الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب ما يدعا به للمريض، أورد المصنف -رحمه الله-:
وهذا الحديث في غاية الوضوح والجلاء، من حيث المعنى الذي تضمنه، فالمريض يدعو له من عاده بهذا الدعاء، وليس فيه تقييد بوضع اليد –مثلاً- على موضع العلة كما في أحاديث أخرى.
وإنما يكتفي بهذا، أن كل من عاده، يقول: اللهم اشف فلانًا، اللهم اشف فلانًا، اللهم اشف فلانًا، ولا يقيد أيضًا بنوع العلة، بل هو مطلق، وقد تكون علل المريض منها ظاهر، ومنها ما يكون خفيًا، ومنها ما يكون متولدًا من علل لا تظهر لربما لأول وهلة للأطباء، فيدعا له بهذا الدعاء العام.
اللهم اشف سعدًا، أيًا كانت علته وداؤه وبلاؤه، فهذه نغفل عنها كثيرًا، نحن نأتي للمرضى نسلم عليهم، كيف الحال؟ لا بأس طهور، إن شاء الله، لكن نغفل عن مثل هذه الأشياء الثابتة في أحاديث في غاية الصحة.
فندعو لمن دخلنا عليه من المرضى، سواء جئناه في المستشفى، أو جئناه في داره، فندعو له ثلاثًا بالشفاء.
وإنما قال: ضع يدك على الذي تألم من جسدك، يعني: على موضع العلة، وقل: بسم الله ثلاثًا يضع يده على الموضع، ويقول: بسم الله بسم الله بسم الله، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر[2] رواه مسلم.
أعوذ بعزة الله عزة الله صفة من صفاته، والصفة ملازمة للذات، وليست بمخلوقة، فأحكام الصفات، يقال فيها ما يقال في الذات، فكما أن ذات الله غير مخلوقة، فصفاته غير مخلوقة، ولا يجوز الاستعاذة بمخلوق، وإنما يستعاذ بالخالق، أو بأسمائه وصفاته.
فتقول: أعوذ بعزة الله، أعوذ بقدرة الله، وما أشبه ذلك، إلا أن الصفة لا يصح أن تدعا، يعني: لا يقال: يا عزة الله، يا رحمة الله أدركيني، يا قوة الله أغيثيني.
وإنما يدعو الموصوف؛ لأن الصفة لا تدعا استقلالاً، لكن يقال: يا صاحب العزة، يا صاحب القوة، يا قوي، يا عزيز، يا رحيم، وما أشبه ذلك.
فهنا يصح الاستعاذة بالصفة، أعوذ بعزة الله، أعوذ بقدرة الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، من شر ما أجد، ما الذي يجده؟ الداء الموجود الآن، الألم الذي يجده.
ما الذي يحاذره؟ الذي يحاذره أمران: الأول: وهو ما يمكن أن يتولد من هذا المرض، وينشأ عنه وينتج عنه.
الأمر الثاني: كل ما يحاذره المريض، ما الذي يحاذره المريض؟ يحاذر أن تتفاقم علته، يحاذر أن يكون المرض خطيرًا، ينتظر التحاليل والنتائج، يحاذر هذا المريض أن يكون هذا المرض هو من الأمراض الخطيرة مثلاً، أن يكون هذا المرض بداية لأمراض أخرى مثلاً، أو عرضًا لأمراض باطنة غير ما ظهر، يحاذر أمورًا أخرى مما ينتابه، بسبب المخاوف، وما يحصل له من الأحزان، كل هذا داخل فيه، يعني: الأمور الحسية، والأمور المعنوية، ما يجده الآن، ما الذي يجده الآن؟ المرض، الحزن في المستقبل، مخاوف، كآبة، قلق، علل مستديمة، أمراض خطيرة، كل هذه الأشياء يحاذرها.
فهذا دعاء جامع: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر المريض أحيانًا، يكتئب بسبب المرض، أحيانًا تذهب به المخاوف بعيدًا، حتى تظهر النتائج، نتائج التحاليل، وأحيانًا لا يطمئن حتى يذهب إلى أماكن أخرى.
وإذا قال له الطبيب: والله النتائج شاكين في أحد التحاليل، بدأ قلبه يطير وينزل، والذي في عافية، لا يشعر بها، لكن يشعر بها المبتلى.
