الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد: ففي باب ما يدعى به للمريض، أورد المصنف -رحمه الله-:
دخل على أعرابي يعوده، الأعرابي: معروف أنه من سكن البادية، يعوده، يعني: أن هذا الأعرابي عليل مريض، فعاده النبي ﷺ وكان إذا دخل على من يعوده، كان إذا دخل، هذه الصيغة تدل على التكرار، أنه كلما دخل على مريض على من عاده، قال له: لا بأس يعني: لا بأس عليك طهور إن شاء الله طهور يعني: أن هذا المرض، وهذه العلة مطهرة لك من الذنوب، ومعلوم أن كل أمر المؤمن له خير؛ ولهذا قال الله : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51].
ما قال: ما كتب علينا؛ وذلك أن كل أمر المؤمن له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له[2].
وعامة النصوص الواردة تدل على أن المرض كفارة، كما ذكر النبي ﷺ: ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته[3].
والذي عليه عامة أهل العلم أن الأمراض والأوصاب التي تصيب المؤمن، أنها تكفر من سيئاته والأقرب -والله أعلم- أنها تكفر السيئات وترفع الدرجات؛ لأن ذلك صح عن النبي ﷺ فهي كفارة ورفعة، وذكرنا شيئًا من ذلك في الكلام على الصبر في الأعمال القلبية، وذكرت ما يدل عليه.
فهنا النبي ﷺ كان يقول: لا بأس طهور أخبر النبي ﷺ أن ذلك يكون كفارة.
هنا يقول: طهارة يطهره من الذنوب، ولهذا كان السلف يقولون: ليهنك الطهر، يعني: أن هذا المرض الذي حصل له صار فيه تطهير، وتنقية.
ومن ثم إذا كان الأمر كذلك، فإن المؤمن لا يجزع، ولا يتبرم بالعلة، والمرض، وإنما يرى أن ذلك من قبيل النعمة التي ساقها الله إليه ليرفعه وليطهره من ذنوبه، فيخرج نقيًا طاهرًا.
ولذلك يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض[4].
يعني: في الدنيا، لو أنهم ابتلوا ابتلاء عظيمًا، لما يرون من الجزاء العظيم لأهل البلاء، ومن ثم فإن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.
فلا يقولن أحد: لماذا تصيبني المصائب، والأمراض، والعلل، وأناس يعصون الله ولا يعرفونه وهم في عافية؟
هذا لا يقوله من عرف ربه -تبارك وتعالى- معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته.
وقوله هنا: لا بأس طهور إن شاء الله معلوم أن الداعي إذا دعا فقد علمنا النبي ﷺ أنه يجزم ويعزم في المسألة، فإن الله لا مكره له، ولذلك فإن من آداب الدعاء ألا يعلق الإنسان ذلك بالمشيئة، ما يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، أو يقول: عافاك الله إن شاء الله، أو نحو ذلك، وإنما يعزم.
لكن ما جاء في مثل هذا الموضع فإن المقصود هنا التحقيق لا التعليق، ليس التعليق على المشيئة، وإنما يقول ذلك تحقيقًا لا تعليقًا، وفرق بين المقامين، الله يقول: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ [الفتح:27].
والله قد علم أنهم داخلوه قطعًا، ومع ذلك قال: إِنْ شَاءَ اللَّهُ وكذلك النبي ﷺ في دعاء المقابر فإنه يقول: وإنا، إن شاء الله، بكم لاحقون[5] وهو يعلم أنه لاحق بهم لا محالة، فهذا يقال على سبيل التحقيق لا التعليق.
فمن قال ذلك في الدعاء تعليقًا، فيقال: هذا ليس من أدب الدعاء، ومن قاله تحقيقًا، فإن ذلك لا إشكال فيه، وهذا منه.
