الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
فضائل عشر ذي الحجة
تاريخ النشر: ١١ / ذو القعدة / ١٤٢٠
مرات الإستماع: 14218

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75]، فاصطفى من الناس أهل الإيمان، وفضلهم، وكرمهم، وجعل الجنة مآلهم ومنزلهم.

واصطفى -تبارك وتعالى- من أهل الإيمان، اصطفى منهم الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل -عليهم السلام، واصطفى من الرسل أولي العزم، واصطفى من أولي العزم محمدًا ﷺ فهو أكرمهم، وأفضلهم، وأجلهم عند الله -تبارك وتعالى.

كما أنه -تبارك وتعالى- لما خلق هذه الأرض اختار المساجد واصطفاها، فصارت هذه المساجد هي الأفضل من بين سائر البقاع، واختار -تبارك وتعالى- المساجد الثلاثة، أعني مسجد مكة، والمسجد النبوي، وبيت المقدس، اصطفاها على سائر المساجد، فالله يفضل من البقاع ما شاء، على ما شاء.

كما أنه -تبارك وتعالى- يصطفي من الأزمان ما شاء، فاصطفى رمضان على سائر الشهور، واصطفى العشر الأخيرة منه على سائر أيامه، واصطفى ليلة القدر على ليالي العشر، واصطفى -تبارك وتعالى- يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، واصطفى يوم عرفة على سائر أيام السنة مع يوم النحر.

فهذه الأيام اصطفاها الله وهي الأيام التي نستقبلها من هذه الليلة، وهي العشر من ذي الحجة، اصطفاها الله على سائر الأيام والليالي، وجعل لها من المنزلة والقدر والشرف الشيء الكثير الذي نوصف بعضه ونذكر به في بعض هذه الليالي.

والله -تبارك وتعالى- قد أقسم بها، ومعلوم أن القسم لا يكون إلا بمعظم، فقال الله -تبارك وتعالى- تشريفًا لها وتعظيمًا: وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2].

وقد قالت طوائف كثيرة من السلف: إن هذه العشر التي أقسم الله بها هي العشر الأولى من ذي الحجة[1]

وهذا جاء فيه حديث عن جابر بن عبد الله مرفوعًا إلى النبي ﷺ قال: إن العشر عشر الأضحى، والوتر -يعني الشفع والوتر- يوم عرفة، والشفع يوم النحر[2]، أخرجه النسائي في السنن الكبرى، وأحمد، والبزّار، والحاكم.

وقال ابن كثير: "هذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة"[3]، انتهى كلامه، وقد حسّنه الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى[4].

فهذا الحديث يدل على أن هذه العشر التي أقسم الله بها أن المراد بها عشر ذي الحجة، وقد جاء أيضًا عن ابن عباس قال: الليالي العشر التي أقسم الله بها هي الليالي العشر الأُول من ذي الحجة.

وهو مروي عن عبد الله بن الزبير، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضّحاك، واختاره كبير المفسرين "ابن جرير الطبري"[5].

والآية أعني قوله تعالى: وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] فيها أقوال أخرى لكن هذا هو الراجح: أن هذا الذي أقسم الله به هو العشر من ذي الحجة.

وقد اختار هذا القول الحافظ بن كثير[6]، ورجحه ابن رجب[7] -رحمهما الله تعالى أجمعين.

ومما يدل على شرفها وفضلها: أن الله قال: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج:28].

وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الآية أنها أيام العشر، وأن الأيام المعدودات أنها أيام التشريق[8].

وهذا الأثر مخرج في صحيح البخاري تعليقًا بصيغة الجزم.

وهذا القول هو القول الراجح، وقد قال به طوائف كثيرة من السلف، هذا قال به ابن عباس، وابن عمر، وأبو موسى الأشعري، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والضحّاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النخعي، ونقل عن أبي حنيفة، وهو مذهب الشافعي، والمشهور بمذهب الإمام أحمد، وحكاه البغوي -رحمه الله- في التفسير عن أكثر المفسرين، ونسبه ابن رجب لعامة العلماء[9].

وأما سبب تسمية هذه الأيام بالأيام المعلومات كما في سورة الحج فيمكن أن يكون ذلك -والله أعلم- كما قال بعض أهل العلم: أي أنها معلومات للحرص على علمها من أجل أن وقت الحج في آخرها[10].

مما يدل على فضل هذه الأيام الشريفة من سنة رسول الله ﷺ ما أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام.

يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء[11].

وفي رواية -وليست في البخاري: ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء[12].

ومن حديث عبد الله بن عمر بن العاص عند الإمام أحمد، وأبي داود الطيالسي، والطحاوي بإسناد حسن، عن النبي ﷺ، قال: كنت عند رسول الله ﷺ فذكرت الأعمال، فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر. قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله! قال: فأكبره -أي: عظم الجهاد- فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله ثم تكون مهجة نفسه فيه[13].

يعني أنه يقتل في مخرجه ذلك، أما الذي يجاهد ويرجع فالذي يعمل في هذا العشر أفضل منه عند الله .

ومن ذلك أيضًا ما جاء عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عند البزّار، وأبي يعلى، والطحاوي، وابن حبّان بإسناد حسن أن رسول الله ﷺ قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر. يعني: عشر ذي الحجة، قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله -يعني في الجهاد- إلا رجل عفّر وجهه في التراب. يعني: أنه يُقتل فيتعفّر وجهه في التراب عند مقتله.

وذكر عرفة فقال: يوم مباهاة، ينزل الله -تبارك وتعالى- إلى سماء الدنيا، فيقول: عبادي شُعثًا، غُبرًا ضاجِّين، -أي: بارزين للشمس- من كلِّ فجٍّ عميقٍ يسألون رحمتي، ويستعيذون من عذابي ولم يروه -يعني لم يروا العذاب- فلم يروه يومًا أكثر عتيقًا وعتيقة من النار منه[14]، يعني: من يوم عرفة.

وجاء من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: ما من أيامٍ العمل فيهن أفضل من أيام العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله[15]، أخرجه الطبراني، وأبو نعيم، وقال المنذري: رواه الطبراني بإسناد صحيح، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكثير، ورجاله رجال الصحيح"، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى.

فهذه الأحاديث تدل على عظم هذه الأيام، وعلى شرفها على سائر أيام العام، وعلى عظم العمل الصالح فيها، كما قال الحافظ بن رجب -رحمه الله: "دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها"[16].

يعني: الصيام، والقيام، والذكر، وقراءة القرآن، والصدقة، وما إلى ذلك.

وقول النبي ﷺ في هذا الحديث: ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله، جاء تفسيره في رواية أخرى لابن عباس -رضي الله عنهما: "أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا"[17].

وفي رواية: أفضل[18]، وفي رواية: أعظم عند الله [19].

فهذه الأيام بمجموع هذه الروايات العمل الصالح فيها أحب إلى الله، وأعظم عند الله أجرًا، وأفضل، وأعظم، وأزكى.

يقول ابن رجب: دل الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله، فهو أفضل عنده...، إلى أن قال: وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها، صار العمل فيه وإن كان مفضولًا أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلًا"[20].

يعني: قد يعمل الإنسان عملًا قليلًا في هذه العشر ركعتين في جوف الليل، أو في أثناء النهار، فهي أفضل من ركعات كثيرة في غير العشر لعظم العمل في هذه الأيام.

فالعمل الصالح، أنه يعظم لأسباب متعددة، فقد يعظم العمل بحسب الزمان كالعمل في أيام العشر هذه، وقد يعظم بحسب المكان كالصدقة في المسجد الحرام مثلًا، وقد يعظم بما يقوم في قلب العبد، كما قال الله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]. ومعنى ذلك كما فسره النبي ﷺ لعائشة أنهم هم الذين يتصدقون، ويصلون، ويصومون، ويخشون أن لا يتقبل منهم[21].

فالعبد حينما يعمل العمل الصالح وهو مخبت لله ، يخاف أن لا يقبل منه هذا أعظم ممن عمل نفس العمل وفي نفسه أنه قدم شيئًا كثيرًا.

فيتفاضل الناس بهذا الاعتبار!

كما أن المعصية في المسجد الحرام مثلًا أو في المسجد أعظم من خارج المسجد، وكذلك المعصية في الأشهر الحرم، أو في عشر ذي الحجة، أو في رمضان أعظم من المعصية في غيره بالزمان.

