلام على قوله -تبارك وتعالى- في سورة النور: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [سورة النور:26]، وأن ابن جرير -رحمه الله- قال -بل هذا قول الجمهور: الخبيثات من الأقوال للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من الأقوال، والطيبون من الناس للطيبات من القول، والطبيات من القول للطيبين من الناس، فإذا صدرت من الطيبين -أعني الطيبات- نفعتهم، وإذا قيلت فيهم فهم أهلها وأحق بها، والخبيثات من الأقوال إذا صدرت من أهل الشر والفساد فهم معدنها وأهلها، وإذا قيلت فيهم فهم أليق بذلك، فهذا وصفهم، هذا قول الجمهور، وهو اختيار ابن جرير.

مع أن الآية تحتمل معنى آخر كما سبق في الكلام على سورة النور من أن الخبيثات يشمل هذا والأفعال، وكذلك النساء، ولكن القائل: إن الخبيثات من النساء للخبيثين من الناس، هذا لم ينقل إلا عن واحد من السلف هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والبقية كلهم يقولون: الخبيثات من القول، فلا ينبغي للإنسان أن يكترث ويعبأ بهذه الهجمات المنظمة التي يتولى كبرها بعض المنافقين؛ للوقيعة في أهل الإيمان والصلاح والخير والدعاة إلى الله ، فإن ذلك لا يزيدهم إلا رفعة، والواقع يشهد بهذا، فإن مقاصدهم ومطالبهم من إسقاط هؤلاء وتشويه سمعتهم وما إلى ذلك، كل ذلك لم يحصل، بل ازدادوا رفعة ومحبة في قلوب أهل الإيمان، وهذا هو الفرق بين أهل الإيمان وبين أهل النفاق، فإن أولائك إذا هُتكوا وفُضحوا سَقطوا، وأما أهل الصلاح والخير فإنهم كالعود الطيب إذا أوقد عليه فإنه يزكو برائحته.

وقوله: وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ على المعنى الأول: لا تؤذهم، فإن الذين يقولون: إن آية السيف نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية، فعندهم أن هذه منسوخة، مع أن آية السيف وهي الخامسة من سورة براءة فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ [سورة التوبة:5] إلى آخره، في الواقع أنها لم تنسخ هذه الآيات كما سبق في مناسبات شتى، وأن هذا في مراحل، وأنه في وقت الضعف في أول الإسلام يؤمر المسلمون بالعفو والصفح والإعراض واحتمال الأذى، لكن هذا كله كان بعد وقعة الأحزاب، ولم يكن وقت ضعف بل وقت قوة، والنبي ﷺ قد انتصر على قريظة كما انتصر على النضير، وعلى بني قينقاع، فهل يقال: إن هذا كان في وقت الضعف وأنه أُمر ﷺ بأن لا يوصل إليهم الأذى، لو قيل ذلك في المنافقين، وأنه أُمر بالإعراض عنهم فهذا قد يحتمل، لكنّ الكافرين هو مأمور بمجاهدتهم. 

ولهذا فإن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن يحمل هذا على المعنى الآخر، وَدَعْ أَذَاهُمْ يعني: لا تكترث بما يوصلونه إليك من الأذى، ووجه الارتباط بما قبله أن المنافقين آذوا النبي ﷺ كثيراً في هذه الواقعة وقول عبد الله بن أبي: يقتل مائة دارع في غداة واحدة، يعترض على الحكم الذي قال النبي ﷺ عنه إنه: حكم الله من فوق سبعة أرقعة[12]، سبع سماوات، ويعترض عليه يقول: كيف يقتل مائة دارع؟ أي مقاتل، أربعمائة دارع، وسبق أن هؤلاء بعضهم قدرهم بسبعمائة وبعضهم قدرهم بسبعمائة وخمسين، قتلهم في غداة في صبيحة يوم، فهو يعترض على هذا، فهذا من أذاهم، كذلك فيما يتصل بهذه الآيات إبطال التبني بتزويج النبي ﷺ من زينب، كان النبي ﷺ يتخوف ألسن المنافقين، قال الله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ [سورة الأحزاب:37]، فهنا قال: وَدَعْ أَذَاهُمْ لا تكترث بهم، فليتكلموا كما شاءوا.

وإذا تكاثرت الخصومُ وصَيَّحوا فاثبُتْ فصيحتُهم كمثلِ دخانِ
يرقَى إلى الأوجِ الرفيعِ وبعدَه يهوِي إلى قعرِ الحضيضِ الداني

هذا قدرهم، وهذه حالهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا [سورة الأحزاب:49].

هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها: إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.

