- النية، والإخلاص لله رب العالمين في الحج
- النفقة في الحج مخلوفة
- العبرة بإحسان العمل في الحج
- الحج موسم عظيم اجتمع فيه شرف الزمان، وعظمة المكان
- الحج فرصة للتغيير
- الأجر على قدر المشقة
- الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:
فسلام الله عليكم، ورحمته، وبركاته.
نحمد الله - تبارك، وتعالى - أن بلغنا هذه البقاع، ونسأله - تبارك، وتعالى - أن يتقبل منا، ومنكم.
ونحن في أول هذا النسك ينبغي أن نتذكر جملة من الأمور؛ من أجل أن يكون هذا العمل، وهذا الحج، وهذه العبادة على وجه صحيح لائق.
لقد سمعنا الكثيرين يسألون بعد سنين طويلة عن إعادة الفرض، يقولون: نريد أن نحج، وقد حججنا، لكن يريدون حجة أخرى؛ لتكون هي الفريضة، وهيهات، وحينما يُسألون عن هذا يقولون: قد حججنا حجة لم نراعِ فيها ما ينبغي، وكان يغلب علينا فيها أحوال من المرح، والتضييع، والتفريط، والعبث، والاشتغال بما لا يعني.
ومعلوم أن الحج إذا وقع مستوفياً للشروط، وانتفت عنه موانع الصحة فإنه يكون الفريضة، ولو كان ناقصاً، وأما ما يأتي بعده فهو تطوع.
وإن الكثيرين في هذا المكان إنما يحجون الفريضة، حتى أولئك الذين يحجون التطوع ينبغي عليهم أن يراعوا هذه الأمور جميعاً.
فأول ذلك أيها الأحبة منذ البداية:
النية، والإخلاص لله رب العالمين.
فهذا هو الأصل الكبير، وهو الشرط الأعظم لقبول الأعمال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...[1].
والله يقول في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته، وشركه[2].
فماذا تريد بهذا الحج؟ وجه هذا السؤال إلى قلبك، هل تريد ما عند الله - تبارك، وتعالى - والدار الآخرة؟ أو أن الإنسان البعيد يريد أمراً من أمور الدنيا، كأن يريد الذكر، والرياء، والسمعة، وأن يقال: حاج، أو أن يحسب العداد، هذه الحجة رقم كذا، أنا أحج كل عام؟ وما يغني عنه ذلك؟
قاله الناس، وقد قيل، هذه المشاعر، هذه البقاع الطاهرة كم درج فيها أقوام لربما كان بعضهم يلتفت إلى هذه المقاصد الدنيئة، وذهبت أجيال، وأجيال، وقرون، ووفود، وقد طوتهم المنايا، فما أغنت عنهم تلك المقاصد؟ ماذا حصلوا؟ ماذا جنوا؟
أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته، وشركه.
وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم أصحاب المقاصد السيئة، الثلاثة: المجاهد، والجواد، والقارئ، أو العالم.
أجلّ الأعمال، وأفضل الأعمال، فتسعر بهم النار قبل السُّرّاق، والزناة، وأصحاب المسكرات، والمخدرات.
هي هذه النية كيف توجه؟ العمل هو العمل، والمكث هو المكث، والمشقة هي المشقة، ولكنها النية، وإذا وجدت هذه النية الصحيحة هانت المصاعب، وصار العبد يستلذ بما يجد من المشاق، ويستلذ بما يبذل من النفقات؛ لأنه يعلم أنها مخلوفة، فهو يطلب ما عند الله - تبارك، وتعالى -.
هل المقصود الفرجة؟ هل المقصود المؤانسة؟ هل المقصود التجارة؟ المكاسب الدنيوية؟ ينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال.
خليليّ قُطّاع الفيافي إلى الحمى |
كثير، وأمّا الواصلون قليلُ |
الركب كثير، ولكن من يصل، ذكر الحافظ ابن رجب - رحمه الله - أن أحد المتقدمين حج ماشياً، بل كان يحج ماشياً في كل سنة، فكان في ليلة نائماً، فطلبت منه أمه شربة ماء، فتثاقل عن ذلك، تثاقل أن يقوم عن فراشه ليسقي أمه، ثم بعد ذلك تذكر حجه ماشياً، وكيف يخف عليه ذلك في كل سنة، في الوقت الذي يثقل عليه القيام من فراشه من أجل أن يسقي أمه شربة ماء فيما لا يتطلب سفر.
فحاسب نفسه، فرأى أن ذلك لا يهونه - يعني السفر ماشياً - إلا نظر الناس، إلا ثناء الناس، إلا مقال الناس، فكان ذلك سبباً ليقظة قلبه[3].
قد ننشط في بعض الأعمال، ولكننا نكسل في أقل القليل، قد ينشط الإنسان ليحج كل سنة، ويتعنى، ولكنه يكسل ليقوم ليصلي الفجر، فلا يصليها إلا بعد طلوع الشمس، كيف يتعنى، ويذهب، ويسافر في كل سنة، وهذا الزحام، ويتحمل، ولكنه في صلاة الفجر لا يستطيع أن يفارق الفراش، فيخرج الوقت، وهو لم يصلِّ؟
ولهذا قال بعض السلف: رب محرم يقول: "لبيك اللهم لبيك" فيقال له: لا لبيك، ولا سعديك، لما سئل عن هذا، قال: لعله اشترى ناقة بخمسمائة درهم، ورحلاً بمائتي درهم، ومفرشاً بكذا، ثم ركب ناقته، ورجل رأسه، ونظر في عطفيه.
يعني: كأنه يباهي بهذا العمل، ويتزين به أمام الناس.
ولهذا قد يغفل الإنسان عن مثل هذه المعاني، أنا حججت في الحملة الفلانية خمس نجوم، أنا حججت في الحملة الفلانية دفعت في الحملة عن الشخص الواحد ثلاثين ألفاً، أو حججت بأكثر من هذا، مع من حججت؟ مع من حججت؟ مع من حججت؟
ويصبح يتحدث شهوراً، ودهوراً عن هذه الحجة في المجالس.
ومن هنا استحب للحاج أن يكون في حال من الشعث، أغبر، وفي حديث المباهاة في يوم عرفة أن الله يقول لملائكته: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً، غبراً، ضاحين يعني: متعرضين للشمس اشهدوا أني قد غفرت لهم[4].
