الخميس 26 / جمادى الأولى / 1446 - 28 / نوفمبر 2024
(076) قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} الآية – وقوله: {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ...} الآيات 65-66
تاريخ النشر: ٠٥ / صفر / ١٤٣٨
التحميل: 544
مرات الإستماع: 1077

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما رد الله -تبارك وتعالى- مقالة النصارى في عيسى ، وشركهم وغلوهم فيه، ودعاهم إلى كلمة سواء، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ الإشراك، وأن لا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله -تبارك وتعالى-، وكان من جملة ذلك: أن الله خاطبهم بقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون ۝ هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون [آل عمران:65-66] هذا من جملة ما رد الله به على هؤلاء من الدعاوى والأقوال الباطلة.

فقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ أي: لم تجادلون في إبراهيم ؛ والخطاب موجه إلى اليهود والنصارى، حيث إن اليهود ادعوا أنه كان يهوديًّا، والنصارى ادعوا أنه كان نصرانيًّا، فقال: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وهي عبارة جامعة تشمل الطائفتين، لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ يعني: أن إبراهيم كان قبل نزول التوراة والإنجيل بمدة طويلة أكثر من ألف سنة، فكيف يكون يهوديًّا؟ وكيف يكون نصرانيًّا؟ أَفَلاَ تَعْقِلُون فهذا احتجاج عليهم، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى-: هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ على سبيل التنزل أنهم حاجوا في أمور يعلمونها، ولهم فيها علم، فلم المُجادلة والمُحاجة في أمور لا علم لهم بها؟ والله -تبارك وتعالى- هو الذي له العلم الكامل المُطلق وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون.

فقوله -تبارك وتعالى-: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ يؤخذ منه: أن معرفة التاريخ نافع في المجادلة والمحاورة والمُناظرة، ورد الدعاوى الباطلة، فقد يدعي المخالف دعوى والتاريخ يدل على بطلانها، وهذا كثير.

ويُؤخذ من قوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ أنه خاطبهم بخطاب مُحبب إلى نفوسهم؛ ليكون ذلك أدعى إلى القبول، ومن ثَم فإن المُجادل والمحاور والمناظر ينبغي أن يُحدد الهدف ابتداء من هذه المجادلة، فإذا كان المقصود هو هداية هذا المحاور أو هداية الأتباع، فينبغي أن يتخير العبارات المناسبة، وأن تكون المُحاجة بعلم، وأدلة مقنعة، لعلَّ هؤلاء أن يستجيبوا، وأن ينتفعوا من وراء ذلك، وليست القضية مُغالبات؛ ولذلك فإن من الخطأ أن تكون النبرة الغالبة في الحوار أو الجدال بعبارات موحشة، فيها سباب وشتائم، وألقاب قبيحة، فمثل هذا يكون صدًّا لهم عن القبول، فحينما يسمعون مثل هذه العبارات كأنك تقول: لا تقبل ما أقول لك، يعني: لو أنه خاطبهم مثلاً وقال: يا إخوان القردة والخنازير، ويا شرار الخلق، ويا معشر من لعنهم الله، وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير، اسمعوا هذه المقالة، وهذه الحجة التي تكسر آنافكم، وتفلق هامكم، وتوردكم موارد الهلكة، فلو قال لهم مثل هذا الكلام ما قبلوا منه، فهكذا الحوار والجدال مع طوائف أهل البدع ونحو ذلك، إذا كان المقصود الاستجابة فينبغي أن يُتخير من الألفاظ ما يُناسب ويليق من غير استفزاز، وأن يكون هناك الاعتماد على الأدلة والبراهين بطريقة تُبين الحق وتُجليه، بعيدًا عن العبارات التي لا حاجة إليها، لكننا في كثير من الأحيان قد لا نُفكر في الأهداف، يعني: قد نُنشأ مناظرة أو قناة، أو نحو ذلك، ويكون الصوت الغالب على هذه القناة مثلاً أو المناظرة أو المحاورة، أو نحو ذلك هو صوت لغة السب والشتم والإقذاع، والعبارات القاسية، فإذا كان المقصود هو هداية هؤلاء الناس، فإن هؤلاء لن يستجيبوا بهذه الطريقة، وتصور لو أن المُنصرين صاروا يخاطبون المسلمين ويدعونهم في الأقطار التي يغزونهم فيها بهذه اللغة، فإن ذلك يحمل في مضامينه أسباب الرد، وتصور لو أن اثنين من المُنصرين أحدهما يحمل في جيبه الحلوى واللُعب، ويأتي للأطفال، ويمسح على رؤوسهم، ويتلطف بالهدايا، ونحو ذلك، والآخر يظهر حقده وحنقه فيصك هذا، ويشتم هذا، وما إلى ذلك، أيهما الأخطر؟ ومن هو الذي يمثل الخطر على عقائد هؤلاء؟ لا شك أنه الأول، أما الثاني فلن يستجيب له أحد، وهو بهذه المثابة؛ ولذلك أقول: في مخاطبة أهل البدع دعوتهم ليس من المهارة أن نُخبر عن بطولات غير حقيقية، بأنك ضربت هذا، وشتمت هذا، وركلت هذا، وشتمت هذا، أو شتمت دينهم، بهذا أنت تقول لهم: لا تستجيبوا، ضعوا في آذانكم ما يُصمها عن سماع ما أقول، فلذلك يجب تحديد الهدف، لكن قد يكون المقصود بالمناظرة هو تحذير أهل الحق من هؤلاء المُبطلين فقط، فهنا يمكن أن تُستعمل عبارات مُنفرة، كما يُقال: شرد بهم من خلفهم، أما إذا كان المقصود دعوتهم فهذا لا يصح.

