الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
مجلسان في الفرق بينن الصحابةا وبين جيل
تاريخ النشر: ٢٩ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 5504
مرات الإستماع: 11836

الفرق بيننا وبين جيل الصحابة 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإذا أردنا أن نعرف الفرق بيننا وبين جيل الصحابة الذين فتحوا القلوب قبل البلاد، ونشر الله على أيديهم هذا الخير وهذا الدين حتى انتشر انتشار الشمس، ووصل إلينا، فنحن ننعم ببعض ذلك الجهد الذي بذلوه - رضي الله عنهم وأرضاهم - .
وإذا أردنا أن نعرف الفرق بيننا وبينهم، وأن نعرف السر والسبب في ضعف نتائج أعمالنا، وما لأعمالهم من النتائج الباهرة، والنجاح الكبير الذي حققوه في فترة وجيزة في سنوات قليلة، فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وبشرهم النبي ﷺ بسواري كسرى، ولبسه أعرابي منهم، وما ماتوا حتى رأوا - رضي الله عنهم وأرضاهم - شموس الإسلام تشع على أرجاء المعمورة، ونحن نبقى أزمنة متطاولة، ويبقى عملنا محدوداً، وجهودنا قليلة ومحدودة. 
إن كان ذلك في الجهاد في سبيل الله فقد كان جهادهم نطحة أو نطحتان ثم تفتح البلاد الشاسعة في غضون أيام، واليوم يبقى المسلمون يكابدون عشرات السنين - كما هو الحال في فلسطين على سبيل المثال - وهم لا يزالون يتراجعون إلى الوراء، فهو جهد طويل، ونفوس تزهق، وكرامة تهدر، وأموال تبذل من غير تحقيق للنتائج الملموسة التي كان الصحابة في تلك الفترة يحققونها في أيام، ونحن لا نحققها في عشرات السنين، فما هو السبب؟

سر قوة الصحابة 

أقول: السبب هو أن حالهم في الاستجابة لله ورسوله ﷺ تختلف عن حالنا واستجابتنا، والله تعالى يقول: يا أيُّها الّذِين آمنُواْ اسْتجِيبُواْ لِلّهِ ولِلرّسُولِ إِذا دعاكُم لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] إذا دعاكم لما يحييكم في كل شيء.
وهذه الآيات التي قرأت في الصلاة اشتملت على معاني عظيمة لو سئل عنها بعض من سمعها ماذا قرأ الإمام؟ فربما لا يدري ما قُرِئ، ومن درى فربما لا يفهم معنى ذلك، ومن فهم ربما لا يتحرك قلبه، ولو سألت كثيراً من المصلين حينما يخرج من المسجد، ما هي المعاني التي خرجت بها من هذه الآيات التي سمعتها لربما سألك ما هي الآيات التي قُرِأتْ أصلاً؟! وبهذا كانت صلاتنا لا تنهانا عن الفحشاء والمنكر، ولا تأمرنا بكل معروف.

بعض أحوال الصحابة مع القرآن

ماذا كان يفعل الصحابة حينما كانوا يسمعون الآيات؟
الله يقول: لن تنالُواْ الْبِرّ حتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُحِبُّون [آل عمران: 92] سمعها أبو طلحة فجاء مباشرة إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي بيروحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت! فقال النبي ﷺ: بخٍ بخٍ، ذاك مال رابح[1] وكانت من أفضل الأموال، وفيها بئر عذبة شديدة العذوبة، وهي مقابل المسجد في موقع قريب جداً، وكانت من أطيب وأفضل بساتين المدينة مع قربها، فأشار عليه ﷺ أن يجعلها في الأقربين.
وعمر لما سمع هذه الآية ماذا فعل؟ قال: بت أتفكر في أفضل مالي، فأتى النبي ﷺ فقال: إن أفضل ما أملك هو سهمي في خيبر - مزرعة في خيبر - وإنها صدقة لله ورسوله، فقال له النبي ﷺ : أرى أن تحبس الأصل وأن تسبل الثمرة، فالحاصل أن هؤلاء هكذا كانوا يتأثرون .
وعبد الله بن عمر كان عنده جارية رومية شديدة الجمال، يحبها محبة شديدة، يقال لها: مرجانة، فلما سمع هذه الآية وجد أن هذه الجارية هي أفضل شيء عنده فأعتقها لله، ويقول: لو كنت راجعاً في شيء مما جعلته لله لتزوجتها، فزوجها مولاه نافع[2] ولا يريد أن يرجعها بطريقة أخرى، وكان الرجل منهم إذا تصدق بصدقة لا ترجع إليه ولو بطريق من الطرق المعتبرة، فلو وجد الفرس الذي تصدق به يباع في السوق كره شراءه، فلا ترجع إليهم صدقاتهم ولو بالشراء.
وعمر - كان قد اشترى جارية جميلة من السبي الذي بيع في جلولاء - كما أوصى بذلك أبا موسى الأشعري فنظر إليها فقال: اذهبي فأنت حرة لن تنالُواْ الْبِرّ حتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُحِبُّون [آل عمران: 92].
فإذا أردنا أن نعرف الفرق والنتائج وسبب التفاوت في النتائج فلنعرض أنفسنا على القرآن، ولننظر إلى حال أصحاب النبي ﷺ مع القرآن وحالنا معه، فمن منا الذي يقول: أفضل أموالي هي الأرض الفلانية، التي هي في موقع كذا وشارع كذا، وقيمتها كذا وكذا من المال، وهي صدقة لله ؟ من منا يقول: أفضل مالي هو الأرض الفلانية أجعلها مسجداً لله ؟ من الذي يقول: أفضل سياراتي هي السيارة الفلانية وهي صدقة لله؟ خذوها يا توعية الجاليات، من منا يقوك ذلك؟ وأنا أبدأ بنفسي أولاً، والمشكلة عندنا تحتاج إلى معالجة، وأول طريق إلى العلاج هو أن يبصر الإنسان تقصيره وعيوبه؛ لأن الذي لا يدرك تقصيره وعيوبه لا يعالج، والإنسان الذي يقول: لا يوجد فيّ شيءٌ، وأنا ما قصرت، وليس عندي مشكلة هذا لا يمكن أن يتغير، فأول شيء يحتاجه الإنسان أن يبصر ويعرف أنه مقصر، وإذا عرف أنه مقصر فقد وضع قدمه على أول الطريق، فإذا استمر وصل - بإذن الله تبارك وتعالى - لكن الغفلة تغلف قلوبنا، ومن ثم نعمى عن كثير من عيوبنا فلا نتقدم كثيراً.
فنسأل الله - عز وجل - أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، ونياتنا وذرياتنا، وأن يغفر لموتانا، وأن يشفي مرضانا، وأن يعافي مبتلانا، وأن يجعل آخرتنا خير من دنينا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
والحديث له بقية يسيرة - إن شاء الله - .

  1. متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب: الزكاة على الأقارب (2/530) رقم (1392)، ومسلم في كتاب الزكاة باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد (2/693) رقم (998).
  2. أخرجه الحاكم في المستدرك (3/647)، لكن اسم الجارية في المستدرك: رضية، وليست مرجانة فإن كان في كتاب آخر، فالله أعلم.

 

مواد ذات صلة