الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(05- ا) من قوله " وأما أحكام القرآن فهي ..."
تاريخ النشر: ٢٣ / رجب / ١٤٣٥
التحميل: 2250
مرات الإستماع: 1530

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحابته الطّيبين الطاهرين، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، وللمُستمعين.

أما بعد: فيقول الإمامُ ابن جُزي -رحمه الله-:

"وأمَّا أحكام القرآن: فهي ما ورد فيه من الأوامر والنَّواهي، والمسائل الفقهية.

وقال بعضُ العلماء: إنَّ آيات الأحكام خمسمئة آية، وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استُقصي تتبعها في مواضعها".

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: المؤلف -رحمه الله- يتكلّم في بيان العلوم التي أشار إليها في بداية هذا الباب الرابع، وهي فنون العلم التي تتعلّق بالقرآن، وذكر أنَّه يتّصل باثني عشر فنًّا من العلوم، فهذا هو الثالث منها، وهو (أحكام القرآن).

ويُبين المراد بذلك فيقول: إنها "ما ورد فيه من الأوامر والنَّواهي، والمسائل الفقهية"؛ لأنَّ الأحكام معنًى واسع عند الإطلاق، وقيَّده هنا بالأحكام الفقهية، وإلا فحينما نقول: "الله واحد"، فهذا حكمٌ له بالوحدانية ، ولكنَّه لا يُريد ذلك، وحينما نقول مثلًا: الحكم المعلّق على وصفٍ يزيد بزيادته، وينقص بنُقصانه، الحكم: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام:٨٢]، حَكَمَ لهم بالأمن، هذا حكمٌ مُعلَّقٌ على وصفٍ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ، لكن هو لا يُريد هذا المعنى، وإنما يُريد المعنى الأخص، وهو المتبادر عند الإطلاق.

وما ذكره من أنَّ بعض العلماء قالوا: أنَّ آيات الأحكام خمسمئة، هذا باعتبار الاستقراء، ويقصدون بذلك الآيات الصَّريحة التي سِيقت لبيان الأحكام، مثل: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:٤٣]، وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:١٩٦]، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:١]، ونحو ذلك مما سِيق لبيان الحكم، وإلا فإنَّ الأحكام تُستخرج وتُستنبط من عموم آيات القرآن، ولكن أكثر المصنفين في آيات الأحكام تكلّموا على الآيات الصَّريحة، ولم يتعرَّضوا لغير ذلك مما جاء في القصص مثلًا والأخبار، ونحو ذلك، وإلا ففي قوله مثلًا: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ۝ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ۝ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ۝ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ۝ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد]، هذه يمكن أن تُستخرج منها الأحكام، مع أنها ما سِيقت لبيان ذلك.

ومن ذلك مثلاً: إقرار المشركين على ما تحت أيديهم مما تملّكوه في مُعاملاتهم ونحو ذلك، كقوله: مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، فأضافه إليه، وكذلك إقرار المشركين على أنكحتهم وعقودهم التي كانوا عليها في حال كفرهم: وَامْرَأَتُهُ، فأضافها إليه، فدلّ على صحّة أنكحة المشركين، مع أنَّ الآية ما سِيقت لبيان ذلك.

وهكذا في قوله -تبارك وتعالى- مثلًا في سياق خبر موسى مع الخضر حينما خرق السَّفينة، فهذا يُؤخذ منه حكم، وهو جواز إتلاف البعض في سبيل إبقاء الكلّ، وكذلك حينما قتل الغلام، هل للقاضي أن يحكم بعلمه أو لا؟ فهذه مسألة فقهيَّة معروفة، فقتل هذا الغلام قبل أن يصدر منه شيء: فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا [الكهف:٨٠]، وكذلك أيضًا حينما أقام الجدار قال: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:٧٧]، هذه الآية هنا يُؤخذ منها حكم الإجارة مثلًا.

وقل مثل ذلك في قصّة يوسف : وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:٧٢]، فيُؤخذ منها: الجعالة والكفالة، مع أنَّ الآية ما سِيقت من أجل بيان هذا.

فلذلك مشى القرطبي -رحمه الله- في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) على هذا النحو، حيث يُفسّر فيه جميع آيات القرآن، ويذكر التفسير، وآيات الأحكام، ويستنبط من مثل هذا الأحكام، فهو أوفى هذه الكتب، وأشملها، وأعظمها نفعًا.

"وقد صنّف الناسُ في أحكام القرآن تصانيف كثيرة، ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها: تأليف إسماعيل القاضي، وأبي الحسن الكيا.

ومن أحسن تصانيف أهل الأندلس: تأليف القاضي الإمام أبي بكر ابن العربي، والقاضي الحافظ أبي محمد ابن عبدالمنعم بن عبدالرحيم، المعروف بابن الفرس".

"ومن أحسن تصانيف المشارقة"، "المشارقة" هذه عبارة يستخدمها أهلُ بلاد المغرب والأندلس، يقولون: "المشارقة".

يقول: "تأليف إسماعيل القاضي"، وهو إسماعيل بن إسحاق البصري، المالكي، إمام من أئمّة المالكية، وكان مذهب المالكية له وجود في العراق، وقال عنه الذَّهبي -رحمه الله-: "له كتابٌ في أحكام القرآن لم يُسبق إلى مثله"[1]، وطُبِعَ جزءٌ صغيرٌ من هذا الكتاب، يقول عنه الذَّهبي: "الإمام، العلّامة، الحافظ، شيخ الإسلام"[2]، وُصِفَ بهذه الأوصاف، وله ترجمة حافلة، وله كتاب مطبوع في فضل الصَّلاة على النبي ﷺ، توفي سنة مئتين واثنين وثمانين للهجرة.

وهنا عندكم خطأ في الهامش: مكتوب: مئتين واثنين.

يقول: "وأبي الحسن الكيا"، هكذا في بعض النُّسخ، وفي بعضها يقول: "كياه"، فإن كان هذا هو المراد، فهو علي بن محمد الطَّبري، الملقّب: بالكيا الهرّاسي، والكيا: لفظة أعجمية، بمعنى: الكبير الـمُقدّم، وهو من علماء الشَّافعية، متوفى سنة خمسمئة وأربعة للهجرة.

يقول: "ومن أحسن تصانيف أهل الأندلس: تأليف القاضي أبي بكر ابن العربي"، محمد بن عبدالله المعافري، المالكي، المتوفى سنة خمسمئة وثلاثة وأربعين للهجرة، وكتابه مطبوع، مُتداول، مشهور، ومعروف، يتكلّم فيه على الأحكام، وعلى قضايا أخرى مما يتّصل باللغة، ونحو ذلك، فهذا الكتاب من الكتب النَّافعة في هذا الباب، لكنَّه يميل إلى مذهب مالك -رحمه الله- ميلًا كثيرًا، وأيضًا يقسو على المخالفين.

قال: "والقاضي الحافظ أبي محمد، المعروف بابن الفرس"، وهو محمد بن عبدالرحيم، وهو من أهل الأندلس، متوفى سنة خمسمئة وسبع وتسعين، وكتابه قد طُبِعَ في ثلاثة مجلدات.

سؤال: .....؟

إذا قالوا: "المشارقة"، فيقصدون أهل المشرق عمومًا، يعني: أهل مصر عندهم من أهل المشرق، وأهل الشام والعراق والحجاز، وإلى الآن هذه اللَّفظة مُستعملة في بلاد المغرب وموريتانيا، يقولون: "المشارقة"، ويقولون: هذه قراءة مشرقية، وعلماء المشارقة، وعلماء المشرق، كما يُقال: علماء المغاربة.

"وأمَّا النَّسخ فهو يتعلّق بالأحكام؛ لأنَّها محلّ النَّسخ؛ إذ لا تُنسخ الأخبار، ولا بدَّ من معرفة ما وقع في القرآن من النَّاسخ والمنسوخ، والمحكم: وهو ما لم ينسخ.

وقد صنّف الناسُ في ناسخ القرآن ومنسوخه تصانيف كثيرة، وأحسنها تأليف القاضي أبي بكر ابن العربي، وقد ذكرنا في هذه المقدّمات بابًا في قواعد النَّسخ، وذكر ما تقرّر في القرآن من المنسوخ، وذكرنا سائره في مواضعه".

