الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد أي: حاضر، والمقصود بذلك صيام التطوع، وأمّا صوم الفرض القضاء الذي عليها من رمضان، أو كان عليها نذر فإنه يجب عليها أن تصومه ولو كان زوجها شاهداً، بل ولو كان غير راضٍ؛ لأنه لا خيار لها في ذلك، وطاعة الله مقدمة على طاعة الزوج، فيراعى هذا الجانب، لكن صيام المرأة التطوع بحضرة زوجها إذا كان شاهداً -يعني: غير مسافر وغير غائب، فإنه يكون ذلك مظنة لتضييع وتعطيل حقوقه، فهي إذا صامت قد تفتر عن القيام بواجباته وحقوقه التي عليها، تضعف عن هذا، وكذلك أيضاً فإنه تتعطل منافعه من جهة الاستمتاع، فهذا حقه، فلا يجوز لها أن تصوم إلا بإذنه؛ لأن ذلك يتصل بحقه، لهذا المعنى.
أما إذا علمت أن زوجها يأذن، وأنه لا يمانع من هذا، فهي لا تحتاج أن تستأذن في كل مرة، وإنما تصوم، كذلك لو أن هذا الزوج قد تزوج بأخرى مثلاً، فهو في يوم عند هذه وفي يوم عند هذه، فصارت تصوم يوماً وتفطر يوماً، مثلاً، فلها ذلك، لا إشكال ولا تحتاج إلى الاستئذان مع أن زوجها حاضر لكنه لا يحصل له بذلك تعطيل لمنافعه، وعلى الزوج أيضاً أن يراعي شأن المرأة، وأن يعلم ويتذكر أن هذه المرأة بحاجة إلى التعبد لله ، وأن قربها من الله -تبارك وتعالى- أصلح لها وأصلح لزوجها، فكلما ازدادت تقواها وأعمالها الصالحة فإن ذلك خير للزوج، وخير للأولاد، وخير للزوجة أيضاً، فلا يتحكم أيضاً فيها من غير مبرر، أحياناً الزوج قد لا يحتاج إليها، هو لا يعاشرها في النهار أصلاً، ويكون في عمله في غالب الوقت، ولكن من الأزواج من يتسلط، يقول: أنا لا أسمح أن تصومي، فتقول له: هل تحتاج شيئا؟ هل تعطل من حقوقك شيء؟ يقول: لا، لكن أنا لا أسمح، فيستغل مثل هذه الأحاديث في التضييق على المرأة، فتجد المرأة تبكي وتحزن لما يفوتها من الخير والعمل الصالح بسبب تصرفات هذا الزوج، وهذا لا يليق، فينبغي عليه أن يكون عوناً لها على طاعة الله -تبارك وتعالى، بل من الأزواج من يمنعها أن تصوم القضاء من غير مبرر، فمثل هذا لا تطيعه في هذا، ومنهم من يمنعها من الحج الفرض، يقول: لا، نحج فيما بعد -إن شاء الله- السنة القادمة أو التي بعدها، فإذا تيسر لها المحرم، وتيسرت لها النفقة، ولا تحتاجه في شيء فيجب عليها أن تحج، فهنا لا يجوز له أن يمنعها.
فينبغي على الإنسان أن يراعي هذا فيمن استرعاه الله إياهم، ولهذا قال أيضاً في حقها: ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وسبق في حديث آخر الكلام على هذا المعنى؛ لأنه سلطان في بيته، ولا يجوز أن يدخل بيته أحد لا يرتضيه، لا امرأة ولا رجل، لا من المحارم ولا من غير المحارم، وهذا من رعايتها لحق زوجها، فالمرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها.
