الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
هذا ذكره في باب التقوى، ووجه الارتباط ظاهر من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأتِ التقوى اليمين والحلف بمعنى واحد، فبعضهم يقول: إن ذكر اليمين بعد الحلف للتأكيد وإلا فاليمين هي الحلف، وإنما قيل لها يمين؛ لأنه كان في السابق الرجل يأخذ بيمين صاحبه عند اليمين تأكيدًا للقول بالفعل، ثم صار ذلك مما نُسي، وصار يستعمل فيما هو أوسع منه، فكل حلف يقال له يمين، ومن أهل العلم كالقرطبي -رحمه الله- من يقول: إن قوله: ثم رأى أتقى لله منها أي: أنه حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرًا منها، كأن يحلف ألا يفعل مندوبًا ثم يرى غيرها خيرًا منها، أنه إن فعل هذا المندوب فهو أفضل وأتقى لله -تبارك وتعالى، كذلك لو حلف أن يفعل مكروهًا فإنّ ترك المكروه أتقى وأولى، أمّا لو أنه حلف على أن يفعل حرامًا فهذا أمر ظاهر لا إشكال فيه، والله يقول: من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأتِ التقوى وفي رواية أيضًا عند مسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه[2] فالإنسان يستطيع أن يكفر عن يمينه قبل أن يحنث، بمعنى: قبل أن يفعل الشيء الذي حلف ألا يفعله، ويستطيع أن يكفر بعد ذلك، بمعنى: يفعل الشيء الذي حلف ألا يفعله ثم يجعل الكفارة بعده، فالإنسان في اليمين مخير بين الأمرين، وكل هذا دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهذا كله من تقوى الله -تبارك وتعالى- أن يفعل الأفضل، والأنفع، والأحسن، ولا تمنعه اليمين من فعل الخير، والبر، والمعروف، والصلة.
الحديث الأخير في هذا الباب وهو:
اتقوا الله: هذا أمر بالتقوى، ولا شك أن التقوى واجبة، والأمر للوجوب، وإن كانت مفردات التقوى منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، لكن التقوى بالجملة واجبة، أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية، بفعل ما أمر واجتناب ما نهى اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم الفرائض الخمس وصوموا شهركم رمضان وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم رواه الترمذي في آخر كتاب الصلاة وقال: حديث حسن صحيح.
هنا ذكر هذه الأمور التي مَن فعلها دخل الجنة: الصلوات الخمس، صوم شهر رمضان، أداء الزكاة، طاعة الأمراء، ولم يذكر أشياء أخرى مثل: الحج وهو من أركان الإسلام، فيمكن أن يكون هذا باعتبار أن النبي ﷺ قاله قبل فرض الحج، ويحتمل أن النبي ﷺ قاله باعتبار الأشياء اللازمة للمكلف، وأما الحج فهو على من استطاع إليه سبيلًا، لا يجب على الجميع وإنما على المستطيعين فقط، وقد يقول قائل: لم يذكر المنهيات في الحديث، ثم لو أن الإنسان فعل هذه الأشياء ومع ذلك يعصي الله -تبارك وتعالى- ويفعل الحرام، فيقال: إن قوله في البداية اتقوا الله ربكم يكون بفعل المأمورات واجتناب المنهيات، فإذا كان تقيًا فإن ذلك يعني أنه فعل ما أُمر به وترك ما نُهي عنه.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وصحبه.
- أخرجه الترمذي، أبواب السفر، باب ما ذكر في فضل الصلاة (2/ 516) (616).