الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
قضية المهر وإخفاء بعض العيوب
تاريخ النشر: ١٢ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 4405
مرات الإستماع: 5262

قضية المهر وإخفاء بعض العيوب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا زلنا نتحدث عن أسباب المشكلات بين الزوجين، وذكرنا سببين واليوم نذكر ما تيسر من أسباب ذلك من أجل أن نتفادى هذه الأمور، لئلا نقع فيها، فمن ذلك غلاء المهر وتكاليف الزواج الباهظة التي يشترطها أهل الزوجة، فهذا الزوج لربما ركبته الديون، ولربما أنفق ما يملك، ولربما باع بعض ممتلكاته؛ من أجل أن يوفر هذا المال، فهذا المال الذي جمعه في سنوات طويلة جداً تزوج به هذه المرأة، فهو تزوجها بعد جهد جهيد، بعد أن جمع وتعب وحصّل وتكلف تكلفاً عظيماً، فإذا كان الزوج بهذه المثابة فهو إذن لن يتحمل من هذه الزوجة أدنى نقص وأدنى تقصير؛ لأنه يشعر أن هذا المال الذي دفعه مغرم، وأن هذه الزوجة ينبغي أن تكون في المنزلة العليا في كل جانب، فلا يبدر منها شيء من الخلل والتقصير الذي يعذر به الإنسان أو لا يعذر، فهذا الزوج ينظر إليها بنظرة فاحصة لا يفوّت قليلاً ولا كثيراً ولا يتنازل عن حق من حقوقه؛ لأنه يشعر أنه دفع الكثير، فينبغي أن تكون هذه الزوجة على المستوى الأمثل وإلا فلن يغفر لها هذا الخطأ، ولن يغفر لها هذا التقصير، ومن هنا تبدأ المشكلات وتكثر الملحوظات، فهو يقارن ويحسب حساباته، ويرى أنه قد قدم الكثير وأن هذه الزوجة ليست بمنزلة هذه الأتعاب والأموال التي قدمها، ولهذا صح عن النبي ﷺ: ((أعظم النساء بركة أيسرهن مُؤْنة))([1])، فكلما قل مهر المرأة كلما كان ذلك أيسر في نفس الزوج وأكثر بركة على هذا الزوج، ثم هذا الزوج سيشعر أن لهذه المرأة ولأهلها يداً عليه، فهو إن كان كريماً فإنه سيقدر هذا المعروف، وسيقدر هذه المراعاة التي راعاها أولياء هذه المرأة لهذا الزوج الذي تقدم لابنتهم، فأقول: هذه قضية ليست سهلة، فينبغي أن يُعتنى بها.

ومن أسباب هذه المشكلات أيضاً: إخفاء بعض العيوب لاسيما عند الزوجة، فلربما تعمدت الزوجة أو تعمد أهلها أن يخفوا بعض العيوب المعتبرة لدى الرجال، فالرجل لديه شيء من الحساسية لا تخفى تجاه هذه المرأة إذا رأى أنها تتناول نوعاً من الأدوية بشكل مستمر، فهو يتساءل ما هذا الدواء؟ ولماذا؟ وما هي العلة؟ فإذا اكتشف أن بها مرضاً مزمناً، أو مرضاً وراثياً، أو فيها تشويها في الخلقة كأن يكون آثار حروق أو نحو ذلك فإن هذا الزوج لربما ينقبض منها ويشعر أنه خُدع، ومن أصعب الأشياء لدى الإنسان أن يشعر أنه استُغفل، ولو كان هذا الاستغفال يسيراً، فالإنسان إذا شعر أنه خدع وأنه استغفل وأنه استجر إلى أمر لم ينتبه له ولم يتفطن له لربما سعى إلى الخروج منه بكل ما استطاع، مع أن هذه المرأة لو قيل لهذا الرجل منذ البداية: هذه المرأة تعاني من كذا وكذا لربما قبل، وكذلك المرأة لربما زهدت بهذا الرجل وسقط من عينها؛ لأنها اكتشفت مثلاً أنه سبق أن تزوج وطلق ولم يخبرهم، كأنه حديث عهد بالزواج، مع أن هذا لا يؤثر بالرجل، لكن المرأة تريد أن تعرف هذه القضية، فإذا اكتشفت ذلك فيما بعد نفرت من هذا الرجل غالباً، ولربما شعرت أنه خدعها ولربما بدأت تفكر تفكيراً جاداً أن تذهب إلى أهلها، وتترك هذا الزوج وبيته.

