بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ [سورة الأنعام:120].
قال مجاهد: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ المعصية في السر والعلانية، وقال قتادة: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ أي: سرّه وعلانيته، قليله وكثيره، كقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ الآية [سورة الأعراف:33].
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120] نقل هنا قول قتادة -رحمه الله- بأنه قال: أي سره وعلانيته، وكذا قول مجاهد: ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120] بأنه المعصية في السر والعلانية.
وبعضهم فسر الظاهر بأفعال الجوارح والباطن بما خفي مما لا يطلع عليه إلا الله -تبارك وتعالى- وهو ما في القلب من أعمال القلوب، وبعضهم فسر ظاهره بنكاح المحارم وباطنه بالزنا، وبعضهم فسر ظاهره بالزنا مع البغايا المعلنات، وباطنه بالزنا سراً مع الخليلات، وبعضهم يقول غير ذلك.
والأحسن -والله تعالى أعلم- أن يقال: إن هذه المعاني المذكورة داخلة تحت عموم هذه الآية، وأن ظاهر الإثم يدخل فيه كل ما يصدق عليه ذلك مما ظهر على الجوارح من زنىً معلن أو من كلام بذيء فاحش يسمعه غيره أو من نكاح المحارم؛ لأن النكاح لا يخفى، أو غير ذلك مما يظهر به الإثم ويعلمه الناس ويشاهدونه أو يتسامعون به، ويدخل في الباطن ما ينطوي عليه القلب مما لا يحبه الله ولا يرضاه، وأعظم ذلك الشرك بالقلب، وكذلك يدخل فيه الزنا سراً، والخوف من غير الله -تبارك وتعالى- خوفاًً لا يصلح إلا من الله، وكذلك سائر الأمور التي تكون خفية.
وهذا الذي مشى عليه كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- حيث حمل الآية على العموم، وهذا يرجع إلى المعنى الذي ذكره مجاهد وقتادة: أي سره وعلانيته، فظاهر الإثم هو العلانية، والباطن هو السر، ومعنى ذلك أن يترك الإنسان جميع الآثام -يعني جميع الذنوب- فالإثم يطلق على الذنب لأنه متسبب عنه فتقول: الكذب إثم، ويطلق على جريرة الذنب وهي التبعة والعقوبة التي تكون على الذنب كما تقول: من أكل المال الحرام يأثم، من سمع المعازف يأثم، بمعنى أنه يلحقه تبعة وهي أنه يستحق العقوبة.
وبعضهم يطلق الإثم على نوع من المعاصي وذلك راجع إلى عرف الاستعمال، يعني في بعض الأعراف قد يطلقون الإثم على نوع خاص من المعصية، إما لكثرة ضرره وشره وما ينبني عليه من كثرة المعاصي كما تسمى الخمر التي هي أم الخبائث إثماً، كما قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي | كذاك الإثم تفعل بالعقول |
ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ [سورة الأنعام:120] أي: سواء كان ظاهراً أو خفياً، فإن الله سيجزيهم عليه.
روى ابن أبي حاتم عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله ﷺ عن الإثم فقال: الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه[1].
كأن هذا معيار يرجع فيه الإنسان إلى نفسه عند التردد، بمعنى أن هناك أمور واضحة مثل شرب الخمر والزنا فهذه لا يقال فيها مثل هذا؛ لأنه قد جاء النص الواضح الصريح في تحريمها، ولكن من الأمور ما قد يتردد فيه الإنسان فربما يجد من يسوغ له ذلك فيفتيه بالجواز، وربما وجد لنفسه المخارج أن هذا لا بأس به ونحو ذلك، فكيف يعرف في مثل هذه الحالات؟
عندنا هذا الحديث، وعندنا الحديث الآخر: استفت قلبك[2] وليس معنى استفت قلبك ترك العلم والحكم بما أنزل الله وترك سؤال أهل العلم، وإنما المراد أن الإنسان أحياناً يسأل ومع ذلك لا يطمئن؛ لأنه لم يجد الدليل الكاشف الذي يدل على جواز هذا الشيء، فلا تطيب نفسه لفعله، وقد يفعله متتبعاً للرخص، فعندئذ يقال: استفت قلبك، يعني أن الإنسان يجد في قلبه أحياناً إنكاراً لهذا الشيء إذا كان القلب حياً نابضاً بالإيمان، أما القلب الميت فمثل هذا لا يستفتى؛ لأنه لا يشعر كما قال الشاعر:
من يهن يسهلِ الهوانُ عليه | ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ |
لكن القلب الحي يكون فيه نفور عن العمل السيئ وانقباض، فقد يحصل له مال بطريقة معينة قد يجد من يسوغ له أخذه ولكنه يجد في نفسه شيئاً، فهنا يقال له: استفت قلبك، ويقال له: الإثم ما حالك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس[3].
