الخميس 26 / جمادى الأولى / 1446 - 28 / نوفمبر 2024
(199) تتمة قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى..} الآية:246
تاريخ النشر: ٢١ / جمادى الآخرة / ١٤٣٧
التحميل: 952
مرات الإستماع: 1323

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ابتدأنا الحديث عن هذه الآيات حديثًا مجملاً؛ وذلك فيما قصه الله -تبارك وتعالى- علينا في هذه السورة الكريمة (سورة البقرة) من خبر الملأ من بني إسرائيل لما طلبوا من نبي لهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيل الله، فالله -تبارك وتعالى- يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [سورة البقرة:246] والرؤية هنا المقصود بها العلمية؛ لأن النبي ﷺ لم يرهم بعينه، مثل هذا يُقصد به العلم، ألم تعلم أيها النبي عن خبر هؤلاء الملأ، والملأ: هم الأشراف من الناس، وبعضهم قال: قيل لهم ملأ باعتبار أنهم يملأون صدور المجالس، وبعضهم يقول: قيل لهم ملأ؛ لأنهم يتمالأون على الأمر، يعني: هم أهل الحل والعقد، وبعضهم يقول غير ذلك.

والمقصود: أن الملأ هم أشراف القوم، فهؤلاء الملأ من الوجهاء والكُبراء، ووجوه الناس من بني إسرائيل من ذرية يعقوب ؛ وذلك بعد زمن موسى ، ومعلوم أن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، والأنبياء فيهم كثير، وهذه الأمة لا نبي بعد النبي ﷺ، وإنما يسوسهم العلماء، ويبعث الله -تبارك وتعالى- على رأس كل مائة سنة من يُجدد لهذه الأمة دينها، فهؤلاء طلبوا من نبيهم أن يولي عليهم ملكًا، يجتمعون تحت إمرته، ويُقاتلون عدوهم، فكأن هذا النبي عرف من حالهم أنهم قد لا يتحققون بذلك، ولا يثبتون عليه، ولا يؤدون مقتضاه، فكان الأمر كما توقع هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا يعني: هل تكون الحال أو الأمر كما أتوقعه أنكم إذا فُرض عليكم القتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون، فقالوا مستنكرين ومتعجبين من ذلك: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا.

والمقصود أُخرج بعضهم، فغلّبوا الأمر، ومثل هذا في كلام العرب لا إشكال فيه، أن يقول بعض القوم عبارة تُعبر عن حال القوم ممن وقع له المكروه، كأنه نالهم جميعًا وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا وذلك بالأسر، والإخراج من الأوطان، فلما فُرض عليهم القتال، واُختير لهم طالوت ملكًا، حصل منهم التراجع والمُعارضات، وضعُفوا عن النهوض بأعباء هذا المطلوب، إلا القليل منهم، فهؤلاء هم الذين ثبتوا في النهاية، وانتصروا، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ من الناكثين من هؤلاء المتراجعين، وهو عليم بغيرهم من أنواع الظالمين.

فيُؤخذ من هذه الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، فالله هو الذي يُطلعه على ما شاء من غيبه، فمثل هذا الخبر هو من جُملة الغيوب الماضية، وهذا من الغيب النسبي، يعني: الذي يطلع عليه بعض الخلق، ويخفى على غيرهم، والعرب لم يكن لهم عهد بالكتب والرسالات، والله قد أعلم نبيه ﷺ عن مثل هذا.

ويدل قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أن هذا الفعل قبيح، وأنه يستحق أن يُتعجب منه، وقد ذكرت في المرة الماضية أن ذلك من المعايب مما يقع فيه كثير من الناس، يطلبون أشياء فإذا بُذلت ووجدت تراجعوا، سواء كان من المذكور في هذه الآية وهو القتال في سبيل الله، أو كان في غيره من الأبواب، وأعمال البر وغيرها، فربما طالب الناس بمجالس في العلم ودروس في الفقه، ودورات علمية، وذهبوا هنا وهناك يطلبون ويُلحون وربما يشتكون أيضًا عند بعض أهل العلم قلة ذلك في ناحيتهم، فإذا حصلوا ووجد ذلك ربما كان أول من يتخلف عنها هو هذا الذي يُلح ويُطالب، وقد شوهد من هذا أشياء كثيرة، فهذا لا يليق أن يُطالب الإنسان بشيء ثم بعد ذلك يكون أول المُتراجعين عنه.

