الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
الحديث على آيات الباب
تاريخ النشر: ١٦ / محرّم / ١٤٢٧
التحميل: 478
مرات الإستماع: 1216

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب في النهي عن البدع ومحدثات الأمور"، والمراد بالبدع هو كل ما يستحدث في الدين مما يضاهي الشريعة سواء كان ذلك باختلاق عبادات لا أصل لها في الشرع، أو كان ذلك بتقييد عبادة في وقت لم يقيدها الشارع، أو بصفة لم ترد عن الشارع، أو بعدد أو نحو ذلك مما يسمونه بالبدع الإضافية، أو كان ذلك من قبيل الخروج على قانون الشريعة، وبهذا نعرف أنه ليس من شرط البدعة أن يراد بها التقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بل إذا وجد فيها شيء من ذلك فهي بدعة، عبادات يتقرب بها إلى الله مبتكرة، أو كان ذلك بصفة لم ترد عن الشارع، أو كان ذلك خروجًا على قانون الشرع، ولو لم يقصد به التقرب إلى الله فالذي يحتفل بأيام لم يرد عن الشرع الاحتفال بها كعيد المولد، أو نحو ذلك، فهذه بدعة، ولو قال: أنا لا أقصد بذلك التقرب إلى الله -تبارك وتعالى-، والاحتفال بذكرى الهجرة النبوية، ويوم بدر، أو غير ذلك من المناسبات قديمًا وحديثًا.

وهكذا مما يطرأ عبر العصور من ألوان المحدثات سواء كان ذلك من البدع الاعتقادية القديمة كالمعتزلة، وما جاءوا به من المحدثات، والجهمية بطوائفهم، وما جاء به أهل التصوف، أو ما يوجد في عصرنا، هكذا كالعلمانية، وما تفرع منها من الليبرالية، أو المذاهب الفكرية، أو الأدبية المبنية على اعتقاد فاسد كالحداثة مثلاً، والكلاسيكية وما أشبه هذا، فكله من المحدثات من البدع المحرمة.

ومن ذلك ما يكون كفرًا، ومنه ما يكون دون ذلك كل بحسبه، قال الله تعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [يونس:32]، بمعنى أن صراط الله المستقيم واحد، وهو ما شرعه الله لعباده وبينه، ووضحه، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] وما وراء ذلك، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، فليس بعد اتباع الصراط المستقيم إلا اتباع الهوى والشيطان، ولذلك فإن الذين يجادلون ويتفلسفون في تقرير قضايا تخالف شرع الله مهما تعددت طرائقهم ومذاهبهم وآراءهم فالجواب عنهم واحد، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

وقال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، والكتاب كثير من أهل العلم فسروه باللوح المحفوظ، يعني أن كتب فيه كل شيء، وهذا المعنى هو المناسب لسياق الآية؛ لأن الله قال في سورة الأنعام: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] يعني اللوح المحفوظ.

وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن المراد بالكتاب هو القرآن، وهو المناسب إذا فسر به، أن يورد هنا على هذا المعنى مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] على المعنى الثاني يعني القرآن أنه اشتمل ألوان الهدايات التي يحتاج إليها، وليس بعد هداياته هداية، وأما على المعنى الأول فلا شاهد في الآية.

ويقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ولم يقل: يرد إلى المواجيد والأذواق، أو أنه يتحاكم فيه إلى شرع سوى شرع الله .

وقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] فوحد الصراط؛ لأنه سبيل الله كما جاء في الحديث: "خط النبي ﷺ خط مستقيمًا وخط خطوطًا عن جانبيه صغارًا، فقال: هذا صراط الله، وهذه السُبل على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ النبي ﷺ الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ[1].

فهذه السبل هي الآراء والمذاهب والأفكار المنحرفة التي تعج بها الدنيا.

وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فمحبة الله ، ومغفرة الذنوب منوطة باتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- واتباعه، بمعنى أن يكون ﷺ هو الأسوة والقدوة لنا في كل شيء في الهدي الظاهر، والهدي الباطن، والتشريع، يتلقى منه -عليه الصلاة والسلام-، فهذا أصل كبير في قبول الأعمال، وهو شرط من شروطها، إذ أن شروط قبول الأعمال ثلاثة كما جاء في أول سورة الكهف، وفي آخرها: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الكهف:2]، ذكر الإيمان وذكر العمل الصالح، والعمل لا يكون صالحًا إلا إذا كان صوابًا على هدي النبي ﷺ، وكان خالصًا لوجه الله، بشرط أن يكون العامل مؤمنًا وهذا هو الشرط الأول، فلو كان العامل عابدًا لوثن، أو كان مجوسيًا، أو كان يهوديًا أو نصرانيًا، فحتى لو أنه جاء بعمل يوافق فيه شرع الله يتصدق يريد وجه الله فإنه لا يقبل منه، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

والشرط الثاني: هو الإخلاص لله .

والشرط الثالث: موافقة النبي ﷺ موافقة الشرع، الاتباع، وقال في آخر الكهف: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا [الكهف:110] يعني صوابًا، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، يعني أن يكون خالصًا، فهذه شروط قبول العمل الثلاثة.

قال: والآيات في الباب كثيرة معلومة، ثم ذكر الأحاديث.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه أحمد في المسند، برقم (4142)، وقال محققوه: "إسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يزيد: هو ابن هارون، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة"، والنسائي في الكبرى، برقم (11110)، والحاكم في المستدرك، برقم (2938)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

مواد ذات صلة