ولذلك بعض الناس يتردد في بعض المسائل ويجد أن هذا الأمر غير سائغ، فمثل هذا يقال له: دعها طالما أنك تجد في نفسك مثل هذا الحرج؛ لأنه ليس فيها نص واضح بيّن، والأمثلة على هذا كثيرة جداً في المكاسب وفي الخلطة والمعاشرة والنكاح وغير ذلك مما يفعله الإنسان، فإذا قال: أجد في نفسي شيئاً من هذا، نقول: دعه، وأعرض عنه؛ فالإثم ما حاك في الصدر.
قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام:121] جاء في سبب نزول هذه الآية روايات كثيرة جداً، وكثير منها من المراسيل، فعامة هذه الروايات لا تخلو من ضعف، ومنها ما ورد عن ابن عباس -ا- من بعض الطرق التي لا بأس بها، ويمكن من مجموع تلك المرويات -من المراسيل وغيرها- أن يتقوى الأثر الوارد في ذلك، وذلك أن المشركين احتجوا على المسلمين فقالوا: ما ذبحتم بأيديكم تقولون إنه حلال وما ذبحه الله أو ما قتله الله بيده الشريفة تقولون: إنه حرام؟ أأنتم أحسن من الله حتى يكون فعلكم أفضل من فعل الله بحيث صار فعلكم يحلها وفعل الله حرمها؟
هذه شبهة ألقاها عليهم الشياطين من أجل مجادلتهم، فالله -تبارك وتعالى- رد عليهم فقال: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [سورة الأنعام:121] فالرد جاء بهذه الطريقة كما في قوله: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [سورة البقرة:275] لما قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [سورة البقرة:275].
وهذه الردود لم يذكر الله فيها طرقاً في الاحتجاج والإقناع العقلي؛ لأن هؤلاء لا يؤمنون بالوحي أصلاً، وإلا كان بالإمكان أن يرد على هؤلاء في بيان قبائح الميتة ومضارها الصحية، وما يحصل في داخلها من التحولات، وأمور كثيرة قد يقتنع السامع بأن هذه الميتة لا تصلح للأكل، لكن في مثل هذا اكتفى الله -تبارك وتعالى- بمثل هذا اللون من الرد.
وطرق الرد متعددة فيمكن أن يرد على المبطل ويقال: هذا حكم الله وانتهى الأمر، ويمكن أن يرد عليه بطريقة فيها تفصيل وذلك بمراعاة الجانب الذي يقر به، بمعنى أنه إن كان ينكر الوحي فيمكن أن يقتنع بأدلة العقول مثلاً، ولا مانع من ذكر الأدلة العقلية بإثبات أمر أو نفيه، وفي القرآن يوجد من هذا، ولذلك ذكر الشاطبي -رحمه الله- في أنواع الاستدلال أن هناك من الأدلة ما يستدل به على الموالف والمخالف، وهي الأدلة العقلية مثل قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [سورة الأنبياء:22] وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [سورة المؤمنون:91]، وهناك أدلة يستدل بها على الموافق الذي يقر أن هذا نص أوحاه الله وأنه معصوم فهذا يقال له: هذا حرام لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال كذا وكذا، والله أعلم.
قال الله تعالى هنا: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [سورة الأنعام:121] وقال في الآية الأخرى: فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [سورة الأنعام:118] فمفهوم قوله: فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [سورة الأنعام:118] أي: ولا تأكلوا غيره مما لم يذكر اسم الله عليه، وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلمًا سواء ترك ذلك عمدًا أو نسيانًا أخذًا بالظاهر، فالظاهر من قوله: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [سورة الأنعام:121] أنه إذا لم يذكر اسمه فإنه لا يحل للأكل، وبهذا المنع المطلق في كل الحالات، قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم كابن عمر ومولاه نافع والشعبي وابن سيرين، وهو رواية عن الإمام مالك، وأحمد وبه قال داود الظاهري.
