الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
[124] قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ..}
تاريخ النشر: ٢٦ / صفر / ١٤٣٧
التحميل: 1505
مرات الإستماع: 1952

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- دلائل وحدانيته وقدرته، في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ [سورة البقرة:164] الآية، قال بعد ذلك: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [سورة البقرة:165] ومع هذه البراهين القاطعة، والأدلة الواضحة على وحدانيته -تبارك وتعالى- وعظمته وقدرته الكاملة، لكن من الناس من يتخذ من دون الله أندادًا، يحبونهم كحب الله، ويتخذون معبودات باطلة من الأصنام والأوثان والأولياء، ويجعلونهم نُظراء لله -تبارك وتعالى- يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ فبعض أهل العلم يقول: يُحبونهم محبة يسوون فيها محبة هؤلاء الأولياء بمحبة الله، يعني: يُحبونهم كمحبتهم لله، حيث جعلوهم بهذه المنزلة، وهذا ما يُسمى بشرك المحبة، فإنه لا يجوز للإنسان أن يصل بمحبة غير الله -تبارك وتعالى- إلى مثل هذا الحد، فكيف إذا كان يُحب المعبودات الباطلة التي لا يجوز أن تُحب أصلاً.

وبعض أهل العلم يقول: يُحبونهم كحب الله، يعني: كما يُحب الله، والذين آمنوا أشد حبًا لله، فهذان قولان معروفان لأهل العلم، والذين آمنوا أشد حبًا لله من محبة هؤلاء لأوليائهم ومعبوداتهم، وبعضهم يقول: والذين آمنوا أشد حبًا لله؛ لأنهم قد أخلصوا المحبة، وهؤلاء قد أشركوا فيها، فأضعفوها.

ثم قال الله -تبارك وتعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [سورة البقرة:165] أي: لو يعلم الذين ظلموا بالشرك والكفر في هذه الحياة الدنيا، حين يشاهدون عذاب الله -تبارك وتعالى- في الآخرة، ويعلمون عندئذٍ أن الله هو المتفرد بالقوة والقدرة والتدبير، وأن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العذاب، فحُذف هنا الجواب، أي: لما اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم من دون الله، ويتقربون إليهم؛ ولذلك كانوا جاهلين، وكل من عبد غير الله فهو في غاية الجهل.

ويُؤخذ من هذه الآية -أيها الأحبة- ما يتعلق بالانحراف بالمحبة وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [سورة البقرة:165] فقد يتخذ صنمًا، وقد يتخذ معبودًا غيره من البشر، وقد يتعلق بمحبوب يصل به ذلك التعلق والمحبة إلى حال لا تجوز ولا تصح بحال من الأحوال، فيكون عبدًا له؛ ولهذا يقول النبي ﷺ: تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة[1] الحديث، هذه المحبة، محبة الزوجة، أو المال، أو الولد، أو محبة معشوق من امرأة يعشقها، ونحو ذلك، حينما تتعاظم في القلب، فإن هذا قد يُفضي به إلى حال يُخل بإيمانه واعتقاده.

وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، واحتج بهذه الآية، وقال: ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله، وضعف الإيمان، والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المُشركة، وعن قوم لوط المشركين، يقول: والعاشق المُتيم يصير عبدًا لمعشوقه، مُنقادًا له، أسير القلب له[2] نسأل الله العافية، عشاق الصور والذين تتعلق نفوسهم وقلوبهم بالذوات الجميلة، وبذوي الصباحة والجمال، ونحو ذلك من النساء وغيرهم، فهؤلاء قد يصل بهم العشق إلى حال يكون هذا العاشق عبدًا لهذا المعشوق، وهذا جاء في كلام الشعراء وغيرهم عبر التاريخ، وقد يُصاب الرجل في عقله بسبب العشق، وأحد هؤلاء تعلق بفتى وصار يُردد عند الموت؛ لما قيل له: قل لا إله إلا الله، قال:

أسلَمُ يا راحةَ العليلِ ويا شِفا المدنِف النحيلِ
رضاك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل[3]

وذاك الرجل الذي رأى جارية، وكانت تسأل وتقول: أين الطريق إلى حمام منجابِ؟ قال: هذا، وأشار إلى بيته فدخلت، فلما علمت أنه خدعها، احتالت وطلبت منه أن يأتي بشيء من المُسكر، فخرج لا يلوي على شيء وترك الباب مفتوحًا، فخرجت بعده، فجاء فلم يجدها، فأُصيب في عقله، فكان يُردد في الطرقات:

ورُب قائلة يومًا وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ؟[4]

فالشاهد أن هذا الرجل أُصيب في عقله، حيث تعلق بهذا الجارية؛ لأنها كانت في غاية الجمال، فلما كان عند الاحتضار قيل له: يا فلان قل لا إله إلا الله، قال:

ورُب قائلة يومًا وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ؟

ومثل هذا حصل لأقوام ممن يتعلق بنوع من المال، كالذي يتعلق بالإبل ويُحبها محبة لا تصلح لشيء من هذا الحُطام، فلما كان عند الاحتضار، قيل له: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال كلمة: الحمض من الإبل والإبل من الحمض، كلمة يقولها أهل الإبل، الحمض نبت تُحبه الإبل، ويؤثر في لحمها وألبانها، إذا رعت الحمض، فهذا الرجل يقول مثل هذه الكلمة عند الاحتضار، وغير هذا كثير.

فالمقصود: أن العبودية هي عبودية القلب، والحرية هي حرية القلب، فقد يكون العبد في الظاهر كما قال شيخ الإسلام في كتاب العبودية ملكًا مُطاعًا، ولكنه قد يكون في الباطن أسيرًا وعبدًا لغيره؛ ولهذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله: بأن هذه الأشياء التي في أيدي الناس من المُمتلكات والأموال، ينبغي أن يكون كالكنيف -أعزكم الله- الذي يجلس عليه لحاجته، يعني: لا تدخل القلب، فإن هذه الدنيا إذا دخلت في القلب أفسدته، فهذا هو الطريق.

ويُؤخذ من قوله -تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [سورة البقرة:165] على أن محبة الله -تبارك وتعالى- من العبادة، بل هي من أجل العبادات؛ لأن الله تعالى جعل من سوى غيره به فيها مُشركًا، متخذًا لله ندًا، فدل ذلك على أن محبة الله -تبارك وتعالى- من العبادة، بل هي أساس العبادة؛ لأن أساس العبادة مبني على الحب والتعظيم.

ويُؤخذ من هذه الآية: أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [سورة البقرة:165] أن هذه الأنداد لا تُحب، ولا تستحق أن تُحب؛ لأنها معبودات باطلة من دون الله -تبارك وتعالى- فاستدل بهذه الآية شيخ الإسلام على أن من جعل ما لم يأمر الله -تبارك وتعالى- بمحبته وأضاف ذلك إلى الله، بأن الله أمر، أو شرع بأن يُحب، فإن هذا يكون مبدأ الإشراك.

ويُؤخذ من هذه الآية من الفوائد أيضًا: شدة حب أهل الباطل والأهواء لباطلهم وأهوائهم، انظروا هذه المعبودات الباطلة: من أصنام وأحجار، تُحب هذه المحبة العظيمة، ويُتعلق بها هذا التعلق العظيم، وقد قيل لسُفيان بن عُيينة -رحمه الله: إن أهل الأهواء يُحبون ما ابتدعوه من أهوائهم حبًا شديدًا، تجده متعلق بهذه الضلالة يموت دونها، فقال: أنسيت قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [سورة البقرة:165] وقوله: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [سورة البقرة:93][5] أُشربوا -كما ذكرنا سابقًا- إذا كان القلب يُشرب محبة عجل معبود من دون الله باطل إلى هذا الحد، بحيث تتخلل محبته في القلوب، فالله أولى بأن يُحب محبة تتخلل القلوب.

ويؤخذ أيضًا من قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [سورة البقرة:165] مراجعة النفس، ومحاسبة العبد لنفسه؛ لئلا يطلع الله -تبارك وتعالى- في قلبه على خلاف ذلك، فالله يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [سورة البقرة:165] فلا يليق أن يكون في قلب المؤمن ما يتعلق به ويُحبه بحيث يُزاحم محبة الله -تبارك وتعالى- فهذا لا يليق، ولو أن العبد استشعر هذا لصار حب الله -تبارك وتعالى- فوق كل محبوب، ولصار أثر هذا الحب على جوارحه وحاله، فيُبادر إلى مرضاته وطاعته، ويلهج بذكره، ومن أحب شيئًا فإنه يلهج بذكره، ويأنس حينما يذكره، أو يُذكر عنده، فما بال الكثيرين حينما يكون في مجلسًا من مجالس الذكر يتململ، ولا يأنس، ولا يجد نفسه وقلبه في هذه المجالس، يرى الدقائق ساعات، والساعات أيام، فمثل هذا لا يليق أبدًا، فالمحبة لها علامات ودلائل وبراهين تظهر على صاحبها.

