الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والمستمعين، والحاضرين، اللهم آمين.
قوله: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ يعني أصحاب الأعراف، يعني إذا وُجِّهَت أبصارهم، فالصرف هو رد الشيء من حالةٍ إلى أخرى.
"تِلْقَاءَ أصحاب النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ونَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ [الأعراف: 47 - 48] الذين في النار، قالوا لهم ذلك على وجه التوبيخ.
جَمْعُكُمْ يحتمل أن يريد جمعكم للمال، أو كثرتكم."
مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يحتمل أن يكون المراد جمع المال، أو الكثرة، الكثرة يعني: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ الجمع الذي يكون لهم، والحشد، والكثرة؛ وهذا الثاني الذي اختاره ابن كثير[1].
مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما أغنت عنكم كثرتكم، والثاني هذا - والله أعلم - كأنه هو الأقرب كأنه المتبادر مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ؛ لأن الاستكثار من المال إذا أريد فإنه عادةً يكون مصرحًا به مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ [الحاقة: 28] لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ [آل عمران: 10] لكن مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يعني كثرتكم - والله أعلم - .
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ إن كانت "ما" هذه مصدرية فإنها تُصاغ، وما بعدها بمصدر وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ما أغنى عنكم جمعكم، واستكباركم.
و"ما" في قوله: مَا أَغْنَى استفهامية، أو نافية مَا أَغْنَى عَنْكُمْ يعني ماذا أغنى عنكم على سبيل التوبيخ، ماذا أغنى عنكم؟ أو تكون نافية مَا أَغْنَى أي: لم يغنِ عنكم، جمعكم، واستكباركم.
أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ أهل الأعراف يخاطبون أهل النار أَهَؤُلَاءِ يقصدون أهل الجنة، يقول: لأن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم، فظهر خلاف ما قالوا.
أَهَؤُلَاءِ يعني أهل الجنة الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ أيها الكفار أن الله لا يرحمهم، وهذا القول هو الذي اختاره جماعة من المفسرين، كالواحدي[2] والحافظ ابن القيم[3] كذلك من المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي[4] والشيخ الشنقيطي[5] والطاهر بن عاشور[6].
وقيل: هي من كلام الملائكة خطابًا لأهل النار أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ السياق هو في كلام أهل الأعراف، والأصل أن يكون الكلام لمتكلمٍ واحد إلا لدليل، يقول: وقيل هي من كلام الملائكة خطابًا لأهل النار، والأول أقرب - والله أعلم - أنه من كلام أصحاب الأعراف لأهل النار.
يقول: والإشارة بهؤلاء إلى أصحاب الأعراف، هذا على القول بأن القائل هم الملائكة يخاطبون أهل النار، وليس القائل أصحاب الأعراف، يعني هذا على القول الثاني أَهَؤُلَاءِ يعني أصحاب الأعراف، وهذا القول مروي عن ابن عباس - ا - بطريق ابن أبي طلحة[7] أن القائل بذلك الملائكة يخاطبون أهل النار، والإشارة بقوله: أَهَؤُلَاءِ إلى أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوا الجنة بعد، وقال به جماعة من المفسرين كمقاتل بن سليمان[8] وهو قولٌ آخر للواحدي[9] في كتابه "الوجيز".
والحافظ ابن القيم عدَّه قولاً قويًا تحتمله الآية[10] لكنه رجَّح الأول، وقالوا تعليلاً لهذا القول: بأن أهل الأعراف حين قالوا لأهل النار ما سبق: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ومَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48] فيقولونك عيَّرهم أهل النار بتخلفهم عن دخول الجنة، فتقول الملائكة عندئذٍ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ ولَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف: 49] لكن هذا لا دليل عليه، أن أهل النار يعيرونهم، ثم يأتي الرد من الملائكة؛ لأن الأصل أن الكلام لمتكلمٍ واحد وعلى القول الثاني يكون هذا من الموصول لفظًا المفصول معنىً، يعني الكلام الأول لأصحاب الأعراف يخاطبون أهل النار: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ومَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ ولَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف: 48 - 49].
يكون قول: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ من كلام الملائكة على هذا القول فيكون ظاهر الكلام الاتصال أنه لمتكلمٍ واحد وهو منفصل من جهة المعنى إذ هو لمتكلمين، لقائلين، وهذا خلاف الأصل، والأقرب - والله أعلم - أنه من كلام أصحاب الأعراف يخاطبون أهل النار، وأن الإشارة بقوله: أَهَؤُلَاءِ إلى أهل الجنة، أو دخول الجنة، تقديره قد قيل لهم.
الآن ادخلوا الجنة، أهل الجنة دخلوا الجنة، وكما هو ظاهر الآيات، وأهل النار دخلوا النار، فأهل الجنة ينادون أهل النار يخبرونهم أنهم قد وجدوا ما وعدهم ربهم حقا، ويقولون: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا: نعم، فظاهر هذا أن هؤلاء دخلوا الجنة، وهؤلاء دخلوا النار.
كذلك حينما ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، دلَّ على أنهم قد لاقوا النعيم، ودخلوا الجنة، فهنا قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ قد يُفهم منه أنهم لم يدخلوها بعد، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، وكأن هذا هو الذي حمل أصحاب القول الثاني على القول بأن قائل ما سبق هم الملائكة، يخاطبون أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوها بعد، فيقال لهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أما أهل الجنة فقد دخلوا، فكيف يقال لهم: ادخلوا الجنة، فهذا الذي حمل أصحاب القول الثاني على هذا القول، لما يقال لهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ قالوا: إذا هذا خطاب لأهل الأعراف، وليس من كلام أهل الأعراف لأهل الجنة؛ لأن أهل الجنة دخلوا.
وأصحاب القول الأول قالوا: إن معنى قول الله : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يعني أنه من كلام أصحاب الأعراف، التقدير: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، فكأنه إخبار عما قيل لهم بصيغة الأمر حكايةً لما سبق.
يقول: وخطابٌ لأهل الأعراف إن كان من كلام الملائكة.