وقال بعض أهل العلم: إن التسمية تسقط في حال النسيان؛ لأن الله تعالى قال: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة:286] وقال ﷺ: وإن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان[4].
ومن أهل العلم كابن جرير -رحمه الله- من يقول: المراد بذلك اعتبار حال الذابح، يعني إن كان الذي ذبح من أهل الأوثان فهو المراد بمنع أكل ذبيحته، وأن ما ذكر اسم الله عليه معناه: أن يكون الذابح ممن تحل ذبيحته ممن لم يذبح لغير الله.
يقول تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [سورة الأنعام:121] يعني الأكل أو المأكول، أي إن أكلكم منه لفسق، أو إن المأكول لفسق، والمعنيان بينهما ملازمة؛ فإذا كان ذلك الطعام من الفسق فإن تعاطيه وأكله من الفسق، إلا لعذر كما دل على ذلك قوله تبارك تعالى: إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [سورة الأنعام:119] وإذا كان تعاطيه من الفسق فإن هذا يقتضي أنه فسق يعني أنه محرم.
والفسق هو الخروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى، وأصل مادة الفسق يرجع إلى معنى الخروج، سواء كان هذا الخروج من طاعة الله مطلقًا -الفسق الأكبر- أو كان جزئيًا بالمعصية.
في الحديث ذكر شرطين يحل بها الأكل: الأول: إذا أرسلت كلبك المعلم أي لا بد أن يكون معلمًا لا يصيد لنفسه، والثاني: وذكرت اسم الله عليه فإذا انتفت هذه الشروط أو انتفى بعضها انتفى المشروط، أي لا يحل الأكل من الصيد.
عدي بن حاتم –- من الصحابة ولا يرد عليه إطلاقًا ما ذُكر من أن الاعتبار بحال الذابح أو الصائد؛ فعدي بن عدي بن حاتم لا يتقرب بشيء إلى غير الله -تبارك وتعالى- ومع ذلك قال: وذكرت اسم الله عليه فالمقصود هو ذكر التسمية باللسان، ومثله الأمر بالتسمية عند ذبح الهدايا حيث قال تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [سورة الحـج:36] يعني عند نحرها، والأصل أن الأمر للوجوب.
وحديث ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال للجنّ: لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه رواه مسلم[7].
وحديث جندب بن سفيان البجلي قال: قال رسول الله ﷺ: من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله أخرجاه[8].
من أهل العلم من حمل هذا الأمر بالتسمية على الاستحباب، واعتبروا الصارف هو حديث عائشة -ا- لما سألت النبي ﷺ عن ذبائح تأتي من أناس لا يدرون هل ذُكر اسم الله عليها أو لا فقال: سموا أنتم وكلوا[9] فقالوا: وهذا يدل على أنه لا يجب، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم، كالشافعي، وهو رواية عن مالك وأحمد، وبه قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم كابن عباس وأبي هريرة وعطاء بن أبي رباح، إضافة إلى قول من قال منهم: إن المقصود بهذه النصوص هو ما ذبح لغير الله -تبارك وتعالى.
وذهب بعضهم وهو المشهور عن مالك وأحمد وبه قال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه إلى أنه تجب التسمية لكن يعفى عن النسيان؛ لقوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة:286] وهذا مروي أيضًا عن جماعة من الصحابة والتابعين كعلي وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والحسن وغيرهم –رحمهم الله- والقول بأنها تسقط مع النسيان لا يبعد؛ نظرًا للأدلة الأخرى، لكن القول بأنها مستحبة لا تخلو من إشكال؛ لأن هذه نصوص صريحة تأمر بالتسمية وتنهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، والأصل أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم.
الشياطين صنفان: شياطين الإنس وشياطين الجن؛ كما قال الله : شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [سورة الأنعام:112] فيحتمل أن يكون المراد بقوله: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام:121] يعني شياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن، وشياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، أي أن الوحي يكون متبادلًا بين الطرفين.