هذا هو العلم الرابع من العلوم المتعلقة بالقرآن، فمثل هذا –أعني: النسخ- ليس مما يحصل به الكشف عن المعنى مباشرةً، ولكن لا شكَّ أنه من العلوم المتعلّقة بالقرآن والتَّفسير، بحيث إنَّ المفسّر يتطرق لبيان ذلك ولا بدَّ؛ من أجل أنَّ المفسّر سيكون أمام بعض الآيات التي لا بدَّ من بيان أنها منسوخة، كقوله -تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:٢٤٠]، فهنا لا بدَّ أن يُشير إلى موضوع النَّسخ، فهذا لا يحصل به الكشف عن المعنى، ولكن لا بدَّ من بيانه، فهو مما يتعلّق بالتفسير، وقد بيّن أنواع هذه العلوم، وأنَّ منها ما يتوقف عليه بيان المعنى، ومنها ما يرتبط بالقرآن بوجهٍ من الوجوه، فهذا من ذلك.

يقول: "فهو يتعلّق بالأحكام؛ لأنها محلّ النَّسخ"، ويقصد بالأحكام هنا: الأمر والنَّهي؛ ولهذا يقولون: النَّسخ إنما يكون في الإنشاء، وليس في الخبر. يعني: في الأمر والنَّهي، والأخبار لا يدخلها النَّسخ؛ لأنَّه يكون تكذيبًا للخبر، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان الخبرُ بصيغة الخبر، ولكنَّه يتضمن الأمر أو النَّهي، ففي هذه الحال يدخله النَّسخ، ومثله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:٢٣٣]، هذا بصيغة خبر، ولكن قوله: يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ هذا أمرٌ لهنَّ بالإرضاع، فهذه الآية ليست منسوخةً، ولكن المقصود بيان ما كان من قبيل الأمر أو النَّهي الذي جاء بصيغة الخبر.

أمَّا الأخبار المحضة فهي لا تُنسخ؛ لأنَّ ذلك تكذيبٌ لها، وهذا هو المقصود هنا؛ فالخبر المحض الذي لا يتضمن أمرًا ولا نهيًا لا نسخ فيه، وكذلك أصول الشَّرائع لا تُنسخ، وأصول الأخلاق.

يقول: "والمحكم هو ما لم ينسخ"، الـمُحكم يُطلق بإطلاقات مُتعددة في باب النَّاسخ والمنسوخ، هو ما لم يُنسخ، يُقابله المنسوخ، وفي باب الـمُحكم والمتشابه، المحكم: ما استقلّ بنفسه في معرفة المراد به، ولم يحتج إلى غيره من أجل بيان معناه، ويُقابله المتشابه، فهذا ما لم يُنسخ.

وصنّف الناسُ في ناسخ القرآن ومنسوخه تصانيف كثيرة، وذكر كتاب القاضي ابن العربي، وكتابه مطبوع في مجلدين، ومن أحسن الكتب وأنفعها وأجلّها في باب النَّاسخ والمنسوخ كتاب النحاس (الناسخ والمنسوخ)، وقد طُبِع طبعة مُعتنًى بها، ومُحققة، في أربعة مجلدات، وهو كتاب مُسند.

ومن الكتب المهمة في الباب: كتاب (الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخه) لمكي ابن أبي طالب.

ومن الكتب المهمة في الباب: كتاب (الناسخ والمنسوخ) لأبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب (نواسخ القرآن) لابن الجوزي.

فهذه الكتب الأربعة هي من أهمّ ما ألّف في هذا الباب.

وهناك كتاب مُعاصر في مجلدين، مطبوع، وهو مُفيد في المناقشات، ولكنَّه أسرف في ردِّ دعاوى النَّسخ، يعني: لم يكد يُثبت من ذلك شيئًا، وهو كتاب (النسخ في القرآن الكريم) للدكتور مصطفى زيد، هذا جيد في مناقشة دعاوى النَّسخ؛ لأنَّ دعاوى النَّسخ كثيرة جدًّا، فيُفيد في المناقشات، لكنَّه بالغ في ردِّ دعاوى النَّسخ.

وتكلّم المؤلف -رحمه الله- على موضوع الناسخ والمنسوخ في المقدّمة، أو في الباب السابع، وذكر الآيات التي ادُّعي بأنَّ آية السيف قد نسختها، وسيأتي -إن شاء الله-.

"وأمَّا الحديث: فيحتاج المفسّر إلى روايته وحفظه؛ لوجهين:

الأوّل: أنَّ كثيرًا من الآيات في القرآن نزلت في قومٍ مخصوصين، ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي ﷺ من الغزوات والنَّوازل والسّؤالات، فلا بدَّ من معرفة ذلك؛ ليعلم فيمَن نزلت الآية؟ وفيما نزلت؟ ومتى نزلت؟ فإنَّ الناسخ يُبنى على معرفة تاريخ النزول؛ لأنَّ المتأخّر ناسخ للمُتقدّم.

والوجه الآخر: أنَّه ورد عن النبي ﷺ كثيرٌ من تفسير القرآن، فتجب معرفته؛ لأنَّ قوله مُقدّم على أقوال الناس".

هذه من العلوم التي تتعلّق بالقرآن؛ علم الحديث، يقول: يُحتاج إليه من الوجهين:

الأول: أسباب النزول، وأسباب النزول هذه الصَّريحة لها حكم الرفع، والمقصود بالصَّريحة أن يذكر واقعةً أو سؤالًا، ثم يقول: فأنزل الله، أو فنزلت الآية. أو يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، فهذا من قبيل الصَّريح.

وأمَّا غير الصَّريح فهو أن يقول: نزلت هذه الآية في كذا، في الرجل يعمل كذا، فهذا الذي اختلفوا فيه: هل له حكم الرَّفع، أو ليس له حكم الرفع؟

أمَّا الأول: فله حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهذا لا إشكالَ فيه.

كذلك أيضًا أنَّه ورد عن النبي ﷺ كثيرٌ من تفسير القرآن، وهذا الوارد عن النبي ﷺ على نوعين:

النوع الأول: ما ذُكِرَ معه الآية، يعني: كان تفسيرًا للآية بأي وجهٍ كان، يعني: سواء ابتدأهم النبي ﷺ بتفسيرها، أو أنَّهم اختلفوا في المراد بها، فبيّن النبيُّ ﷺ المراد، أو أنَّها أشكلت عليهم، فسألوه -عليه الصلاة والسلام-، فأجابهم، إلى غير ذلك.

المهم أنَّ الحديث قد جاء ذِكْرُ الآية معه، فهذا إذا صحَّ إسناده، فلا يُعدل عنه بحالٍ من الأحوال.

النوع الثاني -وهو الأكثر-: أن ترد عن النبي ﷺ أحاديث، ثم بعد ذلك يأتي الـمُفسّر ويربط بين هذه الأحاديث والآية، فيُفسّر بها القرآن، هذا الذي يدخله اجتهاد المفسّر، فقد يُصيب في هذا الرَّبط، وقد يُخطئ، ومن ثمَّ فإنَّ تفسير القرآن بالسُّنة هل يدخله الاجتهاد، أو لا يدخله الاجتهاد؟

هو على هذا التَّفصيل: ما جاء فيه التَّصريح بذكر الآية هنا إذا صحَّ إسناده فيُوقف عنده، وما لم تُذكر معه الآية فهذا يجتهد المفسّر في الربط بينه وبين الآية، وهو على مراتب: أحيانًا يكون ذلك بحالٍ من الوضوح؛ وجه الارتباط بين الآية والحديث: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:٢٣]، يقول النبيُّ ﷺ: يُؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرّونها[3]، أو كما قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

فهنا النبي ﷺ لم يذكر الآية، فالمفسّر يربط بين الآية والحديث، ووجه الارتباط واضح، وأحيانًا قد لا يكون كذلك، ومعلومٌ أنَّ سنته ﷺ هي بيانٌ للقرآن.

"وأمَّا القصص فهي من جملة العلوم التي تضمّنها القرآن، فلا بدَّ من تفسيره، إلَّا أنَّ الضَّروري منه ما يتوقف التفسير عليه، وما سوى ذلك زائدٌ مُستغنًى عنه.

وقد أكثر بعضُ المفسّرين من حكاية القصص الصَّحيح، وغير الصَّحيح، حتى إنهم ذكروا منه ما لا يجوز ذكره مما فيه تقصيرٌ بمنصب الأنبياء -عليهم السلام-، أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه.

وأمَّا نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص على ما يتوقف التَّفسير عليه، وعلى ما ورد منه في الحديث الصَّحيح".

