الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(009) من قوله تعالى (..يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر..) الآية 157– إلى قوله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم..) الآية 171
تاريخ النشر: ٢٧ / رجب / ١٤٣٩
التحميل: 662
مرات الإستماع: 549

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما

فاللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والحاضرين، والمستمعين، ولجميع المسلمين.

قال الإمام ابن جزي - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى:

يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف: 157] يحتمل: أن يكون هذا من وصف النبي ﷺ في التوراة، فتكون الجملة في موضع الحال، من ضمير المفعول في يَجِدُونَهُ [الأعراف: 157] أو تفسير لما كتب من ذكره، أو يكون استئناف وصفٍ من الله - تعالى - غير مذكور في التوراة، والإنجيل.

هذه الاحتمالات الثلاثة، واردة لهذا الموضع - والله تعالى أعلم -.بأن يكون ذلك من جملة ما يجدونه في التوراة، والإنجيل في وصف النبي ﷺ أي: يجدونه آمرًا لهم بالمعروف، ناهيًا لهم عن المنكر، أو يكون من قبيل التفسير لما كُتِب من ذكره، فهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة، والإنجيل، ففسر ذلك بأنه يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، أي: يكون استئنافًا من الله - تبارك، وتعالى - بمعنى أنه انتهى الكلام عن ذكر وصفه في التوراة، والإنجيل، ثم بعد ذلك ذكر الله من صفة نبيه ﷺ أنه يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر؛ لأنه ذكر قبل ذلك الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف: 157] فهو يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر - والله أعلم -.

قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [الأعراف: 157] مذهب مالك[1]: أن الطيبات هي الحلال، وأن الخبائث هي الحرام، ومذهب الشافعي[2]: أن الطيبات هي المستلذات، إلا ما حرمه الشرع منها، كالخمر، والخنزير، وأن الخبائث هي المستقذرات، كالخنافس، والعقارب، وغيرها.

قال: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ الطيبات هي الحلال، وبعضهم يقول: أو ما استطابته العرب مما لم يحرم؛ لأن الأصل في الأطعمة الحِل، وهذا باعتبار أن أصل الطيب ما تستلذه، وتستطيبه الحواس، والنفس، وأن الخبائث هي الحرام، أو ما لا يوافق النفس من المحذورات، فالخبيث هو ما يُكره رداءةً، وخساسةً، فأصله الرديء الجاري مجرى خبث الحديد.

وهذه المسألة على كل حال ذكر المؤلف - رحمه الله - فيها مذهب الإمام مالك: وهو أن الطبيات هي الحلال، وأن الخبائث هي الحرام، يعني، وما عدا ذلك مما لم يُحرِّمه الشارع من الأطعمة فهو حلال، ولذلك كان مذهب المالكية من أوسع المذاهب، في باب الأطعمة، وتجد تفاصيل هذا في الكتب المدونة في الفقه المالكي، حيث يذكرون تفاصيل كثيرة مثلاً في أكل الحيَّات، والعقارب، والخنافس، وغير ذلك مما أُنزه أسماعكم عن ذكره يذكرون الفقهاء من المالكية - رحمهم الله - في أحكام هذا مما لم يرد فيه نص، فمذهبهم في هذا، واسع.

ثم ذكر مذهب الشافعي: هو أن المراد بالطيبات هي المستلذات، إلا ما حرمه الشرع منها، كالخمر، والخنزير، وأن الخبائث هي المستقذرات، كالخنافس، والعقارب، وغيرها، يعني على عكس مذهب المالكية، فتكون كل هذه الحشرات، والمستقذرات، ونحو ذلك، محرمة؛ لكن عند ما يقال بأن هذا مستقذر تختلف أنظار الناس، وأذواقهم في ذلك، تعرفون أمم شرقية يأكلون كل شيء، فهم يأكلون الحشرات، ويتلذذون في أكلها، وربما شاركهم في أكلها بعض من يرد بلادهم من غير المسلمين، فهذه بأي ذوق يقال بأنها مستقذرة؟ يقولون: أعدل الأذواق، وهو ذوق العرب، فما استقذره العرب فهو داخلٌ في الخبائث، وإلا فهو من الطيبات، ولا عبرة بما شذَّ عن ذوق العرب.

وذكرتُ في بعض المناسبات قول الأصمعي - رحمه الله - لما سأل أعرابيًا: ما تأكلون في الصحراء؟

قال: نأكل ما هبَّ، ودبَّ، ودرج إلا أم حُبين، قال: فلتهنأ أم حُبين العافية[3] يعني أن سلمت منكم، فهم يأكلون كل شيء، إلا أم حُبين، وهي دويبة مثل الوزغ هذه التي يتقونها، وما عدا ذلك فهم يأكلونه، فيدخل في ذلك جميع أنواع الحشرات، وبعض الناس يقولون: كل ما كان أصغر منك فكل، وهذا لا عبرة به.

فالأقرب أن الطيبات هي الحلال، والحلال بابه، واسع، فالحلال ما أحلَّه الله مما لم يكن محرمًا، ولا ضارًا، ولا مستقذرًا، فهذا هو الحلال - والله أعلم -.

وأما الخبائث فهو ما حرمه الشارع، والمستقذرات، وما ثبت أن ضرره أغلب من نفعه، فهذا لا يجوز أكله، وهو من جملة الخبائث.

والحافظ ابن كثير - رحمه الله - حمل ذلك على أنه يُحل لهم ما كانوا حرَّموه على أنفسهم من البحائر، والسوائب، والوصائل، والحام[4] ونحو ذلك، فهم قد كانوا حرَّموا أشياء، فقال: يُحل لهم الطيبات، يعني التي حرَّموها على أنفسهم، ويحرِّم عليهم الخبائث، باعتبار أن الطيبات أصلاً حلال، فكيف يحلَّها لهم، وهي حلال؟ هذا باعتبار أنهم حرَّموا ذلك على أنفسهم، أي أهل الجاهلية؛ لأن السورة مكية، لكن الآية تتحدث عن أهل الكتاب: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ فالله - تبارك، وتعالى - حرَّم على اليهود طيبات أُحلَّت لهم عقوبةً لهم، فيكون هذا التحليل لتلك الطيبات التي حُرِّمت عليهم.

ولا يبعد أن يكون المعنى أعم من هذا، فهو يحل لهم الطيبات التي حرَّموها على أنفسهم، وكذلك سائر الطيبات؛ لأن التحليل إنما يرجع إلى الشرع، وإذا قلنا: إنه يرجع ذلك إلى الشرع فبأي اعتبار قلنا بأن الخبائث يدخل فيها المستقذرات؟ باعتبار أنها مستخبثة؛ لأن ذلك يُؤخذ من وصف وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.

والله تعالى يقول: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة: 4] وهذا في المائدة، وهي من أواخر ما نزل في المدينة الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة: 5] فاستعمل لفظ التحليل (أُحِلَّ)، وهكذا يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ فالحلال هو أحد أقسام الحكم التكليفي الخمسة، فهو حكم شرعي قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا الآية [الأنعام: 145] فدلَّ على أن الأصل في المطعومات الحِل، وهذا غير القاعدة المعروفة أن الأصل في الذبائح المنع، فذاك في الذبائح، وهنا في عموم المطعومات، والله - تبارك، وتعالى - يقول: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام: 146] الآية، فهذا من الطيبات التي حرمها الله عليهم فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا [النساء: 160].

