الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
منهج أهل السنة في الرد على المخالف
تاريخ النشر: ١٧ / ذو القعدة / ١٤٣٣
التحميل: 16326
مرات الإستماع: 5113

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعل هذا المجلس مباركًا نافعًا خالصًا لوجهه الكريم، ومقربًا إلى مرضاته، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أيها الأحبة، هذا الموضوع غايةٌ في الأهمية في مثل هذه الأوقات التي صارت فيها الشبهات تعرض على الناس، وتصل إلى كل أحد من غير جهدٍ يذكر، يستطيع الإنسان وهو في بيته اليوم أن يصل إلى ألوان المذاهب والعقائد والشبهات والضلالات التي على وجه البسيطة، وهو في بيته مما هو قائمٌ له أتباع في مثل هذه الأيام، أو ممن دثر وذهب بذهاب أصحابه، كل ذلك يستطيع الوصول إليه الصغار والكبار، ولا يخفى ما لذلك من جناية كبيرة، وفتك بالعقائد والأديان، فلربما ذهب دين الرجل بسبب شبهة قرأها في أحد المواقع، أو في هذه الوسائل التي صار الناس يتواصلون بها، فتصل إليهم هذه الرسائل لربما من غير تطلب، ولا إرادة.

بل صار ذلك مدعاةً عند بعض النفوس المريضة، فصار بعضهم يحب الإغراب والمخالفة والظهور بصورة تخالف بزعمه الأنماط المعهودة، فيخالف ولو في الاعتقاد، من أجل أن يلفت الأنظار، أو أن يسترعي نظر الناس، وأن يشد انتباههم ولو كان ذلك بارتكاب هذه الأمور الشنيعة.

هذا الموضوع حينما نتحدث عنه لابد له من مقدمات ضرورية، لما كان هذا المجلس هو أول هذه المجالس، فلعله يكون توطئةً لها من أجل أن نفهم ما يذكر بطريقة صحيحة.

فحينما نقول: هذا هو المنهج الصحيح، فإن ذلك يعني بالضرورة أن هذا المنهج يكون موافقًا للمنهج الذي خطه ورسمه الشارع، وهو الصراط المستقيم، والصراط المستقيم -كما تعلمون- يشمل العقائد والأمور العملية، كما يشمل القضايا الأخرى المتصلة بالتعامل مع المخالفين، أو الموافقين.

فالصراط المستقيم تحته تفاصيل كثيرة من الاعتقادات القلبية، والأمور المتعلقة باللسان، وكذلك أيضًا ما يتصل بأعمال الجوارح، فحتى نحدد معالم الصراط المستقيم أعني المنهج الصحيح الذي ينبغي أن نسير عليه، فإن ذلك يقتضي أن نتعرف على أمور لابد من معرفتها.

إن الكثيرين لربما ينظرون إلى بعض النصوص، أو الأقوال المنقولة عن سلف الأمة، ولا شك أن السلف يمثلون الطريق الصحيح، والمنهج السليم في الأمور العلمية والعملية، ومن أراد النجاة فعليه أن يسلك مسلكهم، وأن يحذوا حذوهم، ظاهرًا وباطنًا.

ولكن حينما نحدد أن هذا هو المنهج الذي كان عليه سلف هذه الأمة، أو أن هذا هو الطريق الذي رسمه الله -تبارك وتعالى- لعباده من أجل سلوكه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

فما هو الصراط المستقيم، والمنهج القويم في هذا الباب، والتعامل مع الشبهات ومع أصحابها؟

ينبغي أن نعلم أولاً: أن الحجة إنما تقوم بقال الله، قال رسوله، بالوحي، فهو المعصوم، وما يرجع إلى ذلك من الإجماع، ونحن نعلم ما قرره أهل العلم في قول الصحابي، حينما لا يوجد له مخالف، أو لا يعرف له مخالف، فإن الأقرب أنه يكون من قبيل الحجة البيانية، لا الحجة الرسالية، بمعنى: أنه يبين لنا، ويكشف عن أمر قد خفي علينا من حال رسول الله ﷺ أو مقاله، أو عمله، فهو حجة بيانية، وإلا فالمعصوم هو الوحي، فمثل هذا وما يعمل به من القياس فيما للقياس فيه مدخل هذا الذي يعول عليه، أما أن نأتي إلى بعض النصوص، ونأخذ ببعضٍ، ونترك بعضًا، فإن مثل هذا طريق ناقص، يفضي إلى نتائج غير صحيحة، طريق ناقص في البحث والطلب، فلا يفضي إلى نتائج صحيحة سليمة، يمكن أن توصل إلى مطلوبٍ صحيح.

ثم أيضًا ما ورد عن السلف موافقًا لهذا الأصل الذي هو الوحي، فإنه لا جدال في قبوله وتلقيه، وأما ما نقل عن بعضهم مما نعتقد أنه خالف فيه نصًا لم يبلغه، أو تأوله، أو أخطأ في فهمه، وما إلى ذلك، وخالفه آخرون، فإن مثل هذا الحجة فيه تكون بالوحي، مع حفظ منزلة هؤلاء الأئمة الأعلام، فذلك لا يحط من مرتبتهم.

والأمر الرابع: مما يتصل بهذه القضية هو أنه يجب الاستقراء للمنقولات والمرويات والآثار، دون الاجتزاء بقولٍ، أو قولين، ثم الحكم بعد ذلك أن هذا هو منهج السلف الصالح .

الأمر الخامس: أن هؤلاء الأئمة لربما قال الواحد منهم الكلمة في مقام الرد، أو في مقام التحذير، ولم يكن ذلك في مقام التقرير، أو التنظير، وفرق بين المقامين، فينبغي أن نعرف السياق الذي قيل فيه الكلام والمناسبة، فإن المناسبة في هذا مثل مناسبة ورود الحديث، أو أسباب النزول، فإن هذه المناسبة التي قيلت فيها هذه المقالة لبعض السلف هي في غاية الأهمية؛ من أجل أن نفهم هذا القول، أو هذه الرواية، وأن ننزلها تنزيلاً صحيحًا.

أما التعجل، وخطف بعض الروايات، ثم التلويح بها في كل مناسبة أن هذا هو منهج السلف، ومن خالفه فقد خالفهم، هذه العجلة غير محمودة، وهذا لا يمكن أن يمثل منهج السلف الصالح .

الأمر السادس: وهو أننا حينما ننظر في هذه المنقولات والمرويات عن السلف الصالح، ينبغي أن ندرك بعض الفوارق الزمانية والمكانية والحالية، فالسلف كان يفرقون في التعامل بين المحال والبلاد التي تفشوا فيها هذه البدعة، يفرقون بينها وبين غيرها، ولهذا نجد أن هؤلاء تختلف طريقتهم في التعامل حينما تكون البدعة فاشيةً في بلدةٍ عن التعامل في بلدةٍ أخرى لم تفشوا فيها هذه البدعة.

القدر في البصرة، التشيع في الكوفة، كيف كانوا يتعاملون مع هذه القضايا؟

وقل مثل ذلك أيضًا حينما تقتضي المصالح الشرعية بعض المطالب التي تكون المصلحة فيها راجحةً، قبلوا الرواية عن كثير من أهل البدع، لماذا؟

بضوابط محددة؛ لأنهم لو تركوا ذلك لضاع كثير من السنن.

المقصود أن السلف كانوا ينظرون بالنظر الشرعي، الذي يزنون به الأشياء بالميزان الصحيح، ولم يكونوا يتسارعون، فيطلقون الأحكام الكبيرة التي يرتبون عليها أنواع اللوازم كما يفعل بعضنا اليوم.

وهناك مقدمات لابد منها في النظر في أحوال المخالفين، أو النظر في الخلاف نفسه:

أولاً: أن ندرك أن الخلاف شر، كما قال ابن مسعود [1]، وإن كان هذا لا يقتضي بالضرورة، يعني: حينما نقول: الخلاف شر، أن نذم المخالفين بإطلاق، فهؤلاء لهم أحوال كما سيتبين، لكن الخلاف من حيث هو شر؛ لما يفضي إليه من أنواع المفاسد، والمخالف هنا الذي اجتمعنا من أجل مدارسة أحكامه يقصد به من خالف الكتاب والسنة، أو خالف الكتاب، أو السنة الصريحة، أو إجماع الأمة، خلافًا لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع.

وهكذا من خاض فيما لا يسوغ له، الخوض فيه، أو تتبع صعاب المسائل، أو كان حامله على المخالفة اتباع الهوى، أو التعصب، فهذا حاصل ما ذكره أهل العلم، كالشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- والشاطبي، هاتان مقدمتان.