هنا يُشير إلى القصص المنقول عن بني إسرائيل، سواء كان ذلك قد تُلقّي عنهم مُشافهةً، مُباشرةً ممن أسلم منهم مثلًا: ككعب الأحبار، ووهب بن منبه، أو أنَّ ذلك قد استُخْرِج من كتبهم، أو كان ذلك مما لم يُصرَّح به، وهذا كثيرٌ، يعني: قد ينقل عن بعض السَّلف أشياء لا يُضيفها إلى أهل الكتاب، ولكن ذلك قد يُعرف أنَّه مما أُخِذَ عن بني إسرائيل، فمثل هذا كثير، لكن يقول: أنا لا أُعرِّج على مثل هذا، و لا أتوسّع فيه، إلا ما يتوقّف عليه المعنى. ويذكر أنَّه يأخذ ذلك مما ورد في الحديث الصَّحيح، مثل: قصّة موسى ﷺ مع الخضر، فهذه جاءت مُفصّلة، وقد ذُكِرَ فيها من التَّفاصيل ما لم يوجد في سياق القصّة في سورة الكهف، فمثل هذا يكون من قبيل البيان النَّبوي، وذِكْرُ أخبار بني إسرائيل في كتب التفسير إنما مبناه على قول النبي ﷺ: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[4]، فهؤلاء العلماء -رحمهم الله- كأنَّ مُنطلقهم في ذكر هذه الأخبار والمرويات هي هذه الإباحة من النبي ﷺ.

وهذه الأخبار والمرويات الإسرائيلية -كما هو معلوم- هي على ثلاثة أنواع:

منها: ما يُوافق ما جاء عندنا، فهذا نحكم بصحّته.

ومنها: ما جاء مُخالفًا لما عندنا من الكتاب والسُّنة، هذا نحكم بأنَّه كذب.

والقسم الثالث -وهو كثير-: ما لم يرد في الوحي من الكتاب أو السُّنة ما يُصدّقه أو يُكذّبه، فمثل هذا نتوقف فيه، ويكون ذلك مما جرت به التَّوسعة في التَّحديث والإخبار به.

لكن هل معنى هذا أنَّ ذلك يُذكر للاعتماد، وأنَّه يُفسَّر به القرآن؟

ليس بالضَّرورة، ولكن ذلك يُذكر من باب الاستئناس، لكن إذا كان ذلك يتضمن قدحًا في الأنبياء، كما في بعض القصص والأخبار، أو تظهر منه مُبالغات، وأنَّه كذبٌ، فإنَّ ذلك ينبغي أن تُنزّه عنه كتب التفسير، وأن يُطوى، ولا يُروى، وللأسف كتب التفسير فيها من هذا شيء كثير، وأخبار مُتناقضة، مما يدلّ على دخول الكذب في كثيرٍ من ذلك.

"وأمَّا التَّصوّف فله تعلّق بالقرآن؛ لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية، ورياضة النفوس، وتنوير القلوب، وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة، واجتناب الأخلاق الذَّميمة.

وقد تكلّمت المتصوّفة في تفسير القرآن، فمنهم مَن أحسن وأجاد، ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني، ووقف على حقيقة المراد، ومنهم مَن توغل في الباطنية، وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية.

وقد جمع أبو عبدالرحمن السّلمي كلامهم في التفسير في كتابٍ سمَّاه (الحقائق)، وقال بعضُ العلماء: بل هي البواطل. وإذا أنصفنا قلنا: إنَّ فيه حقائق وبواطل.

وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يُستحسن من الإشارات الصُّوفية، دون ما يعترض، أو يقدح فيه.

وتكلّمنا أيضًا على اثني عشر مقامًا من (مقامات) التَّصوف في مواضعها من القرآن:

فتكلّمنا على الشُّكر في أمِّ القرآن؛ لما بين الحمد والشُّكر من الاشتراك في المعنى.

وتكلّمنا على التَّقوى في قوله تعالى في البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، وعلى الذكر في قوله فيها: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وعلى الصَّبر في قوله تعالى فيها: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]، وعلى التوحيد في قوله فيها: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]، وعلى محبّة الله في قوله فيها: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، وعلى التوكل في قوله في آل عمران: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]، وعلى المراقبة في قوله في النِّساء: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، وعلى الخوف والرَّجاء في قوله في الأعراف: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:56]، وعلى التَّوبة في قوله في النُّور: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا [النور:31]، وعلى الإخلاص في قوله في "لم يكن": وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:4]".

التَّصوف من جملة العلوم التي قال أنها ترتبط بالقرآن، وهو يقصد بالتَّصوف: ما يتّصل بالسلوك، وتطهير الباطن، والأخلاق، وأعمال القلوب.

فنحن لا نُقرّ هذه التَّسمية، لكن ننظر إلى مقصوده بذلك، فهو يعني هذا المعنى، وهذا ظاهرٌ من كلامه، يقول: "لما وَرَد في القرآن من المعارف الإلهية، ورياضة النفوس"، رياضة النفوس: هي تزكية النفوس، فهم يتحدّثون عن التزكية، وتنوير القلوب، وتطهيرها، طهارة الباطن -هكذا يُريد-، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق والسّلوك.

هذا كلّه مما جاء به الشرع، ومعلومٌ أنَّ جنس أعمال القلوب أعظم من جنس أعمال الجوارح، والشَّرع جاء لإصلاح الظَّواهر والبواطن، وكون هؤلاء الصُّوفية جاءوا بألوان من البدع والمخالفات.

فهذه التَّسمية من أصلها هي تسمية مُحدَثة، وما أُلحِقَ بذلك من طرقٍ وأورادٍ وأذكارٍ، وما إلى ذلك من مُزاولات وأعمال ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ، كلّ هذا يُنكر، ولكن تبقى تزكية النفوس، وإصلاح القلوب، ونحو ذلك من المطالب الشَّرعية، فلا يُترك هذا؛ لأنَّ الصوفية اعتنوا به، فنقول: هذا من اشتغال الصُّوفية، فنحن لا نشتغل بأعمال القلوب، ولا نشتغل بالتزكية! هذا الكلام غير صحيحٍ.

فلا يُترك الحقّ لأنَّ بعض أهل البدع تعلّقوا به، وصاروا يُدندنون حوله، فإنَّ هذا يكون من قبيل ترك بعض الدِّين بسبب مُناكفات، أو شنآن، أو نحو ذلك، وهذا يقع فيه بعضُ المنتسبين للعلم أو الدِّين؛ يترُك بعض الحقِّ لأنَّه قد اشتُهِرَ أنَّ الذين يُعنون به هم مَن قد يحملون بعض المخالفات.

فالحق يُؤخذ ويُعمل بمُقتضاه، ونحن نعمل بما جاء عن الله، وعن رسوله ﷺ، ونأخذ الدِّين بشموله، كما جاء مُبينًا ومُوضّحًا عن النبي ﷺ.

وما جعل الأمّة تتفرق هذا التَّفرق حتى صارت شِيَعًا، إلا أنَّ البعض يأخذ بعض الدِّين، وهذا يأخذ بعض الدِّين، وهذا يعتني ببعض ما جاء به الرسول ﷺ، ويجعل جهدَه وعمله وسعيه ودرسه وما إلى ذلك يدور حول هذا الجزء الذي هو حقّ، وآخر يُعنى بجانبٍ آخر من الدِّين، ويُوليه عنايته، فهذا لو كان من قبيل العمل بالفروض الكفائية، إن كان ذلك يصدُق عليه، يعني: في باب الدَّعوة مثلًا، فهذا يُعنى بالتَّعليم، وهذا يُعنى بجانبٍ آخر، وهكذا، فهذا لا إشكالَ فيه، لكن أن يتحوّل ذلك إلى شيءٍ من الموالاة والمعاداة، فهذا لا يجوز.

فهذا الذي سمَّاه المؤلف -رحمه الله- بالتَّصوّف هو الذي يُعبّر عنه بعضُهم: بعلم الأخلاق.

ويقول: "من المعارف الإلهية، ورياضة النفوس، وتنوير القلوب وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة"، هذا من الدِّين، ولا يختصّ به الصوفية، وأهل الاتِّباع أولى بذلك منهم، وهم أدخلوا فيه أشياء غير صحيحةٍ، أضافوا إضافات لا تُقَرّ.

التَّصوف عند بعضهم هو علم الأخلاق، وعند بعضهم: هو الخروج من كل خلقٍ دنيءٍ، والدُّخول في كل خلقٍ سَنيٍّ. هكذا يُعبّرون، كأنَّ ذلك من قبيل التَّوضيح للعبارة السَّابقة: أنَّ التصوف هو علم الأخلاق، كما قال بعضُهم في تفسير التَّصوف، لكن علم الأخلاق والسّلوك وإصلاح البواطن هل له تعلّق بالقرآن؟

كما قلتُ لكم: أنَّ الموضوعات التي جاء القرآنُ ليُبَيّنها، ويكشف عنها، ويُعنى بها، هي: الأحكام، والعقائد، والسّلوك، فهذا السّلوك هو الذي يُشير إليه المؤلف هنا بالتَّصوف، فلو أنَّه قال: علم السّلوك، أو تزكية النفوس، ونحو ذلك؛ لكان هذا هو اللَّائق، دون التَّعبير بمثل هذه الألفاظ.

