الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمما ورد عن السلف في باب حقوق أهل بيت النبي ﷺ ما جاء عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر الصادق بن محمد: إن لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، فقال جعفر: برئ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، ولقد اشتكيتُ شكاية فأوصيتُ إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم، يعني: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، يعني: أنه لما مرض خاف أن يموت فجعله وصيًّا له[1].
يقول ابن عيينة: حدثوني عن جعفر الصادق بن محمد ولم أسمعه منه، قال: كان آل أبي بكر يُدعون على عهد رسول الله ﷺ: آل رسول الله ﷺ، يعني أن آل أبي بكر يقال لهم: آل رسول الله ﷺ[2].
وعن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر الصادق عن أبي بكر وعمر فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: يا سالم أيسبُّ الرجلُ جده؟، أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد ﷺ يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما[3].
وجاء عن جعفر بن محمد أنه قال: ما أرجو من شفاعة عليٍّ شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، لقد ولدني مرتين[4].
يعني: هذا جعفر الصادق، فأبو بكر جده من جهة أمه.
وعن عبد الجبار بن العباس الهمداني: أن جعفر الصادق بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال: إنكم -إن شاء الله- من صالحي أهل مصركم، فأبلغوا عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من عمر وأبي بكر فأنا منه بريء[5].
وعن حنان بن سدير قال: سمعت جعفر بن محمد وسئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار أهل الجنة[6].
وجاء عنه أنه قال: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر[7]، يقول الذهبي -رحمه الله: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله.
وجاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك -رحمه الله- ليسمع منه، فأبى أن يحدثه، يعني: كأنه رأى أنه ليس بأهل لتلقي الحديث وتحمله وروايته، فقال الشريف لغلامه: قم فإن أبا عبد الرحمن -يعني ابن المبارك- لا يرى أن يحدثنا، فلما قام ليركب جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، فقال: يا أبا عبد الرحمن تفعل ذلك ولا ترى أن تحدثني!، يقول: يعني هذا تناقض، تأخذ بركابي وتقوم إليّ تعظيماً واحتراماً وتأبى أن تحدثني، فقال: أُذلُّ لك بدني ولا أذل لك الحديث[8].
يعني: أمّا الحديث فلستَ بمؤهل لتحمله وروايته، وأما أنا فلقرابتك من رسول الله ﷺ فأنا أذل بدني لك، هذا هو الشاهد.
وكان محمد بن جعفر الباقر العلوي الحسيني يصوم يوماً ويفطر يوماً، واتفق موته بجرجان في شهر شعبان، فصلى عليه المأمون، ونزل بنفسه في لحده، وقال: هذه رحم قطعت من سنين[9].
ويقول الذهبي -رحمه الله- في طائفة من الأئمة أهل بيت رسول الله ﷺ يقول: فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة ، نحبه أشد الحب، ولا ندعي عصمته ولا عصمة أبي بكر الصديق، وقال: وأبناؤه الحسن والحسين فسبطا رسول الله ﷺ، وسيدا شباب أهل الجنة، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك، وزين العابدين كبير القدر، من سادة العلماء، علي بن الحسين.
يقول: من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة، وله نظراء، وغيره أكثر فتوى منه وأكثر رواية، وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد، إمام، فقيه، يصلح للخلافة، وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشرف والفضل، وابنه علي بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيره المأمون ولي عهده لجلالته، فتوفي سنة ثلاث ومائتين، وابنه محمد الجواد من سادة قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه، وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل، وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري -رحمهم الله تعالى.
ثم بعد ذلك ذكر معتقد أهل السنة في هؤلاء الأئمة أننا نحبهم لقرابتهم من رسول الله ﷺ، ولديانتهم، وفضلهم، فنحبهم محبتين، ولا نغلو فيهم، وليسوا بمعصومين، فهم يصيبون ويخطئون.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- التاريخ الكبير (2/ 333).
- الكامل في ضعفاء الرجال (2/ 359).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (54/ 285).
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال (5/ 82).
- سير أعلام النبلاء (6/ 259).
- المصدر السابق.
- سير السلف الصالحين، لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 46).
- سير أعلام النبلاء (8/ 404).
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (10/ 121).