ومقدمةٌ ثالثة: وهي: ما هو موقف أهل السنة، موقف السلف الصالح من أصحاب هذا الخلاف الذي يكون بهذه الصفة، الخلاف المذموم، ليس المقصود اختلاف التنوع، الاختلاف الصوري، وإنما الاختلاف الحقيقي المذموم، فهذا يمكن أن يتجلى بأمور:

الأول: أن نجد أن السلف كانوا يأمرون بمجانبة هؤلاء من أهل الضلالة والبدعة الذين ينطبق عليهم الوصف الذي ذكرنا، فلا يصغون إليهم، ولا يستمعون منهم أصلاً، فمن الخطأ أن يرخي الإنسان سمعه لكل صاحب ضلالة، فيلقي فيه ما يشاء، فإن ذلك سيصل إلى القلب ولابد ويشوشه؛ ولهذا جاء عن عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله: "من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل"[2].

وفي رواية: "أكثر التحول"[3].

يعني: كل يوم على رأي، كل يوم على عقيدة، كل يوم على مذهب، والله يقول: وَلَا تَقْفُ، يعني: لا تتبع، مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].

فالسمع والبصر ميزابان يصبان في القلب فيتأثر هذا القلب سلبًا أو إيجابًا، بحسب ما يحصل فيه من السمع والبصر.

فالسلف حينما حكموا بهذا ألا يصغى لأهل الشبهات والبدع والضلالات، وألا يجالس هؤلاء أصلاً قصدوا بذلك تحقيق مبدأ الولاء والبراء، وزجر أهل الأهواء هؤلاء بهذا الهجر، كما أنهم قصدوا زجر غيرهم من أجل ألا تسول لأحد نفسه، فيركب هذه المراكب الصعبة.

وكذلك أيضًا قصدوا قمعهم لئلا يكون لهم ظهور، فلا يستضاف هؤلاء بفضائيات، أو بصحف، ومجلات، أو في مواقع وملتقيات، وإنما يقمعون، فلا يكون لهم ظهور.

وهكذا أيضا قصدوا توقي أثر هذه الشبهات لئلا تقع في القلوب؛ لأنه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله: قد تعلق بالقلب، فلا تخرج منه.

وقالوا: القلب ضعيف، كانوا مع رسوخ علمهم، وثبات إيمانهم لا يسمحون لأنفسهم، ولا يسمحون لغيرهم أن تكون أسماعهم وقلوبهم محلاً لهذه الشبهات، يلقي فيها من شاء ما شاء، بل كان الواحد منهم يضع أصبعيه في أذنيه، وإذا جلس إليه أحد من هؤلاء قام وتركه، ويذكرون أن فتنتهم أعلق بالقلوب من الجرب.

هذا خلاصة ما كانوا يعللون به، فالقلوب تحفظ من هذه الأوضار والشبهات التي تفتك بها.

وهكذا أيضًا توقيًا لسخط الله تبارك وتعالى، فالله قال: فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140].

فالجلوس مع هؤلاء من الخائضين حال خوضهم يعرض صاحبه للوقوع في سخط الله .

الأمر الثاني: فيما يتصل بمنهجهم بالتعامل مع هؤلاء، أنهم كانوا يذمون الجدال والمخاصمة والمراء، وينهون عن ذلك، نجد هذه النصوص بكثرة، وإذا نظرنا إلى هذه النصوص نجد أنها على أنواع.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يستقرئ، ثم بعد ذلك يتأمل في هذه المنقولات وهذه النصوص، وينزل كل طائفةٍ التنزيل الصحيح، دون أن يضرب بعضها ببعض، أو أن يجتزأ ببعض دون بعض، فهذا إنما يقع فيه الإنسان إما لجهله وقصور بحثه، أو أنه يقع فيه بسبب الهوى، يعني: يأخذ من الأشياء ما يناسبه، يأخذ من الروايات ما يؤيد مقالته ورأيه، والمؤمن إنما يطلب الحق، ويتجرد له وما ينفعه هواه.

ولهذا أقول: هذه المنقولات عن السلف في ذم المجادلة والجدال والخصومة والمراء، وما إلى ذلك هي على أنواع:

الأول: ما ظاهره الإطلاق في ذم هذه المزاولات، من غير تفصيل ولا استثناء، وتجد هذا في مثل قوله -تبارك وتعالى: لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ [الشورى:15].

والنصوص في هذا كثيرة، وجاء عن السلف روايات غير قليلة في هذا المعنى، وهذا حينما ننظر ونتأمل فيه نجد أنه لأمور واعتبارات متعددة.

فهؤلاء السلف قد يمتنعون عن هذه المجادلة، وهذه المخاصمة، أو يمتنعون أو يذمون هذه المجالس وهذه المجادلات سدًا للذريعة لئلا يفضي ذلك إلى مفاسد.

أو قد يتركون ذلك أو يذمونه، وكل ذلك من باب التحرج من مواقعة الذم الوارد في النصوص.

وهكذا أيضًا فإنهم يراعون المصالح والمفاسد في هذه الأمور كلها.

فالذي ورد فيه الذم مطلقًا ينزل على أحوال معينة، ويكون ذلك مراعًا فيه جانب المصلحة والمفسدة، أو يكون على سبيل التورع منهم.

وإذا نظرنا إلى طائفةٍ أخرى من النصوص المنقولة عنهم في هذه الأبواب نجد أن بعضها يدل على أنهم كانوا ربما يجادلون، أو لربما وردت بعض النصوص التي تدل على الترخيص في المناظرة والمجادلة والمخاصمة لهؤلاء من أهل الضلالات، بل لربما الحث على ذلك، الله -تبارك وتعالى- يقول: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، والنبي ﷺ يقول: جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم[4].

وجاء عن بعض السلف: "ناظروا القدرية بالعلم"[5]، فهذا لون من المنقولات، فيه ترخيص أو حث.

النوع الثالث: هو ما ورد من الممارسة العملية، والرد العملي لهذه الشبهات، ونجد أن ذلك على نوعين:

الأول: ما نجده مبثوثًا في كتاب الله -تبارك وتعالى- من الرد على دعاوى المبطلين، وهذا كثير: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135].

حتى قال بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشاطبي: بأن المقالة التي تذكر في كتاب الله -تبارك وتعالى- إن لم يرد قبلها، أو في ثناياها، أو بعدها ما يدل على إبطالها، فإنها تكون مقرةً صحيحة غالبًا.

هذه قاعدة، نجد أن الله -تبارك وتعالى- أخبر عن قيل المشركين: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]، فرد واحدة، وسكت عن الأخرى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، وسكت عن الأولى: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا؛ لأنها صحيحة. 

فهنا نجد الردود القرآنية كثيرة.

الثاني: ما قصه الله تبارك وتعالى من المحاجة بين الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وخصومهم، المحاجة بين إبراهيم وقومه، ومحاجة إبراهيم للنمرود، وكمحاجته لعبدة الكواكب، فهذا في كتاب الله تبارك وتعالى.

أما في السنة فيوجد من هذا أيضًا أشياء، وهكذا ما ورد عن الصحابة فقد ناظروا أهل الأهواء، وأقاموا عليهم الحجة كما فعل علي وابن العباس رضي الله تعالى عنهما مع الخوارج.

وهكذا ورد عن التابعين ، كما فعل عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - مع الخوارج، وناظر غيلان الدمشقي في القدر.

إذا كان هذا كله ورد من التحذير والذم، وكذلك أيضًا التقرير أو الحث، وكذلك أيضًا الردود العملية، فهذه ثلاثة أنواع، فكيف نستخلص الموقف الشرعي من هذه المنقولات والآثار والروايات جميعًا؟

نستطيع أن نقول: بأنه لا منافات بين هذه المنقولات، فهذا الذي قد رخصوا فيه أو هذا الذي قد وقع وأخبر عنه القرآن، أو ورد في السنة، أو فعله السلف الصالح  يختلف عن المخاصمة والمجادلة التي ورد النهي عنها؛ إذ إن الجدال منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فهناك أحوال يمنع فيها الرد والمجادلة والمخاصمة، وهذا يرجع إلى أحد اعتبارات ثلاثة، في هذه الحالات في هذه الاعتبارات يمتنعون من المجادلة والمخاصمة، والسماع من هؤلاء أصلاً.

الأول: يرجع إلى الموضوع الذي تتناوله هذه المجادلات والمخاصمات، وتطوف حوله هذه الشبهات والتلبيس والتشكيك وجماع هذا يرجع إلى اتباع الرأي، وتحكيم العقل والرأي على السمع ويكون مقدمًا عليه، مع التكلف والخوض فيما لا يعنيه، في هذه الحالات يمتنعون من المجادلة والمخاصمة على سبيل الاختيار، يعني: إلا إذا اضطروا، يعني: يوجد حالات استثنائية، وإلا فالأصل أنهم لا يجادلون هؤلاء، وذلك أنما كان طريقه السمع، يعني: لا يدركه العقل فلا مجال للجدال والخوض فيه بالرأي والنظر والقياس.

