الخميس 26 / جمادى الأولى / 1446 - 28 / نوفمبر 2024
(140) قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ...} الآية 129
تاريخ النشر: ٠٤ / جمادى الأولى / ١٤٣٨
التحميل: 409
مرات الإستماع: 968

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما بين الله -تبارك وتعالى- أن الأمر له وحده: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُون [آل عمران:128]، فليس ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا لغيره من الناس، قال الله -تبارك وتعالى- بعده مقررًا هذا المعنى بصورة لا يحصل معه التباس ولا ارتياب: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم [آل عمران:129]، لله ما في السماوات وما في الأرض له -تبارك وتعالى- كل ما في السماوات ملكًا ومُلكًا والأرض، يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء، يتجاوز عن سيئات من شاء ويسترها فلا يفتضح، ويُعذب من يشاء بذنوبه وسيئاته وكفره وإشراكه بالله -تبارك وتعالى-، وَاللّهُ غَفُورٌ، كثير الغفر التجاوز والستر على عباده المُسيئين، وهو رحيم أيضًا عظيم الرحمة لخلقه.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، فكل ما في السماوات وما في الأرض من المخلوقات من الأملاك من الكائنات كله لله -تبارك وتعالى-، فإن "ما" هذه تفيد العموم، وَلِلّهِ واللام هنا للملك، يعني: أن ذلك جميعًا هو في مُلكه -تبارك وتعالى- ومِلكه، فهو مالكه وهو الملك -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، فكل ما في السماوات وما في الأرض يعني ما في العالم العلوي والعالم السُفلي كله لله -تبارك وتعالى-، وما بأيدي الخلق فهو عارية في أيديهم الله -تبارك وتعالى- هو مالكه حقيقة، وعما قريب سيُنزع ذلك من أيديهم وترى بُرهان ذلك يتجدد في كل حين، حيث يؤخذ الإنسان وإن كان من أغنى الناس ثم يوضع في ملحودة جوانبها غُبر في كفن لا جيوب له، وليس يأخذ معه من متاع الدنيا شيء، لا يأخذ مالاً ولا طعامًا ولا شرابًا ولا مراكب ولا فُرش ولا غير ذلك.

فيخرج من الدنيا كما خرج من بطن أمه كما دخل إليها، لا يملك شيئًا، ثم بعد ذلك يخرج منها لا يملك شيئًا، وأملاكه جميعًا تتحول إلى ورثته، وهذا من الملك الجبري الذي لا يتوقف على قبول من ينتقل إليه من الورثة، الهبة العطية الهدية تتوقف على قبول المُعطى فقد لا يقبل فلا تكون داخلة في مُلكه، ولكن الميراث ينتقل انتقالاً جبريًّا، لا يستطيع الإنسان أن يقول: أنا لا ينتقل إليّ هذا الميراث، يمكن إذا انتقل إليه أن يتنازل عنه لغيره أن يتبرع به، أن يهبه أو نحو ذلك، لكن الواقع أنه انتقل إليه فصار بعد ذلك من هباته وعطاياه، ونحو ذلك.

وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وإذا كان لله -تبارك وتعالى- ما في السماوات وما في الأرض كل شيء هو له؛ فعلاما يكون الرجاء لغيره من المخلوقين؟! إذا كانوا لا يملكون فيتوجه القلب إليهم مُرجيًا لهم ولما في أيديهم على أي شيء وهم فقراء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد [فاطر:15]، ثم إذا كان لله ما في السماوات وما في الأرض فهذا أيضًا يُقرر حقيقة ثابتة وهي أن العبادة لا تصلح لغيره؛ لأن كل ما يُرجيه المخلوق أو يخافه فهو بيد الله فينبغي أن تكون العبادة له وحده، وأن يكون الخوف منه وحده، وأن يكون الرجاء إليه دون ما سواه، المخلوق فقير مربوب ضعيف عبد لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، والله -تبارك وتعالى- هو الغني الحميد، فمثل هذه المعاني هي التي يتحقق بها التجرد -تجرد القلب- من العبودية للخلق فيتوجه إلى فاطره وبارئه وخالقه .

