الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"قال أبو جعفر بن جرير: معنى الْحَمْدُ للّهِ [سورة الفاتحة:2] الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد".
يلاحظ في كلام ابن جرير - رحمه الله - أنه فسر الحمد بالشكر، وهذا يعني أن ابن جرير الطبري - رحمه الله - لا يفرق بين الحمد وبين الشكر، فيرى أنهما بمعنى واحد، فالحمد هو الشكر، وهذا قول لطائفة من أهل العلم.

"بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذَّاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه، ومع ما نبههم عليه، ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً، وقال ابن جرير - رحمه الله -: الحمد لله ثناءٌ أثنَى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا الحمد لله".
تفسير ابن جرير الحمد بالثناء يدل على أنه لا يفرق بين الحمد وبين الثناء، بمعنى أن ابن جرير - رحمه الله - يرى أن الحمد بمعنى شكر الله ، والثناء عليه، فيفسر الحمد بالشكر، ويفسره بالثناء.

وكثير من أهل العلم يفرقون بين الحمد وبين الشكر، وبعضهم يفرق بين الحمد وبين الثناء.

وهنا يقول: "وفي ضمنه أمْرُ عبادِه، أو في ضمنه أَمَرَ عبادَه أن يثنوا عليه" أي في ضمن الحمد، بمعنى أنه حينما قال: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] فهذه الصيغة ليست أمراً، وإنما هي صيغة خبر؛ لكنه يتضمن تعليم عباده أن يحمدوه، بأن يقولوا: الحمد لله، فحينما قال ذلك فهو يعلمهم كيف يقولون، وهذا هو معنى أن في ضمنه الأمر بحمده، فالصيغة صيغة خبر، لكن هي تعليمٌ من الله لعباده كيف يحمدوه.
"قال: وقد قيل: إن قول القائل الحمد لله ثناء عليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وقوله: الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه".
ابن جرير هنا أشار إلى القول الآخر فقال: (وقد قيل)، وهو جاء بهذه الصيغة كأنه يضعف ذلك، وهذا واضح من كونه ذكر المعنى الآخر أولاً.

قال: "وقد قيل إن قول القائل: الحمد لله ثناءٌ عليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، والشكر ثناءٌ عليه بنعمه، وأياديه" يقصد بهذا أن الشكر يكون على النعمة المتعدية إلى المخلوق، والحمد على هذا القول يكون بإضافة المحامد لله ، وذكره بأوصاف الكمال - تبارك وتعالى -.

فإذا أثنيت على إنسان بصفاتٍ لازمة مثل: الهيبة، والعظمة، وما أشبه ذلك؛ فهذا حمد، وإذا أضفت إليه، أو أثنيت عليه على صفة متعدية كالكرم فإن هذا يكون من قبيل الشكر، ولهذا فإن بعض أهل العلم يفرق بين الحمد والشكر، فيقول: الحمد إنما يكون باللسان، ويكون على النعمة وغيرها أي على كل حال، والشكر لا يكون إلا على نعمة، ويكون باليد، واللسان، والجوارح، فصار بينهما عمومٌ وخصوص، كل واحد منهما أعم من الآخر من جهة، وأخص من جهة، هذا وجه من وجوه التفريق بين الحمد والشكر.

قال المفسر في الفرق بين الحمد والشكر: "والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة، والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته، وحمدته لكرمه، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول، والفعل، والنية، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال: شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه، وإحسانه إليَّ، هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين، والله أعلم".
فقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قول ابن جرير ومن وافقه بأن الشكر والحمد بمعنىً واحد لا فرق بينهما، وهو قولٌ معروف، ومن فرّق - كالحافظ ابن كثير رحمه الله - اختلفت أقوالهم، فمن أشهرها ما ذكره هنا من أنهما يفترقان إذا ذكرا معاً.

وعلى كل حال يكون الحمد أعم من جهة، وأخص من جهة، فالحمد أعم من جهة أنه يكون على النعمة وعلى غير النعمة، فالله محمودٌ على كل حال - على النعمة، وغير النعمة -، ويكون على الصفات المتعدية، والصفات اللازمة، فالله يحمد لما يتصف به من أوصاف الكمال، يحمد لعظمته، ولمجده، ولجلاله، ولعزته، وهذه صفات لازمة، ويحمد لكرمه، ولرحمته، وجوده، وعطائه، وبره، وإحسانه، وإفضاله، وهذه كلها أوصاف متعدية.

وأما الشكر فيقولون: إنه لا يقع إلا بإزاء نعمة أي بمقابل نعمة، فهو من هذه الناحية أخص من الحمد، ويكون على الأوصاف المتعدية؛ لأن الإنعام إنما يكون بالوصف المتعدي مثل: الرزق، والكرم، والإحسان وما أشبه ذلك، فمن جهة ما يقعان عليه يكون الحمد أعم من الشكر، ومن جهة مورد الحمد والشكر فإنه يكون بالنسبة للحمد أخص؛ لأن الحمد إنما يكون باللسان، وهذا ولا بد مع مواطأة القلب حتى لا يكون منافقاً، وأما الشكر فيكون باللسان وبالقلب - أي باستحضار النعمة وشكرها بالقلب -، ويكون أيضاً بالجوارح.

أفادتكم النعماء مني ثلاثةً

يدي ولساني والضمير المحجبا

أي: إنعامكم وإفضالكم أثر شكراً بالقلب، واللسان، والجوارح، فيلهج اللسان بالشكر، والجوارح بالخدمة كما يقال، كأن تصلي وتحسن إلى الناس ونحو ذلك قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا [سورة سبأ:13].

فهذا من أشهر الفروق عند من فرق بين الحمد والشكر، وبعضهم يقول غير هذا، وعلى كل حال ليس هذا مقام تطويل.

"وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم".
من الفروقات أن يقال: إن الحمد نقيضه الذم، والشكر نقيضه الكفر.
"تقول: حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة، فهو حميدٌ ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعم من الشك،. وقال في الشكر: هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال شكرته وشكرت له، وباللام أفصح، وأما المدح فهو أعم من الحمد.."
قوله في الشكر: "هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف" يعني على الأوصاف المتعدية ويكون بإزاء النعمة.

وقوله: "هو الثناء على المحسن" هذا بناءً على تفسير الحمد بإضافة المحامد ونسبتها إلى المحمود أي أوصاف الكمال، فلا يكون بمعنى الثناء، وإنما الثناء هو إعادة الحمد ثانياً، وكثير من أهل العلم لا يفرق، وبعض أهل العلم يضيف قيداً آخر في الفرق بين الحمد والشكر وهو قيد يتعلق بقضية الأوصاف أو الكمالات الاختيارية، ولتوضيح معنى الأوصاف الاختيارية نذكر مثلاً الجمال فهو كمال لكنه ليس اختيارياً بالنسبة للإنسان، أما الكرم فهو كمال اختياري، فهذا يذكرونه في الفرق بين الحمد وبين المدح.

يقول: "يقال شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح" المشهور باللام وهو الأكثر استعمالاً قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [سورة لقمان:14]، وقال تعالى: وَاشْكُرُواْ لِلّهِ [سورة البقرة:172]، ويأتي متعدياً بنفسه كما في قوله تعالى: وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:114].

وفي قول الشاعر:

شكرتك إن الشكر حبلٌ من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضى

فقال: شكرتك، مع أن الغالب في الاستعمال أن يقول: شكرت لك.
"وأما المدح فهو أعم من الحمد؛ لأنه يكون للحي وللميت وللجماد أيضاً، كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً فهو أعم".
يعني أن الحمد أو الشكر لا يكون للحيوانات، ولا للجمادات، فلا تقول: حمدت هذه السارية، ولا تقول: حمدتُ هذه الدابة، وإنما يكون لمن يعقل فتقول: حمدتُ زيداً، وتقول: فلان يحمد صاحبه، وفلان يشكر صاحبه، وما أشبه هذا.
وبالنسبة للمدح فإنه يكون على الصفة اللازمة والمتعدية، ويكون بسبب النعمة، والإنعام، والإفضال، ويكون من غير ذلك، ويكون على الأوصاف الاختيارية، وعلى الأوصاف غير الاختيارية، فتُمدح المرأة لجمالها، ولطولها، ولسواد عينيها وما أشبه ذلك، لكنها لا تشكر على هذا، فلا يقال: شكراً على بياض وجهك، وطول قامتك، ولكن يمكن أن تمدح على ذلك، فالمدح سائغ على أوصاف الكمال الاختيارية، وغير الاختيارية، وعلى الأوصاف اللازمة والمتعدية، فتَمدح المرءَ لعزته وهيبته، وتمدحه أيضاً لكرمه، وبره، وجوده، وإحسانه، وهكذا.

وكذلك قد تَمدح الصِّبْغَ، وتمدح الخشب، وتمدح الجهاز، وتمدح اللباس، وفلان يمدح السيارة الفلانية، وتمدح نوعاً من الأشجار، وهكذا فهو أعم.

"ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعليٍّ - ا - وأصحابه عنده: "لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر قد عرفناها، فما الحمد لله؟" قال عليٌّ: "كلمة أحبها الله تعالى لنفسه..".
قد يقول قائل: إنه لم يذكر معنىً جديداً في تعريف الحمد في قوله: كلمة أحبها الله لنفسه، والسؤال هو عن معنى الحمد، وهذا يدل على نبذ السلف للتكلف، فهم أبعد ما يكونون عن التكلف، والتشقيق لم يكن من أفعالهم، وإنما وجد هذا عند المتكلفين من بعدهم، ونحن مهما حاولنا أن نتخلص من هذا الأمر إلا أنه للأسف أمرٌ كأنا طبعنا عليه، حيث تجد الواحد منا يتلقى العلم بهذه الطريقة، ثم لا يستطيع أن ينفك من إسارها.

"قال عليٌ: "كلمة أحبها الله تعالى لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال"، وقال ابن عباس - ا -: "الحمد لله كلمة الشكر، وإذا قال العبد الحمد لله قال: شكرني عبدي، رواه ابن أبي حاتم".
ابن عباس إمام في التفسير، وفي اللغة، ومع هذا لم يفرق بين الحمد والشكر، وعلى كل حال فالأمر في هذا سهل، والمقصود أن نشتغل بحمد الله، والثناء عليه، وشكره، وهذا يتحقق بأن يلهج اللسان بهذه الأمور، ولكن للأسف أنه يغلب علينا الاشتغال بمثل هذه التشقيقات مع التقصير في العمل.
"وقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله! ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي - تبارك وتعالى - فقال: أما إنّ ربك يحب الحمد[1] ورواه النسائي، وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله[2]، وقال الترمذي: حسن غريب، وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله ﷺ: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله؛ إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ[3]، وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ حدثهم إن عبداً من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى الله فقالا: يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله - وهو أعلم - بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها[4]، والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله.. الحديث[5].
والرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله، ولا يستعمل الرب لغير الله بل بالإضافة تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب فلا يقال إلا لله ، وقد قيل: إنه الاسم الأعظم".

قال: "والرب هو المالك المتصرف، ثم قال: ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله" لو قيل: الرب هو المالك المتصرف المعبود المدبر لشئون خلقه، المربي لهم بالنعم الظاهرة والباطنة، وهو السيد بحيث تُذكر هذه المعاني جميعاً كان أولى؛ فهذه كلها ثابتة لله - تبارك وتعالى -، فالمعاني التي يذكرونها في معنى الرب هي نحو سبعة معانٍ كلها ثابتةٌ لله ، ومنها أن يقال: الرب لصاحب الشيء، قال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [سورة الصافات:180]، فرب العزة معناه صاحب العزة، وكذلك الرب تطلق بمعنى السيد، فالرب هو السيد، والمالك؛ كما قال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وفي الحديث: لا يقل أحدكم: أطعم ربك[6] بمعنى سيدك.

ومن معاني الرب كذلك أي المربي لخلقه بالنعم الظاهرة والباطنة، وبأنواع التربية المعنوية بما يفيض عليهم من الرحمات، وألوان الإحسان المعنوي من هدايتهم للإيمان، وإرسال الرسل، وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون، وكذلك ما يفيض عليهم من ألوان اللذة والسرور بمعرفته ، وما يلهمهم من الصبر ونحو ذك، كما يربيهم التربية الحسية المتمثلة في نقلهم من طورٍ إلى طور في بطون أمهاتهم، ثم يخرجهم من بطون أمهاتهم، وما يكلؤهم به من ألوان النعم وهكذا، فهذا كله من تربيته لهم ، فالرب يأتي لهذه المعاني كلها.

وإذا نظرت في الرب باعتبار أنه السيد يكون ذلك صفة ذات، وإذا نظرت إليه باعتبار أنه المتصرف المربي لخلقه وما أشبه ذلك فهي صفة فعل، وبهذا نعرف أن أوصاف الله منها ما يكون صفة ذات باعتبار، ويكون صفة فعل باعتبارٍ آخر، ومن الاعتبارات في ذلك تنوع القراءات وسيأتي ذكر هذا في قوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4] فعلى قراءة "ملك" يكون ذلك صفة ذات، وعلى قراءة "مالك" يكون صفة فعل.

قوله: "وأما الرب فلا يقال إلا لله " يعني هذا إذا أطلق من غير قيد، فأما قولك: أنا رب الإبل، أنا رب الدار، أنا رب السيارة؛ فهذا لا إشكال فيه، لكن الرب هذا لا يطلق إلا على الله .

وقد جاء في بعض شعر العرب إطلاق الرب على بعض البشر من الناس، وهذا تعدٍّ وتجاوز بالمخلوق قدره، فهذا لا يجوز بحالٍ من الأحوال، ووقوعه في شعر بعض العرب حاصل لكنه نادر.

"والعالَمين جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله ، والعالَم جمع لا واحد له من لفظه".
العالَمين جمع عالم هذا هو المشهور، وبعضهم يقول: إن هذا اسم جمع وليس جمعاً للعالَم لكن هذا القول فيه نظر.

يقول: "والعالَم جمع لا واحد له من لفظه" فالعالَم جمعٌ، وعالَمين جمع عالَم، فإذا كان العالَم جمع لا واحد له؛ فالعالَمين جمع الجمع، وجمع الجمع لا واحد له من لفظه.
"والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات، وفي البر، والبحر، وكل قرنٍ منها وجيل يسمى عالَماً أيضاً".
يعني أن العالَمين جمع للجمع ليشمل ذلك سائر الأصناف، فالملائكة عالَم، والجن عالَم، والطيور عالَم، وهكذا.

وكذلك أصناف الأمم أيضاً يقال لهم: عالَم، فنقول مثلاً: العالَم العربي؛ فهذا إطلاق صحيح في اللغة، وكذلك الأجيال، والقرون، فكل جيل يقال له: عالَم، فالله رب العالَمين، رب الأولين والآخرين، رب السماوات والأرض وما بينهما، وأحسن ما يفسر به القرآن القرآن، وقد قال موسى ﷺ جواباً لفرعون لما قال له: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [سورة الشعراء:23-24]، فالعالَمين يشمل ذلك جميعاً أي: العالَم العلوي، والعالَم السفلي، وما بينهما بكل ما يحويه من المخلوقات.

"قال الفراء وأبو عبيد: العالَم عبارة عما يعقل وهم: الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين، ولا يقال للبهائم عالَم".
هذا قول لبعضهم، ولكنه ليس محل اتفاق.

"وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن: العالَم كل ما له روح ترفرف".
وهذا القول أعم أوسع، فذاك يقول: ما كان له روح ويعقل، وهذا يقول: ما كان له روح ترفرف، فيدخل فيه الحشرات، والطيور، والحيوانات.
"وقال قتادة: رب العالمين كل صنف عالَم، وقال الزجاج: العالَم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة، قال القرطبي: وهذا هو الصحيح، إنه شامل لكل العالَمين، كقوله: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [سورة الشعراء:23-24]، والعالَم مشتق من العلامة، قلت: لأنه عَلَم دال على وجود خالقه، وصانعه، ووحدانيته".
هذا هو المشهور عند أهل اللغة وعند المفسرين وهو أن العالَمين جمع عالَم، والعالَم مشتقٌ من العلامة؛ لأنه يدل على قدرة الصانع وعلمه.

وبعض أهل العلم يقول: إن العالَم مشتقٌ من العِلم؛ وذلك أنه نتج عنه وصدر عنه، فإن هذا الخلق لا يمكن أن يصدر إلا عن علم، ثم إن الإحاطة به لا يمكن أن تتأتى إلا بالعلم، فهو يعلم أحوال هذا العالَم.