فالله يقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64] وهنا في هذه الآية: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون [آل عمران:65] ولاحظ هذه المُحاجة، لا يوجد فيها عبارة واحدة موحشة، لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون وهذا يدل على أهمية العقل في فهم الحُجج، وفي التبصر بالحق، فالعقل لا يمكن أن يُهمش، أو يُغفل، أو يُركن جانبًا، لكنه لا يُقدم على النص، الخطورة الانحراف الذي يقع، فالناس بين طرفين ووسط، ولاحظ قوله: أَفَلاَ تَعْقِلُون، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] الانحراف الذي يقع في الطرفين، طائفة تُقدس العقل، فتجعله مُقدمًا على النقل من الكتاب والسنة، وهذا حصل منذ القِدم، في المُعتزلة ومن تأثر به من طوائف أهل الكلام، وكذلك في عصرنا هذا أصحاب المدرسة العقلية، ومن تأثر بهم من بعض من يقرؤون بعض التغريدات من الشباب الذين قد يُقال لهم: مثقفون، يُقدم العقل، ويُريد أن يُفلتر كل شيء بعقله، هذا انحراف وضلالة.

والشق الآخر في الانحراف: هو ترك العقل تمامًا، باتباع الخُرافة التي لا يمكن أن تُقبل، وهذا يقع فيه طوائف من الصوفية والرافضة وغير هؤلاء ممن شابههم، فيتبعون خُرافة وضلالات لا يمكن أن يقبلها العقل، سواء كان ذلك في بيان كرامة إمام من أئمتهم، أو غير ذلك مما فيه مُبالغات غير مقبولة، وقد يقع فيه بعض من قابلهم بمثل ذلك من بعض الجهلة من أهل السنة، ويوجد هذا كثيرًا في كلام أهل الكتاب، والمرويات الإسرائيلية المنقولة عن أهل الكتاب يوجد فيها أشياء من هذا، ولا أرى حاجة لذكر أمثلة، لكن راجعوا أقوال المفسرين مثلاً في الكلام على فرعون، فحينما رأى العصا انقلبت إلى حية، ما الذي حدث له مما لا يمكن أن يُعقل؟ وكذلك أيضًا راجعوا كلام بعض المفسرين في صفة عرش بلقيس، أو في الكلام على مدينة الجبارين، وصفة الجبارين، كيف هم؟ أمور لا يمكن أن تُعقل، بُستاني مع سلة يقطف بها عِنب، فوجد الوفد الذين أرسلهم موسى ليستطلعوا الخبر وشأن المدينة، فأخذهم جميعًا، ووضعهم في سلة العِنب، وذهب بهم إلى الملك، يعني: كأنهم نمل، جميع الوفد وضعهم في السلة، وحملهم إلى ملكهم، مُبالغات غير صحيحة، ولا يمكن أن تُقبل.