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الخبائث نوعان:

وذكر النوع الأول: وهو ما كان خبثه لعينه، لمعنًى قام به، مثل الدم، والميتة، ولحم الخنزير، وما خبثه لكسبه، كالمأخوذ ظلمًا، أو بعقدٍ محرَّم، كالربا، والميسر، ونحو ذلك[5].

وهذا في عموم المحرمات، يعني المحرم لذاته، والمحرم لكسبه، فلذلك يقولون: المحرم لذاته لا يحل بأي طريقٍ كان، لا بالهبة، ولا بالبيع، ولا بالميراث، وأما المحرم بكسبه فهو محرم على من اكتسبه بطريقٍ محرم، لكن من، وصل إليه بطريقٍ صحيح فليس بحرامٍ عليه؛ ولذلك كان اليهود يتعاملون بالربا، وكان النبي ﷺ يتعامل معهم بالبيع، والشراء، والقرض، ونحو ذلك.

قوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف: 157] هي مثل لما كلفوا في شرعهم من المشقات، كقتل الأنفس في التوبة، وقطع موضع النجاسة من الثوب.

قال: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الإصر: هو العهد الثقيل الذي أخذه الله - عليهم من العمل بما في التوراة من الواجبات الثقيلة، والمحرمات الشديدة، التي كانت كالقيود على أعناقهم.

وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فالغُل ما يوضع في العنق، وذكر شيخ الإسلام - رحمه الله - نحو ما ذكرت، وأن الإصر هو الشيء الثقيل، والشدة، وأن هذا شأن ما، وجب، وأن الغُل يمنع المغلول من الانطلاق[6] وهذا شأن المحذور، يعني شيخ الإسلام كأنه اعتبر بأن الإصر هو الشيء الثقيل الشديد، وأن هذا يتصل بالواجبات، والمأمورات، وأن الأغلال هي التي تُقيِّد المغلول، ومن ثمَّ فإن هذا شأن المحذورات، فكان عليهم من الواجبات ما هو ثقيل، وأيضًا، وُجِد من المحذورات ما هو شديد أيضًا؛ فقال: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فهذا كله يدل على أن المراد بأهل الكتاب، وليس بالمشركين، كما قال ابن كثير - رحمه الله - بأن ذلك يرجع إلى ما حرَّموه على أنفسهم من السائبة، والبحيرة، والحام، ونحو ذلك[7].

وأصل الإصر يدل على العهد، يقول: "هي مثل لما كلفوا في شرعهم من المشقات، كقتل الأنفس في التوبة" وهذا في عبادتهم للعجل، حيث قال: فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة: 54] يعني فليقتل بعضكم بعضًا.

"وقطع موضع النجاسة من الثوب" حيث كان لا يُغسل، وإنما يُقطع، فهذا من التكاليف الشاقة التي كانت عليهم.

وكذلك الأغلال عبارة عما منعت منه شريعتهم، كتحريم الشحوم، وتحريم العمل يوم السبت، وشبه ذلك.

الأغلال المنع، والآصار ذكر أنها التكاليف الشاقة، وهذا مثل كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - .

فالغُل مختص - كما سبق - بما يُقيَّد به، بحيث تُجعل الأعضاء مثلاً في، وسطه، أو في الرقبة، أو في اليدين.

قوله تعالى: وَعَزَّرُوهُ [الأعراف: 157] أي: منعوه بالنصر، حتى لا يقوى عليه عدو.

وَعَزَّرُوهُ أي: منعوه بالنصر، والتعزير يأتي بمعنى النصرة مع التعظيم، وقد ذكر بعض أهل العلم أن أصل العزر: المنع، أي: منعوه من عدوه.

وأبو جعفر ابن جرير - رحمه الله - فسَّره بالتوقير، والتعظيم، والحماية من الناس[8] فجمع بين المعنين، وهذا أحسن؛ لأن التعزير يتضمن هذا، وهذا، ففيه معنى التعظيم، وفيه معنى المنع، فهم عظَّموه، وحموه، ومن العلماء من نظر منهم إلى معنى المنع فسَّره بما يرجع إلى ذلك، يعنى بعضهم مثلاً يقول: أيَّدوه، وقووه بما تضمنته كتبهم من البشارة بصفاته، وصفات شريعته، كما يقول صاحب التحرير، والتنوير[9].

فهو يُفرِّق بين التعزير، والنصر، باعتبار أن النصر هو الإعانة في الحرب بالسلاح، قال: "من أجل هذا عُطف عليه وَنَصَرُوهُ [الأعراف: 157]" فالعطف يقتضي المغايرة، فالنصر غير التعزير.

ولكن أصل العزر فيه معنى المنع؛ ولذلك في العقوبات غير الحدود التعزير؛ ولماذا قيل له ذلك؟ باعتبار أنه يمنع من، وقع عليه ذلك، أو يمنع غيره أيضًا، فيردعهم عن مواقعة ما لا يليق، فهذا معنى المنع وَعَزَّرُوهُ يعني منعوه، بمعنى حموه، وعظَّموه، والقرآن يعبَّر به بالألفاظ القليلة، الدالة على المعاني الكثيرة، فكل ذلك - والله أعلم - داخلٌ فيه.

وهنا فسَّره بالمنع، والتعزير يأتي بمعنى النصرة أيضًا مع التعظيم، كما سبق، لكن لما ذكر النصر بعده كان التعزير - والله أعلم - بمعنى الحماية، والتعظيم، أنهم منعوه من عدوه، ومنعه من عدوه يقتضي النصر، فيكون هذا في المنع، وذاك - أعني النصر - في التأييد، ونحو هذا.

قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف: 157] هو القرآن، أو الشرع كله، ومعنى مَعَهُ مع بعثه، ورسالته.

مع بعثه، ومع نبوته، والقرآن وصفه الله بأنه نور، كما قال: وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا [الشورى: 52].

قال: "أو الشرع كله" باعتبار أن الشرع يرجع إلى القرآن، فلا منافاة، ومعنى مَعَهُ قال: "مع بعثه، ورسالته" قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُّبِينٌ [المائدة: 15] فالنور هنا عطف عليه الكتاب، فما هذا النور؟ هل هو الشرع، أو أن هذا من باب عطف الأوصاف؟

فهذا كله يرجع إلى القرآن، فذكر أوصافه، كقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۝ ​​​​​ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى: 1 - 2] بدون عطف، ثم جاء بالعطف وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ ​​​​​ والَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [الأعلى: 3 - 4] فالأوصاف قد تتوارد بذكر العطف، وبدونه، كما قال الشاعر:

إلى الملك القرم، وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم[10].

وابن الهمام هو الملك، وهو القرم ذكرها بدون عطف، فكل هذا معروف يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا [النساء: 174] هو هذا القرآن وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى: 52] فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن: 8] وهو القرآن.

قوله تعالى: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158] تفسيره: قوله ﷺ : وكان كل نبيّ يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس كافة[11] فإعراب جَمِيعًا حال من الضمير في إِلَيْكُمْ.

إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا كما قال الله : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ [سبأ: 28] وكذلك قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: 1].

وقوله هنا: "قال ﷺ : وكان كل نبيّ يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة[12] وهذا من حديث جابر - ا - في الصحيحين.

وقوله: أعطيت خمسًا لم يُعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي[13] فهذا من خصائصه ﷺ أن دعوته عامة للثقلين، وفي حديث أبي هريرة أيضًا عن النبي ﷺ : والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار[14] فهذا يدل أيضًا على هذا المعنى، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة.

يقول: "جَمِيعًا حال من الضمير في إِلَيْكُمْ" الذي هو الكاف.