وبعضهم يقول: هو من كلام الله لأهل الجنة، هو من كلام الله، ادخلوا الجنة، فهم دخلوها فيكون هذا كالتطمين لنفوسهم، وتثبيت هذا الدخول، وإقرارهم على هذا النعيم، وهذا الذي اختاره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[11] وقبله أبو جعفر ابن جرير[12] أنه من كلام الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقول لهم: يا أهل الجنة ادخلوا الجنة، باعتبار أنه إذا كان من كلام أصحاب الأعراف، أصحاب الأعراف هم الذين كان الكلام عنهم: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ومَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ [الأعراف: 48 - 49] يعني هل يملك أصحاب الأعراف أن يقولوا لأهل الجنة: ادخلوا الجنة؟!
هم لا يملكون هذا، ولهذا قال هؤلاء أنه من كلام الله فيكون من الموصول لفظا المفصول معنى.
إذًا يحتمل أن يكون من كلام الملائكة، أو من كلام الله، أو من جملة كلام أصحاب الأعراف، ويكون ليس أمرًا لهم بالدخول، وإنما حكاية للدخول في صيغة الأمر - والله أعلم - .
أن أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أن أفيضوا، أصل هذه المادة: الفاء، والياء، والضاد يدل على جريان الشيء بسهولة أن أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ والإفاضة تكون كأنها نازلة من الأعلى للأسفل، بهذا الاعتبار قال: بأنه دليل على أن الجنة فوق النار، فالذي في الأسفل حينما يُوصل الماء للأعلى لا يُقال له: إفاضة، وإنما الإفاضة تكون من أعلى إلى أسفل.
نتركهم، هذا مروي عن ابن عباس - ا - من طريق ابن أبي طلحة[13].
وجاء عن مجاهد: "نتركهم في النار"[14].
وعن السُّدي: "نتركهم من الرحمة"[15] كل هذه المعاني قريبة، وترجع إلى شيء واحد.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ: يلقى الله العبد فيقول: أي فل - أي: فلان - ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس، وتربع، فيقول: بلى، فيقول: فظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني[16].
فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ أي: نتركهم، والنسيان كما مضى في بعض المناسبات يأتي بمعنى نسيان المعلوم، وذلك بمعنى الذهول عنه، ذهاب المعلوم يُقال له نسيان، حفظت مسألة، ونسيت هذه المسألة، فذهاب المعلوم من الذهن يُقال له: نسيان، كما قال في المراقي:
زوالُ ما عُلم قُلْ نسيانُ | والعلمُ في السَّهْوِ له اكتنانُ[17]. |
يعني السهو يكون العلم موجود لكن سهى عنه، لكن النسيان كأنه محي، وذهب من الذهن، فهذا النسيان، ويأتي بمعنى الترك: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 19] بمعنى الترك، وهذا المعنى هو المراد هنا، وأما المعنى الأول الذي هو الذهول عن المعلوم فهذا يتنزه ربنا - تبارك، وتعالى - عنه لَا يَضِلُّ رَبِّي ولَا يَنْسَى [طه: 52].
"كَمَا نَسُوا الكاف للتعليل.
وَمَا كَانُوا عطفٌ على كما نسوا أي لنسيانهم، وجحودهم.
جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ يعني: القرآن.
فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ أي: علمنا كيف نفصله."
نعم علمنا كيف نفصله، يعني، ونحن عالمين بما بينا فيه من الحق الذي يصلح الخلق، كما قال الله : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1].
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: 3]
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]
فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ.
يعني تصديق ما وُعِدُوا به، فالتأويل يأتي بمعنى المصير، والمرجع، والعاقبة كما هنا، فالتأويل يأتي بمعنى التفسير، تأويل الكلام بمعنى التفسير، وتأويل الرؤيا يأتي بمعنى التعبير، والتفسير لها، ويأتي بمعنى آخر، وهو ما يؤول إليه الشيء في ثاني حال، فيكون تأويل الأمر بفعل المأمور، وتأويل النهي بترك المنهي، وتأويل الخبر بوقوع المخبر به، وتأويل الرؤيا بتحققها هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف: 100].
وتأويل الأمر: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ أنه كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3].
قالت عائشة - ا -: كان يكثر أن يقول في ركوعه، وسجوده: سبحانك اللهم ربنا، وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأوَّل القرآن[18] يعني ينفذ يطبق يمتثل ما أمر به.
فهنا: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يعني وقوع، وتحقق ما أخبر به، ووعد به.
بمعنى علا، وارتفع، واستقر، هذا معنى الاستواء في اللغة، وبه فسره السلف .
"وتأوَّله قومٌ بمعنى (قصد) كقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ [البقرة: 29] ولو كان كذلك لقال: ثم استوى إلى العرش."
هذا لا حاجة بذكرهِ، قال: ولو كان كذلك لقال: ثم استوى إلى العرش، يعني كأنه يرد هذا القول، فتفسير الاستواء بالقصد، هذا فيه الاستواء على العرش، والتعبير بـ "على" لم يقل به أحدٌ من السلف، ولكن غاية ما هنالك أن بعض أهل السنة من العلماء فسَّر قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ بـ قصد؛ لأنه عُدِّي بـ "إلى" هذا قال به بعضهم ممن قال بهذا الحافظ ابن كثير[19] وقبله البغوي[20] ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي[21] في خصوص قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ بمعنى قَصَدَ، قالوا: لأنه عُدِّي بـ "إلى" هكذا قالوا.
وعامة أهل العلم لا يفسرونه بـ قصد، في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وإنما يفسرونه بـ "علا، وارتفع" ويقولون: لا يأتي الاستواء بمعنى القصد، وإنما هو دائما بمعنى العلو، والارتفاع.
وقد رد شيخ الإسلام - رحمه الله - تفسير الاستواء بالقصد في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وبين أنه بمعنى ارتفع[22] وهذا حكى عليه الحافظ ابن القيم - رحمه الله - الإجماع[23] يعني الإجماع قبل قول هؤلاء كالبغوي، وابن كثير، قال: وهذا لا يصح من حيث اللغة، فكل المواضع التي ورد فيها الاستواء هي بمعنى العلو، والارتفاع، ونحو ذلك[24].
"وتأوله الأشعرية أن معنى استوى استولى بالملك، والقدرة."