وهذا يدل على أن الترف ليس بمطلب، وأن الحج، ونوع الحملة، ونوع الخدمات، وألوان المباهاة أن هذا ليس بمطلب.
- أخرجه البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ ؟ (1/6)، رقم: (1).
- أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (4/2289)، رقم: (2985).
- لطائف المعارف (420).
- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب المناسك، باب تباهي الله أهل السماء بأهل عرفات (4/263)، رقم: (2840).
ثانياً: أن النفقة في طاعة، وأنها مخلوفة، لا تنفق قليلاً، ولا كثيراً إلا وجدته عند الله إذا وُجدت فيه النية، وخير ما تُبذل به الأموال هي هذه الأعمال، في هذه البقاع، في هذه الأيام، مع هؤلاء الركب.
أنفق، ولا تستخسر، ليست الغبطة أن يرجع بعض الناس، وهو يفتخر أنه لم ينفق في هذه الحجة أكثر من أربعمائة ريال.
ليست الغبطة أن يوفر الإنسان قدر المستطاع، وكثير من الناس سؤالهم في مثل هذه الأيام إنما هو عن الحج الذي لا هدي فيه.
رأيت من يسأل عن العمرة بعد الحج، فسألتهم عن هذا، قلت: يمكن أن تعتمر، وأنت متمتع مع الحج، ويمكن أن تكون قارناً في حجك.
قال: لا. قلت: ولمَ؟ قال: من أجل الهدي.
يريد أن يعتمر بعد الحج من أجل أن يوفر الهدي، هل هذا مقصود؟
انظروا إلى هذه الجمل الثلاث في سورة البقرة، وتذكروها دائماً في كل نفقة في سبيل الله - تبارك، وتعالى -: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ هذه الجملة الأولى "خير" هنا نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط، أو النهي، أو النفي، أو الاستفهام تفيد العموم، وإذا سبقت بـ"من" مِنْ خَيْر فإن ذلك ينقلها من حيز الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، فتكون نصًّا صريحاً في العموم.
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ قلّ، أو كثر فَلِأَنْفُسِكُمْ.
أن تبر نفسك، فاجتهد في برها، هذه الجملة الأولى.
الجملة الثانية: وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أن هذا يراد به ما عند الله - تبارك، وتعالى - فهذا هو الإخلاص.
إذاً لا تنتظر من الآخرين أن يقولوا: "شكراً"، ولهذا عائشة - رضي الله عنها - كانت إذا أرسلت بالصدقة، تقول للخادم: انظري ما يقولون.
يعني إذا قالوا "جزاكم الله خيراً" فقولي: بل أنتم جزاكم الله خيراً.
من أجل أن لا تحصل المكافأة، ولو بكلمة، ولهذا قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فيمن ينفق، ويتصدق، ويحسن، وهو ينتظر الشكر بأن ذلك ليس ممن قال الله - تبارك، وتعالى - فيه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً، وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9][1].
فالذي ينتظر الشكر من الآخرين، أو الثناء، أو التقدير، سواء كانت هذه النفقة في الصحبة، أو في القرابة، أو لعموم الناس، يقول لهؤلاء الأصحاب: أنا أنفق منذ مشينا من البلد، وأنا الذي أشتري، وأنا الذي أسابق، وأنا الذي أدفع ما سمعت منهم كلمة واحد يقول: أنا أدفع عنك، أو يقول: شكراً، أو يقول: جزاك الله خيرًا.
إذا كنت تنتظر مثل هذا فلا بأس إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ولكن كن كما قال الله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9].
الجملة الثالثة: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 272].
هذه الجملة في التوفية، أن الجزاء يكون وافياً لا ينقص، ولا يحصل فيه تأخير يُوَفَّ إِلَيْكُمْ إذاً ماذا تنتظر؟
ليكن أمرك لله - تبارك، وتعالى - وتريد ما عند الله، فهذه ثلاثة أمور إذا تذكرها العبد بذل، وأنفق بنفس منشرحة مقبلة، ويكون فرحاً، مسروراً، مستبشراً، مغتبطاً، يرى أن الآخذ هو صاحب النعمة عليه، والفضل.
ومن هنا، هذه النفقة في الحملة، النفقة على الأصحاب، النفقة في الهدي، النبي ﷺ حج قارناً، وبعضهم قال: حج مفرداً، وعلى قول من قال بأنه حج مفرداً: ليس عليه هدي واجب، ومع ذلك نحر مائة بدنة، كان يكفيه للقران - عليه الصلاة، والسلام - أن يذبح شاة واحدة، نحر مائة بدنة، وضحّى عن أزواجه بالبقر.
يعني: قدم الهدي عن أزواجه بالبقر، مائة بدنة عن نفسه.
مائة كم تبلغ أيها الإخوان؟ ونحن ما حالنا مع الهدي؟ لربما نبحث عن الحج الذي لا هدي فيه، وإذا أردنا أن نشتري الهدي نبحث عن الأرخص.
شركة، أربعمائة، وخمسون، كفاية، لكن أن نبحث عن الأفضل، أن نبحث عن تلك التي يتسارع إليها الفقراء، يتهافتون على لحمها، أو يقول الإنسان: أنا أريد أن أقدم بدنة، هنا نبدأ نحسب حسابات مادية، ونحن نريد ما عند الله - تبارك، وتعالى -.
حكيم بن حزام كان يقف بعرفة، ومعه مائة مقلدة، مائة ناقة عليها القلائد، ومائة رقبة، يعتقهم في عرفة، فيضج الناس بالدعاء، والبكاء، يقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا[2].
وكان قد أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، وفعل مثل ذلك في الإسلام، وأهدى مائة بدنة، وألف شاة، وأعتق بعرفة مائة، وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها "عتقاء الله عن حكيم بن حزام".
نحن ماذا نقدم بعرفة؟ ماذا نقدم بمنى؟ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 2] القسم ما يكون إلا بمعظم.
ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟ قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه، وماله، فلم يرجع بشيء[3].
في أفضل البقاع، وأنت متلبس بالنسك، لا يوجد أفضل من هذا.
أفضل الأعمال كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فيما نقله الحافظ ابن القيم هو ما يكون فيه العبد بمقتضى الحال، فإذا كان النداء للصلاة فأفضل العمل هو إجابة المؤذن، وإذا جاء وقت الحج فأفضل العمل هو الحج.
