الخميس 26 / جمادى الأولى / 1446 - 28 / نوفمبر 2024
(050) تتمة قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ..} الآية
تاريخ النشر: ٢٢ / ذو الحجة / ١٤٣٧
التحميل: 667
مرات الإستماع: 1156

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، أما بعد:

ما زال الحديث متصلاً في الكلام على قوله -تبارك وتعالى-: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].

كان آخر ما ذكرنا ما يتصل بقوله -تبارك وتعالى-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ، وعلى القراءة الأخرى المتواترة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ، وما لهذه الجملة من دلالات على القراءتين.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة على هذه القراءة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ،  قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ فهذه فيه التفات، وعرفنا المراد بالالتفات.

كذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية الكريمة من قوله -تبارك وتعالى- عنها عن قولها: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى فهذه الآية تُقرر أصلاً في الفرق بين الذكر والأنثى، فالذكر له خصائصه العقلية، والجسدية، والنفسية، والسلوكية التي تقتضي مغايرة الوظائف المنوطة به عن الوظائف المنوطة بالمرأة، فالمرأة لها خصائصها العقلية، والجسدية، والنفسية، ولها قُدراتها العملية، ركبها الله -تبارك وتعالى- تركيبًا يصلح للمهام المنوطة بها.

فلو نظرت إلى الدماغ أول ما تنظر، فإن العلماء في علم التشريح يذكرون: أن تلافيف دماغ الرجل أكثر من التلافيف الموجودة في دماغ المرأة، القضية خلقة، ويقولون: هذه القضية لها ارتباط كبير بالعقل، العقل الوهبي، يعني الذي يكون هبة من الله ، وليس الكسبي الذي يُكتسب بالتجارب، والخبرات، ونحو ذلك، وهكذا أيضًا القدرات على التركيز، واتخاذ القرار، والضبط، ونحو ذلك.

فالمرأة لا تمتلك القدرات التي تكون للرجل، ولذلك كان القِوامة للرجل، وليست للمرأة، لكن في المقابل عند المرأة من قدرة الاحتمال في جوانب تتعلق بها، وتختص بها، وتتفق مع مهامها المنوطة بها ما لا يوجد عند الرجل، الرجل لو بقي بين يديه الرضيع، أو الصغير ساعة، وبكى لم يحتمل، لكن المرأة تحتمله العمر، الولد بعد الولد، وهي في صبر واحتمال، وسعة صدر، وهو يبكي النهار كله، ويقرن ذلك بالليل، الرجل لا يحتمل لربما دقائق معدودة.

وهكذا القيام على شؤون الصغار، ونحو ذلك، هذا مما لا يُطيقه الرجل، ولا صبر له عليه، بخلاف المرأة، فقد ركبها الله تركيبًا خاصًا، وحتى من الناحية الجسدية تجد الرقة في خلقتها، والدقة في مفاصلها، وأعضائها، وأبعاضها، ونحو ذلك ما لا يكون للرجل.

وكذلك أيضًا تجد في تركيبها البدني ما يصلح لحالها، وما يُراد بها، حوض المرأة أوسع من حوض الرجل، لماذا؟

لأنه مستقر الولد الحمل، فخلقها الله هكذا، ولذلك تجد أيضًا أن الله خلق فيها ما يصلح لتربية الصغير بعد خروجه من بطنها، حيث يرضع، وليس ذلك للرجل.

فالذين يريدون أن يسووا بين الرجل، والمرأة يقولون: لا فرق بين الرجل والمرأةن هؤلاء مخالفون للحس، وللفطرة، ومناقضون للعقل، ومضادون للشرع، لا يمكن، وهذا تجده في كل المخلوقات، فإنك بمجرد نظرة تستطيع أن تُفرق بين الفحل من النبات كالنخل والأنثى منه بمجرد نظرة، فالفحل من النخيل تجد أن جذعه في غاية الضخامة، وتجد أن أصول الكرب ضخمة، بينما تجد النخلة الأنثى في حال من دقة الجذع، ودقة أصول الكرب، ونحو ذلك، أصول الكرب أعني أصول العسيب، هذا في نبات.

وقل مثل ذلك في الحيوانات، تستطيع أن تُفرق بمجرد نظرة عابرة بين الفحل من كل أنواع هذه الحيوانات من الإبل، والبقر، والغنم، وحتى ما دون ذلك كالدجاج، والحمام، وأنواع الطيور الصغار، والكبار، هذا أمر مُشاهد، ولا يمكن لأحد أن يُخالفه إلا من انتكست فطرته.

