الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
باب: النهي عن البدع ومحدثات الأمور:
ففي باب النهي عن البدع، ومحدثات الأمور ذكر المؤلف -رحمه الله- حديث:
"عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد[1]، متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"[2].
هذا الحديث من الأحاديث التي تعد من الأصول الكبار العظام، التي ترجع إليها سائر الأحاديث، حتى قال بعض أهل العلم: بأن هذا الحديث يكون نصف الإسلام، وبعضهم قال: بأن مدار الإسلام على أربعة أحاديث، وذكروا منها هذا، وبعضهم يقول: على خمسة، وبعضهم يقول: على ثلاثة.
والمقصود: أن هذا الحديث على كل تقدير هو واحد من هذه الأحاديث؛ لأنه جمع معان كثيرة لخصت في هذه الجملة القصيرة، والنبي ﷺ قد أعطاه الله جوامع الكلم، فهذا من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام-، فالعمل إما مشروع، وإما ممنوع، فكل ما أمر الله به ورسوله ﷺ فهو من العمل المشروع، وما أحدث فإنه يكون من العمل الممنوع بشرطه، يعني: أن يكون من البدع، بحيث يكون عبادة مبتكرة، أو يكون ذلك من العبادات التي شرع أصلها، ولكنه دخلها الإحداث من جهة القيد، حيث قيدت بزمان، أو مكان، أو صفة، أو عدد لم يقيده به الشارع، وهو ما يقال له البدع الإضافية، أو يكون ذلك خروجًا على قانون الشريعة، كالأعياد المحدثة، والنظم المخالفة لشرائع الإسلام، أعني: القوانين المخالفة، وليست القوانين الإدارية التي لا تخالف شرع الله ، فهذه لا إشكال فيها، فكل ما أحدث من هذه الأنواع الثلاثة فهو داخل في هذا الحديث.
وبناء عليه لا نحتاج في كل قضية من القضايا نسأل عنها مثلاً أن نقول: ندرس هذه القضية، ونحتاج إلى دليل خاص فيها أنها بدعة، فالبدع لا تتناهى، وإنما يقال بهذه القاعدة العامة التي تضمنها هذا الحديث، من أحدث في أمرنا هذا يعني: في هذا الدين ما ليس منه يعني: أصلاً، أو بصفة، أو هيئة، أو عدد، أو نحو ذلك، أو كان خروجًا على قانونه؛ فإنه يكون من البدع المحدثة، ما أحدث في أصله، مثل لو أن إنسانًا أحدث صلاة سادسة في اليوم والليلة، بدل الخمس صلوات، فهذه بدعة.
وما كان الإحداث فيه طارئًا من جهة الوصف، مثل لو أن الإنسان التزم الصلاة على النبي ﷺ مثلاً أربع مرات بعد كل فرض، نقول: من أين جئت بهذا؟ الصلاة على النبي مشروعة ومطلوبة، لكن تقييد هذا بعد الصلاة لم يرد عن النبي ﷺ، وإنما نكثر من الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في كل حين، لا سيما إذا ذكر ﷺ، أما أن نقيد ذلك بهذا فلا، أو يقول إنسان: عند الفطر أصلي ركعتين قبيل أن أفطر، أو بعد ما أفطر مباشرة أصلي ركعتين، نقول له: هذه الصلاة بدعة، مع أن أصل الصلاة مطلوب، فهذه التي تسمى البدعة الإضافية.
ومثلاً لو أن أحدًا قيد عملاً كما نرى برسائل الجوال الآن كثيرًا يقول: أرسل لعدد من الناس، ويحلف عليك ويقسم أن ترسل، نرسل ماذا؟ أو يقول: وحدوا الدعاء على الدنمارك، أو يوم الخميس صيام جماعي، جميع الأمة توحد الصيام، وتوحد الدعاء، نقول: توحيد الصيام بدعة، إنما يوحد الصيام في رمضان، أما أن تطالب الناس جميعًا أن يوحدوا الصيام من أجل الدعاء على هؤلاء، وتوحيد الدعاء، فهذه من البدع.