الغزالي يُعرّف التَّصوف بأنَّه: تجريد القلب لله تعالى، واحتقار ما سواه.

وبعضهم يقول: أنَّ علم التَّصوف هو علم يُعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعادتهم، والأمور العارضة لهم في درجاتهم بقدر الطاقة البشرية، يعني: أنهم جعلوا علم التَّصوف من جملة العلوم التي يُبينون عن المراد بها عند الإطلاق، يعني: تجدون العلوم مثلًا: علم الأحكام، وعلم العقائد، وعلم التواريخ والقصص والأخبار، وعلم التَّصوف، هكذا، فما مُرادهم به؟

هذا هو مُرادهم به، وإنما ذكرتُ ذلك من أجل أن نفهم مراد المؤلف: ما علاقة هذا بالقرآن والتفسير؟

فإذا عرفنا أنَّه يقصد بذلك تزكية النفوس، فهذا له تعلّق بالقرآن، وكما قلتُ لكم بأنَّ المؤلفين حينما يذكرون الموضوعات أو المقاصد التي جاء القرآنُ لبيانها وتقريرها، فمعنى ذلك أنَّ المفسّر سيعتني بهذا، والمفسّر صرّح بذلك، وذكر هذه المقامات التي سمعتم.

وصاحب (كشف الظنون) حاجي خليفة لما عرَّف علم التَّصوف عرَّفه بهذا التعريف الذي ذكرتُه آنفًا: علمٌ يُعرف به كيفية ترقي الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعادتهم ... إلى آخره.

وكذلك أيضًا ذكر هذا أبو القاسم القشيري -المتوفى سنة خمس وستين وأربعمئة- في رسالته في علم التَّصوف المعروفة بـ(الرسالة القُشيرية).

والغزالي في كتابه (إحياء علوم الدِّين)، وهو كتابٌ مشهورٌ ومعروفٌ، والكتاب فيه أشياء تنكر كثيرة جدًّا، وفيه أشياء أيضًا تُستحسن، وقد هُذِّب واختُصر في مُختصرات -كما هو معلوم-، منها كتاب (منهاج القاصدين) لابن الجوزي، وقد طُبِعَ مُؤخرًا في نحو أربعة مجلدات، وهُذِّب أيضًا هذا المختصر واختُصر في (مختصر منهاج القاصدين) الذي هذّبه ابنُ قُدامة -ليس صاحب (المغني)-، وكذلك في كتاب (موعظة المؤمنين)، وفي (تهذيب موعظة المؤمنين).

فالكتاب –أعني: كتاب "الإحياء"- مبني على أربعة أقسام، أو أربعة أرباع: في العبادات، والعادات، والـمُهلكات، والمنجيات، وتكلّم على قضايا تتصل بالأخلاق، وتزكية النفوس، والأخلاق المرذولة، والأشياء التي ينبغي أن يُتنزّه عنها، وجعل في كل ربعٍ منها عشرة كتب.

هنا يقول: "وقد تكلّمت المتصوفة في تفسير القرآن"، المتصوفة الذين تكلّموا في التفسير هم على نوعين:

النوع الأول: وهم أصحاب الـمَشْرَب الفلسفي، يعني: الذين لهم خلفية فلسفية، فجمعوا بين التَّصوف والفلسفة، فهؤلاء عامّة ما يذكرونه في التفسير إنما هو من قبيل الزَّندقة، ولا يكاد يفهم القارئ شيئًا مما يذكرونه، ويتكلّمون بعبارات فلسفية، يُضمّنونها بعض كلام الصُّوفية، فمثل هؤلاء زنادقة في الغالب.

والنوع الثاني: وهو التَّصوف الذي يُسمّونه: التصوف العملي؛ وهو بغير تلك الفلسفات، وإنما هي خواطر وسوانح تلوح لهذا الصُّوفي حينما تمرّ به الآية.

وهناك مُؤلفات، وهذه المؤلفات على نوعين أيضًا:

نوعٌ إنما يختصّ بهذه الإشارات فقط، ولكنَّهم لا يُفسّرون جميع القرآن؛ لأنَّهم لا يجدون مادةً لتفسير جميع الآيات، وإنما هي مواضع ينقلونها، أو يتكلّمون من عند أنفسهم فيما لاح لهم، في مواضع مُتفرقة، هذا في الكتب التي تذكر التفسير المسمّى بـ"التفسير الإشاري"، وتقتصر عليه، فتجد الكتاب في مجلدٍ، أو نحو ذلك.

وهناك كتب أخرى ألَّفها بعضُ مَن تأثر بالتَّصوف، هي كتب تفسير، ولكنَّه إذا جاء في موضعٍ لاح له فيه شيء، أو يوجد لهؤلاء الصُّوفية إشارات ذكرها، فبعضهم يذكر عنوانًا بعد أن يذكر المعنى الظَّاهر، يقول: "ما يُؤخذ من إشارة الآية" مثلًا، وتجدون هذا في مثل: تفسير النَّيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)، وفي تفسير الألوسي، فيذكرون التَّفسير، ويذكرون مثل هذه الأشياء.

ومن الذين يذكرون الإشارات في الغالب، ولا يُعنون بتفسير القرآن كاملًا، وإنما يُعنون بالإشارات: سهل بن عبدالله التّستري، المتوفى سنة ثلاثٍ وثمانين ومئتين، له كتاب مطبوع في مجلد اسمه (تفسير القرآن العظيم)، يقول مثلًا في قوله: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا [الأعراف:١٤٨]: عجل كل إنسانٍ: ما أقبل عليه، فأعرض به عن الله من أهلٍ وولدٍ.

ومن الكتب أيضًا: كتاب (عرائس البيان في حقائق القرآن) لأبي محمد الشّيرازي، المتوفى سنة ستٍّ وستين وستمئة، وهذا الكتاب أيضًا مطبوع.

فهؤلاء أصحاب الإشارات الصُّوفية، النوع الذي يُقال له: التَّصوف العملي.

أمَّا التصوف الفلسفي فهؤلاء -نسأل الله العافية- مثل: محي الدين ابن عربي، ويُنسب إليه تفسير مطبوع، يُقال له (تفسير ابن عربي)، ومثل: "الفتوحات المكية"، و"الفصوص"، ففي قوله -تبارك وتعالى-: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران:١٩١] يقول: أي: شيئًا غيرك، فإنَّ غير الخلق هو الباطل. هذا يعني: وحدة الوجود والإلحاد -نسأل الله العافية-، يقول هؤلاء: كلّ ما تراه فهو الله، وكما قيل:

العبدُ ربٌّ والربُّ عبدٌ يا ليت شعري من المكلّف؟![5]

فنسأل الله العافية، وتعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.

ويقول: "ما في الجُبّة إلا الله"[6]، ويقول: "أنا هو".

ويرى أحدهم -تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا- كلبًا، ويقول لصاحبه: هذا ربي وربك! ويقولون: فرعون إنما كان كافرًا لأنَّه حصر الربوبية في نفسه: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:٢٤]، لكن لو أنَّه عمم لكان قد أصاب! ويقولون: النَّصارى كفروا لأنَّهم خصّوا حلول اللَّاهوت بالناسوت -الجزء الإلهي بالجزء البشري-، قالوا: حلَّ بعيسى ، والواجب أنَّهم ما يُخصصون عيسى ، وإنما يُعممون جميع المخلوقات!!! فهؤلاء ملاحدة.

ويقول في قوله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ [آل عمران:١٩١] أي: نُنزهك أن يُوجد غيرك.

وهذا مثل: الحلاج أيضًا، وأبي يزيد البسطامي، وابن سبعين، وابن الفارض، فهؤلاء أصحاب فلسفة، وفي الوقت نفسه أصحاب تصوف فلسفي، فهؤلاء زنادقة.

وقد اختلط الأمرُ على كثيرٍ من الصوفية، فصاروا يُعظّمون هؤلاء، ولَبَّسوا عليهم بأنَّ هؤلاء عندهم من الحقائق والمعارف والعلوم ما حُجِبَ عنه أكثر الخلق، فمهما يصدر عنهم من عبارات يتأوّلونها، ومهما يصدر عنهم من مُزاولات يحملونها على محامل أخرى، ويقولون: إنما يراه المحجوب بصورة الـمُنكَر، أو المعصية.

