الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
حدود المشكلة وقوامة الرجل
تاريخ النشر: ١٢ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 5372
مرات الإستماع: 7386

بسم الله الرحمن الرحيم

حدود المشكلة وقوامة الرجل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فحديثنا -إن شاء الله- عن المشكلات التي تقع بين الزوجين، ونحن نطرح هذا الموضوع لعظم الحاجة الداعية إليه، ولكثرة المشاكل ولتفاقمها، حتى إني قرأت أن حالات الطلاق في منطقة صغيرة مثل منطقة عسير قد بلغت في عام واحد نسبة عالية جداً، حيث إنها بلغت خمساً وستين بالمائة مقارنة بحالات الزواج، فهذا رقم مرعب، رقم مخيف يدل على تفاقم المشكلات، وعلى شدة أثرها، وضراوة ضررها في المجتمع حيث فتكت بهذه الأسر، وعصفت بهذه البيوت، هذا خبر نشر في صحيفة محلية في هذا اليوم.

وأيضاً خبر آخر نشر بالأمس في نفس الصحيفة يقول: إن حالات التردد على العيادة النفسية في تلك المنطقة تبلغ ما يقارب خمساً وأربعين حالة كلها من النساء، وعامة هذه المشكلات إنما هي بسبب التوترات الأسرية.

فانظر كيف يفعل هذا الأمر في نفوس أصحابه؟ وكيف يفتك بهم؟ مع العلم أن الكثيرين لا يذهبون إلى المحاكم، ولا يبلغون عن حالة الطلاق، ولا يثبتونها أمام القاضي، وكذلك كثير من الناس لا يذهبون إلى المصحة النفسية حينما يعانون من اعتلال أو مرض يصيبهم؛ لأن الناس يرون أن ذلك منقصة وأنه شيء يسقطهم في المجتمع، فكثير من الناس لا يذهبون ولا يريدون الذهاب، بل لا يريدون المواجهة أصلاً.

المشكلات التي نسمعها في كل يوم لا أبالغ إذا قلت: إن خمساً وتسعين بالمائة من المشاكل التي أسمعها كل يوم هي في قضايا تتعلق بالمشكلات الأسرية من طلاق وتحريم ومشادات وغير ذلك من الأمور التي يفعلها هؤلاء الناس، وأصعب القضايا على هؤلاء الناس إذا قلت لهم: اذهبوا إلى المحكمة وأثبتوا هذه الأقوال عند القاضي، هذا شيء يصعب عليهم، ويثقل على أنفسهم، ويبررون ذلك بمبررات عدة، فبعضهم يقول: لا أريد أن أفضح نفسي، وبعضهم يقول: لا داعي أن أذهب بالزوجة، وبعضهم يقول غير ذلك.

وتوجد كثير من الحالات والقضايا التي لا يعترف الزوج بها، ونحن نعرف حالات نسمعها، كأن يكون الرجل طلق امرأته خمس طلقات ولا زالت عنده، ومنهم من طلقها ثلاث طلقات ومع ذلك لا زالت عنده يعاشرها، وبعضهم يطلق امرأته برسالة في الفاكس، ثم يقول: إن الطلاق في الفاكس لا يقع، ثم هو يعاشرها، وبعضهم يحرم امرأته عليه، وبعضهم يفعل أشياء من هذا القبيل، ويقول أشياء من هذا القبيل، ومع ذلك يعاشر المرأة، ويكذب على الله، ويكذب عليها، ويستحل بضعها بحجة أن هذه الأمور لا تقع، أو أنها لا تؤثر إذا كانت مكتوبة بالفاكس.

نحن نطرح هذا الموضوع أيضاً رغبة في المساهمة في تخفيف وطأة هذه المشكلة في المجتمع بين أبناء المسلمين، ونسأل الله أن يجعل هذا الكلام نافعاً خالصاً لوجهه الكريم، وأن يبارك في الجهود التي تبذل في هذا السبيل، علّ ذلك أن يكون سبباً في تخفيف هذه المشكلة، وهذه القضية الكبيرة التي ينبغي أن تتضافر جهود المخلصين لحلها، والقضاء عليها قدر الإمكان.

