الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
نظرات في كتب التفسير (4) تتمة التعريف بكتب التفسير
تاريخ النشر: ١٩ / جمادى الآخرة / ١٤٢٨
التحميل: 9377
مرات الإستماع: 8076

لا يوجد كتاب من كتب التفسير يخلو من ملاحظة لا تفسير ابن جرير، ولا تفسير ابن كثير، فكل كتاب لابد فيه من نقص، وكل متكلم لو كتب لوجد في كتابته من العيوب والنقص الشيء الكثير، والله يحب العدل والإنصاف، والماء إذا بلغ القلّتين لم يحمل الخبث، والشوكاني -رحمه الله- في تفسيره خالف السلف في جملة من الصفات مثل تفسير اليد والنفس والفوقية والمكر، وأيضاً في كلامه على صفة الرضا والمحبة، وكلامه على اسم الله الودود، والعجيب أن الشيخ حمد العتيق -رحمه الله- له رسالة كتبها للشيخ صديق حسن خان رسالة لطيفة، رسالة يعني يثني عليه وعلى كتابه فتح البيان ويقول: إنه لما وقع في أيدينا كالمطر الذي وقع على الأرض العطشى، ولطالما انتظرناه وتلقفناه فقرأناه من أوله إلى آخره، ولكن وقفنا فيه على أشياء استغربناها، ولعل الطلاب والتلاميذ استعجلوكم في إخراجه فإنه من عادة أهل العلم أن يحبسوا الكتاب عندهم سنين ثم بعد ذلك يعيدون النظر فيه مرة بعد مرة، وينقحونه ثم يخرجونه، أو لعلكم أحسنتم الظن في بعض من نقلتم عنه، والواقع أن صديق حسن خان دخلت عليه هذه الأشياء مع أن صديق حسن خان من أكبر المنافحين عن عقيدة أهل السنة، والدعوة إلى منهج السلف الصالح في القارة الهندية، فدخلت عليه هذه الأشياء من تفسير الشوكاني لنقله من فتح القدير، فالبيئة التي يعيش فيها الإنسان لها أثر كبير عليه، ولذلك تجد جملة من المتأخرين من الحنابلة في بلاد الشام عندهم أشياء في القضايا الكلامية، وتجد عندهم أشياء صوفية حتى من ألف في الاعتقاد لم يستطع أن يتخلص منها في بعض العبارات، والكمال لله ، واختصرالكتاب الشيخ محمد الأشقر في "زبدة التفسير"، وهذا المختصر نفع الله به نفعاً كبيراً، وسد ثغرة حيث كان الناس عالة على تفسير الجلالين، والعامة لا يميزون في قضايا الاعتقاد، وتفسير الجلالين جيد إلا أنه في جانب الاعتقاد على عقيدة الأشاعرة، وقد تخلص من هذه القضايا المتعلقة بالاعتقاد الموجودة في تفسير الشوكاني، فالعقيدة فيه سليمة ولا إشكال، ومن ناحية الصياغة والاختيار معروف أن العلماء والسلف يفسرون الآية بالمثال، ويفسرون بالمعنى، والأكمل والأفضل أن تصاغ العبارة بطريقة تشمل الأقوال التي يذكرونها بحيث تكون عبارة ضافية تستوعب هذه المعاني التي عبروا عن بعض منها، وتجدها في بعض الآثار المنقولة عنهم، والمختصر لم يراعِ هذا الجانب تماماً، فكان يختار بعض العبارات ويعتمدها، وهذه العبارة تعبر عن جزء من المعنى ومعنى الآية أوسع من هذا، فالمختصر لم يراعِ هذه القضية، ولذلك عبارة الكتاب أدق وأفضل وأضفى في المعنى، والكتاب يحتاج إلى إعادة صياغة، وكنت كتبت ورقات في هذا للمؤلف لكن قدر الله أنها لم تصل إليه، وقد أكون مخطئاً في أن ما لا يقل عن سبعين بالمائة يحتاج إلى إعادة صياغة بالطريقة التي ذكرتها، بخلاف التفسير الميسر طبعة مجمع الملك فهد –المصحف- في المدينة فإنهم راعوا هذا الجانب تماماً، وهذه من أفضل المزايا في هذا الكتاب عبارة ضافية مع أنهم اعتمدوا بالدرجة الأولى على كلام ابن كثير، وعبارة ابن جرير، وابن سعدي هذا ملاحظ لمن تتبع الكتاب وقارنه بالكتب الأخرى، بل يعبرون أحياناً بنفس عبارة ابن كثير، وأحياناً نصاً بعبارة ابن جرير، أو عبارة ابن سعدي، ثم اختصر زبدة التفسير بمختصر أكثر اختصاراً أشبه بالكلمات اسمه "نفح العبير في اختصار زبدة التفسير" في كتيب، وهو سد ثغرة، لكن كتاب التفسير الميسر أفضل منه وإن كان فيه اختلاف بعض الشيء، فتفسير الميسر له صبغة التفسير الإجمالي مع مراعاة المعاني الغريبة أو الألفاظ الغريبة، فتجدها في ضمن الكلام تفهمها، بينما زبدة التفسير ليس من هذا القبيل وإنما هو مختصر يختار قولاً واحداً، ومن الكتب البحر المحيط لأثير الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي المتوفى بمصر سنة 745هـ، وطريقة المؤلف في هذا الكتاب أنه يكثر ويتوسع في القضايا النحوية، ولهذا هذه السمة بارزة في الكتاب حتى عُد كتابه من الكتب التي تعنى بالإعراب والنحو، مع أن كتابه لا يقتصر على الإعرابات بل يذكر غيرها، فيذكر المعاني اللغوية، والبلاغية، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، ويوجه القراءات بل يذكر حتى الأحكام فهو كتاب تفسير إلا أن الصنعة الغالبة عليه هي النحو، والرجل كان من العلماء الكبار من أهل الاختصاص في النحو حتى إنه كان يعظم سيبويه ويحبه محبة شديدة، ولما قدم شيخ الإسلام ابن تيمية  -رحمه الله- إلى مصر احتفى به وكان يعظم شيخ الإسلام ويحبه وبهره سعة اطلاع شيخ الإسلام، وعلو شيخ الإسلام وجرت بينه وبين شيخ الإسلام مناقشة في مسألة في النحو، ومعلوم أن شيخ الإسلام ينتقد سيبويه في كتابه الكتاب في مواضع وينتقد النحاة عموماً في أشياء كثيرة، له آراء في النحو، والشاهد أن أبا حيان قال لشيخ الإسلام: هذا كلام سيبويه فغضب شيخ الإسلام وكان فيه حدة -رحمه الله- فقال: وهل سيبويه نبي النحو؟ في كتاب سيبويه أكثر من ثمانين خطأً لا تعرفها أنت ولا سيبويه، فغضب أبو حيان وكان هذا سبباً للوحشة والجفوة بينهما، وعظم ذلك عليه، وكتاب البحر المحيط ينقل عن ابن عطية والزمخشري ويناقشهما، وينقل كثيراً عن ابن النقيض من كتاب له اسمه "التحرير والتحذير لأقوال أئمة التفسير"، والكتاب مطبوع في بعض الطبعات ثمانية مجلدات، فهو كتاب من كتب التفسير لكنه يُعنى بالدرجة الأولى بما يتعلق بالإعراب، والذي يريد أن يرجع إلى القضايا النحوية والإعرابية فهذا من الكتب التي تتوسع في هذا الجانب، وهناك كتاب آخر جاء بعده هو كتاب "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" للسمين الحلبي أحمد بن يوسف المتوفى سنة 756هـ، وهذا الكتاب مؤلفه معاصر لأبي حيان، لكن هذا الكتاب أوسع بكثير من كتاب أبي حيان، فتجد مثلاً قضايا الإعراب إذا رجعت إلي إعراب آية في كتاب أبي حيان قد تجد الوجهين والثلاثة ونحو ذلك في إعرابها، وإذا رجعت إلى الدر المصون تجد سبعة أوجه، أو ثمانية أوجه، يعني ما ذكره أبو حيان وزيادة، حققه الدكتور أحمد الخراط، بتحقيق جيد، وطبع في أحد عشر مجلداً مع الفهارس، وكثير من القضايا بالنسبة للإعرابات توجد فيه بتوسع وتجد فيه القراءات وتوجيهها وفيه المعاني اللغوية، وهذا الكتاب يعنى بقضايا الاشتقاق، وما يتصل بأصول الكلمات، وما ترجع إليه مما يتعلق بعلم التصريف، فالكتاب مفيد من هذه الناحية حتى إن المحقق جمع كثيراً من القضايا