وكذلك تكون المعصية أعظم بحسب ما يقوم في نفس العبد حينما يواقع المعصية.

فإذا كان اثنان عمل كلُّ واحدٍ منهما نفس المعصية إلا أن أحدهما كان خائفًا، مخبتًا، أو مستحيًا من الله وهو يعمل المعصية، والثاني يعملها ويتلذذ بعملها ويتبجح بذلك، فلا شك أن الذي يعملها وهو مستحي من الله أنه أقل جُرمًا وإثمًا من ذاك الذي يعملها بتبجحٍ واستهتارٍ.

فإذن هذه الأمور يعظم بسببها العمل ويرتفع عند الله ، وقول النبي ﷺ في هذا الحديث عن هذه العشر جاء التصريح بتعيينها في رواية أخرى، من روايات حديث ابن عباس، قال: في عشر الأضحى.

وفي رواية بلفظ: من عشر ذي الحجة.

وقوله في هذا الحديث: قالوا يا رسول الله.

جاء في بعض الروايات: قيل يا رسول الله.

وقيل في بعضها: فقال رجل يا رسول الله.

وقولهم للنبي ﷺ في هذا الحديث: ولا الجهاد في سبيل الله؟

جاء في بعض الروايات: قال رجلٌ: "ولا مثلها في سبيل الله؟"[22]، ثلاث مرات يقوله على وجه الاستغراب "ولا مثلها في سبيل الله؟ ولا مثلها في سبيل الله؟ ولا مثلها في سبيل الله؟".

وسبب هذا الاستغراب أن الصحابة لم يكونوا يعدلوا بالجهاد شيئًا، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور[23]، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

وجاء من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: دُلني على عملٍ يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده!. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟

قال أبو هريرة: "إن فرس المجاهد ليستنُّ في طوله فيكتب له حسنات"[24].

ومعنى "يستنُ في طوله" يستن بمعنى أن الفرس يمرح، ويتحرك، ويدور، ويجول، ويصول، ويرفع يديه إلى أعلى ثم يلقي بها إلى الأرض، كل ذلك يكتب له حسنات بخطوات هذا الفرس لشرف الجهاد.

"ويستن في طوله" بمعنى الحبل الذي تربط به الدابة، فالفرس عادة يربط بحبل لربما يكون طويلًا بعض الشيء، فالفرس من عادته أنه لا يكاد يقف، يتحرك، يدور، يجول في مربطه هذا، يستن في طوله في هذا الحبل الذي ربط فيه، فيكتب للمجاهد وهو نائم، يكتب له حسنات بحركات هذا الفرس التي يمرح بها أو يقبل ويدبر.

وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة وهو مخرج في صحيح البخاري، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة[25].

فهذه الأحاديث في ظاهرها أن الجهاد أفضل من العمل في هذه العشر.

والحديث السابق: ما من أيامٍ العمل الصالح فيها، يدل على أن العمل في العشر أفضل من الجهاد.

وقد سأل الصحابة رسول الله ﷺ، قال: ولا الجهاد في سبيل الله؟

قال: ولا الجهاد، فما الجمع بين الحديثين ذهب بعض أهل العلم كالحافظ بن حجر -رحمه الله- إلى القول بأن حديث أبي هريرة -وهو هذا الذي سمعتم آنفًا - وفي قوله ﷺ: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم....، الحديث.

يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بأن حديث أبي هريرة مخصوص بحديث ابن عباس، بمعنى: أن الجهاد أفضل الأعمال سوى العمل في عشر ذي الحجة، أو أن الفضل في حديث أبي هريرة مخصوص بمن خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بذلك من شيء، ومفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة[26].

إذن العمل في هذه العشر أفضل من الجهاد إلا إن كان هذا المجاهد خرج بنفسه وماله فمرغ وجهه في التراب، وعفّر، وقتل في سبيل الله .

المفاضلة بين عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان:

أيهما أفضل هذه العشر أو العشر الأواخر من شهر رمضان؟

فطائفة من أهل العلم وهو اختيار الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يقولون: إن أيام هذه العشر ولياليها أفضل من العشر الأواخر من رمضان ولياليها، ففضلوا هذه العشر تفضيلًا مطلقًا على العشر الأواخر من رمضان ليلها ونهارها سوى ليلة القدر في رمضان في العشر الأخير منه؛ لأنها خير من ألف شهر.

وطائفة من أهل العلم توسطوا، وهو اختيار شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله، وتلميذه ابن القيم، والحافظ ابن كثير، فقالوا: إن أيام هذه العشر أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي هذه العشر؛ لأن في ليالي العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر[27].

ففرقوا بين الليالي وبين الأيام، واستدل كل طائفة من هؤلاء على قولهم بأدلة لا مجال لذكرها في هذا المجلس.

وطائفة كابن حبّان -رحمه الله- قالوا: إنها مستوية مع العشر الأواخر من رمضان في ليلها ونهارها، فلا تفضل هذه العشر تلك العشر، ولا تلك العشر على هذه العشر[28].

والقول الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ومن تبعه قريب جدًا، وفيه جمع بين هذه الأقوال، والعلم عند الله .

ومن المفاضلات أيهما أفضل في أيام هذه العشر؟ ما هو أفضلها؟ وأعظمها منزلة عند الله ؟

ثبت عن النبي ﷺ أن خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة[29]، ومع ذلك ثبت في فضل يوم النحر ما يدل على أنه أفضل من يوم عرفة، وأنه أفضل من سائر أيام العشر، ومما يدل على ذلك حديث عبد الله بن قرط مرفوعًا إلى النبي ﷺ قال: إن أعظم الأيام عند الله -تبارك وتعالى- يوم النحر، ثم يوم القَرّ[30].

ويوم "القرّ" هو اليوم الذي يستقر فيه الحجاج في منى اليوم الحادي عشر؛ لأنهم ينفرون في اليوم الثاني عشر، فيوم القر هو اليوم الثاني عشر، فهو اليوم الثاني يعني من يوم النحر.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي في الكبرى، والإمام أحمد، وقد صححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

ومما يدل على فضل يوم النحر حديث أبي بكرة ، ذكر النبي ﷺ قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه، أو بزمامه -يعني بزمام البعير- قال: أي يوم هذا؟.

فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس يوم النحر؟. قلنا: بلى. قال: فأي شهرٍ هذا؟. فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟.

قلنا: بلى. قال: فإن دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا...[31]، الحديث، وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري، ومسلم في صحيحيهما.

وقد جاء نحوه من حديث ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن الأحوص، وحذيم بن عمر السعدي، وأبي حرة الرقاشي عن عمه، وأبي نضرة عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، والعداء بن خالد بن هودة، وعبد الله، وعبد الله بن الزبير .

فهذا الحديث ذكر فيه النبي ﷺ حرمة البلد التي هي أعظم حرمة، وذكر فيه النبي ﷺ حرمة العام، وحرمة الشهر، وذكر فيه حرمة اليوم، فاستنبط منه من فضل يوم النحر أن النبي ﷺ تخيّره لعظمه، وأنه أجل الأيام عند الله -تبارك وتعالى.

ولو قال قائل: بأن خير الأيام هو يوم عرفة، وأن أعظم الأيام هو يوم النحر، لم يكن ذلك بعيدًا؛ لأنك إذا تأملت الحديثين وجدت أن النبي ﷺ ذكر أن خير يوم طلعت عليه الشمس هو يوم عرفة.

ولما ذكر يوم النحر قال: إن أعظم يوم ففي العظم "يوم النحر"، وفي الخيرية: "يوم عرفة".

ومما يدل على فضل يوم النحر أن أكثر أعمال الحج تكون في يوم النحر بخلاف يوم عرفة فإن فيه الوقوف فقط، وأما يوم النحر ففيه وقوف؛ لأن من أدرك عرفة قبل أن تطلع الشمس صح وقوفه قبل أن تطلع الشمس من يوم النحر، وفيه أيضًا رمي جمرة العقبة، وفيه أيضًا نحر الهدي، وهو من أجل الأعمال وأقرب القربات عند الله -تبارك وتعالى، وفيه طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج، وفيه أيضًا وقوف في مزدلفة؛ لأن السنة أن يقف الحاج إلى أن يسفر جدًا، وإن من يسفر بعد دخول يوم النحر، فكل هذا متحقق في يوم النحر، ولا يوجد في يوم عرفة إلا الوقوف، -والله تعالى أعلم-.

