الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
(138) قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ...} الآية 126
تاريخ النشر: ٠٢ / جمادى الأولى / ١٤٣٨
التحميل: 448
مرات الإستماع: 978

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما ذكر الله -تبارك وتعالى- وقعة بدر وما جاء فيها من البُشرى بنزول الملائكة ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف، بعد الألف التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنفال: بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين [الأنفال:9]، ثم هنا في هذه السورة الزهراء -سورة آل عمران-: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ۝ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين ۝ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِين [آل عمران:123-125]، مضى الكلام على هذه الآيات.

ثم بين الله -تبارك وتعالى- هذا الإنزال ومؤداه وثمرته وأثره: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم [آل عمران:126]، وما جعل هذا الإمداد بالملائكة -خمسة آلاف بعد الثلاثة- إلا بُشرى، والبُشرى تُقال في أصل اللغة على قول طوائف من أهل العلم من المفسرين واللغويين على الإخبار بما يسُر أو بما يسوء، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21]، وكما قال الشاعر يعني فيما يسوء:

يُبشرني الغراب ببين أهلي فقلت له ثكلتك من بشيرِ[1]

بصرف المعنى عن هذا البيت فهو يحمل معنى غير صحيح فالغراب لا شيء عنده، لكن كانوا يتشاءمون بالغراب، والمقصود الاستعمال، يُبشرني الغراب ببين أهلي، الفراق مُفارقة الأهل الافتراق فهذا خبر غير جيد، فأطلق عليه البُشرى، وإن كانت في غالب عُرف الاستعمال تُستعمل البُشرى والبشارة في الإخبار بما يسُر، كما في قوله تبارك تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [الكهف:2]، وقيل لها: بُشرى قيل باعتبار أن أثر الخبر يظهر على البشرة فما يقع في قلب الإنسان من الفرح والسرور يظهر على وجهه، وما يقع في قلبه من الغم والحُزن يقع على وجهه، كما يُعرف المرض والاعتلال على وجه الإنسان كذا الحياء والخوف ونحو ذلك.

فالوجه صفحة تُبدي عما في القلب، وإن كان الإنسان يحاول أن يُخفيه، فهنا: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ، ما جعل هذا الإمداد إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ، من أجل أن تطيب هذه القلوب وتسكن وتركن إلى وعد الله -تبارك وتعالى- فلا يعتريها الاضطراب والخوف والقلق والتردد.

وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم، العزيز الذي لا يُغالب، الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها، حكيم في تدبيره .

يؤخذ من هذه الآية الكريمة: وَمَا جَعَلَهُ هذا الوعد بالمدد وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، فهنا جاء بأقوى صيغة من صيغ الحصر النفي "ما" والاستثناء "إلا"، وهي الصيغة التي جاءت بها كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، أقوى صيغة من صيغ الحصر النفي والاستثناء، فجاء بها هنا، نزول ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف من الملائكة في مقابل ألف أو ثلاثة آلاف من المشركين هذا لا شيء بالنسبة لملك واحد، فكيف بخمسة آلاف ملك بعد ثلاثة آلاف ملك؟

فهذا جاء بهذه الصيغة أن نزول هؤلاء الملائكة هو مجرد بُشرى فقط ليس بعد ذلك إلا اطمئنان القلوب فحسب، يعني: أن ذلك لا يُحقق شيئًا من النصر ولا يُقربه إنما النصر من الله وحده الذي يملك النصر، إذًا الملائكة لا يملكون النصر، نزول الملائكة في أرض المعركة ليس ذلك الذي يحسم المعركة ويتنزل به النصر، إنما النصر من الله لا يملكه مخلوق مهما كان قدره، جبريل ينزل مع عدد كبير من الملائكة ومع ذلك ليس هؤلاء الذين يُحققون النصر، إنما النصر من الله وحده، ولهذا جاءت هذه الصيغة بأقوى صيغة من صيغ الحصر، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، هذا ليس بعده شيء، يعني إذا كان هذا العدد من الملائكة وكما ذكرنا سابقًا أنه يمكن أن يصيح ملك واحد بهؤلاء فيفنون عن آخرهم، فكيف لهم بقتال هذا العدد الكبير الآلاف من الملائكة؟! ومع ذلك: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ.