قال: اشتكيت ولم يبين نوع المرض، فمثل هذا يقال في كل علة، وهي رقية، والرقية لا يشترط أن تكون بالقرآن، وإن كانت الأكمل والأفضل والأبلغ أن تكون من القرآن، لكن يمكن أن تكون بالأذكار، وبمثل هذا الدعاء: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك يعني: هذا يشمل جميع العلل، ولذلك لا حاجة بنا إلى ما يفعله بعض الناس، يذهبون هنا وهناك، ويتمحلون من أجل معرفة ما أصابهم، فكل واحد يقول لهم كلامًا غير ما قاله الآخر.
يذهبون إلى الرقاة، فهذا يقول: بك مسًا، وهذا يقول: بك عين، وهذا يقول: بك سحر، وهذا يقول: بك علة نفسية وما إلى ذلك، مما يقال لهم.
ثم يبدأ هؤلاء الناس يعيشون في أوهام، قد لا تنتهي بهم إلا إلى علل مضاعفة، وقد لا يكون به بأس، إنما هو شيء عارض مما يعرض لكل أحد من التعب والإرهاق، أو ما إلى ذلك، فيتراءى له أن ذلك له شأن آخر، وأنه قد تلبس به كذا، أو أنه عمل له سحر، أو نحو ذلك، ثم يأخذه ما قرب، وما بعد من الأوهام، ثم بعد ذلك يعيي الأطباء بمداواة وعلله، وليس به بأس، فلذلك ليس من المهم أن يعرف هل الذي فيه كذا، أو الذي فيه كذا، أو الذي فيه كذا، باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك أيًا كان سواء كان ذلك من علل الأبدان، أو علل الأرواح والنفوس.
من شر كل نفس، أو عين حاسد يحتمل أن يكون ذلك من قبيل التوكيد، يعني: النفس بمعنى العين، وعين الحاسد هي النفس، والناس يسمونها نفس، فلان به نفس، فلان به نفس.
ويحتمل غير ذلك -والله تعالى أعلم- لكن هنا قيد العين عين حاسد؛ لأن الحسد أعم من العين، ولهذا قال الله في سورة الفلق: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].
فعلقه بهذه الحال التي تتمثل بها النفس، بكيفية غيبية، الله يعلمها، فيصل الأذى بإذن الله إلى المنظور المصاب بالعين، فهنا جاء التقييد بسورة الفلق.
قال: الله يشفيك، باسم الله أرقيك فهذه الرقية تقال للإنسان إذا مرض، يرقي بها غيره، وكذلك القرآن الله -عز وجل- أخبر أنه شفاء: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82] وما قال ما هو دواء، فهو شفاء، فأعطى النتيجة مباشرة؛ لأن الدواء يصيب ويخطئ، يتناسب مع هذا، ولا يتفق مع الآخر، لكن القرآن شفاء مباشرة.
ثم ذكر الحديث الأخير في هذا الباب، وهو:
إذا قالها في مرضه، ثم مات لم تطعمه النار، يعني: لا تمسه النار، يعني: لا يدخل النار أصلاً، هذا شيء يسير، ومع ذلك نغفل عنه، هذا ينبغي أن يكون في بطاقة يعطى للمريض أن يكون فوق سرير المريض، أن يكون مع الإنسان دائمًا يردده، إذا كان معتلاً.
فهناك أشياء يسيرة -أيها الأحبة- هي في متناول الجميع، ومع ذلك يحصل التقصير العظيم، فكم من إنسان من المسلمين مات ولم يذكر هذا؟ ولم يخطر له على بال، إما أنه ما عرفه أصلاً مع أنه في كتاب من أشهر الكتب -رياض الصالحين- في أحد ما يعرف رياض الصالحين؟
وقد يكون عرفه، ولكنه لم يحفظه، وقد يكون حفظه، ولكنه لم يعمل بمقتضاه، فكم نفرط؟ وكم نضيع من الخير؟ أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
- أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما يقول العبد إذا مرض (5/492)، رقم: (3430).