ويدل أيضًا قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أن هذا التصرف حصل من أشرافهم وكبرائهم، وهذا لا شك أنه أسوء وأقبح، فالعيب والذم والتقصير حينما يصدر عن الكبراء والأشراف، فهو أعظم مما يصدر عن الأراذل، ومن لا شأن له، كما قيل:

العيب في الجاهل المغمور مغمور وعيب ذي الشرف المذكور مذكورُ
كفوفةِ الظفر تخفي من حقارتها ومثلها في سواد العين مشهورُ[1]

ولذلك تجد الناس يُعظمون خطأ أهل الصلاح والخير، وإذا رأوا من أهل العلم شيئًا يعيبونه أو ينتقدونه عظُم ذلك في أعينهم، مع أنهم قد يغرقون في أوحال من المخالفات والانحرافات، ولكن كما قيل: يرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عينه، وقد جرت عادة الناس على تضخيم وتهويل وتكبير أخطاء الكبراء والأشراف وأهل العلم، ونحو ذلك، فهم ينظرون إليهم بنظر آخر، لكن حينما يرون نفس الخطأ من آحاد الناس قد لا يلتفتون إلى ذلك، ولا يقفون عنده، والله المستعان.

فالشاهد أن هذا الفعل منهم كان في غاية القُبح؛ لأن هؤلاء هم أشراف الناس، والمُقدمون فيهم، وكان اللائق أن يكونوا قدوة لهم في التقدم والمُضي بهذا السبيل، لا أن يُطالبوا بذلك، ثم بعد ذلك يحصل منهم مثل هذا التراجع، ولا سيما أنهم في حال من البصر والعلم؛ وذلك بعد أكبر أنبيائهم  وهو موسى، فموسى  هو كبير أنبياء بني إسرائيل، وكتابهم الذي هو التوراة هو من أعظم الكتب المُنزلة، ومن أوسعها وأشملها، وليس ثمة أوسع وأشمل منه سوى هذا القرآن، إلا ما شاء الله، لكن لا شك أن القرآن وهذه الشريعة أوسع من شريعة بني إسرائيل، وأن القرآن أعظم من الكتاب الذي أُنزل على موسى .

فالشاهد أن هؤلاء كانوا من بعد موسى ، يعني عندهم الكتاب الأعظم، وكبير الأنبياء قد مضى، فهم على بينة من الأمر، ولم يكن ذلك عن غبش، أو جهالة، أو عدم وضوح رؤية، وإنما كان ذلك بعد تمام وكمال شريعة بني إسرائيل، ومع ذلك وقع منهم مثل هذا الإخلال، فهذا أيضًا أشد وأعظم.

ومثل هذه الآفات، ومثل هذه المطالبة من هؤلاء الذين طلبوا ملكًا يُقاتلون، ومثل هذا الذي أرادوه، ثم بعد ذلك حصل منهم هذا التلكؤ والتراجع يقع للأمم المُستضعفة الذليلة، التي فسدت أخلاقها، الأمة إذا وطئت وأعمل فيها العدو ما استطاع من القهر والعسف والظلم، وتطاول ذلك عليها، فإن ذلك مظنة لفساد الأخلاق، فيحصل الالتواء، ويحصل في أخلاق الناس من النفاق والتملق والتلون الشيء الكثير، ويكثر منهم النكث والنقض والاحتيال بأنواع الحيل، وهذا تجده في بلاد المسلمين التي بقي فيها الاستعمار مدة طويلة، تجد التلون الكثير، والنفاق الكثير، ونكث العهود، قلّ من يفي بعهد أو وعد أو ذمة.