ويقول بعضهم ممن قالوا: إنه مشتق من العِلم يقولون: لأن هذه المخلوقات توصف بالعلم، وهذا يأتي على قول من يحصرها بمن يعقل إلا على وجهٍ من التكلف وذلك إذا قلنا: إن ما لا يعقل من هذه الأشياء قد أعطاها الله علماً يناسبها.

  1. أخرجه أحمد (15624) (ج 3 / ص 435) وضعفه شعيب الأرنؤوط.
  2. أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة (3383) (ج 5 / ص 462) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1104).
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب - باب فضل الحامدين (3805) (ج 2 / ص 1250) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم (3805).
  4. أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب - باب فضل الحامدين (3801) (ج 2 / ص 1249) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه برقم (3801).
  5. أخرجه أحمد (23403) (ج 5 / ص 395) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (963).
  6. أخرجه البخاري في كتاب العتق - باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي (2414) (ج 2 / ص 901) ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها -  باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد (2249) (ج 4 / ص 1764).

مرات الإستماع: 0

يقول الإمام ابن جُزي الكلبي: "سورة أم القرآن، وتُسمى سورة الحمد، وفاتحة الكتاب، والواقية، والشافية، والسبع المثاني، وفيها عشرون فائدة سوى ما تقدم في اللغات من تفسير ألفاظها، واُختلف هل هي مكية، أم مدنية". 

هنا ذكر هذه الأسماء الخمسة لهذه السورة، وهذا السورة لها أسماء متعددة، وهي من أكثر سور القرآن من هذه الجهة يعني أن أسماءها تُعد من أكثر الأسماء، حتى عد بعضهم لها خمسة وعشرين اسماً، والواقع أن هذه الأسماء التي يذكرونها كثير منها لا يثبت، ولا يصح، ولا دليل عليه، وبعض هذه الأسماء هي من قبيل الأوصاف، والأصل في الأسماء أسماء السور الأصل فيها أن تكون توقيفية، ولكن من الناحية الواقعية نجد أن بعض السلف قد سمى بعض السور بأسماء لا يُعرف أن ذلك قد ثبت عن الرسول - عليه الصلاة، والسلام - وقد ذكر بعض أهل العلم أن الشيء الشريف تكثر أسماؤه، ولذلك قالوا كثُرت أسماء السيف، وكثُرت أسماء الأسد، ولكن هذا ليس - أيضاً - على إطلاقه، فقد تكثر أسماء الشيء غير الشريف - أيضاً - فالحية لها أسماء كثيرة عند العرب، وليست من ذوات الشرف، والكلب عد له السيوطي أكثر من سبعين اسماً لما وقف على قول أبي العلاء المعري حينما عثر برجل نائم في المسجد، فقال ذلك النائم: من هذا الكلب؟ فقال: الكلب الذي لا يعرف للكلب سبعين اسماً، فألف السيوطي رسالة سماها "التبري من معرة المعري"، وعد له أكثر من سبعين اسماً، ثم نظمها - أيضاً - فالمقصود أن هذا ليس على اطراد أن الشيء الشريف دائماً هو الذي يكون له أسماء كثيرة فهذا يكون للشيء الشريف، ويكون - أيضاً - لغيره.

فعلى كل حال من هذه الأسماء الثابتة لهذه السورة أنها تُسمى السبع المثاني، وبعض أهل العلم يقول - أيضاً - السبع المثاني، والقرآن العظيم؛ لقول الله - تبارك، وتعالى - في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] والنبي ﷺ فسر ذلك بالفاتحة، كما في حديث أبي سعيد بن المُعلى، وحديث أبي هريرة، وأُبي بن كعب - أجمعين -  وسيأتي هذا إن شاء الله -.

فهي السبع المثاني، السبع المثاني قيل لها ذلك بعض أهل العلم يقولون لأنها مُتضمنة لحمد الله والثناء عليه، والتمجيد له كما في حديث: قسمت الصلاة بيني، وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي[1].

وقد عرفنا أن الثناء يفترق عن الحمد، فالثناء ذكر الحمد ثانياً من التثنية مع أن الكثيرين من أهل العلم يُفسرون الحمد بالثناء، وهذا لا يخلو من تساهل، والأمر يسير في هذا - إن شاء الله -  لكن هذا هو الفرق تثنية الحمد ذكره ثانياً هذا هو الثناء، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي والمجد السعة في الأوصاف كما ذكرنا في الكلام على اسم الله المجيد في الكلام على أسماء الله الحُسنى معنى المجد يدل على السعة، وكثرة أوصاف الكمال مجدني عبدي .

وكذلك ما قيل أنها سبع مثاني باعتبار أنها تُثنى في كل صلاة، بل في كل ركعة، يعني: تُكرر.

وكذلك ما قيل بأنها سُميت بالسبع المثاني باعتبار أنها قد اشتملت على جميع المعاني التي تضمنها القرآن، كما جاء عن بعض أهل العلم كالشافعي - رحمه الله - وغيره، فمعاني القرآن ترجع إلى الفاتحة.

وكذلك ما قيل من أنها سُميت بالمثاني باعتبار أنها يعني أن الله استثناها لهذه الأمة فخصها بها من بين سائر الأُمم، كما جاء في حديث أُبي مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه، وآله، وسلم - قال: والذي نفسي بيده ما نزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها[2].

يعني: أنها انفردت بها هذه الأمة، سبع مثاني، والقرآن كله مثاني، قيل: لأنه تُثنى فيه الأخبار، والقصص، والمواعظ، والعِبر، والأمثال، وما أشبه ذلك  اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23] ولهذا كان بعض أهل العلم في التفسير يُفسر الآيات، وإن تكرر ذلك في موضع قبله، ويحتج بهذا باعتبار بأن القرآن مثاني، وأن هذا مقصود فلا يتجاوز، ويقال قد مضى ذلك؛ لما فيه من تجديد التذكير، والعِظة، والعِبرة، وما أشبه ذلك، وعلى كل حال هذا في تسميتها بالسبع المثاني.

وهذه الواو وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] بعضهم قال: إن هذه الواو هي عاطفة للأوصاف، والموصوف واحد أن هذا يرجع إلى سورة الفاتحة، فهي السبع المثاني، والقرآن العظيم، كما قال النبي ﷺ: بأنها هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته[3].

فقالوا: هذا من باب عطف الصفات، والموصوف واحد كقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۝ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [الأعلى: 1 - 4] فهذا كله لموصوف واحد تارة بالعطف، والذي، والذي، وتارة بالإسقاط إسقاط حرف العطف: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى: 1 - 2] وكما في البيت المعروف:

هو الملك القرن وابن الهُمام وليث الكتيبة في المُزدحم

فلاحظ أنه ذكر العطف بالواو   - وأيضاً - أسقطه، فهذا كل لموصوف واحد، فمن نظر إلى هذا قال بأن اسم السورة السبع المثاني، وهي القرآن العظيم - أيضاً - ؛ لأنها تضمنت معاني القرآن، هكذا فسره بعض أهل العلم، من الأسماء الثابتة لها فاتحة الكتاب كما في حديث عُبادة بن الصامت عن النبي ﷺ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب[4] فهذا نص في هذا الاسم. 

وكذلك حديث أبي قتادة : كان النبي ﷺ يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين... [5] وفي رواية: ويقرأ في الركعتين الأُخريين بفاتحة الكتاب [6].

وكذلك - أيضاً - حديث أبي هريرة : أمرني رسول الله ﷺ أن أُنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد[7].

وحديث ابن عباس - ا - المشهور: أبشر بنورين أوتيتهما فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة[8] والأحاديث في هذا الاسم كثيرة هو ثابت يكفي هذه الأحاديث، لا داعي لسرد الأحاديث، والروايات التي فيها إثبات هذا الاسم فهو ثابت قطعاً أن من أسمائها فاتحة الكتاب، قيل لها ذلك باعتبار أنها تُفتتح بها المصاحف خطاً، وتلاوة، وتُفتتح فيها القراءة - أيضاً - في الصلاة، فهذا ليس من الأوصاف، وإنما هو اسم متضمن لصفة، فإن أسماء القرآن، وأسماء سور القرآن، كما أن أسماء الله - تبارك، وتعالى - وأسماء النبي ﷺ كل ذلك مُضمن لأوصاف، أسماء مُضمنة لأوصاف.

فالنبي ﷺ هو الماحي، والحاشر، والعاقب، وأحمد، ومُحمد - عليه الصلاة، والسلام - فكل اسم يتضمن ضفة، وكذلك أسماء القرآن كما سبق حينما يقال القرآن، والفرقان، ونحو ذلك، هذه الأسماء مضمنة لأوصاف.

فكذلك سور القرآن، بخلاف أسمائنا فإنها لا تتضمن أوصافاً تعود علينا؛ لأن هذا الاسم هو مجرد علم يدل على صاحبه، وقد يكون صاحبه أبعد ما يكون عن الصفة التي يحملها هذا الاسم.

ذكر جماعة من أهل العلم أن من أسمائها الرُقية بناء على حديث أبي سعيد الخُدري في قصة سيد الحي الذي لُدغ فرُقي بسورة الفاتحة، وقال ذلك الراقي حينما سُئل هل كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب - وسيأتي هذا الاسم -.

الشاهد أنهم لما ذكروا للنبي ﷺ قال: وما يُدريه أنها رُقية[9]، هذا هو الشاهد وما يُدريه أنها رُقية هل هذا اسم لها، أو أنه وصف؟ بعض أهل العلم قال: هذا من أسمائها وما يُدريه أنها رُقية والذي يظهر - والله أعلم - أنه من الأوصاف، وليس باسم.

وجاء هذا - أيضاً - من حديث خارجة بن الصلت - رضي الله عن الجميع - عن عمه: أنه مر بقوم، فأتوه، فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير يعني: من عند النبي ﷺ فارقي لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود يعني: الأصل أنا ما نورده في هذه المجالس هي الأحاديث الصحيحة، يعني: لا أحتاج أن قول، وهذا الحديث ثابت صحيح، إلا إذا ذُكر أن هذا الحديث ضعيف، فالشاهد أنهم جاءوا برجل معتوه، والمعتوه يعني فيه جنون، والجنون مراتب منها هذ المرتبة معتوه في القيود يعني: مربط مُقيد، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غُدوة، وعشية، كُلما ختمها جمع بُزاقه، ثم تفل التفل هو الأبلغ في الرُقية، ثم النفث، وهو نفخ مع ريق، ثم النفخ، ثم القراءة من غير نفخ، وأما هذه القراءة عن بُعد بالهاتف فلا أدري ما هي! وقد مضى الكلام على هذا في شرح الأذكار.

يقول: كلما ختمها جمع بُزاقه، ثم تفل، فكأنما أنُشط من عِقال البعير إذا عُقل رُبطت يده مضمومة لا يستطيع النهوض، فإذا حُل عقاله قام، ونهض.

الشاهد: فأعطوه شيئاً، فأتى النبي ﷺ فذكره له، فقال النبي ﷺ: كُل فلعمري لمن أكل برُقية باطل لقد أكلت برُقية حق[10].

وهذا - أيضاً - لا يدل على التسمية بالرُقية، الحاصل الذي يظهر أن هذا من قبيل الأوصاف مع أنه ذكره كثير من أهل العلم على أنه من أسماءهئها الرُقية.

لكن من الأسماء الثابتة قطعاً: "أم القرآن"، كما في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج، قاله ثلاثاً[11] يعني: غير تمام، فهذا نص في التسمية.

وعنه عن النبي ﷺ حينما ذكر أبو هريرة  صلاته بهم قال: في كل صلاة يُقرأ هذا كلام أبي هريرة   فما أسمعنا رسول الله ﷺ أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير[12]، وهو مُخرج في الصحيحين، وفي حديث عُبادة مرفوعاً: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن[13]، وهو في مسلم.

وكذلك - أيضاً - من حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا تُجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن[14].

وكذلك في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم[15].

وفي رواية: هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني[16] هذه الجُمل هي من قبيل التنصيص على التسمية، فما ذُكر فيها هو قطعاً من الأسماء.

وكذلك وردت روايات أخرى لكن يكفي هذا القدر، سُميت أم القرآن بأي اعتبار؟ قالوا: باعتبار أنه اُبتدئ بها فهي مُبتدؤه، وأصله   - وأيضاً - باعتبار أنها اشتملت على معاني القرآن كما سبق فهي عائدة إليها، كما يقال عن مكة من أسمائها أم القرى؛ لتقدمها أمام جميعها، ولجمعها ما سواها.

وقد ذكر أبو جعفر ابن جرير الطبري - رحمه الله - في الكلام على هذا الاسم مُعللاً له قال: "لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة، والكتابة، قال: وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب، يقول: وإنما قيل لها بكونها كذلك أم القرآن؛ لتسمية العرب كل جامع أمراً، أو مُقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع أُماً"[17].

يعني: يقال له لذلك أُم، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس، وهذا مضى في الكلام على الغريب، وتُسمى لواء الجيش، ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش أُماً، وقد مضى شواهد لهذا من كلام العرب.

من الأسماء التي ذكروها، وهي ليس من الأسماء المقطوع بها، وإنما يحتمل، وإن كان الاحتمال فيه أقوى مما ذُكر من تسميتها بالرُقية أخذاً من قوله ﷺ: وما يُدريه أنها رُقية هذا الاسم، وهو الصلاة بناء على حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه - تبارك، وتعالى -: قسمت بيني، وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي إلى آخر الحديث، وهو مُخرج في صحيح مُسلم، قسمت الصلاة بيني، وبين عبدي نصفين.

ثم ذكر الآيات من سورة الفاتحة، قالوا: فالمقصود بالصلاة هنا الفاتحة، فأخذوا منه أن من أسمائها الصلاة، وهذا يحتمل احتمالاً قوياً، لكن هل هو قطعي في التسمية كالأسماء التي سمعنا آنفاً؟ الجواب: لا، فيه احتمال، وذلك أن هذا، وإن ذُكر فيه الفاتحة باعتبار أنها رُكن في الصلاة، فالصلاة قد تُطلق الصلاة على جُزء منها، كما قال الله : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء: 78] المقصود به قطعاً صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل، وملائكة النهار.

وكذلك - أيضاً - أدبار السجود، يعني: بعد الصلاة، فالسجود المقصود به الصلاة هنا، فتسمية العبادة بجزء منها غاية ما هنالك أن ذلك يدل على أهميته، وعلى رُكنيته، وأنه لا يسقط بحال، تسمية العبادة بجُزء منها.

على كل حال الله يقول: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110] المقصود هنا بالجهر بالصلاة يعني القراءة، فهذا الاسم ذكره جمع من أهل العلم أن من أسمائها الصلاة أخذاً بهذا الحديث - والله تعالى أعلم -.

من أسمائها القطعية الثابتة: أم الكتاب كما في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: الحمد لله رب العالمين، أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم[18].

وحديث عائشة - ا - عن النبي ﷺ: كُل صلاة لا يُقرأ فيها بأم الكتاب فهي خِداج كما سبق، وكذلك في أحاديث أخرى لا حاجة للتتبعها، واستقرائها.

يقول الإمام البُخاري - رحمه الله - بأنها سُميت أم الكتاب؛ لأنه يُبتدئ بكتابتها في المصاحف، ويُبدئ بقراءتها في الصلاة أم الكتاب، كما قلنا في أم القرآن، أم الكتاب، ويمكن أن يكون هذا باعتبار أنها جامعة لمعاني القرآن، وما تضمنه من الهدايات.

كذلك - كما سبق - أن من الأسماء التي ذكرها بعض أهل العلم أنها تُسمى بالقرآن العظيم بناء على آية الحِجر، والحديث - أيضاً - هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته[19].

وجاء هذا من حديث أبي سعيد بن المُعلى[20] وحديث أُبي بن كعب، وحديث أبي هريرة[21]   - أجمعين -  الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم  هذا بأي اعتبار؟ باعتبار أن الواو لعطف الصفات، كما قال الله : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن: 68].