يعني النكاح يطلق ثلاثة إطلاقات: إطلاق كامل، يعني أكمل إطلاقات النكاح، وهو مجموع العقد والجماع، هذا أكمل إطلاقاته، وذلك في قوله -تبارك وتعالى: فَلاَ تَحِلُّ لَهُ المطلقة بالثلاث حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [سورة البقرة:230]، فلابد من عقد صحيح وأيضاً الجماع، فلو تزوجها، عقد عليها وما جامعها فلا تحل للزوج الأول إذا طلقها هذا، لابد من الأمرين، فهذا إطلاق له على أكمل معانيه، الإطلاق الثاني على العقد فقط، وهو في هذه الآية إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ عقد عليها ثم طلقها قبل أن يمسها، الإطلاق الثالث: وهو إطلاقه على الجماع، هل ورد في القرآن؟

في سورة النور على أحد القولين، فإن الاختلاف كثير في قوله -تبارك وتعالى: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [سورة النور:3]، فإن المعاني المذكورة فيه كثيرة، وقد مضى الكلام على هذا، وبعض أهل العلم حمل قوله: لَا يَنكِحُ يعني: لا يطأ، لا يقع إلا على إما واحدة تستحل الزنا فهي مشركة، تقول: هذه حرية شخصية، ومال الدين والحريات الشخصية، فهذه مشركة تستحل ما حرم الله ، أو أنها تعتقد تحريم الزنا ولكنها لا تنضبط من الناحية العملية السلوكية، فهذه زانية، فهو لا توافقه على الزنا إلا امرأة مشركة تستحل الزنا، أو امرأة زانية تعتقد تحريمه ولكنها تقارفه، لا تمتثل، هذا معنى.

المعنى الثاني: أن يكون النكاح بمعنى الزواج، وهذا الذي فيه الإشكال الكثير؛ لأن الله قال: أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، هل الزانية المسلمة يجوز أن يتزوجها مشرك؟ وهل يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة ولو كان زانياً؟! هذا محل الإشكال الكثير والأقوال الواردة في هذا المعنى، فالمقصود أنه على القول الأول: أن معنى لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً يعني: لا يزني لا يواقع لا يجامع، فيكون بهذا المعنى -على هذا التفسير- أطلق على الجماع فقط.

وقد مضى قول شيخ الإسلام وابن القيم في معناها وهو من أحسن ما قيل، حيث حملوه على العقد هناك، وبينوا وجه ذلك من حيث اشتراط الكفاءة في العفاف، وعلى مذهب الإمام أحمد لا يجوز أن يتزوج امرأة زانية لم تتب، فالعقد باطل، فإذا كان يعتقد حله فهو مشرك، وإن كانت تعتقد حله فهي مشركة، فإذا كان يعلم تحريمه فعقد باطل يواقعها بالحرام فهي زانية، إما زانية أو مشركة، هذا الذي يتزوج امرأة زانية، هذا كلام ابن القيم، وشيخ الإسلام يزيد على هذا المعنى أمراً يتصل بحال الرجل الذي يكون زانياً وما يكون عنده من ذهاب الغيرة، وفي المقابل عند امرأته من نزعة للانتقام، ثم إن المعاشرة بين الزوجين هي أعظم العشرة، ويقال للزوج عشير، والله قال: فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [سورة النساء:140]، فلها حكمه إذا كان يزني ولم يتب، أنها لا تبقى معه.

هنا قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ قال: قوله: الْمُؤْمِنَاتِ خرج مخرج الغالب، إذا لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية، وذلك بالاتفاق، إذا تزوج كتابية وطلقها قبل الدخول فالحكم متحد ليس عليها عدة.

قال: وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها.

وقوله تعالى: الْمُؤْمِنَاتِ خرج مخرج الغالب؛ إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق. وقد استدل ابن عباس -رضي الله عنهما، وسعيد بن المسَيّب، والحسن البصري، وعلي بن الحسين زين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح؛ لأن الله تعالى قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، فعقَّب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله.

هذا الذي عليه الجمهور من أهل العلم، وهذه الآية إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا هي مخصصة لقوله -تبارك وتعالى- في سورة البقرة: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [سورة البقرة:228]، يعني: إلا أن تكون مطلقة قبل الدخول فلا تتربص ثلاثة قروء، بمجرد ما يتلفظ بالطلاق فإنها تبين منه البينونة الصغرى، يعني لو أرادها فإنه يحتاج إلى عقد جديد ومهر وولي، والآية الثانية التي خصصتها هذه الآية هي قوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [سورة الطلاق:4] يعني كذلك، فالآيسة: الكبيرة التي لا تحيض، والصغيرة: التي لا تحيض لصغرها عدتها ثلاثة أشهر، إلا أن تكون مطلقة قبل الدخول، فليس عليها عدة.