ومن المفاضلات أن يقال: أيهما أفضل؟ يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى؟ أيهما أفضل؟

فبعض العلماء فصّل في هذا تفصيلًا حسنًا، واحتج للقول بأن يوم النحر أفضل من عيد الفطر، وهذا لا شك فيه أن عيد الأضحى أعظم بكثير من عيد الفطر.

وقد ذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- وجه ذلك وعلله بأمرين:

الأمر الأول: أن العبادة في عيد النحر -وهي النحر- أفضل من العبادة في عيد الفطر وهي الصدقة؛ لأن المشروع في عيد الفطر أن نخرج صدقة الفطر قبل صلاة العيد، وفي عيد النحر بعد صلاة العيد أن ننحر الهدي، ولا شك أن نحر الهدي أعظم من صدقة الفطر، أعظم من الناحية المالية، وأعظم من الناحية العملية؛ لأن إراقة الدماء تقربًا إلى الله لا شك أنه من أعظم القربات، وأجلها عند الله -تبارك وتعالى.

والعلة الثانية التي علل بها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: أن الصدقة في عيد الفطر تابعة للصوم[32]، حيث فرضت كما هو معلوم طهرة للصائم من الرفث والنقص الذي يحصل في صيامه، فكأن هذه الصدقة "صدقة الفطر" كأنها تجبر صوم الصائم مما حصل فيه من النقص، وهي طعمة للمساكين، فتخرج قبل الصلاة؛ لأنها تابعة للصيام.

وأما النُّسك الذي هو الذبح في يوم العيد فهو مشروع في اليوم نفسه، وبعد صلاة العيد وهو عبادة مستقلة لا علاقة لها بما قبلها؛ ولهذا يشرع بعد الصلاة.

هذا وجه تفضيل عيد الأضحى على عيد الفطر، ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فصلاة الناس في الأمصار بمنزلة رمي الحجاج جمرة العقبة، وذبحهم في الأمصار بمنزلة ذبح الحجاج هديهم"[33].

فهذا كله يدل على شرف عيد الأضحى، وأنه أفضل من عيد الفطر.

ومن المفاضلات أيضًا أيهما أفضل؟ عشر ذي الحجة أم يوم الجمعة؟

لأنه قد ورد ما يدل على تفضيل يوم الجمعة على سائر الأيام، ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة[34]، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

ومن ذلك أيضًا حديث أوس بن أوس، قال: قال رسول الله ﷺ: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة[35]، أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

فهذه الأحاديث تدل دلالة صريحة في كون يوم الجمعة أفضل من غيره من الأيام كيوم النحر، ويوم الفطر، ويوم عرفة.

ويحتمل أن يوم الجمعة خيرٌ من أي يوم من أيام العشر بمفرده سوى الجمعة الواقعة في العشر؛ لأنها عشرة أيام لا بد أن يتخلل ذلك جمعة، فالجمعة التي تكون في العشر أفضل من الجمعة التي تكون في غيرها.

فكم نفرط في يوم الجمعة!

ونحن نستغل يوم الجمعة للنوم وللنزهة، مع عظمه ومنزلته عند الله -تبارك وتعالى، ويمكن أن يقال إن العشر بمجموعها أفضل من يوم الجمعة بمفرده؛ لكونها قطعًا مشتملة على يوم الجمعة وزيادة، وجمعة في عشر ذي الحجة خيرٌ من أي جمعة في غيرها لاجتماع الفضيلتين فيها أنها يوم من العشر، وأنها أيضًا يوم جمعة.

وهناك وجه في تفضيل يوم الجمعة على يوم النحر في كون يوم الجمعة يقع متكررًا في العام، بخلاف الأضحى فإنه يقع مرة واحدة في كل عام بهذا الاعتبار يكون يوم الجمعة أفضل؛ لأنه يتكرر طوال السنة، وعلى كل حال، ابن القيم -رحمه الله- يقول: "والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة؛ ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة"[36].

ثم ذكر عشرة أوجه، أُشيرُ إلى تسعة منها إشارة سريعة:

الأول: أن اجتماع اليومين الذين هما أفضل الأيام قد تحقق لو كان يوم عرفة هو يوم الجمعة فإن ذلك يكون أفضل وأعظم مما لو وقع يوم عرفة في يوم آخر، وذلك لاجتماع اليومين وهما من أفضل الأيام.

الثاني: أن اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة هو يوم الجمعة كما هو معروف، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر.

وأهل الموقف في عرفة كلهم في ذلك الوقت واقفون للدعاء والتضرع إلى الله .

الثالث: هو أنه قد حصل الموافقة لوقفة رسول الله ﷺ، والنبي ﷺ إنما وقف متى؟ في حجة يوم الجمعة، كان يوم عرفة هو يوم الجمعة.

الرابع: أن في هذا الاجتماع بين عرفة والجمعة اجتماع الخلائق من أقطار الأرض لخطبة عرفة وخطبة الجمعة، وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة.

الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفة أن يصوم عرفة.

وقد اختلف في حكمة عدم استحباب صوم يوم عرفة بعرفة، فقالت طائفة: ليتقوى على الدعاء والعبادة.

وقال غيرهم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الحكمة في النهي أو في كراهة قيام يوم عرفة في عرفة -يعني للحاج- أنه عيد لأهل عرفة، فلا يستحب صومه لهم"[37].

قال: "والدليل عليه الحديث الذي في السنن عنه ﷺ أنه قال: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام[38]، وهذا أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وإسناده في أقل أحواله حسنٌ.

يقول شيخ الإسلام: وإنما يكون يوم عرفة عيدًا في حق أهل عرفة لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم.

والمقصود: أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم الجمعة فقد اتفق عيدان معًا.

السادس: أن هذا التوافق -موافقة عرفة ليوم الجمعة- يحصل فيه موافقة اليوم الذي أكمل الله به الدين كما قال الله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3].

وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدا. قال: أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3]. فقال عمر بن الخطاب : "إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله ﷺ بعرفة يوم الجمعة، ونحن واقفون معه بعرفة.

السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم وهو يوم القيامة؛ لأن يوم القيامة يكون يوم الجمعة كما هو معروف كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه[39]، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى من أكثر أهل الفجور. 

وهذا يذكره ابن القيم في زمانه -رحمه الله، أما نحن فكثير من أهل زماننا قد لا يستملحون الفسق، والمجون، والحفلات الماجنة، والسهرات على ما يسخط الله إلا في ليلة الجمعة.

يقول ابن القيم -رحمه الله- يقول: "إن الطاعات الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره"[40].

وأترك التاسع وأذكر الأخير وهو العاشر: أن الله يدنو في عشية عرفة من أهل الموقف ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أشهدكم أني قد غفرت لهم[41]. أخرجه الإمام مسلم.

وكان السلف الصالح يجدون ويجتهدون في سائر الأيام بالعمل الصالح حتى إن الواحد منهم لربما حج ثمانين حجة، وهو مع ذلك يرى أن عمله قليل، وهو في غاية الخوف والوجل من الله .

وأما ما جاء عنهم من المبادرة إلى الأعمال في هذه الأيام الشريفة فشيء كثير، فهذا حكيمُ بن حزام بن خويلد القرشي وهو ابن أخ خديجة "الجواد المعروف" أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، وفعل مثل ذلك في الإسلام، وأهدى إلى البيت مائة بدنة، وألف شاة، وأعتق بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة، منقوش فيها "عتقاء الله عن حكيم بن حزام"، وباع دار الندوة، وهي الدار المعروفة في مكة يجتمع فيها كبراء قريش، باعها بمائة ألف وتصدق بها، فقيل له: بعت مكرمة قريش.

فقال: ذهبت المكارم[42].

ولدته أمه في جوف الكعبة، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وعاش في الإسلام ستين سنة[43].

كان حكيم بن حزام يقف بعرفة ومعه مائة بدنة مقلدة -يعني عليها القلائد قد علقت- ومائة رقبة يعني مائة عبد، فيعتق هؤلاء الرقاب المائة في يوم عرفة، وينحر هذه البدن لله ، هذه الآن في يوم عرفة دعك مما يكون في يوم النحر!

فيضج الناس بالبكاء والدعاء حينما يشاهدون هذا المشهد، فيقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا[44].

وكان هارون الرشيد الخليفة المعروف يفعل أفعالًا كذلك في ذلك اليوم.

وكان أبو قلابة الإمام الكبير من علماء التابعين يعتق جارية في عيد الفطر يرجو أن يعُتق بذلك من النار[45].