ومعلوم أن النخل، والرُمان من جملة الفاكهة، فهذا من باب عطف الصفات، باعتبار أن سورة الفاتحة تضمنت معاني القرآن كما ذكرنا، ويحتمل أن تكون الواو لعطف التغاير يعني في الذوات، وليس الصفات، فيكون القرآن العظيم الذي أؤتيه النبي ﷺ زيادة على الفاتحة وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] يعني: وآتيناك القرآن العظيم، لكنه خص الفاتحة لشرفها، وأهميتها انفردت بها هذه الأمة، لكن قوله ﷺ: هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته ظاهره أن هذا من أسمائها، وأن قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] أن هذا من قبيل عطف الصفات، ولا أقصد بهذا أن هذه صفات، وليست بأسماء كما ذكرنا سابقاً في الكلام على الصفة، والاسم، لا، أن هذا من جُملة الأسماء أن ذلك جميعاً يرجع إلى الفاتحة هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر: 24] فهنا بإسقاط حرف العطف، فذلك يرجع إلى ذات واحدة فهذا يكون من قبيل عطف الصفات، يعني: أن الموصوف واحد.

  - وأيضاً - من الأسماء الثابتة لهذه السورة الحمد لله رب العالمين، كما جاء في حديث أبي سعيد بن المُعلا عن النبي ﷺ: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني الحديث.

فهنا سماها بالحمد لله رب العالمين، يعني: سماها بأولها، هناك أسماء أخرى غير هذا كثير لكنها لا تثبت - والله تعالى أعلم - كما قال بعضهم: من أسمائها الأساس؛ لأنها أساس القرآن، وقالوا: من أسمائها الشافية، أو الشفاء باعتبار أنها يُستشفى بها، والرُقية، وقالوا: من أسمائها الواقية، وقالوا: من أسمائها الوافية؛ لأنها لا تُنصف، يعني: ما تقرأ في الركعة الأولى نصفها مثلاً، وتكتفي به، وقالوا: من أسمائها الكافية قالوا لأنها تكفي عن غيرها، ولا يكفي غيرها عنها.

وقالوا: من أسمائها الكنز جاء في الحديث: أنهما من كنز تحت العرش[22]، لكن هذا لا يدل على التسمية، وبعضهم ذكر من الأسماء السؤال، أو المناجاة كذلك الواجبة، قالوا: باعتبار أنها تجب قراءتها في الصلاة.

وبعضهم قال: النور لقوله: أبشر بنورين أؤتيتهما، وهكذا قال بعضهم التفويض، وبعضهم قال الحمد، وبعضهم قال تعليم المسألة سورة تعليم المسألة، على كل حال هذه لا تثبت، والله أعلم، لا تثبت كما ذكر السيوطي في "الإتقان" ذكر خمسة، وعشرين اسماً[23].

"وفيها عشرون فائدة سوى ما تقدم في اللغات من تفسير ألفاظها، واخُتلف هل هي مكية، أو مدنية".

هذه السورة التي عليه عامة أهل العلم سلفاً، وخلفاً إلا ما شذ أن هذه السورة نازلة بمكة، والدليل على هذا آية الحجر، وآية الحجر مكية بلا شك: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] والنبي ﷺ فسر السبع المثاني كما سمعتم بالفاتحة فدل على أن الفاتحة نازلة بمكة فآية الحجر تُشير إليها، وهي مكية بالإجماع أعني سورة الحجر، وكذلك - أيضاً - قول النبي ﷺ كما في حديث أبي سعيد بن المُعلى أنه قال: هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته.

وجاء هذا - أيضاً - في حديث أبي هريرة  واحتجوا - أيضاً - هذا من النقل بآية الحجر، وبهذه الأحاديث أنها السبع المثاني، وكذلك - أيضاً - قالوا بأن قراءتها ركن في الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها، ولم يكن النبي ﷺ يُصلي بمكة هذه المدة التي أوصلها بعض أهل العلم إلى ثلاثة عشرة سنة على خلاف في المدة التي بقيها النبي ﷺ في مكة، قالوا ما كان يُصلي من غير سورة الفاتحة، وإنما كان يقرأ بها منذ فُرضت عليه الصلاة، من أهل العلم من يقول أنها نزلت بالمدينة محتجاً بحديث ابن عباس الذي مضى آنفاً من قول الملك: أبشر بنورتين أؤتيتهما فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة.

قالوا: هذا بشارة، والبشارة فهموا أنها تكون لأمر مستقبل، والواقع أن البشارة لا يلزم أن تكون كذلك، فنزلت عليه سورة الفاتحة قبل فجاءت هذه البشارة بأن هذه السورة بهذه المثابة بياناً لفضلها، ومنزلتها، وشرفها، هذا غاية ما هنالك، ولذلك بعض أهل العلم كما تجدون في كتاب "الرُسل، والرسالات" للدكتور عمر الأشقر - رحمه الله - فهم من هذا الحديث أن بعض القرآن يأتي به غير جبريل - عليه الصلاة، والسلام - وحمل النصوص الواردة التي هي مُصرحة بأنه نزل به جبريل - عليه الصلاة، والسلام - بأن ذلك باعتبار الأعم الأغلب، فقال هذا الملك نزل من السماء، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما الواقع أنه جاء بالبشارة، ولم ينزل بسورة الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، وفرق بين هذا، وهذا، هو جاء بالبشارة، والصحيح أنه لا يثبت أن غير جبريل  نزل بشيء من القرآن كل ما نزل على النبي ﷺ من القرآن، فكان عن طريق بواسطة جبريل ﷺ وهذا الذي عليه عامة أهل العلم سلفاً، وخلفاً، بل يُشبه الإجماع، وحاول بعض أهل العلم أن يجمع بين هذا، وهذا فقالوا: نزلت نصفها في المدينة، ونصفها في مكة، وهذا لا دليل عليه، وهو أبعد هذه الأقوال، وبعضهم قال: نزلت مرتين مرة بمكة، ومرة بالمدينة مراعاة لحديث ابن عباس السابق، ولا حاجة لهذا إذا فهمنا المراد بالبشارة - والله أعلم -.

"واختلف هل هي مكية، أو مدنية، ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعية يعدُ البسملة آية منها، ومالك يُسقطها، ويعدُ أنعمت عليهم آية". 

نحن ذكرنا أن الشافعي - رحمه الله - من أهل مكة، وأهل مكة على قراءة ابن كثير المكي، وعلى قراءة ابن كثير البسملة من الفاتحة، وذكرنا الكلام على هذه المسألة في الكلام على البسملة، وخلاف أهل العلم في هذا، وذيول هذه المسألة، وما لها من فروع متعلقات بمسائل تتعلق بالجهر بالبسملة، ونحو ذلك، فبالإجماع الفاتحة سبع آيات كما دلت عليه آية الحِجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87] ولكن خلاف أهل العلم في الآية السابعة ما هي؟ هل البسملة هي الآية الأولى؟ أو أن قوله الحمد لله رب العالمين هي الآية الأولى؟ فبعضهم يقول إنها سبع آيات بدون البسملة، الأولى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الثانية: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الثالثة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الخامسة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ السادسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ السابعة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قالوا هذه سبع آيات من غير البسملة، وعلى الترقيم الموجود في المصاحف نجد أن البسملة هي الآية الأولى، وأن الآية السابعة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ وقد تكلمنا على هذا، وحديث قسمت الصلاة بيني، وبين عبدي نصفين وأنها من غير البسملة تكون على التساوي، فيكون قوله: هذه بيني، وبين عبدي إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني: تكون الثلاث الأولى في الثناء على الله، وحمده، والثناء، والتمجيد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ثم الرابعة هي التي قال: هذه بيني، وبين عبدي، ولعبدي ما سأل يعني: إِيَّاكَ نَعْبُدُ هذا للرب، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذه حاجة العبد، ثم بعد ذلك يأتي السؤال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ .

فتكون ثلاث، وثلاث هذه ست، والتي قال هذه بيني، وبين عبدي إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هي الوسط، فهي سبع آيات بدون البسملة، فإذا قيل بأن البسملة منها صارت أربع، وثلاث، وبينهما إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ولذلك هذه المصاحف هي على الترقيم الذي بُني على قراءة أهل الكوفة، وحفص عن عاصم هؤلاء من قُراء الكوفة، وذكرت لكم في الكلام على البسملة قولاً وسطاً يجمع هذه الأقوال قلنا هناك: بأن بعض أهل العلم نظر إلى القراءة فهي على بعض الأحرف السبعة من الفاتحة، وعلى بعض الأحرف السبعة ليست منها، وهذا القول فيه جمع بين الأقوال، وهو الذي ذكره صاحب المراقي بقوله:

وبعضهم إلى القراءة نظر وذاك للوفاق رأي مُعتبر[24]

يعني: الوفاق بين الأقوال، وأظن أن هذا القول جيد، واُعتبر فيه ما جاء في القراءة، والقراءة سنة متبعة تُتلقى إلى النبي ﷺ فهي من الفاتحة على بعض الأحرف، وليست منها على بعض الأحرف، وذكرنا لكم قول جمع من أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام بأنها آية مستقلة للفصل بين السور.

يعني: الذين قالوا ليست من الفاتحة، قالوا آية مستقلة للفصل بين السور، وهذا الخلاف إنما الأثر فيه هو من جهة القراءة، والإسقاط في الصلاة، إذا قلنا إنها آية منها فإذا أسقط آية لم تصح، والذين يقولون بأنها ليست بآية منها يقولون: يُسن قراءتها، هذا غاية ما هنالك، لكن لا يجب فلو أسقطها عمداً، أو سهواً صحت صلاته؛ لأن الفاتحة رُكن في الصلاة، فعلى كل حال الأحوط أن لا يُسقطها أبداً لكن يقال من قرأ بقراءة هي منها فإنه لا يُسقطها بحال من الأحوال - والله تعالى أعلم - وباقي التفاصيل ذُكرت في الكلام على البسملة.

"الفائدة الأولى: قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة عند مالك[25]، والشافعي[26] خلافاً لأبي حنيفة[27] وحُجتهما قوله ﷺ: لا صلاة لم يقرأ بفاتحة الكتاب[28] وحجة أبي حنيفة قوله ﷺ للذي علمه الصلاة: اقرأ ما تيسر من القرآن[29]".

لم يذكر قول الإمام أحمد - رحمه الله - وهذا كثير سواء كان في كتب التفسير، أو في كتب الفقه - أيضاً - عند بعض من صنف فيه، ابن رُشد في كتابه "بداية المجتهد"، وهو كتاب في الفقه المُقارن لا يذكر قول الإمام أحمد - رحمه الله - وهو من المالكية أعني ابن رُشد، وهنا ابن جُزي، وبعض من ألف في التفسير، أو الفقه لا يذكرونه، بأي اعتبار؟ باعتبار أن هؤلاء يرون أنه من المُحدثين، وليس من الفقهاء، فلا يذكرون قوله في المذاهب الفقهية أنه مُحدث، وليس بفقيه، وهذا الكلام غير صحيح، الإمام أحمد - رحمه الله - كان من المُحدثين، وكان من الفقهاء - رحم الله الجميع - وابن جرير - رحمه الله - كان يقول بهذا، ولم يكن من أهل المغرب، يعني ما كان من المالكية، وإنما له مذهب مستقل، وأتباعه كان يُقال لهم الجريرية لكنه انقرض المذهب، فقال بأن الإمام أحمد ليس بفقيه، وإنما هو مُحدث، فقام عليه الحنابلة، وحاصروا بيته، ورموه بالحجارة، وهموا به، وانحبس في بيته لا يخرج حتى قال بأن الإمام أحمد - رحمه الله - من الفقهاء.

فعلى كل حال هذا تعليل فقط ستجدون ذكر أقوال مثل هنا ذكر الأئمة الثلاثة - رحمهم الله - وما ذكر الإمام أحمد - رحم الله الجميع - هذا هو السبب إذا رأيته في بعض الكتب أن بعض أهل العلم يرون أنه من المُحدثين.

هذه المسألة التي ذكرها، وهي قراءة الفاتحة في الصلاة، ومذاهب العلماء في ذلك، فهذه الجمهور على وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام، والمنفرد، وأنه لا تصح الصلاة بدونها، هذا قول الجمهور، الإمام، والمنفرد، هذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه[30]، بل هو الثابت عنه، وقول إسحاق بن راهويه[31]، وابن المبارك[32]، والأوزاعي[33]، وداود الظاهري[34]، وغير هؤلاء خلق كثير من السلف، والخلف.

واحتجوا بأدلة كقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20] باعتبار أن ما تيسر أيسر ما يكون منه هو الفاتحة، وحديث أبي هريرة المُخرج في الصحيحين في قصة المُسيء صلاته: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن[35]، قالوا ما تيسر، مع أنه ما ذكر الفاتحة، وهذه الأدلة بعينها يحتج بها من يقول بأن قراءتها لا تجب، قال اقرأ ما تيسر، كما سيأتي أن بعضهم يقول أن ما تيسر آية، وبعضهم يقول ثلاث آيات كما سيأتي، فقالوا الفاتحة هؤلاء يقولون الفاتحة أيسر القرآن، فاحتجوا بهذه الأدلة على وجبوها، وحديث أصرح من هذا هو حديث عُبادة في الصحيحين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

وحديث - أيضاً - أبي هريرة عند مسلم: كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج[36]، يعني: غير تمام، لاحظ، وقالوا أن النبي ﷺ كان يداوم على قراءتها، وكذلك الخلفاء الراشدين، وحديث أنس، وعائشة - ا -  وكذلك ما جاء عن السلف عموماً، ومن بعدهم في المداومة على قراءة الفاتحة بل التصريح بوجوبها، وأن الصلاة لا تصح بدونها، فالذي عليه عامة أهل العلم سلفاً، وخلفاً هو وجوب قراءة سورة الفاتحة على الإمام، والمنفرد، على اختلاف بينهم في تفاصيل مثل هل تجب في كل ركعة؟

يعني هؤلاء الجماهير من أهل العلم من السلف، والخلف هل تجب في كل ركعة؟ أو يكفي أن يقرأها في ركعة من الصلاة، أو تُقرأ في أكثر الركعات؟ فعامتهم يقولون: يجب أن تُقرأ في كل ركعة، لكن هذا ليس محل اتفاق، مالك - رحمه الله - المنقول عنه أنها تُقرأ في أكثر الركعات، وبعضهم يقول: يكفي في ركعتين، وبعضهم يقول: يكفي في ركعة واحدة.

كأنهم فهموا أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قالوا: إذا قرأها بأن هذا العموم، أو الإطلاق يصدق بالمرة الواحدة، ما قال في كل ركعة، فيكون هذا قد صدق عليه أنه قرأ بفاتحة الكتاب فتُجزئه، نظروا إليه بهذا الاعتبار، لا صلاة لمن لم يقرأ وهذا قرأ.

وبعض أهل العلم يقولون: لا تتعين قراءة الفاتحة، وإنما يقرأ ما تيسر كما دلت عليه الأدلة السابقة، وذلك لا يختص بالفاتحة، وهذا مروي عن الحسن[37] والأوزاعي، والثوري[38] وهو مذهب أبي حنيفة كما ذكر ابن جُزي - رحمه الله - أبو حنيفة يقول: أقل ما يتيسر آية، وأصحابه، صاحباه، أعني أبا يوسف، ومحمد بن الحسن[39] قالوا أقل ذلك ثلاث آيات، أو آية طويلة، ونُقل عن الإمام أحمد مثل قول أبي حنيفة أنها لا تجب، أنها سُنة[40]، لكن المشهور عنه أنها واجبة، فهؤلاء يحتجون بقوله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] وقول النبي ﷺ للمسيء صلاته: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن.

وقالوا في حديث عُبادة: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وما في معناه من الأحاديث قالوا: هذا النفي يدل على نفي الكمال، وليس نفي الصحة مع أن الواقع أن القاعدة أن النفي المتوجه إلى العبادة لا صلاة مثلاً لمن لم يقرأ الأصل أن يتوجه إلى الذات فإذا وجدت صورة الذات، يعني: صيغة الصلاة موجودة فإن ذلك يتوجه إلى الصحة، فإذا دل دليل على تحقق الصحة فإن ذلك يتوجه إلى ماذا؟ إلى الكمال، يعني: بهذا التدريج، فالأصل إلى الذات فإن رأينا صورة الصلاة قام، وصلى، وركع، وسجد إلى آخره فهنا الصحة، أنها لا صلة يعني لا صلاة صحيحة، وهذا هو الأقرب - والله تعالى أعلم - وهذا الذي عليه الجمهور أنها تُقرأ في الصلاة، وفي كل ركعة، ولا تصح الصلاة إلا بها.