هذا الكلام كان ينبغي ألا ينقل أصلاً؛ لأنه قولٌ باطل لا أصل له في اللغة، والقرآن يُفسَّر بلغة العرب، وقد يوجد مثل هذا، بل هو موجود في بعض كتب المتأخرين من أهل اللغة، كاللسان لسان العرب مثلاً، ولا عبرة بذلك؛ لأن هذه الكتب في اللغة دخلها من العلوم الكلامية كما دخل في علومٍ أخرى كأصول الفقه، وعلوم الحديث، وكذلك أيضًا علوم اللغة البلاغة، والنحو، ونحو ذلك، فهذا مما طرأ عليها بسبب العلوم الكلامية، لكن الكتب المتقدمة كتب أهل اللغة من المتقدمين لا يوجد فيها مثل هذا أن استوى بمعنى استولى، وعادةً يستدلون على هذا المعنى ببيتٍ لا عبرة به، وليس بحجة، وبعضهم يقول: مصنوع:
قد استوى بشر على العراق | من غير سيف ودم مهراق[25]. |
وبعضهم يقول: أصل لفظ البيت ليس كذلك، وإنما استولى بشرٌ على العراق، وليس استوى، ثم كيف يُترك الصريح من كلام الله وتفسير ذلك بورود هذه اللفظة في سبعة مواضع في كتاب الله استواء على العرش مع النصوص الواردة في السنة، وكلام الصحابة خيار الأمة، ثم يُصَارُ إلى بيتٍ كهذا.
"والحق الإيمان به من غير تكييف، فإن السلامة في التسليم، ولله در مالك بن أنس الإمام في قوله للذي سأل عن ذلك: "الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عن هذا بدعة"[26].
وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة[27] وجعفر الصادق[28] والحسن البصري[29]"
وغير هؤلاء أيضًا ورد هذا عن بعض أمهات المؤمنين[30].
الآن يقول: لم يتكلم الصحابة، هذا يفسر كلامه السابق قال: والحق الإيمان به من غير تكييف، فإن السلامة في التسليم، ثم ذكر قول الامام مالك، فهو يحمل قول الإمام مالك هنا على التفويض، وكما سبق بأن عبارات المؤلف - رحمه الله - في مواضع من هذا الكتاب ترجع إلى معنى التفويض فظن ذلك بعض من تكلم في عقيدة المؤلف بأنه كان على عقيدة السلف، يظنون أن هذا هو اعتقاد السلف، فعامة من تكلم على عقيدة المؤلف بل كل من وقفت عليه ممن تكلم على عقيدة المؤلف في كتب، ورسائل جامعية يقولون: بأنه كان على عقيدة السلف، وهذا غير صحيح، وهنا يريد التفويض لأنه يقول هنا: ولم يتكلم الصحابة، ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه، وهذا غير صحيح، فهذا من قبيل التفويض، تفويض معنى الاستواء.
وقد قال أبو عمر الطلمنكي - رحمه الله -: "أجمع المسلمون من أهل السنة" أبو عمر - رحمه الله - كان من المصنفين في السنة، السنة يقصدون بها الاعتقاد مثل: "أصول السنة" للالكائي، وكذلك أيضًا الكتب التي تكون بهذا العنوان، أو قريب منه.
يقول: "أجمع المسلمون من أهل السنة أن الله استوى على عرشه بذاته"[31] ما قال: الإجماع، استوى بذاته، وهذا واضح، وصريح، لا يُفوَّض معنى الاستواء؛ لأن التفويض يعني أنه لا يُدرَى ما معناه، هل هو بمعنى استولى؟ أو بمعنى علا، وارتفع، أم ماذا؟
وكذلك حكى الإجماع الدارمي[32]وغيره، على أن الله مستوٍ على عرشه بدون تأويل، يعني على ظاهره.
وقال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: "كنا، والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشهِ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"[33] الاستواء بمعنى العلو الارتفاع، علا، وارتفع، واستقر، فإذا قال: نؤمن بأن الله فوق عرشه تابعون متوافرون كانوا يقولون هذا، بأن الله فوق عرشه، إذا كان فوق عرشه معنى ذلك أنه استوى أي علا، وارتفع فوق عرشه، هذا اعتقاد أهل السنة، والجماعة، وليس التفويض.
ولهذا يقول المتكلمون: بأن مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم، وأحكم، يقصدون أسلم يعتقدون أن السلف فوضوا المعنى، فيقولون: هذا أسلم من الخوض في التأويل، وتحديد معنى بعينه، فيكون ذلك عرضة للصواب، والخطأ، ويحتمل أنهم أرادوا بهذه العبارة مذهب السلف يقصدون سلف المتكلمين؛ لأن المتقدمين منهم يغلب عليهم التفويض.
وعلى كل حال مذهب سلف الأمة أسلم، وأعلم، وأحكم بلا شك، هم أوفر علما، وأسلم فطرة، وأحسن قصدًا.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ أي: يلحق الليل بالنهار، أو العكس، يعني يغطي بظلمة الليل ضوء النهار، ويغطي بضوء النهار ظلمة الليل، وكل منهما يطلب الآخر طلبًا سريعًا يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج: 61] يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5].
أصل المادة غشي يدل على تغطية شيء بشيء.
قوله هنا: والجملة في موضع الحال أي: من فاعل يطلبه، وهو ضميرٌ مستتر فيه يعني حاثًا، يطلبه حثيثا، يعني يطلبه حاثًا، أو من مفعوله يعني حال من المفعول الهاء أي محثوثًا، يطلبه، يطلب هو إذا كان من الفاعل، ضمير مستتر، يعني يطلبه حاثًا في طلبه، أو من المفعول الهاء يطلبه، الهاء هذه في محل نصب مفعول به.
يقول: أي حثيثًا، فيكون هذا بأي اعتبار؟ يطلبه إذا كان حالاً من المفعول الهاء أي: محثوثًا.
ويحتمل أنه نعت لمصدر محذوف أي: طلبًا حثيثًا، يطلبه حثيثا، المصدر طلبًا، طلبًا حثيثًا.
يقول: الخلق المخلوقات، الخلق مصدر، يأتي بمعنى المصدر: يعني الخلق الذي هو تخليق، ويأتي بمعنى المفعول: الخلق يقال للمخلوق، يقال: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [لقمان: 11] يعني هؤلاء الناس خلق الله، هذه الأرض خلق الله، ونحو ذلك، بمعنى المخلوق أَلَا لَهُ الْخَلْقُ [الأعراف: 54] فيحتمل أن يكون هنا الخلق بمعنى المخلوقات يعني بمعنى المفعول مصدر بمعنى المفعول.