ويحتمل أن يكون المراد أن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، ويحتمل أن يكون المراد أن شياطين الإنس يوحون إلى إخوانهم ونظرائهم من شياطين الإنس بحيث كل واحد يلقن الثاني الحجج والشبهات من أجل إضلال الناس، فهذه المعاني تحتملها الآية إلا أن إيحاء شياطين الإنس لشيطان الجن قد لا يكون له وقوع؛ لأن العادة أن الإنس يتلقون من الجن، وشياطين الجن هم الذين يقذفون الشبهات في قلوبهم والوساوس وما أشبه ذلك، والله قال: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [سورة الأنعام:112] أي شياطين الإنس يوحون إلى شياطين الإنس وشياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، وهكذا، لكن الذي مال إليه كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- أنها من الطرفين -من الجنسين؛ لقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [سورة الأنعام:112].
ابن عمر متزوج بأخت المختار، والمختار معروف أنه من كبار قادة ابن الزبير، وجرى على يده قتل عامة الذين شاركوا في قتل الحسين ، وكانت جيوشه تشرِّق وتغرب، ثم بعد ذلك فتن وزعم أنه يوحى إليه، وصار يخبر الناس بأشياء فيقول لهم: سيحصل كذا وسيحصل كذا، فإذا لم يحصل ما أخبر به قال -قبحه الله: بدا لله في هذا الأمر كذا وكذا، يعني كما تقول: فلان غيَّر رأيه، ولذلك فإن مسألة البداء يقول بها الرافضة ويوغلون فيها، وقال بها هذا المتنبئ المختار الثقفي الكذاب، وقد أخبر النبي ﷺ أنه يخرج من ثقيف مُبير يكثر القتل وهو الحجاج، ويخرج كذاب، وهو المختار الثقفي وهو قائد من قادة ابن الزبير -نسأل الله العافية.
وإذا كان قد حدث هذا في ذلك الزمان الشريف -زمان الصحابة- بل وحدث ذلك من قائد لابن الزبير حيث أتى بمثل هذه العجائب والغرائب دون حياء من الله ولا من الناس، فلا غرابة أن يخرج في زماننا من يأتي بأعجب من هذا؛ وقد وُجد من يقول: إنه يوحى إليه وأنه المهدي أو أنه رسول، ويأتي بالمضحكات المبكيات، ثم تجد بعض البهائم الذين يصدقونه ويقبلون قوله، بل ويستميتون في الدفاع عنه، نسأل الله العافية.
وحي شياطين الإنس لشياطين الإنس واضح، وذلك أنهم يلقنونهم الشبهات ويزينون لهم الباطل ويغرونهم به، ويشجعونهم ويثبتونهم ويقوون قلوبهم، ويتعاضدون على هذا ويتواصون عليه، وأما وحي شياطين الجن لشياطين الإنس فيكون بإلقاء الشبهات وإلقاء الوساوس في قلوبهم، وما أشبه ذلك، وقد يجرونه على ألسنتهم بطرق شتى، ومن ذلك أن الإنسان قد يكون فيه شيء من المسّ أو السحر أحيانًا فتجري على لسانه أمور عجيبة جدًا وربما كانت في غاية التلبيس والتدليس، ويستخرج عليها شبهات أو أدلة إذا سمعها الجاهل اغتر بها ولا يعرف الجواب عنها، أعني أنها تُجرى على ألسن هؤلاء فيغتر بهم كثير من الناس فيضللونهم.
وقد يأتونهم عن طريق الرؤى فيرى مثلًا مائة إنسان أن فلانًا هو المهدي المنتظر، فإذا رأوه قالوا: أنت الذي رأيناك على أنك المهدي، وقد يكون هذا الإنسان ليس من نسل النبي ﷺ وقد لا يكون اسمه محمد بن عبد الله، ومع ذلك يأتون لهم بألوان التلبيسات مما يقنعون به أن هذا هو المهدي، ويجيبون بتلبيساتهم عن كون اسمه ليس محمدًا وعن كونه ليس من نسل النبي ﷺ فالجاهل يظن أن هذه الإجابات حق وخاصة أن مائة إنسان قد رأى هذه الرؤى فيقول: لا يعقل أن يرى هؤلاء كلهم هذا الأمر ثم لا يكون حقيقة.