لكن اختلفوا في المأموم خلف الإمام هل تجب عليه قراءتها، أو لا؟، وسبب هذا الاختلاف هو الأدلة الواردة في الباب، فبعضها فيه نهي لظاهره عن القراءة مُطلقاً، وفي بعضها ما يدل على لزوم قراءة فاتحة الكتاب، وكذلك المرويات عن الصحابة في هذا - أيضاً - مُختلفة؛ ولذلك كثُر الكلام في هذه المسألة في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام هل هي واجبة، أو ليست بواجبة، وصنف فيها جمع من أهل العلم كالإمام البُخاري - رحمه الله - والبيهقي، وغير هؤلاء، ومن المتأخرين - أيضاً - من ألف في ذلك كاللكنوي، والمباركفوري.

وعلى كل حال - أيضاً - بسط الكلام على هذه المسألة جمع من أهل العلم في مصنفاتهم، والكلام في هذا مشهور معروف، الخلاف فيه لا يخفى، فمن أهل العلم من قال: بأن المأموم يقرأ الفاتحة خلف الإمام مطلقاً في الصلاة الجهرية، والسرية، لا يترك القراءة بحال من الأحوال، وهذا قال به جمع كثير من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، يعني: أنه يقرأ مطلقاً، سواء كان الإمام يجهر في قراءته، أو يُسر، وهو مروي عن عمر[41]، وأبي هريرة[42]، وابن عباس[43]، وابن عمرو[44]، ومعاذ[45]، وأُبي بن كعب[46] وحذيفة[47] وابن الزبير[48] وأنس[49] وغير هؤلاء .

وجاء عن جماعة من التابعين كمجاهد[50] وابن جُبير[51] والحسن[52] ومكحول[53] وميمون بن مهران[54] والشعبي[55] وأبو مجلز[56] والحكم بن عُتيبة[57] وعروة[58] وعطاء[59] وهو قول الشافعي في مذهبه الجديد[60] وأكثر أصحابه، وكذلك الأوزاعي[61] والليث[62] وهو قول أبي ثور[63] ورواية عن مالك[64] وأحمد[65] وهو - أيضاً - اختيار الإمام البخاري[66] وابن المنذر[67] وابن خُزيمة[68] والخطابي[69] والبيهقي[70] وابن حزم[71] وهو قول ابن تيمية الجد أعني أبا البركات[72]  والقُرطبي[73] ومن المتأخرين الشوكاني[74] ومن المعاصرين الشيخ أحمد شاكر[75] فهؤلاء يقولون لابد من قراءتها، الإمام، والمأموم، كلهم يقولون في الصلاة السرية هذا لابد منه إلا أن بعضهم قال إذا جهر الإمام فإنه لا يقرأ.

وبعضهم يقول: يجب أن يقرأ، وإن جهر الإمام، وممن قال بالوجوب مع الجهر هذا قول الشافعي، والبخاري، وابن حزم، والشوكاني، وجماعة، وبعضهم يقول: هذا يُستحب، ولا يجب، وهو منقول عن الأوزاعي،  والليث، وأبي البركات ابن تيمية، وهؤلاء جميعاً يقولون: يقرأ في سكتات الإمام إن كان يسكت.

ويحتجون بأدلة كقوله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ [المزمل: 20] كما سبق أن هذا هو أن ما تيسر الفاتحة، ويقولون بأن هذا أمر، والأمر للوجوب، وكذلك في قوله ﷺ للمُسيء صلاته: اقرأ ما تيسر معك من القرآن والأحاديث التي سمعتم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن لا تُجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب وكذلك: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج.

ولما سُأل أبو هريرة، وهو راوي هذا الحديث : إنا نكون، وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني، وبين عبدي الحديث، وحديث عائشة - ا - أيضاً: كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم الكتاب فهي خِداج ونحو ذلك من الأحاديث.

وقد مضى بعضها منها حديث أبي هريرة : أمرني رسول الله ﷺ أن أُنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد فهذا يدل على الإطلاق، يعني: هذا في جميع الأحوال في القراءة السرية، والقراءة الجهرية.

وكذلك حديث أبي سعيد: أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر لكن مثل هذا الحديث احتج به من قال إنها لا تجب، قالوا: لأن قوله: وما تيسر لا يجب فقرنه مع الفاتحة؛ فدل على أنها ليست بواجبة، لكن دلالة الاقتران فيها كلام معروف، وهي ليست على مرتبة واحدة فمنها ما لا يكون متجهاً يعني أنه ضعيف أعني دلالة الاقتران، والاحتجاج بها، ومنها ما يكون صحيحاً.

وكذلك لا تُجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن لاحظ لا تجزئ صلاة فهذه نكرة في سياق النفي، فتُعم، يعني يعُم السرية، والجهرية.

وكذلك احتجوا بالأحاديث التي فيها النهي عن القراءة خلف الإمام إذا جهر فيما عدا الفاتحة، حديث عُبادة: كنا خلف رسول الله ﷺ في صلاة الفجر فقرأ رسول الله ﷺ فثُقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلة لمن لم يقرأ بها[76].

لاحظ هذا نص لكن الذين يقولون بأنه لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية كشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن وافقه يقولون: هذا الحديث لا يصح، وبعضهم يُجيب عنه بأجوبة أخرى.

كذلك حديث أنس : أن النبي ﷺ صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجه فقال: اتقرؤون في صلاتكم، والإمام يقرأ؟ فسكتوا، فقالها ثلاث مرات، فقال قائل، أو قائلون: إنا لنفعل، فقال: فلا تفعلوا، ويقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه[77].

كذلك هذا تكلموا فيه أعني القائلين بأنها لا تُقرأ في الصلاة الجهرية.

وكذلك حديث عائشة - ا - عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: لعلكم تقرؤون، والإمام يقرأ؟ قالوا: إنا لنفعل، قال: لا، إلا بأن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب[78].

وهكذا حديث عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله ﷺ: أتقرؤون خلفي؟ قالوا: نعم يا رسول الله إنا لنهُذه هذَّا، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن[79].

كذلك - أيضاً - احتجوا بأدلة أخرى، وآثار أخرى لا أرى التطويل بذكرها، وهذا القول كما ترون تُذكر له هذه الأدلة، وغير هذه الأدلة.

ويُجيبون عن قوله - تبارك، وتعالى -: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] وهذا أمر بالإنصات، وهذه الآية نقل بعض أهل العلم الإجماع على أنها نازلة في الصلاة، بمعنى أنه مأمور في الصلاة قطعاً بالإنصات، هؤلاء ماذا يقولون؟ يقولون يقرأ في السكتات، طيب إن لم يكن له سكتات؟

قالوا: يقرأ، طيب، والأمر بالإنصات؟ قالوا: يكون مُستثنى لهذه النصوص يكون مُستثنى، لكن الذين يمنعون من القراءة، يقولون يأثم إذا قرأ، بل بالغ بعضهم، وقال: لا تصح صلاته تبطل، ولكن هذا قول شاذ، يقولون: يأثم لأنه مأمور بالإنصات في الصلاة، وحينما نقول في الصلاة هل يُفهم من هذا أن القرآن إذا قُرئ خارج الصلاة لا يُنصت لهذه القراءة؟

الجواب: لا، أخذاً من العموم، فالآية نازلة في الصلاة، ولكن ظاهرها العموم: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف: 204] فيدخل فيه القراءة خارج الصلاة فهو مأمور بالإنصات للقارئ، وكذلك حديث: وإذا قرأ فأنصتوا قالوا: تخصصه النصوص الأخرى التي تدل على وجوب قراءة الفاتحة.

وكذلك قالوا حديث جابر : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة على فرض صحته، وإلا تكلم فيه جمع من أهل العلم، وأنه لا يصح.

القول الآخر: أن المأموم يقرأ خلف الإمام في الصلاة السرية دون الجهرية، وهذا منقول عن جماعة من الصحابة مروي عن علي [80] وروي - أيضاً - عن عمر[81] وابنه عبد الله بن عمر[82] وعن عبد الله بن مُغفل[83] وابن مسعود[84] وعائشة[85] وأبي سعيد الخُدري[86]

ونُقل عنه - أيضاً - غير ذلك - أجمعين - ونُقل عن جماعة من التابعين كالزُهري[87] وقتادة[88] وسعيد بن المُسيب[89] والحكم بن عُتيبة، وعروة بن الزبير[90] ونافع بن جُبير بن مُطعم[91] وسالم بن عبد الله بن عمر[92] وبه قال الإمام مالك[93] وأحمد[94] إلا أن الإمام أحمد قال: إن سمع في صلاة الجهر لم يقرأ، وإن لم يسمع قرأ.

يعني: في السابق لا يوجد مكبرات صوت، فقد يكون صوت الإمام ضعيفاً - أيضاً - أو جموع كثيرة يُصلي في آخر الصفوف فلا يسمع قراءة الإمام فيقرأ.

وكذلك - أيضاً - هذا القول قال به ابن المبارك، وإسحاق بن راهويه[95] وهو قول الشافعي في القديم[96] - وأيضاً - قال به آخرون، وممن اختار هذا القول ابن جرير الطبري[97] وأبو بكر ابن العربي[98] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "هو قول جمهور العلماء، وهو أعدل الأقوال"[99]، وأطال شيخ الإسلام في الكلام على هذه المسألة، وفصل فيه تفصيلاً، وبينه تبييناً أنه يجب في السرية، ولا يقرأ في الجهرية، وهذا اختاره - أيضاً - ابن كثير[100] ومن المعاصرين الشيخ الألباني[101] - رحم الله الجميع - قالوا: يقرأ في السرية.

لكن قراءته خلف الإمام في الصلاة السرية بعضهم يقول: هي سنة، ولا تجب، وهذا عن مالك - رحمه الله -[102] وهو رواية عن أحمد[103] ولكن شيخ الإسلام ذكر أن القول قبله هو الذي يثبت عنه، وجاء عن الأوزاعي[104] والشافعي[105] وأبي ثور، وإسحاق، وداود[106] أن القراءة في السرية خلف الإمام واجبة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهؤلاء اتفقوا على أنه لا يُشرع قراءة الفاتحة، ولا غير الفاتحة حال سماعه لقراءة الإمام، قالوا: هو مأمور بالإنصات، وإذا قرأ، والإمام يقرأ بعضهم قال: يُكره له ذلك، وبعضهم يقال: يحرُم، أما من قال بأن صلاته تبطل فهذا قول شاذ.

والذين يقولون: لا تجب خلف الإمام قالوا يُستحب إن كان للإمام سكتات أن يقرأ مراعاة للخلاف، أو إذا كان لا يسمع قراءة القرآن، لكن لو لم يفعل فصلاته صحيحة، وهؤلاء الذين يقولون تجب في الصلاة السرية، أو تُستحب يحتجون بكثير من الأدلة التي يستدل بها من قال بالوجوب مطلقاً، يعني: لا صلاة لمن لم يقرأ بها.

هذه الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى، وكذلك حديث أبي هريرة: كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج قالوا: هذا في حق الإمام، والمُنفرد، الذين قالوا يجب أن يقرأ في الصلاة السرية، قالوا: والمأموم في الصلاة السرية، كذلك قال بعضهم، والجهرية إذا كان لا يسمع قراءة الإمام؛ من أجل أن لا يكون مُخالفاً لقوله: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف: 204] فهذا هو أبلغ الأدلة عندهم، وأشهر الأدلة هو قوله تعالى: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف: 204] فهذا مأمور بالإنصات، وهذا على سبيل الإطلاق.

وعرفنا أن الآية نازلة في الصلاة، وهذا نُقل عليه الإجماع كما جاء عن الإمام أحمد - رحمه الله - وحديث أبي موسى الأشعري وفيه أن النبي ﷺ قال: أقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا[107] فهذا - أيضاً - على سبيل الإطلاق.

وكذلك حديث أبي هريرة: إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا[108].

فهذان مع الآية قالوا هي نص في لزوم الإنصات، يجب عليه أن يستمع للقراءة الإمام، ومن جهة النظر قالوا الإمام يقرأ لمن؟ فجهره بالقراءة عبث، وهم مأمورن بالإنصات فكيف يقال اقرءوا، والإمام يقرأ إذاً هو يجهر لمن، يجهر لمن؟!

- وعلى كل حال - شيخ الإسلام - رحمه الله - له بسط كما قلت يمكن يُراجع في هذه المسألة، وأجاب عن أدلة القائلين بوجوب القراءة مطلقاً يعني، في الصلاة الجهرية، والسرية، فهو يُخصص ذلك في الصلاة السرية، ويحتج لهذا بأدلة متعددة، ومما يحتج به غير ما ذُكر من الأدلة، يقول: بأن المسبوق الذي أدرك الإمام في الركوع تصح صلاته بلا إشكال، فسقطت عنه الفاتحة، فلو كانت لازمة، ورُكن لم تسقط، كذلك يقول الإمام الثاني لو ناب الإمام الأول شيء قرأ الإمام الأول الفاتحة، ثم نابه شيء في الصلاة، فناب عنه إمام آخر فيبني على قراءة الأول، يعني: لو أن رجلاً صلى كما وقع للنبي ﷺ لما صلى أبو بكر، ثم جاء النبي ﷺ فقدمه أبو بكر  وتراجع، فالنبي ﷺ بنى على قراءة أبي بكر.

فشيخ الإسلام يقول: سقطت في هذه الأحوال، فكيف لا يقال بأنها تسقط خلف الإمام في الصلاة الجهرية التي أُمر بالإنصات إليها.

قال: فهذا يدل على أن هذه العمومات الدالة على وجوب قراءة الفاتحة أنها ورد فيها تخصيص، فالعموم فيها غير محفوظ، وأما قوله: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف: 204] فلا يوجد استثناء، قالوا: العموم هنا محفوظ؛ فإذا تعارض عمومان أحدهما مُخصص، والآخر غير مُخصص، قالوا: نُرجح العموم المحفوظ الذي لم يرد عليه تخصيص؛ لأنه أقوى، والتخصيص يُضعف العموم.

فشيخ الإسلام يحتج بهذا، ونظائره، ويقول إن النبي ﷺ هنا اعتبر ذلك فيمن أدرك الركوع، وكذلك ما وقع له مع أبي بكر [109].

وكذلك - أيضاً - لما انصرف النبي ﷺ من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد آنفاً، أو منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله، فقال: إني أقول ما لي أُنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما جهر فيه النبي ﷺ بالقراءة من الصلوات حينما سمعوا ذلك من رسول الله ﷺ[110].

لاحظ قوله: مالي أُنازع القرآن قال: وهذا إنكار على من يقرأ حال جهر الإمام سواء بالفاتحة، أو غير الفاتحة، قال: "فانتهى الناس عن القراءة مع النبي ﷺ" هذا من كلام الزهري، فالزُهري من صغار التابعين، وهو من أعلم الناس بالمرويات، فذكر ذلك عنهم.

وكذلك حديث عبد الله بن شداد مرفوعاً: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة[111].

هذا جاء عن جابر   ولكنه مُرسل، حديث عمران : أن النبي ﷺ صلى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه بسبح اسم ربك الأعلى، فلما انصرف قال: أيكم قرأ، أو أيكم القارئ؟ قال رجل: أنا، فقال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها[112].

لاحظ يقولون هذا لم ينهى النبي ﷺ، فدل على أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية، لكن في الجهرية يقولون جاء النهي.

وكذلك حديث ابن مسعود كانوا يقرؤن خلف النبي ﷺ، فقال: خلَّطتم، أو خلطتم عليّ القرآن[113].

قالوا: لم ينههم، وهذا في إذا حُمل على أن ذلك في الصلاة السرية.

على كل حال، هذه الأدلة، وغير هذه الأدلة مما يحتج به هؤلاء، قالوا: لو كانت واجبة في الجهرية، فهو إما أن يُقال: إن الإمام مطالب بالسكوت من أجل أن يقرأ من خلفه، قالوا: وهذا لا أصل له، وهذا صحيح، المحفوظ من سكتات من السكوت في الصلاة السكوت للاستفتاح، أما ما ورد من سكوته بعد الفاتحة، فإن هذا لا يثبت، ولذلك الصحيح: إن الإمام لا يسكت بعد الفاتحة إلا بقدر ما يتراد إليه النفس، لكن لا يسكت من أجل أن ينتظر المأموم يقرأ، لكن السنة أن يقرأ آية آية، فقالوا: إما أن يؤمر الإمام بالسكوت ليقرأ المأموم، أو أنه يقرأ المأموم مع قراءة الإمام، قالوا: وهذا كله خلاف المشروع.