ونحن في هذه الأيام ليس لنا هم إلا أن نستقبل أسئلة الناس الذين يسألون عن الحج الذي لا هدي فيه، ومتى يسقط عنهم الهدي، وهل يكون في القران هدي، أو ليس فيه هدي، وهل عليه دليل أو ليس عليه دليل، وهذا هم كثير من الناس، وهذا يقدم مائة رقبة، يعتق مائة رقبة، وينحر مائة بدنة، ومائة شاة.

فأين نحن من هؤلاء؟ فإن كنت تطمع كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله: "إن كنت تطمع في العتق فاشترِ نفسك من الله، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: 111]، ومن كرمت عليه نفسه، هان عليه كل ما يبذل في افتكاكها من النار"[46].

واشترى بعض السلف نفسه من الله ثلاث مرات، أو أربعًا يتصدق كل مرة بوزن نفسه فضة[47].

واشترى عامر بن عبد الله بن الزبير نفسه من الله -وهذا مات في الصلاة، حينما سمع الأذان لم يتمالك، اشترى نفسه من الله بديته ست مرات تصدق بها[48]، يحسب ديته، ثم يتصدق بها ست مرات.

واشترى حبيبٌ العجمي نفسه من الله بأربعين ألف درهم تصدق بها[49]، وهو مال كثير في ذلك الزمان.

وكان أبو هريرة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة بقدر ديته، يفتدي بذلك نفسه[50].

ومن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل، والأمر كما قيل: ويحك قد رضينا منك في فكاك نفسك بالندم وقنعنا منك في ثمنها بالتوبة والحزَن.

فأين التوبة؟ وأين الحزَن؟ وأين الأوبة الصادقة إلى الله ؟

وأما أحوال السلف في يوم عرفة فهم بحسب مراتبهم، فمنهم من كان يغلب عليه الخوف، أو الحياء من الله في ذلك اليوم، هذا مطرف بن عبد الله بن الشخير -رحمه الله تعالى- وهو من علماء التابعين وعبادهم، وقف في عرفة مع بكر المزني، فقال أحدهما: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي".

وقال الآخر: "ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم"[51].

هكذا كانوا يزرون على أنفسهم.

ووقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء، وقال: واسوأتاه منك وإن عفوت[52].

يقول ذلك؛ لأنه غلب عليه الحياء من الله .

ويقول لشعيب بن حرب: "إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحدٌ شرًا مني ومنك فبئس ما ظننت"[53].

ودعا بعض السلف بعرفة فقال: "اللهم إن كنت لم تقبل حجي، وتعبي، ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني"[54].

وكان بعض السلف يأخذ بلحيته في يوم عرفة، ويقول: يا رب قد كبرت فأعتقني[55].

وشوهد بعرفة وهو يقول:

سبحان من لو سجدنا بالعيون له على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معشار نعمته

ولا العشير ولا عشرًا من العشر

هو الرفيع فلا الأبصار تدركه سبحانه من مليك نافذ القدر
سبحان من هو أنسي إذ خلوت به في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر[56].

وجاء ابن المبارك إلى سفيان الثوري -رحمه الله- عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه في عرفة وعيناه تهملان من الدموع، فقال ابن المبارك لسفيان الثوري: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قال: "الذي يظن أن الله لا يغفر له"[57].

فعمّا قريب يقف إخوانكم في عرفة في ذلك الموقف، فهنيئًا لمن رزقه، يجأرون إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراجٍ أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب نصح لله في التوبة وصدقه، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أسير للأوزار فكّه وأطلقه، وحينئذٍ يطلع عليهم أرحم الراحمين، ويباهي بجمعهم أهل السماء ويدنو ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟ فمن فاته الوقوف في عرفة في هذا العام فليقم لله بحقه الذي عرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، ومن لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء والخوف، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه وقد بلغ المنى، ومن لم يصل إلى البيت؛ لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد[58].

وهذا من لطف الله وإحسانه إلى عباده، فإنه لما جعل الله في نفوس المؤمنين، حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره.

وجعل موسم العشر هذا مشتركًا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج في بعض حالاته، فالجد الجد لاستغلال هذه الساعات، وهذه الأيام.

كان سعيد بن جبير -رحمه الله- إذا دخلت هذه العشر جدّ واجتهد في العبادة، وصار في حال لا يقدر عليها كثير من الخلق، وكان يأمر أهله بالقيام، ويقول: "لا تطفئوا سروجكم ليالي العشر"[59].

تعجبه العبادة، وكان يقول: "أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم عرفة"[60].

ومما يستحب في هذه الأيام من الأعمال الصالحة: الصيام، فإنه من أجل القربات، ومن أعظم الطاعات، وقد نقل غير واحد من العلماء الاتفاق على استحباب صيام هذه التسع، أما في يوم عرفة فهذا أمر لا شك فيه، والأحاديث صريحة في ذلك بأنه يكفر سنة ماضية، وسنة آتية[61].

ومما يدل على استحباب صوم هذه الأيام حديث ابن عباس وغيره من الأحاديث التي ذكرنا التي تدل على سبيل العموم والإجمال على فضل العمل الصالح في هذه الأيام: ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أفضل...، ومن ذلك من الأعمال الصالحة الصيام.

ومما يدل بخصوصه ما رواه هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: "كان رسول الله ﷺ يصوم تسع ذي الحجة -وهي هذه الأيام- ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين من الشهر والخميس"[62]، أخرجه أبو داود والنسائي أحمد، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصوم هذه الأيام، وجاء عن بعض التابعين أيضًا أنهم كانوا يصومونها، فعن عبد الله بن عوف قال: كان محمد -يعني ابن سيرين- يصوم العشر جميعًا[63].

وعن ليث، قال: كان مجاهد يصوم العشر، قال: وكان عطاء يتكلفها[64].

وأما حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله ﷺ صائمًا في العشر"[65].

وفي رواية: "إن النبي ﷺ لم يصم العشر"[66]، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

فنحن إذا أثبتنا هذا الحديث فيمكن أن يقال: بأن النبي ﷺ كان يترك صومها؛ لئلا يضعف عما هو أهم بالنسبة إليه من الصيام لاشتغاله بمصالح الأمة، وهذا قاله الطحاوي -رحمه الله[67].

ويمكن أن يقال: المراد أنه لم يصم العشر كاملة كما هو قول للإمام أحمد في تفسير حديث عائشة -رضي الله عنها-، وهذا التفسير لا يصلح إلا على رواية: "ما رأيت رسول الله ﷺ صائمًا في العشر"، يعني: خفي عليها بعض ذلك وصام.

هذا لا يصح على رواية: "ما رأيت رسول الله ﷺ صائمًا في العشر"، باعتبار أنها ما رأته يصوم يومًا واحدًا ولا أكثر، فهذه الرواية تشكل على تفسير الإمام أحمد، ويصح هذا التفسير على الرواية الأخرى: "لم يصم العشر" أي: مكتملة، فيمكن أنه كان يترك بعض الأيام، أو أن المقصود أنه كان يترك يوم النحر، وهذا لا إشكال فيه.

أو يقال: إنه لم يصمها لعارض عرض له من مرض، أو سفر، أو غير ذلك كما قال النووي -رحمه الله[68].

أو يقال: بأنه ترك صيامها خشية أن تفرض عليهم كما قاله الحافظ ابن حجر[69].

ومن أهل العلم من رجح حديث حفصة وإن لم يكن في الصحيحين على حديث عائشة، وإن كان في صحيح مسلم، وهذا منقول عن الإمام أحمد -رحمه الله- بناء على أن حديث عائشة الذي في صحيح مسلم مختلف في إسناده[70].

وبعض العلماء سلك طريقًا وسطًا وهو الجمع بين الحديثين، فبعضهم يقول: بأن المثبت مقدم على النافي كما يقول البيهقي -رحمه الله[71]، فالمثبت هو حديث حفصة، والنافي حديث عائشة فمن حفظ حج على من لم يحفظ، ومن شاهد حج على من لم يشاهد، فنقول: شاهدته حفصة وعائشة خفي عليها ذلك!

ويمكن أن يقال: بأن عائشة -رضي الله عنها- حدثت عما رأت ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، قاله النووي -رحمه الله[72]، أو أنه كان يصومها أحيانًا ويتركها أحيانًا، فأخبرت كل واحدة منهما بما رأت.