وكذلك أيضًا في تقديم الجار والمجرور: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، ولم يقل: وما في السماوات وما في الأرض لله ليكون الكلام على نسق على وجهه بتأخير ما حقه التأخير وتقديم ما حقه التقديم، فهنا قدم الجار والمجرور وذلك يُفيد الحصر: وَلِلّهِ أي: له وحده دون ما سواه، لا يُشاركه في ذلك أحد، النصوص كثيرة في هذا المعنى، كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].

فهنا له وحده ما في السماوات وما في الأرض، والذي يكون ربًّا هو الذي يكون مالكًا غنيًّا قويًّا عزيزًا سميعًا بصيرًا رازقًا محُييًا مميتًا إلى غير ذلك من أوصاف الكمال، ومن كان مستجمعًا لأوصاف الكمال ومن ذلك الربوبية فإنه هو الذي يستحق الإلهية، ولهذا جاء هنا -والله أعلم- بهذا الاسم الكريم -اسم الجلالة- الله الذي قال كثير من المحققين إنه الاسم الأعظم وهذا قول قريب، والله تعالى أعلم.

وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، ولم يقل: وللرب ما في السماوات وما في الأرض، وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، فهذا الذي يصلح أن يكون الإلهية له، تكون العبادة له وحده دون ما سواه، فالقلوب التي تُعبد لغير الله هذه قلوب ضائعة، قلوب ينتابها من ألوان القلق والخوف والاضطراب ما الله به عليم، لكن إذا كان الإنسان قد توجه قلبه إلى ربه وخالقه الذي له ما في السماوات وما في الأرض.

كذلك أيضًا هنا: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، "ما" هذه في الغالب تُستعمل لغير من يوصف بالعلم الذي يُعبرون عنه كثيرًا بغير العاقل؛ لكن هنا بعض أهل العلم يُعبر بمثل ما ذكرت -يعني بغير العالم، بغير من يوصف بالعلم- لأن الملائكة يوصفون بالعلم، وهل يُقال إن الملائكة عُقلاء؟ هذا لم يرد في الكتاب والسنة، فإذا أراد الإنسان أن يتقيد في ذلك فإنه يمكن أن يُعبر بمثل هذه العبارة، فيُقال: "ما" لما من شأنه أن لا يعلم، لغير من يعلم، لغير العاقل، و"من" تكون لمن يوصف بالعلم، أو كما يقولون: للعاقل، فهنا وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، هذا يمكن أن يكون من باب التغليب تغليب غير العاقل ربما؛ لأنه أكثر: حبات الرمل، الأشجار، الحيوانات، جميع الدواب، كل ذلك ملك لله مع الإنسان والملائكة كلهم أملاك لله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، وبعض أهل العلم يُطلق في ذلك، فيقول: إنه قُصد بها العموم، يعني من غير نظر إلى من يعقل أو لا يعقل، وهذا له نظائر في كتاب الله .

وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء، كأن الجملة الأولى جيء بها لتقرير هذا المعنى، يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء، فهؤلاء الذين قال الله -تبارك وتعالى-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، هؤلاء الذين قاتلوه في بدر وقاتلوه في أحد والسياق كله في أحد: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِين [آل عمران:127]، لما ذكر إنزال الملائكة: أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين ۝ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِين [آل عمران:124-125]، ثم قال ليقطع الرجاء بالمخلوقين وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم [آل عمران:126]، هذا كله توحيد؛ لئلا تتعلق القلوب بالملائكة، فقال لهم: النصر من الله وحده، أما نزول الملائكة فهذا مجرد بُشرى ولتطمئن به القلوب، إذا كان الملائكة يكون نزولهم مجرد بُشرى وهم بهذه الأعداد في بدر: بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين [الأنفال:9]، يعني: يتبعهم غيرهم، يلحقهم آخرون، وكذلك أيضًا هذا على القول بأنها في بدر ثلاثة آلاف، ثم خمسة آلاف، وعدد المشركين كما ذكرنا بين التسعمائة والألف في وقعة بدر، فهذا كله بُشرى مجرد بُشرى.