فهؤلاء من بني إسرائيل كأنه قد وقع لهم شيء من ذلك، قد يُفكرون في أوقات في الدفاع عن أنفسهم، ولكن ربما تراجعوا إذا تحقق لهم شيء من مطالبهم التي طالبوها، وتلك الاشتراطات التي اشترطوها، وربما أعادوا ذلك إلى تلك الاشتراطات أنها لم تتحقق على الوجه المطلوب، فهؤلاء لما قال لهم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا هم قالوا: ابعث لنا ملكًا، فلما عُين لهم الملك اعترضوا، فقالوا: أَنَّى يَكُونُ كيف يكون لهم الملك علينا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ فصاروا يبحثون عن أعذار من أجل القعود والترك والتخلي عن هذا الأمر الذي طلبوه من نبيهم، فحصل منهم هذا الضعف والجُبن، وكأنهم أرادوا أن يلتمسوا المعاذير لأنفسهم، فهذه حالة تستحق التعجب منها أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ.

ويُؤخذ منه أيضًا: أن الناس إنما يرجعون لأهل الحل والعقد، فهؤلاء رجعوا إلى نبيهم، وهذا يدل أيضًا على أن مرتبة النبوة فوق مرتبة الملك، فهم طلبوا من نبي لهم أن يُعين لهم ملكًا يأتمرون بأمره، ويُقاتلون عدوهم معه.

ويُبيِّن أيضًا حاجة الناس إلى السلطة، وأنه لا بد لهم من اجتماع، وهذا الاجتماع لا يصح أن تكون حالهم فوضى، فلا بد لهم من سلطان يضبط أمرهم، ويجمع شتاتهم، ويحفظ بيضتهم، وتتحقق مصالحهم العامة والخاصة، ويكون ذلك سبيلاً لقوتهم، واجتماع كلمتهم، ووحدة صفهم، فيهابهم عدوهم، ولا يطمع فيهم طامع، أما إذا بقوا مُتشرذمين ومُتفرقين، وليس لهم سلطان، وليس لهم جامع يجمعهم، فإن ذلك يُغري عدوهم بهم، وتبقى مصالحهم مضيعة، وتبقى حالهم حال من يكون في غاب يأكل القوي فيها الضعيف، ويكون المنطق السائد هو منطق القوة، والقوي هو الذي يُحقق ما يُريد، والضعفاء يضيعون، وتضيع مصالحهم، وربما ضاعت ضروراتهم الخمس، ويضيع الدين فلا يستطيع الناس أن يُقيموا الُجمع والجماعات، ولا يأمنون، ولا يستطيعون الذهاب إلى الحج، واقرأوا في التاريخ، في السنين التي يُقال: لم يحج من العراق أحد، ولم يحج من ناحية كذا أحد؛ لأن تلك النواحي كانت في تلك الأيام فوضى، أو لأن قُطاع الطُرق قد كثروا، وكما يُقال: كثُر العيارون، فيسلبون الناس حتى الثياب، فيتركونهم بلا ثياب، هذا إذا سلمت نفوسهم من القتل.

ويُؤخذ من هذه الآية أيضًا: أن الناس ربما قد لا تتوافق آراءهم على شيء واحد من أمورهم ومصالحهم، ونحو ذلك، فأنظارهم تتفاوت، فهؤلاء حينما طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكًا يُقاتلون معه في سبيل الله كان اللائق أنهم يقبلون بهذا الاختيار، ويُسلمون له، لكن لم يحصل هذا الاتفاق، وحصلت مثل هذه المعارضات، واللائق أن يُرجع في ذلك إلى من له الشأن، وأما أن يُريد كل أحد أن يفرض رأيه ونظره، فلا يمكن أن يجتمع الناس على ذلك، فما يُرضي هذا لا يُرضي الآخر، ثم بعد ذلك تفوت المصالح.

ومما يُؤخذ من هذه الآية: أن المُرجح في اختيار الإمام هم أهل الحل والعقد، وليس الغوغاء، وعامة الناس، ولو تُرك الأمر لعامة الناس لرأيت الفوضى بأسوأ أحوالها وصورها.

