الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا باب ما يقوله من أيس من حياته، يعني: علم أن هذا المرض هو مرض الموت، ماذا يقول؟.
والنبي ﷺ ليس عليه ذنوب؛ لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ولكن على كل حال يكون بذلك رفع الدرجات، والمراتب، والمنازل عند الله ، ليس عليه ذنب، لكن إذا قال الإنسان وليس عليه ذنوب، فإنه لا يأمن أن يكون قد ترك ما هو الأولى في مقام من المقامات، أو نحو ذلك.
اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، والرفيق الأعلى من أهل العلم من يقول: المراد به الرب -تبارك وتعالى، يعني: يريد أن ينتقل إلى جوار ربه، وبعضهم يقول: إن المراد ما جاء في قول الله -تبارك وتعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، فهذا هو الرفيق الأعلى، من الأنبياء، والصالحين، والصديقين، فهذا كله الرفيق الأعلى، وبعضهم أدخل في جملته أيضًا الملائكة -عليهم السلام، وجاء ذلك في رواية -أعني: أن الرفيق الأعلى هم النبيون، والصديقون، والصالحون، والشهداء، جاء ذلك في حديث آخر.
قال: وألحقني بالرفيق الأعلى، والحديث مخرج في الصحيحين، لكن هذا متى يقوله الإنسان؟ إذا علم أن هذا المرض هو مرض الموت، أنه سيموت، وإلا فكما سبق، ويأتي -إن شاء الله- في حديث آخر: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به[2]، فالجمع بين هذا: أن هذا حال انقطاع الرجاء، إذا علم أنه ميت، يقول: وألحقني بالرفيق الأعلى، وأما إذا كان في غير ذلك فإنه لا يتمنى الموت، فإن كان ولابدّ، فيقول: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
ويجوز له أن يتمنى الموت إذا خشي الفتنة في الدين، وهذا له شواهده، وقد يأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى- في موضعه.
وذكر الحديث الآخر، وهو:
غمرات الموت يعني: ما يحصل به غمر الإنسان، يذهب وعيه وإدراكه، غمرات الموت، كأن عقله وقلبه ينغمر، وهكذا السكرات، السكرة بمعنى: يذهب الإدراك، والوعي، والعقل، بسبب شدة سكرات الموت؛ ولهذا كان النبي ﷺ يغمى عليه مرارًا، حينما كان في حال النزع ، وقال لهم: صبوا عليّ من سبع قرب، من سبع آبار، من آبار المدينة[4]، فهذه الغمرات، وهذه السكرات أصابت النبي ﷺ، ويكون ذلك رفعة في الدرجات، ولو كان كرم العبد على ربه -تبارك وتعالى- يقيه مثل هذه الآلام حتى عند الموت؛ لكان أولى الناس بذلك رسول الله ﷺ، فقد كان في حال الحياة يصيبه من البلاء الضِّعف، ضِعف ما يصيب الآخرين، وأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[5]، وعند الموت أيضًا كان يقول مثل هذا ﷺ، ويغمى عليه من شدة ما يجد، فمثل هذه الأمور تعرض للمؤمن، ويكون ذلك خيرًا له، فلا ينبغي أن يجزع، وأن ينكسر، أو يجزع مَن عنده، وإنما يصبر، ويرضى بما قدر الله له، وجزعه لن يرد عنه من القضاء والقدر شيئًا، لا قليلًا ولا كثيرًا، فما قضاه الله وقدره كائن، ولابدّ، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتابالمغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، رقم: (4440)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل عائشة -ا، رقم: (2444).
- أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم: (5671)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، رقم: (2680).
- أخرجه الترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التشديد عند الموت، رقم: (978)، وقال: هذا حديث غريب، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته: (ص: 166)، رقم: (1176).
- أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، رقم: (198).
- أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم: (2398)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم: (4023)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (1/ 273)، رقم: (143).