فأقول: لا داعي لإخفاء هذه الأمور التي يهتم بها الناس، بل يقال: هذه المرأة تعاني من كذا وكذا وكذا، وهذا الرجل الذي تقدم يخبرهم أنه سبق أن تزوج وطلق، ويذكر لهم سبب هذا الطلاق، فلا داعي للإخفاء ليبقى الطرف الآخر -في زعمهم- فيما بعد أمام الأمر الواقع، وهم في الواقع لا يورطون هذا الشخص، وإنما يورطون أنفسهم ويورطون ابنتهم، فالنتيجة غالباً تكون في أن يفارق هذا الرجل هذه البنت، أو أنه يمسكها على بغض وكراهية وامتعاض واشمئزاز ونفور، ومن الذي يرضى هذا لابنته؟!.

ومن أسباب المشكلات أيضاً: أن كثيراً من هؤلاء الشباب -لاسيما من كان جاداً حريصاً على معالي الأمور حريصاً على طاعة الله وعلى طلب العلم وعلى القراءة- يتصور أن عالم النساء كعالم الرجال، فهو يريد أن يتزوج امرأة في نظرته مثل فلان الذي هو من أصدقائه، من أصحابه، فهو في العبادة ما شاء الله، وفي طلب العلم ما شاء الله، وفي الأدب والأخلاق ما شاء الله، فهو في نظره يتصور أن النساء مثل الرجال، فهو يقيس على أمثل من يعرف من الرجال، ثم يتزوج هذه المرأة ويقال له مثلاً: إنها طالبة علم، وإنها متدينة، فإذا عاش معها وجد أنها ضعيفة أضعف بكثير مما كان يتصور، فالنظرة المثالية للمرأة عند كثير من الرجال تسبب مشاكل كثيرة جداً، فلابد من معرفة طبيعة المرأة، وأن المرأة عموماً هي أضعف من الرجل، ثم أنت ماذا تريد من المرأة؟ تريد امرأة صالحة تحفظك في غيبتك، وتحفظ أولادك وتربيهم تربية صالحة، هذا الذي يريده الرجل من المرأة، فلماذا التعنت والنظرة المثالية؟ يريد أن تستغل كل لحظة من لحظاتها في طلب العلم، والقراءة، وسماع الدروس العلمية وما إلى ذلك.

المرأة إذا حملت ضعفت وكثر نومها وتأخرت لربما ما تستيقظ إلا قريباً من الظهر، وهو يريد امرأة تجلس من بعد صلاة الفجر في برنامج جاد يومياً!!

ويريد امرأة تقوم الليل معه، نعم هي تقوم الليل معك أسبوعاً والأسبوع الثاني والثالث، ثم بعد ذلك يغلبها النوم غالباً، إلا من رحم الله فهذه أمانٍ وأحلام وأوهام لا ينبغي للإنسان أن يسترسل معها كثيراً، وإنما على الإنسان أن يكون واقعياً في نظرته، ينظر ما الذي يحتاج الرجال إليه، ماذا يريد من هذه الزوجة دون الذهاب بعيداً إلى أمور بعيدة عن الواقع.

وكذلك المرأة، فبعض النساء أحياناً تقدم بها السن، عمرها ثلاثون سنة ماذا تريدين؟ تقول: أريد طالب علم وإنساناً مستقيماً على طاعة الله وعلى مستوى، من أين نأتي لك بواحد يجمع بين هذه الأمور؟ طاعة الله والاجتهاد في العبادة ويكون أيضاً طالب علم متميزاً، فهذا نادر جداً، فينبغي أن ترضي بشخص من هؤلاء الصالحين الأخيار تتعاونين معه على طاعة الله وعلى تكوين أسرة وبيت وأولاد ونحو ذلك، أما هذه الشروط المجحفة، والشروط التي يندر أن توجد فهذه لا داعي لأن يتشبث الإنسان بها، ثم بعد ذلك يفوت هذه المرأة قطارُ الزواج كما يقال.