و قوله: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ، طلقها قبل الدخول، فليس عليها عدة، يبقى النظر في مسألة أخرى وهي ما إذا طلقها قبل أن يجامعها ولكنه خلا بها، أغلق باباً أو أرخى ستراً، فما الحكم عليها عدة أو ليس عليها عدة؟ وهل تستحق المهر أو لا تستحق المهر، هذه مسألة مختلف فيها بين الصحابة فمن بعدهم، فكثير من أصحاب النبي ﷺ فمن بعدهم يقولون: إنه إذا أغلق باباً -خلا بها- فإنها تستحق المهر، وليس نصف المهر، وعليها العدة، تنزيلاً للمظنة منزلة المَئِِنَّة، المسألة فيها خلاف، فمن أهل العلم من يقول: لا؛ لأن الله قال: مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ والمسيس هو النكاح، ذكرت هذا من أجل أن لا يشكل.

ومثل هذا مفيد، لو أنه لم يحذف كان أفضل.

قال: وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الآية.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضاً قال: إنما قال الله تعالى: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح؟!.

ينبغي أن يلاحظ كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- الأول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، يقول: ليس بشيء من أجل أن الله قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، فالطلاق إذا وقع على محل غير قابل، يعني امرأة ليست في حباله، ليست في عصمته فإنه ليس بشيء، يقول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهذا لا يقع، كما لو أنه أوقعه منجزاً من غير تعليق على امرأة ليست في حباله، قال عن امرأة أجنبية: فلانة طالق، ليس بشيء، لكن هذا قول الجمهور: إن قوله: كل امرأة أتزوجها...، خلافاً لأبي حنيفة؛ لأنه يرى وقوع الطلاق، لكن لو عيّن امرأة وقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فهذا غير الأول، غير ما ذكره ابن عباس، فمن أهل العلم وهو مذهب المالكية والأحناف أيضاً أن ذلك يقع، خلافاً لغيرهم حيث قالوا: هذا مثل الأول، إنه قال هذا في امرأة ليست في عصمته، إن تزوجتُ فلانة فهي طالق، فهذا ليس بشيء، والله أعلم.

قال: وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك[13]، رواه الإمام أحمد والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.

هذا نص صريح لا طلاق، فإذا قال: فلانة إذا تزوجتها فهي طالق، فهذا لا يقع، يعني: المعين أو المطلق، كل ذلك لا يقع.

قال: وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، وهكذا روى ابن ماجه عن علي والمِسْوَر بن مَخْرَمَة -رضي الله عنهما- عن رسول الله ﷺ أنه قال: لا طلاق قبل نكاح[14].

وهذا مطلق، فيشمل المعين وغير المعين.

قال: وقوله : فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا: هذا أمر مجمع عليه بين العلماء: أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها مَنْ شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشراً، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضاً.

لحرمة الزوج، لو مات عنها قبل الدخول فإنها ترث، وعليها العدة، لكن لو طلقها قبل الدخول فإنها لا تعتد، وإن كان سمى لها مهراً فلها نصف المهر، مع المتعة عند بعض أهل العلم، وبعضهم يقول: إن لم يسم لها مهراً متعها، وإلا أعطاها نصف المهر، وأما بقية المطلقات بعد الدخول فإنها تعطى متعة؛ جبراً لخاطرها، بحسب حاله من الغنى والفقر.

قال: وقوله تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا: المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها.

يقول: المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة؛ لأن من أهل العلم من يقول: إن ذلك يراد به إحدى حالين: إن كان سمى لها صداقاً فلها النصف، سواءً كان دفعه لها أو لم يدفعه، وإن لم يسمِّ صداقاً أي تزوجها ولم يتفقوا على قدر في المهر معين، تركت الأمر له فإنه يعطيها متعة.

ابن كثير -رحمه الله- يقول هنا: ليس في الآيات تقييد، وإنما أمر بتمتيعها فَمَتِّعُوهُنَّ هذا أعم من أن يكون نصف الصداق، أو المتعة الخاصة التي تعطى لمن لم يسم لها، أو المتعة العامة التي تعطى للمطلقات، أما السراح الجميل فهو يتضمن أن يمتعها بحسب عسره ويسره، بحسب حاله، هذه واحدة.