ومن المعلوم أن الناس الذين عندهم مس أو سحر يلقي الشيطان على ألسنتهم أشياء عجيبة جدًا قد لا تُتصور وقد يكون ذلك عن طريق الرؤى وقد يكون في اليقظة، ومن صور ذلك أنه بكل بساطة يقول: الآن سيتصل بي فلان، فيدق الهاتف وإذا هو فلان اتصل من بلدة أخرى، وقد لا يقصد التلبيس لكن لو أراد أن يلبس لاستطاع.
وقد يقول: الحمل الذي وقع لفلانة هو ولد، وقد يقول: ستحمل امرأتك وستأتي بولد ويكون هذا مما استرقوه من السمع!
وقد يكون هذا الإنسان من الرقاة فيضلل الناس ويلبس عليهم بقراءة القرآن، ويأتيهم بأشياء من هذا القبيل، ويخبرهم عن أشياء غيبية يتلقاها عن طريق الشياطين شعر بذلك أم لم يشعر، لكن الغالب أنه يشعر ويعرف ويضلل ويلبس عن طريق قراءة القرآن، ليظهر لهم أنه يرقي بالقرآن وهو دجال وقد يكون ساحرًا، ولو علم الناس بحقيقة الأمر لوضعوا أيديهم فوق رؤوسهم مستغربين أن يكون فلان ساحرًا، وللعلم فإن هناك أمورًا لا يمكن أن تفسر إلا بالسحر.
ومن أنواع التضليل أن بعضهم يستدل على بعض الأمور بنصوص أهل العلم كشيخ الإسلام وابن القيم فيقرأ كلامًا من كتبهم وهو من أجهل الناس لا يفهم كلام العلماء، بل قد يكون قسيسًا ومع ذلك يأتي لك بنصوص من كلام شيخ الإسلام ومن كلام ابن القيم وغيرهما مع ذكر الصفحة والجزء فمن أين عرف هذا القسيس كلام شيخ الإسلام وأمثاله من أهل العلم إلا أن يكون ساحرًا أو ممسوسًا؟ مع أنه قد يأتي في البداية بكلام ممتاز ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن إلى حين ثم يبدأ بالإفساد بصور وأساليب كثيرة وذلك إذا ظه وصار متمكنًا من قلوب الناس وعقولهم، فالله المستعان.
وقوله: لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام:121] روى ابن جرير عن ابن عباس -ا: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [سورة الأنعام:121] إلى قوله: لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام:121] قال: يوحي الشياطين إلى أوليائهم تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله؟ وفي بعض ألفاظه عن ابن عباس -ا: أن الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه، وأن الذي قد مات لم يذكر اسم الله عليه.
وقال السدي في تفسير هذه الآية: إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله فما قتل الله فلا تأكلونه وما ذبحتم أنتم تأكلونه، فقال الله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ [سورة الأنعام:121] فأكلتم الميتة إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [سورة الأنعام:121] وهكذا قاله مجاهد والضحاك وغير واحد من علماء السلف.
يلاحظ في قوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [سورة الأنعام:121] أن هذا شرك الطاعة والاتباع، وهو أحد أنواع الشرك، ولا يقال هنا: شرك دون شرك بل هو شرك أكبر، فإذا كانوا أطاعوهم في قضية واحدة هي تحليل الميتة فحكم الله عليهم بالشرك، فكيف لو بدلوا لهم كل شرائع الإسلام من أولها إلى آخرها وجاؤوا لهم بشرع آخر؟ ذلك شرك من باب أولى، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- قد أطال الكلام في هذه القضية في عدد من المواضع في دروسه التي سجِّلت في المسجد النبوي -رحمه الله- في هذا الموضع وفي غيره من المواضع، وبين أن طاعتهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
وقوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [سورة الأنعام:121] أي: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كقوله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ الآية [سورة التوبة:31].
وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال: يا رسول الله، ما عبدوهم، فقال: بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم [10].
أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:122] هذا مثل ضربه الله تعالى لمؤمن الذي كان ميتًا أي: في الضلالة هالكًا حائرًا فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله.
يعني أن المقصود بالموت هنا الكفر والضلال، والحياة الإيمان والهدى، والله ذكر هذا المعنى في مواضع من كتابه، وهو معنى صحيح مشهور، وذلك أنه يعبر بالحياة عن حياة القلب واستنارته وإيمان العبد وهدايته.