كما في حديث ابن عمر الذي أورده المصنف -رحمه الله- بعده، وهو:
كلكم خطاب للجميع، للسيد والمملوك والمرأة والرجل، لأصحاب الولايات العامة، وغيره، فـ "كل" أقوى صيغة من صيغ العموم، لا يخرج منها شيء إلا بدليل بيّن واضح صريح، كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، وهذا يحمِّل الناس المسئولية، فقال: والأمير راع الأمير سواء كان صاحب ولاية عامة، كما جاء في بعض الروايات الإمام يعني: الإمام الأعظم، أو كان أميراً على بلد من البلاد، أو أميراً على طائفة من الناس، فإنه مسئول عن رعيته، كأمير الجيش ونحو هذا، فهو مسئول عنهم، فعليه أن يتقي الله فيهم، كما قال النبي ﷺ: ما من راعٍ يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لهم إلا لم يرح رائحة الجنة[2]، وأخبر النبي ﷺ أنه لا يدخل الجنة معهم، يقول: والرجل راع على أهله في بيته، مسئول عن هذه الرعية، عن الزوجة وعن الأولاد والخدم، فينبغي أن يحفظهم وأن يحملهم على الحشمة باللباس الحسن الساتر المحتشم، ويبعد عنهم أسباب الشر والانحراف من القنوات الفاسدة، فهو مسئول عن هذا، يتحمل أوزاره، ويكون قد غشهم إذا هيأ لهم هذه الأسباب التي تفسد أخلاقهم وعقائدهم، وتفتك بدينهم، وهكذا في كل ما يتصل بهم من علاقاتهم ومخرجهم ومدخلهم والنفقة عليهم، قال: والمرأة راعية على بيت زوجها وولده مسئولة عن هذا البيت، تحفظ عرضها، وتصون مال زوجها، وتقوم على رعاية ولده أحسن الرعاية، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته.
وهكذا الخادم مسئول عما استرعاه الله وعما وُكل إليه من العمل، وهكذا الإنسان صاحب المؤسسة، هكذا الأجير، العامل، كل هؤلاء سيسألهم الله عن هذه الأعمال التي عملوها، هل قاموا بها على الوجه الصحيح أو لم يقوموا بها، المعلم هو مسئول عن هؤلاء الطلاب، كيف علمهم، هل أدى الأمانة، أو أنه يحضر فقط تحلة القسم، وينتهي في ربع الحصة الأول ثم بعد ذلك لا يبالي بهؤلاء الطلاب، وإذا سئل عن هذا قال: هؤلاء لا يستحقون، هؤلاء لا يوجد عندهم اهتمام، هذا لا يجوز، فهؤلاء سيسأله الله عنهم وما يلقنهم إياه، ويجب أن يخلص معهم، وهكذا حينما يختبر هؤلاء الطلاب هو مسئول عنهم، إذا كان يضع لهم أسئلة كيفما اتفق لا تبرأ بها الذمة، أو كان هذا الإنسان لا يتقي الله فيهم، فيعبثون، وينقل بعضهم من بعضهم في الاختبار، ويحضرون معهم ما يحضرون من الأوراق وغيرها وهو يرى ذلك كله ويتغاضى عنه، بل لربما يعد هذا أنه من الإحسان إليهم، ومن الكرم، وأن هذا من حسن الرعاية نبذاً للتضييق عليهم وما أشبه ذلك، فهذا كله من الإضاعة.
وهكذا مدير المدرسة، وهكذا كل من له وظيفة أو عمل أو شيء استرعاه الله إياه، أيًّا كان موقعة، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، إمام المسجد مسئول، مؤذن المسجد مسئول، لا يخرج من هذا أحد، فلو أن الناس حفظوا هذا المعنى ووقفوا عنده، واتقوا الله فيما تحت أيديهم لاستراح الناس، لو كل إنسان عرف طريقه لوجدنا تربية ممتازة للأولاد، ووجدنا المدارس على أحسن الأحوال، ووجدنا الموظفين في غاية الانضباط، وأداء العمل، وترك الإساءة إلى المراجعين، ويوم السبت وغدا وبعد غد، والسبت الذي بعده، وبعد شهر، وبعد شهرين، حتى يمل الناس ويتركون حقوقهم لربما كل هذا من أجل هذا الإبطاء وهذا التضييع، ولربما ليس عنده شيء يشغله أصلاً، وهكذا حينما يكون الإنسان لم يعد نفسه إعداداً صحيحاً ثم يتأهل لعمل لا يصلح له، هذا الإنسان ليس عنده من العلم شيء، هو ضعيف، فيكون معلماً مثلا، كما قيل:
تَصدَّر للتدريسِ كلُّ مُهوَّسِ | بليدٍ تسمَّى بالفقيه المدرِّسِ |
فحُقَّ لأهل العلم أن يتمثلوا | ببيتٍ قديمٍ شاع في كل مجلسِ |
لقد هزلتْ حتى بدا من هُزالها | كُلاها و حتى سامها كلُّ مُفْلسِ |
وقد هزلت، هذا رجل عنده ناقة كانت سمينة ما يتجرأ أحد أن يسومها، ويوم صارت هزيلة صار أي واحد يقول له: بكم الناقة؟.