قوله تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ [الأعراف: 158] نعت لله، أو منصوب على المدح، بإضمار فعل، أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر.

اسم الجلالة في قوله: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا من الناحية لإعرابية مجرور، والَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ نعت له، في محل جر "أو منصوب على المدح بإضمار فعل" مثل: أعني، والتقدير: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا أعني الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ.

"أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر" يعني مبتدأ مقدَّر إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا هو الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ ونحو ذلك - والله أعلم -.

قوله تعالى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِماتِهِ [الأعراف: 158] هي الكتب التي أنزلها الله عليه، وعلى غيره من الأنبياء.

والشيخ أمين الشنقيطي - رحمه الله - عمم ذلك، وقال: بأن ذلك لا يختص بالكتب[15] وإنما كما قال الله : قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف: 109] وقوله: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان: 27] وقد ذكرت في بعض المناسبات بأن الكلمات تارةً يُراد بها الكلمات الكونية، التي يحصل بها الخلق، والإيجاد، والتدبير، وأمر الخليقة، ونحو ذلك، والنوع الثاني، وهي الكلمات الشرعية، آيات القرآن، والكتب المنزلة، فهذه كلماتٌ شرعية، فهنا: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِماتِهِ كلمات جمع مضاف إلى المعرفة، وهو الضمير، فهو يفيد العموم، ومن هنا حمله الشيخ أمين الشنقيطي - رحمه الله - على أعم معانيه، باعتبار أن الصيغة هنا صيغة عموم، فالكلمات تشمل الكونية، والكلمات الشرعية.

وذكرت في بعض المناسبات أن الكلمات الكونية أليق بمثل ما جاء في الحديث: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق[16] فهنا يصح أن يكون المراد الشرعية؛ لأنه استعاذ بها، والاستعاذة تكون بالصفة، وتكون بالله تقول: أعوذ بالله، أعوذ بعزة الله، فهذا لا إشكال فيه؛ لأن الصفات غير مخلوقة، لكنه لا تُدعى الصفة، فلا تقول: يا عزة الله، يا رحمة الله، ونحو ذلك، وإنما يُستعاذ بها، فتقول: أعوذ بوجه الله، أعوذ: بعزته، أعوذ بقدرته، أعوذ بعزة الله، وقدرته، من شر ما أجد، وأحاذر، ونحو ذلك، هذا لا إشكال فيه.

ويحتمل أن يكون المراد الكلمات الكونية، وهو أليق لماذا؟ لأنه يريد الحفظ، والمنع، فهذا أعلق بالكلمات الكونية، من حيث المراد - والله تعالى أعلم -.

وهكذا في قوله تعالى: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي [الكهف: 109] ولا يبعد هنا أن يراد بها: الكلمات الكونية، والكلمات الشرعية؛ لأنه يفيد العموم.

وبعضهم فسَّر يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِماتِهِ [الأعراف: 158] أي: بآياته، وهكذا قول من قال بأنها القرآن، فهو بنفس المعنى، وبعضه فسَّره بعيسى باعتبار أنه كلمة، فإذا حملناه على أعم معانيه، فيدخل فيه الكلمات الكونية، وعيسى قيل عنه: أنه كلمة باعتبار أنه، وُجِد بها - والله تعالى أعلم -.

قوله تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ [الأعراف: 159] هم الذين ثبتوا حين تزلزل غيرهم في عصر موسى، أو الذين آمنوا بمحمد ﷺ في عصره.

باعتبار أنهم كانوا على الإيمان، والتوحيد الخالص لله رب العالمين، قبل مبعث النبي ﷺ أو الذين آمنوا بمحمد ﷺ في عصره.

فقوله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ [الأعراف: 159] فلا يمكن أن يُوجد من هؤلاء بعد بعث عيسى مما كذَّبوه، ولا بعد بعث النبي ﷺ مما لم يؤمنوا به، فلا يمكن هذا، فإذًا هذا يصدق على من كان على الإيمان الصحيح قبل مبعث النبي ﷺ ومن الإيمان الصحيح التوحيد الخالص، والإيمان بعيسى وهذا بعد بعث عيسى وبعد بعث النبي ﷺ يكون أيضًا باتباعه، والإيمان به، فإنه لا يمكن الثناء على هؤلاء إذا كانوا غير مؤمنين بما يجب.

قوله تعالى: قَطَّعْناهُمُ [الأعراف: 160] أي: فرقناهم أَسْباطًا السبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب، وانتصابه على البدل من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لا على التمييز، فإن تمييز اثنتي عشرة لا يكون إلا بمفرد، وقال الزمخشري: على التمييز[17]؛ لأن كل قبيلة أسباطٌ لا سِبطٌ.

يقول: "الأسباط، السبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب" والسبط معلومٌ أنه يقال لولد الولد، يعني صاروا اثنتي عشرة أمة، من اثني عشرة، ولدًا، وهنا: وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا [الأعراف: 160] المقصود به القبائل، أو بمنزلة القبائل، كل سبط يرجع إلى أحد أولاد يعقوب .

يقول: "وانتصابه أسباطًا على البدل من اثنتي عشرة لا على التمييز، فإن تمييز اثنتي عشرة لا يكون إلا بمفرد" وكذلك أيضًا لكون المعدود أسباطًا مذكرًا، فكان التركيب: اثني عشر، ويحتمل أن يكون بدل من التمييز الـمُقدَّر، يعني ليس تمييز اثنتي عشرة، وإنما التمييز الـمُقدَّر اثنتي عشرة، يعني فرقة، أو أمة، لكن الأصل عدم التقدير.

قوله تعالى: فَانْبَجَسَتْ [الأعراف: 160] أي: انفجرت، إلا أن الانبجاس أخف من الانفجار، وقال القزويني: الانبجاس أول الانفجار.

البجس: انشقاق في قِربة، أو حجر، أو أرض، فينبع منها ماء، فهنا يقول: "أي انفجرت، إلا أن الانبجاس أخف من الانفجار" ونقل عن الغزنوي: أنه أول الانفجار، وفي سورة البقرة: فَانفَجَرَتْ [البقرة: 60] فهذا توجيه لهذا الموضع من المتشابه اللفظي، يعني لماذا قال هنا: فَانْبَجَسَتْ وهناك قال: فَانفَجَرَتْ؟ فيقولون: عُبِّر بالانبجاس باعتبار أنه أول الانفجار، ثم بعد ذلك اشتد، وقوي فعُبِّر عنه بالانفجار في سورة البقرة، فأصحاب المتشابه اللفظي يذكرون في ذلك أشياء، كأن يقولون: مثلاً أنه في سورة البقرة كان يعدد النعم عليهم، فكان اللائق ذكر الانفجار، وهنا يذكر مساوئهم، وما جازاهم به، وما عاقبهم، وما كان منهم من العنت مع نبي الله موسى فقال: فَانْبَجَسَتْ [الأعراف: 160] - والله أعلم -.

قوله تعالى: وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ [الأعراف: 160] وما بعده إلى قوله: بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف: 162] مذكور في البقرة.

الغمام مضى أنه سحاب أبيض، سُمي بذلك باعتبار أنه يغم السماء، أي يغطيها، فأصل الغم ستر الشيء، وهذا حينما كانوا في التيه، فكان يظللهم الغمام، من حر الشمس، وينزل عليهم المن، والسلوى، ومع ذلك عتو.

تنبيه: وقع اختلاف في اللفظ بين هذا الموضع من هذه السورة، وبين سورة البقرة: كقوله: (انفجرت)، و(انبجست)، وقوله: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا [البقرة: 58] وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا [الأعراف: 161] وقوله: وَكُلُوا [الأعراف: 161] بالواو، وفَكُلُوا [البقرة: 58] بالفاء.