وبعض أهل العلم يقولون: إن المأموم لا يقرأ لا الفاتحة، ولا غير الفاتحة، لا في الصلاة السرية، ولا في الصلاة الجهرية، وهذا منقول عن زيد بن ثابت[114] وجابر بن عبد الله[115] وهو مروي - أيضاً - عن عمران بن الحُصين[116] وجماعة كسعد بن أبي وقاص[117] - رضي الله عن الجميع -.

وهو مروي - أيضاً - عن أبي الدرداء[118] على اختلاف في الرواية عنه، وعن جماعة من التابعين كعلقمة[119] وابن أبي ليلى[120] وإبراهيم النخعي[121] والضحاك[122].

وكذلك جاء عن سفيان الثوري، وابن عُيينة[123] وغير هؤلاء، لاحظ أئمة، ويقولون: لا يقرأ في السرية، ولا في الجهرية، وهذا مذهب أبي حنيفة كما سبق، وبه قال بعض المالكية، وهؤلاء يحتجون - أيضاً - بقوله تعالى: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف: 204].

قالوا: وهذا في الجهرية، كذلك: وإذا قرأ فأنصتوا قالوا: إذا كان مأموراً بالإنصات إذاً لا يقرأ هذا في الجهرية، والأحاديث: مالي أُنازع القرآن و من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة قالوا: هذا عام في السرية، والجهرية.

وكذلك أجابوا عن قوله ﷺ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قالوا هذا الإمام، والمُنفرد جمعاً بين الأدلة.

وكذلك - أيضاً - احتجوا بالأدلة التي يذكر فيها النبي ﷺ أن بعضهم قد خلط عليه في القراءة، أو خالجه في ذلك، وكذلك - أيضاً - احتجوا ببعض الآثار المروية عن بعض الصحابة .

وعلى كل حال، لو قيل بأن الأقرب أن لا يترك قراءة الفاتحة لا في الصلاة السرية، ولا في الصلاة الجهرية، هذه المسألة هل يرد فيها الاحتياط؟ الذين يقولون يقرأ يقابله أولئك الذين يقولون يأثم إذا قرأ، فهو بين القول بالوجوب، والقول بالتحريم، فكيف يجري الاحتياط في هذا مع أن بعض أهل العلم قال يجري فيه الاحتياط باعتبار أنه إن لم يقرأ فإن القائلين بلزوم القراءة قالوا تبطل صلاته، ولكنه حينما ينظر إلى القول الآخر بالمنع من القراءة فهم بين قائل بأن ذلك يحرُم، أو أن ذلك يُكره، لكن لا تبطل صلاته، والقول بالبُطلان قول شاذ كما سبق، فقالوا: الاحتياط هنا أن يقرأ لئلا تبطل فيكون من باب ارتكاب أخف الضررين، يعني: بهذا الاعتبار، لكن هذا من المسائل التي قد لا يجري فيها الاحتياط إذا نظرنا إلى القولين هذا يقول: يجوز، وهذا يقول: يحرُم، وعلى كل حال لو أنه لم يترك القراءة لا في الجهرية، ولا في السرية، ويحاول أن يقرأ في سكتات الإمام، وممن قال بهذا من المعاصرين فتوى اللجنة الدائمة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ محمد الصالح العثيمين - رحم الله الجميع -.

"الفائدة الثانية: اختلف هل أول الفاتحة على إضمار القول تعليماً للعباد أي قولوا الحمد لله، أو هو ابتدئ كلام الله، ولابد من إضمار القول في إياك نعبد، وما بعده".

فقوله - تبارك، وتعالى -: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هذه جملة خبرية لكنها مُضمنة معنى الأمر، يُخبر - تبارك، وتعالى - عن اتصافه بالحمد، وفي ضمنه تعليم للعباد، وأمر لهم أن يحمدوه، هذا معنى ما ذكره ابن جُزي إضمار القول، يعني: قولوا الحمد لله، لكن الأصل عدم الإضمار هذه القاعدة فما ذكرته آنفاً من أنها جُملة خبرية لكن مُضمنة هذا لا يُحتاج معه إلى القول بالتقدير، فرق بين الأمرين، الأصل عدم التقدير، وأن الكلام على وجهه هكذا فهي جملة خبرية، لكن مُضمنة معنى الأمر، تعليم من الله للعباد.

ولاحظ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] هنا جاءت جملة اسمية، لكن لو قلنا بأن ذلك على تقدير القول قولوا، فصارت جملة فعلية، والجملة الإسمية أبلغ؛ لأنها تدل على الدوام، والثبوت، فهذا ثابت لله - تبارك، وتعالى - في كل زمان، في كل وقت، وهو محمود بكل حال، فهو ذو الكمال المُطلق في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، محمود في الدنيا، والآخرة، فهنا يكون ذلك من باب الخبر، التعبير بالجملة الأسمية فيها هذا الملحظ، فهي أبلغ من هذه الحيثية، لكنها متضمنة لمعنى الطلب، وهي تعليم للعباد - والله تعالى أعلم - كأن هذا أوفق، وأليق - والله أعلم - أن يُعبر بمثل هذا.

"الفائدة الثالثة: الحمد أعم من الشكر؛ لأن الشكر لا يكون إلا جزاء على نعمة، والحمد يكون جزاء كالشكر، ويكون ثناء ابتداء، كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد؛ لأن الحمد باللسان، والشكر باللسان، والقلب، والجوارح، فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك الحمد لله يقتضي الثناء عليه لما هو أهله من الجلال، والعظمة، والوحدانية، والعزة، والإفضال، والعلم، والمقدرة، والحكمة، وغير ذلك من الصفات، ويتضمن معاني أسمائه الحُسنى التسعة والتسعين، ويقتضي شكره، والثناء عليه بكل نعمة أعطى، ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة، والأولى، فيالها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المُجلدات، وتقف دون مداه عقول الخلائق، ويكفيك أن الله جعلها أول كتابه، وآخر دعوى أهل الجنة".

يعني وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10] فيما يتعلق بالحمد، والشكر، وكذلك الفائدة الرابعة التي بعده هي مُكملة لهذا.

"الفائدة الرابعة: الشكر باللسان، وهو الثناء على المُنعم، والتحدث بالنِعم، قال رسول الله ﷺ: التحدث بالنعمة شُكر[124] والشُكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله، وترك معاصيه، والشُكر بالقلب هو معرف مقدار النعمة، والعلم بأنها من الله وحده، والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق العبد، واعلم أن النعم التي يجب الشكر عليها لا تُحصى، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام: نعم دنياوية كالعافية، والمال، ونِعم دينية كالعلم، والتقوى، ونِعم أخراوية، وهي جزاءه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير، والناس في الشكر على مقامين منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة، ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم، والشُكر على ثلاث درجات: فدرجة العوام الشكر على النعم، ودرجة الخواص الشكر على النعم، والنقم، وعلى كل حال، ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المُنعم، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إن الفقراء إذا أعطوا شكروا، وإذا منعوا صبروا، فقال إبراهيم بن أدهم: هذه أخلاق الكِلاب، ولكن القوم إذا مُنعوا شكروا، وإذا أعطوا آثروا.

ومن فضيلة الشكر: أنه من صفات الحق، ومن صفات الخلق؛ فإن من أسماء الله الشاكر، والشكور، وقد فسرتهما في اللغات".

كذلك الفرق بين الحمد، والشكر، فقد مضى الكلام على شيء من هذا في اللغات - أيضاً - ولكن على كل حال من أهل العلم من لم يُفرق بينهما فقالوا: الحمد، والشكر معناهما واحد.

وممن قال بهذا المُبرد[125] وأبو جعفر ابن جرير الطبري - رحمه الله -[126] والذي عليه عامة أهل العلم هو التفريق بين الحمد، والشكر، قالوا: الحمد يقابله الذم، والشُكر يقابله الكفران، الحمد يُقابل بالذم، والشُكر بالكُفران، وبينهما عموم، وخصوص.

يعني: أن كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه، فالحمد أعم من حيث ما يقع عليه، الحمد يقع على الصفات اللازمة، والمُتعدية، فيُحمد الإنسان مثلاً على طول قامته، ويُحمد على جماله، وهذا من الصفات اللازمة، ولا يد له فيها هذه من الله، ويُحمد على الصفات المُتعدية فيُحمد على كرمه، وعلى بذله، وإحسانه، وجوده، ونحو ذلك، فهذا الحمد أعم من هذه الحيثية؛ لأن الشكر لا يكون على الصفات اللازمة كما يقولون ما تشكره على طوله، أو تشكره على جماله، أو تشكره على جمال صوته؛ لأن هذه مواهب من الله، لكن الحمد أخص من الشكر من حيث الأداة التي يصدر عنها، أو يقع بها، فالحمد يكون باللسان لكن مع مواطأة القلب، وهذا لابد منه، وإلا لا يكون الحمد مُعتبراً إلا مع مواطأة القلب، وإلا فيكون التملق، والمدح الذي قد لا يصدق صاحبه فيكون الحمد الحقيقي باللسان مع مواطأة القلب.

الشكر أخص من الحمد من حيث ما يقع عليه كما فهمنا مما سبق، فالشكر لا يكون إلا على الصفات المتعدية على جزاء نعمة إحسان، بينما الحمد يكون على نعمة، ويكون على كل حال، يُحمد على كل حال.

الشكر أعم من الحمد من جهة الأداة التي يكون بها، نحن عرفنا أن الحمد يكون باللسان مع مواطأة القلب حتى يكون صادقاً لكن الشُكر يكون باللسان، ويكون بالقلب استحضار النعمة، والمُنعم، ويكون - أيضاً - بالجوارح بالعمل بطاعته، ومرضاته كما في البيت المشهور:

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المُحجبا

يقول: إنعامكم عليّ نتج عنه ثلاثة أشياء: يدي، ولساني، والضمير المُحجبا، يعني: صارت يدي تعمل في الخدمة شُكراً، ولساني ينطق بالشكر، والقلب مستحضر للنعمة، والإنعام  والمُنعم، فهذا كله يكون به الشكر، فصار الشكر أعم من حيث الآلة التي يكون بها، الأداة، والحمد أخص.

أما ما يقع عليه الحمد، والشكر فأيهما أعم؟ الحمد أعم، يكون على النعمة، وغير النعمة على كل حال، وعلى الصفات المتعدية، واللازمة بينما الشكر يكون على الصفات المتعدية، ويبقى - أيضاً - هل يكون الشكر على غير النعمة يعني على الضراء، هذه مراتب عالية تكلمنا على هذا في الأعمال القلبية في الكلام على الشُكر، ودرجات الشُكر، وقلنا من الشُكر الشُكر على المصيبة، والبلاء الذي يصيب الإنسان، وذكرنا شواهد لهذا، وأحوال السلف لكن قلنا هذه مرتبة عالية، أن يشكر على الضراء فيعتبر أنها نِعم، وهدايا تصل إليه من الله ليرفعه، وليُمحصه لأن الله اختار له ذلك لرفعته، وإكرامه، فكانوا يرون أن هذه البلايا هدايا، ولهذا جاء عن سفيان - رحمه الله -: "من لم يعد البلاء نعمة فليس بفقيه"[127].

لكن أكثر الناس لا يصلون إلى هذا، غاية ما هنالك أن يوفق العبد للصبر فلا يجزع، ولا يتسخط على ربه - تبارك، وتعالى -.

الشكر يكون بالجوارح اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ: 13] كان ﷺ يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ويقول: أفلا أكون عبداً شكورا [128]، فهذا شكر بالجوارح بالعمل بطاعة الله وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11] فهذا مقابل النعمة على تفسيره بأن المقصود حدث بهذه النعمة، أخبر عن إنعام الله عليك، وتفضله بها، وكذلك - أيضاً - الأدلة الأخرى الدالة على هذه المعاني أن الشكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، إذا آتاك الله مالاً فليُرى أثر نعمته عليك.

والمدح أعم منهما جميعاً بحيث ما يقع عليه فهذا يُمدح على ما كان خلقة، أو تسخيراً، أو موهبة من الله فيُمدح على جماله، أو طوله، ويُمدح على الصفات الكسبية، والمُعتدية كالكرم، والحِلم، وما إلى ذلك، فهذا كله مما يقع فيه المدح، أو عليه المدح، الأمور الاختيارية، وغير الاختيارية، وكذلك - أيضاً - يقع على الحي، والميت، والإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، والزمان، تمدح الجو، وتمدح المبنى، وتمدح المنظر، أو المكان الذي رأيته، أو ذهبت إليه في نُزهة هذا كله مما يقع فيه المدح، لكن هل يقال لذلك الشُكر؟ الجواب: لا، لكن المدح كالحمد يكون باللسان، فإن كان صادقاً فمع مواطأة القلب، وإلا فكثير من المدح قد لا يكون كذلك، هذا ما ذكره هنا في من الفرق بين الحمد، والشُكر، قال: الحمد أعم من الشُكر، وهذا من وجه.

ثم قال: "كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد"، كما قلنا بينهما عموم، وخصوص، وقوله: "فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك الحمد لله يقتضي الثناء عليه لما هو أهله من الجلال، والعظمة، والوحدانية" إلى آخر ذلك.

قال: "ويتضمن معاني أسمائه الحُسنى التسعة، والتسعين"، أسماء الله - تبارك، وتعالى - الحُسنى أكثر من تسعة وتسعين اسماً، وقوله ﷺ: إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة[129] المقصود بذلك: أن هذه الأسماء المعدودة بهذا العدد الخاصة التي تبلغ تسعة وتسعين اسماً لها مزية أن من أحصاها دخل الجنة، وإلا فأسماء الله أكثر من هذا ... أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ...[130].

فأسماؤه لا يُحصيها إلا هو - تبارك، وتعالى - فليست محصورة بتسعة، وتسعين، إنما الذي في الحديث أن لهذه الأسماء التسعة، والتسعين مزية أن من أحصاها دخل الجنة، وقد وضحت هذا بالكلام هناك على الأسماء الحُسنى.

فقوله هنا: "الحمد لله يقتضي الثناء عليه لما هو أهله" فأل هذه الحمد لله إذا دخلت على الأوصاف، وأسماء الأجناس مثل الحمد دلت على الاستغراق، والشمول، والاستقصاء، الحمد لله.

يعني: كل الحمد لله - تبارك، وتعالى - بجميع أنواع الحمد، كل المحامد مستحقة لله - تبارك، وتعالى - فالحمد كما عرفنا هو وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة، والتعظيم، ولابد؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "الحمد الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة لها. فلو أخبر مخبر بمحاسن غيره من غير محبة لها لم يكن حامدًا، ولو أحبها، ولم يخبر بها لم يكن حامدًا"[131]، فهذا معنى الحمد كما ذكرنا، وأن كثيراً من أهل العلم يقولون: بأن الحمد هو الثناء.

وقلنا: هذا لا يخلو من توسع، وتساهل في العبارة، وإلا فهو الإخبار عن كمال المحمود، وما له من صفات الكمال مع المحبة، والتعظيم، وأنه إذا كُرر ثانياً فهو ثناء، فإذا كُرر ثالثاً فهو التمجيد، هذا الفرق بين هذه الثلاثة يدل عليه حديث: قسمت الصلاة بيني، وبين عبدي نصفين...[132].

فهنا قوله - تبارك، وتعالى -: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة: 2] هذا حمد مُطلق، فالحمد هنا اسم جنس، والجنس له كمية، وكيفية فالثناء كمية الحمد، يعني: ذكره ثانياً أثنى عليّ عبدي والتمجيد الكيفية، والتعظيم، فالمجد كما ذكرنا يدل على السعة، والحمد.

ولهذا يقولون: الحمد لله هنا يؤخذ منها أنه المستحق للعبادة وحده؛ لأنه إذا كانت جميع المحامد لله - تبارك، وتعالى - فهذا يدل على أنه الكمال من كل وجه؛ لأنه لا يُحمد من كل وجه إلا من كان كاملاً من كل وجه، يعني أن حمده لا يكون فيه استثناء، وهذا لا يكون إلا لمن كان مُستجمعاً لجميع صفات الكمال، والذي يكون متصفاً بجميع صفات الكمال ينبغي أن يكون هو المعبود وحده، فإن الناقص لا يصلح للعبادة.