إذن نزول الملائكة هو مجرد بشرى ولتطمئن القلوب فقط، فكيف إذن بما يملكه الناس من الأجناد والعتاد والأموال والتدريب ليس هذا الذي يُحقق النصر، نعم هذه أسباب وهذه مطلوبة والله يقول: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، ليس معنى ذلك أن يترك المسلمون الأسباب بل يجب أن يبذلوا المستطاع، لكن هل هذا هو الذي يتحقق به النصر فتركن النفوس إليه، وتتحول القضية إلى أرقام ومعادلات، كم نملك من كذا؟ وكم يملكوا من كذا؟ وكم عندهم من كذا؟ وكم عندنا من كذا إلى آخره؟

الجواب: لا، لأن هذه المفارقات في الأمثلة ما وقع في بدر عدد قليل من المسلمين يُقابلون عدد قليل من المسلمين، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً يُقابلون ما بين تسعمائة إلى الألف، ويصلون بناء على أن هذه الآيات جميعًا في آل عمران وفي الأنفال في وقعة بدر كل هذا مقابل بين التسعمائة إلى الألف هذا يدل على ماذا؟ ملك واحد يمكن أن يحسم المعركة بأقل من لمح البصر أليس كذلك؟!

وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [النجم:53]، يقول المفسرون: بأن جبريل رفعها بطرف جناحه بريشة من جناحه حتى أوصلها إلى السماء يُقال: حتى سمعت الملائكة نُباح كلابهم ثم قلبها عليهم، ثم أتبعوا بالحجارة، ملك واحد، وهكذا الذين أخذتهم الصيحة صاح بهم ملك فصاروا حصيدًا خامدين جُثثًا هامدة لا حِراك فيها، فمن البشر؟! نحن قد لا نتصور؛ لأن الإنسان قد يتصور أنه كبير وعظيم وقوي ومفتول العضلات، لكن كما كنت أذكر في بعض المناسبات إذا أردت أن تعرف انظر بصورة علوية، وانظر إلى الناس وهم يدبون بسياراتهم أو على أقدامهم أمثال الذر، وأنت في الطائرة ترى الناس أمثال الذر، ترى التصوير البعيد في الحرم وساحاته لا تُفرق بين الرجل والمرأة أمثال الذر، تصور هؤلاء الخلق هؤلاء البشر، لو نفخهم الملك لو جاءت ريح لطاروا، لو جاء شيء من المطر الذي يخرج عن المعهود لغرقوا، يغرقون في قطرة ويطيرون ويهلكون بنفخة، وبهذا يعرف الإنسان ضعفه وعجزه، فالركون إلى النفس الركون إلى القوة، الركون إلى الخبرات، الركون إلى الآلات، الركون إلى أي أمر يتعلق بالجوانب المادية ونحو ذلك العدد والعُدة هذا لا شيء، وكما ذكرنا في يوم حُنين اثنا عشر ألف لن نهزم اليوم من قِلة[2]، ومع ذلك حصلت الهزيمة الساحقة حتى لم يبقَ مع النبي ﷺ إلا نحو عشرة رجال من اثنا عشر ألف، حتى قال بعض من خرج معه من مكة قال: "لا يردهم يعني منهزمين إلا البحر"، يعني: لا يلوون على شيء: ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين ۝ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا [التوبة:25-26]، فهذا كله منه "أنزل سكينته"، "أنزل جنودًا لم تروها"، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ [آل عمران:151]، "سألقي" الله -تبارك وتعالى- هو مصدر القوة الحقيقية والنصر، فالاعتماد عليه والتوكل عليه هو الطريق ولا طريق سواه.

اللجأ إلى الله، الصلة به، وحُسن المعاملة معه بتقواه، بطاعته وطاعة رسوله ﷺ، وترك مساخط الله هذا هو الطريق: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، إذا كان الملائكة بهذا العدد بشرى إذن ما الذي تُغني قوى الناس عنهم، ما الذي تغني أسلحتهم طائراتهم إمكاناتهم أموالهم؟

لا تُغني عنهم شيئًا، ولذلك في يوم حُنين: فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين [التوبة:25]، وإذا قيل إن هذه الآيات في أُحد فكم سيكون عدد المشركين ثلاثة آلاف مقابل هذا العدد ثلاثة آلاف من الملائكة، ثم خمسة آلاف، وهذا يدل أيضًا على رحمة الله بعباده وأولياءه هو قادر على نصرهم من غير ذلك ولكنه رتب الأسباب كما سبق فجعل نزول الملائكة سببًا للطمأنينة والسكون سكون النفس، وأن هذه البُشرى تبعث على الانطلاق وحُسن الظن بالله وتتبدد الأوهام والمخاوف، وتقوى العزائم والنفوس، وإلا فالله قادر على إيجاد ذلك في نفوسهم من غير نزول هذا العدد من الملائكة.

وكذلك أيضًا فإن نزول هذا العدد من الملائكة في تأييد المؤمنين: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان [الأنفال:12]، ضرب يُطير الرؤوس ولهذا قال بعضهم: فَوْقَ الأَعْنَاقِ: على الأعناق يعني.