هؤلاء الكفار ممن لا خلاق لهم صاروا يُطلقون على الجنس البشري الجندر اسم يصدق على الذكر والأنثى لئلا يُقال: ذكر، أو أنثى، ليتوصلوا في النهاية إلى المساواة الكاملة، فيجوز للرجل أن يتزوج الرجل، ويجوز للمرأة أن تتزوج المرأة، جندر الكل جندر، فهؤلاء محاربون للفِطر، والعقول، ومناقضون للمحسوس فضلاً عن الدين، والشرائع الربانية التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- على رسله قاطبة، فكل ذلك مبناه الحياة من أولها إلى آخرها على هذا التفريق وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى.

وهذه المقولة التي ذكرها القرآن صادرة من امرأة لكنها ذات فِطرة، هذه المرأة التي ذكرها الله في القرآن لم تتدنس فطرتها، بل كانت من كامل الفِطر، ومن أهل الإيمان، والعبودية لله ، وتقدست أسمائه-، وليس لأحد أن يقول: إن هذه مقالة امرأة ذكرها القرآن، وليست بقول الله ابتداء، يقال: هذا ذكره الله، وأقره، والقاعدة أن كل قول أورده الله في القرآن، فإما أن يرد قبله، أو في مضامينه، أو بعده ما يدل على بطلانه، أو يسكت عنه، فالأول واضح أنه باطل، والذي سكت عنه سكوته يدل على أنه حق، هذا في الأعم الأغلب، وهذا كثير.

قد يذكر أشياء، أو شيئين، ويسكت عن أحدها، ويُبطل غيره، سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ فدل على بطلان هذين القولين وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22]، ما قال: باطل، ولا قال: رجمًا بالغيب، ففُهم منه كما قال: شيخ الإسلام، وغيره أن هذا هو القول الصحيح في عدد أصحاب الكهف[1].

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف:28]، وسكت عن الآخر وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا دل على أنه صحيح، وأبطل دعواهم أن الله أمرهم بها.

فالمقالات التي في القرآن إما أن يرد قبلها، أو في أثنائها، أو بعدها ما يدل على البطلان فهي باطلة، أو يُسكت عنها فهي صحيحة غالبًا، والقواعد أغلبية.

وهنا كما قال الله : وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، إذا كان مجرد تمني المرأة ما للرجل من خصائص، وأوصاف، ونحو ذلك ممنوع، وكذلك الرجل لا يتمنى ما للمرأة، فكيف من يتجاوز مجرد التمني، ويدعي أن المرأة كالرجل سواء؟ كيف من يدعي أنهما سواء، أو يُطالب أن يكون للمرأة ما للرجل تمامًا؟

فهذا غير صحيح، نعم قد تكون المرأة أفضل، وأتقى، وأقرب عند الله -تبارك وتعالى-، وأعلى منزلة في الجنة من كثير من الرجال، هذا لا إشكال فيه، ثواب الأعمال، جزاء الأعمال في الحسنات، والسيئات لا فرق بين رجل وامرأة، الميزان واحد، لكن الكلام في المهام، والوظائف المنوطة بكل واحد منهما من أجل أن تقوم الحياة، فالمرأة تلي الجيل، الحمل، والولادة، وتربية النشء تربية سليمة، صحيحة، لا تُسلم ذلك إلى غيرها من العاملات، ونحوهن، والرجل يذهب، ويكتسب، ويطلب الرزق، وبهذا يحصل التكاتف، والتعاون، وتتضافر الجهود، وتُبنى الأسرة، والمجتمع، والحياة، وإذا قصر أحد الطرفين، أو الشريكين في مهامه، ووظائفه أدى ذلك إلى آثار، وأضرار لا تخفى، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى.

كذلك أيضًا قدمت هنا الذكر وَلَيْسَ الذَّكَرُ إما باعتبار أنه الأفضل، والأكمل، أو باعتبار ما في نفسها من أنها كانت تُرجي أن يكون المولود ذكرًا؛ ليلي من الأعمال ما لا تليه المرأة، وقد نذرت ما في بطنها أيًا كان، فقالت وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى.

وكذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية الكريمة من قوله -تبارك وتعالى-: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ يؤخذ منه صحة تسمية المولود من أول يوم، وليس لأحد أن يقول: بأن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا إذا جاء في شرعنا ما يُخالفه، وقد جاء عن النبي ﷺ تسمية المولود في اليوم السابع، لكن أيضًا ثبت تسمية المولود في اليوم الأول، فقد جرى ذلك في وقائع في سنة رسول الله ﷺ، حيث كان الصحابة يأتون بمواليدهم إلى النبي ﷺ فيُحنك المولود، ونحو ذلك، ولربما سماه، أو سأل عن اسمه، فكان ذلك يدل على أن التسمية يمكن أن تكون من اليوم الأول، بل لا بأس لو كانت قبل الولادة، لاسيما أن الآن الناس صاروا عبر هذه الأشعة، ونحوها يتعرفون على نوع وجنس المولود، فيعرفون أن هذا الذي سيولد ذكر، أو أنثى، ومن ثَم فيمكن أن يُسمى قبل أن يولد لا مانع من هذا شرعًا، وإن كان الأفضل والأكمل أن يكون في يوم سابعه.

كذلك يؤخذ من هذه الآية وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ أن الأم يمكن أن تُسمي المولود، لا مانع من هذا، لكن شرعًا من الأحق بالتسمية؟ الأب أحق من الأم.

وهذا -كما ذكرنا- من قبل فيما يتصل بأحق الناس بحسن الصحابة، يعني المعاشرة في الحديث من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، ثلاثًا[2]، فقد يقول: قائل إذا كانت الأم بهذه المثابة، وهي التي حملت، وتعبت، فكيف يكون الأب أحق؟ هو -كما ذكرنا- أن الحديث من أحق الناس بحسن صحابتي[3]، في المعاشرة، لكن من الذي يتخذ القرار؟ الأب، وليست الأم، ومن ذلك التسمية لاسيما أنه يُنسب إلى أبيه، ما يُنسب إلى أمه، فهذا الاسم سيُضاف إلى الأب.

وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ، وهذه يُعبر عنها البلاغيون أنها من قبيل الإطناب، يعني: لا علاقة لذلك -والله أعلم- بمطلوبها الأهم بالنذر، وما حصل لها من المولود الأنثى، فزادت، وقالت: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ليكون ذلك أعلق أيضًا بالقبول يختص بهذه التي سُميت بهذا الاسم، ويُقال: إن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، فاختارت لها اسمًا مناسبًا يتفق مع الغرض الذي جرى فيه النذر.  

النذر أن تكون مفرغة نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا مُخلصة للعبادة، والطاعة، وخدمة بيت المقدس، فهذه بمعنى العابدة مريم، ودل أيضًا على ما ينبغي من حُسن الاختيار للأسماء، أسماء المولودين، يختار له الاسم المناسب، ولا يختار الأسماء التي تحمل دلالات سيئة، كأن تكون من أسماء الكفار، أو الأسماء الأعجمية مطلقًا، أو ما يكون له من المعاني، والمدلولات ما يقبُح.

وللأسف تجد أن الكثيرين يبحثون عن أسماء غريبة، ونادرة، وإذا سألوا عنها ما معنى هذا الاسم ما يعرفون، وإذا حاول أن يُجيب قال: يُقال: نبات في الصحراء، ولربما اسم للقرد، هذا الواقع، وقد سمعت من هذا أشياء، وفي بعض الأسماء فتشت القواميس والمعاجم، ولم أجد له ذكرًا إطلاقًا، وسألت بعض المُسمين بهذا، ما معنى هذا الاسم الذي سُميت به؟ لا يوجد له معنى في لغة العرب، فهو لا يعرف، وأبوه لا يعرف، سأل أباه فلم يعرف، طيب لماذا يُسمى؟

من أجل الإغراب نبحث عن أسماء غريبة غير متكررة على الألسُن، نبتكرها، نخترعها حتى لو كان ليس لها مدلول، أو كان لها مدلول غير جيد يعني معنى سيء، ونحو ذلك، هذا لا يليق.

كذلك الأسماء غير المستحسنة، بعض الناس يعتقد أن من البر إذا جاءت بنت أن يُسميها على اسم أمه، ويعتقد أن القضية مسابقة بينه وبين امرأته، أنا الذي أسبق، وأسمي على أمي، قد يكون اسم الأم غير مناسب، والبنت في المستقبل تُحرج من هذا الاسم، وتشعر أنه من قبيل العبء، ولربما استثقلت أمه بسبب هذا الاسم الذي يُلاحقها، ولربما يُعيرها المعلمات قبل الطالبات به، أول ما تُسأل حينما تدخل مدرسة، ما اسمك؟ اسمي فلانة، فهمتم، أو لا، ما معنى فلانة؟

في مقابلة الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والجامعة، هذا أول سؤال يوجه إليها، والطالبات لربما يلزمنها بها، ويُعيرنها في كل حين، لا حاجة إلى هذا، وليس هذا من البر، سم بالأسماء الحسنة، والبر أن تُعاشر بمعروف، وأن يكون لهؤلاء الأبوين من صنوف الإحسان المالي، والقولي، والعملي، وليس بتسمية الولد على اسم الأب، أو الأم، ولو كان اسم الأب، أو الأم غير مستحسن.