ثم أيضاً أرجو أن يكون هذا الكلام سبباً لتبصير الإخوة جميعاً ممن ليس لديهم مشكلات أيضاً، بل ممن لم يدخل في عالم الزواج؛ لأنه إذا عرف منابت الشر وعرف أسباب الشر فإنه يعرف كيف يتعامل مع هذه القضايا، فيعرف الأمور التي تورث الألم، والأمور التي تجرح، والأمور التي لا تندمل، والأمور التي تكون مؤثرة غاية التأثير بين الزوجين، فيتدارك ذلك، ولا يقع فيه، والأمر كما قيل: "الوقاية خير من العلاج".

وهذه الأمور التي أذكرها أذكر معها الأشياء التي تكون تعريفاً بوجه الصواب فيها والموقف الصحيح معها، فحينما أذكر المشكلة أذكر ما هو الموقف الصحيح ضمناً؛ ليتعرف الإنسان على الحق فيتبع ذلك، ويتعرف على الباطل أيضاً فيجتنب ذلك.

إن هذه المشكلات تؤثر تأثيراً عميقاً من جهات عدة، فإذا وقعت هذه المشكلة بين الرجل وبين امرأته فإنها تؤثر في نفس كل واحد منهما فيشتغل القلب، وإذا اشتغل القلب لا تسأل عن حاله، فإن اشتغال القلب يورث أموراً ضارة، ومن ذلك ضعف القلب وانصرافه عن ربه -تبارك وتعالى- وعن الأمر الذي هو بصدده، وعن الأمر الذي خلق من أجله، وهو تحقيق العبودية لله رب العالمين، فإذا وقعت مشكلة بين إنسان وبين امرأته فإن هذا القلب يعصره الألم ثم يشغله ذلك عن الأمور النافعة التي كان ينبغي أن يوجه قوى القلب للاشتغال بها، والنظر فيها، فيبقى هذا الإنسان مفكراً، مطرقاً، متأملاً، شارداً عن الناس، لا يسمع حديثهم ولا يشاركهم في معنىً من المعاني؛ لأنه يعاني من مشكلة تعج في داخله وتحرق قلبه.

ثم أيضاً إذا اشتغل هذا القلب تتابعت عليه الهموم، ومعلوم أن الهموم إذا تتابعت على القلب فإنها تضعف قواه، ومعلوم أن الحزن يورث ضعفاً في قلب الإنسان، وعجزاً في قوى القلب، ومعلوم أن الحزن في أمور الدنيا ليس بمطلوب، إنما يحمد في شيء واحد فقط، وهو الحزن من الآخرة، الحزن من الذنوب والمعاصي، الخوف من الخاتمة السيئة، هذا الشيء الوحيد الذي يحمد فيه الحزن، أما أن يحزن الإنسان على أمور الدنيا، ويحزن بسبب المشكلات الواقعة بينه وبين أهله، أو نحو ذلك فإن هذا أمرٌ ليس بمحمود إطلاقاً، وإنما يكون سبباً لصرف الإنسان عن الأمور النافعة؛ لأن الحزنَ إذا تتابع على القلب والهمَّ إذا أشغله فإن هذا الحزن يكون سبباً لفوات كثير من العلم، وسبباً لفوات كثير من الخير.

وقد سئل الإمام الشعبي -رحمه الله- وهو العالم الإمام المعروف من علماء التابعين، كان يحفظ كثيراً من متون العلم والشعر، وكان يقول: "أقل ما أحفظه الشعر، وإن شئتم لحدثتكم شهراً لا أعيد بيتاً "، هذا أقل المحفوظات، لو شئتم لحدثتكم شهراً، لا أعيد بيتاً، فلما سئل كيف حصلت هذا العلم؟ قال: "بطرد الهم".

وهذا يبين هذا الأمر ويجليه؛ حيث إن الإنسان الذي يحمل هموماً كثيرة وأحزاناً وآلاماً ومشكلات فإنه لا يصلح لتحصيل العلوم النافعة.