الأمر الثاني: السراح الجميل لا يحصل معه أذى لها أو لأهلها، كثير من الناس لما يحصل طلاق يحصل إساءة، أقل ذلك جرح المشاعر، إن لم يصل إليها منه ضرب أو يصادر مالها أو يصادر متاعها، بعضهم قد يغلق على ثيابها، ما عندها ثياب تلبسها، ليس عليها إلا الثوب الذي جاءت به، وأشهر وهي تتردد وقد غير أقفال الأبواب -نسأل الله العافية، فهذا إجرام، وقد يصدر للأسف من بعض الناس الذي ظاهره الصلاح والخير، ولكن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق، هذا إجرام، والمرأة مسكينة ما عندها شيء، ويغلق، أو يأخذ من متاعها الذي جاءت به، فيصطفي ما شاء، ويغلق عليه الغرفة، ويغير القفل، بأي حق تأخذ مالها؟ فهذا خلاف السراح الجميل الذي أمر الله به، ومن السراح الجميل أن يطلقها، المرأة عموماً، ليست هذه التي قبل الدخول، السراح الجميل للمطلقات، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [سورة البقرة:229] من غير أذى.

وكذلك ما جاء في قوله في أول سورة الطلاق: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق:1]، أن تطلق في طهر لم تجامع فيه، ولا يكون هذا الطلاق في طهر سبقه طلاق في حيض، إذا طلقها في حيض فإنه لا يجوز له ذلك، وعليه أن يرجعها على خلاف هل وقع الأول أو لا، ثم بعد ذلك ينتظر حتى تتطهر ثم تحيض ثم تتطهر، يعني لا يطلق في الطهر الذي بعده مباشرة، هذا معنى قوله في أول سورة الطلاق: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، هذا طلاق السنة، فالسراح الجميل أن يراعي ما أمر الله به في الطلاق وأن يطلق واحدة ولا يطلق أكثر من ذلك، والله المستعان.

قال: قال الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [سورة البقرة:237]، وقال : لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة:236].

وفي صحيح البخاري، عن سهل بن سعد وأبي أسيد -رضي الله عنهما- قالا: إن رسول الله ﷺ تزوج أميمة بنت شَرَاحيل، فلما أن أُدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقِيَّين[15].

رازقِيَّين: أي ثياب من الكتان الأبيض، "ثوبين رازقيَّين"، هذا متعة الآن، يمتعها يعطيها شيئاً، إما يعطيها متاعاً –نقوداً، أو يعطيها عقاراً، بحسب غناه وفقره إذا كان يملك مليارات وأعطاها شقة تكون ملكاً لها، فهذا ليس بكثير، وإذا كان هذا الإنسان لا يملك إلا عشرة آلاف فإنه لو أعطاها ألف ريال فهذا بالمعروف، بحسب زمانه والمكان الذي هو فيه –البلد، وبحسب الغنى والفقر، هذا المتاع بالمعروف.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما: إن كان سمى لها صداقاً فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقاً فأمتعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل.

هذا مما يدخل في السراح الجميل، وبعض السلف كقتادة وابن المسيب يرى أن المتعة هنا منسوخة بقوله: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [سورة البقرة:237]، وهذا لا دليل عليه، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وموضوع المتعة في الطلاق هذه من الأشياء التي تركها الناس إلا من رحم الله ، هل تسمعون بأن أحداً يطلق امرأة ويعطيها، مع أنه يجب عليه هذا؛ لأن الله جعله حقاً على المتقين، ولكن من الذي يفعل هذا اليوم، هذا مما ضُيع، السراح الجميل، يندر أن تجد أحداً يسرح امرأته سراحاً جميلاً إذا طلقها: البقاء في البيت، التطليق للعدة وفي طهر لم يجامعها فيه، ولو أن الناس راعوا هذا في الطلاق ستذهب تسعة أعشار حالات الطلاق الموجودة.

الآن يقولون: إنها تصل إلى40% عندنا في المجتمع، ستنخفض إلى تسعة أعشار؛ فهو يطلق في طهر جامعها فيه أو وهي حائض إذا غضب، وأكثر الطلاق في خصومة، فإذا غضب يقال له: ما تطلق إلا في طهر لم تجامع فيه، وهذا نادر؛ لأن الرجل بمجرد ما تطهر من الحيض فهو ينتظر اللحظة التي تطهر فيها، فغالباً يكون جامعها فيه أو تكون حائضاً، فنقول له: لا يجوز، انتظر حتى تطهر، كانت طاهراً ثلاثة أسابيع، نقول: انتظر حتى تحيض ثم تطهر والغضب قد ذهب، نقول: الآن طلق، فإذا طلق، افترِضْ أنه طلق أو كانت فعلاً في طهر لم يجامعها فيه فطلقها فنقول: يجب أن تبقى عندك في البيت، وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ [سورة الطلاق:1] أضاف البيوت لهن، وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ.