ويؤخذ أيضًا من قوله: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أن الغاية شريفة، وهي هنا القتال في سبيل الله، فهذا أدعى إلى تحقيق مأمولهم ومطلوبهم، فإذا أراد الإنسان شيئًا، فالجدير به أن يذكر الباعث على تحقيق هذا المطلوب والمقصود الشريف، فموسى لما دعا قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ۝ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ۝ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ۝ يَفْقَهُوا قَوْلِي ۝ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ۝ هَارُونَ أَخِي ۝ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ۝ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ۝ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۝ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [سورة طه:25-34] فكل هذه المطالب لهذه الغاية الشريفة، فالعبد إذا سأل ربه الذرية الطيبة الصالحة، قال: يا رب من أجل أن يوحدوك ويعبدوك، ونحو ذلك، وإذا سأل مالاً أو نحو ذلك قال: أتقوى به على طاعتك، وإذا سأل صحة، أو عافية، قال: أتقوى بها على طاعتك وعبادتك وذكرك وشُكرك، تكون عونًا على الطاعة، ولا يكون مطلوبه هذه الأمور من أجل أن يستمتع، ونحو ذلك.

ويؤخذ من قوله: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا أن الإنسان قد يظن أنه يتمكن من الصبر، ولكنه إذا حل الأمر، وحقت الحقائق، انكشفت الحال عن صبر ضعيف، سرعان ما يتلاشى؛ ولهذا بعض الناس قد يقول: لو أُصبتُ بالمرض الذي أُصيب به فلان لكنت صابرًا محتبسًا، ولو أصابه أدنى من ذلك لانهار وانكسر، وربما يقول: لو اُبتليت بما اُبتلي به فلان لم أجزع، ثم بعد ذلك يُبتلى بما هو دون ذلك، فيحصل له من الجزع ما الله به عليم؛ ولهذا يقول الله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة آل عمران:200].

وقد يظن الإنسان أنه صابر، ثم بعد ذلك تنكشف الحال أنه ليس كذلك؛ ولهذا لا يدعو الإنسان بالابتلاء، ولا يتمنى لقاء العدو أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا[2]، فلا يتمنى الإنسان المكروه، وإنما يسأل ربه العافية؛ لأنه قد ينقطع صبره، فلا يصبر، فدائمًا يسأل ربه العافية، وإذا اُبتلي صبر.

ويؤخذ أيضًا من هذه الآية: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [سورة البقرة:246] فجاء بهذا التركيب: هَلْ عَسَيْتُمْ وعسى هذه للترجي، ودخل عليها الاستفهام، فهذا واضح أنه كان يظن فيهم عدم الثبات، فجاءت هذه الصيغة في الاستفهام، هل قاربتم أن لا تُقاتلوا؟ فأدخل الاستفهام على عسى، فأنكروا ذلك وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ والمقصود من ذلك هو التحذير مما وقعوا فيه، فحينما ذكر الله هذه القصة ليس المقصود بها التسلية، وإنما ليُحذرنا، كي لا يُطالب الإنسان بشيء ثم بعد ذلك يتراجع عنه، وعليه أن يثبت ويصبر.

وفيه تربية للأمة ألا تُطالب بالحرب والشدة والقتال والابتلاء ونحو ذلك، لكن إذا ابتلوا عليهم أن يصبروا، ويصدقوا والله -تبارك وتعالى- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [سورة الصف:2، 3] وذلك أنهم -كما سبق- طلبوا أن يعرفوا أحب الأعمال إلى الله -تبارك وتعالى، فلما ذُكر لهم القتال تراجعوا وضعفوا وتثاقلوا، فمثل هذا لا يليق.

ومثل هذا التولي والتراجع واضطراب النيات، وفتور العزائم يقع للأمم المُنعمة، كما يقول ابن عطية -رحمه الله[3]، فالأمم المُنعمة يميلون إلى الدعة واللذات والراحة، وربما استحوذ عدوهم على ما في أيديهم، وقهرهم، وأذلهم، أو تربص بهم الدوائر، ويُعد العدة، وهم في حال من الغفلة الكبيرة المُطبقة عليهم، والله المستعان.

هذا ما يتعلق بهذه الآية الكريمة، وأسأل الله  أن ينفعنا بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

والله أعلم.

  1. البيتان لطاهر بن الحسين المخزومي في الدر الفريد وبيت القصيد (4/ 136) وزهر الأكم في الأمثال والحكم (3/ 104).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي ﷺ إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس برقم: (2966) ومسلم كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء برقم: (1742).
  3. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 331).

مواد ذات صلة