مما يتصل بالإفراد والإعلال في الكلمات، يعني مثل آية يقول أصلها أيَيَة، ثم يذكر كيف وصلت بمراحل إلى أن صار ينطق بها، فيقال: آية، في الأفعال وفي الأسماء، فجاء محقق واقتنص هذه الأشياء من الكتاب وطبعها في كتاب مفرد في مجلد قسمه إلى قسمين الأسماء والأفعال، موجود بعنوان "مفردات الإبدال والإعلال" والواقع أن هذه الأشياء هي من كتاب "الدر المصون"، لكن هذا الكتاب مفيد جمعها في موضع واحد، وكثير من الكلمات إذا أردت أن تعرف أصلها تجدها فيه، فهو من الكتب المفيدة جداً على اختصاره إلا أنه في غاية الدقة والإتقان والجودة، وكتاب "التسهيل لعلوم التنزيل" لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جوزي الكلبي المتوفى سنة 741هـ، وهذا كتاب عظيم والعجيب أنه غير مشتهر، وربما أنه لم يشتهر عبر القرون؛ لأن المؤلف في بلاد الأندلس والكتب في تلك الناحية قد لا تنتشر في بلد المشرق كثيراً، ولكن حتى بعدما طبع ووصل إلى آخره لا تجد لهذا الكتاب حفاوة عند أهل العلم في الجامعات أو في المساجد على عظمة هذا الكتاب ودقته وقوته ومتانته في علم التفسير والله يخلق ما يشاء ويختار، لم يكتب له الانتشار، مع أن هناك كتباً كثيرة انتشرت لا تدانيه ولا تقاربه، وهذا الكتاب طبع في مجلد وفي بعض الطبعات في مجلدين، وفي بعض الطبعات في أربعة مجلدات، وجميع الطبعات سيئة ومحرفة وسقيمة، وهذا الجامع المشترك فيها، فالذي يقرأ في هذا الكتاب يعاني من الأخطاء الطباعية على كثرة مخطوطات الكتاب في العالم، غلط في فهارس المخطوطات، كتب مخطوطات كثيرة جداً في تركيا، وفي بلاد المغرب، وفي تونس مخطوطات كثيرة لهذا الكتاب حتى في أوروبا ومع ذلك لم يُعتنَ بالكتاب، وسمعت أن أحد طلبة العلم قام بتحقيقه بنفسه من غير رسالة علمية، وبعض هذه المخطوطات لربما كانت في عصر المؤلف أو قريباً منه، وذكر في أوله أربعة مقاصد من أجلها وضع الكتاب، و يهتم باختصار العبارة، وذكر خلاصة ما في كتب التفسير بأقصر عبارة مع ذكر ما يحتاج إليه من النكات واللطائف، والفوائد، والمُلح على اختصاره، فهذه الأشياء موجودة في الكتاب مع أنه ملخص بعبارة دقيقة يزن فيها الحرف، اشتمل على خلاصة كثير مما يذكر في كتب التفسير بأدق عبارة؛ ولذلك إذا أردت أن تعرف قدر هذا الكتاب انظر في المواطن المشكلة في كتب التفسير عن تفسير بعض الآيات، واقرأ ما شئت من كتب التفسير ثم بعد ذلك أقرأ عبارة هذا الكتاب في ربع سطر أو في سطر يأتي في عبارة على محزٍّ، عبارة دقيقة تعبر عن المراد وتخلصك من الإشكال، والمؤلف لا يقتصر على قول واحد -على اختصاره- ويذكر بعض الأقوال منها ما ينسبه، وفي كثير من الأحيان لا ينسب القول، فيقول: وقيل، يحاول أن يتخلص مما يذكر في كثير من كتب التفسير على أنه أقوال وهو في الواقع من خلاف التنوع، فلا يذكر ذلك من الخلاف وهذه مزية في الكتاب؛ لأن هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد، فهذا عبر بمثال وهذا عبر بمثال، أو هذا عبر بجزء من المعنى، وهذا عبر بجزء من المعنى، والمعنى يرجع إلى شيء واحد فيعبر بعبارة تكفي عن الجميع، ولا يُعِد ذلك من الخلاف ولا يريده، وذكر جملة من العلوم التي تضمنها القرآن، وبناء عليها سيركز على هذا في التفسير، فذكر مقدمات في أول الكتاب نافعة جداً، ومختصرة تصلح أن تكون متناً يدرس، فهي مقدمة دقيقة ومفيدة، والكتاب على قراءة نافع، ثم يذكر من القراءات الأخرى ما يكون فيه فائدة في المعنى أو الإعراب، أما إذا كانت القراءة ترجع إلى نفس المعنى فإنه لا يذكرها وهذا جيد، يعني من القراءات ما يرجع إلى معنى واحد، كذلك القصص لا يورد منها إلا ما يتعلق به التفسير، ولا يذكر من ذلك إلا ما صح عنده من القصص، ولا يذكر من قضايا الإعراب إلا ما تدعو إليه الحاجة فقط، مع ذكر نكات بيانية ولطائف بلاغية، وفي الكتاب أشياء تربوية وقضايا تتعلق بالسلوك، فعلى سبيل المثال يتكلم عن التقوى ويقول: للتقوى خمس عشرة فائدة -مع أن الكتاب مختصر جداً- ويتكلم عن بواعث التقوى وهي عشرة، وهي أمور تدعو وتحمل الإنسان على التقوى، وكيف نصل إلى التقوى، ويذكر مثلاً فوائد الذكر في مناسبة من المناسبات يذكر ثمانية أنواع من الكرامة للصابرين، ويذكر أنواع الصبر أربعة، ومن هذه المعاني المراقبة مراقبة الله ، ثمرات المراقبة، درجات الخوف ومقاماته، ودرجات الرجاء ومقاماته، وكذلك شروط التوبة وآداب التوبة، ومراتب التوبة، والبواعث إلى التوبة، وبعض اللطائف الجميلة يعني عبر بكذا لأجل كذا، ويذكر بعض المٌلح والنكات يعني مثلاً فائدة في التعدية بـ"على" في قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا [سورة آل عمران:84]، والتعدية بـ"إلى" في قوله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [سورة المائدة:59]، وهذا يسمى بالمتشابه اللفظي، وكذلك وجه قوله في قصة هود فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ [سورة هود:27]، بينما قال قبل ذلك في خبر نوح ﷺ: إِمَّا أَن تُلْقِيَ [سورة الأعراف:115]، حيث عبر السحرة فيما نسبوه إلى موسى ﷺ بالفعل إِمَّا أَن تُلْقِيَ، وفيما نسبوه إلى أنفسهم أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، فلم يعبروا بالفعل، يعني لم يقولوا: أو نلقي نحن؟، ووجه تعريف الحسنة وتنكير السيئة في قوله: فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ [سورة الأعراف:131]، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ولم يقل: السيئة، ووجه التعبير بالجملة الاسمية في قوله: وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا [سورة هود:58]، وقال في قصة صالح ولوط -عليهما الصلاة والسلام: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا [سورة هود:66]، ولم يقل: وَلَمَّا، وقول يوسف ﷺ حيث ذكر نعمة الله في إخراجه من السجن إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [سورة يوسف:100]، ولم يقل: من الجب، فلم يذكر نعمة الله عليه في إخراجه من الجب، حيث إنه خرج من الجب إلى الرق، وخرج من السجن إلى الملك، فمثل هذه الدرر والتحف لو تطرح في درس تفسير تجد الناس يذوقون التفسير بطريقة أخرى، وكذلك أيضاً لطيفة في قوله تعالى: وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ: أنّ ترك البداوة نعمة وتحتاج إلى شكر، وفي قوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ [سورة الأنبياء:33] يقول: هذا من الكلام الذي يقرأ بالمقلوب، وكذلك قوله: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [سورة المدثر:3]، ويذكرون في هذا بيتاً من الشعر للفائدة، يقول الشاعر:

مودتهُ تدوم لكل هولٍ وهل كلٌّ مودته تدوم

فهذا يبين دقة العلماء، وعنايتهم بالقرآن حتى الكلمة التي يمكن أن تقرأ بالمقلوب أحصوها وعرفوها، فهو كتاب جليل مفيد وعظيم، وفيه كثير من القواعد، يعني مثلاً تكرير حروف الفعل يدل على تكرر معناه "زلزل"، "صلصل"، "جلجل" يتجلجل فيها، وقاعدة في السؤال المثبت في الآخرة أو المنفي، واستعمال اللفظ الواحد في معنييه ذكر فيه قاعدة إذا جاء ذكر الطيبات في معرض الإنعام فالمراد المستلذات، وإذا جاء ذكرها في معرض التحليل والتحريم فالمراد الحلال هذه قاعدة، والاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطب وكل من اتصف بتلك الصفة، والقَسم لا يكون إلا بمعظم، وكل ما قال الله فيه: وما أدراك فقد أعلم الله تعالى عنه نبيه ﷺ قاعدة، وما قال فيه: وما يدريك فلم يعلمه، والتفسير بعد الإبهام يدل على التهويل، كقوله: الْقَارِعَةُ ۝ مَا الْقَارِعَةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ۝ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [سورة القارعة:1-4]، فهذه نبذة عن هذا الكتاب، ودراسة هذا الكتاب تحتاج إلى فك عبارات فيه، عبارات متينة إلا إذا كان طلاب العلم عندهم خلفية فلا يُحتاج إلى الوقوف عند هذه الأشياء، وفي قضايا الاعتقاد لا تستطيع أن تقول بأن المؤلف على عقيدة المتكلمين ففي بعض المواضع وافقهم، وفي بعض المواضع يخالفهم، فلم يكن له طريقة محددة يمشي عليها، ومن كتب التفسير المختصرة كتاب اسمه "جامع البيان في تفسير القرآن" لمعين الدين محمد بن عبد الرحمن الحسني الإيجي الشافعي المتوفى سنة 894هـ، بمكة، هذا الكتاب اعتمد فيه المؤلف على المأثور، واعتمد على ابن كثير والبغوي والوسيط والنسفي والكشاف وشروح كالطيب وتفسير البيضاوي وغيرهم، وتوجد فيه إضافات من عنده، فقصد المؤلف التفسير على طريقة السلف في الاعتقاد ولكن قد يكون الإنسان في بيئة لم يستطع أن يتوصل إلى معرفة الحق في كل جوانب الاعتقاد، ولذلك تجد أشياء من التأويل، وتجد أشياء حتى في أول صفحة أمور تتعلق بالاستشفاع بجاه النبي ﷺ، وعليه حاشية سلفية صرفة علق عليه الشيخ محمد بن عبد الله الغزنوي توفي 1296هـ، من علماء الهند، خرج الأحاديث، واستعان بالدر المنثور، والتفسير الكبير، والبغوي في التعليقات، ولباب التأويل والوجيز، والإتقان، والجلالين، ومدارك التنزيل، والجَمل على الجلالين، والبيضاوي، وكتب ابن تيمية، وابن القيم، وصديق حسن خان، وهذه التعليقات تدور على إثبات الصفات على عقيدة السلف، ونقولات من كلام شيخ الإسلام وابن القيم، وهذه واضحة عند المعلق أيضاً إثبات التوحيد وإبطال الشرك، فيركز على توحيد الإلهية، والاتباع وترك التقليد، ويُعنى بذكر المناسبات بين الآيات من غير تكلف، وكذلك تخريج المرويات، وتفصيل المجملات، وتصويب الأخطاء، والاستدراك على المؤلف، هذا الكتاب مطبوع طبعة هندية، ومطبوع أيضاً طبعة أخرى، ومن الكتب التي تميل إلى الاختصار تفسير الجلالين ولا مقارنة في الاختصار بين هذا وهذا، تفسير الجلالين، والمقصود بالجلالين جلال الدين السيوطي، وجلال الدين المحلي، الكتاب ابتدأه جلال الدين المحلي المتوفى سنة 864هـ  ابتدأ بالفاتحة ثم النصف الثاني من التفسير من الكهف إلى الأخير، وجاء السيوطي وكمله يعني من البقرة إلى نهاية الإسراء وبنفس النفَس، فلا تستطيع أن تفرق بين الكتابين أن تقول هذا الذي كتبه المحلي أو كتبه السيوطي، والعجيب أن السيوطي وضع هذه التكملة في أربعين يوما، يذكرون معنى الآية التي يفهم من ظاهرها، ويختارون ما يعتقدون أنه أرجح الأقوال دون ذكر الخلاف، ويذكرون بعض الإعرابات التي يتوقف عليها المعنى والقراءات المشهورة، والكتاب مختصر جداً، ولذلك كثر تدريسه، وعليه حواشٍ، والاعتقاد على طريقة الأشعرية، لكن هناك من كتبوا استدراكات عليه، وأشمل هذه الاستدراكات من أوله إلى آخره الحاشية التي وضعها -في الطبعة التي طبعت مع الحاشية- الشيخ صفي الدين المباركفوري الذي هو مُختصِر ابن كثير، والكتاب يحتاج إلى تعليقات في العقيدة، ويحتاج إلى تعليقات في التفسير، ويحتاج إلى تعليقات في قضايا حتى فيما يتعلق بالأحكام؛ لأنه يشير إلى إشارات بسيطة من كتب التفسير ككتاب "تفسير القرآن الحكيم" المسمى بـ "تفسير المنار" للشيخ محمد رشيد رضا، وهذا الكتاب بدايته كان الشيخ محمد رشيد رضا قد طلب من شيخه محمد عبده أن يلقي شيئاً في التفسير فبدأ الشيخ محمد عبده يلقي درسه في الأزهر منذُ سنة 1317هـ وانتهى سنة 1323هـ، حينما توفي حين بلغ الآية (125) من سورة النساء وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا [سورة النساء:126]، فكان الشيخ محمد رشيد رضا يكتب الكلام الذي يسمعه من شيخه ثم بعد ذلك ينقحه ثم يقرؤه عليه فإذا أقره عليه نشره في مجلة المنار، ثم أحياناً يضيق الوقت فيكتفي هو بصياغته في مقاطع أو نحو هذا، ثم بعد ذلك استقل بالتفسير بعد وفاة شيخه وصار يكتب على نفس المنوال، وبنفس النسق تقريباً، وتفسير الشيخ محمد عبده مليء بالأمور العقلانية، والانحرافات العقدية عقائد الأشاعرة إضافة إلى النزعة المادية والعقلانية في الكتاب، يعني يفسر الأمور الغيبية مثلاً قوله: طَيْرًا أَبَابِيلَ ۝ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ [سورة الفيل:3-4]، فيقول: هذا البعوض ينزل على المستنقعات ويأخذ من طينها فتكون فيه الجراثيم التي هي الملاريا فتصيب هؤلاء الناس من البعوض "الطير الأبابيل" هو يريد أن يأتي بتفسير يتفهمه ويتقبله الماديون الذين لا يؤمنون بالغيب، بل فسر الملائكة بمعانٍ عجيبة: أنها من الأشياء الطيبة، أو الأرواح، أو الأعمال الخيّرة في العالم، وفسر الشياطين بالشر الموجود، حتى قصة آدم وإبليس جعلها من قبيل ضرب المثال في الصراع بين الفضيلة والخير والشر، وهذا كلام سيئ جداً، والمؤلف الشيخ محمد رشيد رضا بعد وفاة الشيخ محمد عبده تغير كثيراً بحيث صار يميل إلى عقيدة أهل السنة ويقررها إلا أنه لا زال عنده بعض النزعة مما أخذه عن شيخه محمد عبده، ويعظمه ويجله غاية الإجلال حتى إنه ألف فيه أربعة مجلدات بعد وفاته "حياة الشيخ الإمام"، وكتاب الشيخ محمد رشيد رضا لما تخلص من كثير من هذه الأشياء صار جيداً من ناحية ربط القرآن بحياة الناس، ومشكلات الأمة وقضاياها الكبار، وما تقوم عليه حضارتها، من هذه النواحي جيد، ولم يكمل وإنما وصل فيه إلى اثني عشر مجلداً عند آية (52) من سورة يوسف ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، والله أعلم.

أهمية معرفة منهج المفسر:

قيمة الكتاب العلمية تعرف بمعرفة منهج المفسر، كما أن هذا سبيل إلى معرفة الفرق بين كتاب وكتاب سواء كان هذا الكتاب يعتبر إعادة كتابه والذي قبله هو امتداد له، أو أنه في نفس الاتجاه، أو أنه يتكلم على جوانب أخرى مثلاً، كذلك يبين لنا ما يمكن أن يُتقى ويُحترز منه بالنسبة لبعض الكتب، ونخرج من هذا ببعض الكتب وأنها حرية أن تقتنى وأن تقرأ، وأن يُبدأ بهذا الكتاب ثم هذا، وهذا الكتاب يصلح مرجعاً، وهذا الكتاب يصلح للمتخصصين وما شابه ذلك.