على كل حال الذي حمل أهل الكتاب على مثل هذه الدعاوى أنه كان يهوديًّا، أو كان نصرانيًّا، أولاً: ليُقرروا أنهم ما كانوا عليه أنه الحق، وأنه ملة إبراهيم ، فإبراهيم أبو الأنبياء كما يُقال، وكذلك أيضًا: دفع هذه المزية عن النبي ﷺ وعن المسلمين، وكانت النبوة والكتاب في ذرية إبراهيم في بني إسرائيل، حتى نزع الله ذلك منهم، كما قال الله : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] وهي هذه الأمة، فشق ذلك عليهم، فهم يدعون أنهم على ملة إبراهيم ودين إبراهيم، وأن إبراهيم كان منهم، فجاء هذا الرد عليهم في هذه الآية، وفي غيرها: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [آل عمران:68] يعني: من أتباعه من هذه الأمة.

ثم أيضًا قوله: هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ هذا من باب التنزل معهم إذا كانوا قد جادلوا في أشياء يتحققون منها، ويعلمونها، فما وجه المُجادلة في أمور لا علم لهم بها، وبُرهان ذلك هذه الدعوى العريضة التي يكذبها التاريخ الذي لا يُحابي أحدًا: أن إبراهيم كان منهم.

وفي قوله: هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ الذين يتحدثون عن آداب المحاورة والمناظرة والرد وما أشبه ذلك يذكرون منها: أن يُقدم بمقدمة تستميل المخالف، يعني: كأن تذكر جانبًا من الحق المُشترك معه، أو تُقرره في جانب معين، كأنه أصاب فيه، أو كان معه بعض الحق، أو نحو ذلك؛ لئلا يكون أول الحوار صادمًا، يقول: هَا أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ جادلتم فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ لأن المحاجة أن يُورد هذا حُجة، وهذا حُجة، كالمجادلة، لكن المجادلة قيل: إنها مُشتقة من الجدالة، والجدالة هي الأرض الصُلبة، ولذلك لا تكاد تُذكر في القرآن إلى على سبيل الذم، لكن لما جاء الأمر بها في قوله: وَجَادِلْهُمْ قيدها بقوله: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] لكن قوله: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ادع بالفعل، ولما جاء للمجادلة جاء بالاسم وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقيدها أيضًا بهذا القيد، فهي نمط آخر غير ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ يعني: كأنها حال عارضة، استثنائية؛ لماذا؟ لأنه يكون فيها من حضور النفس، والانتصار لها ما الله به عليم، وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] فيُقيدها إذا أمر بها، وأما عامة المواضع فذلك على سبيل الذم، وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [غافر:5] يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ [الأنفال:6] ونحو ذلك.

وفي قوله: فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ منع المجادلة بغير علم؛ لأن من أصول المناظرة والمُجادلة والمحاجة العلم الصحيح، فمن جادل بغير علم، فإنه لا يُحاج ولا يُجادل؛ لأنه لا يستحق ذلك، والانتصار عليه انتصار على لا شيء؛ ولذلك يقولون: لا يصح أن يُناظر كل أحد، فالمُبطل، ومن يريد تقرير الباطل، أو إبطال الحق، أو يتكلم بلا علم، كل هؤلاء لا مجال لمجادلتهم ومناظرتهم؛ لأنهم يترفعون بهذا، ويشتهرون، وقد يكون ذلك من مطالبهم، فيأتي بأمور يُخالف الناس فيها من أجل أن يرد عليه العالم، فيطير ذكره في الآفاق، ويتحقق مراده، ولو كان ذلك بكسره، وبيان جهله، هو ليس عنده شيء أصلاً يخسره، فمثل هؤلاء يمكن أن يتقحم الواحد منهم أعظم المقالات في الإلحاد، وسب رب العالمين من أجل أن يستفز الآخرين؛ ليردوا عليه، فيشتهر، فهو يريد الشهرة، بشراء الأصوات أو المتابعين، ولو بسبّ الله .