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله | فأجسامهم قبل القبور قبور |
وإن امرءًا لم يحيا بالعلم ميت | فليس له حتى النشور نشور |
ولا حاجة أن يقال بما قاله بعض السلف -رحمهم الله- أنه كان ميتًا باعتبار أنه كان نطفة فأحياه الله حيث نفخ فيه الروح.
يقول تعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا وفي القراءة الأخرى -وهي قراءة نافع: (أَوْ مَن كَانَ مَيِّتًا) [سورة الأنعام:122] أو بإسكان الواو وتشديد الياء.
هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير هوا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا، يعني هالكًا في الضلالة فأحياه الله بإحياء قلبه بالإيمان، وهذا هو المتبادر والله تعالى أعلم في معنى الآية.
وابن جرير -رحمه الله- حمل الآية على معنى آخر وهو أنها نهي عن طاعة المشركين المجادلين وقال: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [سورة الأنعام:121] وأمر بطاعة المؤمن الذي كان كافرًا فهداه الله، حيث إن طاعته أولى من طاعة ذلك الإنسان الضال الذي قد تحير وهو يتخبط في الظلمات لا يعرف كيف يخرج منها.
لكن المعنى المتبادر -والله تعالى أعلم- هو ما ذكره ابن كثير -رحمه الله، أي أن هذه مقارنة بين المهتدي وبين الضال كما في قوله تعالى: أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الملك:22] وليس الكلام فيها متعلقًا بقضية الطاعة، والله تعالى أعلم، أي أن قوله: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا ليس المقصود بها أن طاعة من كان كافرًا ثم آمن هي المطلوبة وأنها مقدمة على طاعة الكافر، والله أعلم.
هذه العبارات –الإسلام، الإيمان، الهدى، العلم- كلها ترجع إلى شيء واحد، وبعضهم يقول: إن هذا النور في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [سورة الأنعام:122] هو الذي يكون للمؤمن على الصراط، وهذا لا دليل عليه، لكن ذلك النور هو نتيجة لنور الهداية والإيمان والإسلام الذي يكون للعبد.
وقد تكلم الحافظ ابن القيم -رحمه الله- على هذه الآية بكلام جيد، وخلاصته أن الضلال بمنزلة الموت، والهداية والعلم بمنزلة الحياة، فهو يقول: إن الحياة التي عليها مدار النجاة للإنسان على قدر اهتدائه وبصره بما أنزل الله على رسوله ﷺ، فكلما عظمت هدايته واكتملت كلما كان ذلك أكمل في الحياة التي توهب له، وكلما نقص من هدايته ومن بصره بما أنزل الله كلما قلت هذه الحياة وضعفت.
ولذلك فإن الإنسان كلما زاد إيمانه يشعر أن حياته أكمل وأعظم ولها معنى يعيش من أجله، ويجد من الروح واللذة والسرور والانشراح ما لا يقادر قدره، وكذلك من ارتاضت نفسه بالعلم يجد حياته في مجالس العلم، ويرتفع إيمانه، ويقوى يقينه، ويحصل له من أسباب الثبات ومعرفة معالم الطريق التي رسمها الله لعباده وأمرهم بسلوكها، وتفاصيل الصراط المستقيم، ويعرف أمورًا تخفى على غيره من الناس ممن لم تشرح صدروهم لهذا، ولم تستنير قلوبهم بهذا العلم، فالعلم حياة، وعلى قدر ما عند الإنسان من العلم يكون عنده من الانشراح والبصيرة، وهذه هي الحياة الحقيقية.
كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ [سورة الأنعام:122] أي: الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا [سورة الأنعام:122] أي: لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما هو فيه.
وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رشَّ عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل [11]كما قال تعالى: اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:257] وقال تعالى: أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الملك:22] وقال تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [سورة هود:24]، وقال تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ [سورة فاطر:19-23].
والآيات في هذا كثيرة، ووجه المناسبة في ضرب المثلين هاهنا بالنور والظلمات ما تقدم في أول السورة وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [سورة الأنعام:1] وقوله تعالى: كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:122].