كيف يمكننا أن ندرس كتاباً من الكتب؟

أقول: هذا يمكن أن يتم بطريقة من عدة طرق:

الطريقة الأولى: أن نعمد إلى هذه الكتب التي كتبت عن كتب التفسير، كتب مناهج المفسرين، أو الكتب التي درست كتاباً بعينه، فهناك كتب كثيرة رسائل جامعية: فلان ومنهجه في التفسير، مثلاً ابن كثير ومنهجه في التفسير، والشنقيطي في التفسير، ابن جرير الطبري ومنهجه، ولا تكاد تجد كتاباً إلا وقد كتب فيه سواء كانت هذه الرسائل مطبوعة أو موجودة على أرفف المكتبات وخزائن الكتب في الجامعات لم تطبع، فهذه الطريقة سهلة، يعتمد الإنسان على جهد قام به غيره فينقل هذه الصورة.

الطريقة الثانية: وهي أن يقرأ الإنسان مقدمة الكتاب وغالباً المؤلف في مقدمة الكتاب يقول: فعلت كذا، وفعلت كذا، واخترت كذا ولم أرد كذا، وقصدت من تأليفه كذا، وإذا ذكرت كذا لم أقصد كذا، وما شابه ذلك يصف المنهج في الغالب الذي سلكه، ثم بعد ذلك لك أن تقرأ في التفسير ويمكن أن تكون قراءة خفيفة تسمى قراءة جردية، ثم بعد ذلك تبدأ تصف هذا الكتاب، يورد المعنى الإجمالي، ثم يورد بعده مثلاً الأقوال، ويورد تحت كل قول من قال به، من الآثار، ويورد الأحاديث المرفوعة مسندة مثلاً، والآثار غير مسندة، أو يورد الجميع بالإسناد، ومقل من الإسرائيليات، ويذكر قضايا الناسخ والمنسوخ، ولا يذكر من القراءات إلا المتواتر، وهذا كله من خلال ما تجد، وما يمر بك في ثنايا الكتاب، فهذا لا يعتبر منهجاً علمياً سواء كان في الأول، أو في الثاني، وسواء كنت تقرأ لغيرك أو كنت تستعرض الكتاب تقرأ المقدمة ثم بعد ذلك تقول رأيناه يفعل كذا، ويفعل كذا، ويفعل كذا، لكن هذه طريقة ميسورة وممكنة لكثير من الناس.

الطريقة الثالثة: أن نأتي وندرس هذا الكتاب دراسة تمحيصية علمية، فإذا قال المؤلف مثلاً: إنه لا يذكر الإسرائيليات نبدأ ننظر هل ذكر الإسرائيليات أو لا، وإذا قال المؤلف: إنه يعزو الأقوال إلى قائليها نستعرض الكتاب لنتأكد، وقد نجد أشياء كثيرة في الكتاب غير معزوة، ونعرف أنها من كلامه أو كلام غيره بمقارنة الكتاب بالكتب، وهذه من أبرز الطرق التي تتبين فيها قيمة الكتب العلمية، وقد يُعجب الإنسان بكتاب لما فيه من الفوائد واللطائف بل لربما سعى الإنسان بجهود كثيرة جداً حتى استطاع أن يصور مخطوطة من المخطوطات لما فيه من اللطائف والفوائد والنكات العلمية والبلاغية، وبعد تعب في الحصول عليه وبثمن باهظ، تبين بعد المقارنة أن جميع هذه اللطائف والفوائد والنكات وما أشبه ذلك مأخوذة من كتاب موجود ومطبوع، منقولة منه من غير عزو، وبعض الكتب لربما يصعب الحصول عليه، وسعره مرتفع، وهو كتاب كبير يحتل من المكتبة مكاناً واسعا، فإذا نظرت في هذا الكتاب ونظرت فيما يذكره وقارنته تجد أحياناً بعض الكلام المتين الجيد وفي غاية التنظير لكثير من القضايا، مع ربطها بالقرآن فتعجب به، وتقول: هذا المؤلف عنده قلم وعنده قدره على التنظير وعنده اطلاع واسع، وإذا قارنت أحيانا تكتشف أن كل هذه المقاطع الجميلة التي أعجبتك هي من كلام محمد رشيد رضا مثلاً في تفسير المنار من غير عزو، وهذا موجود فالأمر الذي من أجله تشبثتَ بالكتاب وأعجبت به تكتشف أن هذا ليس كلام المؤلف هذا كلام فلان، وباقي المعلومات الموجودة فيه معزوة لكتب مطبوعة، ولنأخذ مثالاً في غير التفسير فحينما نأتي نريد أن نطرح موضوعا مثلا نطلع على كل ما كتب فيه قبل طرحه، التفسير العلمي، أو الإعجاز العددي كما يسميه بعضهم، أو الإعجاز العلمي ونطلب من الإنترنت كل الأبحاث المكتوبة ثم بعد ذلك نبدأ ننظر فيها ونقارن، نكتشف أن الكثير منها مكرر، بل حتى الخطب حينما نأخذ موضوعاً مثلا الأمانة نطلب في الإنترنت الأمانة وتأتيك خطب كثيرة مكتوبة، وأبحاث، ومحاضرات مفرغة موجودة، فإذا قارناها نجد أن بعضهم ينقل من بعض نصاً، وفي كثير من الأحيان من غير عزو، فتستبعد كثيراً منها لأن هذه أصلا منقولة عن تلك، وتلك منقولة عن غيرها وهكذا، فكتب التفسير كذلك، وبالمقارنة يتبين لنا كثيراً من هذه الجوانب، أضف إلى ذلك أن هذا النوع الثالث من الدراسة ينظر إليه بالمقارنة مع المصادر التي ينقل منها، ينقل روايات هل ينقل الروايات نصا أو يتصرف فيها؟، ينقل عن بعض أهل العلم قال فلان، هل نقل الكلام نصاً أو تصرف فيه؟، وهذا تتبين به الدقة العلمية للمؤلف، أحياناً نكتشف أن المؤلف يتصرف في الروايات ويتصرف في الكلام المنقول، فإذا قارنت يتبين لك، وأحيانا تظن أن المؤلف وقع على مصادر أصلية لم تصل إلينا؛ لأنه يقول: قال فلان، وقال فلان والكتب ما وصلت، وبالمقارنة يتبين أن عامة ما ينقله هو من فتح الباري للحافظ ابن حجر، فكل هذه النقولات منقولة بواسطة الحافظ ولا يقول: قال الحافظ فيما نقله عن فلان، وتعرف هذا أحيانا من بعض التفاوت والاختلاف أو التحريفات الموجودة في فتح الباري مثلا تجدها موجودة في هذا أن الحافظ ابن حجر لما نقل هذا الكلام لفلان من الناس عقبه بتعقيب فيأتي هذا المؤلف وينقل الكلام وتعقيب ابن حجر في سياق واحد ولا يقول قال الحافظ، على أنه من الكلام الأول الذي نقل عنه أبو شامة مثلا فأدخل هذا في هذا، فهذا موجود وليست أمثلة افتراضية، فهذه الطريقة هي أدق الطرق ولكن حينما تقارن تحتاج إلى الوقت، وهذا أمر شاق، وبعض الرسائل الجامعية تُطرى غاية الإطراء أثناء المناقشة من قِبل المشرف والمناقشين، والكتاب أحيانا في غاية الأهمية، ويقدر لك أن تقف على النسخ الخطية التي اعتمد عليها المحقق وتقارن فتمتلئ الصفحات بالملاحظات، وفي كثير من الأحيان يقول: في الأصل كذا وهو خطأ والصواب كذا، وفي الأصل على الوجه الصواب، وأحيانا يكون هو الذي فهم فهماً غير صحيح وكتب وهو خطأ ولا فهِمَ العبارة وهذا كثير في بعض الكتب التي هي في غاية الأهمية، ما لا يقل عن خمسة عشر خطأً في الصفحة الوحدة، وهؤلاء -أعني المناقشين- لو أنهم رأوا ذلك ما أجيزت الرسالة، ولا تبرأ بها الذمة، كيف وقع هذا؟، هذا يعرف بالمقارنة، لكن لو يقرأ الإنسان قراءة مجردة كثير من هذه الأشياء ما تتبين، وإنما تظهر بالمقارنة، فهذه عدة طرق نستطيع من خلالها أن نعرف طريقة المفسر، ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلفين في التفسير ليسوا على طريقة متحدة فمنهم من عمد إلى الاختصار، ومنهم من كتب كتاباً متوسطاً، ومنهم من كتب كتاباً مطولاً، فابن جرير من المطولات، والبغوي أو البيضاوي يعتبر من الكتب المتوسطة، ومثل كتاب ابن جوزي الكلبي يعتبر من الكتب المختصرة، والكتب المختصرة منها ما يذكر القولين أو الثلاثة على سبيل الاختصار يشير إليها، ومنها مالا يذكر إلا قولاً واحداً مثل تفسير الجلالين، وزبدة التفسير فهذه تقتصر على قول واحد، وهؤلاء الذين يذكرون الأقوال منهم من يرجح مثل ابن جرير، وابن كثير في الغالب، ومنهم من لا يرجح، وإنما يذكر الأقوال من غير ترجيح، والذين يقرءون أو يريدون القراءة يسألون ماذا نقرأ في التفسير هؤلاء يتفاوتون، فمنهم من يكون مبتدئاً فهذا تصلح له بعض الكتب مثل التفسير الميسر طبعة مجمع الملك فهد، وزبدة التفسير، ويمكن أن يكون تفسير ابن السعدي، ومن هؤلاء من هو متوسط في العلم فمثل هذا يمكن أن يقرأ تفسير البغوي، والمصباح المنير للمباركفوري مختصر تفسير ابن كثير، ومنهم من يكون فوق ذلك فهذا يستطيع أن يقرأ في "التحرير و التنوير" لابن عاشور، وتفسير ابن جرير الطبري، ويستطيع أن يقرأ في تفسير ابن جوزي الكلبي هو مختصر جدا وعبارته قوية ومتينة وتحتاج إلى شرح كثير، والقارئ أحياناً يريد أن يقرأ في جانب من الجوانب كأن يريد مثلاً أن يقرأ تفسيراً يشمل الجوانب المختلفة في كتاب واحد يمكن أن يقرأ في فتح القدير، فالشوكاني وازن بين جميع الجوانب تقريباً فتجد فيه ما يُحتاج إليه من إعراب وعقيدة وفقه ونواحٍ بلاغية، ومفردات، وقراءات ونحو هذا، وقد يقول القارئ أنا لا أريد كتاباً واحداً أريد مجموعة من الكتب تغنيني عن كثير من الكتب في التحضير أنا لا استطيع أن أحضر من عشرات الكتب في درس التفسير فيقال: في جانب المأثور ابن جرير وابن كثير، وتستفيد غاية الاستفادة من ترجيحاتهما، وفي الجوانب البلاغية ابن عاشور، وفي قضايا الإعراب الدر المصون للحلبي، وفيما يتعلق بالأحكام الفقهية القرطبي، وفيما يتعلق بتفسير القرآن بالقرآن والأحكام "أضواء البيان" للشنقيطي، وتستفيد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيما يجمع له من التفسير، ومن كلام ابن القيم فهو في غاية النفاسة، درر مجتمعة وبهذا تستطيع أن تقدم شيئاً في التفسير من كتب هي عمدة في بابها، لو قرأتَ في الكتب التي وراءها ستجد كثيراً من المعلومات في الواقع مكررة في كثير من الأحيان، فلو قرأت في كتب التفسير بالمأثور ستجد الكثير من الآثار التي في ابن أبي حاتم وعبد الرزاق وغير هؤلاء هي في الجوانب البلاغية، والخلاصة والزبد والأشياء المفيدة ستجدها في ابن عاشور، وكذلك يقال في الأحكام الفقهية، وتفسير القرآن بالقرآن لن تجد مثل كلام الشنقيطي -رحمه الله- مع عناية ابن كثير في هذا الجانب، وإذا كان البحث في قضية العلاقة بين الآيات "المناسبات" مثلاً، أو ما يتعلق بقضايا الأمثال التي في القرآن، أو ما يتعلق بالجوانب البلاغية فيمكن أن نقول:

إذا كان المطلوب الآثار المروية في تفسير آية فأجمع ذلك "الدر المنثور"، ولكن بلا أسانيد، ويمكن الرجوع إلى ابن جرير وابن كثير والبغوي كل هذه الكتب بالنسبة للمأثور، وإذا كان المطلوب البحث في الجوانب اللغوية في غريب القرآن فهناك في الغريب كتب موسعة، وهناك كتب مختصرة، فمن كتب الغريب ما تأتي للفظة، ترجع إلى أصل المادة، بغض النظر عن الآية المعينة والسورة التي وردت فيها، مثلاً لفظة الإحصان، فيأتي بلفظة الإحصان ويأتي بمعانيها في كل موضع من المواضع، كما في قوله مثلاً: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [سورة النساء:24] يعني: المتزوجات، أي يحرم عليكم في جملة ما يحرم من النساء المرأة المتزوجة، إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني إذا سبيتم نساء الكفار فالمتزوجة تستبرأ بحيضة ويحل وطؤها بملك اليمين إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ... إلى أن قال الله : وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء:25]، يعني الحرائر الحرة،فَإِذَا أُحْصِنَّ يعني تزوجن، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ المحصنات يعني الحرائر، فلفظة المحصنات تتغير معانيها في كل موضع بحسبه، فالكتب المتوسعة تأتي بلفظة محصنات، وتأتي بمعانيها في المواضيع المتعددة، يقول: الْمُحْصَنَاتِ بمعنى كذا، ومنه قوله تعالى كذا وكذا، وبمعنى كذا ومنه قوله كذا، وهكذا، والكتب الموسعة كتابان الأول "المفردات للراغب"، وهو أصلٌ في هذا الباب، وجد له طبعة محققة تحقيقاً جيداً حققه الأستاذ: صفوان داودي، وهذا الكتاب يعتبر موسوعة في غريب القرآن، ويوجد كتاب آخر نظير لهذا الكتاب اسمه "كنز الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ" للسمين الحلبي، صاحب كتاب "الدر المصون"، وهذا الكتاب مثل كتاب الراغب، ويمكن أن يُستغنى عن أحد الكتابين بالآخر، وغاية ما هنالك أنه استدرك على الراغب بعض المواضع قال: إنه أغفلها أو أن الراغب ذكر –نادراً- كلمة، يقول: ليست أصلاً في القرآن أو ليست على الأقل في القراءة المتواترة، وكتاب الراغب هو الأصل، وهناك كتب مختصرة تأتي بالسورة التي أنت فيها، فيأتيك باللفظة في الموضع المعين ويقول معناها كذا بكلمة، وهذه كثيرة مثل كتاب "غريب القرآن" للسجستاني، و"غريب القرآن" لليزيدي، وكتب الغريب مثل ما جمع من كلام ابن أبي طلحة وهو مطبوع، وكذلك أيضاً كتاب "العمدة في غريب القرآن" المنسوب لمكي بن أبي طالب، فهذه الكتب كثيرة مختصرة يستطيع الإنسان أن يقتني منها كتاباً ويقرأ القرآن في ختمة في شهر، ويرى كل لفظة غريبة ويحاول أن يحفظها، ولو أن طلاب التحفيظ في حلقات القرآن اعتُمد لهم كتاب من هذه الكتب ويطالبون بالحفظ أثناء حفظ القرآن لكان خيراً كثيراً، وكثير من طلاب العلم يجهلون بعض معاني الكلمات من قصار السور، بل وبعض الناس يسأل عن معنى كلمة فيجيب بأجوبة مضحكة وكأنه أعجمي لا يعرف اللغة، فمرة سئل رجل عن معنى "قِطَّنا" في قوله: رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا [سورة ص:16]، فقال: هو البس "القط"، أجاب بهذا رجل له وجاهة في قومه، وأجاب ببديهة عند الناس، وسألت مرة بعض الشباب عن معنى لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ [سورة المدثر:29]، فقال: يعني تأخذهم وتلوحهم، هذا في لهجته تلوحهم تضربهم، يعني لواحة يتنفط الجلد من شدة الحرارة، وقيل: تلوح لهم من بعيد، يرونها من بعيد، فإذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا، وهناك من جمع بين بعض هذه الكتب مثل كتاب "المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن الكريم" لعبد العزيز السيروان، جمع فيه بين كتاب "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، وكتاب "تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب" لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي الأندلسي، ثم كتاب "معجم غريب القرآن" لابن عباس الذي جمعه الأستاذ فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- من صحيح البخاري، وكتاب "العمدة في غريب القرآن" المنسوب لمكي بن أبي طالب، وهذا الكتاب مفيد جمع بين هذه الكتب الأربعة المشهورة ورتبها على حروف المعجم، وجعل لكل كتاب رمزاً، وهذه الكتب تعتبر من الكتب المهمة، وكتاب العمدة ولو لم يثبت أنه لمكي لكنه كتاب جيد ألفه عالم، فيأتي ويضع لكل واحد رمزاً من الرموز ويرتبه على حروف المعجم مثلاً كلمة صدف يضع الأحرف الصاد والدال والفاء "صدف" "الصدفين" يضع السورة ورقم الآية يقول قال البخاري: حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [سورة الكهف:96] يقال عن ابن عباس: الجبلين، ووضع رمزاً آخر "عمدة": جانبا الجبل، ناحيتا الجبل، صدف يصدفون "قتيبة": يُعرضون، يقال: صدف عني وصد أي أعرض "عمدة": يعرضون، فإذا قرأ فكأنما قرأ أربعة كتب من كتب الغريب، فهو مفيد وسهل التناول جدا،ً وإذا كان المراد قراءة معاني القرآن فهناك كتب مثل "معاني القرآن" للفراء، و"معاني القرآن" للنحاس، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج، فهذه من أشهر الكتب وهي مطبوعة جميعاً، ومن أعظم المعاجم اللغوية الجيدة والمعتمدة كتاب الأزهري "تهذيب اللغة" وهو كتاب ضخم وكبير يعتبر من المصادر الأصيلة، قبل ما دخلته لوثات المتكلمين، ولوثات المتكلمين دخلت في كتب اللغة للأسف عند المتأخرين كـ"لسان العرب" للأسف تجد فيه أشياء ليست في كتب المتقدمين، يعني لو أردت أن ترجع إلى كلمة "استوى" في "تهذيب اللغة" للأزهري ستجد المعاني التي يذكرونها علا وارتفع، لكن لما ترجع لكتاب لسان العرب ستجد معنى "استوى" استولى، ويستدل بقول الشاعر:

قد استوى بِشرٌ على العراق من غير سيفٍ ولا دمٍ مهراق

وكتب اللغة دخلتها هذه اللوثة، بخلاف كتب المتقدمين، ومن أبرز كتبهم وأنفعها كتاب "تهذيب اللغة"، وكذا كتب أحمد بن فارس -رحمه الله- فهي من أنفع الكتب، كتاب "المقاييس في اللغة" لأحمد بن فارس -رحمه الله- وسمي في المطبوع بـ"معجم مقاييس اللغة" وهذه التسمية خطأ ليس هذا اسم الكتاب، وإنما سماه مؤلفه بـ"المقاييس في اللغة" هذا مطبوع في طبعة خمسة مجلدات، وطبعة في مجلد، وله كتاب آخر اسمه "المجمل"، ومن أجل الرجوع إليها لابد من معرفة الطريقة لترجع إليها؛ من أجل أن تصل إلى الكلمة، فيحتاج إلى قراءة مقدمة الكتاب، وهناك كتب أخرى في اللغة، وهذه من كتب المتقدمين التي تعتبر مميزة وجيدة  وموثوقة، ومن كتب التفسير التي تُعنى بالجانب البلاغي كتاب "الكشاف"، وعليه حواشٍ كثيرة منها حاشية الطيبي وهي كبيرة، ومنها تفسير البيضاوي وعليه حواشٍ كثيرة –أيضا، منها حاشية الخفاجي، وتفسير الألوسي، وتفسير ابن عاشور، وتفسير أبي السعود وما شابه ذلك، والكتب التي تُعني بالجوانب الإعرابية والنحو كثيرة منها "إعراب القرآن" للنحاس، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب، و"الفريد في إعراب القرآن" للهمداني، و"التبيان في إعراب القرآن" للعكبري، و"البحر المحيط" لأبي حيان، و"الدر المصون" للحلبي وهو من أجمعها، وهناك كتب معاصرة منها ما هو سهل يعرب جميع الألفاظ مثل كتاب "الجدول" وهو معروف ومتداول في نحو ثلاثين جزءاً، وهناك كتب تُعنى بجانب الأحكام، وهناك كتب ألفت في الأحكام منها تفسير (500) آية لمقاتل بن سليمان وهو مطبوع، وحقق في الجامعة الإسلامية، و"أحكام القرآن" للجصاص الحنفي، ومؤلف هذا الكتاب متعصب تعصباً شديداً للمذهب للمذهب الحنفي، ولابن العربي المالكي كتاب "أحكام القرآن"، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي وهو من أجلها وأنفعها وأحسنها، وكذلك "أضواء البيان" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وهناك كتب أخرى مثل "نيل المرام من تفسير آيات الأحكام" لصديق حسن خان في جزأين، وسهل ومبسط، وهناك كتب تعنى بمبهمات القرآن، والمبهمات كالأشخاص في مثل يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ [سورة المائدة:21]، هل هي أريحا أو بيت المقدس؟، إلى غير ذلك من أنواع المبهمات، والفائدة من معرفة هذا قليلة، ولو كان فيه فائدة لذكره الله ، لكن الفضول هو الذي حمل الناس على تتبع ذلك، وإنما تكون فائدته محدودة في بعض المواضع التي قد تدفع فيها تهمة على الأقل عن أحد من الناس كما قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حينما قال فيه مروان على المنبر: "هذا الذي قال الله فيه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا [سورة الأحقاف:17] فقالت عائشة: والله ما نزلت فينا، وما نزل فينا من القرآن غير عذري، ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته"، فهذه تفيد في هذا الجانب، وهناك كتب تعنى بقضية المبهمات من أشهرها كتاب "التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام" للسهيلي مطبوع، وهناك كتاب آخر اسمه "غرر البيان لمبهمات القرآن" لابن جماعة، وهناك كتاب آخر اسمه "تفسير مبهمات القرآن" للنابلسي توفي سنة 782هـ، سماه "صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل"، وفيه كتاب اسمه "مفحمات الأقران في مفهمات القرآن" للسيوطي، وكتاب السهيلي التعريف والإعلام اختصره ابن عسكر المتوفى سنة 636هـ، في كتاب "التكميل والإتمام لكتاب التعريف والإعلام" جاء بالأشياء التي ذكرها السهيلي وزاد عليها فاستدرك على السهيلي (479) آية فيها مبهم، فهذه الكمية ليست قليلة، وكتاب النابلسي مطبوع في مجلدين كبيرين اسمه "صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل" فالإعلام للسهيلي، وتعريف الإعلام والتكميل لابن عسكر، وموضوع مشكلات القرآن فيه رسالة جامعية جيدة ومفيدة فيما يتعلق بالمشكل في القرآن يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها وهي لعبد الله المنصور في مجلد، في قضايا المشكل في القرآن لماذا يستشكلها بعض العلماء من الناحية اللغوية، وأحياناً بأسباب أخرى، والعلماء كتبوا فيها كتابات يتتبعون المواضع المشكلة ويذكرون الجواب عنها، ومن هذه الكتب كتاب "وضح البرهان في مشكلات القرآن" لبيان الحق النيسابوري المتوفى سنة 555هـ تقريباً، وكتاب آخر اسمه "فوائد في مشكل القرآن" للعز بن عبد السلام، وكتاب آخر اسمه "فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن" لزكريا الأنصاري مطبوع، وكتاب "تيجان البيان في مشكلات القرآن" للخطيب العمري، وكتاب "مشكلات القرآن" لمحمد أنور الكشميري مطبوع، والبحث في المتشابه اللفظي والمقصود به أن يرد الكلام الواحد في مواضع بصور متنوعة، مثلاً يأتي في موضع بنظم وفي آخر على غيره: وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ [سورة البقرة:58]، وفي الموضع الآخر: وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا [سورة الأعراف:161]، وأحياناً يكون بالزيادة والنقصان كقوله: فَمَن تَبِعَ هُدَايَ [سورة البقرة:38]، وفي موضع آخر فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ [سورة طه:123]، وكذلك في تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [سورة البقرة:25]، وفي موضع: تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [سورة التوبة:100]، والتقديم والتأخير كما في: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [سورة البقرة:47]، وفي الموضع الآخر: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [سورة البقرة:123]، وأحياناً بالتعريف والتنكير رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا [سورة البقرة:126]، ويذكر اللطائف في هذا، وأحياناً من ناحية الجمع والإفراد "أياما معدودة" مَّعْدُودَاتٍ [سورة آل عمران:24]، وأحياناً يبدل حرفاً بغيره كما في قوله: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [سورة طه:128]، وقوله: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [سورة السجدة:26]، وقد يبدل كلمة بدل كلمة فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً [سورة البقرة:60]، وفي موضع: فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [سورة الأعراف:160]، وأحياناً في الإدغام يَتَضَرَّعُونَ [سورة الأنعام:42]، وفي الموضع الآخر يَضَّرَّعُونَ [سورة الأعراف:94]، وهذا ما يعرف بالمتشابه اللفظي، وهناك كتب تُعنى بالكلام على اللطائف المتعلقة بالمعنى، لماذا قال هنا كذا وقال هناك كذا، لكن هي محاولات لا يقطع بها، ومن هذه الكتب "البرهان في توجيه متشابه القرآن" للكرماني، المتوفى بعد سنه 500هـ، وهذا الكتاب يستفاد منه لكن فيه تكلفات، وفيه غموض في العبارة، وهناك كتاب آخر اسمه "درة التنزيل وغرة التأويل" للإسكافي، وهذا الكتاب الغموض الذي فيه أكثر والتكلف الذي فيه أكثر، تكلم فيه على (273) آية، والموجود في الكتاب الأول مضمن في غالبه في هذا الكتاب، وهناك كتاب اسمه "كشف المعاني في متشابه المثاني" لابن جماعة، وكتاب في مجلدين جيد مفيد اسمه "ملاك التأويل" لابن الزبير الغرناطي، تكلم فيه على (377) آية، وبناه على كتاب الإسكافي وزاد على الإسكافي (104) آية، فهذا الكتاب يمكن أن يستغني به، وكتاب زكريا الأنصاري "البرهان" فيه من هذا النوع، وهناك كتب تعني بالمتشابه اللفظي لا من حيث المعنى فقط، بل تأتي بالآيات التي تتشابه باللفظ للحفظ، وهي كتب كثيرة معروفة ومتداولة منها ما توسع صاحبه فيه، وذكر أشياء قد لا تلتبس على كثير من القراء لكن ذكر أدني ما يحصل فيه التباس للحفاظ، ومنها كتاب من أقدمها "متشابه القرآن" لابن المنادي، وهناك كتب معاصرة من أحسنها كتاب "دليل الآيات متشابهة الألفاظ في كتاب الله العزيز" لسراج صالح، وهو من أفضل الكتب التي كتبت في هذا، ومن أسهلها تناولاً، وكتب الناسخ والمنسوخ كثيرة جدا من أبرزها وأحسنها وأنفعها كتاب "الناسخ والمنسوخ" للنحاس، وهو من أوسعها، لكن هؤلاء لا يتوسعون في ذكر النسخ، وهناك كتاب مسند يذكر الروايات والأسانيد وهذا يصلح لطلاب العلم، وفيه الصحيح والضعيف، وفيه أشياء ليست من قبيل النسخ في الواقع لكن عبر عن ذلك بالنسخ فضمنه كتابه في ثلاثة مجلدات، وتحقيقه في غاية الجودة حققه الدكتور إبراهيم اللاحم، وكذلك كتاب "نواسخ القرآن" لابن الجوزي في مجلد كبير حُقق في الجامعة الإسلامية، وكتاب "الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي بن أبي طالب مطبوع في مجلد محقق، وكتاب "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد القاسم بن سلام، هذه أربعة كتب تعتبر عمدة في هذا الباب، ويمكن زيادة كتاب البغدادي لكنه لا يختص بالقرآن، بل يذكر الناسخ والمنسوخ في القرآن والسنة، وكتاب آخر معاصر يفيد في مناقشة قضايا ودعاوى النسخ، ودعاوى النسخ كثيرة جداً وأشهر الآيات التي قيل فيها النسخ هي إحدى وعشرون آية، ذكرها السيوطي في الإتقان ونظمها الشيخ الأمين الشنقيطي وعلق عليها وألحقت في آخر أضواء البيان تعليقاً يسيراً وهي التي ذكرها الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان"، الكتاب اسمه "النسخ في القرآن" للدكتور مصطفى زيد، أسرف في المناقشة ورد قضايا النسخ حتى إنه ما كاد يثبت شيئاً منها، والاعتدال هو المطلوب، لكنه مفيد في المناقشة وهو في مجلدين، ومن الكتب التي تبحث في أقسام القرآن كتاب "الإمعان في أقسام القرآن" لعبد الحميد الفراهي، وكتاب "أقسام القرآن" لابن القيم، مطبوع في مجلد، وهناك كتب تعنى بالمناسبات مثل كتاب "البرهان في تناسب سور القرآن" لأحمد بن إبراهيم الثقفي المتوفى سنة 708هـ، وهو مطبوع في مجلدين، وهذا في المناسبات بين السور فقط، وهناك كتاب "تناسق الدرر في تناسب السور" للسيوطي، وكتاب "البرهان في ترتيب سور القرآن" لأبي جعفر ابن الزبير المتوفي سنه 708هـ، وللسيوطي كتاب اسمه "مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع" وهذا الكتاب محقق ويتكلم في المناسبة بين أول السورة وآخرها، فقوله مثلاً في أول السورة ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [سورة ص:1]، وفي آخر السورة: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [سورة ص:87]، وفي أول سورة الزمر قال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [سورة الزمر:2]، وفي آخرها بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [سورة الزمر:66]، وقال في أول سوره غافر: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [سورة غافر:21] وفي آخرها أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [سورة غافر:82]، وفي أول سوره فصلت فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ [الآية رقم:4]، وفي آخرها أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ [آية رقم:51]، فهذا جانب واحد من أنواع المناسبات، ومن الكتب التي تعنى بالمناسبات تفسير الرازي، ومنها تفسير أبي السعود، ومن أجمعها كتاب "نظم الدرر في تناسق الآيات والسور" للبقاعي، يقع في 23 مجلد، وهو كتاب تفسير، لكنه يعنى بذكر المناسبة بين كل جملة وجملة، وكل آية وآية، وكل سورة وسورة، وكل مقطع ومقطع، فلا يترك شيئا، ويقول: إنه جمع كتابه هذا من عامة الكتب، بل يقول: إنه وقف على أجمع الكتب التي ألفت في هذا الجانب، وضمنها في كتابه، ولما انتصف بالكتاب عثر على كتاب في المناسبات فعاد من جديد يضمنه في كتابه هذا، لكنه لا يخلو من تكلفات في مواضع كثيرة، لكن يستفاد منه، فهو موسوعة في باب المناسبات، وللبحث في الأشباه والنظائر أو الوجوه والنظائر، أي كلمة واحدة لها أكثر من معنى مثل لفظ "أمّة" وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [سورة يوسف:45]، يعني بعد مدة من الزمن، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [سورة النحل:120] يعني: الرجل الجامع لخصال الخير التي تفرقت في غيره، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه:71] أي: على جذوع النخل، وقوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [سورة الملك:16] أي: على السماء، فكل حرف من هذه الحروف يأتي بمعانٍ متعددة، وحروف تتناوب يسمون ذلك التضمين، وهناك كتب تعنى بهذا من أبرزها وأجمعها فيما وقفت عليه كتاب "الحروف العاملة في القرآن الكريم" لهادي بن عطية مطر الهلالي، وهذا الكتاب جمع الكلام على هذه الحروف من كلام اللغويين والنحويين والمفسرين، وجعل ذلك من كل واحد في باب مستقل، وهناك كتب أخرى بعضها متقدم كـ" رصف المباني" للمالقي، وبعض الكتب تكلم عن حرف واحد، وبعضها تكلم عن ثلاثة أحرف، وللبحث في موطن تعارض الآيات التي ظاهرها التعارض يمكن النظر في كتاب "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" للشيح محمد الأمين الشنقيطي، وهو مطبوع في آخر أضواء البيان، ومطبوع ضمن المجموعة الكاملة التي طبعت للشيخ، وهناك كتب في فضائل القرآن مسندة، وكتب من غير إسناد، وهناك كتب تعنى بالصحيح، من الكتب المسندة "فضائل القرآن" لأبي عبيد القاسم بن سلام وهو من أنفع الكتب وأجمعها، وهو كتاب كبير حُقق في المغرب، وهذا من أفضل طبعاته كنسخة خطية لا الحكم على الروايات، في مجلدين، وعدد الروايات في هذا الكتاب (927) رواية بالإسناد، وليس كل هذا في الفضائل، فهناك أشياء في الأدب مع المصحف، وأشياء لا تتعلق ببعض الآداب، وكتاب "فضائل القرآن" للفريابي، وعدد الروايات المسندة (197) رواية، وكتاب "فضائل القرآن" لابن الضريس المتوفى 295هـ، وهو مسند وعدد الروايات (308) رواية، وهناك كتب لبعض المعاصرين اعتنوا بالروايات الصحيحة منها "موسوعة فضائل سور وآيات القرآن" للطرهوني، وهناك كتاب صغير في فضائل القرآن وحَمَلته في السنة المطهرة لمحمد موسى نصر، لكن عامة ما في هذا الكتاب هو في الآداب، وفيه أشياء قليلة عن الفضائل، وهناك كتب تتحدث عن الدفاع عن القرآن ككتاب "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة، وكتاب كبير اسمه "الانتصار للقرآن" للباقلاني، فيه رد على الطاعنين في القرآن من الرافضة ومن النصارى، وله مختصر اسمه "نكت الانتصار" مطبوع في حوالي (300) صفحة، وهناك كتاب "المدخل لعلم تفسير القرآن" للحدادي، تضمن الدفاع عن القرآن والرد على الزنادقة، والطاعنين في القرآن، وكتاب معاصر مفيد اسمه "دعاوى الطاعنين في القرآن" لعبد المحسن المطيري، هذه رسالة علمية في إحدى الجامعات، وللبحث عن تشبيهات القرآن فهناك كتاب جيد جمع كل تشبيه في القرآن اسمه "الجمان في تشبيهات القرآن" لابن ناقية البغدادي المتوفى سنة 485هـ، مطبوع لكن يبدو لي أنه غير منتشر ولا معروف، وللأسف المؤلف رُمي بالزندقة، وله أشعار -في ترجمته- وكلام كله زندقة، نسأل الله العافية.