ورأيت في بعض البلاد الشرقية إذا نزلت نكبة جمعوا الناس في الملعب الرياضي، ملعب ضخم، ويقولون: توحيد الدعاء، ويجلسون يدعون، وأحيانًا يحصل لهم نعمة، فيقولون: سجدة شكر، ويجمعون الناس في الملعب، أو في هذا الميدان الواسع فيسجدون مع بعض، سجود الشكر مشروع، لكن بهذه الطريقة والاجتماع له، وتداعي الناس بهذه الصفة، نقول: هذا بدعة، مثل ما يقال: الإفطار الجماعي مثلاً، ما معنى الإفطار الجماعي؟ الصوم مطلوب، نحث الناس على الصيام، لكن لو كان عندنا برنامج في المسجد أصلاً دروس أو محاضرات نقول لهم: سيوضع إفطار الذي صائم سيجد إفطار إن شاء الله، فهذا ما فيه إشكال، لكن أن نجتمع من أجل الإفطار، وليس ذلك على أحد، يعني إنسان دعا الناس في بيته من أجل تحصيل الأجر، أو دعاهم في المسجد من أجل أن يحصل أجر تفطير الصائم، لا كل واحد يأتي بإفطاره معه، هذا يأتي بتمر، وهذا يأتي بماء، وهذا يأتي بعصير، وهذا يأتي بمشروبات أخرى، هذا من الذي ذهب بأجرهم، ففرقٌ بين هذا بين الدعوة إلى طعام، أو الدعوة إلى إفطار من أجل أن يفوز بأجر هؤلاء الصائمين، فهذا قصد الاجتماع من أجله بدعة.
صلاة الليل مشروعة، ولا يجتمع لها في غير رمضان، وفي بعض البلاد عندهم قيام ليل جماعي طول السنة، هكذا نظام على كل من في هذه الناحية، فهذه بدعة، مع أن قيام الليل مشروع، فما هو المطلوب؟ نقول: لو أن الناس كانوا مع بعض في سفر، أو أنهم يقيمون في شقة واحدة، أو في بيت واحد، فأراد أحدهم أن يصلي، فقام آخرون معه، وصلوا بصلاته، فلا إشكال من غير أن يكون هناك اتفاق واجتماع من أجل قيام الليل إلا في رمضان، لاحظوا أصل العمل مشروع، لكن لما قيد بهذه الحال كالاجتماع له، صار ممنوعًا لهذا السبب، أو قيد بعدد كما ذكرنا، أو قيد بصفة من الصفات، أو في مكان، أو في زمان.
وهكذا لو أن أحدًا كل ما دخل المسجد قال: الله أكبر، من أين جئت بها؟ هذه التكبير مطلوب، لكن الرسول الله ﷺ كان يكبر إذا ارتفع على شرف من الأرض، لكن التكبير عند دخول المسجد ما له أصل، فمن أين جئت به؟ وبعض الناس لا يفقه، يغضب، يقول: حتى التكبير عندكم حرام، التكبير ما هو حرام، لكن أنت جعلته بهذه الحالة المعينة، من أين لك الدليل على أن هذا من أذكار الدخول؟ فيكون بهذا الاعتبار من قبيل البدع.
فنحن في هذه المسائل التي يقول لك رأى رجل في المنام النبي ﷺ، وسمعه يقول له: بلغ أمتي السلام، هذه الرسائل منشورة في الجوال، بلغه السلام، ثم قل لهم: يسبحون مدري كم؟ تسبيحات معينة، أو يفعلون مدري أيش؟ وكذا، هذه من هرطقة الصوفية، هذا لا يجوز، ويقول: أقسم عليك بالله أن ترسلها لعشرة، لا ترسل، ولا يجوز أن ترسل، وإلا يقول لك: هذا الذي اسمه أحمد، خادم الحجرة النبوية هذه الكذبة التي تطلع كل سنة، ما في أحد اسمه أحمد، وخادم الحجرة النبوية، هذه كذبة نسمع بها منذ عشرات السنين، وكل سنة تطلع وتجدد، وتنشر، ويقول: صور هذه الورق وانشرها، أو أعطها لمدري كم عدد؟ صور منها مائة نسخة، وإلا سيحصل لك كذا وكذا، نقول: لا تصورها، والحمد لله ما عمرنا صورناها ونمزقها إذا وقعت في أيدينا، وما حصل لنا إلا الخير، فمثل هذه الأشياء لا تصدق، فهذه القضايا ما نحتاج دليل خاص، نقول لهذا الذي يكبر عند الدخول: هذه بدعة، قال النبي ﷺ كذا، والثاني الذي يقول بعد كل صلاة أربع مرات: اللهم صل على محمد، الله ما يحتاج منك دليل خاص من النبي ﷺ، ولا من القرآن أن هذه بدعة، عندنا أصل كبير: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ولهذا كانت القاعدة في باب العبادات: أن الأصل في العبادات المنع، والأصل في المعاملات الإباحة، أي معاملة جديدة من الشركات، وأنواع المعاملات المالية الأصل أنها مباحة، ما لم تشتمل على محظور، مثل: الغرر، والجهالة، والربا، فإن سلمت من هذه