ويُؤخذ من هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [سورة البقرة:165] أنه بقدر الإيمان تكون المحبة، فإذا ازداد الإيمان ازدادت المحبة؛ لأن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فهذا الإيمان إذا ازداد ازداد التعلق بالله والمحبة له، وإذا نقص الإيمان نقصت المحبة؛ ولهذا فإن هؤلاء الذين يعانون من العشق، والتعلق العاطفي كما يُقال، إنما ذلك لنقص محبتهم لله فتكون هذه القلوب فارغة، فتُملأ بهذا الاشتغال، وهذه المحبة لغير الله -تبارك وتعالى- فإنه لا يتسع لمحبة هذه الصور، ومن ثَم لا يحصل التعلق بها بحال من الأحوال، أولئك الذين يُعانون من هذا المرض، متعلق بفلانة، أو فلان، وقد تتعلق المرأة بامرأة، وهذا يكثُر في الفتيات والنساء بما يسمونه بالإعجاب، وهو نوع من التعلق العاطفي، فهذا لون من العشق، ولا يصح بحال من الأحوال، وإنما يكون في القلوب الفارغة، فإذا فرغ القلب وخلا من محبة الله، فإنه يمتلأ بمحبة غيره، ويشتغل به، ويُقبل عليه.

وفي قوله: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [سورة البقرة:165] حُذف جواب (لو) ومثل هذا الحذف في مقامات الوعد أو الوعيد يدل على التفخيم، يعني: لو يرون ذلك لرأوا أمرًا هائلاً عجيبًا عظيمًا، لا يُقادر قدره، فيُحذف لتذهب النفس كل مذهب في تقديره، هذا أكبر من أن يصور، أو يُحد، فيسرح الذهن بتأمل ذلك وتتطلبه، فهو لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة والألم، وما إلى ذلك، وهكذا على كل حال، فإن من كان صادقًا في محبة الله -تبارك وتعالى- فلا بد أن يُعبد نفسه له، ولا بد أن يُقبل عليه، وأن يشتغل بطاعته، ويعمل بمرضاته، ويتلذذ بمناجاته، ويكون أحسن الأحوال والأوقات، حينما يخلو بذكره؛ ولهذا كان ابن المنكدر -رحمه الله- وهو من التابعين يقول: إني لأدخل في الليل فيهولني، فينقضي وما قضيت منه أربي[6] والآخر يقول: إني لأفرح بالظلام، يعني: من أجل الصلاة، وقيام الليل، ومناجاة الله فإذا كان العبد يجد نفسه، ويفرح في السمر في أمور لا طائل تحتها، وحديث الناس، وما إلى ذلك، فإن هذا يدل على خلل في المحبة.

والمحبة في القلب، فهي من الأعمال القلبية، هي عمل قلبي، لكن يظهر أثره على الجوارح، بطاعة المحبوب، وكثرة ذكره، كما قيل:   

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيعُ[7]

فهذه من مقتضيات المحبة اللهج بذكره، والأُنس بمناجاته، والعمل بطاعته، والبذل في سبيله، والإنسان إذا كان يُحب أحد من الناس، أو يُحب ويعشق امرأة، أو نحو ذلك، يسترخص المال، فإذا دخل سوق لا يُفكر إلا بالشيء الذي يشتريه لها، وإذا رأى شيئًا جميلاً أول من يُفكر فيه هو هذا المحبوب، أن يأخذ هذا الشيء، ولو يستدين أو يحتال على أموال الناس بشتى الطرق؛ ليأخذ هذا المال، ويشتري لهذا المحبوب، وأحيانًا بعضهم يلجأ إلى السرقة من أجل أن يأخذ هذا المال، ويُعطي لهذا المحبوب، فيبذل ويرى أن ذلك سهلاً رخيصًا في سبيل مرضاة المحبوب، وإسعاد المحبوب.

فالمحبة في القلب، ويأسره هذا الحب، فالجوارح تنقاد؛ لأن هذا القلب هو الملك، فيبدأ القلب يُرسل إشارات للجوارح، فتلتذ الأذن بسماع صوته، أو بذكره، حينما يُذكر في المجالس، وتلتذ العين بالنظر إلى صورته، ويتحرك اللسان بذكر هذا المحبوب، والتغني به، والثناء عليه، ونحو ذلك، وتتحرك هذه الجوارح بالعمل بطاعته، ووجد من يسجد لامرأة بعد طول انتظار، حيث تأخرت عليه، فلما أقبلت سجد لها، وفي كتب الأدب أشياء عجيبة، يعجب العاقل كيف يتحول الإنسان إلى عبد لامرأة، والآن في هذه الوسائل والوسائط أشياء يذكرها أهل المعرفة والتتبع من محبة وتعلق يُتبع بعبارات شركية تُقال في هذا المحبوب، يُصرح بأنه عبد لهذا المحبوب، بل عبد لأشياء لا يحسُن ذكرها، إلى هذا الحد، نسأل الله العافية.

لكن المحبة الطبيعية كمحبة الولد، لا بأس بها، فهذه تُسمى المحبة الطبيعية بين الوالد وولده، والمحبة الطبيعية بين الناس، وهكذا محبة الطيبات، ومحبة المال وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [سورة العاديات:8] لكن المقصود بذلك أن لا تصير هذه المحبة إلى حال تطغى فيها وتتعاظم، فتُزاحم محبة الله، فيترك أمر الله، ويرتكب نهيه، من أجل هذا المحبوب، إن كان مالاً، أو كان زوجة، أو غير ذلك، هذا هو المقصود: أن لا تتعاظم، فلا يخلو القلب من المحبة، فهناك محبة شرعية، هي محبة الله، وما يتبعها، ومحبة الرسول ﷺ ومحبة الملائكة، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والمؤمنين، فهذه محبة شرعية، يؤجر الإنسان عليها، وهناك محبة طبيعية، لا يؤاخذ الإنسان بها، كمحبة المال، والطعام والشراب، أو لون من الطعام والشراب، ومحبة الأولاد، والزوجة، والمحبة التي بين الصديق وصديقه، ونحو ذلك، فهذا لا إشكال فيه، لكن الانحراف الذي يحصل أن تتعاظم هذه المحبة، فتُزاحم محبة الله، فهذا هو الإشكال.

والله يقول: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ [سورة التوبة:24] فهذه الآية قال في النهاية: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [سورة التوبة:24] إن كانت أحب، فمعنى ذلك أنه تصده عن طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ ؛ ولهذا يقول الله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [سورة التغابن:14] فهذا كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله- بأن هذه العداوة الجالب لها الشفقة والمحبة، فيثنيه حبهم عن القيام بأمر الله والعمل بطاعته، فهذا هو المراد، والله أعلم، لكن لما ذكر الفتنة: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [سورة التغابن:15] أتى بثاني صيغة في القوة من صيغ الحصر (إنما) أموالكم، ولم يقل: إن من أموالكم وأولادكم، فكل الأموال والأولاد فتنة لشدة علوق القلب بهم، لكن إذا تعاظم هذا فضيع أمر الله، فيكون ذلك مذمومًا، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

  1.  أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال برقم: (6435).
  2.  أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 26) والفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 289) وقاعدة في المحبة (ص: 76).
  3.  الداء والدواء = الجواب الكافي ط عالم الفوائد (1/ 389).
  4.  القصة والبيت في الداء والدواء = الجواب الكافي ط عالم الفوائد (1/ 388).
  5.  العبودية (ص: 68).
  6.  اللطائف (ص: 5)
  7.  البيتان في المحاسن والمساوئ (ص: 159) لإسماعيل بن القاسم ونسبتا للوراق، ولعبد الله بن المبارك، وجاءت في ديوانه ص (50) الطبعة الثانية 1429هـ، دار اليقين للنشر والتوزيع المنصورة مصر، وجاءتا في ديوان الإمام الشافعي مع زيادة بيت يقول فيه:
    في كُلِّ يَومٍ يَبتَديكَ بِنِعمَةٍ * * * مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ
    ونسبت إلى غيرهم، والله أعلم. 

مواد ذات صلة