ثم إن هذا أيضاً يورث أمراضاً مزمنة وأمراضاً قد لا يجد الأطباء لها علاجاً، ومن ذلك القلق والاكتئاب وغير ذلك من الأمور التي أعيا الأطباء علاجها، ومن ذلك أيضاً أن الهم إذا تتابع على القلب وكثر فيه الحزن فإنه يكون سبباً لفشل الإنسان، فإن كان طالب علم انقطع عن التعلم، وإن كان طالباً في المدرسة أو في الجامعة، أو كان في مجال تحضير الدراسات العليا فإنه ينقطع عن ذلك ويتعثر، وإذا كان هذا الإنسان داعية إلى الله فإنه يتخلى عن دعوته وينقطع عما هو بصدده -كما هو مشاهد-، وقد لا يشعر الآخرون بمشكلة هذا الإنسان ويتعجبون من سبب انقطاعه، والواقع أنه إنما انقطع بسبب هذه المشكلة التي تعصف في بيته وتعصف بقلبه، فتفرقت همومه وكثرت آلامه وأحزانه.

ومن الأمور التي تؤثرها هذه المشكلات أيضاً وقوع الجفوة بين الزوجين، بل أقول: وقوع البغض والكراهية، وكم سمعت من امرأة تسأل عن زوجها: هل يجوز أن تدعو عليه بالموت العاجل! وكم سمعت رجلاً يخبر أنه يدعو على امرأته بالموت في سجوده!

إن من أصعب الأشياء أن يكون وجود الإنسان هماً على الآخرين، بل على أقرب الناس إليه لا يحتملونه ويتمنون فراقه.

معلوم أن المرأة لها مكانة عند زوجها والرجل له مكانة عند امرأته، ولربما فقدت المرأة أخاها أو أباها وصبرت على ذلك؛ ولكنها قد لا تحتمل فراق الزوج، فكيف إذا بلغ الأمر بأنها تتمنى موته؟! بل تدعو ربها أن يُميت هذا الزوج؛ لأنه أبى أن يطلقها، أو أنها لا تريد الطلاق؛ لأن لها أولاداً إن طلقها فسيأخذهم من يدها وهي لا تستطيع فراقهم.

فأقول: حينما يكون الإنسان عبئاً على الآخرين يحملون همه ويضيقون بوجوده ويتمنون فراقه فهذا أمر صعب على النفس، فالمؤمن يألف ويؤلف، إذا رآه الناس أحبوه، الأبعدون الذين لا يعرفون اسمه إذا قابلوه فإنهم يحبونه ويطمئنون إليه وتنشرح صدورهم لرؤيته، فكيف بالناس الذين هم أقرب الناس إليه؟! لا شك أنهم أشد محبة لهذا الإنسان وسروراً وبهجة برؤيته ولقائه.

فأقول: إنه إذا انقلبت الحال وانعكست وصار وجوده عبئاً ثقيلاً على أهله فهذا أمر صعب.

ومن الأمور التي تؤثرها هذه المشكلات الواقعة بين الزوجين -كما هو متواتر ومشاهد ومعروف- فرار الزوج من البيت، فالرجل إذا رأى في هذا البيت مشكلة أو رأى المرأة في حال لا تسر أو أبغضها أو وقعت النفرة بينه وبينها فإنه لا يتحمل هذا البيت، فيحب أن يشغل نفسه في أي مكان، يحب أن يسافر، وكم رأيت من رجال هم طلبوا أن يكون عملهم في خارج البلد من أجل مفارقة هذه الزوجة، من أجل أن لا يراها ولا تراه، كم رأيت من أناس يبحثون عن أسباب ليسافروا هنا وهناك لا لشيء ولا لعمل؛ وإنما من أجل مفارقة هذه الزوجة، كم رأينا من رجال يتمنى الواحد منهم أن يقضي وقته بين أصحابه هنا وهناك ولا يرجع إلى بيته إلا وقد نامت هذه الزوجة التي صارت عبئاً ثقيلاً على قلبه؛ لأنه نفر منها وأبغضها ولم يطمئن إليها، فكم تضيع على هؤلاء الناس من أوقات، وكم تضيع عليهم من مصالح بسبب هذه الجفوة، بسبب هذا البغض بين الزوجين!

وأخيراً الأمر الذي يقع غالباً هو انفراط عقد الزوجية، وانهدام هذا البيت الذي كوّنه هذا الإنسان وزوجته، وهذا هو الغالب وقوعاً للأسف الشديد.