وبعضهم يعيش -أعزكم الله- مع الكلاب في مكانٍ خربٍ، وبعضهم يفجُر بالبهيمة، ويوم الجمعة يرفع ثوبَه -أعزكم الله-، ثم يتبول في الجامع، ويُبدي عورته!!

وتُنْقَل عن شيوخهم في تراجمهم وفي كتب طبقات الصُّوفية من هذا أشياء كثيرة، يُحسنون الظنَّ، ويرون أنَّ هؤلاء عندهم من المعارف وحقائق الدِّين والكشف بأنواعه، يعني: الكشف البصري، وهو: أن يُكْشَف لهم فيرون أشياء لا يراها الناس، في أماكن بعيدة، والكشف من جهة السّمع، حيث يسمعون أصوات وأشياء لا يسمعها الناس، فيسمعون البعيد حينما يُناديهم، والكشف العلمي، بحيث يحصل لهم من التَّلقي من الفيوض والعلم اللّدني -كما يزعمون-، فاختلط الأمرُ على كثيرٍ من المنتسبين إلى التَّصوف العملي، فصاروا يُعظّمون هؤلاء.

وما جرى لشيخ الإسلام -رحمه الله- من المحن والابتلاء والحبس كان كثيرٌ منه على يد هؤلاء الصُّوفية؛ لما تكلّم على هؤلاء، أمثال: ابن سبعين، وابن العربي، ونحو ذلك.

يقول: "وقد جمع أبو عبدالرحمن السّلمي" وهو محمد بن الحسين الأزدي، السّلمي، النيسابوري، وهذا من علماء الصُّوفية، وهذا غير أبي عبدالرحمن السّلمي المقرئ التَّابعي، الذي أخذ عن عثمان - وأصحاب النبي ﷺ القراءة.

هذا صوفي، متوفى سنة إحدى عشرة وأربعمئة، وهو شيخ الحاكم النيسابوري، وكان من المحدثين، حدَّث نحوًا من أربعين سنةً، وهذا من العجائب والغرائب، وله كتب كثيرة، ومجالس في التَّحديث، وهو بهذه المثابة من التَّصوف، يقولون: بلغت تصانيفه مئة، أو أكثر، منها هذا الكتاب (حقائق التفسير)، و(طبقات الصوفية)، وهذا من الكتب التي ذكرتُ آنفًا فيه من الأباطيل ما اللهُ به عليم.

فأبو عبدالرحمن السّلمي هذا ملأ كتابه من هذه الإشارات، وسمَّاه: الحقائق، وقال بعضُ العلماء: هو البواطل.

يقول الذَّهبي: "وليتَه لم يُصنّفه، فإنَّه تحريفٌ وقرمطة"[7].

ويقول الواحدي أيضًا: "صنّف أبو عبدالرحمن السّلمي (حقائق التفسير)، فإن كان قد اعتقد أنَّ ذلك تفسير فقد كفر"[8].

وأبو عبدالرحمن السّلمي تكلّم على جميع سور القرآن، فجاء بأشياء تتصل ببعض الآيات، ولكنَّه لم يتكلّم على جميع الآيات؛ لأنَّه -كما قلتُ لكم- لا توجد عندهم مادة تكفي للوقوف عند جميع الآيات، كلّ هذا الكتاب تفسير إشاري، وينقل فيه عن جعفر الصَّادق أشياء مكذوبة، وعن ابن عطاء الله الإسكندري، وهو من الصُّوفية، وينقل عن الجُنَيد، والفُضَيل، وسهل التّستري، فالكتاب عبارة عن نقولات، ينقل عن هؤلاء وغيرهم، فهو كلّه نقل.

فمثلًا في قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:١٣-١٤] ينقل عن جعفر يقول: "النَّعيم: المعرفة والمشاهدة، والجحيم: النُّفوس، فإنَّ لها نيرانًا تتّقِد"[9].

إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ يعني: معرفة، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يعني: جحيم النَّفس، وهذا تحريفٌ للقرآن، لا يصح بحالٍ من الأحوال.

يقول: "وقد ذكرنا في هذا الكتاب ما يُستحسن من الإشارات الصُّوفية" حينما يقولون: الإشارة، أو التفسير الإشاري، وما إلى ذلك، ماذا يُريدون بتفسيرهم الإشاري، أو بالإشارات؟

الإشارة هي تأويل القرآن على خلاف الظَّاهر، بمُقتضى إشارات تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التَّطبيق بينها وبين الظاهر، هكذا يقولون.

وأمَّا نحن فلا نُقرّ هذا التعريف، وإن كان من هذه الإشارات ما قد يُستحسن، وكثيرٌ مما نتناقله ونستحسنه هو في الواقع من قبيل الإشارة بهذا النوع.

وليس المقصود بالإشارة: الإشارة التي تكلّمنا عنها من قبل، وهي: أنواع الدّلالة، وهي الإشارة عند الأصوليين، كما قيل:

فأول إشارة اللَّفظ لما لم يكن القصد له قد علما[10]

الإشارة عند الصوفية شيءٌ آخر، لا يخضع لقاعدةٍ، ولا لطريقةٍ من طرق الاستنباط إطلاقًا، فهذه الإشارات هم يُعرّفونها هكذا، لكن نحن نقول فيما يصحّ منها ويُقبل بشرطه: أنها من قبيل الاعتبار والمقايسة، أو من باب أنَّ الشيء بالشيء يُذكر، كما يقول الحافظُ ابن القيم[11]، وإلا فهذا ليس من قبيل التفسير؛ ولهذا يُقال: هذه الإشارات يمكن أن تُقبل بشروط:

الأول: ألَّا يُقال: إنَّ هذا هو معنى الآية، وهو المراد بها.

الأمر الثاني: أن تكون صحيحةً، لا يوجد ما يُعارضها، أو لا بدَّ أن يوجد ما يشهد لها، فيكون المعنى والمعلومة والفكرة صحيحة.

الثالث: أن يكون هناك نوع ارتباطٍ بينها وبين الآية، لكن لا تُذكر على أنها هي المراد، أو هي المعنى للآية.

وإن شاء الله تعالى في رمضان سأُكمل النصف الباقي من تطبيقات التَّدبر، وربط ذلك بطرق الاستدلال.

وهناك أنواع ما تخضع لشيءٍ من طرق الدّلالة: منها –أعني: من قضايا التَّدبر- ما يرجع إلى هذا النوع الذي هو الإشارة، وعامّة ما أذكره من هذا هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والشيخ عبدالرحمن بن سعدي، وهناك أشياء قليلة من كلام الشيخ محمد الأمين الشَّنقيطي -رحمهم الله-، فهؤلاء الخمسة الذين لا يمكن أن يُتَّهموا بالانحراف بالفهم، لكن تارةً يُصرِّحون بأنَّ هذا من قبيل إشارة الآية، وتارةً لا يُصرِّحون.

لو أردنا أن نذكر إشارات ليتّضح المقام، فمثلًا من إشارات الصُّوفية التي يذكرونها، وهو مما يُسمّونه بالتفسير الإشاري، والتَّصوف العملي، وليس الفلسفي، كما في قوله: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [البقرة:٢٢]، يقولون: النفس الأمَّارة بالسوء[12]، وليس هذا هو معنى الآية.

في قوله: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:٣٥]، قال: لم يُرِد معنى الأكل حقيقةً، وإنما أراد معنى مُساكنة الهمّة لشيء غير الله [13].

وفي قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ [آل عمران:٩٦] قال بعضُهم: باطن البيت قلب محمدٍ ﷺ، يؤمن به مَن أثبت الله في قلبه التوحيد، واقتدى بهدايته[14].

والشَّاطبي يقول: "هذا التفسير يحتاج إلى بيانٍ، فإنَّ هذا المعنى لا تعرفه العرب، ولا فيه من جهاتها وضع مجازي مناسب، ولا يُلائمه مساق بحالٍ"[15].

لكن الأشياء التي يمكن أن تكون من قبيل التفسير بالإشارة تُقبل، ولو أعطيناكم بعض الأمثلة التي تعرفونها جميعًا من كلام شيخ الإسلام، وابن القيم، وأمثال هؤلاء، كما في قوله -تبارك وتعالى-: فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۝ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:78-٧٩]، أين الكتاب المكنون؟ في اللوح المحفوظ، وليس الذي بأيدينا من المصاحف، فحينما يُقال هذا للذي في السَّماء فينبغي أن يكون الذي في الأرض عند الناس كذلك.

وهذا من التفسير الإشاري، لكن الكثيرين لا يعلمون هذا، بل أكثر من ذلك ما ذكره شيخُ الإسلام[16] وابن القيم[17] في قوله: لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، قالوا: إذا كان الذي في السَّماء لا تمسّه إلا الأرواح الطَّاهرة -الملائكة عليهم السلام-، فإنَّ معانيه لا تصل إليها إلا القلوب والأرواح الطَّاهرة.

وهذا من التفسير الإشاري، لكن هذه الأشياء اللَّطيفة هي من باب أنَّ الشيء بالشيء يُذْكَر، ومن باب المقايسة والاعتبار، نعتبر هذا بهذا، وليس بتفسيرٍ، فالمعنى لطيف، ولكن هذا النوع الذي قد يُستملح لا يمكن أن يُقال: إنَّه تفسير، هذا من جهةٍ.

وأيضًا فالواقع أنَّه قليلٌ جدًّا إذا ما قيس بخزعبلات الصُّوفية التي يُسمّونها: بالتفسير الإشاري؛ ولذلك صار الغالبُ عند هذا الإطلاق حينما يُقال: التفسير الإشاري، يُحمل على تلك الصورة المشوهة السيئة؛ لكثرة ما دخل في ذلك من الانحرافات بنوعيها: الفلسفية، وعند أرباب التَّصوف العملي، أي: الخواطر والسَّوانح التي ليست بصحيحةٍ، كقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:٦٧]، قالوا: هي النفس تُذبح بسكين الطاعة، لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ [البقرة:٦٨]، قالوا: الصّوفي، ليس في شرخ الشباب، ولا في سنِّ الضَّعف والكهولة، صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة:٦٩]، قالوا: صُفرة أصحاب التَّصوف والرياضة النفسية، وهي صُفرة عبادة، وليست صُفرة مرض. وهذا باطل.

ومن هنا دخلت تفاسير الباطنية؛ لأنَّ الجميع يُعوّلون على مرويات مكذوبة وباطلة من أنَّ القرآن له ظهر وبطن، قالوا: نحن نشتغل بالباطن، فجاء الرَّافضة وقالوا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالوا: عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-.

وجاءت طوائف الباطنية وفسّروا حقائق الشرع: كالصلاة، والزكاة، والحج والعُمرة، وما إلى ذلك بمعانٍ ما أنزل الله بها من سلطانٍ، فقالوا: العُمرة: زيارة الولي، والحج: قصد الولي ...، إلى آخره، وفسّروا الجنةَ والنار بأشياء من هذا القبيل، فلا جنةَ، ولا نار، ولا صلاة، ولا طهارة، ولا زكاة، ولا حجّ، ولا صيام، وأوَّلوا حقائق الشرع، والحقائق الأُخروية.

فهذا كلّه مروقٌ من الدين.

يقول: أنَّه هنا يذكر ما يُستحسن من الإشارات الصُّوفية دون ما يُعترض، أو يُقدح فيه، وذكر الكلام على المقامات، وأنَّه ذكر اثني عشر مقامًا من مقامات التَّصوف في مواضعها.

والصوفية عندهم المقامات والأحوال، فالمقامات: هي عندهم أمور مُكتسبة، وهي أثبت من الأحوال، وتحصل بالاكتساب والمجاهدات، يعني مثلًا: الصبر مقام عند الصوفية من المقامات، ويحتاج إلى مجاهدةٍ حتى يُوطّن نفسه على الصبر، والتوبة مقامٌ يحتاج إلى مجاهدةٍ حتى يتوب ويثبت على هذه التوبة، والشُّكر مقام يحتاج إلى مُجاهدات حتى يصير شاكرًا بقلبه ولسانه وجوارحه، والرِّضا يختلفون فيه، وبعضهم يجعله من المقامات؛ لكونه تحصل بالمجاهدات مرتبة عالية، أعلى من الصَّبر، فيحتاج إلى توطين النفس، ومنهم مَن جعله من جملة الأحوال.

والفرق بين المقامات والأحوال: أنَّ المقامات تحصل بالاكتساب، وأمَّا الأحوال فهي أمور عارضة -عندهم- للقلب، يعني: لحظات يحصل فيها الشُّعور بالرضا، ومن ثمَّ عدَّه بعضُهم من جملة الأحوال، وليس من جملة المقامات، فهي لحظات يشعر فيها الإنسان برضا عن الله في وقت المصيبة، أو نحو ذلك، فهي لا تدوم، وإنما مواهب ربانية.

يقولون: إنَّ الإنسان أحيانًا حينما تنزل به المصيبة يجد من نفسه أنَّ الرضا ينزل عليه، وأنَّه أُلهِمَ الرضا، فصار بذلك مُطمئنًّا، فهو يَرِد على القلب من غير تصنّعٍ، ولا اجتلابٍ، ولا اكتسابٍ.

كذلك ما يحصل من لحظات يحصل فيها للقلب لذّة بالمناجاة، وشعور بلذّة إيمانية، وكذلك الشّوق عندهم من جملة الأحوال.

ويقسمون هذا إلى أقسام: لوامع، وبوارق، ولوائح، ثم بعد ذلك تكون أحوالًا، ثم تكون مقامًا في ثبوتها في القلب، ومن هنا يختلفون في بعض ذلك: كالرضا مثلًا.

فعندهم المقامات والأحوال، فهو يقول: أنَّه ذكر جملةً من المقامات تصل إلى اثني عشر مقامًا، وذكر هاهنا الكلام على هذه القضايا: الشكر، والذكر، والمراقبة، والمحبّة، والخوف، والرَّجاء، والتوبة، فهذه كلّها من الدِّين، فهو قصدها حينما ذكر التَّصوف، وتَحَدَّث عن هذه القضايا، وذكر أقسامًا لبعض هذه الأشياء المذكورة، وفصّل فيها على اختصار هذا الكتاب، فالكتاب مُختصر، ومع ذلك تجد تفاصيل لطيفة وجميلة في مثل هذه المواضع، فهذا لا إشكالَ فيه، لكن -كما سبق- نحن لا نُقرّ بأنَّ هذا يُقال له: التَّصوف؛ لأننا لا نُقرّ أصلًا بالأسماء الـمُحدثة، ولا نقرّ بالانتساب إلا إلى الإسلام والسُّنة فقط، وهي الأسماء الشَّرعية.

وكذلك هذه الطُّرق الصوفية لا يُقَرّ الانتساب إلى شيءٍ منها، ولا إلى غيرها، وإنما: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ [الحج:٧٨]، هذا هو الواجب على المؤمن.

"وأمَّا أصول الدِّين فيتعلّق بالقرآن من طرفين:

أحدهما: ما ورد في القرآن من إثبات العقائد، وإقامة البراهين عليها، والردّ على أصناف الكفَّار.

والآخر: أنَّ الطوائف المختلفة من المسلمين تعلّقوا بالقرآن، وكل طائفةٍ منهم تحتجّ لمذهبها بالقرآن، وترد على مَن خالفها، وتزعم أنَّه خالف القرآن، ولا شكَّ أنَّ منهم المحقّ والمبطل، فمعرفة تفسير القرآن توصل في ذلك إلى التَّحقيق، مع التَّسديد والتَّأييد من الله، والتَّوفيق".

يعني: أصول الدين حقّها أن تُقدَّم على السلوك الذي سمَّاه بالتَّصوف مثلًا، وكذلك الأحكام، وأصول الدِّين يعني بها العقائد، فهم يُقسّمون الدِّين إلى: أصولٍ وفروع، وهذا التَّقسيم غير دقيقٍ، ويَرِد عليه إشكالات، ولكن على كل حالٍ منهم مَن يُقسّم بهذا التَّقسيم، ومنهم مَن يقول: المسائل العلمية، والمسائل العملية، ومنهم مَن يقول: العقائد والأعمال، أو الأصول والفروع، فيقسمون بهذه الطُّرق، وكل تقسيمٍ من هذه التَّقسيمات يَرِد عليه إشكالات.

وشيخ الإسلام -رحمه الله- له مُناقشات لهذه التَّقسيمات، ولكن للإيضاح والبيان في مقام التَّعليم لا مُشاحة في الاصطلاح، ما لم نُرتّب عليه أحكامًا، هذا ضابط مسألة الاصطلاح.

نحن نقول: لا مُشاحة في الاصطلاح، في مقام التَّعليم نُبين أنَّ هناك عقائد وأعمال، وهناك أصول وفروع، هذا في مقام التَّعليم، وإلا فالصَّلاة مثلًا: هل هي من الفروع، أو من الأصول؟ الصَّلاة أصل، ولكنَّها لا تجري على هذا المصطلح؛ ولهذا بعضهم يُعبّر يقول: المسائل العلمية، حتى لا يُدخل القضايا العملية، ويُقابلها بالقضايا والمسائل العملية؛ لئلا يقول: الأصول؛ لأنَّ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحجّ، هذه أصول وأركان الإسلام، فيرد عليهم إشكالات على كل حالٍ، لكن هنا يريد العقائد، فلا مُشاحة في الاصطلاح ما لم يُبْنَ عليه حكمٌ، وما معنى: يُبنى عليه حكمٌ؟

يعني مثلًا لما نأتي ونقول: المسائل العلمية -العقائد مثلًا- لا يُعذر بالجهل فيها، وأمَّا المسائل العملية فيُعذر، نقول: هذا التَّقسيم إلى أصولٍ وفروع مُحْدَث، فحينما نُرتّب عليه هذا الحكم، ونقول: لا يُعذر في المسائل العلمية، فإذا أخطأ فيها مثلًا فإنَّه يكفُر، كما يقول بعضُهم، بعض عُلماء الكلام يذكرون أشياء من هذا، ويُشددون فيها، بخلاف مسائل الفروع.

كذلك يقولون: مسائل الاعتقاد لا بدَّ فيها من الدّلائل القطعية، وأمَّا مسائل الفروع فيكفي فيها الدّلائل الظنية، وعندهم الظّني من جهة الثبوت، ومن جهة الدّلالة، فالقرآن عندهم ظني الدّلالة في أغلبه، ومن ثمَّ لا يصلح للاحتجاج في العقائد، والسُّنة عندهم في الغالب من جهة الثبوت آحاد، ويقولون: تُفيد الظنّ؛ إذًا لا تصلح للعقائد، ما الذي يصلح للعقائد؟

قالوا: العقل، والقواطع العقلية!

نقول: لا أدلّ على بُطلان ما تقولون من شدّة اختلافكم، وأنتم تنتسبون إلى العقول، والمعتزلة فِرَقٌ يُكفِّر بعضُها بعضًا، وأهل الكلام طوائف، وهم أكثر الناس اختلافًا، وهم يرجعون إلى العقل؛ ولهذا لجأ بعضُهم إلى الحسِّ، وأنكر الاعتماد على العقل، قال: لأنَّ الحسَّ لا يُخطئ، وجاء مَن يقول: حتى الحسّ يُخطئ، يرى العصا في الماء مُنكسرة، ويرى النَّجم من بعيد صغيرًا ... إلى آخره.

فجاءت طوائف -نسأل الله العافية- ممن لا يُؤمنون: لا بنقلٍ، ولا بعقلٍ، ولا بحسٍّ، فوقعوا في أشياء من السَّفسطة.

فهنا يقول: "ما ورد في القرآن ..." يعني: من أصول الدِّين والعقائد؛ لماذا صارت من علومه؟

يقول: "لأنَّ القرآن جاء لتقريرها، وإقامة البراهين عليها، والردّ على العقائد الفاسدة، والشّبهات التي تُثار في هذا الباب"، فهذا لا إشكالَ فيه.

ونحن نقول: إنَّ علم التوحيد بأنواعه: توحيد الله في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، هو من أجلّ القضايا التي جاء القرآنُ لتقريرها، وإن كان ما يُذكر في الربوبية إنما هو لتقرير لازمه، وهو توحيد الإلهية؛ لأنَّهم ما كانوا يُنكرون توحيد الربوبية في الجملة، فكان يُتوصَّل بذلك إلى إقرار الإلهيّة.

كذلك جاء القرآنُ شارحًا لأسماء الله وصفاته، فهذا من أجلّ العلوم المتعلّقة بالقرآن.

يقول: الأمر الثاني الذي من أجله نُعنى بهذا الجانب، وصار من علوم القرآن: أنَّ الطوائف أصحاب العقائد عمدوا إلى القرآن، وصاروا يحتجّون بنصوص من القرآن على مذاهبهم. يقول: فهذا من بيان الـمُحقّ من الـمُبطل، من هنا دخلت هذه القضايا والانحرافات في العقائد في كتب التفسير؛ لأنَّ كل طائفةٍ قصدت القرآنَ لتحتجّ لباطلها، أو لقولها، وترد على مُخالفيها.

كذلك في قضايا الأحكام والفقه، والمذاهب، وأصحاب المذهب اعتنوا بتفسير آيات الأحكام من أجل تقرير هذه المسائل الفقهية، ومَن كان منهم مُتعصبًا مثلًا فهو يُريد أن يحتجَّ بالقرآن لمذهبه، ويوجد مَن ألَّف في أحكام القرآن مَن هو بهذه المثابة؛ في غاية التَّعصب، فتكلَّف في حمل نصوص القرآن على محامل بعيدةٍ؛ لتدلّ على صحة مذهبه.

ونحن لا نُنكر أن يُؤلَّف في أحكام القرآن، فهذا من العلوم الصَّحيحة التي لا إشكالَ فيها، لكن حينما يُقصد ذلك لتقرير المذهب والاحتجاج للمذهب عند بعض المتعصبة، فهذا هو المنكر.

بعضهم يقول: القرآن، بل الإسلام كلّه داخلٌ في مذهبنا، وعندهم كل نصٍّ يُخالف المذهب فهو منسوخٌ، أو مُؤوّل.

"وأمَّا أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن، على أنَّ كثيرًا من المفسّرين لم يشتغلوا بها، وإنَّها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال، وما أحوج المفسّر إلى معرفة النَّص، والظاهر، والمجمل، والمبين، والعام، والخاص، والمطلق، والمقيد، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، وشروط النَّسخ، ووجوه التَّعارض، وأسباب الخلاف، وغير ذلك من علم الأصول".

يعني: هنا العلوم المتعلّقة بالقرآن: علم أصول الفقه، وهو علمٌ مُركَّبٌ من مصادر مُتعددة، منها ما أُخِذَ من النَّقل، ومنه أشياء أُخذت من اللُّغة، إلى غير ذلك من مصادره -كما يذكرون في أوَّله-، فهذا العلم يتعلق بالقرآن من جهة أنَّه أداة الاستنباط واستخراج المعاني، فعلى قدر ما يكون عند الإنسان من الآلة فإنَّه يستطيع أن يستخرج من الهدايات والمعاني والحِكَم والأحكام.

فكما ذكرتُ لكم في أنواع الدّلالة لما تُنزَّل على النَّص، هذه الأنواع ستستخرج من الاستنباطات والمعاني والهدايات أشياء كثيرة؛ ولذلك تجد العلماء -رحمهم الله- أحيانًا يستخرج الواحدُ منهم من آيةٍ واحدةٍ، أو من حديثٍ واحدٍ العشرات، بل ربما المئات من المسائل، من أين يستخرج هذا؟ من طرق الدّلالة هذه.

بعضهم يذكر ألف فائدةٍ ومسألة من قصّة يوسف ، كما ذكرها الله في سورة يوسف، بل بعضهم يذكر أنَّه يستخرج من سورة الفاتحة رقمًا لا داعي لذكره؛ لأنَّه مُبالغة، يعني: يتحدّث عن آلاف المسائل.

يقول: "وإنها لنعم العون على فهم المعاني، وترجيح الأقوال" صحيح، فحينما يُرجّح قولًا على قولٍ هذا يحتاج إلى مقومات، ويحتاج إلى آلةٍ يُرجّح بها، وسيأتي الكلامُ على طرق التَّرجيح، فالأصوليون يذكرون من طرق التَّرجيح ما يصل إلى نحو مئة طريق، وإن كانت تتفاوت تفاوتًا كبيرًا، فيقولون: ما أحوج المفسّر إلى معرفة النَّص.

وقد تكلّمنا على النص، وعلى إطلاقيه، وقلنا: ما دلَّ على معنًى لا يحتمل غيره. هذا إطلاقٌ ضيقٌ، ويُلحق به ما ذكرته من توارد النصوص، وتوارد الأدلة على تقرير معنًى، وإن لم تكن بمُفردها من هذا القبيل، يعني: تدلّ على معنى لا تحتمل غيره، وقد تكون مُحتملة في مفردها، ولكن لما تجتمع مُتواردة على تقرير معنًى، هذا يُلحق بدلالة النَّص الذي هو من هذا النوع الأول.

ويُطلق أيضًا على معنى أوسع من هذان، وهو الرُّجحان في المعنى، يعني: دلالة الظَّاهر، وقد سبق ذلك؛ الذي هو النوع الثاني الآن، وهو الظَّاهر، الذي يدلّ على المعنى دلالة راجحة وظاهرة، ويتبادر إلى الذّهن، وإن كان فيه نوع احتمالٍ.

وهكذا أيضًا المجمل، وهو ما لم يتضح المراد منه؛ لتعدد الاحتمالات، ونحو ذلك، فيحتاج إلى بيانٍ، وهنا المبيَّن هو ما عُرِف المراد منه: إمَّا بنفسه، وإمَّا بغيره، وكذلك العام، فالعام هنا عرّفه في الهامش، يقول: العام لفظٌ يستغرق الصَّالح له دفعة من غير حصرٍ.

وكنتُ أشرتُ إلى أنه حينما يُقال: العام هو اللَّفظ المستغرق، كما يذكره كثيرٌ من الأصوليين، فمعنى ذلك أنَّ العموم يتّصل بالألفاظ، وأنَّه من عوارض الألفاظ، وهذا قد يحتاج إلى مناقشةٍ؛ لأنَّ العموم في الواقع يكون في الألفاظ، ويكون من جهة المعاني، فالمفهوم مثلًا له عموم، ولا يُؤخذ من اللَّفظ، وإنما من جهة السُّكوت.

وكذلك أيضًا العِلّة في باب القياس، فالعلّة قد تُعمم المعلول، وقد تخصص، وهذا معروفٌ، وكذلك أيضًا هناك أشياء وصور مُتنوعة، يُعرف بها العموم من جهة المعنى، يعني مثلًا: الخطاب الموجّه للنبي ﷺ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، هذا خطابٌ خاصٌّ، وليس بعامٍّ، ولكن الخطاب للنبي ﷺ خطاب لأُمّته، إلا لدليلٍ يدلّ على التَّخصيص، فحينما يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:١]، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:١] هذا خطابٌ خاصٌّ.

الأول: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ جاءت فيه قرينة تدلّ على العموم، وهي صيغة الجمع، لكن هنا: تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:١]، فهذا خاصٌّ في واقعةٍ معينةٍ، بسبب نزول مُعين، فمثل هذا يُقال: هو خاصّ، ولكنَّه عامّ من جهة المعنى، لا من جهة اللَّفظ؛ ولذلك القاعدة المعروفة في أسباب النزول: العبرة بعموم اللَّفظ والمعنى، لا بخصوص السَّبب. يعني هنا مثلًا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ هل اللَّفظ فيه عموم؟

لا، ولكن تحريم ما أحلّ الله سواء قلنا -كما هو أكثر الرِّوايات-: جاء ذلك بسبب تحريم النبي ﷺ العسل، وصحَّ أنَّ ذلك أيضًا بسبب تحريم الجارية، فلو جاء أحدٌ يريد أن يُحرّم شيئًا، كأن يُحرّم على نفسه ركوب السيارة، أو يُحرّم أكل اللَّحم، أو نحو ذلك، هل هذا يجوز؟

لا يجوز، نحتجّ عليه بهذه الآية، طيب، الآية مخاطبٌ بها النبي ﷺ؟

نقول: العبرة بعموم اللَّفظ والمعنى، لا بخصوص السبب، فهنا ما عندنا عموم لفظٍ، لكن عرفناه من خلال القاعدة: أنَّ الخطاب للنبي ﷺ خطابٌ لأُمّته إلا لدليلٍ.

يقول: "العامّ والخاصّ"، طبعًا هنا بالنسبة للعامّ هو ما استغرق الصَّالح، هذه العبارة التي يمكن أن تشمل المعنى، يعني: ما يصلح له، فحينما يُقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، الرجال: عموم الرجال، لكن هنا لا تدخل فيه المرأة؛ لأنَّه لا يصلح لها.

"ما استغرق الصَّالح دُفعة، أو دَفعَة" يعني: أنت يمكن أن تستغرق جميع الأفراد، لكن تقول: جاء زيدٌ وعمرٌو وخالدٌ وسعيدٌ وصالحٌ، ونحو ذلك، بالعطف، لكن حينما يكون ذلك بدفعةٍ واحدةٍ تقول: جاء الرجال، وجاء الضيوف، فيدخل فيه كلّ هؤلاء، لكن يمكن أن تستوعبهم بهذه الطَّريقة: جاء زيدٌ وعمرٌو وخالدٌ وسعيدٌ ... إلى آخره، فهذا ليس بعمومٍ: "بلا حصرٍ من اللَّفظ، كعشرٍ مثلًا" يعني تقول مثلًا: جاء عشرة استوعبتهم، لكن هذه ليست صيغة عموم، لكن لما تقول: جاء الضيوف، وجاء الرجال، ولو كانوا عشرةً، العبارة عامّة، تستوعب هؤلاء، ولكن من غير حصرٍ بعددٍ مُعينٍ، وهكذا.

يقول: "المطلق يدلّ على واحدٍ غير معين"، وبعضهم يقول: هو النَّكرة في سياق الإثبات.

والمقيد جاء مُقيدًا ببعض الصِّفات، ونحو ذلك.

وفحوى الخطاب سبقت الإشارة إليه، إلى أنَّه مفهوم الموافقة، قلنا: إنَّ بعضهم يُسمّي "الأولوي": فحوى الخطاب، والمساوي: لحن الخطاب، ومثلنا لكم في المرة الماضية على هذا، وليس هذا محل اتِّفاقٍ في هذه التَّسمية.

هنا يقول: "لحن الخطاب: ما حُذِفَ من الكلام، ولا يستقلّ المعنى إلا به"، هكذا عرّفه بعضُهم، وبعضهم جعله من قبيل مفهوم الموافقة: المساوي، يعني: لحن الخطاب بعضهم يُفسّره بهذا، وبعضهم يُطلقه على الآخر، على معنًى آخر.

ودليل الخطاب هو مفهوم المخالفة: إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. هذا تعريف قريب، وشروط النَّسخ، ووجوه التَّعارض، هذا كلّه في أصول الفقه، وأسباب الخلاف، وغير ذلك من علم الأصول.

وكما أشرتُ لكم من قبل إلى أنَّ علم الأصول حقيقته هو دلائل الفقه الإجمالية: الكتاب والسُّنة والإجماع والقياس، والأدلة المختلف فيها، وقول الصَّحابي، والمصالح المرسلة، وسدّ الذَّرائع، ونحو ذلك، هذه دلائل الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها، هذا باب التَّعارض والتَّرجيح.

القسم الثالث مُلحق، وهو: حال المستفيد، يتكلّمون عن المفتي، والمقلّد، والمجتهد، وآداب الفتوى، والاجتهاد، والتقليد، وما إلى ذلك، هذا مُلحق، وليس من أصول الفقه، كذلك المقدّمات التي في أول الأصول: أقسام الحكم الوضعي، وأقسام الحكم التَّكليفي، ونحو ذلك، فهذه ليست من الأصول، وإنما هي مُلحقة به.

فعلم الأصول فيه مُلحقات في أوَّله، ومُلحقات في آخره، وإلا فحقيقته: دلائل الفقه إجمالًا، وهي هذه التي ذكرناها آنفًا، وكيفية الاستفادة منها هو باب التَّعارض والتَّرجيح، فهذا علم الأصول، والله أعلم.

  1. "سير أعلام النبلاء" ط. الرسالة (13/340).
  2. "سير أعلام النبلاء" ط. الرسالة (13/339).
  3. أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدّة حرِّ نار جهنم، وبُعْد قعرها، وما تأخذ من المعذّبين، برقم (2842).
  4. أخرجه أبو داود: كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل، برقم (3662)، وصححه الألباني.
  5. من قول ابن عربي في "الكشف المبدي" (ص155).
  6. من قول أبي يزيد البسطامي في "منهاج السنة النبوية" (5/357).
  7. "تاريخ الإسلام" ط. التوفيقية (28/182).
  8. نقله عنه ابن الصلاح في "فتاويه" (1/197).
  9. "تفسير السلمي" (2/378).
  10. "نشر البنود على مراقي السعود" (1/92).
  11. "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (2/259).
  12. "تفسير التستري" (ص27).
  13. نقله القاسمي في تفسيره عن سهل (1/52).
  14. نقله القاسمي في تفسيره (1/53).
  15. "الموافقات" (4/247).
  16. "مجموع الفتاوى" (13/242).
  17. "التبيان في أقسام القرآن" ط. الفكر (ص140).

مواد ذات صلة