هذه الأشياء نغفل عنها، الناس يذهبون هنا وهناك، أطباء، ومختبرات، وتحاليل، وينفقون الأموال الطائلة، ويذهب إلى هذا الراقي، وذاك الراقي، وذاك معبر الرؤى، وما إلى ذلك.
هنا شيء يسير هو يفعله لنفسه، ما يحتاج يذهب لا إلى فلان، ولا علان، وهذا من العلاج النبوي الذي جاء بالوحي، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].
فيقول مثل هذا يعيده، يضع يده على الذي تألم جسده، ولو كان وجع ضرس، بسم الله ثلاثًا، يعني: يقول: بسم الله يكررها ثلاثًا، ثم يقول سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.
بعض الناس يقول: البارحة ما نمت من الألم، والتعب، طيب، قلت هذا؟ الجواب -غالبًا- لا قد يحفظ مثل هذا، ولكنه يغفل عنه.
انظر إلى الذي بعده:
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
الحديث الأول: اللهم اشف فلانًا، اللهم اشف فلانًا، اللهم اشف فلانًا، ثلاث مرات، وهذا سبع مرات، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.
عندك ولد مريض، عندك زوجة، عندك أحد، عندك قريب، أم، أخ، إذا رحت له، قل مثل هذا الكلام، فهذه علاجات نبوية.
وقد ذكرت في بعض المناسبات، وقد مضى في أول كتاب عيادة المريض: باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى به سقيمنا، بإذن ربنا[4].
ليوضع على الجروح والقروح والدمامل، وما إلى ذلك، في صحيح مسلم.
هذا مباشرة اليوم الثاني ينتهي الدمل قبل ما يطلع أنا فعلته مرارًا، وعلمته كثيرين، الحديث في صحيح مسلم، وعلمت بعض أطباء الجلدية، قلت: أين أنتم عن هذا؟ أنا جربته مرارًا، وكتبته لأناس قالوا: الموضوع أكبر من هذا القضية، فيها مضاعفات والدمل في موضع ضيق وصعب.
قلت له: الليلة هذه تفعل هذا الشيء، وغدًا ستأتيني ما بك بأس بإذن الله تحقيقًا لا تعليقًا، وبالفعل يأتي بالغد والرجل ليس به بأس.
هذا رأيته مرارًا، فعلته في نفسي، وفعلته في آخرين، وكتبته لآخرين، ليس أنا الذي أفعله لهم لا علاقة له بفلان وعلان، هم يفعلون لأنفسهم، أنا أكتب لهم الحديث هم يفعلونه لأنفسهم، فيرون النتيجة من الغد تمامًا مختلفة.
أستاذ يأتينا في الكليات، ما يستطيع يجلس يستأذن، ما يستطيع يقدم المحاضرة، يطلع تعبان، ما بك؟
قال: فيني كذا، وكذا، وإذا تكتب له هذا يقول الموضوع فيه مضاعفات، ما عليه مر الآن على تراب نظيف وخذه معك، وتوكل على الله وحطه وغدًا، ستأتيني ما بك بأس، ستجد كل شيء جف وانتهى.
ويأتي من الغد، ويقول: أحمد الله، بوجه آخر تمامًا غير ذاك الوجه المنقبض المتألم، وضعه كثيرون، الدمل لازم يأخذ عند الأطباء معروف هذا لازم يأخذ دورة.
نحن نقول أول ما يحمر، قبل ما يطلع افعل هذا، باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى به سقيمنا، بإذن ربنا، وحط عليه من الغد يأتيك الدمل ما طلع صار مكانه مسود، انتهى ذاك الاحمرار، والانتفاخ والألم.
وتقول له: أرني، تقول للولد أحيانًا أين الدمل؟ البارح ما نمت يطلع لك الرجل الأخرى، يقول لك: هنا يدور عليه لا ما هو بهنا هو في الرجل اليمنى، يقول: لا لا في اليسرى، ضيع مكانه، هذا حصل مرارًا رأيته بنفسي، هذا كلام النبي ﷺ نتيقنه ونعلمه جيدًا، وهذا ما يرجع لا لزيد ولا لعمرو، كل واحد يسويه، وسيجد أثر هذا، هذه أشياء بسيطة، نغفل عنها.
نسأل الله أن ينفعنا، وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
- أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب الوصية بالثلث، رقم: (1628).
- أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء (4/1728)، رقم: (2202).
- أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للمريض عند العيادة (3/187)، رقم: (3106).
- أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (4/1724)، رقم: (2194).