وقوله تعالى: كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:122] أي: حسَّنَّا لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة قدرًا من الله وحكمة بالغة لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
قوله تعالى: كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:122] هو كقوله تعالى: كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [سورة الأنعام:108] وقد سبق أن المعنى أنه –تبارك وتعالى- زينه لهم قدرًا وخلقًا وأن ذلك جرى على أيدي الشياطين فنُسب إليهم كما في قوله تعالى: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [سورة الأنفال:48]، وهذا التزيين حصل لحكمة الله -تبارك وتعالى- علمها وقدرها لينقسم الناس إلى فريقين ويتمايزون في الدنيا والآخرة، ويحصل بسبب ذلك ألوان المجاهدات، وتظهر معاني الأسماء الحسنى وما إلى ذلك.
والعجيب أنها ظلمات ومع ذلك زُيِّنت لهم، ولذلك نجد الكفار مهما كان كفرهم وضلالهم إلا أنهم يتوالدون ويربون أبناءهم على ذلك الكفر وينشئونهم عليه، وهكذا تعيش أمم تقتات على هذا الضلال والظلمات وليس عندهم غضاضة بهذا إطلاقًا؛ لأنهم قد زُيِّن لهم هذا العمل، نسأل الله العافية.
وهكذا تجد الرجل مع أنه في غاية الفقر طيلة حياته إلا أنك تراه يجمع بقرات أو عسلًا وأموالًا طائلة ويشرك بالله شركًا أكبر حيث يعطيها لحجر أو شجر أو صاحب قبر كالسيد البدوي أو السيد الحسين أو السيدة نفيسة، يصنع ذلك وهو منبسط لا مشكلة عنده بل ويرى أنه قدم قرباه وأنه قد أراح ضميره وهو في الواقع يتخبط في الظلمات إلى النخاع، والمقصود أنه زُيِّن له سوء عمله ذلك، نسأل الله العافية.
وإذا جادلتهم رأيت العجب العجاب، حتى إن أحدهم لما نوقش وذكرت له آية من كتاب الله حيث قيل له: إن الله يقول: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [سورة العنكبوت:61] قال: يا أخي هذه آية وهابية!! وذلك أنه يسمي من يستدل بهذه الآية وهابيين، نسأل الله العافية، وهكذا يصنع التزيين، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
- أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب - باب تفسير البر والإثم (2553) (ج 4 / ص 1980).
- أخرجه الدارمي في كتاب البيوع - باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2533) (ج 2 / ص 320) وأحمد (18035) (ج 4 / ص 228) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1734).
- أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب - باب تفسير البر والإثم (2553) (ج 4 / ص 1980).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق - باب طلاق المكره والناسي (2043) (ج 1 / ص 659) وصححه الألباني.
- أخرجه البخاري في كتاب الوضوء - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (173) (ج 1 / ص 76) وفي كتاب الذبائح والصيد - باب صيد القوس (5161) (ج 5 / ص 2087) ومسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان - باب الصيد بالكلاب المعلمة (1929) (ج 3 / ص 1529) وفيه أيضاً برقم (1930) (ج 3 / ص 1532).
- أخرجه البخاري في كتاب الشركة - باب قسمة الغنم (2356) (ج 2 / ص 881) ومسلم في كتاب الأضاحي - باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام (1968) (ج 3 / ص 1558).
- أخرجه مسلم في كتاب الصلاة - باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن (450) (ج 1 / ص 332).
- أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد - باب قول النبي ﷺ: فليذبح على اسم الله (5181) (ج 5 / ص 2095) ومسلم في كتاب الأضاحي – باب وقتها (1960) (ج 3 / ص 1551).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الذبائح - باب التسمية عند الذبح (3174) (ج 2 / ص 1059) والدارمي في كتاب الأضاحي - باب اللحم يوجد فلا يدري أذكر اسم الله عليه أم لا (1976) (ج 2 / ص 114) وصححه الألباني.
- أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب تفسير سورة التوبة (3095) (ج 5 / ص 278) وحسنه الألباني.
- أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان – باب ما جاء في افتراق الأمة (2642) (ج 5 / ص 26) وأحمد (6644) (ج 2 / ص 176) وصححه الألباني في المشكاة برقم (101).