فقال الزمخشري: لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هنالك تناقض[18] وعللها شيخنا الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير في كتاب ملاك التأويل[19] وصاحب الدرة[20] بتعليلات منها: قوية، وضعيفة، وفيها طول، فتركناها لطولها.

هذه التي يسمونها بالمتشابه اللفظي، وتوجيه المتشابه اللفظي؛ لماذا قال هنا كذا، وهناك كذا، ومثل هذا يعتني به مثل الغرناطي، في (ملاك التأويل)، وهو مطبوع في مجلدين، وكذلك أيضًا الإسكافي في (درة التنزيل، وغرة التأويل)، وهو مطبوع، وكذلك الكرماني في الكلام على المتشابه في (البرهان)[21] فهؤلاء يعتنون بهذا الجانب، وكذلك أيضًا زكريا الأنصاري، وأصحاب التفسير البلاغي، كالطاهر بن عاشور، وكذلك أيضًا صاحب البحر المحيط أعني أبا حيَّان - رحمه الله -[22] فيذكرون توجيهات لهذا، وما يذكره أحيانًا صاحب البحر المحيط نحو ذلك، وجيهة، وقصيرة.

وأما ما يذكره هؤلاء أعني الغرناطي، والإسكافي، والكرماني، وزكريا الأنصاري، فهم أولاً: ينقل بعضهم عن بعض كثيرًا، الأمر الثاني: أنه يوجد في هذا الكتب تكلُّفات، وتطويل، بحيث أنه لا يكاد يتصور القارئ هذا التوجيه إلا بعناء، وصعوبة، وتحتاج كد الذهن معه حتى تصل إلى فهم ما يريد، فهذا تكلُّف، ولا حاجة إليه، لكن إن كانت أشياء قد تكون ظاهرة، وجميلة، ورائقة فلا بأس.

يعني مثلاً في قوله: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [الكهف: 78] ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [الكهف: 82] لماذا قال هنا: تَسْتَطِع وتَسْطِع؟ فهذا يقولون: بأن ذلك لما خفي عليه علمه ثقل عليه، فزيد فيه الحرف تَسْتَطِع فلما عرفه خفَّ ذلك عليه، فقال: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع بعد ما عرف علة هذا، كأنه حِملٌ، وضعه عن عاتقه، وهذا معروف أن الإنسان حينما يتحير في شيء يثقل عليه، فإذا عرف خفَّ ذلك عليه، فمثل هذا لا بأس.

وهكذا في مثل قول الخضر: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 82] فَأَرَادَ رَبُّكَ [الكهف: 82] يُوجه بأنه أضاف العيب إلى نفسه، أما التكميل، والتتميم، وبلوغ الأشد، وأخذ المال، والكنز، ونحو ذلك، فهذا أضافه إلى الله .

ومثله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولَا الضَّالِّينَ [الفتحة: 7] فهنا جاء بما لم يُسم فاعله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ وَلَا الضَّالِّينَ أضاف ذلك إليهم، والهدى، والضلال من الله لكن صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفتحة: 7] فأضاف الإنعام إليه، فهذا لا إشكال، باعتبار أن ذلك من قبيل الأدب في العبارة، وهذا له نظائر، وهي لطيفة، وجميلة، وإن كان لا يُقطع بمثل هذه الملاحظ البلاغية.

لكن ما كان متكلفًا بصعوبة، ويبدأ أحيانًا يذكر الآيات قبلها، وتتحدث عن ماذا حتى يقال: لماذا عبَّر بهذه العبارة هنا، وفي الموضع الآخر؟ مما لا يخطر في البال، فهذا تكلُّف يُترك، ولا يُشتغل به.

فهذه الكتب التي أشرت إليها آنفًا فيها أشياء مفيدة، وفيها تكلُّفات كثيرة، فإذا رأيت التطويل في تأويل المتشابه، فأعلم أنه تكلُّف لا حاجة إليه.

ومما يذكرونه في فَانْبَجَسَتْ وفَانفَجَرَتْ هو ما أشرت إليه قبل قليل، فالانبجاس ابتداء الانفجار، والانفجار بعده، وغاية له، وبعضهم يقول: لما كان في سورة الأعراف طلب بني إسرائيل من موسى رضي الله عنهالسقيا، قال: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ [الأعراف: 160] ولما كان في سورة البقرة طلب موسى من ربه، قال: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة: 60] فطلبهم ابتداء، وناسبه الابتداء: الانبجاس، فهم الذين طلبوا، وطلب موسى هو غاية لطلبهم، فلما طلبوا منه سأل الله، وهو المذكور في البقرة، فناسب ذكر الانفجار الذي هو غاية الانبجاس، فهذا توجيه، ولا بأس به، وهو مما يُستملح، ومن مُلح العلم، وليس من صلبه، ولا يتوقف عليه المعنى، والتفسير - والله تعالى أعلم -.

وهكذا في قوله: كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] أسند الرزق إلى ضمير جمع العظمة للتأكيد تنبيهًا على ما يجب من شكره تعالى على ذلك كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وهكذا في قوله: وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل: 118] قدّم المفعول لإفادة القصر، فهذا كله مما يذكره أصحاب التفسير البلاغي - والله أعلم -.

لكن كل ما كان متكلَّفًا من هذه التوجيهات البلاغية، سواء في المتشابه اللفظي، أو في غيره، فإنه ينبغي الإعراض عنه؛ لئلا يكون الإنسان قائلاً على الله، وعلى كتابه بلا علم، ولا سيما ما عُلِم أنه، ورد مرة واحدة كبعض قصص الأنبياء، والقصص المذكورة في القرآن التي تكرر ذكرها، فهذه حينما يُقارن لماذا قال هنا كذا؟ ولماذا قال هنا كذا؟ أحيانًا تكون نفس العبارة التي قالها النبي في مقامٍ واحد فهذا باعتبار أن ذلك منقولٌ بالمعنى؛ لأنه كان بغير العربية، يعني مثل ما حصل من الكلام بين إبراهيم والملائكة - عليهم السلام - فهذا حصل مرة واحدة في موقف، وهي القصة المعروفة، حينما أرسلوا إلى قوم لوط لإهلاكهم، فأتوا على إبراهيم قبل ذلك، في الكلام الذي حصل، والبشارة التي حصلت، وما قالت امرأته، ونحو هذا، فهذا باعتبار أنه منقولٌ بالمعنى، فالتكلُّف أحيانًا لماذا قال هنا كذا؟ ولماذا قال هنا كذا؟ هي عبارة واحدة قيلت، لكن هذا منقولٌ بمعناه، والنقل لا شك أنه نقل كلام غير العربي إلى العربية، والعكس، لا بد أن يكون نقل بالمعنى، وليس بحروفه؛ ولهذا يتفاوت، فتارةً يذكر بعض ما يليق من التفاصيل بالقصة، والسياق الذي ذُكِرَ في السورة، وتارةً يذكر زيادةً، أو نحو ذلك في موضعٍ آخر يليق بالمقام - والله أعلم -.