هذه قضايا تؤخذ من السمع، فيقال: قال الله كذا.

ثم أيضًا المسائل والقضايا التي لا يبلغها عقل المخاطب، تطرح قضايا ودقائق ومضائق لا تصل إليها عقول هؤلاء المخاطبين، فمثل هذا يعرضون عنه؛ لأن ذلك سيفضي إلى التكذيب.

وهكذا أيضا الجدال في آيات الله جل جلاله وتقدست أسماؤه؛ فإن مثل هذا مذموم شرعًا، مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4].

الذين يجادلون بغير علم في آيات الله -تبارك وتعالى- ولا هدى، الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 35]، والمقت أشد البغض.

وهكذا أيضًا أولئك الذين يتبعون المتشابه من القرآن، فهؤلاء هم الذين سمى الله، وحذر منهم السلف : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمران:7].

وهكذا أيضًا أولئك الذين يمارون في القرآن، سواء كان هذا المراء في ألفاظه ونسبته إلى الله -تبارك وتعالى- أو التشكيك في بعض القراءات الثابتة، يعني: في الألفاظ القرآنية، أو كان ذلك من قبيل الممارات في المعاني، فهذا أيضًا نهى عنه النبي ﷺ فهو محرم.

وهكذا أيضًا ما كان على سبيل التكلف والتعمق، كالتنقير عن أمور لا يسوغ التنقير عنها، من دقائق المسائل، والبحث عما لا يعني، فهذا لا يجوز، أو الاشتغال بالأمور الفرضية، فهذا أيضًا يشغل عما كان الإنسان بصدده، كالذين يفترضون الشبهات، أو يسألون عن أمور لم تقع مما لا حاجة للسائل إليه ما يحتاج إليه، ويجلس يجادل في هذه القضايا، ويضيع الأوقات، فآثار ذلك من المفاسد أعظم مما قد يتوهم من المصالح.

وهكذا أيضًا الأمور التي سكت عنها الشارع، أو ما لا ينبني عليه عمل، كما يقول بعض الأصوليين، يذكر مسألة عويصة، وفي آخر هذه المسألة بعد ما تكد الأذهان، يقول: وهذا إنما يكون لشحذ الأذهان، ولا يترتب عليه عمل، ولذلك كانت المسائل الأصولية التي هي من هذا القبيل إنما دخلت في أصول الفقه بسبب النزعة الكلامية لدى كثير من المشتغلين بأصول الفقه، فدخل من علم الكلام أمور ما كان ينبغي أن تدخل في أصول الفقه أصلاً، مثل المسائل التي لا ينبني عليها عمل هي ليست من أصول الفقه، المسائل المبنية على عقائد فاسدة في كتب أصول الفقه، هل الأمر يقتضي الإرادة، أو لا يقتضي الإرادة ؟ هل العلم يزيد وينقص في مسألة خبر الآحاد؟ هذا مبني على مسألة الإيمان يزيد وينقص أو لا، هذه عقائد فاسدة، بنوا عليها هذه المخاصمات والمجادلات التي ملؤوا بها صفحات من هذا العلم الشريف، يعني: أصول الفقه، فما لا ينبني عليه عمل، لا ينبغي الاشتغال به.

وهكذا تتبع غوامض العلم وصعاب المسائل، أو أن تكون المجادلات والمناظرات بطريق النظر العقلي المتعمق فيه، بالطريقة والمنهج الكلامي، فهذا مذموم، وعبارات السلف لا تخفى عليكم في هذا المعنى، فهذا المنهج الكلامي يوقع في الغلط والاشتباه ويورث الحيرة كما هو معروف، وكلام أئمة المتكلمين ظاهرٌ في هذا شعرًا ونثرًا، وما آلت إليه أحوالهم.

وهكذا أيضًا هذه الأمور الغيبية إنما تتلقى عن طريق الوحي، لا بهذه الطريقة الكلامية التي يعولون فيها على العقل وحده، فيخوضون في كل شيء، ولا يقفون عند حد.

وهكذا أيضًا يؤدي إلى ضرب النصوص بعضها ببعض، ومن ثم التكذيب لها إضافة إلى ما ينطوي عليه من الباطل في نفسه، وما يحصل فيه من الانشغال بما لا نفع فيه.

ثم أيضًا المقصر فيه على خطرٍ عظيم، كما صوره بعض السلف مثل الذي يمشي على جدار، على سور البلد، فإن استقام سيره ولم يسقط لم يحمد، وإن سقط هلك، فمثل هؤلاء الذين يركبون المراكب الصعبة في هذه الطرق الكلامية في مجادلاتهم، وما إلى ذلك، لا يحمدون حينما يسلكون هذه الطريق إذا سلموا، وإذا سقطوا فإن ذلك قد يؤدي إلى ضلالٍ، أو مروقٍ من الدين.

فهذه الطريقة خطيرة، هذا بالإضافة إلى ما يؤدي إليه -كما هو مشاهد- كثرة التفرق والتنازع، فصارت الطائفة الواحدة تحولت إلى طوائف ومذاهب وفرق، فالأب يكفر ابنه، هذا إمام طائفة من المعتزلة، وهذا إمام طائفة أخرى، أبو علي الجبائي، وأبو هاشم الجبائي، الأب والولد، هذا له فرقة تنسب إليه، وهذا له فرقة تنسب إليه، وهؤلاء يكفر بعضهم بعضًا، وهم يدعون أنهم يرجعون إلى العقل، وأنهم يعولون عليه جميعًا، فاختلفت عقولهم هذا الاختلاف.

هذا بالإضافة إلى أن الحق يمكن أن يتوصل إليه بما هو أسهل من هذه الطرق الصعبة ذات الوعورة والخطورة.

إذن هذا أمرٌ في طريق هذه المخاصمات والمجادلات يفضي إلى هذه المفاسد، فكانوا يمتنعون في مثل هذه الحال عن المخاصمة والمناظرة والمجادلة.

وهكذا أيضًا إذا ترتب على الرد -ولو كان بحق- مفسدة أعظم من المصلحة المرجوة، فهنا يكون الرد محرمًا، وأنتم تعرفون أن مبنى ذلك جميعًا على تكثير المصالح، وتقليل المفاسد، والرسل -عليهم الصلاة والسلام- إنما كانت دعوتهم لتكثير المعروف والخير والصلاح، وتقليل الشر والمنكر والفساد، فإذا كان الرد ولو بحق يؤدي إلى مفسدة أكبر فإنه يكون ممنوعًا، وهذا كثير.

واليوم أصبحت الوسائل التي تفضي إلى هذه الشرور الغالبة متيسرة لكل أحد، ولا بأس أن أضرب بعض الأمثلة:

قد يكتب أحد المغمورين جدًا في حسابه في تويتر عبارة، كلمة، أن يكتب كفرًا، أن يكتب ضلالة، وتجد عدد المتابعين له قد لا يتجاوز السبعين متابعًا، فيأتي بعض المتحمسين، ويفتح له كما يقال هشتاق يهشتقه، ثم ينشر ويذاع على أوسع نطاق بطرق ووسائل الإعلام الجديد، فيصل ذلك إلى العجائز في البيوت، ثم يستفحل هذا الأمر، فيرى الخطباء أنها قضية المجتمع ويتحدثون عنها، ثم بعد ذلك تعقد الندوات في القنوات الفضائية، ويستضاف طلاب العلم، ويتحدثون عن أسباب هذه، وعن آثارها، وكيف الموقف منها، وما إلى ذلك.

فتراه يقرأه الصغير والكبير والعجائز، وما إلى ذلك، مثل هذا كان بالإمكان أن ترفع فيه دعوة للمحكمة، ويقال هذا حسابه، وهذا ما كتب أقيموا فيه حكم الله -تبارك وتعالى- حكم الشرع، ولا يعرف.

فصارت هذه الطريقة حاملة لضعفاء النفوس وضعفاء العقول الذين يبحثون عن الشهرة بأي ثمن أن يتجرأ هؤلاء، فيتكلموا في العظائم والعقائد، في ذات الله وفي رسله عليهم الصلاة والسلام، وفي الكتب، وفي كل شيء من أجل أن يذكر ويعرف.

يمكن لأحد هؤلاء أن يكتب على سيارته عبارة كفرية صريحة، لا تحتاج إلى إقامة حجة، ولا إلى بيان، ثم يأتي آخر ويصور هذه السيارة، وينشرها على أوسع نطاق بوسائل الإعلام الجديد، لربما ما رآها إلا جيرانه، وهذا ممكن يؤخذ على يده ويرفع أمره إلى المحكمة، يعاقب بما يستحق، دون أن نكون جسورًا لمثل هذه الضلالات، وللأسف أصبح الحماس يحملنا أحيانًا على أن نكون مروجين وقناطر، وأن نكون جسورًا لهذه الضلالات، فنمررها ونذيعها ونقيم لها دعاية مجانية، دون أن نشعر.

وأنا أتألم كثيرًا حينما تأتي بعض الرسائل التي في مضامينها إشهار لهؤلاء المغمورين، فيوضع رابط لموقعه، أو لموضع مقالته، أو كتابته، وقبل ذلك هو ليس بشيء، ولا يعرفه أحد، وما قرأ هذه المقالة أحد، لكن نحن الذين تبرعنا بإيصالها له على أوسع نطاق، فهل هذا من العقل؟ وهل هذا ممن يقره الشرع؟

فإذا كان يترتب مفسدة أكبر فلا يجوز الرد، يترك يطوى، ولا يروى، ممكن تعالج بطريقةٍ أخرى، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: من المسائل ما جوابه السكوت[6].

والشعبي -رحمه الله- كان إذا سمع من أحد كلامًا لا يستحق أن ينظر فيه، أو أن يرد عليه؛ لأنه مخالف لأمورٍ بديهيه، أو نحو ذلك، كان يقول: كم بلغ سعر الحنطة ؟.

يعني: مثل الذي يقول للآخر: كيف الحال؟ هذا يسأل عن قضية غريبة، واليوم نسمع يأتون ناس شباب يقول أنا اختلفت مع أصحابي نحن نتجادل عندنا واحد يقول كذا يذكر أمورًا بديهية، لا يمكن أن تخفى على أحد، واحد من أشهر الأنبياء في القرآن، فهذا يقول: إنه ليس بنبي –مثلاً- ويجادل في الآيات التي وردت في نبوته –مثلاً-.

أو آخر يقول عن أصل الجنس البشري أمرًا في غاية النكارة، وهو مخالف لصريح القرآن، ولا حاجة أن أذكر الشبهات ما هي؟ فهذا ترويج لها وإذاعة، لكن أقول: أشياء هي تخالف صريح القرآن، ويأتيك من يتبناها، ويريد أحيانًا أن يقول: نعم، جادلني، ورأيت من يقول: جادلني، ثم يذهب ويتكلم أنا جلست مع فلان، وجادلت فلان، ويكتب، ويقول: اعرفوني إذا ما عرف بالحق يريد أن يعرف بالباطل، نسأل الله العافية.

فمثل هذا لا يحتاج أن يجادل، وإنما يقال له كما قال الشعبي -رحمه الله- ويترك، لكن هذه الحالات التي لا يصغى فيها لهؤلاء، ولا يجالسون، ولا يرد على مقالتهم وكلامهم، يستثنى منها بعض الحالات، مثل يأتيك هذا المسكين عنده شبهة من هذا النوع، ويقول: وقعت في قلبي، أريد أن أخرج من هذا، فإذا كان مسترشدًا طالبًا للحق يبين له الحق بأقرب طريق ممكن، لا يترك، أما إذا كان يريد الجدال فلا.

الحالة الثانية: وهي خشية الالتباس على الناس، أذيعت، نشرت على أوسع نطاق، كنا في البداية نقول تطوى ولا تروى، فصارت هذه واصلة إلى أقصى مدى، في مثل هذه الحال ما يترك الناس، يضلهم هؤلاء، بعض المفتونين الذين كانوا ينشرون بعض الشبهات كان يقال هؤلاء لا شأن لهم، ولا يعرفون، ولا حاجة لإشهارهم بالرد عليهم، لكن للأسف الآن أصبحوا مشاهير، فلا بد من التصدي لهم؛ لأن هذه الشبهات قد أضلت الكثيرين، فإذا خشي الالتباس فلا بد من الرد، كما رد الإمام أحمد -رحمه الله- على القائلين بخلق القرآن، وقد اضطر إلى هذا، لكن ما فعله اختيارا في البداية، هذا الاعتبار الأول، بالنظر إلى الموضوع الذي تتعلق به هذه الضلالة.

الاعتبار الثاني: الذي يمتنعون فيه هو ما كان بالنظر إلى من يقوم بالرد، كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لا يرد عليهم إلا من كان ضابطًا عارفًا بما يقول لهم، لا يقدرون أن يعرجوا عليه، فهذا لا بأس به، وأما غير ذلك فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ، فيمضوا على خطأهم، أو يظفروا منه بشيء، فيطغوا ويزدادوا تماديًا على ذلك[7].

إذن قد يمنع من الرد بسبب أن هذا الذي يتصدى له غير مؤهل، وهذا يؤدي إلى مفاسد، هو قد يفتن أصلاً، ولذلك تعرفون أن بعض رؤوس البدع كانوا من أهل السنة وجادلوا بعض أهل الأهواء، فتحولوا إلى مذهبهم، وهذا موجود في كتب التراجم.

وكذلك أيضًا هؤلاء حينما يظهرون على هذا لا سيما في هذه الوسائل في القنوات ونحوها، يفتنون الكثيرين، وهذه مشكلة اليوم، نجد بعض من لا علم عنده، أو لا معرفة له في هذا الباب يريد أن يتصدى، ويرد على بعض المنحرفين، أحدهم كان يريد هل في المسألة إجماع، أو ليس فيها إجماع، يتصل بعد صلاة المغرب، قلت له: لماذا؟ قال: لأن عندي مناظرة مع أحد العلمانيين في هذا الموضوع، قلت له: متى؟ قال: الساعة العاشرة في أحد القنوات، الرجل ليس من طلاب العلم، لكنه يظهر في القنوات، هو ليس من طلاب العلم، قلت له: الليلة؟

قال: الليلة، قلت: ولا تعرف المسألة فيها إجماع، أو ليس فيها، قال: ما عندي فكرة عنها، طيب تجادل بناء على ماذا؟ قال: إذا فيه شيء مختصر استطاع قراءته من هنا إلى وقت المناظرة، ثم سمعت من الذين تابعوا المناظرة كان في غاية الضعف، وكان في حالٍ لا يحسد عليها، أزرى بنفسه، وبأهل الحق معه؛ حيث تصدى لأمر لا يحسنه.

الاعتبار الثالث: ما كان بالنظر إلى حال المردود عليه، مثل قد يكون هذا الإنسان صاحب جدال وخصومة، بطرقه الكلامية، وما إلى ذلك، أقيسته المنطقية، ولا يراعي حرمة النصوص، أو أن يكون مبطلاً، لا يقصد الحق، أو يقصد تقرير الباطل، أو يقصد الجدل بغير حجة ولا برهان، الجدل للجدل، هو يريد أن يجادل يهوى الجدال، أو جادل في الحق بعد ظهوره وانكشافه، فمثل هذا يترك ولا يرد عليه.

وهكذا أيضًا هذا الذي يطرح القضايا البديهية، والأمور المعلومة بالضرورة من الدين، ويجادل في المسلمات، فمثل هؤلاء أحيانًا قد يكون ليس عندهم مقومات للفهم، بينك وبينه مسافة شاسعة، يحتاج إلى دورات من أجل أن توجد أرضية مشتركة للتفاهم، مثل هذا كيف يناقش وكيف يجادل؟

فهؤلاء لا يلتفت إليهم؛ لأنهم في الغالب قد لا يرجعون عن باطلهم، ولا يخلوا جدالهم من مفاسد، فتتحول المسألة إلى مراء عقيم، ونتعرض لسخط الله -عز وجل- ولا نحصل خيرا، وهذا من مداخل الشيطان على العبد، ولن يسلم صاحبه من ألوان المفاسد.

وهكذا المجتمع الذي يتابع مثل هذه المناقشات، وقد تعلق الشبهة في قلبه، أو في قلب أحد من السامعين، ولا تخرج منه، وقد يتكلف في الرد على هؤلاء، فيلتزم بعض الباطل، بالإضافة إلى ترويج هؤلاء، وترويج ما هم عليه من ضلالة وبدعة وانحراف، ولا شك أن هذا أيضا ينافي مقصود الشارع من إغفالهم، وأن يكون الواحد منهم مغمورًا، فلا نشهره ونذيع ذكره، ونعرف الناس به من حيث لا نشعر.

لكن قد تترجح المصلحة أحيانًا في بعض هذه الحالات أيضًا، فيرد على هؤلاء لا لقصد هدايته؛ لأنه لا يريد الحق أصلاً، ولكن إذا كان هذا الأمر قد ظهر فلربما قصد كسر هذا المبطل، وبيان تهافت هذا المنحرف أمام الناس، وأنه ليس على شيء من العلم، ولا الهدى، فيبين ذلك للناس لئلا يغتر به أحد.