ومن أسباب المشكلات أيضاً -وهذا يقع كثيراً-: أن الرجل لاسيما من ليست له تجارب سابقة -يعني هذه هي الزوجة الأولى- يتزوج هذه المرأة فيندفع في أول الزواج، فيدلل زوجته كثيراً، ونسمع عن بعض الأزواج أحياناً تقول عنه زوجته: إنه أول ما تزوجها أعطاها بطاقة صرافة، فتأخذ ما تشاء من أمواله، ولا يرد لها طلباً، وتذهب حيث شاءت، لأهلها ولصديقاتها وللأسواق وغير ذلك، ولربما قبَّل رجلها -كما تقول بعض النساء- إذا غضبت أو أظهرت له أنها تبكي أو أنها متضايقة من فعل فعله أو نحو ذلك، نعم يقبّل رجلها ويقبل رأسها ويقبل يديها، وهذه ليست أحلاماً بل هذه أشياء موجودة وواقعية، فهذا الرجل يدللها كثيراً ويعطيها كل ما تريد، ثم بعد ذلك حينما يذهب هذا الاندفاع الذي كان أول الزواج ويريد أن يتراجع حينما يرى آثار هذا التدليل، فهذا كله يسبب له مشاكل كثيرة.

وكما هو معروف كما في قصة الشعبي -رحمه الله- حينما تزوج امرأة من نجد من بني تميم، والقصة مشهورة ومعروفة وفيها الوصايا التي أوصت بها الأم فكان مما قالت: "أسوأ ما تكون المرأة خلقاً إذا حظيت عند الزوج، وإذا ولدت الولد الذكر"، فكيف إذا أغدق عليها التدليل والأموال وغير ذلك؟

فنحن نقول: التوسط والاعتدال في كل الأمور مطلوب، فكون الإنسان يدلل في أول الأمر، ثم بعد ذلك يريد أن يحجم هذا يصعب جداً، ثم تقع مشاكل وتقع ردود أفعال، وأمور لا تحمد عقباها، فالتوسط في كل الأمور هو الاعتدال.

وكذلك الإنسان لا ينبغي له أن يتكلف في شيء من الأشياء بل يبقى على سجيته وطبيعته، ونحن نعرف في بعض البلاد أن الزوج إذا دخل على زوجته في أول ليلة ماذا يصنع؟ يمسك هرة حية، ثم يقطع رأسها أمام الزوجة؛ ليظهر لها أنه شديد، وأنه قوي وأنه لا يرحم.

وأحدهم أخبرني أن زوجته في ليلة الدخول قالت له: "أبغى ماما" لربما تريد أن تتدلل عليه، يقول: فصككتها صكة على وجهها! هو يريد أن يظهر لها أن بأسه شديد، وأنه قوي، وأنه حازم، ولربما كان هذا تصوراً عند بعض الرجال.

وقد سمعت أحد هؤلاء المُقطِّبين يقول: الطالب والمرأة لا يمكن أن تُظهر لهم أدنى بشاشة، وأدنى طلاقة في الوجه، وأدنى إحسان في التعامل، فعجبت من هذا الإنسان ومن عقله، ورثيت لأهله، كيف تكون زوجته معه في البيت؟ أعوذ بالله، وأنا رأيته كيف يعامل الطلاب معاملة سيئة جداً، إذا تأخر الطالب قليلاً فهو لا ينظر في وجه الطالب بل يدفع الباب في وجهه دفعاً فلا يترك أحداً يدخل بعده، ومعه حقيبة -كأني أراه الآن- إذا أراد أن يفتحها يفتحها ربع فتحة ثم ينظر هكذا، لا يريد أن يفتح الحقيبة أمام الطلاب، وكأنها ما شاء الله تحوي كنوز الأولين والآخرين.

فأقول: التصرفات هذه خطأ، فالإنسان إذا كان مدرساً فإنه إذا دخل على الطلاب يدخل على سجيته، وستظهر الأيام حاله وشخصيته الطبيعية، والزوج إذا دخل يكون على سجيته، لا داعي للإفراط ولا في داعٍ للتفريط، يبقى الإنسان، ويتلطف بعض التلطف، ويحسن بعض الإحسان، فهذه من القضايا المهمة، والموضوع بقي فيه أشياء نتطرق إليها في دروس قادمة، فأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

[1]- أخرجه أحمد (25162) (ج 6 /  ص 145)، والحاكم بلفظ: ((أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً)) (ج2 / ص 194)، وضعفه الألباني بلفظيْه في ضعيف الجامع حديث رقم: (962) و(2931).

مواد ذات صلة