وبعض هذه اللفتات جميلة جدًا، ولكن يرد عليها ما يشكل عليها، يقول ابن القيم - رحمه الله - مثلاً في قوله تعالى: فَصَكَّتْ وجْهَهَا وقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذاريات: 29]: هذا يؤخذ منه أدب المرأة المسلمة في الحديث مع الرجال، فعبَّرت بعبارتين فقط، كل واحدة كافية لانتفاء الحمل[23] عجوز فالعجوز لا تحمل، وعقيم فالعقيم لا تلد، لكن في الموضع الآخر قالت: قَالَتْ يَا ويْلَتَا أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ وهَذَا بَعْلِي شَيْخًا أن هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود: 72] فهذا كلام طويل، وهو نفس الموقف.

قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ [الأعراف: 163] أي اسأل اليهود على جهة التقرير، والتوبيخ عَنِ الْقَرْيَةِ [الأعراف: 163] قيل: هي أيله، وقيل: هي طبرية، وقيل: مدين.

يقول: عن القرية قيل هي أيله، هذا مروي عن جماعة من السلف كعكرمة، وقتادة، والسدي، ومجاهد[24] واختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[25] وأيله هي التي تعرف اليوم بالعقبة، على ساحل البحر الأحمر، شمالاً شمال البحر الأحمر، العقبة أيله وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف: 163] يعني أنها قرية، أو مدينة ساحلية، وقيل هي طبرية، وقيل مدين، وقيل مقناة، على كل حال مثل هذا لا حاجة إليه، يعني هذا الاشتغال بالتحليل لو كان فيه فائدة لذكره الله هذا الذي يسمونه المبهمات في القرآن، وقد مضى الحديث عن شيءٍ من هذا، وبعض المصنفات فيه، فالاشتغال بمثل هذا هو من فضول العلم، ليس من مُلَحِهِ، ولا من صلبه.

قوله تعالى: حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف: 163] أي قريبة منه، أو على شاطئه.

إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ [الأعراف: 163] أي: يتجاوزون حدّ الله فيه، وهو اصطيادهم يوم السبت، وقد نهوا عنه.

كما قال الله : وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ [النساء: 154] وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة: 65].

وفي الحديث حديث أبي هريرة مرفوعًا إلى النبي ﷺ: لا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ[26].

وموضع إذ بدل من القرية، والمراد أهلها، وهو بدل اشتمال، أو منصوب بكانت، أو بحاضرة.

يقول بدلٌ من القرية، والمراد أهلها؛ لأن القرية تطلق على البنيان، وتطلق على السكان، أهل القرية، يقول: هو بدل اشتمال، بدل الاشتمال هو بدل الشيء مما يشتمل عليه، بدل الاشتمال مُعتَرِفٌ أن البدل منه: ما هو البدل كل من كل، أو بدل بعض من بعض، أو بدل اشتمال هذا، أو بدل الغلط يعني كأن يستدرك، هذه الأربعة أنواع المعروفة في البدل، يكون التقدير على هذا: واسألهم عن أهل القرية، يعني يكون المعنى، واسألهم عن أهل القرية وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يعني أهل القرية وقت عدوانهم في السبت، وهذا ليس محل اتفاق على كل حال، مثل أبي حيان يعترض على هذا، ويقول: أو منصوبٌ بـ كانت، أو بـ حاضرة، يعني باعتبار أن إذ ظرف للحاضرة كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ.

قوله تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف: 163] كانت الحيتان تخرج من البحر يوم السبت حتى تصل إلى بيوتهم ابتلاء لهم إذ كان صيدها محرمًا عليهم في يوم السبت، وتغيب عنهم في سائر الأيام.

إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ الحيتان: السمك، وبعضهم يخصه بالعظيم من السمك كما هو الدارج الآن إذا قيل الحوت تتوجه الأذهان إلى العظيم من السمك، وإلا فأصله من الاضطراب، والروغان، السمك هذا حاله، لذلك يقول: هو مضطرب، مستمر دائمًا غير مستقر، ولهذا يقال: حاوتني فلان يعني راوغني مراوغة الحوت، المحاوته، المراوغة، السمك كثير الحركة، والاضطراب، ولا يفتر من ذلك.

وسبتهم مصدر من قولك: سبت اليهودي يسبت إذا عظَّم يوم السبت.

أصل السبت يأتي بمعنى القطع، كانوا ينقطعون من أشغالهم، ينقطعون من أعمالهم، فيسبتون، يعني يُفسَّر: يعظمون السبت فينقطعون فيه عن الأعمال، فكان يحرم عليهم العمل يوم السبت، فهذا أحد معانيه، يعني في أصله السبت، ويأتي بمعنى هذا، ويأتي بمعنى الفرس الذي لا يُسبق، والعَالِم الذي لا يجارى، ونحو هذا.

لكن هنا السبت القطع، ينقطعون عن الأعمال، والأشغال، يعني الدنيوية، يقول: مصدر من قولك: سبت اليهودي يسبت إذا عظَّم يوم السبت، يعني هو عظَّم يوم السبت بالتجرد فيه للعبادة، وبعضهم يقول هم اسم لليوم إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ يعني يوم السبت فأضافه إليهم لاختصاصهم بأحكامٍ فيه يَوْمَ سَبْتِهِمْ.

ومعنى شُرَّعا: ظاهرة قريبة منهم يقال: شرع منا فلان إذا دنا.

وجاء عن ابن عباس - ا - ظاهر على الماء، وذكر بعضهم أنها تصل إلى أبواب بيوتهم، وهذا قد يكون فيه مبالغة - فالله أعلم - تأتيهم شُرَّعا: ظاهرة على الماء قريبة الأخذ.

وإذ في قوله إِذْ تَأْتِيهِمْ منصوب بـ يعدون، أو بدل من إذ يعدون.

يقول: إذ في قوله إِذْ تَأْتِيهِمْ منصوبٌ بـ يعدون، يعدون إذ تأتيهم، أو بدل من إذ يعدون، منصوب بـ يعدون، يعدون إذ تأتيهم، أو بدل من إذ يعدون الأول.

قوله تعالى: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً [الأعراف: 164] الآية.

افترقت بنو إسرائيل ثلاث فرق: فرقة عصت بالصيد يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك، واعتزلت، وفرقة سكتت، واعتزلت، فلم تنه، ولم تعص، وأن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية، وطغيان العاصية قالوا للفرقة الناهية: لم تعظون قومًا يريد الله أن يهلكهم، أو يعذبهم، فقالت الناهية: ننهاهم معذرة إلى الله، ولعلهم يتقون، فهلكت الفرقة العاصية، ونجت الناهية، واختُلِفَ في الثالثة هل هلكت لسكوتها، أو نجت لاعتزالها، وتركها العصيان.

هو كما ذكر المؤلف - رحمه الله - وان الذين قالوا: لِمَ تَعِظُونَ هم من سكتوا؛ لأنهم قد أيسوا منهم، مع أن بعضهم قال بأن القائل ذلك: لِمَ تَعِظُونَ هم أهل الاعتداء، يعني بما أنكم تزعمون أن الله معذبنا فلم تعظوننا، لكن هذا بعيد، هذا غير صحيح.

يقول: فقالت الفرقة الناصحة: مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ والتقدير نصحنا، أو، وعظنا معذرةً، يعني من أجل الإعذار إلى الله - تبارك، وتعالى - ولعلهم ينتفعون بذلك.

وذكر الاختلاف في نجاة الفرقة التي لم تأمر، ولم تنه، ولم تقع في المعصية، هل نجوا، أو هلكوا.

بعض أهل العلم قال: بأنهم نجوا، وهذا جاء عن ابن عباس - ا - وجاء عن عكرمة أن ابن عباس - ا - كان مترددًا متوقفًا في هذه الفرقة هل نجت، أو لا، وأنه ما زال به حتى تبين له أنهم قد نجوا[27].

