الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الآثار الواردة عن السلف في باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد ما جاء عن قيس ابن أبي حازم -رحمه الله- قال: دخلت على أبي بكر -يعني الصديق- في مرضه يقول: وأسماء بنت عميس تُروِّحه، وهي زوجته، .. إلى أن قال: فقال لأبي: يعني قال أبو بكر لأبي: يا أبا حازم، قد أجزت لك فرسك، وفي رواية قال: قد أجزت لك فرسيك، وكان وعدني ووعد أبي فرسًا[1]، هذا مثال على أحوال السلف في إنجاز الوعد.
هنا جملة كنت تجاوزتها ولا بأس أن أقرأها وأن أعلق عليها يقول قيس بن أبي حازم: فكأني أنظر إلى وشم في ذراعها، فقال لأبي: يا أبا حازم، قد أجزت لك فرسك.
تحدثت في مناسبة سابقة في النظر في النصوص، وطريقة أهل الأهواء في ذلك، لو جاء صاحب هوى، ووقف مع مثل هذه الرواية، قد يخرج لنا بأن الوشم جائز، هذه صحابية زوجة أبي بكر الصديق، وشم.
ويترك قول النبي ﷺ: لعن الله الواشمات والمستوشمات[2]هذا نص، وهذه زوجة أبي بكر فيها وشم، ماذا يقال له؟
يقال له: الوشم إذا وقع قبل النهي، ولم يكن سبيل إلى إزالته فإن الإنسان ليس مأمورًا أن يسلخ جلده، يكفيه ألا يفعل ذلك في المستقبل، وقد فعله قبل المنع، قبل التحريم، فلا يفعل ذلك بعد ورود خطاب الشارع، فقط، انتهى، هذا النظر الصحيح، الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه، يجد قضية مثل هذه، ثم هو مثل الذباب يترك النصوص المحكمة، ويأتي ويخرج لنا بتصريح أن الوشم جائز، ويُلعب بالشريعة بهذه الطريقة، وكل يوم يخرج لنا مأفون يضلل الناس، ويلبِّس عليهم بمثل هذا النظر، فالهوى والجهل أركان هذه الطريقة.
قد ذكر الشاطبي -رحمه الله- أن النظر في النصوص على خمس مراتب، وقد أشرت إليها في مناسبة سابقة، فإذا رأيتم أمثال هؤلاء فاحذروهم، كما قال النبي ﷺ.
ويقول شعبة بن الحجاج -رحمه الله: ما وعدتُ أيوب السختياني موعدًا قط إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئته وجدته قد سبقني[3].
يعني: من أجل أن لا يلحقه الحرج، يخاف أن لا يستطيع الوفاء بالوعد، فيقول: ليس بيني وبينك وعد، كأنه يقول: أنا في حل، وأنت في حل، ومع ذلك كان يسبق.
وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- لما حضرته الوفاة، قال: انظروا فلانًا -لرجل من قريش- فإني قلت له في ابنتي قولًا كشبيه العِدة -يعني كأنه وعده أن يزوجه، وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته[4].
وجاء عن بشر بن الحارث: كان المُعافَى يحفظ الحديث والمسائل، سألته عن الرجل يقول للرجل: اقعد هنا ولا تبرح، قال: يجلس حتى يأتي وقت صلاة ثم يقوم[5].
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- تاريخ دمشق لابن عساكر (49/ 458).
- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المستوشمة (7/ 167)، رقم: (5948)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله (3/ 1678)، رقم: (2125).
- سير أعلام النبلاء (6/ 19).
- المصدر السابق (8/ 396).
- المصدر السابق (9/ 82).