ولذلك فإن شغل الوقت في مثل هذه الأيام المباركة بالذكر، والتكبير، والتلبية، والإحرام أفضل.
لا تقل: جئنا من اليوم السادس، أو الرابع، أو الخامس، جئنا مبكرين.
هذه الأيام العشر كون الإنسان يكون فيها محرماً هذا من أجل الأعمال، وأفضل الأعمال، وهو متلبس بالنسك.
- مجموع الفتاوى (14/330).
- لطائف المعارف لابن رجب (ص: 284).
- أخرجه البخاري، باب فضل العمل في أيام التشريق (2/20)، رقم: (969).
الأمر الثالث الذي ينبغي أن نتذكره: أن العبرة بإحسان العمل، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2] ما قال: أيكم أكثر عملاً.
قد يحج الإنسان حجة واحدة، ولكنها مقبولة مبرورة، وآخر يحج ستين حجة، ولكنا مردودة، ما الفائدة؟
ليست العبرة أن نتخلص من العبادة بأي طريق كان، نحن حينما ننظر إلى الشاشة، ونحن في البلد، ننظر إلى الحجاج أيام الحج إن كان منا من لم يحج القلب يتقطع على هذه المشاهد، والبقاع، ويعتقد الإنسان، وهو يشاهد هؤلاء الحجيج أنهم في جنة، وروضات، ويقول: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.
وإذا جاء إلى الحج، لربما تضيق نفسه، ويسوء خلقه، ويكون همه، وحرصه هو التخلص من أعمال الحج بأقرب طريق كان، الحج المختصر.
لربما بعضنا يوصِّف ذلك لغيره، يأتي في آخر ساعة من الليل إلى عرفة، يأتي من الطائف، يسكن في فندق في الطائف، ثم يأتي، ويمر على طرف عرفة، ثم يرجع للفندق، ما الذي بقي؟
المبيت بمزدلفة واجب، يُجبر بدم، سهلة عند هذا، المبيت بمنى واجب يجبر بدم.
رمي الجمار واجب، يجبر بدم، ماذا بقي عليه؟ بقي الطواف، والسعي، فيذهب إلى بلده، يمكن أن يرجع لا يذهب إلى الفندق، يرجع إلى بلده، ثم يأتي بعدما يخف الحجاج، ويطوف، ويسعى، والحمد لله.
لم يعرق، ولم يتعب، وإنما هو في سيارته فقط دخل طرف عرفة، قال: الحمد لله أنا كل سنة أحج، هل هذا هو المطلوب؟ هل يفتخر الإنسان بمثل هذا؟ يتسابق الناس من يصل إلى البلد أولاً؟
اجمع الرمي، رمي يوم الحادي عشر، مع رمي يوم الثاني عشر، هذا يرميه قبل الفجر بلحظة، ثم يقف قليلاً، فإذا أذن الفجر رمى ليوم الثاني عشر، مع أنه لا يصح على الأرجح الرمي قبل الزوال، فيرمي اليومين، ثم بعد ذلك ينطلق، ويطوف طواف الوداع بعد الفجر، وينطلق إلى المطار، وفي الضحى هو في بلده، وكأن القضية أنا أول واحد وصل إلى البلد من الحجاج.
يوم الثاني عشر في الضحى هو عند أهله، هل هذا هو المطلوب؟ هل هذا من المقاصد، والمكاسب مما نحرص عليه، ونتطلبه، ونسعى من أجل تحقيقه؟ ليست القضية هكذا.
فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا الكهف: 110.
في آيتين في سورة الكهف في أولها، وآخرها ذكر شروط قبول العمل الثلاثة: وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ هذا الشرط الأول الإيمان الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ العمل لا يكون صالحاً إلا إذا كان خالصاً صواباً أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [الكهف: 2].
وفي آخر سورة الكهف: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا الإخلاص، والمتابعة وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا هذا التوحيد لله رب العالمين.
فلذلك أقول: تصحيح العمل، وتصحيح المقاصد هو الأساس، أن نحج حجًّا صحيحاً على السنة، ومن فضل الله علينا - والله إني أتأمل هذا سائر ساعات اليوم، وأمس - ما يسر الله للناس اليوم أسمع الإخوة يقولون: نعلق أعمال المناسك في كل يوم، وتوزع في المطارات، وفي كل مكان، المطويات، والكتيبات، وفي المداخل، ويوجد في المواقيت من يعلم الناس، ويوجد في نواحي منى، ويوجد في الحملات، بينما في وقت مضى الناس في جهل عظيم، لا يجدون من يسألونه، ولا يستطيع أن يصل إلى عالم، ولا أن يعرف مكانه.
أنا شخصيًّا أعرف بعض الناس، أحدهم يقول: أتينا، وذهبنا إلى عرفة، ثم جلست في جبل، هذا شاب قد بلغ الأربعين، يقول: جلسنا في جبل، ووجدت رجلا أشيب في منى، ذهبنا نصلي العيد في الحرم.
مع أنه غير مطالب أن يصلي العيد في الحرم، يوم النحر، يقول: ثم رجعنا جلسنا في هذا الجبل، وبعد ذلك رجعنا إلى الدِّيرة.
طيب، وطواف الإفاضة؟ قال: ما طفنا الإفاضة، وما طواف الإفاضة؟ والسعي؟ قال: ما سعينا، ماذا عملتم؟ قال: صلينا العيد، وجلسنا في جبل في منى.
قيل له: عليك طواف إفاضة، ارجع، وعليك سعي الحج.
هذه حجة الفرض، جاهل، موغل في الجهالة، ومع ذلك يستنكف من الامتثال لحكم الشرع، فالله غني عنا، وعن أعمالنا.
العبرة بتصحيح العمل لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] فهذا هو المقصود الأعظم الذي خلقت الخليقة من أجله لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أعلى مراتب العبودية: الإحسان، ومن الإحسان كما جاء في الحديث: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك[1].
ومن هنا يراقبه العبد في أعماله في المناسك، في نفقاته، في ذكره حينما ينظر بعينيه، حينما يطلق لسانه فإنه يكون مراقباً لربه - تبارك، وتعالى -.
ثم تذكر أن النبي ﷺ قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد[2].