لا يجوز أن يخرجها ويذهب بها إلى بيت أهلها، ولا يجوز لها أن تذهب من عند نفسها، فتبقى عنده في البيت وتتزين له، ومعلوم أن الرجل لا يصبر عن امرأته هذه المدة، طلق في طهر لم يجامع فيه، فصبَّرناه حينما كان غاضباً ثم طلق، فنقول له: انتظر هذا الطهر الذي طلقتها فيه، ثم تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فيجلس هذه المدة التي هي قريبة من ثلاثة أشهر، الرجل المتزوج لا يستطيع أن يجلس هذه المدة، وهي عنده في البيت، لا يستطيع، إلا حالات نادرة، أن يكون لديه قناعة كاملة أن هذه المرأة لا تصلح، أما إذا كانت غضبة، أو سوء تفاهم على قضية أو نحو ذلك، لا يستطيع الرجل يصبر أسبوعاً، الأسبوع الثاني تبدأ المعاناة، أمّا أن يجلس هذه المدة كلها!، فلو أن الناس طبقوها تتلاشى حالات الطلاق، فسيراجع؛ لأنها عنده في البيت.

لكن إذا ذهبت إلى بيت أهلها لا يراها، ويتحول أهلها إلى فريق يناصرونها، وأهله يتحولون في الغالب إلى فريق يناصرونه، وتتسع دائرة النزاع ويتباعد الطرفان، فالناس لو راعوا هذه الأمور التي ضيعوها، حتى صاروا يعبرون عن الطلاق بأنه ذهب بها إلى أهلها، هذا لا يجوز -والله المستعان، وعامة سؤال الناس إنما هو على الطلاق الذي قد وقع، ويندر أن يسأل أحد عن طلاق سيوقعه، يقول: كيف أطلق؟ ما هو المشروع في الطلاق؟ أنا لا أذكر أن أحداً على كثرة ما سمعت من مسائل الطلاق، وما أجيبهم فيها في المسائل الواقعة لا يكاد يمر يوم إلا تمر مسائل ما أذكر أن أحداً سأل على الطلاق الشرعي إلا شخصاً واحداً، قبل نحو خمس عشرة سنة، قال: أنا أريد أن أطلق، فما هو المشروع في الطلاق؟ وفي اليوم الواحد عدد يسألون عن طلاق وقع، طلاق وتحريم وظهار، وأحياناً يجمع الثلاث، تسأله تقول: ماذا تقصد بكذا؟ هو لا يعرف ماذا يقصد، طالق وحرام ومثل أمه، نسأل الله العافية.

  1. رواه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم (2329)، وأحمد في المسند، برقم (17680)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3296).
  2. رواه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الذكر، برقم (3375)، وأحمد في المسند، برقم (17680)، والحاكم في المستدرك، برقم (1822)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7700).
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (7093)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (80).
  4. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (8650)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وله إسنادان: أما الِإسناد الأول فحسن، حماد بن سلمة سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط في رأي بعض أهل العلم، وأما الِإسناد الثاني -وهو حماد بن سلمة عن حميد وثابت وصالح- ففيه انقطاع، لأن الحسن -وهو البصري- لم يسمع من أبي هريرة".
  5. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (12018)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم (7133).
  6. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، برقم (5653)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، برقم (2754).
  7. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الفتح، برقم (4558)،  وأحمد في المسند، برقم (6622)، وقال محققوه: "حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير موسى بن داود، فمن رجال مسلم، إلا أن فليح بن سليمان -وإن كان ينحط عن رتبة الصحيح- متابع".
  8. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3274).
  9. رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم (804).
  10. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم الجاثية، برقم (4549)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246).
  11. رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
  12. رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى، (2/ 75)، بهذا اللفظ، ورواه البخاري بلفظ أن النبي ﷺ قال له بعد أن حكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم: حكمت بحكم الله أو بحكم الملِك، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب سعد بن معاذ ، برقم (3593).
  13. رواه النسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب كفارة النذر، برقم (3849)، والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، برقم (1181)، ولفظ النسائي: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم، وأحمد في المسند، برقم (6780)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2184)، وصحيح الجامع برقم (7548).
  14. رواه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب لا طلاق قبل النكاح، برقم (2048)، والبيهقي في السنن الكبرى، برقم (15028)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2070).
  15. رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟ برقم (4957).

مواد ذات صلة