فأقول: هذه آثار واضحة وواقعية لهذه المشكلات، وأنا في حديثي أرجو أن يكون الحديث مربوطاً بالأمور الواقعية بعيداً عن الأمور النظرية، فالكتابات في قضايا المشكلات الأسرية كثيرة جداً، ولكن يغلب عليها الطابع النظري، والذين تكلموا أيضاً في هذه القضايا بعضهم تكلم بكلام واقعي؛ لكنه هبط فيه كثيراً، وقال فيه كلاماً مُسفاً، لا يليق أن ينزل الإنسان إليه، فأرجو أن يكون الحديث في هذه القضايا مزموماً بزمام الشرع، ومضبوطاً بضوابطه وقواعده.

أقول: حينما نلقي نظرة فاحصة على أسباب المشكلات الواقعة بين الزوجين نجد أنها كثيرة ومتشعبة، ويمكن أن نلقي الضوء في هذه الليلة على واحد منها، أو على جزء من واحد منها، فأقول:

أولاً: قد يكون أساس الإشكال وبذرة الداء إنما هي في سوء الاختيار، يكمن ذلك في سوء الاختيار من الزوج أو من الزوجة ابتداءً، أما من جهة الرجل -من جهة الزوج- فذلك من جهات عدة: فتارة يكون ذلك بسبب داعيه إلى النكاح، والنبي ﷺ كما أخرج الشيخان في صحيحيهما قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))([1]) ، فالأسباب الداعية للنكاح هي  المال والجمال والدين والحسب.

وإذا تأملنا في هذا الحديث، وتأملنا في مراعاة هذه الخصال من قبل الأزواج فنقول: التزوج رغبةً في المال ما هو أثره؟

له آثار مدمرة، فالمرأة إذا كانت غنية قد تُدْلي على هذا الزوج وتترفع عليه، وتشمخ بأنفها، وترى أنها أفضل وأعلى منزلة من هذا الزوج الفقير المحتاج، هذه واحدة.

وأمر آخر: وهو أن الرجل إذا أخذ من امرأته شيئاً فإن ذلك يضعف القوامة، والله يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [(34) سورة النساء]، فالقوامة قائمة على أصلين كبيرين مهمين، قائمة على رِجْلين: الأولى: وهي ما فضل الله به الرجل من إمكانات عقلية وبدنية حيث فُضل على المرأة، والأمر الثاني: هو الإنفاق، ومعلوم أن الإنفاق يسود به الإنسان.

لولا المشقةُ ساد الناسُ كلُّهُمُ
 

 

الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتّالُ
 

فالإنسان الذي يكون منفقاً حتى على رفقته في السفر ما هي نتيجة هذا الإنفاق؟ أنه هو الشخص المقدم، وأنه هو الشخص الذي يسود بين رفقته وأصحابه، وهذا أمر مشاهد في حياة الناس.

فالإنسان الذي ينفق على بيته هو السيد، فإذا كانت المرأة هي التي تنفق أو مد الرجل يده إلى امرأته وأخذ منها فماذا تكون النتيجة؟

تكون النتيجة أن المرأة ترتفع فتكون نداً لهذا الرجل، وإذا كانت المرأة نداً لهذا الرجل فلا تسأل عن آثار ذلك، فهو إذا كلمها في شيء قالت: هل طلبت منك في يوم قط؟ إن شئتَ أعطيتُك، وإذا وجهها بتوجيه قالت: لم أحتج إليك قط، وإذا وصل الأمر معها إلى خصومة أبت ووقفت وعاندت غاية المعاندة، واحتجت بأنها مستغنية عن هذا الزوج، وأن لديها مالاً، فهو الذي قد يحتاج إليها لا أنها هي التي تحتاج إليه.

فالمرأة تترجل في كثير من الأحيان بسبب هذه القضية، فهي تملك رصيداً في البنك، وتملك بطاقة صرافة، ولربما بطاقات أخرى، والزوج ليس له إلا أن يكون كالسائق يذهب بها إلى الأسواق، ويذهب بها حيث شاءت، ولربما إلى المطاعم العائلية؛ من أجل أن تطعمه لوناً من المأكولات، وهكذا تسيّره يمنة ويسرة، وهو لا يستطيع أن يرفع رأسه؛ لأنه يمد يده إليها، ((واليد العليا خير من اليد السفلى))([2])، كما أخبر بذلك النبي   –ﷺ.