العمل لابد أن يكون موافقاً للوجه المشروع، والنبي ﷺ يقول: لتأخذوا مناسككم[3].
لهذا روي عن عمر أنه قال: "الحاج قليل، والركب كثير" والحافظ ابن القيم - رحمه الله - يقول: "فالعاملون يعملون الأعمال المأمور بها على الترويج تحلة القسم، ويقولون: يكفينا أدنى ما يقع عليه الاسم، وليتنا نأتي به"[4].
- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة (1/19)، رقم: (50)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الإيمان ما هو وبيان خصاله (1/39)، رقم: (9).
- أخرجه مسلم، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور (3/1343)، رقم: (1718).
- أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا (2/943)، رقم: (1297).
- الصلاة وأحكام تاركها (ص: 140).
رابعاً: هذا موسم عظيم، اجتمع فيه شرف الزمان، وعظمة المكان.
هذه الأيام العشر التي أقسم الله بها، وقد فسر النبي ﷺ العشر بعشر الأضحى وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر: 3] وأن الوتر هو يوم عرفة، وفسر الشفع بيوم النحر.
فهذه العشر هي الأيام المعلومات التي يُذكر الله - تبارك، وتعالى - فيها: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج: 28].
هي التي قال فيها النبي ﷺ: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام.
"ما من أيام" نكرة في سياق النفي، وعرفنا أن هذا للعموم، وأنها سبقت بـ"من" فهي نص صريح في العموم.
فهذه أفضل أيام الدنيا، وهذه أطهر بقاع الأرض، وهذا أعظم المواسم، ولو قال قائل: إن هذه العشر أفضل من العشر الأواخر من رمضان حتى الليالي، ليالي العشر الأواخر من رمضان إلا ليلة القدر - فإنها خير من ألف شهر - لم يكن ذلك بعيداً، فإن أعدل الأقوال في ذلك ما ذكره الحافظ ابن القيم - رحمه الله - أن الأيام أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان إلا الليالي من أجل ليلة القدر[1].
فلو قيل: حتى الليالي إلا ليلة القدر؛ لأن الله أقسم بالليالي، والأيام تبع لليالي، والعرب تذكر الأيام، وتريد الليالي، وتذكر الليالي، وتريد الأيام.
وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 2] وكما عرفنا أن القسم لا يكون إلا بمعظم، نحن في أيام أفضل من العشر الأواخر من رمضان، فهل يصح أن تقضى بالأحاديث الجانبية، والضحك، والمزاح، والتندر، والتفريط، والتضييع، والنوم الطويل المتواصل؟
سمعت أحدهم يدعو صاحبه، ويجر يده في عرفة في وقت الوقوف بعد الزوال، وصاحبه يقول: أين؟ يقول: من أجل أن نضيع الوقت، ندور.
يوم عرفة! عشية عرفة! يريد أن يضيع الوقت، إذاً متى سيستثمر الوقت؟ إذا كان يوم عرفة يضيعه الحاج في ذلك الموقف العظيم.
وقد قال النبي ﷺ: أفضل الجهاد حج مبرور[2].
ولذلك انظر إلى حال السلف في العشر، سعيد بن جبير كان إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر أحد على مثله.
هنا تجتمع أمهات العبادات، الصلاة، الصيام، الصدقة، أعمال الحج فيها يوم عرفة، وشاهد، ومشهود، وهو كما قال النبي ﷺ: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟[3].
وفي الحديث الآخر: إن الله تطوّل عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل[4].
وقال ﷺ: خير الدعاء دعاء يوم عرفة[5] وسئل النبي ﷺ عن صيامه فقال: يكفر السنة الماضية، والباقية[6] فيشرع، ويسن صومه لغير الحاج.
وقال: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل، وشرب[7] هذا عيدنا الأكبر، ويوم الحج الأكبر هو يوم النحر.
عيد الفطر يوم واحد ينتهي بغروب شمس يوم العيد.
وبعض الأخوات دائماً يسألن عن الضرب بالدف، نخرج إلى استراحة يوم العيد في المساء بعد غروب الشمس؟ نقول: العيد انتهى، ولا يُضرب بالدف بعد غروب الشمس يوم عيد الفطر.
أما العيد الأكبر، يوم النحر فإنه يكون أيضاً معه الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، هذه الأيام إلى غروب الشمس، هذه كلها أيام عيد، أيام أكل، وشرب، وذكر لله ويبتهج الناس بالعيد، ويضرب النساء بالدف.
انظر إلى عظمة هذا العيد، فيوم النحر هو يوم الحج الأكبر، كما صح عن النبي ﷺ وقد قال: إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرّ[8] يوم القَرّ الذي يستقر الحجاج فيه بمنى، هو اليوم الحادي عشر.
يعني ليست القضية فقط بالعشر، حتى أيام التشريق فهي أيام شريفة، أيام عيد، وقد قال النبي ﷺ: ثلاثة في ضمان الله - تبارك، وتعالى - ... وذكر منهم: رجل خرج حاجًّا[9] ثم إنك منذ خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل خطوة تطؤها راحلتك حسنة، ويُمحى عنك سيئة.
التلبية: قال النبي ﷺ: ما من مسلم يلبي إلا لبى مَن عن يمينه، أو عن شماله من حجر، أو شجر، أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا، وهاهنا[10].
وفي الحديث الآخر: ما أهلّ مهل قط، ولا كبر مكبر قط إلا بُشر، قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: نعم[11].
كبروا، ولبوا في مثل هذه الأيام.
وأما الطواف، استلام الحجر، استلام الركنين فقد جاء عن النبي ﷺ: من طاف بهذا البيت أسبوعاً يعني: سبعة أشواط فأحصاه كان كعتق رقبة[12] وهذا حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله -[13] .
وقال: لا يضع قدماً، ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له بها حسنة[14].
نلاحظ: إذا جئنا للعبادات بدأنا نحسب الريال، إذا جئنا نتصدق بدأنا نبحث عن الريال لنخرجه، الفئات القليلة، إذا جلسنا في المسجد نحسب الدقائق، طوّل الإمام.
إذا جلسنا في مجالس الذكر بدأنا نحسب الدقائق، لكن إذا جلسنا في مجالس الغفلة فإننا لا نحسب، ولا نحصي.
