الخميس 26 / جمادى الأولى / 1446 - 28 / نوفمبر 2024
[15] من قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} الآية 99 إلى قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} الآية 106
تاريخ النشر: ٢٢ / ربيع الأوّل / ١٤٢٩
التحميل: 3566
مرات الإستماع: 8879

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى- في تتمة تفسير قوله تعالى:

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [سورة الكهف:99] وقوله: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ أي: الناس يَوْمَئِذٍ أي: يوم يدك هذا السد، ويخرج هؤلاء، فيموجون في الناس، ويفسدون على الناس أموالهم، ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السدي في قوله: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [سورة الكهف:99] قال: ذاك حين يخرجون على الناس، وهذا كله قبل القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه عند قوله: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ۝ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [سورة الأنبياء:96، 97] الآية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [سورة الكهف:99] هذا جاء بعد قوله: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [سورة الكهف:98].

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [سورة الكهف:99] الوعد يحتمل أن يكون المراد به القيامة، وأن الله يجعل هذا السد دكا، كما يجعل كل ما على الأرض قاعاً صفصفا، فتكون مستوية لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [سورة طـه:107]، فتُنسف الجبال وما عليها من العمران، ومن جملة ذلك أن هذا السد يزول، والقرينة التي قد يحتج بها من يفسر الآية بهذا أن الوعد هو القيامة، وأن الله -تبارك وتعالى- قال بعده: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ۝ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا [سورة الكهف:99، 100].

لكن قوله: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍهل هو في القيامة، أو تركنا بعضهم يموج في بعض حيث يخرجون على الناس؟ فهذه قرينة تدل على أن هذا يكون في الآخرة، وقد قال الله : وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الأنبياء:97]، ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [سورة فاطر:5] فهذا الوعد الحق هو القيامة، ويحتمل أن يكون المراد به القيامة، فيختلط الإنس والجن يوم القيامة ويحشرون، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله تعالى.

والقول الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا أن ذلك قبل القيامة، فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي [سورة الكهف:98] يعني: بخروجهم، كما قال الله -تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ۝ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [سورة الأنبياء:96، 97]، فهذا الوعد الحق المقصود به في الآية الثانية القيامة، فيكون المعنى في قوله: وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا، يعني بخروجهم، وانهدام هذا السد.

من أهل العلم من يقول: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ أي: يأجوج ومأجوج يختلطون بالناس، بعد أن كانوا بمعزل عن الناس.

وبعض أهل العلم يقول: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، يعني: يأجوج ومأجوج مع غيرهم من الناس، فيختلطون بهم ويحصل منهم ما يحصل من ألوان الإفساد في الأرض، وذلك من علامات القيامة الكبرى، ثم بعد ذلك ينفخ في الصور، والأول أقوى من هذا وأرجح

ومن أهل العلم من يقول: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، لما وضع السد صار يأجوج ومأجوج بعضهم يموج في بعض خلف هذا السد، وهذا بعيد؛ لأن الله يقول عن قول ذي القرنين هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ۝ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [سورة الكهف:98، 99]، فليس المقصود يومئذ يعني يوم بناء السد، وإنما ذلك يتعلق بما قبله، ذلك الحين الذي يأتي فيه وعده ويتحقق يختلطون بغيرهم، فيحصل منهم الإفساد، وهذا هو الأقرب في تفسير الآية، والله تعالى أعلم.

وقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، والصور كما جاء في الحديث: قرن ينفخ فيه[1]، والذي ينفخ فيه إسرافيل ، كما تقدم في الحديث بطوله، والأحاديث فيه كثيرة، وفي الحديث عن عطية عن ابن عباس وأبي سعيد -ا- مرفوعاً كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته واستمع متى يؤمر؟ قالوا: كيف نقول؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا[2].

وقوله: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [سورة الكهف:47].

قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يحتمل أن تكون هي النفخة الأولى؛ لأنها هي التي تكون بعد هذه الأمارات، بعد خروج يأجوج ومأجوج فينفخ عندئذ في الصور فتموت الخلائق، ويصعقون، ويحتمل أن تكون هذه هي النفخة الثانية، وهناك قرينة تدل على أنها النفخة الثانية وهي قول الله : فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا.