الْخَلْقُ والْأَمْرُ يقول: والأمر مصدر أمر يأمر، يعني أن الأمر، والنهي لله هو الذي يُشرِّع، وهو الذي يأمر، وهو الذي يكون أمره بنوعيه الأمر الكوني، والأمر الشرعي، كل ذلك لله .
وقيل: الخلق مصدر خلق يعني بالمعنى المصدري، ألا له الخلق، أي التخليق، هذا لا يكون إلا لله .
والأمر واحد الأمور كقوله: إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى: 53].
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ تقول ما الأمر؟ ما أمر فلان؟ تقول: هناك أمور، ليس المقصود به الأمر الذي يقابل النهي، طلب الفعل، وإنما يأتي الأمر بمعنى آخر، يجمع على الأمور.
المعنى الأول الأمر الذي هو طلب الفعل يجمع على أوامر، يقول: والكل صحيح.
وهو كما قال - والله أعلم - .
فيكون له، وحده - سبحانه، وتعالى - صفة الخلق فهو الذي أوجد جميع المخلوقات، الخلق بمعنى المصدر، وهو الذي يملكها، فهذه المخلوقات الموجودة هي لله له الخلق، يتصرف فيها، وله، وحده الأمر، فيأمر خلقه بما يشاء من أوامر شرعية، وكونية، كل هذا لله وتقدست أسماؤه واضح؟ فيجمع بين هذه المعاني.
تبارك من البركة، يعني تعاظم، وتعالى، وكثر خيره، وعمَّ إحسانه، فالبركة الزيادة، والنماء، والكثرة، والاتساع كما سبق، من البركة، يقول: وهو فعلٌ غير متصرف، تبارك ماضي، يتبارك، تباركًا، هو غير متصرف، يقول: لم تنطق له العرب بمضارع، يعني ما يقال: يتبارك، يستعمل الناس العامة الآن يقولون: تباركت علينا يا فلان، فهذه من حيث المعنى غير صحيحة من حيث المعنى؛ لأن البركة من الله، وهكذا قول كثيرين في عبارات دارجة يقولون: أبارك لك هذا العمل، أبارك لكم هذا المشروع، إنما الذي يُوجِد البركة هو الله، ولست أنت، فما يصح أن تقول: أبارك لك، أنت لا تبارك، الله هو الذي يبارك، وإنما تدعو بالبركة، وتقول: أسأل الله أن يبارك لك، لا تقول: أبارك لك، أنا لا أبارك لأحد؛ وإنما أسأل له البركة، فالذي يبارك هو الله يفرق بين تبارك، وبارك، بارك يبارك مباركةً - والله أعلم - .
تَضَرُّعًا يعني تذللاً، واستكانة، بطاعته، فالضراعة تدل على الضعف، والذل، يقول: تَضَرُّعًا وخُفْيَةً مصدر في موضع الحال، وكذلك خوفًا، وطمعًا، يعني ادعوه حال كونكم ضارعين متذللين مخفين للدعاء.
خُفية يعني سرًا، وليس جهرًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً ودُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ والْآصَالِ [الأعراف: 205]
وقال الله عن زكريا : إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم: 3]
فالخفية من الإخفاء، وخُفية، وهذه قراءة الجمهور، يقول: وقرئ خِيفة، من الخوف، في رواية أبي بكر عن عاصم (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخِفْيَةً).
هنا جاء الإطلاق بأن الله - تبارك، وتعالى - لا يحب المعتدين، هو في سياق الكلام في الدعاء فيكون ذلك باعتبار السياق بمجاوزة الحد في الدعاء، ولكن الإطلاق فيه: لا يحب المعتدين، يدل على العموم، يعني في الدعاء، وغيره كما جاء عن ابن عباس - ا -[35] يعني لا يحب المعتدين مطلقًا، كما ذكر شيخ الإسلام - رحمه الله -[36] والحافظ ابن القيم[37].
وسمع عبد الله بن مُغفِّل ابنًا له يقول: "اللهم إني أسألك القصر الأبيض من الجنة إذا دخلتها عن يميني، فقال له: يا بني سل الله الجنة، وتعوذه من النار، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: سيكون من بعدي قومٌ يعتدون في الدعاء، والطهور[38].
فهذا من الاعتداء في الدعاء، يعني ذكر تفاصيل في الدعاء لا حاجة إليها، والاعتداء في الدعاء له صور كثيرة جدًا، والآية تشمل الاعتداء في الدعاء، والاعتداء في غيره.
من الاعتداء في الدعاء مثلاً: أن يسأل شيئًا يمتنع قَدَرًا، وكونًا، أو يمتنع شرعًا، فلو أنه سأل مثلاً: أن يدخل الكفار الجنة، مثلاً، أو أن يخلِّد مؤمنًا في النار، هذا اعتداء.
الدعاء هنا: وَادْعُوهُ خَوْفًا وطَمَعًا [الأعراف: 56] يشمل النوعين:
ادعوه: دعاء المسألة، يعني اسألوه خوفًا، وطمعًا، حال كونكم خائفين، وطامعين.
وكذلك دعاء العبادة، ادعوه يعني اعبدوه خوفًا، وطمعًا.
فالدعاء يأتي بمعنى هذا، وهذا.
يعني حينما يأمر الله بالخوف، الخوف يقع في قلب الإنسان من غير إرادته، يعني يتسلل الخوف إلى قلبه من غير إرادة، فمثل هذا كيف يؤمر به، وليس بمقدور العبد؟ والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد ذكرت في بعض المناسبات قاعدة، وهي:
"أن خطاب الشارع إذا توجه إلى المكلف في شيءٍ غير مقدور له فإنه ينصرف إما إلى سببه، أو إلى أثره".
ومثَّلت بأثره بانصرافه إلى أثره بقوله: وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2].
الرأفة تقع في القلب من غير إرادة، فينصرف إلى الأثر، بتخفيف الحد، أو تقليله، أو إلغائه، رأفةً بهذا المحدود.