انظر مثلاً الممشى الذي يفتخر كثير من الناس أنه يمشي خمسة كيلو، أو سبعة كيلو، أو نحو ذلك، رجال، ونساء يهرعون، قد شمروا في الحر، والرطوبة، والسَّموم زرافات، ووحدانًا يمشون من أجل الرياضة، وإذا جاء الطواف نطوف من فوق، نطوف من السطح، هذه يعدها في التاريخ، طفنا من السطح.
يا أخي، أنت تذرع هذا الممشى، ولا تحتسب فيه عند الله كل يوم تفتخر أنك تمشي خمسة كيلو، وإذا جئت عند الطواف، كل خطوة حسنة، وتُرفع، وتحط خطيئة بدأ الإنسان يتثاقل، كيف نستطيع أن نطوف؟ ما يحصّل عربية، الآن جاء الوهن!، ما يحصّل عربية في الممشى.
ننشط في سبيل هذه الأجسام، وتنميتها، وتغذيتها، ولكن إذا جئنا عند العبادة، والطاعة بدأنا نحسب بطريقة أخرى.
الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وعلى قول جمع من أهل العلم كما هو معلوم أن ذلك يشمل الحرم جميعاً، ومنى، ومزدلفة من الحرم.
يعني: على هذا القول، وهو قول مشهور، وأدلته قوية أن الصلاة هنا بمائة ألف صلاة، واحسبها كم تخرج مِن سنة؟ مائة ألف صلاة، كل هذا تكفير الخطايا، غسل الذنوب، رمي الجمار، نحر الهدي كل هذا جاء فيه أحاديث، وفضائل.
ولذلك كان العلماء يتسابقون في مثل هذه المشاهد، والمقامات، على قلة ذات اليد، قلة الإمكانيات، أبو عبد الله المقري حج سبعاً، وتسعين حجة، بكير بن عتيق حج ستين حجة، يحجون على الإبل، وعلى الأقدام، علي بن الموفق حج سبعين حجة، جعفر الخواص حج قريباً من ستين، سفيان حج سبعين حجة.
هذا يقول: رأيت في الطواف كهلاً قد أجهدته العبادة، بيده عصا، وهو يطوف معتمداً عليها، فسألته عن بلده، قال: من خراسان.
يقول: سألني كم تقطعون هذا الطريق؟
قلت: في شهرين، أو ثلاثة.
قال: أفلا تحجون كل عام؟
كيف لو رأى ما نحن فيه الآن بالطائرة ساعة، أو ساعة، ونصف؟!.
هذا يقول: في شهرين، أو ثلاثة، ما تحجون كل سنة؟
يقول: فقلت كم بينكم، وبين هذا؟
قال: مسيرة خمس سنين.
هذا يحج على أقدامه، وكل من وجد في هذا الطريق مشى معه حتى يصل.
وكان يقول:
زُر من هويتَ وإن شطّت بك الدارُ |
وحال من دونه حُجب وأستارُ[15] |
هكذا كانت نفوسهم، ولذلك حينما تسمعون الأشعار، والفرح، والاستبشار إذا أقبلوا على بلاد الحجاز، أو تسمعون الأشعار ممن قالها من أولئك الذين أقعدهم العذر، تعجبون كيف كانوا يشتاقون إلى هذه الأماكن.
يقول شقيق البلخي: رأيت في طريق مكة مقعداً يزحف على الأرض، فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من سمرقند.
قلت: فكم لك في هذا الطريق؟
فذكر أعواماً، يقول: فتعجبت، قال: مالك تنظر إلي متعجباً؟
قلت: من ضعفك، فقال: يا شقيق أمّا بعد سفري فالشوق يقربه، وأما ضعف مهجتي فمولاها يحملها[16].
الأسود بن يزيد اقرءوا ترجمته، وعبد الرحمن، وغير هؤلاء من النخعيين أهل عبادة، وزهد، وعلم.
الأسود حج ثمانين حجة، وعمرة، عمرو بن ميمون حج ستين حجة، وعمرة، عطاء حج سبعين، وقيل أكثر.
أما الذين حجوا أربعين حجة فهؤلاء خلق لا يحصيهم إلا الله - تبارك، وتعالى - سعيد بن المسيب، بكير بن عتيق، العدني، سعيد بن سليمان، العباس بن سمرة، أبو الفضل الهاشمي، أيوب السختياني، همام بن نافع، مكي بن إبراهيم، وغير هؤلاء، حجوا على الإبل، على الأقدام.
كيف كانت أحوالهم في الطريق، وفي الحج؟
وكان محمد بن واسع من العباد يصلي الليل في طريق مكة في محمله يومئ إيماء، ويأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه؛ حتى يشتغل الناس بسماع صوت الحادي، فلا يتفطن إليه أحد أنه يصلي، ويقرأ القرآن، ويقوم الليل[17].
المغيرة بن حكيم الصنعاني يحج من اليمن ماشياً، وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلة ثلث القرآن، فيقف، فيصلي حتى ينتهي من ورده، ثم يلحق بالركب متى لحق، وربما لم يلحقهم إلا آخر النهار حتى ينهي ورده[18].
الأسود النخعي حج معه بعضهم، فكان إذا حضرت الصلاة أناخ راحلته، ولو على حجر[19].
الحج مدرسة، إذا كنا لا ننشط للعبادة في هذا المكان متى سننشط؟ لا توجد مغريات، لا ملهيات، بوادٍ غير ذي زرع، على الإنسان مثل الكفن، إنما جاء، وتفرغ لهذا العمل، ماذا تريد؟ ماذا تنتظر؟ ماذا تطلب؟ ومع ذلك لا ننشط للعبادة، إذاً متى سننشط؟ أوقفوا هذه الأجهزة، اقطع الإنترنت، تفرغ للذكر، كن مخبتاً لله - تبارك، وتعالى - عود نفسك إذا نودي للصلاة أن تضع ما بيدك، وتجيب.
هذا يقول: حججنا مع الأوزاعي فما رأيته مضطجعاً في المحمل في ليل، ولا نهار قط، كان يصلي فإذا غلبه النوم استند إلى القَتب [20] على بعير في الطريق، لا في طائرة، ولا حافلة فخمة.
هذا عبد العزيز بن أبي حازم يقول: عادلني صفوان بن سليم إلى مكة، يعني كان معه على الرحل هذا في ناحية، وهذا في ناحية، يقول: فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع[21].