وعلل ذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -[28] يعني أنهم نجوا لكونهم كرهوا فعلهم، وقام بفرض الكفاية غيرهم، يعني فرقة قامت بالأمر، والنهي، والإنكار فتحقق فرض الكفاية، وهم لم يقعوا في نفس المعصية، فكيف يُعذَّبون معهم، لكن الله قال: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف: 165] هنا هم ما نهوا، فيبقى هذا السؤال، هل نجوا، أو لا، لأن الذي خصه الله بالنجاة هم الذين كانوا ينهون عن السوء، وسكت عن هؤلاء الساكتين، فالذين قالوا: بأنهم نجوا قالوا سكت عنهم، نوه بالذين أنكروا، وذكر نجاتهم، وأن هؤلاء سكتوا فسكت عنهم، يعني ما استحقوا التنويه بذكر نجاتهم، وذكر عقوبة المعتدين - والله أعلم -.

ويبقى على كل حال كون أن هؤلاء قاموا بفرض الكفاية هذا يشكل عليه يعني ما ذكره الشيخ الأمين - رحمه الله - أنه إذا كان المنكر لا يزال فإنه لا يكفي إنكار البعض، فيجب متابعة الإنكار حتى يزول، يعني لا تبرأ الذمة، طالما أن المنكر قائم، هذا أمر، والأمر الثاني، وهو أن هؤلاء سكتوا لأنهم قد يئسوا من هدايتهم، والعلماء مختلفون هل يجب الإنكار في حال اليأس، أو لا؟

هذه مسألة معروفة، فالذين يقولون لا يجب يحتجون بقوله تعالى مثلاً: فَذَكِّرْ إن نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى: 9] مفهوم المخالفة إن لم تنفع فلا تذكر.

والذين يقولون يجب يقولون: أن هذا من باب الاكتفاء فَذَكِّرْ إن نَفَعَتِ الذِّكْرَى أي، وإن لم تنفع، بأي اعتبار؟ باعتبار أنه ذكر أشرف الحالين لتدل على الأخرى، ذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع، وأن النصوص الواردة في الإنكار لم يرد فيها مثل هذا التفصيل، يعني أنه إن لم تنفع إن كان يائسًا فلا يجب عليه أن يأمر، بل يبقى هناك إبراء الذمة، وإقامة الحجة، وكذلك أيضًا إظهار الحكم الشرعي بحيث لا يندرس مع الوقت، ويظن الناس أن المنكر من المعروف إلى غير ذلك من المصالح الشرعية، فحتى محل اليأس فيجب الإنكار هذا هو الراجح مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ من أجل الإعذار إلى الله سيقوم بما يجب عليه يبرئ ذمته، فينجو من العذاب، ويبقى أيضًا الحق معلومًا، وظاهرًا لا خفاء فيه، ولا يلتبس بالباطل، فإذا سكت الناس فإنه لا يلبث أن ينشأ جيل على المنكر، ويعتقدون أنه من المعروف، والله المستعان.

على كل حال ابن عباس - ا - فيما أشرت إليه من توقف أولا في نجاتهم، ونحو هذا يقول: ما أدري أنجى الذين قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ، أو مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164] أم لا؟ يقول عكرمة فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا كساني حلة، يعني مكافأةً له.

قوله تعالى: (بِعَذَابٍ بَيسٍ) أي شديد، وقرئ بالهمز، وتركه، وقرئ على، وزن فعيل، وعلى، وزن فيعل، وكلها من معنى البؤس.

يقول: بعذابٍ بيس أي شديد، وقرئ بالهمز، هذه قراءة بالهمزة بعذابٍ بالهمزة بعذابٍ بئس، هذه قراءة ابن عامر في رواية أبي بكر عن عاصم بيأس، بعذابٍ بيأس، والقراءة التي نقرأ بها بعذابٍ بئيس، بئيس على، وزن فعيل، هذه قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي، وهي رواية عن نافع، عن طريق أبي قرة، وحفص عن عاصم بِعَذَابِۭ بَـِٔیسِۭ [الأعراف: 165] ورواية أبي بكر عن عاصم: بيأس، يقول: وكلها من معنى البؤس، وهو الشدة، والمكروه.

قراءة نافع هي هذه التي بُني عليها الكتاب: بِيس، وفي روايات خارجة بَيس، بعذابٍ بَيس، فصار عن الإمام نافع هذه الروايات الثلاث، لأن بئيس هي أيضًا رواية عن نافع، بئيس، وبِيس، وبَيس[29].

قال: وكلها من معنى البؤس، وهو الشدة، والمكروه، وبعضهم يقول غير هذا، يعني في التفريق بين هذه القراءات هل هي بمعنى واحد أو لا، يعني ما كان بالهمز هو الشدة، والمكروه، وبعضهم قد يحمل غير المهموز على الذم - والله أعلم -.

قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ [الأعراف: 166] أي لما تكبروا عما نهوا عنه.

العتو: النبو عن الطاعة، أصله يدل على استكبار، يعني تمردوا، وتجاوزوا ما نهوا عنه، في صيد السمك يوم السبت، كما قال ابن جرير، والنحاس، والقرطبي فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ تمردوا، تكبروا، واجترأوا على الصيد في ذلك اليوم.

قوله تعالى: فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: 65].

ذُكِرَ في البقرة، يعني ذليلين حقيرين مهانين.

ذُكِرَ في البقرة، والمعنى أنهم عُذِّبوا أولاً بعذاب شديد فعتوا بذلك فمسخوا قردة، وقيل: فلما عتوا تكرار لقوله فلما نسوا، والعذاب البيس هو المسخ.

قوله تعالى: تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف: 167] عزم، وهو من الإيذان بمعنى الإعلام.

تأذَّنَ يعني قال: عَزَمَ، يقول مجاهد: يعني أعلم وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ يعني أعلم، يقول ابن جرير: آذن، وأعلم، فالإيذان بمعنى الإعلام، آذنتكم على سواء بمعنى أعلمتكم، آذنتك بالأمر، والتأذن من قولك: لأفعلن كذا تريد به إيجاب الفعل يعني سأفعله لا محالة، ومن هنا فسَّره من فسره بالعزم.

 آذنتك بكذا، من قولك: لأفعلن الشيء الفلاني يعني كأنك تريد بذلك إيجاب الفعل أنك ستفعل ذلك جزمًا.

وأصل هذه المادة بمعنى العلم، يعني المعنى: واذكر حين أعلم ربك اليهود، ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، فالإيذان بمعنى الإعلام، والأذان يقولون: هو الإعلام بالوقت وقت الصلاة، وذكرت في بعض المناسبات أن هذا، وإن كان من معناه، ولكنه لا يلزم أن يكون إعلام بوقت الصلاة، فهو عبادة، ولذلك يجمع في الصلاتين في الجمع التأخير مثلاً، وقد لا يؤذن للصلاة في غير الجمع إلا مثلاً في حالة الإبراد مثلاً قد يؤذن لها في آخر الوقت، الصلاة أمامك، لما استأذن النبي ﷺ بالآذان لصلاة الظهر فما أذَّن إلا بعد دخول الوقت بكثير، يعني قبل العصر بمدة يسيرة، فلا يلزم أن يكون بكل حال هو إعلام بدخول الوقت، وهو عبادة بين يدي الصلاة، ففيه معنى الإعلام لكن ذلك غير لازم في كل الأحوال، وإن كان الفقهاء يذكرون هذا الكلام على الأذان، فقد يكون إعلام من قبيل الإعلام بالصلاة من غير الإعلام بالوقت، ولذلك لو فاتت الصلاة، وخرج الوقت، بأنهم ناموا عنها ما قاموا إلا بعد طلوع الشمس، يؤذنون، ولا ما يؤذنون؟ يؤذن، كذلك الأذان أيضًا في أحوال طرد الشيطان مثلاً هذا ليس بإعلام بوقت الصلاة، وكذلك من كان في فلاة ذكرها النبي ﷺ مثل هذا، وهو يؤذَّن، وهو واحد ولا يسمعه، يعني لا يرجو أن يجاب، ولا يسمعه الناس، ومع ذلك يؤذَّن، فهذه عبادة بين يدي الصلاة، يعني لا يلزم أن يكون ذلك من قبيل الإعلام بدخول الوقت في كل حال - والله أعلم -.

