الأربعاء 18 / جمادى الأولى / 1446 - 20 / نوفمبر 2024
الآية 78 و79 من سورة النساء
تاريخ النشر: ٠٢ / رمضان / ١٤٢٧
التحميل: 1739
مرات الإستماع: 2174

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه الآية الثامنة والسبعون من سورة النساء، وهي قوله -تبارك وتعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ۝ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:78-79]، فالحديث عن هذا القدر، وهو قوله -تبارك وتعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، وقبله قال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78]، فرد عليهم بقوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، ففي الأول جعل السيئة والحسنة جميعاً من الله.

والمقصود بالسيئة الجدب، والمرض، والفقر، والهزيمة في أرض المعركة، وما أشبه ذلك من الجوائح والأمور المكروهة، فكانوا يتطيرون برسول الله ﷺ، فإذا وقع لهم الجوع والشدة قالوا: هذا من شؤمك علينا، كما قال قوم صالح لنبيهم صالح، كما قال الله عنهم: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ [النمل:47].

وكذلك قال فرعون وملؤه لموسى ﷺ حيث قال الله عنهم: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف:131].

وكذلك أيضاً قال أقوام آخرون لرسلهم -عليهم الصلاة والسلام- كما أخبر الله عن أصحاب القرية: إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ [يس:13]، فالحاصل أنهم قالوا: إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ [يس:18]، قالوا لمن أُرسلوا إليهم، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ [يس:14]، فقالوا لهم ذلك، فهذا من قول المشركين المعتاد يتطيرون بالرسل وبأهل الإيمان، يقولون: النكبات بسببكم، وما يحصل لنا من الخير فهو من الله ، فالله رد عليهم: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، بمعنى: أنه لا يقع في الكون تحريكة ولا تسكينة إلا من الله ، ويجب على المؤمن أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ولما رد عليهم قال: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، وليس هذا معارضاً لقوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، هناك في مقام الرد عليهم، ليس هذا الجدب والقحط والمرض والهزيمة بشؤم رسولهم ﷺ بل هو من عند الله قدره عليهم.

ثم بين بعده سبب هذا التقدير مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النساء:79]، أي: تفضلاً منه وإكراماً وإحسانا، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، بمعنى: أنه بسبب تقصيرك وذنوبك، كما قال الله : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، ولما قالوا في يوم أحد لما هُزم المسلمون: أَنَّى هَذَا [آل عمران:165]، من أين جاءت الهزيمة والقتل والجراح؟، قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

إذن هذه الآيات لا تعارض فيها، ففي مقام الرد عليهم قال بأن الجميع من الله ، ليس بشؤم محمد ﷺ، لا كما يزعمون، وحينما فصل سياق ذلك من الله أخبر أنه بسبب ذنوب العباد، ولهذا ينبغي للعباد أن يعرفوا أن ما يقع لهم من خسائر في الأسهم، وما يقع لهم من جوائح ونقص من الثمرات، وارتفاع في الأسعار وما إلى ذلك من الأمراض التي يعجز الأطباء عن علاجها أن ذلك بسبب الذنوب، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، السيئة كل ما يسوءك فهو سيئة، فهذا من نفسك بسبب عملك وتقصيرك مع الله ، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، فهذا نتيجة الإيمان والتقوى، ونتيجة العصيان هي المحق، والمرض، والمصائب، والحروب المدمرة، والخسائر في التجارات، وما إلى ذلك.

هذا ما يتعلق بهذا المعنى، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

مواد ذات صلة