وهكذا إذا أذاع ذلك وانتشر نحن نخاطب الناس، نخاطب الجمهور، لا نقصد هذا المنحرف، وهكذا لو طرحها في مكان في مجلس، في مكان عام، ففي هذه الحال ماذا نصنع؟ هناك من لا يميز، فلابد من بيان الحق في ذلك.

فإذا قمنا بما يجب كما يجب في الوقت الذي تكون المصلحة مقتضية للرد على هؤلاء فيه فنكون بذلك محققين لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مظهرين للحق، مبطلين للضلال والبدع والأهواء والشبهات، ويهتدي من يهتدي من الخلق، ويحصل بذلك من التثبيت لأهل الإيمان، فلا يزلزلون إذا تعينت المصلحة في هذا.

فهذا -كما سبق- ليس لكل أحد ليس من حق أي أحد أن يقول: أنا أدافع عن الدين بالخوض في هذه البحور التي لا يحسن السباحة فيها، فهذا دين الله -تبارك وتعالى- ليس بكلأ مباح يتصدى كل أحد من يحسن، ومن لا يحسن للخوض في قضايا الاعتقاد وأمور الدين، إنما يكون ذلك لمن استجمع ثلاثة أوصاف:

الأول: التمكن العلمي في هذا الباب، ولهذا قال الإمام أحمد لما سئل عن مناظرة هؤلاء، أعني أهل الأهواء، قال: أما للمستبحر فنعم، وأما غيره فلا؛ لأن ذلك وهنٌ في الدين.

الوصف الثاني: أن يكون علمه صحيحًا، أحيانًا قد يكون الإنسان من أوعية العلم، لكن عنده خلط، حاطب ليل، فمثل هذا لا يصلح للرد عليهم، ولذلك حينما يصنف شيخ الإسلام أنواع الداخلين في العلوم الكلامية يجعل هؤلاء على خمس طبقات، ومن هذه الطبقات التي ذكرها، وهي في غاية الأهمية: هم قوم من أهل السنة والحديث والعلم الشرعي لا دراية لهم بالعلوم الكلامية، فأحسنوا الظن بأصحابها، وانطلى عليهم وراج بعض عباراتهم، فوقعوا في بعض الإشكالات والانحرافات في باب الاعتقاد.

هذا تجد أنه وقع في بعض المشتغلين بالسنة قديمًا وحديثًا.

الوصف الثالث: أن يكون عنده مهارة في الجدال والمناظرة، فهذه صنعة ويمكن أن تكتسب ودربة، فبعض الناس قد يكون من بحور العلم، ولكن لا يحسن الجدل، ومن الناس من يكون من أهل الباطل ولكنه يكون حاذقًا في هذه الصنعة، فلو شئت أن يقنعك أن هذه السارية من ذهب لفعل، يتلاعب بعقول الناس، فالذي لا يحسن هذا الفن، وليس عنده سرعة بديهة، فإنه لا يصلح للمجادلة، ولا يصلح أن يعرض نفسه للأخطار، وأن يزري بعلمه وبنفسه، فربما يتحمس، أو يغريه بعض تلامذته، فيقولون: تتصدى للرد على فلان، نحن نرتب لك مع القناة الفلانية، تخرج معه على مناظرة، فلربما يندفع، ثم بعد ذلك لا يكون أداؤه بالشكل أو بالصورة، أو بالصفة المرضية، يكون ضعيفًا، ويغلبه ذلك بجداله وخوضه بالباطل.

فمن تحققت فيه هذه الشروط الثلاثة فهو أهلٌ للرد على هؤلاء، عليه أن يراعي بعض الجوانب من حسن القصد، وحسن القصد يدخل فيه الإخلاص لله ليست المسألة أن يقال: فلان ما شاء الله هو الذي رد على فلان، هو الذي خرج فيتحدث الناس في المجالس، وتكون النية فاسدة، ومثل هذا قد لا يسدد، ولا ينصر.

ليست المسألة أن يعزز الإنسان ذاته حينما يتصدى لهؤلاء، ويقول: ما شاء الله جماهير هؤلاء الشباب من المثقفين يتابعون هذا، فأنا سأرد عليه من أجل أن أكون معروفًا رائجًا في أوساطهم، هذا أمرٌ مذموم.

ويدخل أيضًا في حسن القصد، أن يكون الهم والقصد هو طلب الوصول إلى الحق، الشافعي -رحمه الله- يقول: "ما ناظرت أحدًا على الغلبة إلا على الحق عندي، ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئ"[8].

هو الإنسان لا يمكن أن يكون بهذه المثابة إلا إذا تجرد من هواه، وابتعد عن التعصب.

من قصد الحق: أن يقصد بيان الحق، هداية الخلق، ودعوة الناس إلى الله، أنه يقصد بيان ما عليه، هذا المخالف من الباطل لهداية هذا المنحرف، ولئلا يغتر به أحد من الناس.

من قصد الحق: أن يقصد تثبيت أهل الإيمان، وأن يقصد دحض الباطل.

ومن الأوصاف أيضًا: أن يكون هذا الإنسان عنده حكمة، فيراعي الظرف المناسب من جهة المكان والزمان والحال، أن يعتبر المصالح والمفاسد، ويدخل في هذا أشياء كثيرة، قد يكون الرد صحيحًا، لكن ليس في وقته، ليس في المكان الذي يحسن فيه الرد، ليس في القناة المناسبة، قد تتزاحم المصالح، قد تتزاحم المفاسد قد تتقابل مصلحة ومفسدة تحتاج إلى ترجيح، والترجيح لا يكون إلا بأمرين: عقل راجح، والعلم بالشرع، والعلم بالواقع، والناس منهم من يعتبر المصالح فقط ويهرول خلفها، دون النظر إلى المفاسد، ومنهم من يراعي المفاسد فيترك كل شيء، ومنهم من يوازن، وهذا هو الصحيح.

من الحكمة أن طريقة الرد نفسها تتفاوت بحسب تفاوت المخالفات، وتفاوت أيضًا هؤلاء من أصحاب المخالفات، ما نتعامل مع الناس تعاملاً متحدًا، فننزل القضايا التنزيل اللائق بها، قضية أحيانًا لا تحتمل ونهول منها، ونجعلها كبيرة جدًا، ونجعلها من الأصول العظام، ولربما نرتب على ذلك من الأحكام الكبيرة التي لا تحتملها المخالفة في مثل هذه المسألة، فنحتاج إلى التعرف على أمرين:

الأول: مرتبة المسائل والقضايا التي حصلت فيها المخالفة، فالمسائل متفاوتة هناك أصول كبار، هناك فروع عملية، هناك مسائل دقيقة قد يخفى مأخذها، هناك قضايا اجتهادية.

والأمر الثاني: أن نعرف أحوال المخالفين من ناحية الدواعي التي أوقعتهم في هذه المخالفة، بعضهم قد يكون مجتهد يطلب الحق، هذا لا يعامل كما يعامل الآخر الذي يكون متبعًا للهوى، بعضهم قد يكون ما بلغه هذا مبلغه من العلم، ما بلغه النص، أو النصوص في هذه المسألة.

فنحن ننظر إلى حجم المخالفة هذا أولاً.

الثاني: ننظر إلى هذا المخالف، فهذا الإنسان المخالف لا يكون دائمًا له حكم واحد بطريقة الرد عليه ومخاصمته ومجادلته، فهناك من يكون له من الإيمان والتقوى والعلم والنفع والعطاء والبذل وإصابة الحق ما تنغمر فيه مخالفته، من الذي لا يخطئ؟

فمثل هذا إذا وقع منه شيء لا يعامل كذلك المعاند أو الجاهل إطلاقًا، ولا يمكن أن يعامله بمثل معاملة ذاك إلا جاهل لا يعرف كيف يتعامل مع هذه القضايا، أو إنسان حاسد يريد أن يصفي الحسابات ففرح بسقطته، وجلس يشهر فيه، أو كان ذلك بسبب إتباع الهوى، فهنا هذا الإنسان الذي له هذه المنزلة من العلم وإصابة الحق لا يكون كغيره، فينبغي أن يراعى.

كذلك قد يكون الإنسان له منزلة عند أتباع كثر، فإذا رد عليه بطريقٍة غير مناسبة؛ فإن هذا سينفر أتباعه، وقد يتحزبون ويتعصبون له، ويردون الحق.

إذن نحن قد لا ننظر إليه في الرد، ولكن ننظر إلى من وراءه، نريد هداية هؤلاء، نريد إيصال الحق لهم، وانظروا كيف كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يناقش أتباع عدي بن مسافر وهو من الصوفية؛ لأنه أراد هداية هؤلاء الأتباع، فحدد الهدف.