وأما انصراف ذلك إلى السبب الموجب لهذا الشيء فمثل هذا الموضع، حينما يأمر الله بالخوف، أو بأن يُدعى، أو يُعبد، أو يُسأل خوفًا في حال الخوف، فقد يسأل إنسان، ويريد أن يكون بهذه الصفة، أو الحال، ولا يستطيع، فيتوجه ذلك إلى السبب، يعني تحصيل ما يوجب الخوف، هذا الذي يذكره هنا، فإن موجب الخوف معرفة سطوات الله، وشدة عقابه، يعني إذا عرف أن الله شديد العقاب، وأنه قادرٌ على أخذه، ونحو ذلك خاف.
هو هذا، يعني هذا السبب الجالب له.
هذا الحديث لا أصل له، ليس بحديث أصلاً، بعضهم قال: هو من كلام ثابت البناني - رحمه الله - .
وبعضهم قال: بأنه من كلام مُطرِّف بن عبد الله بن الشَّخير، فهو ليس من كلام النبي ﷺ فلا أصل له.
ذكرت الكلام مفصلاً عن الخوف، والرجاء، وكلام أهل العلم فيهما في الكلام على الأعمال القلبية، فمنهم من يقول في حال السلامة، والعافية، والصحة يُغلِّب جانب الخوف، وعند الموت، والاحتضار يغلب جانب الرجاء لهذا الحديث: لا يموتن أحدكم إلا، وهو يحسن الظن بربه تعالى.
فهذا قولٌ لطائفةٍ كبيرة من أهل العلم، وبعضهم قال: لابد من استوائهما؛ لأن الله لم يُفصِّل، أمر بهذا، وهذا، وأثنى على من حقق الوصفين، فهما كالجناحين للطائر لا يطير إلا بهما، فلابد من الاعتدال بين الخوفِ، والرجاء.
"واعلم أن الخوف على ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون ضعيفًا يخطر على القلب، ولا يؤثر في الباطن، ولا في الظاهر، فوجود هذا كالعدم."
هذا حال كثير من الخلق.
والثانية: أن يكون قويًا فيوقظ العبد من الغفلة، ويحمله على الاستقامة.
وهذا هو المطلوب.
صحيح.
"والناس في الخوف على ثلاث مقامات:
فخوف العامة من الذنوب.
وخوف الخاصة من الخاتمة.
وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنيةٌ عليها."
هذا الكلام أن الخوف على ثلاث مقامات:
خوف العامة من الذنوب، يعني بمعنى أن العامة هؤلاء حينما تحصل منهم الجنايات يخافون العقوبة.
وخوف الخاصة يعني أصحاب الكمالات من الخاتمة، يعني هو يعمل بالأعمال الصالحة، ويستقيم على أمر الله لكن يخشى أن يسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل أهل النار، يعني هو ليس بصاحب جنايات، والذنوب فيخاف عقوبتها، يعني ليس بمُفرِّط مضيِّع، وإنما يخاف أن يسبق عليه الكتاب فيسأل ربه حسن الختام.
يقول: وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنيةٌ عليها، لاحظ الفرق، يقول الخاصة يخافون من سوء الخاتمة، ينظر إلى العاقبة، وخاصة الخاصة ينظر إلى السابقة، يعني ما سبق له في علم الله - والخاتمة مبنية عليها.
يعني بمعنى أن صاحب الذنوب، والمفرِّط المضيِّع، ونحو ذلك لا يفكر بهذه الطريقة بما سبق في علم الله بالنسبة له، وما يسبق عليه الكتاب، أو ينظر إلى الخاتمة، والعاقبة، وإنما هذه الجنايات التي يجنيها هو يخاف من أن يناله عقاب في الدنيا، أو في الآخرة بسببها، هذا معنى كلام المؤلف، وللحافظ ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "دار الهجرتين" كلام بنحو هذا، يعني ذكر هذه الفروقات في أحوال الخائفين.
وهذا الكلام له وجه، وقد تتداخل هذه الأحوال فقد يكون الإنسان في الوقت نفسه يخاف من تقصيره، وذنوبه؛ لأنه ما يخلو من تقصير، وذنوب، أيا كانت حاله، ويخشى أيضًا سوء الخاتمة بسبب ذنوبه، وتقصيره، فهو يخشى في الوقت نفسه الخاتمة كما يخشى ذنوبه.
وكذلك أيضًا إذا سمع النصوص الدالة على ما سبق في علم الله من أحوال العباد من جهة السعادة، والشقاوة خاف أن يكون ممن سبقت له سابقة الشقاوة، فهذه الأحوال قد تجتمع للعبد، ومهما كان من الخاصة، وخاصة الخاصة فهو لا يخلو من تقصيرٍ، وذنوب، فكل بني آدم خطَّاء، فيخشى ذنوبه، ويخشى مع ذلك سوء الخاتمة، وكذلك ما سبق في علم الله.
"والرجاء على ثلاث درجات:
الأولى: رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعته، وترك معصيته، فهذا هو الرجاء المحمود.
والثانية: الرجاء مع التفريط، والعصيان، فهذا غرور.
والثالثة: أن يقوى الرجاء حتى يبلغ الأمن، فهذا حرام."
الرجاء الصحيح هو الأول، يرجو الرحمة مع التسبب فيها بفعل الطاعة، وترك المعصية.
"والناس في الرجاء على ثلاث مقامات:
فمقام العامة: رجاء ثواب الله.
ومقام الخاصة: رجاء رضوان الله.
ومقام خاصة الخاصة: رجاء لقاء الله حبًا، وشوقًا إليه."
وهذا الكلام غير صحيح، هذا غير صحيح، وهي من اللوثات الصوفية، وقد أشرت إلى هذا في الكلام على الكتاب قبل الشروع في شرحه، وذكرت أشياء أنه لربما يذكر أشياء من قضايا السلوك، وهذا خارج عن التفسير، ليس من التفسير، وفي بعض ذلك يوجد بعض عبارات الصوفية، مثل هذا.
فالآية هنا نصٌ في الخوف، والرجاء: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةًوخِيفة [الأعراف: 55].
فالخوف من عقابه، والرجاء لثوابه، والله - تبارك، وتعالى - قد أثنى على من كان متصفًا بذلك متحققا به: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء: 57].