ثم قال: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِين [آل عمران:127]، ليُقتل منهم من يُقتل من صناديدهم وكبرائهم، أَوْ يَكْبِتَهُمْ من بقي على قيد الحياة يرجع وهو مكبوت وهو حسير، وهو في حال من الحنق والغيظ الذي لم يستطع أن يُنفذه، فهذا هو الكبت أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِين.

ثم قال: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، يُعذب هؤلاء أو يغفر لهم، فالأمر كله لله، رسول الله ﷺ ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى، والإنسان في مثل هذا يتأدب بأدب وهو ألا يتقدم بين يدي الله، لماذا يا رب لا تخسف بهؤلاء الكفار؟!، لماذا يا رب لا تُعاجل بهلكتهم ونحو ذلك؟!

وهنا وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، المخلوق ليس له شيء، ولو كان أشرف الخلق وهو رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.

وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم، هذه من الآيات التي تفيد معنى الرجاء في قلب المؤمن، وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: أن الله -تبارك وتعالى- قدم الغفر والسياق في الكفار الذين قاتلوا في أحد، الغزوة تتحدث عن غزوة أحد، ووقعت الهزيمة الأليمة، وجُرح رسول الله ﷺ شُج وجهه، وكُسرت رباعيته، ووقع في الحفرة التي حفرها أبو عامر الفاسق الذي يُقال له: الراهب، وقُتل سبعون من أصحابه منهم حمزة عمه -رضي الله عنه وأرضاه-، ومصعب بن عمير، وأمثال هؤلاء نحو ستة من المهاجرين وأربعة وستون أنصاريًّا قتلوا في هذه الوقعة -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء، فهنا الترجية من جهة أنه قدم الغفر يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء، قدم الغفر على العذاب والغفر يتضمن معنيين:

الأول: التجاوز أن يقيه تبعة الذنب وهو المؤاخذة والعذاب.

والمعنى الثاني: وهو الستر، ومنه المغفر الذي يضعه المقاتل على رأسه فهو يستره وفي الوقت نفسه يقيه الضرب، فهنا قدم الغفر: يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء، ثم قال بعدها: وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم، فجعل العذاب بين مغفرتين، وزاد في الأخير الرحمة، ولاحظ هذا التذييل في هذه الآية وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم، "غفور" أي: عظيم الغفر، صيغة مبالغة مهما تعاظمت ذنوب العباد، رحيم أي: عظيم الرحمة، وعلى كثرة العباد وكثرة تقصيرهم وجرائرهم وجرائمهم وذنوبهم ومع ذلك هو عظيم المغفرة والرحمة -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

فهذا ملكه لا يدخل معه أحد في إدارته لا في تعذيب أحد ولا في رحمته، والله -تبارك وتعالى- هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم، وهذا يُفيد أيضًا أن الباب مفتوح أمام العباد، وإن تعاظمت سيئاتهم من أجل أن ينالوا مغفرته ورحمته، فقد يكون بعض هؤلاء ممن جنى جنايات عظيمة، قتل أصحاب النبي ﷺ في أحد، وقد أسلم كثير من هؤلاء، قائدهم أبو سفيان دخل في الإسلام، وكما ذكرنا في بعض المناسبات أنه أول من قاتل المرتدين، كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[1] في قوله تعالى: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً [الممتحنة:7]، وأقرب الأقوال فيها -والله أعلم- ليس معنى ذلك أن النبي ﷺ تزوج أم حبيبية بنت أبي سفيان فقد تزوجها قبل أن يُسلم أبوها، ولكن أرجح ما قيل فيها أنهم يدخلون في الإسلام فتنكسر تلك العداوة وتتحول إلى مودة.