وكذلك أيضًا ينبغي على كل حال أن نكون منصفين.

وهذا أمرٌ ثالث: فيمن يقوم في الرد، الله يقول: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى:15]، فورثت النبي ﷺ منصبهم العدل بين الطوائف[9].

وهذا الإنصاف يقتضي أن يكون الحكم على الظاهر دون الباطن، لا ندخل في النيات، ونقول: لا، هو يقصد كذا، هو يتستر بالتوحيد، هو يتستر بدرس التوحيد، لا يتستر ولا ما يتستر، هذا عند الله -تبارك وتعالى، نحن علينا من الظاهر، فما الذي صدر منه؟ ما الذي قاله؟ ما الذي كتبه؟ دعك مما في باطنه؛ ولهذا قال الله : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، والرد نوع من الدعوة، قال: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، قال: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125].

يعني: لا تتدخل فيما وراء ذلك، تقول: هو يقصد كذا، هو لا يقصد كذا، هذا قصده كذا، من المقاصد الفاسدة، هذا لا يسوغ.

من الإنصاف: أننا نحمل الكلام على محمل صحيح إن أمكن، طالما أن قائله معروف بالاستقامة، ونرجع الكلام من المتشابه له في موضع إلى المحكم من كلامه، أما أن يقع الإنسان على المواضع التي تحتمل الإساءة، ويحملها ولابد على أسوأ المحامل، فهذا هوى، ولا يمكن أن يكون ذلك مقبولاً عند أهل الإيمان، ولا يكون لأصحابه من القبول والمحبة والرفعة عند أحدٍ من أهل الإيمان، فيكون ذلك مقدمًا فيهم أبدًا، الحاسد ما يرتفع، والمريض لا يرتفع، الإنسان عرف عنده كلام متشابه أرجع الكلام إلى المحكم، إما أن تبحث عن الخطأ، عن الزلة، أن توقعه في الخطأ إجبارًا، فهذا فعل من لا يريد الحق.

وهكذا أيضًا لا يهدر العالم بزلة، نحن لا نتعصب لأحدٍ من العلماء، ولا نغلو فيهم، ونعلم أنه لا يلزم من الوقوع في الخطأ الوقوع في الإثم، وأن وقوع العالم في الخطأ لا يسوغ لنا التشهير به على كل حال، وأن نتنقصه، وأن نطرحه، وأن نسقطه لن يبقى عندنا أحد.

وهكذا نعتذر للعالم إذا أخطأ، لكن ذلك لا يعني أن نتابعه على الخطأ، فإذا أغفلنا هذه الاعتبارات، وهذا النظر، فإنا إما أن نقع في التعصب للباطل، أو أن لا يسلم لنا أحد، ثم نرجع إلى أنفسنا، ومن معنا فنشتغل بهم؛ لأنه لن يسلم أحد سنختلف معهم في اجتهادات، وكل من اختلفنا معه في اجتهادات حولناه إلى عدو يجب مقاومته بكل طريق مستطاع، هذا خطأ وانحراف، لا يسوغ للمؤمن أن يقع فيه.

ثم أيضًا إن كنا منصفين فإن هذا يقتضي أن لا يكون هناك ملازمة بين القول والقائل، وأن لا نجعل لازم القول أو المذهب قولاً لصاحبه، إلا إذا التزمها قلنا كلامك هذا يلزم منه كذا، هل تلتزم هذا اللازم أو لا ؟ قد يقول: لا، أنا لا ألتزم بهذا، كما أننا إذا كنا منصفين فلا نرد الحق، ولو كان قائله منحرفًا، وأن نرجع إلى الحق إذا تبين لنا، وأن خطأ الإنسان أو انحراف الإنسان، أو ما يقع فيه من البدعة لا يسوغ لنا ظلمه، الظلم حرام.

وكذلك أيضًا من الإنصاف أن لا ننزل كل لانحراف ينسب لطائفة على كل فردٍ ينتسب إليها، قد يكون هذا ينتسب إلى هذه الطائفة من الناس، لكنه لا يلتزم بهذا الانحراف ينكره، لكن لسبب أو لآخر هو معهم لاعتبارات معينة، كما ابتلي الناس في مثل هذا العصر، فصار بعض الناس لربما يكون مع قوم عندهم انحرافات، لكنه ليس معهم، لكنه يرى إن هؤلاء عندهم مسوغات معينة في نظره جعلته يكون معهم في أمور أخرى ليس في هذه الضلالة.

بعد ذلك أقول: هناك أشياء تدل على أننا قد خرجنا عن هذا الخط الصحيح في الإنصاف مثلا: أن يختلف القول والحكم في حال الرضا والغضب، أو الحب، والبغض، إذا أحببنا شخصًا رفعناه، فإذا اختلفنا معه وضعناه.

الفعل المعين يصدر من طائفة نفس الفعل، ونفس الملابسات، ويكون هؤلاء من المجرمين وقطاع الطرق، ويكون من الآخر جهادًا مشروعًا.

ما ثم غير مشيئة قد رجحت مثلا على مثل بلا رجحان

ما المرجح بها؟ لماذا يكون هذا كذا وهذا يكون كذا؟ لأن هؤلاء نحبهم، وهؤلاء لا نحبهم، هذا خلاف العدل، لماذا إذا وقع هذا الفعل من هذا يلتمس له الأعذار، وإذا وقع الفعل من آخر بنفس الظروف والملابسات لا يلتمس له العذر؟

هذا خلاف العدل الذي أمر الله به.

مما يدل على أننا خرجنا عن خط العدل والإنصاف أن الإنسان ينظر إلى العيوب فقط، فيجرم الناس ويحولهم إلى شياطين يعاديهم ويتربص بهم، هذا لا يجوز، والإمام مالك -رحمه الله- يقول: "ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف"[10].

من الأمور التي ينبغي أن يراعيها من يتصدى للمناقشة والردود: أن يتثبت، والله يقول: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12].

والنبي ﷺ يقول: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث[11].

بئس مطية الرجل زعموا[12].

فنتثبت في النقل والتلقي، قد لا يثبت عنه، قد يقول أنا ما قلت هذا، هذا الكلام مزور علي، هذا الكلام مبتور أن نعرف مراد المتكلم في الأشياء المجملة والمحتملة.

كذلك أن يكون هذا الذي يقوم بهذا العمل -الرد والمناقشة- أن يكون أمينًا، أمين في النقل، نقل كلام هؤلاء المخالفين بحروفه من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير بتر، لا نقطع الكلام من المناسبة والسياق الذي قيل فيه.

وكذلك أيضًا يحتاج إلى رفق، فـ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[13].

ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله[14]، ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

إذا كان المقصود هو استمالة القلوب، وهداية الناس، فلابد من البحث عن السبيل الذي يوصل إلى هذا، أنا دائمًا أقول للإخوان الذين يتصدون للرد ومناقشة أهل البدع، أو يجعلون لهم مواقع إلكترونية، أو لهم مناظرات في القنوات، أو نحو ذلك، أقول: حدد الهدف من البداية، ماذا تريد؟ إن كنت تريد هداية هؤلاء الناس فلابد أن تقدم الحجج بقوالب مقبولة، لكننا أحيانا في واقعنا وحالنا وطريقتنا وأسلوبنا كأننا نقول لهم: لا تقبلوا الحق منا، لماذا ؟ لأننا نصكهم صك الجندل، وننشقهم الخردل، ونقول: اقبلوا، فهؤلاء سينفرون ولابد.

فينظر في القول اللين، إظهار الشفقة على هؤلاء، تجنب الاستفزاز من أجل ألا يتخذوا متاريس، وتتجذر هذه الضلالة والبدعة، ويذبون عنها، ويحامون عنها بكل غالٍ ونفيس.

الذين يجتمعون من أجل مناقشات، ومن أجل ردود إلى آخره، يحتاجون أن يتجردوا من الهوى، وهذا يحتاج إلى تجرد من حظوظ النفس، وإذا كان هذا بحضرة الناس، أو على القنوات يشاهده الملايين، فيصعب على الإنسان أن يتجرد من حظوظ نفسه، لا يظهر في موقف ضعف، فلربما التزم الباطل، وقال على الله بلا علم، وهذه مشكلة كبيرة جدًا، فهذا الإنسان المتجرد من هواه لا يفرق فيما إذا ظهر الحق على لسانه، أو على لسان مخالفه، هو مقصوده أن يسعى في بيان الحق، وأن يصل الناس إلى هذا بصرف النظر عن ذاته، إذا ظهر الحق اعترف به من غير مكابرة، إذا اجتمع اثنان في جدال ومناقشة ومناظرة لابد أن يراعوا هذه الأشياء، أن يتجرد من التعصب، أن يكون هناك أصل لهؤلاء الذين يتناقشون ويتجادلون يرجعون إليه كما ذكر الشاطبي -رحمه الله- في أنواع المخالفين، وطرق المجادلة، وطريقة القرآن في مجادلة هؤلاء، وجعل هؤلاء على مراتب.