يعني الذين يدعوهم الكفار من الملائكة، والمسيح ونحو ذلك من أولياء الله تعالى، هم بهذه المثابة وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخَافُونَ عَذَابَهُ فهذه هي أحوال أهل الكمال: الجمع بين الخوف، والرجاء، فلا يُقال بأن رجاء العامة الثواب، الكل يرجو الثواب.
"إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] حُذِفَت تاء التأنيث من قريب، وهو خبرٌ عن الرحمة، على تأويل الرحمة بالرحم، أو الترحم، أو العفو، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، أو لأنه صفة الموصوف محذوفٌ تقديره، شيءٌ قريب، أو على تقدير النسب أي ذاتِ قرب.
وقيل: قريبٌ هنا ليس خبرٌ عن الرحمة إنما هو ظرفٌ لها."
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] يعني من المحسنين في عبادته، ومن المحسنين إلى عباده، يقول: حُذِفَت تاء التأنيث من قريب، وهو خبرٌ عن الرحمة، يعني باعتبار أن الرحمة لفظ مؤنث، فجاء الخبر عنها مذكرًا، قريب، يقول: على تأويل الرحمة بالرَّحِم إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ تأويلها بالرَّحِم، الرَّحِم مذكر، أو العفو فهو مذكر، أو أنها في معنى الغفران فهو مذكر، وأحسن من هذا ما قاله ابن كثير - رحمه الله -[41] بأن الرحمة أن رحمة الله مضمنة معنى الثواب، أو لأنها مضافة إلى الله - تبارك، وتعالى - رحمة الله، فهي صفةٌ من صفاتهِ فجاء التذكير بهذا الاعتبار.
يقول: أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، التأنيث غير حقيقي، التأنيث لفظي، وبالتالي يصح أن يكون الوصف بالمذكر، وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله -[42] وجها آخر، وهو أن هذا التذكير قريب للدلالة على قربه - تعالى - منهم من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر؛ لكونه تبعًا له.
يعني للدلالة على قرب الله فذكر رحمته، ورحمته صفة من صفاته، وصفاته ملازمة لذاته، فقال: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ فدل بهذه اللفظة المذكرة على قربه - سبحانه، وتعالى - أشار إلى ذلك بذكر رحمته، فلما جاء التذكير عُرِف من ذلك قربه - سبحانه، وتعالى - فأفاد التذكير هذا المعنى، هذا ما أشار إليه الحافظ ابن القيم - رحمه الله - أن ذلك من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر.
يقول المؤلف: أو لأنه صفة موصوف محذوفٌ تقديره، شيءٌ قريب، إن رحمة الله شيءٌ قريب، وهذا بعيد؛ لأن الأصل عدم التقدير.
يقول: أو على تقدير النسب أي: ذاتِ قرب، وهذا أيضًا يحتاج إلى تقدير، والأصل عدم التقدير؛ لأنه إذا دار الكلام بين التقدير، والاستقلال يعني بين الإضمار، والاستقلال فالأصل الاستقلال، في قرب النسب يقال: فلانة قريبة مني، هذا قرب النسب، قريبة مني، أما إذا كان قرب المكان، فيجوز الوجهان في اللغة، هذا قاله الفرَّاء، يقال: دار فلان قريبٌ مني، ودار فلان قريبةٌ مني إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] وهنا ليس قرب نسب، وعلى هذا يصح أن يقال: إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين، أو قريبةٌ من المحسنين، بهذا الاعتبار.
يقول: وقيل قريبٌ هنا ليس خبرًا عن الرحمة إنما هو ظرفٌ لها، يعني كأنه يقول: رحمة الله قريب، يعني كما في موضع قريب، وهذا لا حاجة إليه - والله أعلم - .
الرياح يقول: قرئ بالجمع، هذه قراءة الجمهور؛ لأنها رياح المطر، وما ذكره من الاطراد هنا إذا كانت للرحمة يقال: رياح، وإذا كانت للعذاب يقال: ريح، بالإفراد، هذا يمكن أن يقال باعتبار أنه الغالب، قد جاء نحو ذلك عن ابن عباس - ا -[44] يعني التعبير بهذا الرياح إذا كانت للرحمة، وبالريح إذا كانت للعذاب، والحديث ثابت صحيح: اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا.
لكن هذه القراءة المتواترة الأخرى قرأ بها ابن كثير، وحمزة، والكسائي بالإفراد: (وهو الذي يرسل الريح)، فهذا يدل على ما ذكرت من أن الغالب ذكر الريح للعذاب، والرياح للرحمة، لكنه ليس دائمًا، ويدل على أنه ليس بدائم أيضًا غير هذه القراءة المتواترة، كذلك قوله: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ [يونس: 22].
فقال عن هذه، وهذه ريح، لكن الغالب ما ذُكِر - والله أعلم - .
"وقرئ بالإفراد، والمراد الجنس، وقرئ نشرا بفتح النون، وإسكان الشين، وهو على هذا مصدرٌ في موضع الحال، وقرئ بضمهما، وهو جمع ناشر.
وقيل: جمع منشور، وقرئ بضم النون، وإسكان الشين، وهو تخفيفٌ من الضم، كــ: رُسُلٍ، ورُسْل، وقرئ بالباء في موضع النون من البشارة."
يقول: وقرئ نشرا، هذه قراءة حمزة، والكسائي، يقول: وهو على هذا مصدرٌ في موضع الحال، مصدر نشرت الريح السحاب نشرا، والمعنى: يرسل الرياح ناشرةً للسحاب، وبعضهم يقول: النشر صنف من الرياح الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب، ولهذا فسرها ابن جرير - رحمه الله - بالطيبة[45] يعني هو الذي يرسل الرياح نشرا، بالريح، أو الرياح الطيبة، التي اللينة، فهي التي تنشئ السحاب، يرسل الرياح نشرا.
يقول: وقرئ بضمهما، نُشُرا، وهذه قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وهو جمع ناشر، فجعل الريح ناشرة للأرض، يعني محييةً لها باعتبار أنها تأتي بالمطر الذي يكون النبات به، نُشُرا، يقول: جمع ناشر، وقيل جمع منشور، نُشُرا جمع منشور أي: أن الله أحيا الريح إذ بعثها لتأتي بين يدي رحمته، فهي ريحٌ منشورة، يعني محيية، نُشُرا يعني إما أن تكون باعتبار أنها ناشرة، أو جمع منشور، نُشُرا.
