الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
[39] قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ..} إلى قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
تاريخ النشر: ١١ / رمضان / ١٤٣٦
التحميل: 1205
مرات الإستماع: 1483

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول الله -تبارك وتعالى- في جملة ما خاطب به بني إسرائيل: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ۝ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة البقرة:55، 56] واذكروا حين قلتم: يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَك لن نصدق، ولن يكون لنا انقياد وإذعان لك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً لما كلَّم الله موسى طمعوا في رؤيته وتقدست أسماؤه، وجعلوا إيمانهم موقوفًا على هذه الرؤية: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً نراه عيانًا، فماذا كانت النتيجة؟

فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ نزلت عليهم الصاعقة من السماء، والصاعقة يقول فيها المفسرون: بأنها نار محرقة تنزل من السماء.

وبعضهم يقول: صوت شديد مزعج مهلك، إلى غير ذلك من عباراتهم، وهذا في الواقع تفسير لها إما بمظهرها أو ببعض مظاهرها، وإما تفسير لها بأثرها، يعني من مظاهرها الصوت المزعج؛ لأنها تكون مع الرعد، ومن آثارها الحرق، أن ما نزلت عليه يحترق، فهذا تفسير لها بالأثر، وإلا فالواقع أنها في حقيقتها ليست كذلك، والمعاصرون يقولون: بأنها شحنة كهربائية هائلة تنزل فيكون أثرها الإحراق والتدمير والإهلاك على ما وقعت عليه كما هو معلوم مشاهد.

فنزلت عليهم هذه الصاعقة فأخذتهم وهم ينظرون، وهم يشاهدون وينظرون إليها وتنزل، أو أنهم يشاهد بعضهم بعضًا حيث يتساقطون صرعى بسبب هذه الصاعقة.

ويؤخذ من هذه الآية في هذا الخطاب الذي خوطب به المعاصرون للنبي ﷺ: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى والذي قال ذلك هو أجدادهم، وهنا قاعدة في هذا وهي: أن المذمة التي تلحق الآباء تكون لاحقة للذرية إذا كانوا على طريقتهم، بهذا القيد، كما أن النعمة الواصلة إلى الآباء تلحق الأبناء، ولهذا تجدون في هذه الخطابات لبني إسرائيل يخاطبهم يخاطب الذين كانوا في زمن النبي ﷺ بنعم أنعمها على أسلافهم، وكما سيأتي في قوله: وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى [سورة البقرة:57] ليس لهم أن يقولوا: ما نزل علينا هذا ولا رأيناه، هذا نزل على أجدادنا، فالنعمة الواصلة للآباء لاحقة للذرية والأبناء، فصح الامتنان عليهم بهذا وتوجيه الخطاب إلى المعاصرين لرسول الله ﷺ كذلك في المذمة والمثالب، فهنا: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [سورة البقرة:55] فوبخهم على فعل أسلافهم؛ لأنهم على طريقتهم، على نفس السبيل، وهم لا ينكرون ذلك، ولا يتنصلون مما صدر من أسلافهم.

وقوله -تبارك وتعالى- لموسى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فالخطاب: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى ما قالوا: يا رسول الله، والله يقول في الآية الأخرى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [سورة النور:63] أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ [سورة الحجرات:2] لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ يعني حينما تدعونه قولوا: يا رسول الله، لا تقل: يا محمد، كما يدعو بعضكم بعضًا يدعوه باسمه أو يناديه يا فلان لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ لا، وقروه، وعظموه، وأجلوه، قولوا: يا رسول الله.

وتحتمل من المعاني لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ يعني: إذا دعاك فأجبه، قال: يا زيد، ولو كنت في صلاة، كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ فقد أنكر النبي ﷺ على من دعاه فلم يجبه، احتج عليه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [سورة الأنفال:24][1].

اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ دعاك هنا يحتمل دعاك بمعنى ناداك: يا زيد، ودعاك يعني دعاك إلى الإيمان وهذا هو السياق، لكن يؤخذ من عموم اللفظ المعنى الآخر الذي ذكره النبي ﷺ والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.

ويحتمل قوله -تبارك وتعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [سورة النور:63] يعني: حينما يدعو على أحدكم، فليس ذلك كدعاء آحادكم على بعض، لا تجعلوا دعاء الرسول إذا دعا على أحد بالهلاك أو العذاب فهذا ليس كدعاء آحاد الناس لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [سورة النور:63] فهذا نهي.

وهذه المعاني جميعًا صحيحة، والآية -والله أعلم- تشمل ذلك، فصار من المعاني الصحيحة الداخلة فيه: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا يعني: إذا دعوتموه قولوا: يا رسول الله، تأدبوا معه في هذا الخطاب، وهنا هؤلاء اليهود ينادون نبيهم يا موسى فعل أهل الجفاء والجفوة، وهذا لا يليق بل لا يليق مع الوالد أو الكبير من الناس أن يدعى باسمه هكذا، والنبي حقه أعظم من حق الوالد، فهو بمنزلة الوالد وزيادة، والله -تبارك وتعالى- يقول: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [سورة الأحزاب:6] وفي الأخرى في قراءتين لأبي بن كعب ولابن عباس -رضي الله عنهما- لكنها غير متواترة: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبٌ لهم وأزواجه أمهاتهم"[2] "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم"[3].

فالأبوة أبوتان: أبوة ولادة، فهو سبب وجودك في هذه الحياة، فله حق، فحقه يأتي بعد حق الله والأبوة الثانية: أبوة التربية فهو الذي يرفعك ويسمو بك بهذه التربية والتعليم، وهذا شأن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وورثة الأنبياء من العلماء الربانيين وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79] فأبوَّة يحصل بها الوجود والخروج إلى الحياة وأبوَّة يحصل بها الصعود والعلو، ولهذا في قوله -تبارك وتعالى- عن قول لوط للملائكة وما عرفهم حينما خاطب قومه قال: يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [سورة هود:78] هؤلاء بناتي، ماذا يقصد؟ أقوال للمفسرين، ومن الأقوال المشهورة في هذا وهو قول له وجه قوي من النظر أنه قصد: هَؤُلاءِ بَنَاتِي بنات القبيلة تزوجوهن تتعففون بذلك عن الحرام والشذوذ بإتيان الذكران من العالمين هَؤُلاءِ بَنَاتِي باعتبار أن النبي بمنزلة الوالد لقومه.

فانظروا إلى هذا الجفاء، ثم انظروا أيضًا هذه العبارة التي عُبر بها: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [سورة البقرة:55] جهرة هنا منصوب باعتبار أنه مصدر مؤكد لقولهم: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [سورة النساء:153] لو قالوا: أرنا الله لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً يحتمل أنه نرى الله رؤية علمية، رؤية منامية، هذا يتصور من أناس أن يعلقوا الإيمان حتى يروا الله، الكفار في زمن النبي ﷺ وهم أهل شرك ووثنية قالوا: أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21] فهذا قد لا يستغرب من المشركين في وثنيتهم، لكن هؤلاء أهل كتاب، وهؤلاء هم النخبة الذين اصطفاهم موسى : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا [سورة الأعراف:155] هؤلاء نقاوة الناس السبعون يقولون مثل هذا الكلام.

وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [سورة البقرة:55] ما قالوا: عيانًا، جهرة أفصح وأخف في النطق وعلى السمع حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً يعني: كفاحًا رؤية لا لبس فيها ولا غموض، وهذا من بلاغة القرآن، يقولون: لا يوجد لفظة تقوم مقام لفظة، يعني لو فتشت القواميس من أجل أن تستبدل لفظة بلفظة تظن أنها ترادفها فلن تجد، يعني لو قالوا مثلاً: لو وضعت مكانها لن نؤمن لك حتى نرى الله عيانًا، يقال: عِيانًا وعَيانًا بالفتح والكسر لن يكون وقعها كلفظة: جَهْرَةً ولذلك الأعرابي الذي سمع قارئ يقرأ: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [سورة الحجر:94] سجد، قيل: لم سجدت؟ قال: لفصاحته[4] كانوا يدركون يتذوقون هذه الفصاحة ووقع هذه الألفاظ وأثرها على السمع أو السامع.

ثم انظروا أيضًا هذه العقوبة: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ طلبوا أمرًا لا يسوغ لهم طلبه، ومن طلب ما لا يسوغ له فإنه حري بالعقوبة في مثل هذا.

ثم أيضًا لاحظ أنه قال: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ هذا أبلغ وأشد في النكاية كما أنهم رأوا فرعون وهو يسقط في البحر ويغرق ويصارع الموت وهم ينظرون، كذلك أيضًا أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، ولذلك الذي يعاين أسباب الهلاك ويراها غير الذي يأتيه الشيء من ترقب ولا نظر، ولهذا ذكرت لكم في بعض المناسبات القتل صبرًا، قلنا: أن يحبس الإنسان للقتل يقاد للقتل فيقتل وهو ينظر، تجد كلام الأدباء والشعراء ونحو ذلك في توصيف نظر هذا للسيف، كيف ينظر إليه من طرف خفي يرمقه بطرف عينه، فهذا وقعه أشد.

عقبة بن أبي معيط قتل بعد غزوة بدر، كان قد أسر وأخذ، فأمر النبي ﷺ بضرب عنقه في الصفراء في طريق مقفله ﷺ من بدر إلى المدينة، ناحية منطقة أرض يقال لها: الصفراء في الطريق، فقال: أأقتل بين قريش صبرًا[5] يعني كيف يقع مثل هذا.

قال الله -تبارك وتعالى- بعد هذا: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة البقرة:56] هذا يدل على أن هذه الصاعقة التي أخذتهم لم تكن غشية، بعض العلماء يقول: كانت غشية، والصحيح أنها ليست بغشية، بدليل أن الله قال: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فماتوا، وهذا أحد المواضع في سورة البقرة التي هي من دلائل قدرة الله على البعث وإحياء الموتى، هذا موضع.

الموضع الآخر طيور إبراهيم: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا [سورة البقرة:260].

والثاني: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [سورة البقرة:259].

والثالث: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [سورة البقرة:243].

والرابع: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [سورة البقرة:67] فأحيا الله هذا القتيل بضربه بجزء منها.

والخامس هو هذا، خمسة مواضع في سورة البقرة هي من آيات الله ودلائل قدرته على البعث والنشور، دلائل البعث أنواع أحد هذه الأنواع وتحته أدلة متعددة هو أولئك الذين أماتهم الله ثم أحياهم، في سورة البقرة خمسة مواضع من هذا النوع من الأدلة، هو دليل واحد من أدلة القدرة على البعث.

ففي سورة البقرة خمسة أمثلة تدل عليه ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فالله على كل شيء قدير لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون أي: من أجل أن تشكروا نعمة الله عليكم وتستدركوا هذا النقص والتقصير والعتو على الله وعلى رسله -عليهم الصلاة والسلام- فهذه نعمة كون الإنسان مات فأحياه الله من جديد حياة جديدة فرصة جديدة في الحياة، يحتاج أن يجدد العمل ويراجع نفسه، وقل مثل ذلك فيمن عاين أسباب الهلاك فأنجاه الله منها، وقع له مرض، أشرف على الهلكة، سلَّم ودع وصى يئس من الدنيا ثم أعاده الله من جديد فبرئ، فأين العمل؟

يعود كثير من الناس إلى ما كان عليه، انقلب في السيارة ثلاث أربع خمس مرات قلبات، شاف الموت أمامه، طلع الحمد لله على السلامة، حفلة، صدقة، انتهينا، انظر إلى السلوك بعدها تغير، تغيرت الحياة، هذه حياة جديدة، الله قد امتن عليك بها، كثير حصل لهم أقل بكثير مما حصل لك وماتوا، وأنت "ما شاء الله ولا مشخ" كما يقال.

هذه حياة جديدة، احمد الله ، فبعض النفوس لا يوفق أصحابها ولا يعتبر ولا يتفكر، وإذا مضى وقت على هذا المرض الذي أصابه ويئس من الحياة وكان الناس يقولون: لا تيأس من روح الله، بعد ذلك يبرأ ثم ينسى تمامًا، ما كأن شيئًا قد وقع، هذه مشكلة.

فالعبد المؤمن العاقل الرشيد هو الذي يتعظ ويعتبر بكل ما يقع له، ويحمد الله ويجعله ذلك يراجع نفسه من جديد، يراجع حساباته، لربما ذهبت نفسه في هذه أو تلك، ولهذا قيل: العاقل من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه.

ومن الناس من لا يتعظ لا بغيره ولا بنفسه، فهذا أشقى من الشقي نفسه، وفي كل ما تراه عبر وعظات اعتبر بكل ما تشاهد، إن رأيت محسنًا أو مسيئًا فهذا كله فيه عبر، الحياة كلها عبر.

أسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وجلاء همومنا، اللهم ذكّرنا منه ما نُسِّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا -والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4474)، وبرقم (4703)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ [سورة الحجر:87]. 
  2.  انظر: تفسير الألوسي (روح المعاني) (6/ 303)، و(11/ 150). 
  3.  انظر: تفسير الطبري (12/ 503)، وتفسير ابن كثير (6/ 381)، وتفسير الألوسي (11/ 150). 
  4.  إعراب القرآن وبيانه (3/ 463). 
  5. الروض الأنف ت السلامي (5/ 115، 116). 

مواد ذات صلة