النفخة الثانية هي التي يكون بها جمع الخلائق، أما النفخة الأولى ففيها الإماتة، فيصعق من كان حياً ويموتون، ويمكن أن تكون هذه هي النفخة الأولى، وأن الله -تبارك وتعالى- ذكر ذلك على وجه الاختصار، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعني: بعد يأجوج ومأجوج، فطوى الله -تبارك وتعالى- هذه المراحل، واختصر الكلام اختصاراً فذكر ما يحصل بعد ذلك مما عليه المعوّل وهو جمع الناس، فإذا نفخ فعند ذلك تقوم القيامة، فذكر الله مما يحصل فيها جمع الخلائق وحشر الخلائق وهذا بعد نفخة أخرى وهي نفخة البعث، فيكون ذكر نفخة الصعق، ولم يذكر نفخة البعث اختصاراً، وإنما ذكر ما يحصل من جمع الناس وحشرهم.

قوله: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا ۝ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ۝ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [سورة الكهف:100-102].

يقول تعالى مخبراً عما يفعله بالكفار يوم القيامة أنه يعرض عليهم جهنم؛ أي يبرزها لهم ويظهرها؛ ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها؛ ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهمّ والحزن لهم. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك[3].

قوله: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا، بعض أهل العلم يقول: إن اللام في قوله: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا [سورة الكهف:100]، أي: على الكافرين، كما يقول الله -تبارك وتعالى- في مواضع من القرآن: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [سورة الأحقاف:20]، يعرضون على النار، فهم يعرضون على النار، وهي تعرض أيضاً عليهم، وقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [سورة غافر:46]، فمن أهل العلم من يقول: إن قوله: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا أي: على الكافرين عرضا، ليكون ذلك أعظم وأشد في عذابهم، حيث يرونها قبل مواقعتها فيصيبهم ما يصيبهم من الهول والفزع.

ثم قال مخبراً عنهم الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [سورة الكهف:101] أي: تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق، كما قال: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [سورة الزخرف:36]، وقال ههنا: وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [سورة الكهف:101]، أي: لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.

قوله: فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي يتضمن معنيين:

المعنى الأول: أن أعينهم في غطاء عما تضمنه الذكر من آيات الله وأدلة توحيده، وعجائب قدرته، فهم لهم أعين كما قال الله لاَّ يُبْصِِرُونَ بِهَا [سورة الأعراف:179]، وإنما ينظرون إلى هذه الآيات العظام، ودلائل القدرة بنظر البهيمة التي لا تعقل.

المعنى الثاني: أن عين القلب في غطاء عن فهم القرآن، فهي محجوبة، ليس لهم بصائر، فالعين وإن كانت مفتوحة تنظر إلا أنه نظر لا ينتفع به صاحبه، ولا يحصل له الاعتبار والاتعاظ بما تضمنه هذا القرآن من الزواجر والمواعظ، والهدايات والأمثال، فأعينهم -يعني أعين القلوب- في غطاء عن فهم هذا القرآن وتدبره والاهتداء به، وهذا الغطاء للقلب على ما يذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- يكون أولاً، فإذا حجب القلب فإن ذلك يسري إلى العين فلا تبصر ما ينتفع به، لا ينتفع بها صاحبها، وهذا شيء مشاهد، فأكثر الناس سياحة في الأرض هم الكفار كما نرى، بل إن ذلك من الأمور المعروفة المشتهرة عنهم، ومع ذلك لا ينتفعون ولا يتعظون بما يشاهدون، ولربما جاءوا إلى أماكن المعذبين وبقايا الأمم المهلكة ولم يحرك ذلك فيهم ساكناً، فهؤلاء أعينهم في غطاء عن ذكر الله، ما ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله- لا ينكر، فإن من كانت عينه في غطاء عن ذكر الله ، فإنما ذلك لأن قلبه قد حجب عن الهدى، وصار على البصر غشاوة، فهي أمور متلازمة، كما قال الله : خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ [سورة البقرة:7].

ثم قال: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء [سورة الكهف:102] أي: اعتقدوا أنهم يصلح لهم ذلك، وينتفعون به؟ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [سورة مريم:82] ولهذا أخبر الله تعالى أنه قد أعد لهم جهنم يوم القيامة منزلاً.