قوله تعالى: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ [الأعراف: 167] الآية، أي يسلط عليهم، ومن ذلك أخذ الجزية، وهوانهم في جميع البلاد.

أي نعم وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ أي يُسلط عليهم، ومن ذلك أخذ الجزية كما قال الله : وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء: 4] أي كأنه أعلمهم مؤكدًا لهم بأنه يُرسل، ويُسلط عليهم في الدنيا إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وهذا مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسُدِّي، ومجاهد[30].

وهذا التسليط بعضهم يقول بما، وقع من بختنصر، وبعضهم يقول: بغلبة العرب، أو أمة محمد ﷺ باعتبار أنهم الباقون إلى يوم القيامة إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف: 167] هكذا ذكر بعض أهل العلم كما ذكر ذلك القرطبي[31] والأحسن منه ما ذكره ابن عطية[32] أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، فلا يختص به العرب، وإنما، وقع ذلك قبلهم لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ فهي عامة.

يقول ابن كثير - رحمه الله - يقال أن موسى ضرب عليهم الخراج سبع سنين -  لاحظ ابن كثير يستعرض ما، وقع لهم قبل أمة محمد ﷺ وقيل ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين، والكشدانيين، والكلدانيين، ثم صاروا إلى قهر النصارى، وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية، والخراج، ثم جاء الإسلام، ومحمد ﷺ فكانوا تحت قهره، وذمته يؤدون الخراج، والجزية[33].

ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصارًا للدجال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم وذلك في آخر الزمان.

فبعضهم يفسر العذاب هذا يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ الجزية، والإذلال.

وعلى كل حال هذا، وإن قال به بعض السلف كابن عباس، وسعيد بن جبير، والسُدِّي، ومجاهد[34] إلا أن ذلك قد يقع بالقتل أيضًا كما، وقع من بختنصر مثلاً، أو غيره، كان ينادى عليهم في ممالك النصارى حينا بعد حين فيُقتَل من في القرية، أو البلدة، أو المدينة عن بكرة أبيهم لكثرة ما كان يقع منهم من الإفساد، فضج بهم النصارى من الروم، وغيرهم فكان هذا يقع حينا بعد حين.

وذكر الطاهر بن عاشور أن معنى البعث الإرسال[35] لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ وأن هذا يؤذن بأن ذلك في أوقات مختلفة، وليس مستمرًا في كل يوم، وفي كل حين، كأن ذلك أصبح مما يلزمهم، يعني بمعنى لا تغتر بحالهم الآن، هذا لا ينافي ما جاء في الآية، لكن هذا يتكرر مرةً بعد مرة، وتتوالى عليهم المصائب، وكان أعظم ذلك خراب بيت المقدس، هذا ذكره ابن عاشور.

وذكر الشنقيطي - رحمه الله - بأن تأذَّن، وأعلم بأنه سلط عليهم من يسومهم سوء العذاب[36] إلا أنه يرد الله لهم الكرة حتى يجتمعوا، ويكونوا أمة؛ لأنهم لو بقوا مقطعين في الأرض لن تقوم لهم قائمة كما قال الله : وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا [الأعراف: 168] فلم يكن العذاب، والهلاك، ولم يجد موقعًا يقع عليه، فصار من عادة الله أن يرد لهم الكرة، ويجعلهم أمة حتى يكونوا أمة يُسلط عليهم من يعذبهم يكون العذاب، واقعًا موقعه.

يقصد الشنقيطي - رحمه الله - أن تجمعهم الآن في فلسطين أن ذلك تهيئة لوقوع كرة أخرى من العذاب؛ لأنهم لو كانوا مفرقين فقد يقع العذاب في ناحية، ويسلم الآخرون، لكن حينما يجتمعون يكون العذاب، واقعًا موقعه.

وعلى كل حال حتى مع تفرقهم فيُسلط عليهم في كل مكان، وهذا موجود في التاريخ حتى مع تفرقهم في كل أرجاء المعمورة كان يُسلط عليهم في كل ناحية من يسومهم سوء العذاب، وقد، وقع لهم في هذا العصر ما هو معلوم من القتل، وغير ذلك، يقال: أن هتلر لما قتَّل خلقا كثيرًا منهم ألقى بقية قليلة في ألمانيا، وأنه قال: إنما أبقيت هؤلاء ليعرف الناس لماذا قتلت أولئك.

يعني أبقى عينة ليعرف الناس أن هذه عينة أصلاً فاسدة، خامة فاسدة فيعرف السبب في قتلهم، يقول: أبقيتهم عمدًا ليعرف الناس سبب القتل إذا شاهدوا هؤلاء الناس.

قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أي: فرّقناهم في البلاد، ففي كل بلدة فرقة منهم، فليس لهم إقليم يملكونه.

قوله تعالى: مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ [الأعراف: 168] هم من أسلم كعبد الله بن سلام، أو من كان صالحًا من المتقدّمين منهم.

قوله: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ يعني: فرّقناهم، ففي كل بلدة فرقة منهم، فليس لهم إقليم يملكونه، يعني خاص باليهود يجتمعون فيه، ليس لهم إقليم مثل العرب مثلاً لهم إقليم، منذ الجاهلية، معروف جزيرة العرب هذه، لكن اليهود في كل مكان، قد تجدهم في شرق الأرض، وتجدهم في أقصى الغرب، وما بين ذلك في كل مكان، في بلاد العرب، وفي بلاد غيرهم، وفي إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا، وكندا كل مكان، هذا هو المقصود.

يعني: مثلاً الأمم الأخرى مثل العرب ما كانوا كذلك، كانوا في أرضهم، وإلا فكان لهم، وجود في بعض النواحي يعني مثل خيبر، قريظة، النضير، تمثل مواضع يجتمع فيها يهود، والآن في فلسطين.

فهذا كان موجودًا من قبل، وليس المقصود بأنه لم يكن لهم إقليم يملكونه، يعني يجتمع فيه جميع اليهود، وإنما هم مُفرَّقون في سائر البلاد، وإلا يوجد لهم كيانات كما هو معروف، فخيبر كانت لليهود، وكذلك قريظة، والنضير.

قوله تعالى: بِالْحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ [الأعراف: 168] أي بالنعم، والنقم.

قوله: مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ قال: هم من أسلم، أو من كان صالحًا من المتقدمين، كما قال الله : مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة: 66] وقال: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران: 113].

بِالْحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ قال: بالنعم، والنقم، كما قال الله : وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا [الأعراف: 94 - 95] يعني كثروا، وكثرت أموالهم، إلى آخره.

وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] فيُقلِّبهم الله بين هذه، وهذه.

قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف: 169] أي: حدث بعدهم قوم سوء، والخلف بسكون اللام ذم، وبفتحها مدح.