وهكذا التعليم اليوم عند الكثيرين للأسف، لم يتأهل لهذا، وصار كثير ممن يتخرج من الجامعات يتخرجون موظفين، يعني: يصلح فقط أنه يكون كاتبًا، وحتى الكتابة قد لا يحسنها، فيها أخطاء في الإملاء، لا عنده خط ولا إملاء ولا لغة عربية، ولا شيء من هذا، يخرج موظفًا لكنه يعلِّم، هل هذا عنده قُدر وإمكانات وعلم ومعرفة فيصلح أن يعلِّم؟! إذا نظرت إلى كثير من حال هؤلاء المعلمين فهو إن كان معلماً للقرآن في كثير من الأحيان لا يحسن القراءة، وإذا كان معلماً للغة العربية لا يحسن اللغة العربية، معلماً للعلوم لا يعرف في هذا العلم إلا القليل، وتُضيَّع الأمانة، ثم يَخرج هؤلاء الطلاب المساكين، كما يفعل بعضهم إذا ما استطاع أن يوصل المعلومة إليهم، ما يستطيع أن يشرح درسًا فيه صعوبة، افتعل قضية وغضب على الطلاب، وقال لهم: أنتم لا تفهمون، ثم يَخرج هؤلاء الطلاب لا يعرفون شيئاً، أو يقول لهم في الجامعة: الذي يحفظ هذه المنظومة سأعطيه الدرجة الفلانية، وهو لا يشرح شيئاً إطلاقاً؛ لأنه لا يفهم هذا الفن أصلاً، إذا لماذا تدرِّس؟، أما تتقي الله في هؤلاء؟!، هذا لا يجوز، فيتخرج هؤلاء ضعفاء بسبب تضييع هذه الأمانة.
وهكذا قد يعتني بطالب، أو بطالبين يتجاوبون معه، والبقية حوالي ثلاثين طالبًا ما موقعهم من الإعراب؟ يتركهم ويهملهم، ثم ماذا تكون النتيجة؟ يكون الغالبية من هؤلاء لم يحصِّلوا مقصودهم من هذا التعلم والتردد في كل يوم، إنما كان التركيز على هذين الاثنين اللذيْنِ لربما يفهمان ويراجعان من غير حضور، أي لو لم يحضرا معه لحصلا مقصودهما، لكن البقية الذين يحتاجون إلى تعليم وتفهيم، ويحتاجون إلى إعادة وتبيين وإيضاح هؤلاء لا حاجة للتعب معهم، وكأنهم غير موجودين، فهذا لا يجوز، هذا كله سيسأل الله الإنسان عنه، كل هذه الأمور، التربية قضية صعبة، كم من الناس من يربي أولاده فعلاً تربية صحيحة، ويعطيهم من وقته وجهده، ويلقنهم المعاني الطيبة الكريمة، والأخلاق الفاضلة، قليل ما هم، فالشارع هو الذي يربي عند الكثيرين، أو القنوات الفضائية، ولا يدري ما الذي يدور، لا البنات ولا الأولاد، ولربما يشعر بشيء من هذا ويتغاضى عنه؛ لئلا يزعج نفسه كأنه لا يدري، وهؤلاء تطحنهم الفتن، فتن الشهوات وفتن الشبهات، ثم بعد ذلك يخرجون في حال من الانحراف، وهو السبب في هذه الإضاعة، فهذه مسئولية، نسأل الله أن يلطف بنا وأن يعيننا وإياكم على أداء حقوق أصحاب الحقوق، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الرعاية الطيبة الحسنة، وأن يصلح أعمالنا وأحوالنا، أن يوفق جميع المسلمين لما يحب ويرضى.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، (2/ 5)، برقم: (893)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، (3/ 1459)، برقم: (1829)، بلفظ: ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته.
- أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح، (9/ 64)، برقم: (7150) بلفظ: ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة.