بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرًا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرًا قوله تعالى: وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحآجونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [سورة الأنعام:80-83].
يقول تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم حينما جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد، وناظروه بشبه من القول أنه قال: أَتُحآجونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ أي: تجادلونني في أمر الله وأنه لا إله إلا هو، وقد بصَّرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة.
وقوله: وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا [سورة الأنعام:80] أي: ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أن هذه الآلهة التي تبعدونها لا تؤثر شيئًا وأنا لا أخافها ولا أباليها فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظروني بل عاجلوني بذلك.
وقوله تعالى: إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا [سورة الأنعام:80] استثناء منقطع أي لا يضر ولا ينفع إلا الله .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى- عن قول إبراهيم ﷺ لقومه: وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا [سورة الأنعام:80] هذا الاستثناء -كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وهو الذي عليه المحققون ومنهم الحافظ ابن القيم- إنه منقطع باعتبار أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ويكون المعنى أنهم قالوا له: إن آلهتنا ستخبلك أو تمرضك أو تقتلك أو تُلحق بك ضررًا فقال لهم: إنه لا يخاف من هذه المعبودات أن تلحق به ضررًا إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا.
فقوله: إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا [سورة الأنعام:80] لا يرجع إلى ما قبله باعتبار أنه يخاف أن توصل إليه ضررًا مما شاء الله أن توصله وإنما المقصود إلا أن يشاء ربي شيئًا من الضرر فيلحقني من مرض أو موت أو فقر أو غير ذلك مما لا تعلق له بهذه الآلهة، أي أنه يقول: أنا لا أخاف من آلهتكم ومعبوداتكم الباطلة ولا أخشى منها ضررًاَ فهي لا تضر ولا تنفع إلا أن يشاء ربي ضررًا يقع بي فيقع لكن لا يكون واصلًا إليَّ من جهة هذه الآلهة، وبهذا الاعتبار قيل: إن قوله: إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا [سورة الأنعام:80] هو من قبيل الاستثناء المنقطع.
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [سورة الأنعام:80] أي: أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عليه خافية.
أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ [سورة الأنعام:80] أي: فيما بينتُه لكم أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها.
وهذه الحجة نظير ما احتج به نبي الله هود على قومه عاد فيما قصَّ عنهم في كتابه حيث يقول: قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة هود:53-56].
وقوله: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ [سورة الأنعام:81] أي: كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [سورة الأنعام:81].
قال ابن عباس -ا- وغير واحد من السلف: أي حجة، وهذا كقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [سورة الشورى:21] وقوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ [سورة النجم:23].
وقوله: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:81] أي: فأي الطائفتين أصوب الذي عبد من بيده الضر والنفع أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل؟ أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة؟
قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] يحتمل أن يكون من تمام قول إبراهيم ﷺ، أي أن إبراهيم ﷺ قال لهم: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:81] ثم أجاب فقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] وإن كانت الآية تحتمل هذا إلا أن غير هذا القول قد يكون أولى منه، أي القول الذي عليه عامة أهل العلم وهو أن ذلك من قول الله -تبارك وتعالى- قاله على سبيل الفصل بين الفريقين، وذلك أنه لما قال لهم إبراهيم ﷺ ما قال، حكم الله بينهم فقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82].
وهذا مما يسمونه بالموصول لفظًا المقطوع معنىً، وله نظائر في القرآن ومن ذلك قول الله فيما جرى من امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] فهذا الكلام يحتمل أن يكون من تمام كلام امرأة العزيز، فهي قالت: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ [سورة يوسف:51] ثم قالت: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] فهذا يحتمل أن يكون من كلامها وتقصد به زوجها باعتبار أنها تقول: إنها حصلت مراودة فقط ولم تحصل خيانة بالغيب أكثر من ذلك.
كما أنه يحتمل أن يكون من كلامها أيضًا لكن باعتبار أنها أرادت بقولها: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] يوسف ﷺ فهو -عليه الصلاة والسلام- كان في السجن، فحينما طلب أبى أن يخرج حتى يظهر صدقه وبراءته ونزاهته أمام الناس، فقالت: أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [سورة يوسف:51] وعقبت بقولها: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] أي أنها تقول: لا أقول فيه إلا الصدق والعدل والحق ولا أفتري عليه في غيبته.
ويحتمل أن يكون قوله: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] من كلام يوسف ﷺ، والمعنى أنه يقول: ذَلِكَ يعني أنا طلبت هذا التحقيق ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، أي أني أُدخلت السجن بتهمة فلا يمكن أن أخرج من غير أن تظهر براءتي وينكشف الأمر على حقيقته، بل لا بد أن يعرف أني لم أخنه بالغيب، وعلى هذا القول يكون من الموصول لفظًا المقطوع معنىً.
وهذا الأسلوب أنواع ففي قول الله في سورة الأعراف: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء [سورة الأعراف:189-190] فقوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء إما أن يكون راجعًا إلى ما قبله باعتبار أن هذا حصل من آدم وحواء، أو يكون من الموصول لفظًا المقطوع معنىً باعتبار أن الحديث انتقل إلى الذرية وما وقع عندهم من الإشراك.
وأمثلة هذا كثيرة في القرآن ومنه قوله تعالى هنا في سورة الأنعام: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] فهذا يحتمل أن يكون من قول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ويحتمل أن يكون من قول الله باعتبار أنه حكم بين الفريقين، وهذا هو الأقرب وهو الذي عليه عامة المحققين كابن جرير وابن القيم والشنقيطي، وأبعد الأقوال أنه هذا من قول الكفار الذين ناظرهم إبراهيم كما يقول بعض المفسرين.
روى البخاري عن عبد الله قال: لما نزلت: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] قال أصحابه: وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13][1].
وروى الإمام أحمد عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله، أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13] إنما هو الشرك[2].
هذا وقع للصحابة حينما استشكلوا قوله تعالى: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] فقالوا ما قالوا باعتبار ما فهموه من لغتهم وذلك أن لفظة "ظُلم" نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي للعموم، فقوله: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] أي بأي نوع من أنواع الظلم سواء كان ذلك كبيرًا أو صغيرًا، هذا الذي يفهم من ظاهر الكلام وهو مقتضى لغة العرب، ولكن بيّن لهم النبي ﷺ أن هذا من قبيل العام المراد به الخصوص، أي: أنه نوع خاص من الظلم وهو الشرك، ففسرها لهم النبي ﷺ وهذا من قبيل التفسير النبوي الذي فسر فيه النبي ﷺ القرآن بالقرآن، حيث فسره بآية لقمان، والقاعدة أن التفسير إذا ثبت عن النبي ﷺ فإنه لا يلتفت إلى قول أحد بعده.
والتفسير النبوي نوعان: نوع منه يدخله الاجتهاد وهو ما لم يتعرض فيه النبي ﷺ للآية، فهذا قد يخطئ المفسر وقد يصيب بتفسيره به، ونوع لا يدخله الاجتهاد وهو الذي ذكر فيه النبي ﷺ الآية وفسرها كما في هذه الآية، فهذا من أجلى صوره إذا صحَّ فلا مجال للنظر في قول أحد سواه، وبهذا نعرف جرأة الزمخشري حينما قال عند هذه الآية: إن تفسير الظلم بالشرك مع لفظ اللبس في الآية لا يتأتى -نسأل الله العافية- فهو فهم أن اللبس هو مجرد الخلط، وأنه لا يجتمع الشرك مع الإيمان، وأن الشرك إذا حدث أفسد الإيمان ولم يُبقي منه شيئًا، وهذا الكلام غير صحيح؛ لأنه يمكن أن يبقى إيمان مخروم لا ينفع صاحبه كما قال الله : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [سورة يوسف:106] فيوجد في الإنسان إيمان وشرك، وإيمان ونفاق لكن قد يكون هذا الشرك أو النفاق من النوع الأكبر، فهذا من هذا النوع، والله أعلم.
والحافظ ابن القيم -رحمه الله- في تفسير قوله: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] ذكر كلامًا جيدًا فقال: إن النبي ﷺ ما قال: ولم يظلموا أنفسهم؛ لأنه لو قال: لم يظلموا أنفسهم فإن ذلك سيتطرق إلى أي نوع من أنواع الظلم ولكن قال: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم ولبس الشيء بالشيء تغطيته وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطي الإيمان ويحيط به ويلبسه إلا الكفر، كما قال الله : بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ [سورة البقرة:81].
فالخطيئة التي تحيط بالإنسان إنما هي الشرك، فلا يحيط شيء من الذنوب بالإنسان فيكون هالكًا إلا الإشراك بالله -تبارك وتعالى، فهذا هو القول الذي لا ينبغي العدول عنه بحال من الأحوال، إلا أن يقول قائل: إن هذا المعنى متحقق بلا مرية.
لكن قد يكون في الآية أيضًا دلالة على معنىً آخر أعني قوله تعالى: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ [سورة الأنعام:82] وذلك فيما يتعلق بالنجاة وتحقق الخلاص، ووجود شيء من الأمن للإنسان في الدنيا والآخرة، وأن هذا يحصل للإنسان بالإيمان الصحيح المنجي ولو وجد عنده ذنوب، إذ لا ينتفي عنه الإيمان بالكلية إلا إذا وجد عنده ما يخرم هذا الإيمان من الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر، فهذا لا يبقى عنده شيء من الأمن لانتفاء الإيمان بالكلية.
لكن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فالحكم هنا أن لهم الأمن فهو معلق على وصف هو أنهم آمنوا إيمانًا بهذه الصفة بحيث لم يخلطوه بظلم، فهذا الحكم يزيد بزيادة الإيمان وينقص بنقصانه، فهو يزيد من أمن الإنسان في الدنيا ويوم القيامة، ويزيد من اهتدائه بقدر ما حقق من الإيمان الذي لم يخالطه ظلم ولو بالمعاصي، وذلك أن المعاصي والذنوب تؤثر في أمن الإنسان، فالناس يأتون آمنين يوم القيامة بقدر ما عندهم من تقوى لله ، ويكون لهم من الاهتداء بقدر ما عندهم من الإيمان والاستقامة على الصراط المستقيم.
ومعلوم أن الذنوب والمعاصي متفرعة من شجرة الكفر، كما أن الطاعات متفرعة من شجرة الإيمان، فالإنسان إذا عمل المعاصي فإنه لا يكون خارجًا من الإسلام بذلك كما يزعم الخوارج لكن عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإذا عمل الإنسان المعاصي نقص إيمانه وإذا ازداد من الطاعات ازداد إيمانه، فالناس يتفاوتون في الإيمان وبناء عليه يتفاوتون في الأمن والاهتداء، وقوله: أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] يشمل الأمن والاهتداء في الدنيا والأمن والاهتداء في الآخرة.
والاهتداء منه الاهتداء إلى معرفة الصواب والحق وما اختلف فيه الناس، والاهتداء على خير الخيرين، والاهتداء بالتوفيق إلى العمل الصالح، والاهتداء إلى العمل بالعلم، والاهتداء أيضًا إلى الثبات على الحق إلى الممات وأن يختم له بذلك، كل هذا من الاهتداء كما قال تعالى: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [سورة الفاتحة:6] ومنه الاهتداء بعد الموت عند سؤال الملكين حينما يسألانه فهو يحتاج إلى هداية وتثبيت كما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ [سورة إبراهيم:27] وكذلك الاهتداء عند الحساب، والاهتداء إلى الصراط، ولهذا قال الله : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [سورة محمد:4-5] أي: يهديهم بعد ما قتلوا إلى الصراط وعلى الصراط، ويهديهم إلى الجنة ويهديهم إلى منازلهم في الجنة، فهذه هدايات في الآخرة.
كما أن أهل الإيمان يحصل لهم الأمن في الدنيا بقدر إيمانهم وأما المشرك أو الكافر أو العاصي فإنه يختل أمنه واهتداؤه بقدر ما اختل إيمانه، ولذلك فهو يعيش في قلق وتساوره الهموم والأوهام ويعيش في حال من النكد والكدر والتخوف على مستقبله وعلى مستقبل أولاده ولا يدري ما ينتابه، وأما المؤمن فإنه مطمئن النفس قرير العين، وإن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
والخلاصة أن الأمن والاهتداء ينتفيان تمامًا من الإنسان إذا وجد عنده الإشراك، وينقص من أمنه واهتدائه بقدر ما نقص من إيمانه، هذا تفصيل لو قال به قائل فإن ذلك لا يُعدُّ تكذيبًاَ وردًا لتفسير النبي ﷺ للآية، والله تعالى أعلم.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يرى أن الحجة التي آتاها اللهُ إبراهيم على قومه هي قوله: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ [سورة الأنعام:81] يعني: أنتم ما خفتم من الله الملك الجبار حيث أشركتم به واجترأتم عليه غاية الجرأة فكيف تريدون مني أن أخاف من أصنام لا تنفع ولا تضر؟ هذا غير معقول؟! وهذا القول هو الذي مشى عليه كثير من أهل العلم من المفسرين.
ومنهم من قال: إن الحجة في قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا [سورة الأنعام:83] مفرد مضاف إلى معرفة وهي الفاعل حُجَّتُنَا فقالوا: إن الحجة هي ما ذكر الله -تبارك وتعالى- عن قول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ... [سورة الأنعام:75-76] الآيات وفيها أنه قال عن الكوكب والنجم والشمس هذا ربي على سبيل التنزل فاحتج عليهم حتى بيّن لهم بطلان معبوداتهم، فقالوا: هذه المجادلة التي دارت معهم أوصلته إلى أن يحتج عليهم هي المقصودة بهذه الآية: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام:83] وهذا الذي رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى.
والصواب أن الآية تحتمل هذا وهذا، فقول إبراهيم ﷺ: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ [سورة الأنعام:81] هو من جملة الحجة، وكلامه الذي قبل هذا المتعلق ببيان بطلان معبوداتهم من الأصنام هو أيضًا من جملة احتجاجه عليهم، فهو داخل في الحجة المذكورة في الآية، والله أعلم.
يقول ابن كثير: "وقد صدقه الله وحكم له بالأمن والهداية فقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82]" معناه أن ابن كثير يعدُّ هذا من قول الله في الحكم والفصل بين الفريقين، ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم، وهذا اختاره الحافظ ابن القيم والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وعامة أهل العلم، حيث قالوا: هذا من قول الله وليس من قول إبراهيم، وذكرنا آنفًا أن أبعد الأقوال قول من قال: إن هذا من قول الكفار.
ثم قال بعد ذلك كله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [سورة الأنعام:83] أي: حكيم في أقواله وأفعاله عَلِيمٌ أي: بمن يهديه ومن يضله وإن قامت عليه الحجج والبراهين كما قال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96-97] ولهذا قال هاهنا: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [سورة الأنعام:83].
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:84-90].
يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق -عليهما السلام- بعد أن طعن في السن، وأيس هو امرأته سارة من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط فبشروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك وقالت: يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ [سورة هود:72-73] فبشروهما مع وجوده بنبوته وبأن له نسلًا وعقبًا كما قال تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ [سورة الصافات:112] وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة.
وقال: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ [سورة هود:71] أي: ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر أعينكما به كما قرت بوالده، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية، وكان هذا مجازاة لإبراهيم حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم، وهاجر من بلادهم ذاهبًا إلى عبادة الله في الأرض فعوضه الله عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه؛ لتقر بهم عينه كما قال تعالى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [سورة مريم:49] وقال هاهنا: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا [سورة الأنعام:84].
وقوله: وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:84] أي: من قبله هديناه كما هديناه ووهبنا له ذرية صالحة.
قوله عن يعقوب ﷺ: "وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية" هذا باعتبار أن يعقوب اسم عربي لكن إذا نظرنا إليه باعتبار أنه اسم أعجمي -كما هو الواقع- فلا يقال فيه مثل هذا، والله تعالى أعلم، وقد وُجد في كثير من الأحيان أن المفسرين يذكرون أشياء من هذا القبيل في أسماء الأنبياء وفي تعليلها ومعناها وما أشبه ذلك والواقع أنها أعجمية لا تعلل بمثل هذه التعليلات ولا ينبغي أن يُتكلف فيها هذا التكلف، والله تعالى أعلم إلا إن قيل: إن هذا الاسم عربي ترجمة لاسم آخر فربما يقال فيه ذلك لكن المعروف أن أسماء الأنبياء جميعًا أعجمية إلا أربعة وليس يعقوب منهم، لكن قد تكون بصفة في لغة العجم تختلف عن لغة العرب، فيوسف يقولون عنه بالأعجمية "جوزيف" ويعقوب باللاتينية يقولون عنه "جيكو".
والحاصل أن العلماء يقولون: إن أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة محمد ﷺ، وصالح وشعيب وهود، وهنا ذكر ثمانية عشر نبيًا، وإذا كانوا يقررون هذا الأصل ويقولون: إنها أعجمية وأن يعقوب اسم أعجمي، فلا يقال: إنه مشتق من العقب، وأما على قول من يقول بوجود أسماء مشتركة بين اللغات فإنهم لا يقولون ذلك في الأعلام كأسماء الأنبياء وإنما يقولونه في أسماء النكرات كإستبرق ومشكاة وما أشبه ذلك، وبالنسبة لأسماء الأعلام فإنها بالاتفاق تقال كما هي في اللغات وهذا لا إشكال فيه، ولذلك أجمعوا على أن أسماء الأعلام في باب المعرب ثلاثة أنواع: نوع من قبيل الأعلام، فهذا موجود بالاتفاق، ونوع من قبيل النكرة مثل إستبرق ومشكاة وهذا فيه خلاف، ونوع لا خلاف في أنه غير موجود وهو الكلام المركب، فلا يوجد كلام مركب أعجمي في القرآن ، ولهذا قال في المراقي:
ما كان منه مثل إسماعيل | ويوسف قد جاء في التنزيل |
إن كان منه واعتقاد الأكثر | والشافعي النفي للمنكر |
وأما ما ذكره هنا من أن الله عوضه لما هاجر فهذا المعنى من أراد أن يتوسع فيه فلينظر في مثل كتاب القواعد الحسان لابن سعدي حيث ذكر أمثلة على هذا، تدور على قضية أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فإبراهيم اعتزل قومه وهجرهم في الله -تبارك وتعالى- فعوضه الله من العقب والذرية ما ينسيه الوطن والقرابة والعشرية.
قوله تعالى: وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ [سورة الأنعام:84] يحتمل أن يكون الضمير عائدًا إلى إبراهيم أي: من ذرية إبراهيم داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، ويحتمل أن يكون من ذرية نوح ﷺ وهذا الذي اختاره ابن جرير واختاره الفراء وابن عطية وجماعة، واحتجوا لذلك بأمور منها أن يونس -عليه الصلاة والسلام- لم يكن من ذرية إبراهيم وإنما هو من ذرية نوح وكذلك لوط ﷺ هو ابن أخي إبراهيم عليهما السلام- وهذا معروف فهو ليس من ذريته.
والذين قالوا: إن الضمير يعود إلى إبراهيم كالزجاج أجابوا عن هذا بأن المحدث عنه هو إبراهيم ﷺ وإن كان نوح هو أقرب مذكور والقاعدة أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور لكن السياق إنما هو في الحديث والثناء على إبراهيم ﷺ وما حصل له من إكرام الله -جل وعلا- ثم أجابوا عن أدلة أولئك بأن لوط ﷺ عمه إبراهيم والعم يقال له: أب، ودليل ذلك قول يوسف ﷺ: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ [سورة يوسف:38] فإسماعيل -عليه الصلاة والسلام- عمه بالاتفاق وليس من أجداده ومع ذلك سماه أبًا، وبعض أهل العلم يقول: الخال والد والعم والد، والنبي ﷺ قال: الخالة بمنزلة الأم[3].
وبعضهم خرج ذلك باعتبار التغليب فقال: هذا مثل قول لله عن إبليس فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ [سورة ص:74] مع أن إبليس ليس من الملائكة بل هو من الجن لكن توجه الأمر إليه معهم باعتبار أنه كان معهم ويتشبه بهم فدخل في هذا الأمر، لكن الأقرب أن الضمير في قوله وَمِن ذُرِّيَّتِهِ [سورة الأنعام:84] يعود إلى نوح -عليه الصلاة والسلام- والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان - باب ظلم دون ظلم (32) (ج 1 / ص 21).
- أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء- باب قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ [سورة لقمان:12] (3246) (ج 3 / ص 1262) ومسلم في كتاب الإيمان - باب صدق الإيمان وإخلاصه (124) (ج 1 / ص 114) وأحمد (3589) (ج 1 / ص 378) واللفظ لأحمد.
- أخرجه البخاري في كتاب الصلح - باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه (2552) (ج 2 / ص 960).