يقول: وقرئ بضم النون، وإسكان الشين، نُشْرا، هذه قراءة ابن عامر، يقول: وهو تخفيفٌ من الضم، كـــ: رُسُلٍ، ورُسْل، يعني باعتبار أنها بمعنى القراءة السابقة، نُشُرا، فخففت نُشْرا، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في هذه القراءة نُشْرا، قال: "أي ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر"[46].
يقول: وقرئ بالباء، هذه قراءة عاصم، في موضع النون، يعني بشري، بشرا بين يدي رحمته، من البشارة، يعني مبشرات بالغيث وَمِنْ آيَاتِهِ أن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ولِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الروم: 46].
فهي تنشر السحاب، وتُبشِّر أيضًا بالغيث، باعتبار هذه القراءات.
فالرحمة هنا المطر.
أَقَلَّتْ: حملت.
" سَحَابًا ثِقَالاً لأنها تحمل الماء فتثقل به.
سُقْنَاهُ الضمير للسحاب.
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ يعني: لا نبات فيه من شدة القحط، وكذلك معناه حيث، وقع.
فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ الضمير للسحاب، أو البلد على أن تكون الباء ظرفية."
فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ الضمير للسحاب، فأنزلنا، الأصل توحيد مرجع الضمائر، سقناه يرجع للسحاب، فأنزلنا به الماء الضمير للسحاب، أو البلد على أن تكون الباء ظرفية فأنزلنا به الماء، وهذا خلاف الأصل بناءً على القاعدة أن: "الأصل توحيد مرجع الضمائر".
كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى يقول: تمثيلٌ لإخراج الموتى من القبور بإخراج الزرع من الأرض، كما قال الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39] فهذا كثير في القرآن أن الله - تبارك، وتعالى - يذكر إحياء الأرض بالمطر دليلاً على قدرته - تبارك، وتعالى - على إحياء الموتى.
يقول: وقد وقع ذلك في القرآن في مواضع منها:
كذلك النشور: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر: 9] كذلك النشور مثل إحياء هذه الأرض الميتة بالمطر.
كذلك في قوله: كذلك الخروج: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وحَبَّ الْحَصِيدِ والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق: 9 - 11].
وَالَّذِي خَبُثَ يعني ردأت تربته، وملحت مشاربه.
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف: 58] حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى، والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب، يعني أرض صلبة تمسك الماء من الجدب، وهو القحط - يعني كأنها لصلابتها لا تنبت - أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا، ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان - جمع قاع، وهي الأرض المستوية التي لا نبات فيها - لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به فعلم، وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به[47].
هنا على اعتبار أن قوله: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا باعتبار أنه مثل، فيكون بمعنى هذا الحديث، يكون الحديث تفسيرًا له، والنبي ﷺ لم يذكر الآية، لكن باعتبار أنه مثل يكون هذا الحديث مبينًا له.
جاء عن ابن عباس - ا - قال: "هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة، التي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث"[48].
فهذا باعتبار أنه مثل قاله ابن عباس - ا - وهو اختيار ابن جرير[49] وابن القيم[50] والشيخ محمد الأمين الشنقيطي[51] رحم الله الجميع، أن هذا مثل مع أنه ليس فيه تصريح بلفظ المثل أبدًا، وليس فيه ذكر كاف التشبيه، أو ما يدل على التشبيه، أو لفظة "مثل" فالأمثال في القرآن على أنواع، منها ما يصرح به بلفظ المثل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة: 17].
في أوله، وقد يكون في آخره عن التصريح، وقد يكون بذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ [النور: 40] مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور: 35] هنا ذكر مثل ذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور: 40] ذكر كاف التشبيه.
وأحيانًا لا يُذكر لا هذا، ولا هذا: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ، أو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ والْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17].
فهنا جاءت لفظة: يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ والْبَاطِلَ يعني ضرب المثل، لكنه لم يصرح بمثل.
أحيانًا لا يذكر ما يُشعِر به إلا ما قد يفهم من السياق، مثل هذا الموضع، وقد تكلمت على الأمثال تفصيلاً، وذكرت في مقدماتها في مجالس هذا المعنى، وأنواع هذه الأمثال في القرآن، ولعلها تُطبع قريبا إن شاء الله.
يقول: بإذن ربه عبارة عن السهولة، والطيب إلى آخره.
يقول: وأن يكون تمكينًا للقلوب فقيل على هذا: الطيب قلب المؤمن، والخبيث قلب الكافر، أو المنافق، وقيل هما الفَهِم، والبليد.
وقيل من جهة قبول الوعظ من عدمه، وقيل هو مثل للطيب، والخبيث من بني آدم عمومًا.
حيث وقع يعني في أي موضع في القرآن يعني من غير استثناء لبعض المواضع، بالخفض، (مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ)، على اللفظ يعني تبعًا للفظ (مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ)، فيكون تبعًا لما قبله، "إلهٍ" هنا مجرور بـ "من" فــ "من" هذه حرف جر، من إلهٍ غيرِهِ.
أي قراءة الجمهور بالرفع على الموضع، قال: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] إله هذه هي في موضع رفع، يعني قبل دخول "من" الجارَّة: ما لكم إلهٌ غيرُه، فدخلت عليها "من" هذه فـ "إله" نكرة في سياق النفي، فدخلت عليها "من" لتنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم.
ولهذا يقولون عن "من" هذه بأنها صلة يعني زائدة، لتنصيص العموم يكون نصًا يعني تقوية العموم مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ أصلها: ما لكم إلهٌ غيرُهُ، فعلى قراءة الجمهور: غيرُهُ يرجع إلى موضع إله، فهو في موضع رفع، فلما دخلت عليه "من" هذه الزائدة إعرابًا صار في موضع خفض، إلهٍ، فقال: غيرُهُ إعادة إلى موضع إله، الذي هو الرفع، لا على لفظه، وعلى قراءة الكسائي يكون بالخفض إتباعًا للفظ قبله بالجر.