الذي لا يؤمن بالوحي أصلاً كيف تجادله بالوحي؟ لكن من الوحي ما يكون بطريق النظر المبني على الحجج التي تقبلها العقول، فمثل هذه يمكن أن يجادل بها.

الذي لا يؤمن بالسنة، هذا لا يمكن أن تجادله بها تحتاج إلى أن ترجع معه إلى أصول يقرها، وكثيرًا ما كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقرر أهل الباطل بما يقولون، ويدينهم بما يتفوهون به، يرد عليهم من كلامهم نفسه، ويلزمهم الحجة، ويقول: أنه لا يأتي أحدٌ بحجةٍ أو شبهةٍ إلا قلبتها عليه، وهذا هو العلم المتين.

وأما إذا كان هذه المناقشات على أصول مختلف فيها، تقل له روى البخاري في صحيحه، يقول لك: أنا أصلاً لا أتفق معك، هو يكفر الصحابة مثلاً، أو أكثر الصحابة كالرافضي، هذا يحتاج إلى طريقة أخرى في المناقشة والرد عليه، أن يكون هناك تقارب بين هؤلاء، يعني: أحيانًا قد يأتي عالم ويتصدى له شخص مغمور من صغار طلبة العلم، أو ليس بطالب علم من الهواة، فإذا ظهر عليه هذا العالم لم يكن ظهر على شيء، ماذا يعني بالنسبة إلى قومه وطائفته؟ لا شيء أضاع الزمان من غير طائل.

فهؤلاء الذين يكتبون ويردون ويناقشون أحيانًا في وسائل الإعلام المختلفة ويغردون، ما كل هؤلاء يستحق أن يوقف عنده، وأن يرد عليه، فالترك والسكوت والإعراض أحيانا يكون هو الأصلح.

فإذا وجدت مثل هذه الأمور فعندها نقول نبدأ معهم بأمرٍ متفقٍ عليه ليكون ذلك داعيًا إلى التوصل إلى الحق فيما اختلفنا معهم فيه، هذا إذا أمكن فهو أفضل ويفتح نافذةً للقلوب تستطيع الولوج منها بإذن الله إلى هؤلاء الناس، إذا كنت تقصد هدايتهم، أما إذا كان القصد الكسر لئلا يغتر به الناس فقط، ليبين أنه جاهل فهنا افعل ولا حرج مما لا يلحقك فيه الحرج عند الله -تبارك وتعالى- أقصد من الشدة والعنف وإلا الأصل تقدم الحجج بطرق مقنعة بعيدًا عن العبارات التي لا داعي لها.

كذلك أيضًا أن نتبع السنة، هذه عبادة، هذا دين، هذه دعوة إلى الله -تبارك وتعالى- فنتبع فيها السنة من كل وجه، ما نرد عليهم بطرق مخالفة، أن تكون نيتنا صحيحة، فشروط قبول العمل: الإخلاص والمتابعة.

أن نبين الحق أولاً، ثم بعد ذلك نهدم الباطل.

من الأمور التي نحتاج إليها أيضًا أن لا نضخم الشبهة، كما يفعل بعضهم، يذكر عن الرازي أنه كان يبذل جهده في صياغة شبه الخصوم، ويستفرغ الجهد في ذلك، فإذا جاء عند الرد كان قواه قد ذهبت، فيأتي الرد ضعيفًا.

فالشبهة غير صحيح أنك تزوغها وتضخمها وتفخمها، لا، إن استطعت أن يكون في مقام تستطيع فيه أن تذكر هذا على سبيل التقرير في التأليف مثلاً والكتابة، فتكتب كتابات مؤصلة في العلوم، مثل حينما نكتب في مسألة نزول القرآن، في مسألة مصدر القرآن، في مسألة إعجاز القرآن، في مسألة القراءات والأحرف، فيها شبهات، فلا داعي أن نقول: الشبهة الأولى، الجواب عنها، الشبهة الثانية، الجواب عنها، أو ندرس مقررًا في الشبه، تعلق في القلب وقد لا تخرج عنه، لكن نحن نستطيع أن نعرض مسائل هذا العلم بطريقة علمية مؤصلة يتبين لمن درسها وفهمها الباطل الذي قد يروجه من يروجه، فيعرفون أن هذا الحديث باطل، أن هذا الحديث أصلاً ضعيف، أن هذه المسألة ليست كما يقولون، دون أن نبرز لهم الشبهة.

كذلك أيضًا الرد لابد أن يكون قويًا مقنعًا، فلا تدخل في شيء لم تتحقق منه علميًا، فادرس المسألة تفصيلاً والأدلة، وما قد يقال، بحيث تلم بها من جميع الجوانب، فلا تفاجأ حينما تورد عليك بعض الإشكالات، هذا الذي يجادلك، قد يقول: هذا كتاب عندكم صحيح البخاري، وهو أقدس كتاب عندكم، افتح صفحة كذا.

بعض الشباب يقولون: صحيح هذا الكلام يجادلون في البالتوك، في مواقع، بل بعضهم ترك الصيام في رمضان يقول: ثلاثة أيام ما صمت، ولا أصلي، جادل بعض الرافضة، ولا يحسن، فبهتوه وفاجأوه ببعض الشبهات التي لم يعرفها، جاءوا له بأحاديث، قالوا له: افتح صحيح البخاري هذه صفحة كذا، هذه صورة من الصفحة.

 يقول: هل هذا صحيح؟ نقول: نعم، هذا صحيح، هذه قراءة منسوخة اللفظ، وحكمها ثابت، ولا غضاضة في هذا، النسخ أنواع، هو أول مرة يسمع هذا الكلام، موظف في شركة، وإلا طالب في المتوسط، أو نحو ذلك، هو أول مرة يسمع هذه الرواية، وقالوا له: أنتم تقولون أن القرآن محرف، أنتم تثبتون هذا في كتبكم، فكيف تعترضون علينا؟ لا، نقول هذا. واضح، يحتاج الإنسان أن يكون متمكنًا من الناحية العلمية.

ثم يتخير الأسلوب اللائق، فهنا -كما سبق- ينظر على الطرف المقابل وما يستحق، فإذا كان يقصد الحق أو لا يقصد الحق، هل هذا الإنسان من أهل العلم الذي نريد الرد عليه، أو ليس من أهل العلم؟ هناك اعتبارات معينة.

وهكذا أيضًا الموضوع الذي يناقش، كيف نتناوله؟ أهل الكلام كما سبق دخلوا في مضائق وأمور لا يجوز الخوض فيها، لم يكن عندهم حد يقفون عنده، يتكلمون كلامًا لا أستطيع أن أذكره في مقام المجادلات والمناظرات.

وعلى كل حال يبقى فيما يتعلق بالأسلوب، هل نرد عليهم بطريقتهم؟ عباراتهم، اصطلاحاتهم، أما الاصطلاحات والعبارات التي تكون باطلة، أو تحتمل الحق والباطل، فلا نستعمل ذلك، وإذا اضطررنا للتي تحتمل الحق والباطل فإننا نبين مرادنا من الحق فيها، لكن أحيانا تبتلى كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في أصحاب النفوس المريضة يعني: بعض الناس لا يريد أن يكون كغيره يستوي مع العامة، أو ما نسميهم بالتقليديين، لابد من مناقشته بطريقة صعبة، بعبارات لا يفهمها أكثر الناس، فشيخ الإسلام يرى أن هذا حالة استثنائية، مريض يحتاج إلى سلوك هذا الطريق الوعر، فيتكلم معه بعبارات وأساليب ومصطلحات غامضة، من أجل أن يتوصل معه إلى الحق، هذه حالة استثنائية، والأصل ألا يسلك هذا الطريق؛ ولذلك كنت أقترح أحيانًا على بعض المهتمين أن يقيموا بعض البرامج في غير المجادلات، لكن في الكلام على القضايا الكلية، التي يشغب عليها أهل الأهواء في هذه الأيام.

مسألة تغير الفتوى، يريدون أن يغيروا دين الله بسبب هذا، قراءة النص قراءة جديدة كما يقولون قراءة القرآن قراءة جديدة، مسألة سد الذرائع يسموننا بالذرائعيين، العمل بالأحوط، يسموننا بالأحوطيين، فقه الأحوطيات، ويسخرون هذه السخرية.