وللبحث عن مقاصد السور، والغرض الذي جاءت السورة لتقريره فهناك كتاب "مصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور" للبقاعي، ومن كتب التفسير التي تذكر موضوع السورة "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور، ومن الكتب التي تتحدث عن الأمثال في القرآن كتاب "الأمثال من القرآن والسنة" للترمذي، وكتاب "الأمثال الكامنة في القرآن" للحسين بن الفضل، والأمثال أنواع فهناك أمثال عند الأدباء، وأمثال عند اللغويين، والأمثال المعروفة بالمعنى المتداول هي الكلمة الموجزة التي قيلت في مناسبة ثم صارت تستعمل في المواقف المشابهة مثل: "الصيفَ ضيّعتِ اللبنَ"، وسبب هذا المثل أن رجلاً خطب بنتاً وهو غني عنده إبل وغنم وبقر في الصيف فأبت، والصيف تكثر فيه الثمار، وجاءت إليه في الشتاء وقت الجوع والشدة تريد شيئا فقال: "الصيفَ ضيّعتِ اللبنَ"، كأنه يقول لها: حينما خطبتك بالصيف رفضتِ والآن تطلبين لبناً، الصيف ضيعت اللبن، وهذا يقال لمن طُلب منه شيء مثلاً فامتنع، ثم جاء بعد ذلك، أيْ موقفكِ الأول منعني من التجاوب معكِ في هذا الموقف، فمثل هذا لا يوجد في القرآن؛ لأن الله أعظم شأناً من أن يتمثل بقول قائل قاله في مناسبة ثم يذكره الله -، لكن يوجد نوع اسمه الأمثال الكامنة، يعني أن يكون هناك مثل "خير الأمور الوسط" هذا مثل كامن في قوله تعالى: لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [سورة البقرة:68]، وكامن في قوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [سورة الإسراء:29]، فالمثل كامن فيه، ويوجد أمثال في القرآن فيها تصوير بعض الأشياء المعنوية بصورة المحسوس كقوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17]، وهناك كتاب منتزع من كلام ابن القيم في إعلام الموقعين طبع مستقلاً سمي "الأمثال في القرآن" لابن القيم، وهناك كتب تتحدث عن قضية الأمثال عموماً مثل: "ضرب المثال في القرآن أهدافه التربوية وآثاره" لعبد المجيد البيانوني، وهناك كتاب "الأمثال في القرآن" لمحمود بن الشريف، وكتاب "أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع" لعبد الرحمن حبنكة الميداني، وغير ذلك من الكتابات، وهناك كتب عُنيت بأسباب النزول ومن أجمع هذه الكتب لو اكتمل كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني اسمه "العجاب في بيان الأسباب" لكن المؤلف -رحمه الله- مات عنه، فيه (319) أثر أو رواية، وصل فيه إلى آية (77) من سورة النساء، وهذا الكتاب يتوسع ويناقش الروايات، فلو اكتمل لكان موسوعة، وقد طبع محققاً في مجلدين، وهناك كتب مسندة اشتملت على أشياء كثيرة جداً من أسباب النزول مثل كتاب الواحدي لكن فيه الصحيح والضعيف، أفضل طبعة له تحقيق السيد صقر، وهناك كتاب للسيوطي بحذف الأسانيد ويقول: إنه جمع فيه أكثر مما جمعه الواحدي اسمه "لباب النقول في أسباب النزول" لكن فيه الصحيح والضعيف، وقد حُقق في الجامعة الإسلامية وحكم على الروايات التي فيه منذ زمن، ولكنه لم يخرج فيما أعلم، وهناك كتب في هذا الموضوع لبعض المعاصرين مثل "المحرر في أسباب نزول القرآن" للدكتور خالد المزيني، وهو رسالة علمية جمعه من الكتب التسعة، طريقته مرتبة وجيدة ومنظمة، ويذكر رواية، ويذكر عناوين تحتها، ويتكلم على قضايا تتعلق بها، ويذكر الخلاصة، فهو كتاب جيد وتعليمي مفيد ويناقش هذه الأشياء هل هذه فعلاً أسباب النزول أو لا؟ فهو من أنفع الكتب لأسباب النزول، وهناك كتاب اسمه "الاستيعاب في بيان الأسباب" لمحمد موسى نصر، يقع في ثلاثة مجلدات، حاول أن يجمع الروايات لأسباب النزول الصحيح والضعيف لكن فات المؤلف بعض الأشياء، ويحكم على الروايات، وهناك من حاول أن يجمع الروايات الصحيحة فقط مثل "صحيح أسباب النزول" لإبراهيم محمد علي، مطبوع في مجلد، عدد رواياته (324) رواية في أسباب النزول، وذكر (146) رواية مما لا يعد من أسباب النزول في نظره، وفيه أيضاً كتاب للشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- اسمه "الصحيح المسند من أسباب النزول" مجلد صغير، ذكر جملة من أسباب النزول الصحيحة لكنه لم يستوعب، وليس المقصود هو الاستقراء لكل الكتب إطلاقا، وإنما نذكر بعض الكتب، ولمعرفة أسماء السور، ولماذا سميت بهذا الاسم، وبعض كتب التفسير تُعنى بهذا، وهناك كتاب صدر أخيراً في هذا الموضوع اسمه "أسماء سور القرآن وفضائلها" كتبته الدكتورة منيرة الدوسري، رسالة في إحدى الجامعات.

فهذه جوانب متنوعة أحببت أن أذكرها ولا أدعي أني استوعبت الكلام على كتب التفسير، ولا يمكن هذا، ولو أردنا أن ندرس كتاباً واحداً في دراسة تفصيلية لاحتجنا لوقت طويل، ويمكن أن يخرج الإنسان من هذا المجلس بتصورات ويكون عنده فكرة عن جملة من كتب التفسير، بحيث يتفتق ذهنه عن أشياء، هذا هو المقصود أما التتبع فطالب العلم يبحث وينظر ويقرأ ويقارن وهكذا، وهذا آخر ما أردت أن أذكره ونسأل الله أن يغفر لي ولكم، ويعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وينفعنا وإياكم بالعلم، ويرزقنا وإياكم التقوى والإخلاص والمراقبة، ويغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تم بحمد الله وفضله.

مواد ذات صلة