وسبق هذا في الغريب، وفي غيره، سموا بذلك إما لأنهم يملؤون العيون هيبةً، أو المجالس صدور المجالس إذا حضروا، أو لأنهم مليؤون يعني بما يُحتاج إليهم فيه من الرأي، ونحو ذلك النظر في الأمور، الخبرة، والفرَّاء يقول: "الملأ الرجال في كل القرآن"[52] يعني لا يكون أهل الرأي، والمشورة، ليتمالؤون على الأمر، ويدبرون ليسوا من النساء في كل القرآن الملأ من الرجال، وكذلك القوم، والرهط، والنفر، كل ذلك للرجال.
قوله هنا: ليس بي ضلالة: يقول إنما قال ضلالةٌ، ولم يقل ضلالٌ كقولهم يعني حينما قالوا: نراك في ضلال، قال: لأن الضلالة أخص من الضلال، كما إذا قيل لك: أعندك تمر؟ تقول: ما عندي تمرة فتعم بالنفي، فيكون بهذا الاعتبار نفى أن يلتبس به، ويختلط به ضلالةٌ ما واحدة فإذا انتفى عنه فرد واحد من أفراد الضلالة فانتفاء غيره أنفى، وأنفى، يعني من باب أولى، يعني ليس بي نوعٌ من أنواع الضلالة البتة، فيكون هذا أبلغ في عموم السلب، فالضلالة هنا أخص من الضلال فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيءٌ من الضلال.
وبعضهم يقول: الضلالة أدنى من الضلال، وأقل؛ لأنها لا تُطلَق إلا على الفعلة الواحدة منه، وأما الضلال فيطلق على القليل، والكثير من جنسه، ونفي الأدنى أبلغ من نفي الأعلى، لا من حيث كونه أخص، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، هذا ذكره جماعة من المفسرين.
وبعضهم يقول: الضلالة مصدر مثل: الضلال، وتأنيثه لفظي محض، والتخالف بينهما إنما هو مجرد تفنن بالعبارة - والله أعلم - وهذا يقوله ابن عاشور - رحمه الله -[53] يقول: هو مجرد تفنن في العبارة، وإلا المعنى واحد.
أُبَلِّغُكُمْ يقول: قرئ بالتشديد، هذه قراءة الجمهور أُبَلِّغُكُمْ.
والتخفيف هذه قراءة أبي عمرو، (أُبْلِغُكُمْ) المعنى واحد لكن كما هو معروف يعني زيادة المبنى لزيادة المعنى، يعني ابلِّغكم يدل على كثرة التبليغ.
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً [الأعراف: 55] من صفاته، ورحمته، وعذابه
"أَوَعَجِبْتُمْ [الأعراف: 63] الهمزة للإنكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قال: أكذبتم، وعجبتم من أن جاءكم ذكر.
عَلَى رَجُلٍ على لسان رجل. فِي الْفُلْكِ: يتعلق بـ معه، والتقدير استقروا معه في الفلك، ويحتمل أن يتعلق بـ انجيناه عَمِينَ [الأعراف: 64] جمع عمٍ، وهو من عمى القلب."
يقول: بأن تبارك لا يأتي بغير الماضي، وأما بارك فإنه يأتي متصرفًا يبارك، ونحو ذلك، هذا صحيح، ويفرق بين تبارك، وبارك، بارك يبارك مباركةً - والله أعلم - .
- تفسير ابن كثير (3/422).
- الوجيز للواحدي (ص: 396)، والتفسير الوسيط للواحدي (2/372).
- طريق الهجرتين، وباب السعادتين (ص: 384).
- تفسير السعدي (ص: 290).
- العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (3/301).
- التحرير، والتنوير (8 - ب/146).
- تفسير ابن كثير (3/422).
- تفسير مقاتل بن سليمان (2/39).
- الوجيز للواحدي (ص: 396).
- طريق الهجرتين، وباب السعادتين (ص: 384).
- العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/315).
- انظر: تفسير الطبري (10/230)، وتفسير الطبري (20/642).
- تفسير الطبري (10/238).
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/470)، وتفسير مجاهد (ص: 337).
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/470).
- أخرجه مسلم، في أوائل كتاب الزهد، والرقائق، برقم (2968).
- نشر البنود على مراقي السعود (1/66).
- أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب التسبيح، والدعاء في السجود، برقم (817)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع، والسجود، برقم (484).
- تفسير ابن كثير (1/213).
- تفسير البغوي (1/78).
- تفسير السعدي (ص: 48).
- انظر: مجموع الفتاوى (5/519).
- مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية، والمعطلة (ص: 372).
- انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (2/159)، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية، والمعطلة (ص: 386).
- الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص: 40)، والعرش للذهبي (1/197).
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة، والجماعة (3/441)، برقم (664).
- انظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص: 79).
- لم أقف عليه.
- العرش للذهبي (1/192).
- انظر: العرش للذهبي (2/178)، وأقاويل الثقات في تأويل الأسماء، والصفات، والآيات المحكمات، والمشتبهات (ص: 120).
- انظر: مجموع الفتاوى (5/519).
- انظر: العلو للعلي الغفار (ص: 194).
- العرش للذهبي (1/212).
- تفسير الزمخشري (2/109).
- تفسير الطبري (10/249).
- مجموع الفتاوى (15/22).
- بدائع الفوائد (3/13).
- أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الإسراف في الماء، برقم (96)، وأحمد في المسند، برقم (16796)، وقال محققوه: "حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد الرقاشي" والحاكم في المستدرك، برقم (1979)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (86).
- انظر: المقاصد الحسنة (ص: 555)، برقم (909).
- أخرجه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، برقم (2877).
- تفسير ابن كثير (3/429).
- انظر: بدائع الفوائد (3/17).
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (11533)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، برقم (2456)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (5600).
- تفسير ابن كثير (4/530).
- تفسير الطبري (10/252).
- تفسير ابن كثير (3/430).
- أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم، وعلم، برقم (79)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث به النبي ﷺ من الهدى، والعلم، برقم (2282)، واللفظ لمسلم.
- تفسير الطبري (10/258).
- تفسير الطبري (10/258).
- إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/108).
- انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/13).
- اللباب في علوم الكتاب (4/261).
- التحرير، والتنوير (8 - ب/192).