وبعضهم يقول: لا، يعنى أعلى الرقبة وهو المفصل العظم الذي تحت الأُذن إذا ضُرب ذلك المفصل أسرع بإبانة الرأس، وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان، الأطراف، بعضهم قال: المقصود الأصابع وأطراف الأصابع ونحو ذلك بحيث لا يستطيع أن يقبض على السلاح ولا يُقاتل شلل في الحركة يُعلمهم ذلك، وهذا يدل على أن المؤمنين هم أولياء الله وهم أحباؤه، وهو لا يخذلهم بل ينصرهم، ويؤيدهم، ويُنزل ملائكته لنصرهم، وهذا يدل أيضًا على الولاء الذي يكون بين أهل الأرض من المؤمنين وأهل السماء الملائكة؛ فهم أولياء: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت:31]، هم أولياء لأهل الإيمان، ومن مقتضيات الولاية النُصرة، وكل ذلك بأمر الله -تبارك وتعالى- وإذنه وتقديره، فلا يخرج شيء عن ذلك قل أو كثُر، لكن: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ، هذا يدل على أهمية البُشرى وأهمية طمأنينة القلوب وما يبعث عليها، وكما ذكرنا من قبل في مناسبة سابقة أن هذا هو الذي يتعين لاسيما في أوقات الفتن والمخاوف والشرور وتكثر الشائعات وقالة السوء ونحو ذلك، فينبغي أن يصل إلى الناس ما يبعث على الطمأنينة والثقة بالله -تبارك وتعالى-، وليس الإرجاف الذي يخلع قلوبهم ويكسر نفوسهم.

وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، وهنا ذكر اسم الجلالة مُظهرًا: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، ما قال وما جعله إلا بُشرى، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، فذكر اسم الجلالة هنا لتربية المهابة والتعظيم كما هو ظاهر.

إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ، وقدم هنا البُشرى إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ، على نسق الكلام المعهود، ولأن المقصود البُشرى، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ، وقُدمت البُشرى على طمأنينة القلوب -والله تعالى أعلم- يمكن أن يكون ذلك باعتبار أن البُشرى إذا حصلت استروحت لها النفوس فتحصل الطمأنينة، بخلاف الخوف الذي يُبث في النفوس فإنه يحصل معه الاضطراب والتراجع والتردد ونحو ذلك وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى، لكم، فخصه بهذا مع أنه ظاهر لو قال: "وما جعله الله إلا بُشرى" كما في سورة الأنفال: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ [الأنفال:10]، في الأنفال.

وهنا: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ، فهذا يحتمل أن يكون ذلك لإبراز عناية الله بهم بعبادة المؤمنين هذه البُشرى من أجلكم إلا بُشرى لكم، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم، لما ذكر نزول الملائكة قد تركن النفوس إليهم وتتعلق بهم ولكنه بين هنا أن ذلك لا يتحقق -أعني النصر- بنزول هؤلاء الملائكة إنما هي مجرد بشرى وقطع كل شك أو وهم من هذه الجهة، فقال: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم، نزول الملائكة حصره بأقوى صيغة من صيغ الحصر: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ، وهنا في النصر: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم، جاء أيضًا بأقوى صيغة من صيغ الحصر، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ.

إذن إذا كان النصر من عنده وحده فينبغي أن يتوجه إليه بطلب النصر، يعني: لا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل هذه الأسباب يمكن أن يحصل بها طمأنينة، أما النصر الحقيقي فهو من عند الله -تبارك وتعالى-، فهو إن شاء نصر عباده بأسباب ظاهره وإن شاء نصرهم بشيء من عنده، فنصر نوحًا بماء منهمر من السماء ونابع من الأرض، وهكذا نصر أنبياءه ورسله -عليهم الصلاة والسلام- بالصيحة والرجفة والريح وما إلى ذلك، يقول النبي ﷺ: نُصرت بالصبا، -وهي الريح التي تهب من قِبل المشرق-، وأهلكت عاد بالدبور[3]، وهي الريح التي تكون من قِبل المغرب.

فلاحظ هذه رياح متقابلة التي أُهلك بها عاد أقوى الأمم ونُصر النبي ﷺ في يوم الخندق بالصبا، فهذا كله مُلك لله هذه الريح يُصرفها فينصر بها أقوامًا ويُهلك آخرين، فذلك جميعًا يوجب التعلق بالله أولاً وآخرًا، وأن الإنسان بعيدًا عن الله لا يمكن أن يُحقق لنفسه نفعًا أو يدفع عنها ضرًا، فإذا كان هؤلاء الأخيار خيار أهل الأرض النبي ﷺ ومن معه من الصحابة في بدر ويقول: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ، فمن سواه من دونهم من باب أولى، فلا يُعلق النصر إلا به، ولا تتعلق القلوب إلا به -تبارك وتعالى-.

هذا ما يتعلق بهذه الآية الكريمة، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/196)، والدر المصون (1/209).
  2. أخرجه البزار في مسنده (13/128)، برقم (6518).
  3. أخرجه البخاري، أبواب الاستسقاء، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نصرت بالصبا))، برقم (1035)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب في ريح الصبا والدبور، برقم (900).

مواد ذات صلة