عَسَى اللَّهُ، وعسى من الله كما جاء عن ابن عباس وغيره واجبة[2]، يعني: متحققة الوقوع إذا جاءت في كلامه هو : عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ، وقد كان ذلك فأسلم أبو سفيان وأسلم سُهيل بن عمرو العامري، وكان ممن أُسر في بدر، وأسلم أيضًا صفوان بن أمية، ولم يشهد بدرًا، وإنما بعث مكانه رجلاً آخر، وأسلم غير هؤلاء من كبرائهم كخالد بن الوليد الذي كان سبب هزيمة المسلمين مع عكرمة أسلموا وصاروا من كبار قادة المسلمين يفدون الإسلام بدمائهم وأرواحهم في كل موطن، وقد أبلى بلاء حسنًا حتى قال أعداءه -الكفار- في خالد بن الوليد : بأنه لم تُهزم له راية، لما بعثه النبي ﷺ في مسيره إلى تبوك إلى دومة الجندل ملكها كان يُحدث أخاه يحدثه بالفرار والهرب، وأنه لا قِبل له بمقابلة خالد ؛ لأنه يقول: بأن هذا الرجل لم تُنكس له راية ولم يُهزم له جيش أو لم يُهزم في معركة، وفي العراق لما بعثه أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- بقي سنة في أربعين معركة أو أكثر لم يُهزم في واحدة.

ثم بعد ذلك أوقف سنة من غير قتال فكان يُسميها عام النساء، بلا قتال.

ثم بعد ذلك حصل على يده من الفتوحات العظيمة كما هو معلوم وكان -رضي الله عنه وأرضاه- في أحد الوقائع في حرب الفُرس قد اجتمع عليه الفُرس والروم لأول مرة فيما يُعلم في التاريخ، يجتمع القطبان كما يُقال الشرقي والغربي، بينهم عداوة شديدة وحروب: الم ۝ غُلِبَتِ الرُّوم [الروم:1-2]، يعني: سجل التاريخ هذا الحدث ومع ذلك اجتمعوا في حرب المسلمين، في أكثر من مائتي ألف مقاتل في مقابل المسلمين، في مقابل خالد بن الوليد -رضي الله عنه وأرضاه-، فتحول هؤلاء إلى مناضلين، أبو سفيان أول من قاتل المرتدين قبل أن يُباشر ذلك أو يأمر به أبو بكر الصديق ، فكان عائدًا من اليمن وبلغه وفاة النبي ﷺ وهو في الطريق إلى المدينة فلقي ذا الخمار مرتدًا عن الإسلام فقاتله، هذا أبو سفيان، أما خالد بن الوليد فكان يخب ويضع في قتال المرتدين، وله في ذلك مواقف مشهودة وهو الذي قضى على أشرسهم وهم أهل اليمامة.

وقد قال بعض أهل العلم من السلف في قوله تعالى في هؤلاء الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ: سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [الفتح:16]، قال بعضهم: هم أهل اليمامة.

فهذا قول مشهور وإن لم يكن هذا هو المتعين لكن لا شك أنهم أصحاب بأس شديد في القتال، فكان خالد هو الذي قضى على فتنتهم، وقُتل مسيلمة الكذاب، وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا.

وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم فهنا يفتح لهم الآفاق، يفتح لهم الباب أنهم يرجعون إلى الله يتوبون فيقبل توبتهم، ويغفر لهم، فالأمر كله إليه؛ فإذا ما على العبد إلا أن يُنيب وأن يؤدي حقوق الله -تبارك وتعالى- وأن يترك مساخطه وما بعد ذلك فهو متروك لحكمة الله وتدبيره، وتقديره وتحت مشيئته، وتصريفه يُصرفه بعلم نافذ، وبصر نافذ، وعلم مُحيط، وحكمة تامة.

هذا ما يتعلق بهذه الآية، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (8/89)، والبداية والنهاية ط هجر (6/144).
  2. تفسير الطبري (11/376).

مواد ذات صلة