الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
نُواصل الحديث -أيّها الأحبّة- في هذه الليلة عن تفسير آية الكرسي، وقد تكلّمنا عن قوله -تبارك وتعالى-: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255].
وفي هذه الليلة نُواصل الحديث -إن شاء الله- عمَّا بعده، وهو قوله -تبارك وتعالى-: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:255] أي: أنَّ الله -تبارك وتعالى- له جميع ما في السَّماوات، وجميع ما في الأرض، فإنَّ مَا هذه تدلّ على العموم، وتقديم الجار والمجرور له يدلّ على الحصر، أو يُشعر به، بمعنى: أنَّ الله -تبارك وتعالى- له وحده دون مَن سواه مَن في السَّماوات، ومَن في الأرض، فكلّ ذلك ملكه، وتحت تصرُّفه وتدبيره.
وعرفنا أنَّ الملك هو التَّصرف المطلَق، فما سوى الله -تبارك وتعالى- هو مملوكٌ ومُدَبَّرٌ له، والله -تبارك وتعالى- هو خالقه ومالكه ومُدبّر شؤونه، فكلّ مَن في السَّماوات، ومَن في الأرض من: الملائكة، والإنس، والجنّ، وغير ذلك مما خلقه اللهُ -تبارك وتعالى- ليس لهم تدبيرٌ في هذا الكون مع الله، وليس لهم خلقٌ، ولا إيجادٌ، ولا إعدامٌ، وإنما هم ضُعفاء، مملوكون، مربوبون للملك الواحد المعبود -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.
فقوله: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يدلّ على سعة ملكه، وكمال غِناه.
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، مَنْ هذه استفهامية تُفيد معنى الإنكار، يعني: لا أحدَ يشفع عنده إلا بإذنه، والشَّفاعة معروفة، فإذا كان الإنسانُ مثلاً مُنفردًا بحاجته، فجاء معه مَن يُقويه في طلبها وتحصيلها، فصار بعد أن كان مُنفردًا هناك مَن شفعه، فيتقوّى به، هذه هي الشَّفاعة، ينفرد الإنسانُ بالحاجة، فيأتي مَن يُقويه، يشفعه؛ فيكون شفعًا بعد أن كان وترًا مُنفردًا، فالله -تبارك وتعالى- لا أحدَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، إلا بإذنه للشَّافع، وبإذنه في الشَّفاعة، وبإذنه في المشفوع له، فهذه ثلاثة أشياء.
وهذا يدلّ على كمال عظمته، وكمال ملكه، وكمال غِناه، فإنَّ المخلوقين مهما كان ملكهم، ومهما كان غناهم، ومهما كان جاههم وعظمتهم؛ فإنَّ الشُّفعاء يتقدَّمون بين أيديهم بالشَّفاعة من غير إذنٍ، يقول: جئتُك أشفع لفلانٍ، أو جئتُك أشفع في كذا، فلا يحتاج إلى استئذانٍ.
أمَّا الله -تبارك وتعالى- فلا يتقدّم أحدٌ بشفاعةٍ إلا بإذنٍ من هذه الجهات الثلاث، وأمَّا المخلوقون فيتقدّم بين أيديهم بالشَّفاعة، وقد يقبلونها لدفع غائل هذا الشَّافع؛ ولما له من جاهٍ؛ ولما له من منزلةٍ؛ ولما له من غنًى؛ لأنَّ هؤلاء قد يتخوَّفون غوائله، فيدفعون ذلك بقبول شفاعته، يقول: أخشى أن أردّ شفاعته، ثم بعد ذلك أحتاج إليه، فلا يحصل لي مطلوبٌ من جهته، فيقبل شفاعته؛ لأنَّه وجيهٌ وكبيرٌ وغنيٌّ، أو غير ذلك، وقد يقبل شفاعتَه لأنَّ ملكه لا يقوم إلا به؛ لأنَّه من كبار أعوانه مثلاً، فلا يردّ له طلبًا؛ لأنَّه لو تخلَّى عنه لحصل له الضَّرر بسبب ذلك.
أمَّا الله -تبارك وتعالى- فليس بحاجةٍ لأحدٍ، ولا يَرِد عليه التَّخوف من غوائل أحدٍ، وملكه لا يقوم بأحدٍ، وإنما الجميع فُقراء، عبيد، مماليك، تحت قبضته وتصرّفه، فالله ليس كالمخلوقين، فهو لكمال عظمته وملكه وغناه لا يتقدّم أحدٌ بين يديه بالشَّفاعة إلا بإذنه.
ثم ذكر كمال علمه وإحاطته فقال: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255].
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما مضى من جميع الأمور، يعلم الماضي كلَّه، والإنسان ينسى أشياء عملها بالأمس، ولو ذكرته بأشياء قبل سنةٍ، أو سنتين، أو ثلاثٍ مما وقع منه لنسي كثيرًا من ذلك، فضلاً عمَّا يقع للآخرين، فضلاً عمَّا يقع للأمم في العصور والدّهور القديمة، وما الذي جرى فيها، فالله -تبارك وتعالى- قد أحصى دبيب الذَّر، وجميع المزاولات والأعمال التي صدرت من تلك الأمم من الناس والجنِّ والدَّواب والهوام، لا تسقط ورقةٌ إلا أحصاها وعلمها، ولا تحصل حركةٌ أو تسكينةٌ في برٍّ، أو بحرٍ، وتحت الأرض، أو فوقها، أو في السَّماوات إلا وقد أحصاها وعلمها، فكلّ ما مضى لا يفوت عليه منه شيء.
وَمَا خَلْفَهُمْ يعني: في المستقبل، على قول طائفةٍ من أهل العلم، يعني: على التَّفصيل، فهو يعلم ما سيكون ويقع تفصيلاً، وكلّ ذلك قد قدَّره: كتب اللهُ مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء[1]؛ ولهذا فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47]، هم ما خرجوا –أعني: المنافقين- في غزوة تبوك مع النبي ﷺ، لكن يقول: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ، يبثّون الأراجيف، وما إلى ذلك؛ لإيجاد الفتن.
وهكذا أيضًا حينما وعد المنافقون يهودَ بني النَّضير بالنُّصرة، وقالوا لهم: لا تخرجوا من دياركم، ونحن ننصركم، وإن قُوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخْرجتُم خرجنا معكم. فالله ردَّ عليهم فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ [الحشر:12]، فأُخرج اليهود، ولم يخرج هؤلاء المنافقين، وكذلك حينما حُوصِروا وحصل لهم ما حصل من التَّضييق بالحصار، واضطروا للاستسلام والخروج، لم يحصل منهم قتالٌ معهم، فقال: وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ [الحشر:12]، مع أنَّهم ما نصروهم، لكن هذا علم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله أحاط بذلك جميعًا، لا يخفى عليه شيءٌ من الظَّواهر والبواطن، وأعمال الخلق الإراديّة والاختياريّة وغير الإراديّة، وأعمال المكلَّفين وغير المكلَّفين، كلّ ذلك قد أحصاه، وهذا يبعث على المراقبة والمحاسبة؛ لأنَّ الأعمالَ مرصودة، كما أنَّ ذلك أيضًا يبعث على محبَّته وتعظيمه وإجلاله.
ولو أنَّ الإنسان رأى أحدًا من الناس ووجده يحفظ التَّواريخ، ويحفظ سير الأمم والأحداث وما جرى، وبالسَّاعة والتَّاريخ واليوم، ولا يكاد يُخطئ، وعنده من العلم والحفظ وسعة المعرفة والاطِّلاع الشيء الكثير، ولا تسأل عن شيءٍ إلا جاءك بمعلومات دقيقة، والكتب يذكر لك الجزء والصَّفحة، فهذا لا بدَّ أنَّ القلوب تُعظِّمه، وتعجب بذلك غاية الإعجاب، وتنبهر بهذا العلم والقُدرة على هذا الضبط والإحاطة، مع أنَّ هذا لا شيء بالنسبة لعلم الله ، وهذا مخلوقٌ ضعيفٌ، فالله يعلم ذلك كلّه، أليس ذلك يبعث في قلب المؤمنين تعظيم الله، والثِّقة بأحكامه الكونية، والأقدار التي يقدرها، والأحكام الشَّرعية، هذا الذي أحاط بكل شيءٍ علمًا، وكل التَّفاصيل والخواطر التي تدور في قلب الإنسان، وغير الخواطر، وقطرة الدَّم أين تتجه في كل إنسانٍ؟ يثق به العبدُ ثقةً تامَّةً، وأنَّ الله عالم بكل شيءٍ.
ولو أنَّ الإنسان جلس مع مدير المؤسسة التي يعمل بها أو نحو ذلك في أمورٍ قد يستشكلها، ولا يعرف تفسيرها من تصرُّفات وقرارات، فجلس معه، فتبيّن له أنَّ هذا قد أحاط بهذه المؤسسة وبأحوالها وبماضيها، ولديه رُؤية واضحة في المستقبل، وما إلى ذلك؛ فإنَّه يطمئنّ ويستريح، ويثق أنَّ قرارات هذا مُسددة ومدروسة، ولكن فات هذا المتوقّف -حينما توقّف- إدراك ذلك، فلمَّا استبان له اطمأنَّ أنَّ هذه المؤسسة بأيدٍ أمينةٍ تقودها.
طيب، الله الذي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، وهو الذي خلق هذا الخلق، ويعلم أحوالهم، وهو الذي شرع لهم هذه التَّشريعات، فاللَّائق أن يُوثق بحكمه، ولا نتردد، فإذا توقّفت الأذهانُ في إدراك شيءٍ فلا يقل الإنسانُ: والله أنا غير مُقتنعٍ بهذا الحكم! فما الذي أدركته؟! وما الذي عرفته؟! وما الذي أحطتَ به؟! أو يقول: هذه القضية ما دخلت عقلي! وما الذي يمكن أن يدخل عقلك الصَّغير؟! فهذا سُوء أدبٍ مع الله -تبارك وتعالى-.
وكذلك الأحكام الكونية القدرية: لماذا يُقدِر على هذا كذا؟! ولماذا يُقدِر على هؤلاء كذا؟! ولماذا يبتلي هؤلاء؟! ولماذا أعطى هؤلاء؟! وتجد بعض العبارات، كأن يقول: هذه النِّعم واصلة إلى مَن لا يستحقّ. تستدرك على الله ؟! فالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النِّساء:26].
فقوله: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255] بـ(شيءٍ) نكرة في سياق النَّفي، ولا شيء: لا قليل، ولا كثير، فالله أخرجنا من بطون أُمَّهاتنا لا نعلم شيئًا: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78]، فما يحصل لنا من علمٍ ومعرفةٍ، فإنَّ ذلك من الله -تبارك وتعالى-، فيتوجّه إليه بطلب ذلك، وتحصيل العلم، فهو رِزْقٌ من الله .
ثم بيّن أيضًا عظمته وجلاله وسعة سُلطانه، فقال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة:255]، فهذا يدلّ على كمال العظمة، وسعة السُّلطان، فإذا كان هذا حال الكرسي، وأنَّه يسع السَّماوات والأرض مع عظمهما.
وانظر إلى هذه الطَّائرة التي تحمل أكثر من ثلاثمئة راكب، ونراها تطير في الهواء كأنَّها بعوضة تُحلِّق، وهذا التَّحليق ماذا عسى أن يكون ارتفاعه ومداه؟ هو شيء يسير بالنسبة للفضاء، لكننا لما كنا أمثال الذَّر أو أقلّ صار بالنسبة إلينا شيئًا عظيمًا ومُرتفعًا جدًّا، فتجد الإنسان يقطع مسافات من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ في هذه الأرض بالسَّاعات الطِّوال، يقطع فيها البحار والبلاد الشَّاسعة حتى يصل مُبتغاه، فأين هذا بالنسبة لهذا الفضاء الواسع؟ وأين هذا بالنسبة للسَّماوات السَّبع؟! لا شيء.
ولو أنَّ الإنسان أراد أن يسير في رحلةٍ بطائرةٍ، ويطوف فيها على هذا الفضاء، ويصعد إلى السَّماوات السَّبع، كم يحتاج من وقتٍ؟ مع أنَّه لا يمكنه ذلك، فملك الله وسع الكرسي.
وأصل الكرسي في اللغة: هو موضع القدمين، والعرش في اللغة معروفٌ؛ هو السَّرير الذي يجلس عليه الملك، والكرسي: موضع القدمين، فهو أصغر من العرش.
وهذا الكرسي لا يعلم مداه إلا الله، فهو مخلوقٌ، وليس هو أكبر المخلوقات، ومع ذلك وسع السَّماوات والأرض، إذًا السَّماوات والأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لعرش الرحمن، فكيف بعظمة الله ؟ هذا شيءٌ لا يمكن للعقول أن تُدركه، ولكن حقّها أن تخضع الخضوع الكامل له، وأن تنقاد الانقياد الكامل، وأن تتأدّب معه، وتستحي منه حقَّ الحياء، وأن تُعظّمه حقَّ التَّعظيم، وأن تعبده؛ لأنَّه العظيم الأعظم، وما نحن إلا شيء يسير.
وهذا الكرسي الذي نجلس عليه لو نظرتَ إليه من أعلى تجد أنَّه كأمثال اللّعب، ولو نظرتَ من بعيدٍ تجد هذه البيوت ونحوها أشياء صغيرة جدًّا، وتحوي أُسَرًا وناسًا جالسين فيها، وهي قد لا تُساوي حجم (سم) مربع حين تنظر إليها من أعلى، فكيف لو نظرتَ إليها من السَّماء الدنيا؟ فالأرض لا تكون إلا مثل حبّة رملٍ في هذا الفضاء، بما فيها من البحار والمخلوقات والعالم والمليارات من الناس، فأين عظمة الله ؟
وأنا دائمًا أتأمّل صورة الحرم: حينما يُصور الناس من أعلى يمشون مثل الذَّر، ولا تُميِّز صحيحًا من سقيمٍ، ولا كبيرًا من صغيرٍ، ولا غنيًّا من فقيرٍ، ولا شابًّا من غيره، مثل الذَّر يمشون، فهذا كلّه يبعث في القلب تعظيم الله، والإقبال عليه، والتَّوجه إليه بقلوبنا.
فالكرسي وسع السَّماوات والأرض، والله -تبارك وتعالى-: لَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] يعني: حفظ السَّماوات والأرض، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا [فاطر:41]، فلا يُثقله ولا يُعجزه حفظ السَّماوات والأرض: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الحديد:4]، ولم يحصل له من جرَّاء ذلك نصبٌ، ولا تعبٌ: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] يعني: التَّعب، وكذلك هو الذي يحفظ السَّماوات والأرض، ويُقيمهما، فلا يحصل سقوطٌ، ولا هبوطٌ، ولا تضاربٌ، ولا تصادمٌ في هذه المخلوقات.
والكلام الذي تسمعونه أحيانًا من أنَّ كوكبًا قادمًا من مكان كذا سيصطدم بالأرض، أو يُوشِك أن يصطدم بالأرض، كلامٌ كله لا قيمةَ له، وكم مرّة قالوه! ونحن نعلم أنَّ هذا كلامٌ لا أثرَ له؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- أجرى هذا الكون بنظامٍ دقيقٍ، لا يمكن أن ينتهي قبل الأجل الذي قدَّره الله له؛ وذلك عند قيام السَّاعة، فلن يأتي كوكبٌ يصطدم بهذا الكوكب، ثم بعد ذلك يحصل خرابُ العالم، أبدًا، ولكنَّه يحصل تغيّره وتحوّله عند نهاية المطاف في هذه الحياة الدّنيا، عند قيام السَّاعة، ثم بعد ذلك تبدأ الحياة الأُخرى.
وَلَا يَئُودُهُ لا يُثقله، أصله من: آده، يؤوده الشَّيء؛ إذا أثقله، وُضع عليه ثقلٌ كبيرٌ؛ فيحصل أحيانًا له انحناءٌ من شدّة الثِّقَل الذي حمله. هذا أصله في اللغة، فالله لا يُثقله إمساك السَّماوات والأرض، فهو مُستوٍ على العرش -تبارك وتعالى-، والعرش مُفتقرٌ إليه، ولا قيامَ للعرش ولا لحملة العرش إلا بإقامة الله لهم جميعًا.
وَهُوَ الْعَلِيُّ [البقرة:255] له علو الذَّات، وعلو القدر والمنزلة، وعلو القهر.
الْعَظِيمُ [البقرة:255] وهو العظيم الذي له العظمة الكاملة، تتضاءل عند عظمته الجبابرة، ويصغر في جانب جلاله الكُبراء -جلَّ جلاله، وتقدّست أسماؤه-.
هذا ما يتعلّق ببعض المعاني التي اشتملت عليها هذه الآية.
وغدًا -إن شاء الله تعالى- أختم بذكر بعض الفوائد المتعلّقة بها، فهي آيةٌ عظيمةٌ، وما ذكرتُه إنما هو طرفٌ من المعاني والهدايات التي انتظمتها.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم: كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام-، برقم (2653).