مسألة المصلحة وضوابطها، الضرورة وضوابطها، وقضايا أخرى، كنت أقول: مثل هؤلاء ينبغي أن يستضاف لهم إذا كان في المواقع التي يجتمعون فيها، أو من يتكلم بلغة، وهم يدعون أحيانًا أنهم أهل أدب، ويكتبون أعمدة وما أشبه ذلك، يأتي لهم من يتكلم بلغة علمية رصينة رفيعة، قد يخرج جميع هؤلاء ما فهموا شيئًا أحيانا، حتى يعرفوا أن في الزوايا خبايا؛ لأنهم لربما يتوهمون أن أصحاب العلم الشرعي الذين معولهم قال الله، قال رسوله أنهم لا يفقهون، ولا يفهمون، فيتكلم معهم من يلقي على أسماعهم من إذا تكلم بلغة عربية فصيحة خرجوا ولم يفهموا شيئًا؛ لأنهم دون ذلك بمراحل، هذا أحيانا ينفع، فيعرفوا قدرهم، أحيانًا بهذه الطريقة في غير مقام المجادلة المباشرة معهم.

وعلى كل حال، الأصل أن نبتعد عن التعمق والتكلف، والدخول في المضائق، والبحث في الأغاليط صعاب المسائل، وأن نسكت عمن سكت عنه الشارع، وأن نعتدل أيضًا في مناقشاتنا وردودنا، من جهة الأحكام على المخالفين، من غير زيادة، ولا نقصان.

أحيانًا المخالفين قد يكون هذا الإنسان عنده هذا الانحراف في هذا الجانب، لكن عنده جوانب صحيحة كثيرة جدًا هي الغالبة، فنرشقه عن قوس واحدة، ونجعله في حال من الضلالة والعماية ما قد ينفره، فيرتمي بأحضان شياطين الإنس، وشياطين الجن.

 أحيانًا قد لا نرحم يكون هذا إنسان من أهل الصلاح والخير ما عرف عنه غير هذا، لكن وقع له شذوذ في قضية، انحراف في قضية، فهذا يحتاج إلى أن يسلك معه السبيل الأمثل، لا أن يرشقه الجميع برسائل الجوال، فيمتلئ جواله، ونجعله كذا وكذا من العبارات التي هي في غاية الإقذاع، ولربما القدح في أصل الدين، وفي قصده ونيته، وما إلى ذلك.

ولا تكون الأحكام التي نصدرها هي عبارة عن ردود أفعال، بعض الناس كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما يقفون في العسكر في الصف الجيش يقابلون النصارى، فيسمعون بعض النصارى يسبون النبي ﷺ فيأتي بعض الجهال ويسبون عيسى ﷺ إغاظة للنصارى[15]، هذا لا يجوز.

كذلك أيضًا أنه يسب زين العابدين، وبعض كبار أئمة أهل البيت الذين كانوا على السنة؛ لأنه سمع الرافضة يسبون أبا بكر وعمر فيريد أن ينتصر لأبي بكر وعمر فيسب أئمة من أئمة الدين هم برءاء مما عليه الرافضة.

وهكذا أيضًا لا يصح بحال من الأحوال أن نرد باطلاً بباطل، لاحظوا أهل الكلام المعتزلة لما ناقشوا الفلاسفة –مثلا- الأشاعرة لما ناقشوا المعتزلة، ردوا باطلا بباطل، في كثير من الأحيان، فأوقعهم ذلك في إشكالات، وألزمهم الفلاسفة بلوازم، وألزم المعتزلة الأشاعرة بلوازم، فأوقعوهم في أمور من التناقضات، وتورطوا في أمور ما كان ينبغي لهم أن يقعوا فيها.

فنحن نرد الباطل بالحق فقط، نعرض عن الباطل، لكن قد يقول الإنسان يرد باطلا بباطل على طريق التنزل فقط؛ ليتوصل إلى إفحام الخصم، كما في المناظرة التي وقعت بين إبراهيم وعبدة الكواكب: قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:76]، الراجح أنه كان على سبيل المناظرة، لا على سبيل النظر، ما كان يعتقد عبادة الكوكب، فإنه إمام الحنفاء، وما كان من المشركين، لا في الزمن الماضي، ولا في الحاضر حينما قال ذلك، ولا في المستقبل، وهذا يكون من قبيل الاستثناء.

ثم أيضًا ثبوت الحق وقوته يغنيان عن التماس الحيلة في نصرته، بعض الناس يبحث عن طرق ليست صحيحة، وليست شرعية في استمالة أهل الباطل، هذا خطأ.

ودعوني أعطيكم مثالاً واقعيًا لعالم من العلماء في أحد البلدان، حدثني عالم شاهده في ذلك المقام، عالم كان يدرس في أحد الجامعات عندنا، ومتخصص في السنة، يقول الذي حدثني: دخلت المسجد الفلاني في تلك البلد، فوجدت الضريح، ووجدته قد وضع عمامته، وجلس عند هذا الضريح، وإذا هو سادن لهذا الضريح، عالم كبير، وأنا أتحفظ في مثل هذه الكلمة حينما أقول عالم، لا أطلقها على أي أحد، عالم متمكن، وكتبه تدرس، وهي من الكتب الرصينة، فالسادن يقول لما دخلنا عليه، وأتينا قال: تعالوا تعالوا للبيت هذا المكان ما ينفع لكم، فأردنا أن نناقشه، قال: الناس عندما يصلون، الناس يختلفون عن بلدكم، الناس تركوا الدين، فنحن نستميلهم بهذه الأشياء، نستميلهم بعبادة القبور بالشرك حتى يأتوا للمسجد ويصلون؟

فهنا ثبوت الحق يغنينا عن التماس الطرق أو اختلاق الأكاذيب، أو قصص مفبركة، من أجل أن الناس يتركون ضلالة، أو بعض الناس لربما يختلق رؤى منامية. عندنا قال الله، قال رسوله.

وهكذا أيضًا الوضوح في الرد مطلوب، اختر الألفاظ السهلة، فكم يضيع من الحق بسبب سوء التعبير عنه! أن نستدل بالأدلة الواضحة، وكما سبق لا يلجأ للأدلة الغامضة إلا مع حالات مرضية معينة، أن نترك الألفاظ والعبارات المجملة لما فيها من الإيهام.

وأحيانا تكون كل هذه الشبهة مبنية على رواية ضعيفة، يكفي أن نقول: هذا الحديث ضعيف وانتهينا، فنهدم كل هذا الباطل.

وهكذا أولئك الذين يخاصمون بالقرآن، نخاصمهم بالسنة كما أوصى بذلك السلف لأن القرآن كما قالوا: "حمّال ذو وجوه".

يعني: يحتمل لذلك أهل البدع يحتجون بنصوص من القرآن، فإذا خصموا بالسنة انقطعوا، ولهذا تجد اليوم بعض المنحرفين من اللبراليين وغيرهم قد يقولك القرآن والقرآن فيه كل شيء ليتوصل إلى أنه لا داعي للسنة، فهنا نخاصمهم بالسنة، نقول له تصلي، وإلا ما تصلي ؟ فإذا قال: أنا ما أصلي، قلنا: لست من المسلمين، وإذا قال: أنا أصلي، نقول له: كم تصلي المغرب كم ركعة؟ وماذا تقرأ في كل ركعة؟ يقول: هاه، تقول: كم؟ وحده وإلا خمس، فإذا قال ثلاث، نقول من أين ؟ يقول: من السنة، نقول: تؤمن ببعض وتكفر ببعض، إما أن ترد الجميع، وإما أن تقبل الجميع، مما صح وثبت.

فيه طرق في المناقشة والمجادلة بالسنة تفحم هؤلاء، وتقطع هؤلاء، وتبين المواضع المحتملة أو المتشابهة من القرآن.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يهدينا إلى الحق، وأن يعيذنا من الشيطان وشركه.

وأشكركم أيها الأحبة على حسن إصغائكم، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يبارك لنا ولكم. والله أعلم.

وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى، رقم: (1960).
  2. الشريعة للآجري، باب: ذم الجدال والخصومات في الدين (1/ 437)، رقم: (116).
  3. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 144)، رقم: (216).
  4. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب: كراهية ترك الغزو، رقم: (2504)، والنسائي، كتاب الجهاد، باب: وجوب الجهاد، رقم: (3096).
  5. شرح الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (2/ 354).
  6. انظر: مجموع الفتاوى (20/ 58).
  7. الاعتصام للشاطبي (1/ 44).
  8. سير أعلام النبلاء (10/ 29).
  9. إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 78).
  10. جامع بيان العلم وفضله (1/ 531)، رقم: (866).
  11. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]، رقم: (6066)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظن، والتجسس، والتنافس، والتناجش ونحوها، (2563).
  12. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب: في قول الرجل: زعموا، رقم: (4972).
  13. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: فضل الرفق، رقم: (2594).
  14. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: فضل الرفق، رقم: (2592).
  15. الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص:496).

مواد ذات صلة