وبغض النظر عن حديث حفصة يكفينا الحديث العام: ما من أيام العمل الصالح فيها...، فمن جملة العمل الصالح الصيام، ولا شك.

من الأعمال الصالحة التي ينبغي العناية بها ويشرع للمسلم أن يتشاغل بها في هذه الأيام: "التكبير".

وهذا هو الذي يسميه الفقهاء "التكبير المطلق"، وهو مستحب في كل وقت في هذه العشر، وفي لياليها أيضًا.

والدليل عليه هو قوله -تبارك وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203].

والراجح أن المراد بهذه الأيام المعلومات هي العشر من ذي الحجة.

وجاء عن ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- كما أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه تعليقًا: أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما[73].

أما التكبير المقيد فسيأتي عند الكلام على العمل الذي يشرع في يوم عرفة.

ومما ينبغي التفطن له في هذه الأيام أن الإنسان يشرع له أن يضحي، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن الأضحية واجبة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله[74].

وقد جاء مرفوعًا وموقوفًا: من وجد سعة ولم يضحي فلا يقربنّ مصلانا[75]، وهذا أشد ما ورد في موضوع الأضحية، فشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أنها واجبة على المستطيع، على من وجد سعة، من وجد قيمتها أنه يجب عليه أن يضحي.

والجمهور على أنها سنة مؤكدة.

فهي من سنة أبينا إبراهيم حيث أنه فُدي جدنا إسماعيل "بذبح عظيم" كما هو معلوم، فصار ذلك سنة، وشرع لنا على لسان رسول الله ﷺ.

وقد ضحى النبي ﷺ، وضحى أصحابه.

فإذا كان الإنسان مستطيعًا فينبغي أن يحرص عليها، وأن يستسمنها، وأن تكون مكتملة، فذات القرون أفضل من الجمّاء، وكلما كانت أوفر لحمًا فهي أجلّ وأفضل.

وقد ضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين، أقرنين، يمشيان في سواد، ويأكلان في سواد، وينظران في سواد[76].

يعني: أنه هناك سواد عند العينين وعند الفم وفي الأطراف، فإذا أراد الإنسان أن يضحي وعزم على ذلك فينبغي له أن لا يأخذ من شعره، ولا أظفاره، ولا بشره شيئًا، وذلك على سبيل التحريم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك، كما قال في حديث أم سلمة عند الإمام مسلم في صحيحه: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئًا[77].

"من شعره ولا بشره" فيدخل في البشر الجلد، لا يقطع جلده متعمدًا، ونحو ذلك.

وأخذ الشعر سواء كان من الرأس، أو من سائر أجزاء البدن ليس له أن يخذ شيئًا منه، وهذا نهي والنهي يدل على التحريم إلا لصارف، ولا يوجد صارف يصرف عن ذلك، ومتى ما نوى الأضحية فإنه يمسك.

يعني: لو نوى الآن له أن ينوي الآن فيمسك، ومعلوم أن الذبح هو في يوم النحر وفي ثلاثة أيام بعده، فلو نوى في اليوم الرابع من العيد مثلًا في الضحى فله أن يضحي، فالحاصل إذا نوى فإنه يمسك حتى يذبح أضحيته.

ولو أنه أخذ من شعره أو بشره يكون قد عصى، ولكن أضحيته مجزئة وصحيحة، وليس عليه فدية ولا كفارة، وإنما عليه الاستغفار والتوبة من هذا العمل.

وأما دفع الأضحية لبعض المؤسسات التي يذبحونها في الخارج، فهذا لا مانع منه، والتوسط الذي أظنه في هذا الباب بين من يوسع المجال فيه، وبين من يشدد في هذا المجال، أن يقال:

إذا كان الإنسان لا يجد قيمة الأضحية هنا، ويجد قيمة أضحية هناك كمائتي ريال مثلًا، فكونه يضحي هناك أحسن من أن يترك الأضحية، هذه صورة.

صورة أخرى: كون هذا الإنسان سيسافر، أو ينشغل، أو غير ذلك، فإذا رجع الأمر إليه فلن يضحي، لكنه لو وكل مثل هذه المؤسسات سيضحي، فالأمر سهل بالنسبة إليه، فنقول: أعطهم.

الصورة الثالثة: ما اعتاده كثير من الناس، يذبحون في البيت عشر أضاحي، ثمان أضاحي، اثنا عشر أضحية، وأكثر أحيانًا، هذه وصايا، وهذه أضحية للولد، وهذه للبنت، وهذه كذا.

فيشتغلون بها ويرون أنها عبئًا ثقيلًا عليهم، فنقول لمثل هؤلاء: لا بأس، أعطوا جزءًا منها لهؤلاء تصل إلى هؤلاء الفقراء المعدمين، وأبقوا عندكم جزءً منها ينشأ عليها الصغير وتأكلوا منها، ولهذا يقال: الأفضل أن يأكل الإنسان من أضحيته، وأن يتصدق على الفقراء والمساكين، وأن يهدي جزءً منها ولا يقدر ذلك بالثلث؛ لأنه لم يرد فيه دليل من الكتاب، ولا من السنة.

والسنة أن يذبح هديه أو أضحيته بيده هو كما فعل النبي ﷺ، ولا يعط جزّار من لحمها أجرة، لكن لا بأس يعطيه على سبيل الهدية، ولا يبيع الجلد، وإنما إما أن يتركه، وإما أن يهبه، أو يتصدق به، أو يستعمله في حاجته هو، كأن يدبغه أو غير ذلك.

السنة أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بأضحية واحدة فقط، أما ما اعتاده كثير من الناس من التضحية بكثير من الأضاحي فهذا خلاف السنة، اللهم إلا إذا كان عنده وصايا فهذا شأنٌ آخر.

وكذلك الأموات الأصل أن يضحى عن الأحياء ولا بأس أن تدخل معهم الأموات على سبيل التبع.

فهذا بعض ما يتعلق بالأضاحي، وفي بعض الألفاظ التي ورد فيها النهي عن أخذ الشعر والبشر، في رواية: إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذنّ شعرًا ولا يقلمنّ ظفرًا[78]، فذكر الأظفار.

وفي لفظٍ: إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره[79].

وفي لفظ: من كان له ذبحٌ يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي[80].

وفي لفظٍ: من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره، ولا يحلق شيئًا من شعره في عشر الأُول من ذي الحجة[81].

وفي الأضحية مسائل كثيرة جدًا ليس هذا مجال الكلام عنها فيما لو تعيبت الأضحية، اشتراها فانكسرت عنده في البيت أو اشتراها فاكتشف أنها معيبة، وما هي الأشياء التي تجزئ في الأضحية، وما هي الأشياء التي لا تجزء.

وأما الحكمة في أنه لا يأخذ من شعره ولا بشره شيئًا، فنحن نتعبد لله بما أمرنا، ولكن العلماء استنبطوا من ذلك استنباطات قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة، فمن ذلك ما قاله النووي -رحمه الله- بأن الحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار[82].

وقيل: ذلك من باب التشبه بالمحرمين حينما لا يقعون بشيء من المحظورات "الإحرام".

ولكن ينبغي التنبه كثير من العامة يسمون هذا الإمساك: "إحرامًا" وهو ليس من قبيل الإحرام.

وبعضهم يسأل عن الطيب، وبعضهم يسأل عن المعاشرة مع أهله، فيقال: هذا لا شأن له في موضوع الأضحية، لا إشكال فيه، لكن الشعر والبشر والأظفار، وما عدا ذلك فلا إشكال فيه.

وبعض الناس ولا سيما النساء يسألون كثيرًا عن تمشيط الشعر، فلا مانع من تمشيط الشعر؛ لأن النهي عن أخذ الشعر ومن مشط شعره لا يقال: إنه قد قص شعره، ولا يقال: إنه قد حلقهُ.

وبعض العلماء يقولون: لما شارك هذا المضحي الحاج بعض أعماله، شاركه في بعض خصائص الإحرام، فنهي عن الأخذ من هذا الشعر والأظفار.

ومن المسائل أيضًا المتعلقة بهذه العشر:

في اليوم الأول منها ذهب كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أن الأفضل لأهل مكة أن يحرموا بالحج في اليوم الأول من أيام ذي الحجة، وهذا منقول عن عامة أهل العلم، وهذا لا دليل عليه إلا ما نقل عن عمر بن الخطاب من قوله ومن رأيه هو رأى أهل مكة، فقال: ما بال الناس يأتون شُعثًا غُبرًا وتأتون مدهنين؟

لأنهم ما يحرمون إلا في اليوم الثامن، فرأى أنهم يحرمون من اليوم الأول ليكونوا شعثًا غبرًا كغيرهم إذا جاء اليوم الثامن.