وأيضًا فالإنسان إذا أراد أن يحاور أحدًا، أو نحو ذلك، لا بد أن يكون متحققًا بالعلم في القضية التي يُجادل فيها، وأن يكون مُلمًا بها.

لكن لا تحمله العاطفة كما يفعل البعض، فيدخل في مجادلات ومناظرات في أمور لا يُحسنها، ويقع من هذا للأسف أشياء بحجة: من لهؤلاء؟ والعلماء ما ردوا على فلان، وما ردوا على هؤلاء، فأنا أتصدى للرد عليه، وأحدهم كان يطلب معلومات أولية في مسألة معروفة، بعد صلاة المغرب، على أي أساس عنده مناظرة على إحدى القنوات الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف، وليس عنده في المسألة شيء، طيب لماذا تدخل في هذه المناظرة؟ مهما كانت الذرائع يطلع عليها الملايين، وتبقى مُخزنة، ويمكن أن يُتخذ هذا المقطع للاستهزاء والسخرية إلى ما شاء الله، وتُشاهده الأجيال، فلماذا يوقع نفسه ويوقع غيره؟ لأنه يُمثل في زعمه أهل السنة، فهذه خطيرة، وما كل من كان عنده علم يصلح للمناظرة، قد يكون الإنسان من أوعية العلم، لكنه ينقطع عند أول إيراد، وهذا معروف، ففن الجدل علم قد يكون وهبيًا، بأن يؤتى الإنسان جدلاً، وقد يكون دراسة، فهناك كتب مؤلفة في علم الجدل، يُدرس، وله قواعد وأصول معروفة، فبعضهم ذُكر عنه أنه لو شأت أن يُقنعك أن هذه السارية من ذهب لفعل؛ لشدة جدله، حتى إن بعضهم كان يقول: أعلم أنك على باطل، ولكنك أوتيت جدلاً، فالذي يُناظر لا بد أن يكون عنده قدرة على الجدال، وسرعة بديهة، أما أن يكون عنده علم كثير، ويعرف الناس هذا عنه، لكن إذا جاء مُقابل هذا المُخالف صار في غاية الضعف، فهذا يُحرجه ويُحرج من خرج ليُمثلهم من أهل الحق، فيُفترض أن مثل هذا لا يُستفز للخروج، وقد يقول بعض المُحبين والتلاميذ والطلاب: فلان يدعو إلى المناظرة ما نهض إليه أحد، فيُدفع إلى الدخول في مناظرة لا يُحسنها، ربما يقوم أحد تلامذته بهذا الدور، ويفضله أضعاف أضعاف المرات؛ لأن هذا يُحسن الجدال والمناظرة، وهذا لا يُحسنها، فإذًا هذه الأمور تحتاج إلى نية صحيحة، وتحتاج إلى علم راسخ في هذا الموضع الذي يُناظر فيه، وتحتاج أيضًا إلى سرعة بديهة، وقدرة على المجادلة والمناظرة، هذا بالإضافة إلى أمور أخرى مُكملة، لكن هذه أشياء أساسية، وهي شروط لا بد منها، والمقام لا يحتمل أن يكون لتحقيق مكاسب ذاتية، أو شهرة، أو نحو ذلك، هذه مصالح الأمة، وخرج على أنه يُمثل الحق الذي تدين به هذه الأمة، فيرد على هذا الإنسان المُبطل أيًّا كان مذهبه، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

مواد ذات صلة