قوله: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا[سورة الكهف:101]، الذكر مصدر وهو مضاف، فيحتمل أن تكون الإضافة من باب الإضافة إلى الفاعل، ويحتمل أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول، كما في قوله تعالى: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت[4]، ويحتمل أن يكون المراد وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي أي مذكوري، فيكون من باب الإضافة إلى الفاعل، والأول من باب الإضافة إلى المفعول.

ومذكور الله -تبارك وتعالى- هو القرآن، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9].

وكذلك في الآية الأخرى، في قوله: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [سورة الزخرف:36]، فالذكر هنا مضاف إلى الاسم الظاهر، يعني لم يذكر ربه، ويحتمل أن يكون المراد من يعش عن ذكر الرحمن يعني عن مذكوره وهو القرآن، لا يقرؤه ولا يعمل به ولا يتدبره ولا يتحاكم إليه، فهذا تحتمله الآية.

وفي قوله: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي، أضافه إلى العين بمعنى أنهم في غطاء عن ذكري لا يقرءونه، كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله، وابن القيم -رحمه الله- يربط ذلك بالقلب ويقول: عين القلب.

قوله:خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ [سورة البقرة:7]، فإذا حصل هذا الختم والطبع، فإن الإنسان لا يستطيع أن يسمع السماع الذي ينتفع به، وذلك جزاء وفاقا، لما أعرضوا وكابروا حصل لهم ذلك عقوبة من الله -تبارك وتعالى، وقوله: وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا، لا شك أنه أدل وأبلغ في المعنى مما لو قيل: وكانوا لا يسمعون؛ لأن الذي لا يسمع ربما يُرفع ويجهر له بالصوت، فيسمع، لكن الله قال: وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا، فمهما صك آذانهم من الحجج، والبينات، والبراهين، وآي القرآن فإنهم لا ينتفعون بذلك، وأقرب مثال على هذا أهل النفاق يسمعون القرآن، ويصلون مع النبي ﷺ ويرون ما يرون ويشاهدون ما يشاهدون ولا يغير ذلك فيهم قليلاً ولا كثيراً، وإذا خرجوا من عند النبي ﷺ وهم يرون الوحي ينزل قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [سورة محمد:16]، أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا [سورة التوبة:124].

قوله: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [سورة الكهف:102].

أي: اعتقدوا أنهم يصلح لهم ذلك وينتفعون به، وليس المقصود به أنهم يتخذون المؤمنين أولياء، والهمزة هنا للإنكار، وليس المقصود أنهم يوالون المؤمنين، وإنما المقصود العبادة من دون الله - تبارك وتعالى- كعبادة الملائكة، والذين عبدوا المسيح -عليه الصلاة والسلام، أو الذين عبدوا مَن عبدوا من الصالحين، ونحو ذلك.

فالكفار كانوا يعبدونهم ويقولون: هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [سورة يونس:18]، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [سورة الزمر:3]، والله ينكر عليهم هذا، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء [سورة الشورى:9].

قوله: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي [سورة الكهف:102]، العبودية إما أن تكون بمعنى عبودية القهر، ومنه قوله: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [سورة مريم:93]، وهذه العبودية عامة يدخل فيها الكفار والطواغيت.

وإما أن تكون إضافة العبودية هنا إضافة تشريف -كما قد يتبادر إلى الذهن- كما في قوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [سورة الحجر:42]، فإذا قيل إن الإضافة هنا إضافة تشريف فمعنى ذلك: أن ذلك يرجع إلى ما عُبد من دون الله من الأنبياء والملائكة والصالحين، وكون المعبودين يكفرون بعبادة العابدين، هذا عام فيمن كان من الأنبياء والصالحين وغيرهم.

وفي قوله –تبارك وتعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء [سورة الكهف:102]، مقدر محذوف، بعضهم يقدره، أي: ولا أعاقبهم العقاب الشديد؟ كلا، بل سأعاقبهم على ذلك، يعني أفحسبوا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء وأتركهم ولا أعاقبهم؟ كلا، سأعاقبهم على ذلك العقاب الشديد، ويحتمل أن يكون أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء، وأن ذلك ينفعهم، ويجدي عنهم؟ كلا، لا ينفعهم بل يضرهم.