وهذا الكلام لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة، فإن فعلوه فهو حسن، ونُقل ذلك عن ابن الزبير في أيام خلافته، كان يحرم من اليوم الأول من ذي الحجة، هذا بالنسبة لأهل مكة من أراد منهم الحج.

ومن الأعمال أيضًا اليوم السابع من أيام ذي الحجة ويقال له: "يوم الزينة" لأن الحجاج في السابق كانوا يزينون فيه الهوادج التي تكون على الرواحل يركب فيها النساء غالبًا.

وهذا اليوم "اليوم السابع" بالنسبة للحجاج لمن لم يجد الهدي للمتمتع والقارن استحب كثير من السلف أن يبدأ الصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، أن يبدأ الثلاثة التي في الحج من السابع فيكون السابع، والثامن، والتاسع، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب ، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وقتادة، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وإليه ذهب الإمام أحمد - رحمهم الله تعالى جميعًا.

وأما اليوم الثامن من أيام ذي الحجة ويقال له "يوم التروية"؛ لأن الناس كانوا يتروون من الماء، يأخذون الماء من مكة إلى منى، وقيل: يتروون الماء ليأخذوه معهم إلى عرفات؛ لأنه لم يكن بمنى ولا بعرفات شيء من الماء.

وهذا اليوم الثامن يقال له "يوم التروية"، ويقال له: "يوم النقلة" لأن الحجاج ينتقلون فيه من مكة إلى منى.

وكانت بنو هاشم يكسون الكعبة في اليوم الثامن بقميص من الديباج، ثم صار يكسوها المأمون بالديباج الأحمر في نفس هذا اليوم الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة.

ويستحب في هذا اليوم الثامن من ذي الحجة أن يهل الحجاج بالحج.

يعني المتمتع مثلًا فيهل، نقول: يهل قبل زوال الشمس، قبل الظهر بقليل، ثم يذهب إلى منى ليصلي بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر استحبابًا، كل هذا يكون على سبيل الاستحباب وفي منى، وهذا قول جمهور العلماء -رحمه الله، والدليل على ذلك حديث جابر بن عبد الله لما ذكر صفة حج النبي ﷺ، قال: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله  ﷺ فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء[83]، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

ويقصرون الرباعية سواء كانوا من أهل مكة أو من غيرهم من الوافدين عليها، يقصرون الصلاة ولا يجمعون، يصلون كل صلاة في وقتها لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن رسول الله ﷺ صلى بمنى يوم التروية الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم غدا إلى عرفة[84]، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، وفيه أحاديث أخرى ومنها ما ذكرت من حديث جابر.

ويستحب لهم إذا لبوا الحج أن يشتغلوا بالتلبية، يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لا لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

وقد جاء في فضلها أحاديث كثيرة مما صح منها حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر، أو شجر، أو مدرٍ حتى تنقطع الأرض من ها هنا أو ها هنا[85]، أخرجه الترمذي وابن ماجه، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

ومما ورد حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: ما أهل مهلٌ قط ولا كبر مكبّر قط إلا بُشّر. قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: نعم[86]، أخرجه الطبراني، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

وهذه التلبية هي شعار الحج، فعن زيد بن خالد الجهمي قال: قال رسول الله ﷺ: جاءني جبريل فقال: يا محمد مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج[87]، أخرجه ابن ماجة وابن أبي شيبة من قول مجاهد، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

فهذا ينبغي التفطن له؛ لأن الكثير من الحجاج إذا ذهبوا ينشغلون بالكلام، والقيل والقال، ولربما بالنوم وما إلى ذلك فيغفلون عن هذه التلبية، حتى إن من لم يحج حينما يسمع في الإذاعة صوت التلبية يظن أن منى تعج بالتلبية، وإذا ذهب إلى هناك لا يكاد يسمع أحدًا يلبي.

وأما في اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة فإنه سمي بذلك لأسباب عدة ذكرها العلماء، من أحسنها أن إبراهيم ﷺ لما امتحن بذبح ولده أتاه جبريل ﷺ فأراه مناسك الحج، ثم ذهب به إلى عرفة، فقال له: هل عرفت؟ قال: نعم[88]، فهذا منقول عن ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعطاء، ونعيم بن أبي هند، وعن أبي مجلز.

وله أسماء أخرى -أعني يوم عرفة- يقال له: "يوم التمام"؛ لأن الله أتم فيه الدين وأتم فيه النعمة على هذه الأمة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي... الآية [المائدة:3].

ويقال له أيضًا: يوم "الحج الأكبر"، وهو قول عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ونُقل عن ابن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومجاهد، وعكرمة، وطاووس، وسعيد بن جبير[89].

وإن كان الأرجح كما سيأتي أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.

ويسمى أيضًا هذا اليوم -أعني يوم عرفة- يقال له: "اليوم المشهود" لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: اليوم الموعود... يعني: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج:2] في الآية الذي أقسم الله به،  اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة[90].

يعني في قوله تعالى: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3]، وهذا أخرجه الترمذي، وأحمد مرفوعًا وموقوفًا، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

من الأعمال التي تشرع في يوم عرفة لأهل الأمصار من المقيمين، وللحجاج أيضًا ما يعبر عنه الفقهاء -رحمهم الله تعالى- بالتكبير المقيد الذي يكون بعد الفرائض، وأرجح الأقوال فيه أنه من فجر يوم عرفة، وقد نقل الإمام النووي -رحمه الله تعالى- إجماع العلماء على مشروعية التكبير المقيد في الأضحى[91]، وإن اختلفوا في بعض التفصيلات متى يبدأ ومتى ينتهي، لكنهم يدندنون حول هذا اليوم، بعضهم يقول: في يوم عرفة من صلاة الفجر.

وبعضهم يقول: من صلاة الظهر.

وبعضهم يقول غير ذلك إلا أنهم يقرون بهذا التكبير المقيد.

لم أقف إلى ساعتي هذه مع طول البحث والتتبع على من أنكره وسوى بين سائر الأيام في مسألة التكبير، مع كثرة اختلاف العلماء في وقته متى يبدأ وإلى أي حد ينتهي، حتى إن أقاويلهم تفرقت إلى عشرة أقوال، لكن المحصلة أنهم جميعًا يقولون بهذا التكبير المقيد.

ولا حاجة لذكر هذه الأقوال، لكن أذكر ما هو الراجح منها وهو أن هذا التكبير يبدأ من صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بصلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من العيد.

فيوم العيد وثلاثة أيام بعده هذه كلها يكبر الإنسان فيها بعد الصلاة المكتوبة.

وهذا القول الذي ذكرت أنه الراجح هو قول عمر بن الخطاب ، وعلى بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، والأوزاعي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبي ثور[92].

وإلى هذا ذهب الإمام أحمد -رحمه الله-[93] والشافعي في بعض أقواله[94]، وبه قال ابن حزم من الظاهرية[95].

وجاء عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب كان يكبر في قبته بمنى -يعني في خيمته بمنى في أيام التشريق- فيكبر أهل السوق بتكبيره حتى ترتد منى تكبيرًا[96]، وهذا أخرجه البخاري تعليقًا.

وجاء عن نافع أن ابن عمر كان يكبر بمنى تلك الأيام -يعني أيام التشريق- وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي الصلوات، وفي فسطاطه، وفي مجلسه، وفي ممشاه تلك الأيام جميعًا[97]، أخرجه البخاري تعليقًا.

وقال البخاري -رحمه الله: "كانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد"[98].

طبعًا بحيث لا يسمع لهن صوت، وكان النساء في ذلك الوقت يصلين مع الرجال في المسجد.

وكان طاووس ينكر على الناس قلة التكبير في أيام التشريق في أيام منى.

ويقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله: "قد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات، وغير ذلك من الأحوال، وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع، فمنهم من قصر التكبير في تلك الأيام على أعقاب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، -إلى أن قال: وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع، والآثار التي ذكرها تساعده"[99].