محمد بن إسحاق يقول: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجًّا، فاعتلت إحدى قدميه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم واحدة[22].
ونحن نقول للإخوان: اقرأ وردك، استقبل القبلة، واجلس على كرسي، وقراءة الورد اجعلها في الليل.
ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، قيل: ما يبكيك؟ قال: أسفاً على الصوم، وعلى الصلاة، ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات[23].
هؤلاء في جنة في الدنيا قبل جنة الآخرة، ما كانت القضية ثقيلة عندهم، ما كانوا يتبرمون بالعبادة، يريد أن يتخلص، كانوا يعيشون في نعيم، وهذا يحتاج إلى مكابدة، كما قال ابن المنكدر: كابدت الصلاة عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة[24].
ولذلك كان يقول: إني لأدخل في الليل، فيهولني، فينقضي، وما قضيت منه أربي[25].
يقول: ينتهي الليل بسرعة، وأنا لم أشبع من مناجاة ربي، ومن الصلاة، ومن قيام الليل.
ونحن إذا قام الواحد منا يصلي ركعة، أو ثلاث ركعات يتململ، وهذا في طريق مكة يقول بعضهم: ما رأيته وضع جنبه في المحمل إلا ليلة واحدة، ومد رجليه، ثم استوى جالساً.
ابن عمر كان إذا قدم إلى مكة طاف بالنهار خمسة، وبالليل سبعة[26].
ابن أبي شيبة عقد في المصنف باباً قال فيه: من كان يستحب إذا دخل الرجل مكة ألا يخرج حتى يقرأ القرآن، ثم ذكر قول إبراهيم النخعي من التابعين: كانوا يعجبهم إذا قدموا مكة أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن بها.
نحن كم قرأنا، وكم نقرأ؟ ولا زلنا في البداية، وهذا التذكير في البداية، ما فات شيء، ابدأ بداية صحيحة، أمامك الحج، أنت في أول يوم.
الحسن يقول: كان يعجبهم إذا قدموا للحج، أو العمرة أن لا يخرجوا حتى يقرؤوا ما معهم من القرآن[27].
وقرأ علقمة القرآن في ليلة بمكة[28].
يقول إبراهيم: طاف بالبيت سبعاً، ثم أتى المقام فصلى عنده، وذكر قراءته، ثم طاف، ثم أتى المقام، فصلى عنده، ثم طاف، ثم أتى المقام، فصلى عنده حتى قرأ بقية القرآن[29].
نحن نقول: لا يشرع الختم في ليلة، لكن هؤلاء كان لهم رأي في هذه المسألة، أنه في هذه الأوقات الشريفة يكثر من القراءة.
الخطيب البغدادي الإمام صاحب تاريخ بغداد، والكتب المعروفة المشهورة، يقول أبو الفرج الإسفراييني: حج معنا الخطيب، فكان يختم كل يوم قريب الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس، وهو راكب فيقولون: حدثنا.
فيحدث[30].
يشرع في ختمة كل يوم إلى غروب الشمس، أو قريب من الغروب، ويختم، ثم يبدأ يحدث الناس.
سالم بن عبد الله بن عمر يقول بعض من رآه في عرفة: جعلت أنظر كيف يصنع، فكان في الذكر، وفي الدعاء حتى أفاض الناس[31].
انظر إلى أحوالنا في عرفة، هذا متمدد، هذا يضحك، ويتحدث، ويمزح فلما تعب تمدد في مكانه، ونام في وقت الذكر، والابتهال، والتضرع إلى الله - تبارك، وتعالى - هل هذا يليق؟ أهكذا يكون الحاج؟
عطاء بن أبي رباح يقول لأحدهم: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل[32].
أحوال عجيبة لهم في الحج.
- بدائع الفوائد (3/162).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (2/133)، رقم: (1520).
- أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة (2/982)، رقم: (1348).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الوقوف بجَمْع (2/1006)، رقم: (3024).
- أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات (5/572)، رقم: (3585).
- أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس (2/819)، رقم: (1162).
- أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق (2/320)، رقم: (2419).
- أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ (2/148)، رقم: (1765).
- مسند الحميدي (2/255)، رقم: (1121)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/251).
- أخرجه الترمذي، أبواب الحج عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في فضل التلبية والنحر (3/180)، رقم: (828)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية (2/974)، رقم: (2921).
- المعجم الأوسط (7/379)، رقم: (7779).
- أخرجه الترمذي، باب ما جاء في استلام الركنين (3/283)، رقم: (959).
- مشكاة المصابيح (2/793)، رقم: (2580).
- أخرجه الترمذي، باب ما جاء في استلام الركنين (3/283)، رقم: (959).
- تفسير الثعلبي (7/19).
- روح البيان (8/310).
- لطائف المعارف لابن رجب (ص: 234).
- المصدر السابق.
- الطبقات الكبرى (6/136).
- سير أعلام النبلاء (7/119).
- المصدر السابق (5/366).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (34/231).
- سير أعلام النبلاء (5/12).
- المصدر السابق (5/224).
- المصدر السابق (5/358).
- أخبار مكة للفاكهي (1/278).
- مصنف ابن أبي شيبة (3/387).
- المصدر السابق (2/243)، رقم: (8592).
- المصدر السابق (2/260)، رقم: (8771).
- تذكرة الحفاظ (3/223).
- مصنف ابن أبي شيبة (3/381)، رقم: (15134).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/314).
خامساً: الحج فرصة للتغيير.
تغيير العمل، تغيير القلب، تغيير التفكير، تغيير الأخلاق، أنت بين جموع من الناس.
أنا قبل مدة في الشاشة في قناة القرآن كنت أنظر إلى الذين يطوفون من هذا الدور الجديد للعربات، فلفت نظري أحد هؤلاء الحجاج قدم يبدو من شرق آسيا يحمل امرأة كبيرة لعلها أمه، يحملها على ظهره، ويطوف.
لا زالت بعض المشاهد، وقد رأينا من هذا بين عرفة، ومزدلفة، من يحمل امرأة كبيرة هرمة، يحملها على كتفه، يحملها على عاتقه، الحج فرصة للتغيير.
ستجد أناسًا عندهم صبر، ستجد ناسًا عندهم بذل، ستجد ناسًا عندهم سماحة، ستجد ناسًا عندهم أخلاق راقية، ستجد ناسًا عندهم تحمل شديد، ستجد ناسًا عندهم حلم، وعفو، ستجد أناسًا عندهم ضيق صدر، وضيق عَطَن، لا تشمت بأحد، ولا تذكر أحدًا إلا بخير، إذا رأيت شيئاً تكرهه فاجتنبه، الحج مدرسة، وإذا رأيت شيئاً يُستحسن فتخلق به.
نحن في كثير من الأحيان نقول: ما شاء الله، فلان ما شاء الله عليه، حبيب، وسمح، وخلوق، ولطيف، وينسى هذا القائل أحياناً نفسَه أنه شرس، أنه صعب، وأن أخلاقه شديدة، وغليظة، وعنيفة، هلا ذكرت نفسك بهذا الذي تستحسن من الآخرين؟
فلذلك ينبغي أن يستحضر الإنسان مثل هذه المعاني، ويعزم أن يرجع بوجه جديد، وبقلب جديد، أن يعود نفسه على العبادة، والذكر، والإخبات، والتواضع لله وسلامة الصدر، وكثرة الذكر، وقراءة القرآن، وحفظ اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والزور، وما إلى ذلك، وحفظ البصر، واجعل لك منهجًا في التعامل مع هذه الأجهزة التي سلبت الأوقات، وأشغلت الناس كثيراً عن ذكر الله .
جرب هذه الأيام أن تتخلص من تتبع الواتساب، والتويتر، وما إلى ذلك، جرب أن تتفرغ للعبادة، فإذا رجعت اجعل لهذا حدًّا محدوداً، بالكثير ما يتجاوز نصف ساعة في الأربعة، والعشرين ساعة، والباقي نحن في تجارة مع الله، العمر قصير، ولا يصح أن تُقضى الأوقات في هذه الأجهزة، وتتبع هذه الوسائل، أول ما يستيقظ الإنسان من النوم يفتح الجهاز يقرأ رسائل الواتساب، أو يقرأ في تويتر، أو يقرأ في غيره من وسائل التواصل، أو نحو ذلك.
لابد من مراجعة، لابد من حال جديد، وعمل جديد.
سادساً: أن الأجر على قدر المشقة.
المشقة كما قال الشاطبي، وغيره: لا تطلب، وليست مقصودة للشارع، ولكن المقصود هنا المشقات العارضة للمكلف من غير أن يتطلبها.
الحج جهاد، من كان يظن أن الحج نزهة، أو أن الحج ترف فهو مخطئ، لابد أن يوطن الإنسان نفسه، قد لا يجد فراشاً، قد لا يجد طعاماً، قد يجد الطعام بارداً، قد يجد تعباً، وألماً، فهو في جهاد، فلابد من تحمل المشقات.
تتعطل السيارة، يتعطل التكييف، يتأذى بأي نوع من الأذى، يجد أثرةً، يجد الناس سبقوه إلى الفرش في مزدلفة، في عرفة، لا إشكال، الأمر سهل، ولو جلس الإنسان على التراب المهم يرجع بماذا؟ إن كان سيرجع بمغفرة الله فلا بأس أن يتوسد التراب - يفترش التراب - العبرة ليست فيما نجلس عليه، أو ما نأكله، وإنما العبرة بما نرجع فيه.
وفي بعض ألفاظ حديث عائشة - رضي الله عنها -: إن لك من الأجر على قدر نصبك، ونفقتك[1].
والمقصود به المشقات العارضة من غير قصد، يعني لا يتقصد الإنسان التعب، ويقول: أنا أريد أن أجلس بالشمس، وأجلس بالحر، وأمشي من بلدي إلى مكة.
هذا غير مطلوب، وإن اختلف العلماء في الحج ماشياً بين المناسك، أيهما أفضل الراكب، أو الماشي؟
حديث أنس يقول: حج النبي ﷺ على رحل رث، وقطيفة تساوي أربعة دراهم، أو لا تساوي، ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها، ولا سمعة[2].
هذا الحديث صححه الشيخ ناصر الدين الألباني[3] وضعفه الحافظ ابن حجر[4].
وسعيد بن عمرو يقول: صدرتُ مع ابن عمر يوم الصدر، فمرت بنا رفقة يمانية، ورحالهم الأُدُم، وخُطم إبلهم الخُزم - يعني من الليف، يعني في غاية التواضع - فقال عبد الله بن عمر: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت الحج العام برسول الله ﷺ وأصحابه إذْ قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة[5].
الترف، والتمشط، والتزين، والترجل، والتنعم، والترفّه ليس مقصوداً في الحج، فهذا أفضل الخلق - عليه الصلاة، والسلام - هكذا كان يحج، وهؤلاء أصحابه .
قال رجل عند ابن عمر: ما أكثر الحاج!
فقال ابن عمر: ما أقلهم!
فرأى ابن عمر رجلاً على بعير على رحل رث خطامه حبل، فقال: لعل هذا[6].
ويقول طاوس بن كيسان: كنت جالساً عند جابر بن عبد الله إذ مرت بنا رفقة من أهل اليمن قد أَحفُّوا بالماء، والحطب، فقال جابر بن عبد الله: ما رأيت أشبه بنا مع رسول الله ﷺ من هؤلاء[7].
فهل يعقل هذا من يجعلون الترف هدفاً لهم، ويتفاخرون أنهم ذهبوا في حملة بمائة ألف ريال عن الحاج الواحد؟ أين سكنت؟ في أي فندق؟ كيف كنتم تروحون للجمار؟ نركب السيارات التي تنقل المرفهين، ويكون في حال من النعمة، والترف، والرغد.
هذا ليس بهدف، لا تحرص على هذا، ولا أسف على ما فاتك من الملاذ في الحج، فهي غير مأسوف عليها؛ لأنها ليست بهدف، في الصحيح عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، قال: حج أنس على رحل، ولم يكن شحيحاً.
يعني ما هو ببخل، وحدث أن رسول الله ﷺ حج على رحل، وكانت زاملتَه[8].
يعني: على راحلة هي التي يركب عليها، وعليها المتاع؛ لأن المرفهين في العادة يكون معهم رحل: دابة للمتاع، ودابة للركوب، فهذه دابة واحدة للجميع، فهذا من تواضعه ﷺ
ويقول هشام بن عروة: كان الناس يحجون، وتحتهم أزودتهم[9].