فالمسألة ليست فرض لإرادة على هذه المسكينة التي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها حديثة الولادة، أو هذا الولد حديث الولادة باسم البر، وتحت عنوان البر، لا، من حق الولد أن يُختار له الاسم الصالح، الحسن الذي يحمل دلالة حسنة؛ ليؤثر عليه في الحياة، أما اسم من بيئة لربما هم أنفسهم لا يعرفون معنى الاسم، وقد عفى عليه الدهر هذا الاسم، وانتهى، وانقضى، وكان صالحًا لتلك البيئة، أما اليوم فلم يعد له أي معنى، فهذا خطأ، وظلم لهؤلاء الأطفال، المواليد، وقد تكلمت عن أشياء من هذا في الكلام عن أحكام الطفل، وبقي شطر الموضوع لم أتحدث عنه، لعل الله يُيسر في حين ووقت أن أتحدث عن الجوانب التربوية، المتعلقة بالطفل.

فالحاصل أنها سمتها بهذا الاسم وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ، ثم لم تكتفِ بهذا، بل قالت وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

لاحظوا المطلوب المهم بالنسبة إليها، أو الأهم أن تُعيذها بالله، وأيضًا الذرية، وهي قد أنجبت عيسى ، فالشيطان له مُلابسات مع الإنسان، وقد جاء عن النبي ﷺ: ليس مولود إلا يستهل، استهلاله أن يعصر الشيطان بطنه فيصيح، إلا عيسى ابن مريم[4]، وأن ذلك لم يقع لعيسى  استجابة لدعاء هذه المرأة الصالحة، وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

وكذلك جاء مؤكدًا في قوله تعالى: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ، وقبلها إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى لاحظ إِنِّي وَضَعْتُهَا في الماضي أُنْثَى، وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا في الماضي، نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا في الماضي، وَإِنِّي أُعِيذُهَا بالفعل المضارع الذي يدل على الاستمرار، فهذه الاستعاذة تكون مُلازمة.

وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى أمر يمكن الخلاص فيه من الشيطان، وهو أن الإنسان إذا أراد أن يُعاشر أهله يقول: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا[5]، فهذا من الأمور المهمة، ولذلك فإن المعاشرة ليست مجرد قضاء وطر، وإنما لها معاني ودلالات.

وكذلك النكاح في أصله -كما ذكرنا- في بعض المناسبات، كما في الكلام على آيات الصيام في قوله -تبارك وتعالى-: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، وقبل سنوات في رمضان تكلمت عن قوله: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فبعضهم يقول: هذا النكاح هذا الوطء تبتغي به ما كتب الله لك من الولد الصالح الذي يدعو لك بعد موتك، ويعبد الله -تبارك وتعالى-، ويُقيم دينه، وشرعه، فلا تكون النية مجرد الاستمتاع، وقضاء الوطر، وذكرت في موضوع الزواج برُمته أن يكون للإنسان فيه نية، والنيات الصالحة في الزواج الاقتداء بالمرسلين، وسُننهم -عليهم الصلاة والسلام-.

وكذلك أيضًا أن يكون ذلك سببًا للعفاف بالنسبة إليه، وبالنسبة لأهله، وكذلك أيضًا أن يكون ذلك سببًا للولد الصالح، وكذلك أيضًا يكون سببًا لإصلاح المجتمع، وتكثير الطُهر، والعفاف فيه، وتكثير الصالحين الذين يعبدون الله ، كل هذه من النيات الصالحة في النكاح في الزواج.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين -والله أعلم-.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. انظر: مجموع الفتاوى، (13/ 367).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، برقم (5971)، ومسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، برقم (2548).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، برقم (5971)، ومسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، برقم (2548).
  4. أخرجه الدارمي، كتاب الفرائض، باب ميراث الصبي، برقم (3170)، وقال محققه: إسناده ضعيف رواية سماك عن عكرمة مضطربة، وقال ابن حجز في اتحاف المهرة: موقوف، (7/ 529)، برقم (8390).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا أتى أهله، برقم (6388)، ومسلم، كتاب النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع، برقم (1434).

مواد ذات صلة