فهذا الأمر يضعف قوامة الرجل، فإذا ضعفت قوامة الرجل ارتفعت مكانة المرأة وقويت، وإذا قويت المرأة صارت نداً للرجل، والسفينة لا يقودها إلا قائد واحد، فإذا قادها اثنان هذا يذهب يميناً وهذا يذهب شمالاً غرقت السفينة، هذه مشكلة متفاقمة تقع في كثير من الأحيان.

ثم أيضاً هو حينما تزوجها من أجل المال ما تزوجها من أجل أن يتفرج على مالها، ولكن من أجل أن يأخذ من مالها، فإذا أبت أن تعطيه فإنه يغضب ويخاصم هذه المرأة، بل لربما اعتدى عليها وضربها.

ونحن نسمع ونرى في كثير من المشكلات لربما ذهبت المرأة إلى مدرستها والدم يسيل من رأسها؛ لأنه ضربها في ذلك اليوم من أجل الراتب، كثير من النساء يشكين شكوى مُرَّة من الأزواج؛ لأن هؤلاء الأزواج لا يتقون الله، فاليوم الذي يكون فيه الراتب هو يوم المشكلة، فيأخذ راتبها جميعاً، ويستولي عليه، ثم تطالبه المسكينة بأن يُبقي عندها خمسمائة ريال من أجل أن تهدي إذا احتاجت إلى إهداء، أو تشتري بعض ما تحتاج إليه ويأبى، ولربما فرض بعضهم نفسه عليها في هذه القضايا فطالبها أن تثبت كل شيء، وأن تستأذنه في كل شيء، وأن تخبره بكل شيء حتى إنها لو اشترت في المدرسة قطعة من الخبز أو عصيراً أو نحو ذلك يريد منها أن تخبره بهذه المشتريات الحقيرة التي لا يخبره حتى أطفاله عن شرائها، مع أن هذه المرأة إنما اشترت بمالها، فما الذي سلطه عليها؟ وما الذي سلطه على مالها؟

فالحاصل أن هذا الراتب -أو هذا المال- صار سبباً للمشاكل الضارية بين الزوجين، فبعضهم يقول للمرأة بكل وقاحة: أسترد المهر أولاً، سددي هذا المهر الذي دفعته لك والنفقات والخسائر، ثم بعد ذلك نستطيع أن نتفاهم على باقي المرتبات.

إذا كان تزوج هذه المرأة وأعطاها هذا المهر قرضاً فإن هذا الزواج فيه نظر؛ لأنه لم يدفع مهراً على سبيل التمليك، فما الذي يحلل له أن يأخذ ريالاً واحداً من هذه المرأة؟

إنما هو الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، أما المشاكل التي نسمعها في كل يوم فإنه لا يمر يوم واحد ما أسمع مشاكل كثيرة جداً بسبب هذه القضايا المالية، لماذا؟ وما الذي أذل الرجال إلى هذا الحد؟

بل سمعت أمثالاً قبيحة في غاية القبح لا أستطيع أن أذكرها يتمثل بها بعض السفهاء، وذلك في التزوج من المرأة التي يكون عندها راتب.

ثم أيضاً إذا ذهب هذا المال ما الذي يحصل؟ لم يبقَ شيء يبرر له البقاء مع هذه المرأة، أخذها من أجل المال فذهب المال، إذن لا معنى لها عنده ولا قيمة لها في نفسه، والله المستعان.

ثم أيضاً إذا تزوج الرجل امرأة غنية وهو فقير فهو لابد أن ينفق عليها بالمعروف، فينفق عليها النفقة الملائمة لها -لبيئتها التي جاءت منها-، ما يأخذ امرأة من قصر ثم يسكنها في خيمة.

وهناك أمور أخرى أذكرها في مرة قادمة، أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

[1] - أخرجه البخاري في كتاب: النكاح – باب: الأكفاء في الدين (4802) (ج 5 / ص 1958)، ومسلم في كتاب: الرضاع - باب: استحباب نكاح ذات الدين (1466) (ج 2 / ص 1086).

[2] - أخرجه البخاري في كتاب: النفقات – باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال (5040) (ج 5 / ص 2048)، ومسلم في كتاب: الزكاة – باب: بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة (1036) (ج 2 / ص 718).

مواد ذات صلة