الحمد لله، فهذه اللام تفيد الاختصاص، وبعضهم يقول الاستحقاق، وذكرنا في بعض المناسبات سابقاً الفرق بين هذه اللامات، الحمد لله، فقلنا: إذا كان ذلك في نسبة معنى إلى ذات الحمد معنى نُسب لله الحمد لله فإن اللام تكون للاستحقاق، الحمد مُستحق لله، فإذا كان ذلك بإضافة ذات إلى ذات من شأنها أن تملك الكتاب لزيد، فاللام للملك، الدار لمُحمد، فإذا كان ذلك بإضافة ذات إلى ذات ليس من شأنها أن تملك تقول المفتاح للسيارة، المفتاح للباب فهذا للاختصاص، فهذا الفرق بين المقامات الثلاثة، متى تكون اللام للاستحقاق، ومتى تكون للاختصاص، ومتى تكون للملك، فهنا أضفنا معنى الحمد لله فتكون اللام هذه للاستحقاق - والله تعالى أعلم -.

ومعنى الحمد لله، يعني: المُطلق، فالله - تبارك، وتعالى - هو الذي يستحق الحمد المُطلق وحده؛ لأنه ذو الكمال المُطلق.

فحمده - تبارك، وتعالى - نوعان كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: حمد على إحسانه إلى عباده، وهذا من الشُكر، وحمد لما يستحق بنفسه من نعوت الكمال، فهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مُستحق للحمد، يعني: لصفات كماله يُحمد[133].

فهذا النوع الثاني، ولا يكون الحمد بطبيعة الحال إلا على كمالات، وما يُحمد به الخلق فذلك من الخالق - سبحانه، وتعالى - يعني: الأوصاف الكاملة يُحمد على جماله يُحمد على كرمه يُحمد على، من الذي أعطاه؟ هو الله - تبارك، وتعالى - فهو أحق بالحمد وتقدست أسماؤه، فهو المُستحق للمحامد جميعاً على الحقيقة، وهو أحق بالحمد، والكمال من كل أحد، فهذا الحمد مُتضمن لمدحه - تبارك، وتعالى - بصفات الكمال، مع محبته، والرضا عنه، والخضوع له، كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -[134].

وتصور أولئك الذين لا يثبتون صفات الله كيف تؤثر العقائد الفاسدة في الفكر، والسلوك، والعمل؟!

كيف هؤلاء يتقربون إلى الله، ويحمدونه، وهم لا يثبتون شيئاً من صفات الكمال، أو ينفون كما يفعل طوائف من المتكلمين كثيراً من صفات الكمال، وهذا يدل على أن عقيدة أهل السنة هي العقيدة الحقة، وأنها تورث ألوان العبوديات القلبية، وما يحصل من جراء ذلك من الآثار من محبته - تبارك، وتعالى - وتعظيمه، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجائه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فالإنسان يحمد الله أن جعله من أهل السنة، وإلا كما قيل:

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن[135]

نسأل الله العافية، هؤلاء الذين لا يثبتون لله إلا أوصاف العدم، جعلوه والمعدوم شيئاً واحداً، ولذلك نحن لا نُحصي ثناء على الله - تبارك، وتعالى -؛ لأن أوصافه الكاملة لا يُحصيها إلا هو.

ولاحظ هنا ما ذكره من الحديث التحدث بالنعمة شُكر، هذا لا يثبت عن النبي ﷺ بهذا اللفظ.

ثم يقول: "بأن النعم لا تُحصى لكنها تنحصر في ثلاثة أقسام"، يعني: تجمعها، نِعم دنيوية كالصحة، والمال، والولد، ونحو ذلك، من أنواع النِعم، وهذه أكثر ما ينظر إليه الناس، ويستشعرونه، ويفوت عليهم أكثره - أيضاً - يفوت أكثره هناك نِعم لا يدري عنها الإنسان هذه الأجهزة التي تعمل في جسده، بل كما قال بعض أهل العلم: من الذي يحمد الله على نعمة النفس، والهواء، كثير منهم لا يستشعر إلا نعمة مُباشرة، واصلة إليه يختص بها دون غيره، جاءه مال، جاءه، ولد، أو نحو ذلك، لكن هذا الهواء لو حُبس عنه لحظات لرأيته بحال يُشفق عليه معها عدوه ثم ما يلبث أن تخرج نفسه، الهواء هذا التنفس، وذكرنا هذا في الكلام على الأسماء الحسنى، في هذه النعم التي لا يستشعرها أكثر الناس، من الذي يحمد الله على نعمة النفس؟!

من الذي يحمد الله، ويستشعر نعمة العقل التي لو سُلبها لصار مثل البهيمة؟! البهيمة يُقبل منها هذا، وقد يُستملح، ولكن الإنسان حينما يتحول إلى حال كالبهيمة فإن ذلك يكون في غاية الشين في حقه، وهذا لا يستشعره أكثر الناس، ولكن لو رأى بعينه مسلوب العقل يُسلب أمامه، فيبدأ يتصرف بعد العقل بتصرفات تدل على ارتفاع هذا العقل منه لوقف أمام هذا مُعتبراً، ولكن الغفلة غالبة.

النوع الثاني: أو القسم الثاني النعم الدينية كالعلم، والتقوى، فهذه أجل النوعين، يعني: من أنعم الله عليه في الدنيا بالتوفيق لطاعته، والعمل بمرضاته، والصلاح، والاستقامة، ووفقه للهدى، وجنبه الفِتن، والأهواء، والبِدع، والضلالات، فهذه نعمة لا تُقادر؛ لأنها تُفضي إلى القسم الثالث، وهي النعم الأخروية، والجزاء الأوفى، والجنة، والنجاة من النار يأخذ كتابه بيمينه، وما يخطه الناس في هذه الحياة الدنيا، ويرقمونه بأعمالهم، ومزاولاتهم يُترجم عن ذلك بهذه النهاية، آخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، نتيجة لتلك الأحوال، والأعمال التي كانوا عليها في الدنيا؛ ولذلك فإن الموفق هو الذي يعمل، ويجد، ويجتهد لتحقيق هذا الهدف، والمستقبل الكبير الحقيقي أن يأخذ كتابه بيمنيه.

فإذا أراد أن يتكلم يحسب حساباً لأخذ الكتاب، وإذا أراد أن يكتب يحسب حساباً لذلك، وإذا أراد أن يعمل، أو ينظر، أو يمشي، أو يأكل فإنه يحسب ذلك في مخالطته، ومرافقته، ومجالسه، وأحواله كلها، أن تكون مجموع الأعمال تُفضي في  النتيجة إلى أن يأخذ كتابه بيمينه، فإذا غفل عن هذا انطلق اللسان فيما لا يحل، وانطلق البصر بالنظر إلى ما لا يحل، وانطلق السمع في التقاط ما لا يحل من المسموعات، وانطلقت الجوارح عاملة بمساخط الله ثم بعد ذلك تكون الكارثة فيأخذ كتابه بشماله : فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ۝ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ۝ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ۝ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة: 25 - 29] ذهب المال، والمنصب.

يقول: "الأخروية الجزاء بالثواب الكثير على العمل القليل في العُمر القصير".

ثم ذكر أن الناس في الشُكر على مقامين: "منهم من يشكر على النِعم الواصلة إليه خاصة، ومنهم من يشكر عن جميع الخلق على النعم الواصلة إلى جميعهم" كما ذكرنا.

يقول: "والشكر على ثلاث درجات" هذا الكلام تجدونه في ثنايا هذا الكتاب يتكلم على أشياء من هذا القبيل، وفي بعضها شيء من عبارات الصوفية، كما هنا "درجة العوام الشكر على النعم، ودرجة الخواص الشكر على النعم، والنِقم" يعني: يمكن يُتسمح في هذا، ويقال هذه مراتب عالية لأهل الإيمان يشكر على السراء، والضراء كما ذكرنا، لكن عامة الناس إنما يشكرون على النِعم، ويُطالبون بالبصر على المصائب، والمكاره.

يقول: "ودرجة خواص الخواص" هذه هي التي تجري عند الصوفية العامة، والخاصة، وخاصة الخاصة.

يقول: "أن يغيب عن النعمة بمُشاهدة المُنعم". يعني: هو لا يستشعر النعمة، وإنما المُنعم حاضر في قلبه في كل حال فهو لا يلتفت إلى شيء سواه، يقول: هذه درجة أعلى أن يتعلق قلبه بالمُنعم، ويشتغل به دون التفات إلى غيره، ومثل هذا الغياب المغيب عن النعمة بهذه الصورة يحتاج إلى دليل، فالنبي ﷺ ما ورد عنه، وما ورد عن الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - وأتباع الرُسل كانوا يستشعرون هذه النِعم، ويلتفتون إليها شاكرين الله على هذا الإنعام، والإفضال.

والنبي ﷺ حينما خرج من الجوع ﷺ ولقي أبا بكر، وعمر، وقد أخرجهما الجوع، ثم بعد ذلك لما أطعهم الأنصاري البُسر جاء بعذق، ثم بعد ذلك ذبح لهم شاة، وأكلوا، فقال النبي ﷺ: والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم[136].

فذكر النبي ﷺ النعمة، فاستحضار النِعم أمر لابد منه، والله يقول: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] قيل: النبوة، وقيل: سائر النِعم، نعمة ربك، فإن النعمة هنا مفرد مُضاف إلى معرفة بنعمة ربك، فهو للعموم يعني بنِعم ربك، فسواء فُسر بالنبوة فهذه نعمة واصلة، وهي أعظم، ومن أجل النعم، أو قيل سائر الإنعام فهذا نظر إلى النعمة، فيُشكر عليها، وإلا كيف يكون الشكر إذا لم ينظر، ويستشعر النعمة، فإن الطريق إلى الشُكر هو استشعار النعمة، فلا يقال إن الشكر شكر خاصة الخاصة هو الفناء عن مُشاهدة النعمة بشهود المُنعم، هذا غير صحيح.

يقول: "قال رجل لإبراهيم بن أدهم: الفقراء"، طبعاً يقولون الفقراء يقصدون بهم من؟ الصوفية، فيسمونهم الفقراء، "إذا أعطوا شكروا، وإذا مُنعوا صبروا، فقال: هذه أخلاق الكلاب" هذا إذا ثبت عن إبراهيم بن أدهم فغاية ما هنالك أن يقال هذا ليس بكلام الأنبياء ليس بوحي، فهذه ليست بأخلاق الكلاب، وإنما المؤمن إذا أُعطي شكر، وإذا مُنع صبر، فالإنسان يسأل ربه يقول: اللهم اجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا اُبتلي صبر، فليست أخلاق، وليست بأخلاق الكلاب.

يقول: "ولكن القوم إذا مُنعوا شكروا، وإذا أعطوا آثروا" هنا الكلام ليس في الإيثار، وعدمه الإيثار، هو يشكر على ما أعطاه الله .

فهذا هو حال أهل الإيمان، والله يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] فالشكر على النِعم، والصبر على المصائب، والنِقم، وما إلى ذلك، هذا هو حال أهل الإيمان، وأما الإيثار فهذا شأن آخر غير ما نحن فيه.

يقول: "ومن فضيلة الشكر أنه من صفات الحق"، يعني: الله - تبارك، وتعالى - وتكلمنا في الأسماء الحسنى عن اسمه الشكور.

قال: "ومن صفاته الخلق، وقد فسرتهما في اللغات"، يعني: الشاكر، والشكور.

"الفائدة الخامسة: قولنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] أفضل عند المُحققين من لا إله إلا الله لوجهين: أحدهما ما خرجه النسائي عن رسول الله ﷺ: من قال لا إله إلا الله كُتبت له عشرون حسنة، ومن قال الحمد لله رب العالمين كُتبت له ثلاثون حسنة[137]، والثاني: أن التوحيد الذي تقتضيه لا إله إلا الله حاصل في قولك رب العالمين، وزادت بقولك الحمد لله، وفيه من المعاني ما قدمنا، وأما قول رسول الله ﷺ: أفضل ما قلت أنا وفي نسخة: أفضل ما قلته أفضل ما قلت أنا، والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله[138]، فإنما ذلك للتوحيد الذي يقتضيه، وقد شاركتها الحمد لله رب العالمين في ذلك، وزادت عليها، وهذا المؤمن يقولها لطلب الثواب، وأما لمن دخل في الإسلام فيتعين عليه لا إله إلا الله".

هذه المسألة المُفاضلة بين قول الحمد لله رب العالمين هل هي أفضل من لا إله إلا الله، أو لا؟ فيها كلام معروف لأهل العلم، وقد مضى في الكلام على الأذكار في شرح الأذكار، المُفاضلة بين هذا، وهذا بناء على النصوص الواردة، لكن قوله بأنها أفضل عند المُحققين فيه نظر، يعني: ما كل العلماء من المحققين يقولون بأن الحمد لله رب العالمين أفضل من لا إله إلا الله فإن كثيراً من المحققين يقولون إن لا إله إلا الله أفضل من الحمد لله رب العالمين، ونقلنا كلام هؤلاء هناك، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فهنا ذكر الحديث: من قال لا إله إلا الله كُتبت له عشرون حسنة، ومن قال الحمد لله رب العالمين كُتبت له ثلاثون حسنة.

يقول هنا المعلق لفظه: إن الله اصطفى من الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال سبحان الله كُتبت له عشرون حسنة، ومُحيت عنه عشرون سيئة، ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك، فمن قال الحمد لله رب العالمين من قِبل نفسه كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُط عنه ثلاثون خطيئة يمكن أن يقال - والله تعالى أعلم -: بأن القاعدة أن المزية لا تقتضي الأفضلية، فهذه مزية في ذكر الحسنات، وعدد الحسنات المترتبة على هذا، لكن هذا لا يقتضي الأفضلية بإطلاق؛ فإن قول لا إله إلا الله أفضل بالتنصيص عليه بقوله ﷺ: خير ما قلت أنا، والنبيون من قبلي لا إله إلا الله[139]، فهذا مُطلق، لكن هناك ذكر الحسنات فهذه مزية، لكن المزية لا تقتضي الأفضلية، يعني: بإطلاق.

وكذلك كما يقال في أصحاب النبي ﷺ، فأبو بكر أفضل الصحابة مع أن النبي ﷺ قال في عثمان : ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم[140]، وقد زوجه ابنتيه، فهذه مزايا لعثمان ما حصلت لأبي بكر، ولا لعمر - رضي الله عن الجميع - فيقال: المزية لا تقتضي الأفضلية.

قال في حق علي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي[141] فهذه مزية ما حصلت لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان، لكن المزية لا تقتضي الأفضلية، فأبو بكر، وعمر، وعثمان أفضل من علي - رضي الله عن الجميع -.

فهنا ذكر مزية للحمد مثلاً لا يعني أنه أفضل مطلقاً من قول لا إله إلا الله فأفضل الذكر لا إله إلا الله؛ لأنها كلمة التوحيد، ولا تعدلها كلمة، ولو أمعنت النظر فإن الحمد مُضمن فيها؛ لأنه إذا كان هو المعبود وحده، فذلك يدل على أنه الكامل من كل وجه كما سبق فهذا الذي يكون له الحمد المُطلق الذي يستحق الحمد من كل وجه؛ لكماله المُطلق - والله تعالى أعلم - ومن أراد التوسع في هذا يرجع إلى ما ذكرناه في شرح الأذكار في الكلام على هذه المسألة، والمُفاضلات في الأذكار.

"الفائدة السادسة: الرب، وزنه فعِل بكسر العين، ثم أُدغم، ومعانيه أربعة: الإله، والسيد، والمالك، والمُصلح، وكلها في رب العالمين إلا أن الأرجح معنى الإله لاختصاصه بالله - تعالى - كما أن الأرجح في العالمين أن يُراد به كل موجود سوى الله - تعالى - فيعُم جميع المخلوقات".

الرب رب العالمين، الرب بمعنى رب العالمين يعني خالق العالمين، وهو مالكهم، والمتصرف فيهم، الرب في الأصل يقولون مأخوذ من التربية، تربية الشيء، تنمية الشيء، تبليغ الشيء إلى كماله، قال الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء: 23] الربيبة هي التي يُربيها في حِجره، يعني: بنت الزوجة تتربى في كنفه، وهو - أيضاً - بمعنى هو بمعنى المُربي، وكذلك بمعنى المالك، والسيد في الحديث: أن تلد الأمة ربتها[142]، يعني: سيدتها، تلد من تكون مالكة لها، وكذلك يأتي بمعنى المعبود، ولو كان بغير حق أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39] أأرباب متفرقون، يعني المعبودين، والبيت المشهور المقول في الصنم:

أرب يبول الثُعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالبُ[143]

ويأتي بمعنى القائم على الشيء، ومُدبر الشيء، ومُصلح الشيء، ومتوليه، ومنه قوله في الحديث: هل لك من نعمة تربُها عليه [144] يعني: تقوم بها، وتصلحها.

وفي قول ابن عباس - ا -: لأن يرُبني بنوا عمي أحب إليّ من يرُبني غيرهم[145] يعني: يسوسني، يكون عليّ رباً أي أميراً يقوم بأمره، ويُدبره، ونحو ذلك، وكذلك - أيضاً - ما جاء في خبر صفوان بن أُمية يوم حُنين لما قال له أخ له من أُمه لما هُزم المسلمون في يوم حُنين قال الرجل لقد بطل سحر محمد، والله لا يرده هزيمتهم إلا البحر، أو لا يرد مُنهزمهم إلا البحر، فقال: اسكت، لأن يرُبني رجل من قُريش أحب إليّ من أن يرُبني رجل من هوازن، هذا يقوله صفوان بن أُمية لأخيه هذا من أُمه، لأن يرُبني يعني أن يسوسني، وأن يُدبر أمري رجل من قريش أحب إليّ من أن يرُبني رجل من هوازن، فهذا بمعنى التدبير، ونحو ذلك.

ويقال لصاحب الشيء: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون [الصافات:180] يعني: صاحب العزة، فهذه المعاني ثابتة فالله - تبارك، وتعالى - هو مُربي الخلق التربية بنوعيه تربية الأبدان بما يغذوهم به، وتربية الأرواح إرسال الرسل، وإنزال الكتب، والهدايات، وما أشبه ذلك.

وكذلك - أيضاً - الله - تبارك، وتعالى - هو خالقهم، وهو مالكهم، وسيدهم، ومعبودهم الحق، وهو القائم على شؤونهم، والمتصرف فيهم، والمُصلح لأحوالهم، وهو صاحب العزة، فهذه المعاني كلها ثابتة، وهي أكثر مما ذكره كما ترون ابن جُزي - رحمه الله -؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام - رحمه الله - في معاني الرب قال: "هو المُربي، الخالق، الرازق، الناصر، الهادي"[146].

وعلى كل حال لاحظ الآن بهذه المعاني مُستجمعة تجدون في كُتب الأسماء الحُسنى مثلاً، أو في بعض كتب العقيدة، يقولون مثلاً: الرب من الصفات الفعلية، نظروا إلى معنى التربية، والخلق، ونحو ذلك، التصرف فيهم، والواقع أنها صفة ذاتية، وفعلية، فالسيد، والمالك هذه من الصفات الذاتية، والخالق، والمُربي، والمتصرف فيهم هذه صفات فعلية.

ولذلك الرب يتضمن صفة ذاتية، وفعلية.

وعلى كل حال، من أخص معاني الرب: المالك، والمُدبر، والقائم بما يُصلح الخلق؛ ولهذا جاء دعاء الأنبياء كثيراً باسمه الرب؛ لأنه أحق باسم الاستعانة، والمسألة كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: بأن عامة المسألة المشروعة باسم الرب[147].

ولذلك تجدون في القرآن دعاء الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - وأتباع الأنبياء: "ربنا" "ربي" بهذا الاسم، وقد ذكر هذا الملحظ - أيضاً - الشاطبي - رحمه الله - وغيره، لماذا كان عامة دعاء الأنبياء - عليه الصلاة، والسلام - باسم الرب؟ فهو المُتصرف، والمُعطي، والرازق، ونحو ذلك، وهو المالك، والقائم بما يُصلح الخلق، فيُناسب أن يقال: يا رب ارزقني، يا رب أعطني، يا رب - والله تعالى أعلم - وهو بهذا التعريف - الرب - لا يُطلق إلا على الله .

لكن قد يُقال: بالإضافة، رب الدار، رب الإبل، ونحو ذلك لغير الله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] واسم "الله"  مُشتق من الإلهية، وليس بجامد، وكثير من أهل العلم يقولون بأنه الاسم الأعظم، وهو أقرب الأقوال؛ فهو يتضمن غاية العبد، ومصيره، ومُنتهاه، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "الله، وهو الإله المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة يتضمن غاية العبد، ومصيره، ومنتهاه، وما خلق له، وما فيه صلاحه، وكماله، وهو عبادة الله ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله"[148].

والاسم الثاني: الذي هو الرب رب العالمين يتضمن خلق العبد، ومُبتداه، وهو أنه يرُبه، ويتولاه، لاحظ الله الغاية، وهي العبادة، وجِد من أجل ذلك، والربوبية - كما هو معلوم - تستلزم الإلهية، والإلهية تتضمن الربوبية؛ ولهذا يقولون: بأن توحيد الإلهية مُضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية يستلزم، يعني: إذا أقررت أنه هو الخالق الرازق، المُدبر، المتصرف... إلخ، فهو المستحق أن يُعبد دون ما سواه، يلزم أن يكون هو المعبود وحده، وإذا قلت أنه هو المعبود وحده، هو الإله فهذا يتضمن أنه هو الذي أعطى، وخلق، ورزق، وهو الذي بيده النفع، والضُر، وما إلى ذلك.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:  2] والمقصود بالعالمين جمع عالم، فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: قوم، ورهط، ما لها واحد من لفظها، وذلك يُقال: العالمين كل ما سوى الله - تبارك، وتعالى - جُمع هنا ليشمل كل جنس، وليس كل فرد فقط، بل كل جنس ممن سُمي به، فيعم جميع المخلوقات في العالم العلوي، والسُفلي، وما بين ذلك، الملائكة، الإنس، الجن، الشياطين، الحيوانات، الجمادات، سائر المخلوقات، فالله ربها - تبارك، وتعالى - ودخلت عليه "أل" التي تدل على الاستغراق العالمين، فكل ما سوى الله هو داخل في ذلك، ويدل على هذا قول موسى ﷺ فيما ذكر الله عنه لما سأله فرعون: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [الشعراء: 23 - 24] فهذا تفسير للقرآن، بالقرآ.

فهذا إذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] كل ما سوى الله من الأفلاك السابحة، والبر، والبحر، وما فيهما، وما في السموات، والأرض، وما بينهما، فهذا كله داخل فيه رب العالمين، وكثير من أهل العلم يقولون: إنه مشتق من العلامة؛ لأن كل ما في هذا الوجود من المخلوقات علامة على وجود الله وعلى كماله، وعلى وحدانيته، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران: 190] تدل على أن الله هو الخالق وحده، وأنه هو المعبود وحده وتقدست أسماؤه، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم: 22].

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحدُ

بعض أهل العلم يقول: إن العالمين مشتق من العلم، لكن الأول هو المشهور، وهؤلاء الذين قالوا أنه مشتق من العلم إن قُصد أن ذلك بالنظر إلى علم الله - تبارك، وتعالى - بهم، وأن ذلك يدل على إحاطته، وقدُرته اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12] فهذا له وجه، وإن قُصد به أن هذه المخلوقات سُميت عوالم؛ لأنها قد توصف بشيء من العلم المحدود، فهذا - أيضاً - يحتمل، ولكن القول الأول أقرب - والله أعلم - فهو مشتق من العلامة، وبعض أهل العلم يقول: لا يبُعد أن يكون مشتقاً من الأمرين: من العلم، ومن العلامة.

ولاحظ الجمع هنا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] هذا جمع من يعقل، فهذا مع أنه يتضمن العقلاء كما ذكرنا، وغير العقلاء من الحيوان، والنبات، والجماد، لكن هذا من باب تغليب العقلاء على من سواهم؛ لأن العقلاء هم المعنيون بالخطاب، والتكليف، ولما ميزهم الله بما يكون مناطاً للتكليف، وهو العقل، أما قوله - تبارك، وتعالى -: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: 1] فالمقصود به الإنس، والجن، فهذا من باب الإطلاق على معنى أخص، فكلمة العالمين أحياناً تأتي بمعنى عام كما في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 23] وأحياناً يُقصد بها بعض ذلك، والسياق هو الذي يُبين ذلك، ويوضحه - والله أعلم -.

أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 165] هنا المقصود به الإنس، ومن عالم زمانهم - أيضاً - فقط؛ لأنهم ما كانوا يأتون الذكران من العالمين من كل جيل، فهذا السياق يوضح أن المعنى أخص - والعلم عند الله -. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (395).
  2.  أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، رقم: (2875).
  3.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، رقم: (4474).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، رقم: (756)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، رقم: (394).
  5.  أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر، رقم: (759).
  6.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر،  رقم: (451).
  7.  أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، رقم: (313). 
  8. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة، رقم: (806). 
  9.  أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، رقم: (2276)، ومسلم، كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، رقم: (2201)، واللفظ له. 
  10.  أخرجه أبو داود، أبواب الإجارة، باب في كسب الأطباء، رقم: (3420). 
  11. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم:  (395). 
  12.  أخرجه البخاري، باب القراءة في الفجر، رقم: (772) أخرجه البخاري، باب القراءة في الفجر، رقم: (772)
  13.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (394).
  14.  أخرجه ابن خزيمة (1/248)، رقم: (490)، وابن حبان (5/91)، رقم: (1789).
  15.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] رقم: (4704).
  16.  أخرجه البيهقي  في شعب الإيمان (4/16)، رقم: (2120)
  17.  تفسير الطبري (1/107).
  18.  أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب، رقم: (5006).
  19.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، رقم: (4474).
  20.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، رقم: (4474).
  21.  أخرجه أحمد، رقم: (21094)، ابن خزيمة، باب فضل قراءة فاتحة الكتاب مع البيان أنها السبع المثاني، وأن الله لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، (1/252)، رقم: (500).
  22.  الفردوس بمأثور الخطاب، للديلمي (4/277)، رقم: (6816)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (9/27).
  23. الإتقان في علوم القرآن (1/187).
  24.  مراقي السعود، ص: (97).
  25.  المدونة (1/164)، التاج والإكليل لمختصر خليل (2/211)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/518).
  26.  المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/138)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/ 181)، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 104).
  27.  تحفة الفقهاء (1/96)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/160)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 56)              
  28.  أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، رقم: (756)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (394).
  29.  أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت رقم: (757)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (397).
  30.  الكافي في فقه الإمام أحمد (1/246)، المغني لابن قدامة (1/343)، العدة شرح العمدة (ص: 78).
  31.  الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 101).
  32.  سنن الترمذي (2/26).
  33. تفسير القرطبي (1/119).
  34.  المحلى بالآثار (2/271).
  35.  أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، رقم: (756)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (394).
  36.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (395). 
  37.  أخرجه عبد الرازق الصنعاني  رقم: (2630).
  38.  تفسير القرطبي (1/118).
  39.  المبسوط للسرخسي (1/ 18 - 19).
  40.  المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/117).
  41.  انظر: مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/131)، رقم: (2776)
  42.  صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (395).
  43.  مصنف ابن أبي شيبة (1/329)، رقم:  (3773).
  44.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 126)، رقم: (301).
  45.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 94)، رقم: (200).
  46. القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 14)
  47.  القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 16)، رقم: (26).
  48.  القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 10).
  49.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 101)، رقم: (231).
  50. القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 10).
  51.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/ 134)، رقم: (2789).
  52.  مصنف ابن أبي شيبة (1/328)، رقم: (3762 )
  53.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/129)، رقم: (2769).
  54.  القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 10)
  55.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 105)، رقم: (244).
  56.  مصنف ابن أبي شيبة (1/329)، رقم: (3771 ).
  57.  القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 64)، رقم: (164).
  58.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/134)، رقم: (2791).
  59.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/132)، رقم: (2779).
  60.  أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي (1/ 77)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 241)
  61.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 106)، رقم: (247)
  62. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 39)
  63.  المصدر السابق.
  64. تفسير القرطبي (1/119).
  65.  «مسائل الإمام أحمد» لأبي داود ص 31 - 32.
  66. القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 13)
  67.  الأوسط (3/110 - 111).
  68.  صحيح ابن خزيمة (3/ 36)
  69.  معالم السنن (1/177).
  70.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 112)
  71.  المحلى بالآثار (2/266).
  72.  مجموع الفتاوى (23/267).
  73.  تفسير القرطبي (1/ 119).
  74. نيل الأوطار (2/ 243)
  75.  تعليقه على سنن الترمذي (2/26).
  76.  أخرجه أبو داود، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، رقم: (823).
  77.  أخرجه ابن حبان (5/162)، رقم: (1852)، القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 61)، رقم: (156)، معجم أبي يعلى الموصلي (ص: 245)، رقم: (303).
  78.  أخرجه أحمد (29/611)، رقم: (18070)، وابن حبان (5/152)، رقم: (1844).
  79.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 79)، رقم: (167).
  80.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 93)، رقم: (195).
  81.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/131)، رقم: (2776).
  82.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/139)، رقم: (2811)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/103)، رقم: (1315).
  83.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 102)، رقم: (235)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/103)، رقم: (1316).
  84.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/138)، رقم: (2803)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/102)، رقم: (1310).                                                                                    
  85.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 99)، (221).
  86.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 99)، رقم: (224).
  87.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/132)، رقم: (2784).
  88.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/133)، رقم: (2785).
  89.  مصنف ابن أبي شيبة (1/329)، رقم: (3765).
  90.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/134)، رقم: (2791).
  91. القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 145)، رقم: (332).
  92.  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/28).
  93.  الكافي في فقه أهل المدينة (1/201)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/239).
  94.  المغني لابن قدامة (1/407)، الشرح الكبير على متن المقنع (2/12).
  95.  الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 106).
  96.  أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 155)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/362)، تفسير ابن كثير (1/109).
  97.  تفسير الطبري (13/352).
  98.  أحكام القرآن لابن العربي (1/10).
  99.  مجموع الفتاوى (23/327).
  100.  تفسير ابن كثير (1/109).
  101.  صفة صلاة النبي ﷺ الألباني (ص: 99)
  102.  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/54).
  103.  مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص: 72).
  104.  التمهيد (11/54).
  105.  أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي (1/77).
  106.  التمهيد (11/54).
  107.  أخرجه أحمد (32/496)، رقم: (19723)..
  108.  أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، رقم: (604). وقال في زيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا"، وهذه الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة الوهم عندنا من أبي خالد.
  109.  مجموع الفتاوى (22/295)، وما بعدها.
  110.  أخرجه أبو داود، باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام، رقم: (827)، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، رقم: (312).
  111.  أخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، رقم: (850)، والطبراني في المعجم الأوسط، رقم: (7579).
  112.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه، رقم: (398).
  113.  أخرجه أحمد (7/334)، رقم: (4309).
  114.  أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة، رقم: (577).
  115. سنن الترمذي (2/123).
  116.  القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص: 101)، رقم: (233).
  117. مصنف ابن أبي شيبة (1/330)، رقم: (3782).
  118.  سنن النسائي، كتاب الافتتاح، اكتفاء المأموم بقراءة الإمام، رقم: (923).
  119.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/139)، رقم: (2808).
  120.  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/47).
  121.  مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/130)، رقم: (2775).
  122. مصنف ابن أبي شيبة (1/331)، رقم: (3797).
  123.  الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/103).
  124.  أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر (ص: 25)، رقم: (64)، بلفظ: التحدث بالنعم ....
  125.  انظر: تفسير القرطبي (1/133).
  126.  تفسير الطبري (1/135).
  127.  انظر: الشكر لابن أبي الدنيا (ص: 30)، رقم: (81).
  128.  أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب: قيام النبي ﷺ الليل حتى ترم قدماه، رقم: (1130)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار،  باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، رقم: (2819).
  129.  أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين، رقم: (2736)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، رقم: (2677).
  130.  أخرجه أحمد (7/341)، رقم: (4318)، وابن حبان (3/253)، رقم: (972)، والحاكم في المستدرك (1/690)، رقم: (1877).
  131.  مجموع الفتاوى (8/378).
  132.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة... رقم: (395).
  133.  مجموع الفتاوى (6/84)
  134.  مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/49)
  135.  نونية ابن القيم = الكافية الشافية (ص: 20).
  136.  أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، وبتحققه تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام، رقم: (2038).
  137.  أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، ذكر ما اصطفى الله جل ثناؤه من الكلام، (9/309)، رقم: (10608).
  138.  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/470)، رقم: (8391)، ومالك في الموطأ (1/214)، رقم: (32).
  139.  أخرجه مالك في الموطأ (1/214)، رقم: (32)، والبيهقي في الدعوات الكبير (2/158)، رقم: (536). 
  140.  أخرجه الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ رقم: (3701)، والحاكم في المستدرك (3/110)، رقم: (4553).
  141.  أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي ﷺ باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رقم: (3706)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب رقم: (2404).
  142.  أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، رقم: (8).
  143.  البحر المحيط في التفسير (6/56).
  144.  أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله، رقم: (2567).
  145.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]، رقم: (4666).
  146.  مجموع الفتاوى (14/13).
  147.  مجموع الفتاوى (14/13).
  148. مجموع الفتاوى (14/12).

مرات الإستماع: 0

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2].

قد عرفنا أن الحمد هو ذكره -تبارك وتعالى- بأوصاف الكمال، وأن نُضيف ذلك له مع المحبة والتعظيم، فنحن نحمده -تبارك وتعالى- على كماله المُطلق من كل وجه، نحمده على كماله في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ونحمده على نِعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وهذه الآية هي في صيغة الخبر، يحمد الله -تبارك وتعالى- نفسه، وفي ضمنها تعليم لعباده بأن يحمدوه؛ لأنه المستحق للحمد وحده دون ما سواه، فهو رب العالمين، الذي قدر وجودهم، فأوجدهم على وِفق هذا التقدير، وهو أيضًا القائم بأمورهم، المُربي لجميع خلقه، بصنوف النِعم، وكذلك أيضًا المُربي لأوليائه بالإيمان، والعمل الصالح، وهذا هو الأهم والأعظم.

فنحن نمدحه مدحًا مقرونًا بالمحبة الكاملة، والتعظيم التام، وهذا هو الفرق بين المدح والحمد؛ لأن المدح قد يكون كذبًا وتزلفًا وتملقًا للممدوح من غير محبة، ولا تعظيم، أما حمدنا لربنا فهو مع المحبة والتعظيم، وهذا في غاية المُناسبة للوصف المذكور بعده من ذكر ربوبيته للعالمين، وكل من سوى الله -تبارك وتعالى- يدخل في ذلك قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [سورة الشعراء:23، 24] فكل ما سوى الله -تبارك وتعالى- فهو مربوب له، تحت قهره وتصرفه، فهو الذي يُربيهم بأنواع النِعم، وهذا يوجب عليهم حمده، ويوجب عليهم محبته، وإذا كان هذا هو القادر على ذلك جميعًا، فإن ذلك يوجب عليهم تعظيمه، كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله[1].

وهذه الجملة على قِصرها قد تضمنت من الهدايات والمعاني ما لا يُقادر قدره، ويطول المقام، وتكثر المجالس لو أردنا أن نتحدث عن مضامينها على سبيل التفصيل، حتى لا تظنوا أن المسألة مُبالغة، هذا مجلد كبير يقع في سبعمائة صفحة، هو فقط في الحمد، والكلام على الحمد، أما سورة الفاتحة وما تضمنته، فكتاب (مدارج السالكين) في خمسة مجلدات في طبعته المُحققة في منازل إياك نعبد وإياك نستعين فقط.

وأما تفسير سورة الفاتحة فمن أفضل ما وقفت عليه وأجمع في المعاني والفوائد فهو تفسير سورة الفاتحة للاحم، يقع في مجلد كبير كهذا، وهذا أمر لا يُستغرب.

يقول محمد بن عوف الحمصي: "رأيت أحمد بن أبي الحواري قام يُصلي العشاء فاستفتح بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:2- 5] يقول: فطفت الحائط كله، ثم رجعت فإذا هو لا يجاوزها، يعني: إلى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:5] ثم نِمت ومررت في السحر، وهو يقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [سورة الفاتحة:5] ولم يزل يُرددها حتى أصبح"[2] هذا ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، فمن منا يقف عند هذه الآية أو الآيتين أو الثلاث الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2]؟!

فالله -تبارك وتعالى- في أول هذه السورة بدأ بهذين الاسمين: الله، والرب، فالله -تبارك وتعالى- هو المألوه المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا انظروا ما الذي يُضاف إليه، الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله، ولا يُقال: لا إله إلا الرب، أو الحمد للرب، أو الرب أكبر، وإنما يُضاف ذلك لله بهذا الاسم المُتضمن لصفة الإلهية الله، ثم ذكر الرب بعده، وهو المُربي الخالق الرازق الناصر الهادي المُعطي المانع المُحيي المُميت، وهذا الاسم أحق بالاستعانة والمسألة؛ ولهذا تجد الدعاء دائمًا أو غالبًا باسم الرب، والتسبيح والتهليل والذكر، ونحو ذلك يُضاف إلى هذا الاسم الكريم (الله).

الدعاء إلى الرب رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [سورة نوح:28] رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة الأعراف:23]، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [سورة القصص:16] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [سورة آل عمران:147] رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة:286] فعامة المسألة والاستعانة إنما تكون باسم الرب، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية[3] وكما تدل عليه النصوص.

فالاسم الأول (الله) يتضمن غاية العبد، ما هي غايته؟ أن يُحقق العبودية للمألوه المعبود، فمعنى: المألوه المعبود، الذي تألهه القلوب، ويتضمن أيضًا مصيره ومُنتهاه، وما خُلق له وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56] وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله -تبارك وتعالى- فهو يعمل ويُجاهد نفسه، ويبذل من أجل أن يرتقي في سُلم العبودية، وكلما كان العبد مُكملاً للعبودية كانت مرتبته أرفع؛ ولذلك تجد الرسل الكِرام، من أولي العزم -عليهم الصلاة والسلام- وأشرفهم نبينا ﷺ في أعلى المقامات الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [سورة الكهف:1] ولم يقل: أنزل على الهاشمي المُطلبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يقل: أنزل على محمد القُرشي، وإنما قال: على عبده وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [سورة الجن:19] في مقام الدعوة والدعاء، وكذلك في سائر المقامات الشريفة كالإسراء سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة الإسراء:1] فشرف العبد بتحقيق العبودية، وهذه متصلة ومرتبطة بهذا الاسم الكريم (الله) فهو يتضمن ما فيه صلاح العبد، وغاية العبد، وكمال العبد، وهو العبادة.

الاسم الثاني الذي هو (الرب) يتضمن خلق العبد، فالله هو الذي قدر وجوده، وهذا من معاني الخالق والرب، وهو الذي أوجده، وهو الذي رباه بالنِعم المتنوعة، فهو يتضمن خلقه ومُبتدأه، وهو أن يُربيه، وأن يتولاه ويغذوه بصنوف النِعم، هذا كله من معاني ربوبيته، فهو يكلأنا ويحفظنا ويرعانا، وهذا كله من معاني ربوبيته -جل جلاله، وتقدست أسماؤه.

ثم أيضًا هذا الحمد هو مُبتدأ الصلاة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] وهو أيضًا آخر القيام حينما يقوم من الركوع وقبل أن يسجد، ويكون بذلك قد قضى ركعته يقول: ربنا لك الحمد، فصار ذلك في هذين الموضعين، وهكذا في قوله حينما يرفع: أحق ما قال العبد[4] يقتضي -كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- أن أحق ما يقوله العبد هو حمد ربه -تبارك وتعالى- فأحق ما قال العبد: الحمد لله، وما كان أحق الأقوال كان أفضلها وأوجبها على الإنسان[5].

وقد مضى الكلام على كلمة التوحيد، والمُفاضلة بينها وبين الحمد، وقلنا: بأن الراجح أن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" أجل وأفضل، ولكن الحمد قد بلغ منزلة في الذكر، حتى صار يُفاضل بينه وبين كلمة التوحيد؛ ولهذا افترض الله على عباده في كل صلاة أن يفتتحوها بقولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] وهكذا تُفتتح الخُطب: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وكذلك أيضًا أن يكون الحمد مُقدمًا على كل كلام، سواء كان ذلك في مُبتدأ مُناجاة الرب -تبارك وتعالى- أو غيره، فنحن حتى في الدعاء نفتتح ذلك بحمده وكذلك النبي ﷺ في حديث الشفاعة الطويل وفيه: ثم يفتح الله عليّ من محامده، وحسن الثناء عليه شيئًا، لم يفتحه على أحد قبلي[6] وكذلك أيضًا في مُخاطبة المخلوقين.

ثم تأملوا -أيها الأحبة- لما كان أول هذه السورة مشتملاً على الحمد لله -تبارك وتعالى- والثناء عليه، وعلى تمجيده، كما في الحديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي[7] فالمجد كثرة أوصاف الكمال، وأما الثناء فهو تثنية الحمد وإعادته ثانيًا، فجاء في صدر هذه السورة هذه الأمور الثلاثة، وجاء آخرها مُشتملاً على الذم للمُعرضين عن الإيمان بالله والمُعرضين عن دينه، وصراطه المُستقيم، فدلّ ذلك كما يقول بعض المُفسرين على أن مطلع الخيرات، وعنوان السعادات هو الإقبال على الله وأن مطلع الآفات، ورأس المُخالفات، هو الإعراض عن ربنا وتقدست أسمائه، والبُعد عن طاعته.

وأيضًا حينما يقول العبد: "الحمد لله" فـ(أل) هذه تدل على استغراق جميع المحامد، والذي يكون مستغرقًا لجميع المحامد يكون مُتصفًا بجميع صفات الكمال؛ لأنه لا يستحق الحمد من كل وجه إلا من كان كاملاً من كل وجه، فلا يكون في حمده استثناء، قد تحمد مخلوقًا، ولكنك تستثني بعض الأمور، تقول: إلا في كذا، ففيه من النقص ما فيه، ولا يخلو أحد من نقص، أما الله فهو الكامل من كل وجه؛ ولذلك يستحق الحمد المُطلق من كل وجه، والذي يستحق الحمد من كل وجه هو الذي يستحق أن يُعبد، دون ما سواه؛ لأن غيره ناقص، وهو الكامل وحده الكمال المُطلق، فإذا كنت تعتقد ما تقول: "الحمد لله" كل المحامد لك يا رب، إذًا ينبغي أن تنقاد القلوب لهذا المحمود الكامل من كل وجه، فيكون هو المعبود وحده، دون ما سواه؛ ولهذا ينبغي على العبد أن يستشعر هذا المعنى إذا قال هذه الكلمة.

وأيضًا إذا كان ربنا -تبارك وتعالى- هو المحمود من كل وجه فمما يُحمد عليه -تبارك وتعالى- هذا الشرع الذي شرعه، والدين الذي أنزله، فدينه وشرعه كامل من كل وجه، فإذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] فهذا يقتضي أن تُذعن لدينه وشرعه؛ لأنه لا يتطرق إليه نقص بوجه من الوجوه، وإذا كنت تستشعر هذا المعنى أن الحمد المُطلق لله من كل وجه، فهو محمود أيضًا على أحكامه القضائية الكونية، وعلى أقداره، فأقداره عين الحكمة والصواب، ولا يتطرق إليها خطأ، وليس فيها استدراك، إذًا لماذا التسخط؟ ولماذا الاعتراض؟ ولماذا يتفوه الإنسان ببعض الكلمات التي قد لا يسلم منها؟

ولذلك تجد بعض السلف كانوا يتحرزون من أدنى الأشياء مما لا يحرم، فكان أحدهم لربما إذا سمع آخر يقول: اليوم حر، أو يقول: اليوم برد، يقول له: هل استدفأت؟ يعني: حينما قلت هذه الكلمة هل حصل لك الدفأ؟ يعني: ماذا استفدت حينما قلتها؟

إلى هذا الحد، إذا كان الأمر كذلك فكيف إذا نزل بالإنسان مرض، أو مصيبة، أو فقد محبوب، أو خسارة في تجارة، أو ربما كان مُتعثر الحظ في نظره في دراسته أو في عمله أو في تجارته أو في غير ذلك، ثم بعد ذلك يتسخط ويقول: أنا أعبد الله وأتقي المعاصي وغيري ما يسجد لله سجدة، وهو فالح في تجارته، وفالح في دارسته، ومؤمن مستقبله، وعنده ما شاء الله العقارات، والمراكب الفارهة، والقصور، والزروع والضروع، وما إلى ذلك، فهذا لا يقوله من عرف أن الله هو الذي له الحمد المُطلق من كل وجه؛ لأنه الكامل من كل وجه، فمن كماله أن أقضيته حق وصواب وحكمة، وصادرة عن علم تام، فلا مجال لأحد أن يستدرك، أو يقول: لماذا نحن بهذه الحال والكفار تُغدق عليهم أنواع النِعم؟ لا يقول هذا من عرف الله معرفة صحيحة.

وهكذا حينما يقول العبد: "الحمد لله" يعبِّر بهذه الجملة الاسمية، التي تدل على الدوام والاستمرار، فهي تدل على ديمومة الحمد واستمراره، فهو حمد ثابت مُطلق يشمل جميع أنواع المحامد، كما سبق، أو أن (أل) تكون للعهد، يعني: الحمد الذي يعهده كل أحد، لكن كونها للجنس أبلغ؛ فتشمل جميع المحامد لله، فهذه اللام للاستحقاق، والمعنى: أن الحمد مُستحق لله.

وعرفنا في الكلام على الأذكار الفرق بين اللامات الثلاث: الاستحقاق، والاختصاص، والملك، إذا أضفت شيئًا إلى شيء من شأنه أن يملك، تقول: الكتاب لزيد، فاللام للملك، الأرض لله، والسماء لله، وحينما تُضيف معنى لذات، كالحمد لله، فهذه للاستحقاق، الحمد لله، يعني: مُستحق لله، فإذا أضفت ذاتًا إلى ذات ليس من شأنها أن تملك، تقول: الغلاف للكتاب، والمفتاح للسيارة، والباب للمسجد، فهذا يكون للاختصاص، يعني: مُختص بكذا، ويخص كذا، وهكذا.

في قوله -تبارك وتعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] تأمل في تقديم وصف الله -تبارك وتعالى- بالإلهية على الربوبية، قدم الإلهية على الربوبية، وهذا إما لأن الله -تبارك وتعالى- هو الاسم العلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ لأن هذا الاسم الكريم الله، تعود إليه جميع الأسماء الحسنى لفظًا ومعنى، لفظًا بمعنى أنها تابعة له، مثل ما قرأنا في آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۝ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [سورة الحشر:22- 24] لا يُقال: هو الرب الرحمن، الرحيم، الله، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، وإنما يُذكر لفظ الجلالة (الله) أولاً، وتكون الأسماء الحُسنى عائدة إليه، وتابعة له لفظًا، يعني تُعطف عليه في اللفظ: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس... إلى آخره.

وأيضًا تكون عائدة إليه من جهة المعنى، لماذا؟ لأن صفة الإلهية تتضمن جميع صفات الكمال؛ لأنه كما سبق لا يكون إلهًا إلا من كان خالقًا، رازقًا، حيًا، مُدبرًا، عليمًا، حكيمًا، سميعًا، بصيرًا... إلى غير ذلك من الصفات المُضمنة في أسمائه -تبارك وتعالى- فهذا معنى كونها تعود إليه معنى، يعني: في مضامينها، أي أن الإلهية مُتضمنة لأوصاف الكمال التي في سائر الأسماء الحُسنى، فلهذا قُدم الله على الرب.

ويمكن أن يكون ذلك باعتبار أن الذين جاءتهم الرُسل -عليهم الصلاة والسلام- كانوا يُنكرون الألوهية فقط، والاسم (الله) يدل على كونه مألوهًا معبودًا، تُؤلهه الخلائق محبة وتعظيمًا وخوفًا وفزعًا إليه بالحوائج؛ وذلك يستلزم كمال ربوبيته ورحمته، فكانوا يشغبون على الإلهية فقدمها؛ لأنها الذي حصل به الافتراق بين الرسل، وأقوامهم، والله أعلم. 

  1.  الصلاة وأحكام تاركها (ص: 150).
  2.  سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 87، 88).
  3.  قاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادة واستعانة (ص: 66).
  4.  أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع برقم: (477).
  5.  جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 66).
  6.  أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا [سورة الإسراء:3] برقم: (4712) ومسلم في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم: (194).
  7.  أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها برقم: (395).