قوله -تبارك وتعالى:فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الانشقاق:24]، والبشارة إنما تكون بالإخبار بما يسر خاصة، فيظهر أثر ذلك على بشرة المبشر.

وإعداد جهنم نزلا لهم من باب التهكم، وقد قال الله –تبارك وتعالى– عن شجرة الزقوم: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:62].

قوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ۝ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا [ سورة الكهف:103-106].

روى البخاري عن عمرو عن مصعب قال: سألت أبي -يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً أهم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمداً ﷺ، وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، فكان سعد يسميهم الفاسقين[5].

وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية؛ ومعنى هذا عن علي أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء، بل هي أعم من هذا، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى، وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً، وقال تعالى: بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً، ثم فسرهم، فقال: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة الكهف:104]، أي: عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [سورة الكهف:104]، أي: يعتقدون أنهم على شيء، وأنهم مقبولون محبوبون.

ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله –تبارك وتعالى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [سورة الكهف:104]، هو الذي عليه المحققون من المفسرين، والذي نُقل عن بعض السلف من أن المراد بهم الحرورية، أي: الخوارج، وقال بعضهم: هم الرهبان، وقال بعضهم: هم كفار أهل مكة، فهذا من باب التفسير بالمثال -والله تعالى أعلم، ولا يقصدون به الحصر، فكل من كان بهذه الصفة ضل سعيه وعمله واعتقاده في هذه الحياة الدنيا، وهو يرجو من هذا العمل، وهذه العبادة، وهذا الاعتقاد شيئاً، فأولئك الذين يعبدون المسيح -عليه الصلاة والسلام، أو يعبدون بوذا أويعبدون الأصنام، أو يعبدون الأبقار، ويقدمون لها ما يستطيعون، وقد يكون الرجل في غاية الفقر، ويجمع الأموال السنين الطويلة، ثم يقدم القرابين لهؤلاء المعبودين من دون الله يريد التقرب ويظن أنه على شيء، ولربما أحرق نفسه تقرباً، وبعضهم لربما قطع عضواً من أعضائه تقرباً، كما نقرأ ونسمع، فهذا شاب يقطع لسانه للإله في الهند، يشكو فقره وفقر عائلته، إلى غير ذلك من الأشياء العجيبة، فهؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يظن أنه بهذا يحصل له مطلوبه من الزلفى والتقرب، ويؤجر على ذلك ويثاب، وتكون له الآخرة، وهذا يدل على أن الكفار الذين يصيرون إلى النار قد يعتقد الواحد منهم اعتقاداً جازماً أنه على حق في اعتقاده الباطل، وليس كل هؤلاء الكفار يعلمون أنهم على باطل، وأن الحق في الإسلام، فبعض هؤلاء قد يكون تشرب هذا الباطل، وتغلغل فيه، فيقدم نفسه رخيصة في سبيله، ولا يشك فيه قليلا ًولا كثيراً، فهؤلاء إلى النار، طالما أنه بلغتهم الدعوة، وهؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

ويمكن أن يفسر قوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَابأنه ذهب واضمحل؛ لأن هذا أحد المعاني التي تأتي لها كلمة ضل في لغة العرب، ضل واضمحل، كما يقال ضل السمن في الطعام، يعني: ذهب واضمحل، وهذا كثير في كلام العرب، وتأتي ضل بمعنى الذهاب عن حقيقة الشيء، كما قال إخوة يوسف لأبيهم -عليه الصلاة والسلام: تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ[سورة يوسف:95]، فلم يقصدوا أنه ضال وإلا لكانوا كفارا، ومنه قول الله –تبارك وتعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [سورة الضحى:7] فالنبي ﷺ لم يكن على دين قومه قبل نبوته، فمعنى الضلال هنا: الذهاب عن حقيقة الشيء، والمعنى: الذهاب عن حقيقة الوحي.

وقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ [سورة الكهف:105] أي: جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [سورة الكهف:105] أي: لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير.

روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرءوا إن شئتم فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [سورة الكهف:105][6] وقد رواه مسلم.

وقوله: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا [سورة الكهف:106] أي: إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزواً، استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب.

إذا تتبعت النصوص تجد أنها تدل على وزن الناس، فإنها تدل على أن صاحب العمل يوزن كما دل عليه هذا الحديث، فهذا الرجل البدين الضخم السمين يوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة، ودلت النصوص أيضاً على وزن الصحف التي فيها الأعمال، كما في حديث البطاقة، توضع الدواوين، دواوين السيئات، وتوضع البطاقة في الكفة الأخرى، فتطيش تلك الدواوين، ودلت النصوص على وزن الأعمال، قال سبحانه: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [سورة الزلزلة:7، 8]، وكل ذلك واقع، فالناس يوزنون، والصحف توزن، والأعمال توزن.

فقوله -تبارك وتعالى: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا، يحتمل ما قاله ابن كثير -رحمه الله، أي: لا نثقل موازينهم؛ لأنها خالية عن الخير، يدل عليه الحديث يؤتى بالرجل فيوزن ...ويحتمل أن يكون فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا، أي: لا نقيم لهم قدراً ولا اعتباراً فلا يُعبأ بهم، فلا شأن لهم، تقول: فلان لا يُقام لكلامه وزن، لا وزن لكلامه، بمعنى لا اعتبار به ولا قدر له، وهذا أسلوب عربي معروف، ويمكن أن يكون بين المعنيين ملازمة.

قال ابن القيم -رحمه الله– في تفسير قوله تعالى قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [سورة الكهف:103]: "وهذا حال أرباب الأعمال التي كانت لغير الله -، أو على غير سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، وحال أرباب العلوم والأنظار التي لم يتلقوها عن مشكاة النبوة، ولكن تلقوها عن زبالة أذهان الرجال، وكناسة أفكارهم، فأتعبوا قواهم وأفكارهم وأذهانهم في تقرير آراء الرجال، والانتصار لهم، وفهم ما قالوه، وبثه في المجالس، والمحاضر، وأعرضوا عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- صفحا، ومن به رمق منهم يعيره أدنى التفات طلبا للفضيلة، وأما تجريد اتباعه وتحكيمه، وتفريغ قوى النفس في طلبه وفهمه، وعرض آراء الرجال عليه، ورد ما يخالفه منها، وقبول ما وافقه، ولا يلتفت إلى شيء من آرائهم وأقوالهم، إلا إذا أشرقت عليها شمس الوحي، وشهد لها بالصحة فهذا أمر لا تكاد ترى أحدا منهم يحدث به نفسه، فضلا عن أن يكون آخيته ومطلوبه، وهذا الذي لا ينجي سواه، فوارحمتا لعبد شقي في طلب العلم، واستفرغ فيه قواه واستنفد فيه أوقاته، وآثره على ما الناس فيه، والطريق بينه وبين رسول الله ﷺ مسدود، وقلبه عن المرسل -- وتوحيده والإنابة إليه والتوكل عليه والتنعم بحبه والسرور بقربه مطرود ومصدود، وقد طاف عمره كله على أبواب المذاهب فلم يفز إلا بأخس المطالب، سبحان الله إن هي والله إلا فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها، وحيرت العقول عن طرق قصدها"[7].

هذا مثل الذين اشتغلوا بعلوم الفلاسفة، وأعرضوا عن الوحي، وأخبارهم في هذا كثيرة، أحدهم يقول:

لقد طفتُ المعاهد كلها وسيّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلا واضعاً كف حائر على ذقنٍ أو قارع سن نادم

وآخر يقول:

أضع الملحفة على وجهي وأقلب النظر، وأقارن بين أقوال هؤلاء وهؤلاء حتى يستبين الصبح، ولم يتبين لي شيء.

وآخر عند الموت يسأل من دخل عليه يقول له، ما تعتقد؟ يقول ما يعتقده المسلمون، قال: وأنت مطمئن القلب بذلك؟ فقال: نعم، قال: فاحمد الله على هذه النعمة؛ فإني والله لا أدري ما أعتقد، والله لا أدري ما أعتقد، والله لا أدري ما أعتقد، ويبكي، هذا عند موته، عند الاحتضار.

والجويني كلامه في هذا معروف، يقول لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت فيما نهوني عنه، وها أنا أموت على عقيدة العجائز، أرجع وما حصلت شيئاً.

والثاني الذي يقول -المنقول عن الشهرستاني:

نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم من جبال قد علا شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال

فهذه النتيجة التي خرجوا بها بعد العمر الذي قضوه في قيل وقال، ومجادلات، وكل يوم في عقيدة، وكل يوم في مذهب ورأي، خرجوا بالخسارة والحيرة، والله المستعان، قل مثل ذلك في غيرهم، من يقرأ في أخبار الرهبان مثلاً، راهب يقف أربعين سنة في بئر لا ينام -يعني على الأرض، ولا يجلس ولا يستريح ولا يأكل من الطيبات، أربعين سنة، لا يغتسل ولا يقص أظفاره ولا شعره، يطلب ما عند الله بهذا، وبعضهم يهيم على وجهه يأكل من نباتات البرية مع الوحش، كأنه بهيمة، يطلب بهذا ما عند الله وأشياء عجيبة وأمور يحمد الإنسان ربه -تبارك وتعالى- أن هداه للإسلام، ويسأله التثبيت، وأن يبصره للحق، وأن يدله على ما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله أعلم.

(سؤال)

درسنا أن الشمس ثابتة، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس.

(الجواب) سبق الكلام على هذا، أن الله يقول: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [سورة يــس:38]، فمن يقول: إن الشمس ثابتة فهو مكذب للقرآن.

(سؤال)

يقول سمعت أحد المشايخ يفسر قوله تعالى: لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا [سورة الكهف:90] أنه يمكن أن الشمس ما تغرب عندهم، كما أنه يكون في بعض البلدان النهار أطول من الليل جداً، وفي بعضها يكون قصيراً، أليس هذا التفسير له وجاهته، وهل قال به أحد؟

(الجواب)

لا أعلم أحداً قال بهذا من السلف، وليس هذا التفسير بصحيح؛ لأن الله قال: لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا، والقرآن عربي ونزل بلغة العرب وينبغي أن يفهم بما يفهمه العربي مِن خطاب مَن خاطبه، فليس المعنى أنها ما تغيب، فإن من غابت عنه الشمس لا يقال إنه قد جعل له من دونها سترا، وإنما يكون ذلك بالاكتنان عنها، وبوجود ما يستره ويحجبه، ويكنه من هذه الشمس، هذا هو المراد، ولذلك نحن لا نقول في الليل نحن في ستر من الشمس قد جعل لنا، هذه عجمة، ولا حاجة لهذا التكلف في فهم هذه الآية أو غيرها، والله أعلم.

(مسألة)

دورات البرمجة العصبية متفاوتة منها ما هو متلقى من فلسفات تجمع بين حق وباطل، والحق تعرفه العجائز، فمثل هذه البرمجة العصبية شرها أكثر من نفعها، كثير من الذين يدرسونها لا يستبينون ما فيها، وقد تكلمت على هذا في بعض المناسبات، والله المستعان وأظنها منعت الآن، يمنع إقامة دورات البرمجة العصبية، لكن مساكين الذين يتهافتون عليها، وبذلوا الأموال، ويظنون أنهم سيخرجون بطائل، إلى الله المشتكى، ففيها من الشر ما الله به عليم، وحتى كبيرهم الذي علمهم السحر سمعت أنه رجع عنها وتنصل منها.

  1. رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في ذكر البعث والصور (4/378)، برقم: (4744)، وصححه الألباني.
  2. رواه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ،  باب ما جاء في شأن الصور (4/620)، برقم: (2431)، وصححه الألباني.
  3. الحديث جاء عند مسلم، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبُعد قعرها وما تأخذ من المعذبين (4/2184)، برقم: (2842)، من حديث عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: « يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
  4. رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله (5 / 2353)، برقم: (6044).
  5. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الكهف (4/1758)، برقم: (4451).
  6. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الكهف (4/1759)، برقم: (4452) ، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (4/2147)، برقم: (2785).
  7. التفسير القيم لابن القيم، جمع وترتيب: محمد أويس الندوى (1/199)

مواد ذات صلة