يعني: يتواضعون في الحج على راحلة واحدة فيها المتاع، ويقول آخر: كان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي، والمحامل يقول: الحاج قليل، والركب كثير[10].
وبعث النبي ﷺ مع عائشة أخاها عبد الرحمن - رضي الله عنهما - فأعمرها من التنعيم، وحملها على قَتَب، هذا أخرجه البخاري تعليقاً، وقد قال في صحيحه: باب الحج على الرحل، وذكر هذا الحديث[11].
على قَتَب! هذا غاية التواضع، وترك الترفه، فهذا رحل صغير.
القَتَب مثل السرج الذي يكون على الفرس، ما في مراكب كبيرة، وفخمة، وإنما هو شيء يحصل به المقصود.
ويقول مولى أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عن الجميع -: إنه كان يسمعها كلما مرت بالحَجون، تقول: صلى الله على رسوله، وسلم، لقد نزلنا معه هاهنا، ونحن يومئذ خفاف الحقائب، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا، وأختي عائشة، والزبير، وفلان، وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا، ثم أهللنا من العشي بالحج[12].... إلى آخر ما قالت.
المنذري في الترغيب، والترهيب ذكر بابًا يقول فيه: الترغيب في التواضع في الحج، والتبذل، ولبس الدون من الثياب اقتداء بالأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام -[13].
يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل - رحمهم الله -: حج أبي خمس حجج ماشياً، واثنتين راكباً، وأنفق في بعض حجاته عشرين درهماً[14].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس اللباس المعتاد، ولا يتطيب، ولا يتزين، ولا يتظلل، ويلازم الخشوع، والاخششان، ويقصد البيت، وهو أشعث أغبر[15].
بينما تجد حملة تعلن عن سكن فخم، فنادق خمس نجوم، في عرفة يقولون: لا يوجد سكن مبانٍ، لكن سيكون له خيمة لوحده كبيرة مجهزة بوسائل الراحة، والرفاهية، حمام من السيراميك، توفير خدمة سباحة، توفير خدمة فاكس، وإنترنت، عيادة مختصة، ثلاث وجبات متنوعة، نظام البوفيه مفتوح، بعض الناس يسأل: حملتكم رز، ولحم، أو بوفيه؟ ماذا يقدمون؟ ما نوع السلطات؟
أحدهم يقول لي: اثنا عشر نوعًا من السلطات عددتها في الحملة.
أنواع الحلوى يوم العيد أنواع كثيرة جدًّا، هل هذا هو المقصود؟
بعض الحملات تزيد على مائة ألف للشخص الواحد.
- أخرجه الحاكم في المستدرك (1/644)، رقم: (1733).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج على الرحل (2/965)، رقم: (2890).
- صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/279)، رقم: (1302).
- فتح الباري لابن حجر (3/381).
- مسند أحمد (10/213)، رقم: (6016).
- مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/19)، رقم: (8836).
- المصدر السابق (8838).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الحج على الرحل (2/133)، رقم: (1517).
- أخبار مكة للفاكهي (1/402)، رقم: (861).
- قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (2/192).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الحج على الرحل (2/133)، رقم: (1516).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: متى يحل المعتمر (3/7)، رقم: (1796).
- الترغيب والترهيب للمنذري (2/116).
- الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/429).
- شرح عمدة الفقه لابن تيمية - من كتاب الطهارة والحج (3/208).
سابعاً: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فاعمل لحج مبرور.
من البداية، احفظ اللسان، احفظ السمع، احفظ البصر، احفظ الجوارح، اعمل عمل من يرجع بحج مبرور، من البداية حتى لا تندم، وتقول: ليتنا سمعنا من يذكِّر في البداية، فيسهل علينا تحصيل هذا المطلوب.
أحرم أنس بن مالك من ذات عِرق، يقول من أحرم معه: ما سمعناه متكلماً إلا بذكر الله حتى حل، ثم قال: يا ابن أخي هكذا الإحرام[1].
وكان شريح إذا أحرم كأنه حية صماء[2].
يقول نافع مولى ابن عمر: أدركت أقواماً يطوفون بهذا البيت كأن على رؤوسهم الطير خُشّعاً[3].
ونحن كاميرات، ولقطات في كل المشاعر، عند الحرم، وعند الطواف، وقف، وارفع يديك! تصوير بعرفة، وتصوير بمزدلفة، وتصوير عند الحرم، وتصوير عند المقام، وتصوير عند الصفا، وتصوير عند المروة، ولا ترى إلا صور الفلاشات في كل مكان.
هذا الإخبات؟! وبعضهم يصور لنفسه فيديو، ويتنقل في المشاهد، ثم بعد ذلك يعرض هذا الفيديو.
يقول عطاء بن أبي رباح: رأيت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس يطوفان بالبيت جميعاً كأن على رءوسهما الطير تخشعاً[4].
عطاء يقول: طفت وراء ابن عمر، وابن عباس فلم أسمع أحداً منهما يتكلم في الطواف[5].
ونحن بالجوالات، وحديث في الطواف، والسعي، الجوال لا ينزل من أذنه، هل هذا معقول؟!.
تذكير بأمر آخر: لا يخلو حال الإنسان بعد هذا الحج إما أن ينصرف مغفوراً له، أو مردوداً، الجميع، هي واحدة من اثنتين ما في ثالث، فاللهَ اللهَ، أوصي نفسي، وأوصيكم، إما أن يرجع الإنسان بحج مبرور، صحيفته بيضاء ليس له جزاء إلا الجنة، والراجح أنه يكفر عنه حتى الكبائر، مغسول كيوم ولدته أمه.
إذاً هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، لا تسود الصحيفة من جديد، انتبه، كن على جادة، واستقامة، أو الثانية - نسأل الله العافية - وهذا بسبب فساد القصد، والعمل، فينبغي أن يعيد الإنسان حساباته، ويتوب إلى الله .
أسأل الله أن ينفعني، وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلني، وإياكم ممن قبل عمله، وسعيه، وحجه، وأن يرجع بحج مبرور، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.
- الطبقات الكبرى (7/16).
- سير أعلام النبلاء (4/104).
- أخبار مكة للفاكهي، رقم: (334).
- المصدر السابق (1/203)، رقم: (337).
- مصنف ابن أبي شيبة (3/137)، رقم: (12810).