الأمور فهي مباحة، ما نحتاج إلى دليل خاص على هذه المعاملة المالية، لكن في الدين العبادات الأصل المنع، من أدلة هذه القاعدة الكبيرة هذا الحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وكذا الحديث الآخر الذي سيأتي -إن شاء الله-: كل بدعة ضلالة[3]، وسيأتي الكلام عليه، وأنه لا يوجد بدع حسنة؛ ولذلك لا يعبد الله إلا بما شرع، كما ذكرنا أدلة ذلك سابقًا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153] {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] صالحًا يعني: صوابًا على منهاج النبوة، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا أي: خالصًا لله -تبارك وتعالى-، فهذا أصل كبير، يسلم به الإنسان بإذن الله من البدع، ومحدثات الأمور؛ ولهذا لا يحتاج الإنسان أن يجتهد، أو يشتط في استخراج بدع جديدة، ومحدثات، يقول: أريد أن أكمل بها الدين، الدين كامل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] وأولئك الذين يبتدعون بدعًا ومحدثات هم في الواقع يستدركون على الله الذي أكمل هذا الدين، وأعلن ذلك صراحة في هذه الآية، فهم يقولون: الدين ناقص، يحتاج إلى تكميل، وهذا تقدُّم بين يدي الله ورسوله ﷺ، لا يليق بمسلم بحال من الأحوال، ولو نظرتم إلى مثل كتاب الموضوعات لابن الجوزي، يعني الأحاديث المكذوبة على النبي ﷺ ثلاثة مجلدات، أنا لا أريد منك إلا أن تلقي نظرة فقط على الفهارس، ما فيه يوم، ولا مناسبة، جميع أيام الأسبوع، وجميع المناسبات، ونصف شهر كذا، وربع شهر كذا، وأول جمعة من كذا، وآخر جمعة من كذا، وأول ليلة من كذا، وآخر ليلة من كذا، وأشياء ما تخطر لك على بال، يوم السبت الظهر، ويوم السبت العشاء، ويوم السبت المغرب، وسائر أيام الأسبوع كل شيء له عبادات مفصلة عجيبة مخترعة مبتكرة مكذوبة على النبي ﷺ، لو أن الإنسان أراد أن يطبقها، أو جاء إنسان ما يدري، وقال: ما شاء الله هذه الأعمال الطيبة المشروعة لذهب عليه الليل والنهار، ولم يستطيع أن يستوعبها، وهي بدع لا تزيده من الله إلا بعدًا، فلسنا بحاجة إلى هذا الاختراع، والتزييف والكذب على الشارع، من أجل أن نتعبد.
نحن نقول للناس: تعبدوا بالعمل المشروع فقط، هو الذي يقربكم إلى الله، والناس يقصرون في هذا كثيرًا، يقصرون في الفرائض، فضلاً عن النوافل، فضلاً عن أن نأتي بأمور أخرى مخترعة، ولكن الشيطان يزين البدع للناس، ويرغبهم فيها، ولذلك تجد في كثير من النفوس ميلاً إلى المحدثات، مع زهدهم في العمل المشروع، وإذا أردت أن تعرف هذا انظر إلى كثير من البلاد الإسلامية التي تظهر فيها البدع، وانظر كيف يتهافتون على ليالي معينة يعظمونها، ويقومون بطقوس وعبادات فيها، وانظر إليهم حينما يتهافتون على القبور -مع فقرهم وحاجتهم- بألوان الأطعمة والألوان والنذور والذبائح وسرج وأوقاف، وما أشبه ذلك، ويجمع الإنسان من عرق جبينة مدة طويلة من أجل أن يذبح ذبيحة عند هذا القبر الذي لا يزيده من الله إلا بعدًا، ويحصل مقت الله حينما يصرف العبادة لغير الله ، هذا المقبور الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فتوجه إليه العبادات، فتجد التهافت، والزحام كظيظ، وأحيانًا يطاف بالقبر كما يطاف بالكعبة، وحشود تأتي من مكان بعيد إلى هذه الأماكن، وتجد ربما يحصل لهم من البكاء والخشوع أعظم مما يحصل عند بيت الله الحرام، هذا ممن؟ من تزيين الشيطان.
فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يرينا الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود برقم (2697) ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718).
- أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور برقم (1718).
- أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (867).