يعني تساعده على هذا الاختيار، والذي أظنهُ أقرب وأوفق وأجمع للروايات أن يقال -والله تعالى أعلم- بأن التكبير مشروع من هلال ذي الحجة في وكل وقت، مشروع في كل الأوقات، فهذه العشر يشرع لنا أن نكبر فيها من غير تقييد ولا تحديد في السوق، وإن كبرت بعد الصلاة فهو حسن، إن كبرت في إقبال الليل وإدبار النهار، إن كبرت في مجلسك، في فراشك، في بيتك، في ممشاك، في كل مكان، لا يخص ذلك بحالٍ دون حال فهو تكبير مطلق بهذا الاعتبار.

وإذا جاء فجر يوم عرفة فإن التكبير يكون مسنونًا بعد الصلوات إضافة إلى سائر الأوقات، إذا جاء يوم عرفة وسائر أيام التشريق فالزيادة في هذا أن التكبير عقب الصلوات يكون سنة بخصوصه إضافة إلى باقي التكبير في كل وقت.

إذن نحن في هذه الأيام إن كبرنا بعد الصلوات فهو حسن، إن كبرنا في سائر الأوقات فهو حسن، ومن لم يكبر خلف الصلاة لا يقال له: تركت سنة.

لكن من فجر يوم عرفة وسائر أيام التشريق الذي لا يكبر خلف الصلوات يقال له: قد تركت سنةً.

مع أنه يشرع له أن يكبر في كل وقت، فلا يفهم بحال من الأحوال أن التكبير في هذه الأيام لا يكون بعد الصلاة لا، لا يفهم هذا ولا يفهم أنه من فجر يوم عرفة إلا يكون إلا بعد الصلاة.

ثم أيضًا التفاصيل الكثيرة التي يذكرها بعض الفقهاء أنه لا بد أن يكبر بعد السلام مباشرة، ولا يقطع بتسبيح ولا غير ذلك، هذا كله لا دليل عليه.

وبعضهم يقول: لو نسي فقام فات محله، هذا الكلام لا دليل عليه، يكبر بعد الصلوات ويكبر في سائر الأوقات، -والله تعالى أعلم.

ومما يدل على أن التكبير لا يختص ببعد الصلوات في أيام التشريق أن عمر كان يكبر في قبته بمنى في الأوقات الأخرى، وكذلك بن عمر كان يكبر في فراشه، وفي سوقه، وفي فسطاطه، وفي مجلسه، وبعد الصلوات، وغير ذلك.

فهذا هو فعل أصحاب النبي ﷺ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر"، -يقصد في تكبير المقيد: "أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة، ويشرع لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد هذا باتفاق الأئمة"[100].

وأما صيغة التكبير، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وإن كبر بكل صيغة، بأي صيغة فلا بأس، بشرط أن لا يلتزم صيغة معينة لم ترد.

لو قلت مثلًا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وجلست تكبر تردد "الله أكبر" فهذا من التكبير، والله لم يقيد ذلك بصفة محددة.

والنبي ﷺ جميع الروايات التي وردت عنه في صفة التكبير كلها لم يصح، لم يصح عن النبي ﷺ في ذلك شيء البتة، ولذلك يقال: بأن هذه الصفة ثبتت عن بعض أصحاب النبي ﷺ، ونحن حينما لا نجد عن رسول الله ﷺ شيء نلجأ إلى أقاويل الصحابة فهم أعلم بسنة رسول الله ﷺ، ثم نأخذ ما ثبت عنهم.

الحاصل: أن هذه الصفة التي ذكرتها الآن جاءت عن عليّ، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وابن أبي ليلى[101].

وجاء عن سلمان الفارسي بإسناد صحيح أنه كان يقول: "الله أكبر، الله أكبر كبيرا"[102]، أخرجه البيهقي وعبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح.

يقول ابن القيم -رحمه الله: "ويذكر عنه يعني عن النبي ﷺ أنه كان يكبر لصلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

وهذا وإن كان لا يصح إسناده فالعمل عليه"[103].

بمعنى أنه لا يوجد من ينكر ذلك وتتابع الناس عليه من لدن أصحاب النبي ﷺ، فلا ينبغي لأحدٍ أن ينكره، ولهذا يقول الحاكم النيسابوري -رحمه الله- يقول: "فأما من فعل عمر، وعلي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود فصحيح عنهم التكبير من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق"[104].

والواقع أن ابن أبي شيبة -رحمه الله- أخرج عن علي أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق[105]، بإسناد صحيح، وصححه الحاكم أيضًا في المستدرك.

وجاء أيضًا عند ابن أبي شيبة عن أبي الأسود قال: "كان عبد الله بن مسعود يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"[106]، وهذا بإسناد صحيح، هذا ما يتعلق بهذا التكبير.

وأما يوم العيد، وهو يوم النحر، وهو اليوم العاشر فهو عيدٌ من أعظم أعياد المسلمين بل هو أعظم أعياد المسلمين كما قال النبي ﷺ في حديث عقبة بن عامر : يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام[107].

ويقال له: "يوم الأضحى" لأن الأضحية تكون في يومه، ويقال له: "يوم النحر" أن في يومه يبدأ نحر الهدايا والأضاحي، ويقال له: "يوم الشفع كما في حديث جابر ، أن النبي ﷺ قال: إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر[108].

يعني في قوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3].

ويقال له: "يوم الحج الأكبر" على الصحيح من أقوال أهل العلم، فهو أعظم من يوم عرفة.

وهذا القول بأن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر قال به علي بن أبي طالب كما سبق وعبد الله بن أبي أوفى، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وابن عمر، وجاء أيضًا عن ابن عباس، وقال به من التابعين سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، ومحمد بن سيرين، والزهري[109].

ويوم النحر فيه عامة أعمال الحج؛ لأن الوقوف يصح في ليلته، وفي يومه يكون الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، فحق له أن يكون يوم الحج الأكبر.

واختلف العلماء في سبب تسميته بيوم الحج الأكبر على أقوال الأرجح منها -والله أعلم- أنه سمّي بذلك في مقابل الحج الأصغر.

وما هو الحج الأصغر؟

الراجح: أن الحج الأصغر هو العمرة، والحج الأكبر هو الحج المعروف، وبهذا قال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وعطاء[110]، والشعبي[111]، وعبد الله بن شداد[112].

وذكر الزهري أن أهل الجاهلية كانوا يسمون العمرة "الحج الأصغر" ورجح هذا القول ابن جرير الطبري كبير المفسرين[113]، وابن الجوزي[114]، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[115]، وعزاه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح إلى الجمهور[116].

وهذا اليوم ورد في فضله أحاديث أكتفي بواحد منها يدل على أنه أفضل أيام العشر، وذلك ما جاء في حديث عبد الله بن قرط، عن النبي ﷺ قال: إن أعظم الأيام عند الله -تبارك وتعالى- يوم النحر، ثم يوم القَرّ[117].

وهو اليوم الثاني، يعني ثاني العيد اليوم الحادي عشر؛ لأن الحجاج يستقرّون فيه بمنى، وفي اليوم الثالث ينفرون، يعني في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ينفرون، يسافرون -أعني المتعجل منهم.

ومن الأعمال التي تتعلق به بالنسبة للحجاج المبيت بمزدلفة في ليلته، ومن ذلك أيضًا نحر الأضاحي بالنسبة لأهل الأمصار، ونحر الهدي بالنسبة للحجاج.

ومعلوم أن الحجاج حقهم نحر الهدايا، وأما أهل الأمصار فإنهم يذبحون الأضاحي، ولذلك قال: السنة في حق الحاج أن لا يذبح أضحية وإنما ينحر هديه، ولو كان مفردًا؟ نقول: نعم، ولو كان مفردًا؛ لأن الهدايا لا تختص بالمتمتع والقارن إلا على سبيل الوجوب.

وأما التطوع فبابه واسع فيستحب لمن كان مفردًا أن يسوق هديًا أو أكثر، بل إن أهل الأمصار من أقام في بلده لم يحج يستحب له أن يسوق الهدي إلى مكة مع الحجاج أو مع غيرهم، فيُنحر هناك وهو مقيم في بلده، وهذا كان يفعله جماعة من أصحاب النبي ﷺ.

هذا ما يتعلق بأعمال هذه الأيام العشر، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  1. ممن قاله ابن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومسروق، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد ورجحه الطبري، انظر: تفسير الطبري (24/ 396-397).
  2. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (4086)، وأحمد في المسند، برقم (14511)، وقال محققوه: "هذا إسناد لا بأس برجاله، وأبو الزبير لم يصرح بسماعه من جابر"، والحاكم في المستدرك، برقم (7517)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (1508).
  3. تفسير ابن كثير (8/ 391).
  4. تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 562).
  5. تفسير الطبري (24/ 395-397).
  6. تفسير ابن كثير (8/ 390).
  7. تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 562).
  8. علقه البخاري في صحيح البخاري (2/ 20).
  9. انظر: تفسير الطبري (16/ 522-523)، وتفسير البغوي (5/ 379)، وتفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 154).
  10. تفسير البغوي (5/ 379).
  11.  أخرجه البخاري، أبواب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم (969).
  12. أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب في صوم العشر، برقم (2438)، والترمذي، أبواب الصوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في العمل في أيام العشر، برقم (757)، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب صيام العشر، برقم (1727)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (2107).
  13. أخرجه أحمد في المسند، برقم (6559)، وقال محققوه: "صحيح لغيره، وهذا سند حسن في الشواهد، إبراهيم بن المهاجر"، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 417)، برقم (2972).
  14. أخرجه الشجري الجرجاني في ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (2/ 87)، برقم (1687)، والهيثمي في كشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 28)، برقم (1128).
  15. أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (10455)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 259)، والهيثمي في معجم الزوائد برقم (5931)، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 127)، برقم (1784)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1149).
  16. لطائف المعارف لابن رجب (ص:262).
  17. أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 416)، برقم (2970)، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم (3476)، والدارمي في سننه، برقم (1815)، وحسَّن إسناده الألباني كما في: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 398).
  18. أخرجه ابن حبان في صحيحه، برقم (3853)، وأبو عوانة في مستخرجه، برقم (3023)، والطحاوي في مشكل الآثار، برقم (2973)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (679).
  19. أخرجه أحمد في المسند، برقم (5446)، وجود إسناده الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 398)، وفي تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص:352).
  20. لطائف المعارف لابن رجب (ص:260-261).
  21. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ومن سورة المؤمنون، برقم (3175)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوقي على العمل، برقم (4198)، وأحمد في المسند، برقم (25263).
  22. أخرجه أبو عوانة في مستخرجه، برقم (3023)، والطحاوي في مشكل الآثار، برقم (2973)، والطبراني في الكبير، برقم (12328).
  23. أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم (1520).
  24.  أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم (2785).
  25. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم (2787)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، برقم (1878).
  26. انظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 5).
  27. مجموع الفتاوى (25/ 287)، زاد المعاد (1/ 57).
  28. انظر: مجموع الفتاوى (25/ 287)، وبدائع الفوائد (3/ 162).
  29. ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (8/ 271)، وقال: "وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعا -وذكر الحديث- فهو حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من أخرجه"، وذكره السخاوي في الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (3/ 1127)، وقال كلامًا نحو كلام الحافظ، وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (3/ 341)، برقم (1193)، وقال: "لا أصل له"، وبرقم (3144).
  30. أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، برقم (1765)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1549).
  31. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، برقم (67)، وبرقم (4406)، كتاب المغازي، باب حجة الوداع، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، برقم (1679).
  32. مجموع الفتاوى (24/ 222).
  33. المصدر السابق.
  34. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، برقم (854).
  35. أخرجه أبو دواد، تفريع أبواب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، برقم (1047)، والنسائي، كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، برقم (1374)، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب في فضل الجمعة، برقم (1085)، وأحمد في المسند، برقم (16162)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، غير صحابيه فمن رجال أصحاب السنن"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (962)، وفي صحيح الجامع، برقم (2212).
  36. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 60).
  37. المصدر السابق (1/ 61).
  38. أخرجه أبو دواد، كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، برقم (2419)، والترمذي، أبواب الصوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، برقم (773)، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب النهي عن صوم يوم عرفة، برقم (3004)، وأحمد في المسند، برقم (17379)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (2090)، وفي صحيح الجامع، برقم (8192).
  39. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، برقم (854).
  40. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 63).
  41. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، برقم (1348).
  42. البداية والنهاية (8/ 75)، وسير أعلام النبلاء (3/ 50).
  43. البداية والنهاية (8/ 74).
  44. لطائف المعارف لابن رجب (ص:284).
  45. المصدر السابق (ص:284).
  46. المصدر السابق (ص:285).
  47. المصدر السابق.
  48. المصدر السابق.
  49. المصدر السابق.
  50. المصدر السابق.
  51. المصدر السابق.
  52. المصدر السابق.
  53. المصدر السابق.
  54. المصدر السابق (ص:66).
  55. المصدر السابق. (ص:286).
  56. مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن (ص:189).
  57. حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (ص:92).
  58. لطائف المعارف لابن رجب (ص:287).
  59. سير أعلام النبلاء (4/ 326).
  60. حلية الأولياء (4/ 281).
  61. أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس، (2/ 818)، رقم: (1162).
  62. أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب في صوم العشر، رقم: (2437)، والنسائي، كتاب الصيام، صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك رقم: (2372)، وأحمد، رقم: (22334).
  63. مصنف ابن أبي شيبة (2/ 300)، رقم: (9221).
  64. مصنف ابن أبي شيبة (2/ 300)، رقم: (9222).
  65. أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب في فطر العشر، رقم: (2439)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، صيام العشر والعمل فيه، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين للخبر فيه، رقم: (2887).
  66. أخرجه مسلم، باب صوم عشر ذي الحجة، رقم: (1176).
  67. شرح مشكل الآثار (7/ 419).
  68. شرح النووي على مسلم (8/ 72).
  69. فتح الباري لابن حجر (2/ 460).
  70. لطائف المعارف لابن رجب (ص:262).
  71. السنن الكبرى للبيهقي (4/ 472).
  72. شرح النووي على مسلم (8/ 72).
  73. أخرجه البخاري، أبواب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، (2/ 20).
  74. جموع الفتاوى (23/ 162).
  75. أخرجه أحمد (14/ 24)، رقم: (8273)، والحاكم (2/ 422)، وقم: (3468)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف.
  76. أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير (3/ 1557)، رقم: (1967).
  77. أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره، أو أظفاره شيئا، رقم: (1977).
  78. أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره، أو أظفاره شيئا، رقم: (1977).
  79. المصدر السابق.
  80. المصدرالسابق.
  81. أخرجه النسائي، كتاب الضحايا، رقم: (4362).
  82. شرح النووي على مسلم (13/ 139).
  83. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم، رقم: (1218).
  84. أخرجه ابن ماجه، أبواب المناسك، باب الخروج إلى منى، رقم: (3004).
  85. أخرجه الترمذي، أبواب الحج عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، رقم: (828).
  86. المعجم الأوسط (7/ 379)، رقم: (7779).
  87. أخرجه ابن ماجه، أبواب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، رقم: (2923).
  88. أخبار مكة للفاكهي (5/ 78)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 26).
  89. تفسير القرطبي (8/ 69).
  90. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة البروج، رقم: (3339).
  91. شرح النووي على مسلم (6/ 179).
  92. المغني لابن قدامة (3/ 385).
  93. المصدر السابق.
  94. الحاوي الكبير (4/ 366).
  95. المحلى بالآثار (4/ 451).
  96. أخرجه البخاري، أبواب العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة، (2/ 20).
  97. المصدر السابق.
  98. المصدر السابق.
  99. فتح الباري لابن حجر (2/ 462).
  100. مجموع الفتاوى (24/ 220).
  101. فتح الباري لابن حجر (2/ 462).
  102. الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 328)، شعب الإيمان (4/ 495).
  103. زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 360).
  104. المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 439).
  105. مصنف ابن أبي شيبة (1/ 488)، رقم: (5631)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 440)، رقم: (1113).
  106. مصنف ابن أبي شيبة (1/ 488)، رقم: (5633).
  107. أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، رقم: (2419)، والترمذي، أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، رقم: (773).
  108. أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب المناسك، يوم الحج الأكبر، رقم: (4086)، وأحمد، رقم: (14511).
  109. تفسير ابن كثير (4/ 109).
  110. تفسير الطبري (11/ 338).
  111. المصدر السابق.
  112. المصدر السابق (11/ 329).
  113. المصدر السابق (11/ 339).
  114. كشف المشكل من حديث الصحيحين (ص:10).
  115. الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 457)، ومجموع الفتاوى (26/ 9)، و(26/ 48).
  116. فتح الباري لابن حجر (8/ 107).
  117. أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، رقم: (1765).

مواد ذات صلة