هذا هو الغالب، وإلا فقد يُستعمَلُ أحدهما في موضع الآخر، يعني: لغة لكن المشهور أنه بالسكون الخلف السيء، وبالفتح للطيب.

والمراد من حدث من اليهود بعد المذكورين، وقيل: المراد النصارى.

الذي يظهر من الكلام في اليهود.

قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى [الأعراف: 169] أي: عرض الدنيا..

العرض يعني ما لا يكون له ثبات من مال، وما يعرض من شهوات فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً [البقرة: 79] فكانوا يأخذون الرشى، ونحو ذلك، يعني يأخذون عرض هذا الأدنى، يعني الأمر الأقرب، وهي الدنيا، حطام الدنيا.

قوله تعالى: وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا [الأعراف: 169] لَنا ذلك اغترار منهم، وكذب.

وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ [الأعراف: 169] الواو للحال أي يرجون المغفرة، وهم يعودون إلى مثل فعلهم.

يعني: توبة كاذبة، أصلاً هم لم يتوبوا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً [البقرة: 80] يعني بقدر عبادتهم للعجل.

قوله تعالى: مِيثاقُ الْكِتابِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: 169] إشارة إلى كذبهم في قولهم: سيغفر لنا.

الميثاق عقد مؤكد، أصله مؤكد بيمين، وعهد، فأصل العقد العهد، أو الميثاق أصله يأتي بمعنى الإحكام، والعقد، ونحو ذلك، لاحظ العقد، والعقدة فيها ربط، وشد، ونحو ذلك وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].

وإعراب ألا يقولوا عطف بيان على ميثاق الكتاب.

يعني: باعتبار أن قول الحق هو ميثاق الكتاب، ألا يقولوا على الله إلا الحق مِيثاقُ الْكِتابِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وعرفنا أن عطف البيان هو بمعنى البدل، لكن إذا كان الثاني أوضح من الأول قيل له عطف بيان، وإلا فبعض أهل العلم يقولون بأنه بدلٌ مرفوع أن لا يَقُولُوا بدل مرفوع من ميثاق الكتاب.

أو تفسير له، أو تكون أن حرف عبارة، وتفسير.

يعني: باعتبار أن ميثاق الكتاب بمعنى القول، و(لا) تكون ناهية، لاحظ يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب (أن) تكون تفسيرية، لا يقولوا على الله إلا الحق، (لا) ناهية أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وعلى ما سبق تكون (لا) نافية أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ.

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ [الأعراف: 170] قرئ بالتشديد، والتخفيف، وهما بمعنى واحد.

قراءة عاصم في رواية أبي بكر (يُمَسَكُونَ)، بالتخفيف، وقراءة الجمهور يُمَسِّكُونَ وهي الرواية الثانية عن عاصم[37]؛ وقراءة حفص عن عاصم يُمَسِّكُونَ وقراءة الجمهور.

هما بمعنى واحد لكن زيادة المبنى لزيادة المعنى، يعني يُمَسِّكُونَ يدل على مزيد من التمسُّك، يعني يتمسكون، ويعني يعملون به، أو يعتصمون به، ويقتدون بأوامره، ويتركون زواجره يُمَسِّكُونَ بالكتاب يتمسكون به ممتثلين ما يأمر به مجتنبين ما ينهى عنه.

وإعراب الذين عطفٌ على للذين يتقون، أو مبتدأ، وخبره إنا لا نضيع أجر المصلحين، وقام ذكر المصلحين مقام الضمير، لأن المصلحين هم الذين يُمسِّكون بالكتاب.

يعني باعتبار أنه لا يكون متمسِّكًا بالكتاب إلا إذا كان ممتثلاً، وهذا الامتثال لابد أن يكون معه الإصلاح، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لذلك قال الله : وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5] وقال: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] فجعل الفلاح منحصرًا بهؤلاء.

قوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ [الأعراف: 171] أي: اقتلعنا الجبل، ورفعناه فوق بني إسرائيل، وقلنا لهم: خذوا التوراة حين أبوا من أخذها، وقد تقدم في البقرة، تفسير الظلة، وخذوا ما آتيناكم بقوة.

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ النتق يعني نتق الشيء بمعنى قلعه من موضعه، كأنك قلعته من موضعه فرميت به نَتَقْنَا الْجَبَلَ يعني: اقتلعناه، ورفعناه فوق بني إسرائيل، وهذا الجبل هو جبل الطور وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ [النساء: 154] يعني: لما تمنَّعوا رُفِعَ الجبل فوقهم وَظَنُّوا أنه واقِعٌ بِهِمْ [الأعراف: 171] سيسقط عليهم، يقال: أنهم سجدوا خضوعًا، وخوفًا، وكان سجودهم، يعني: سجدوا على ناحيةٍ من الوجه، والعين الأخرى تنظر إلى الجبل خوفا؛ ولهذا يُقَال أن سجود اليهود بهذه الطريقة أن أصله هذا الذي، وقع من نتق الجبل فوقهم، فكانوا في، وجل من، وقوعه عليهم، فكانوا يرفعون عينًا إلى الجبل، وسجدوا على شق وجوههم.

قال: وقد تقدم في البقرة تفسير الظلة، وعرفنا أن الظلة هي ما يظلل الإنسان من غمامٍ، وغيرهِ كأنه ظلة.

خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ يعني بجد، واجتهاد، كما قال الله : فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [الأعراف: 145] يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم: 12] بجد، واجتهاد، وهذا على كل حال كما أخبر الله : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ورَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة: 63]. 

  1.  شرح زروق على متن الرسالة (2/1000).
  2.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/393)، والبحر المحيط في التفسير (4/179).
  3.  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/536).
  4.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/488).
  5. مجموع الفتاوى (20/334).
  6.  اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/324).
  7.  تفسير ابن كثير (3/488).
  8.  تفسير الطبري (13/168).
  9.  التحرير، والتنوير (9/138).
  10.  البيت بلا نسبة في حياة الحيوان الكبرى (2/339)، وخزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب للبغدادي (1/451).
  11.  أخرجه البخاري في كتاب التيمم برقم: (335)، ومسلم في أول كتاب المساجد، ومواضع الصلاة برقم: (521).
  12. سبق تخريجه.
  13.  أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب قول النبي ﷺ: جعلت لي الأرض مسجداً، وطهوراً برقم: (438)
    ومسلم في أوائل المساجد، ومواضع الصلاة برقم: (521).
  14.  أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب، وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته برقم: (153).
  15.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/221).
  16.  أخرجه مسلم في كتاب الذكر، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وغيره برقم: (2708).
  17.  تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/168).
  18.  تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/170).
  19.  ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد، والتعطيل (1/36).
  20.  درة التنزيل، وغرة التأويل (1/233).
  21.  أسرار التكرار في القرآن = البرهان في توجيه متشابه القرآن (ص: 74).
  22.  البحر المحيط في التفسير (1/369). 
  23. الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه (ص: 69).
  24. تفسير ابن كثير (3/493). 
  25.  المصدر السابق.
  26. إبطال الحيل لابن بطة (ص: 47).
  27.  تفسير ابن كثير (3/494).
  28.  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/222).
  29.  انظر: تفسير القرطبي (7/308).
  30.  تفسير ابن كثير (3/497).
  31.  تفسير القرطبي (7/310).
  32.  تفسير ابن عطية (2/471).
  33. تفسير ابن كثير (3/497).
  34.  تفسير ابن كثير (3/497).
  35.  التحرير، والتنوير (9/155).
  36.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/290).
  37.  تفسير البغوي (3/297).

مواد ذات صلة