الجمعة 13 / جمادى الأولى / 1446 - 15 / نوفمبر 2024
(227) دعاء طرد الشيطان وساوسه " الاستعاذة بالله منه" " الأذان "
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو الحجة / ١٤٣٥
التحميل: 1981
مرات الإستماع: 1674

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: ففي هذا الباب: (باب دعاء طرد الشيطان ووساوسه)، هذا أيضًا لو أنَّه ألحق في بعض الأبواب السَّابقة المتعلِّقة بالوسوسة:كالباب الأربعين، والثاني والأربعين؛ فهذا أليق -والله أعلم-.

ذكر فيه حديثَ أبي سعيدٍ الخدري قال: "كان رسولُ الله ﷺ إذا قام من الليل كبَّر"، يعني: للصَّلاة، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا،أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه.هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي[1].

جاء نحوه أيضًا من حديث جبيربنمطعم عند أبي داود[2]،والجملة الأولى، وهي قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك جاء هذا من حديث عائشة -رضي الله عنها- في افتتاح الصَّلاة، دون تقييده بقيام الليل عند الترمذي[3]،وأبي داود[4].

وجاء أيضًا عن عمر من حديث أنسٍ عند مسلمٍ[5]،وقد مضى في الباب السَّادس عشر برقم (28) الكلامُ على هذا الاستفتاح،أعني: إلى قوله: ولا إله غيرك، وأمَّا ما بعده، وهو قوله: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، ثم يقول: أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه فقد مضى نحوه في أدعية الاستفتاح أيضًا:(باب دعاء الاستفتاح)،برقم (31)، وتكلّمنا هناك على ما تضمّنه هذا الذكر من المعاني.

هذا الحديث بهذا السياق بكامله: حديث أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- ضعَّفه الإمامُ أحمد -رحمه الله[6]-،فقال أبو داود: يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن مرسلاً، الوهم من جعفر[7].

قالالترمذيُّ عن حديث أبي سعيدٍ: بأنَّه أشهر حديثٍ في الباب، وقد تكلّم في إسناده، وفيه علي الرِّفاعي، كان يحيى بن سعيد يتكلّم فيه[8].

وكذا قال ابنُ حبان أيضًا: بأنَّ فيه علي بن علي بن نجاد، قال: يُخطئ كثيرًا على قلَّةروايته، وينفرد عن الأثبات بما لا يُشبه حديث الثِّقات، لا يُعجبني الاحتجاج به إذا انفرد[9].

وضعَّفه أيضًا النووي[10]،وأشار إلى إعلاله ابنُ دقيق العيد، وضعَّفه أيضًا الشيخ شُعيب الأرناؤوط في التعليق على "المسند"[11].

ولكن هذا الحديث حسَّنه الحافظُ ابن حجر[12]،والشيخ ناصر الدين الألباني في بعض المواضع[13]،وكذلك أيضًا صححه العيني،وقالالهيثمي: رجاله ثقات[14].وقال الشَّوكاني: صحيحٌ[15].وقال في موضعٍ آخر في "السيل الجرار" قال: أصحّ ما ورد في التَّعوذ[16].وكذلك أيضًا الشيخ أحمد شاكر صححه[17]،والشيخ ناصر الدِّين الألباني صححه في مواضع أخرى؛في بعضها قال: صحيحٌ لغيره[18].وفي بعضها قال: صحيحٌ[19].

الكلام على هذا الحديث: هذه الجُمَل التي تضمّنها مضت كما ذكرتُ، فيُمكن أن يُراجع الحديث الحادي والثلاثين.

فقوله:الله أكبر كبيرًا هذه حال مُؤكدة:(كبيرًا)، وبعضهم يقول: منصوب على القطع من اسم الله. وبعضهم يقول بإضمار أكبر. وقيل: صفة لمحذوفٍ، أي: تكبيرًا كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، فقال ذلك ثلاثًا.

وذكر بعده الاستعاذة: أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه، وهذا هو الشَّاهد هنا، فهذه الاستعاذة قبل القراءة، كما يقول ابنُ القيم -رحمه الله[20]-: عنوان وإعلام، بمعنى أنَّ السامع حينما يسمع المستعيذ فإنَّه يعرف أنَّ ما يأتي بعدها هو القرآن، فهذه الاستعاذة لا تُقال بين يدي كلامٍ غير القرآن، بمعنى: أنَّه إذا أراد أن يتكلّم لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أقول: كذا، وكذا. وإنمايبدأ بكلامه مباشرةً، لكن إذا أراد أن يقرأ القرآن جاء بالاستعاذة، وإلا فهي لا تُشرع بين يدي كلام الناس، فهي تنبيهٌ للسَّامع بما يأتي بعدها من التِّلاوة؛ فيستعدّ، ويعلم أنَّ ما سيُذكر إنما هو كلام الله -تبارك وتعالى.

وقد ذكر الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- فوائد للاستعاذة، أشرتُ إلى شيءٍ منها قبل ليلتين، وذكرتُ كثيرًا منها في بعض المناسبات.

والإمام أحمد -رحمه الله- يقول: لا يقرأ في صلاةٍ ولا غير صلاةٍ إلا استعاذ؛ لقوله -تبارك وتعالى-: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ[النحل:98]، فهذا عامٌّ.

وقد جاء عن عبدالله ابن الإمام أحمد أنَّه قال: سمعتُ أبي كان إذا قرأ استعاذ، يقول: "أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، إنَّ الله هو السَّميع العليم"[21]؛لأنَّه قال: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فيقول: أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، إنَّ الله هو السَّميع العليم.

والسَّلف جاءت عنهم عبارات مُتنوعة في الاستعاذة، أعني: الصِّيغة، بأيِّ صيغةٍ يستعيذ؟ فبعضهم كان يرى أنَّ ذلك يتحقق به الامتثال، بأي صيغةٍ كان؛ ولذلك جاءت عنهم صيغٌ كثيرةٌ قالوها، مُتنوعة، والأحسن والأقرب أن يكون ذلك مُوافقًا لما جاء عن النبي ﷺ.

وهذه الصِّيغة عند مَن صححها هي أكمل الصيغ، فالمراتب ثلاث: أدناها أن يقول: "أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم". والمرتبة الثانية: أن يقول: "أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم". والمرتبة الثالثة: أن يقول: "أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرجيم"، ثم يذكر ما بعدها: من همزه، ونفخه، ونفثه، هذه أكمل الصِّيغ.

وهذا يُقال في أول الصَّلاة، ولا حاجةَ لأن يُقال ذلك فيما بعد القراءة الأولى، يعني: هل يستعيذ إذا أراد أن يقرأ سورةً ثانيةً؟ هل يستعيذ في الركعة الثانية، في الركعة الثالثة، وهكذا؟

الجواب: لا، لا حاجةَ للاستعاذة؛ لأنَّ ذلك قد تحقق في أول القراءة، وما يكون بعده يُقال: لم يفصل بينه بفاصلٍ أجنبيٍّ، وإنما فصل بالذكر، وفصلُ القراءة بالذكر لا يتطلب استعاذةً جديدةً، لكن أهل العلم تكلَّموا على ما لو أنَّه فصل بأجنبيٍّ، يعني: تكلّم بالتليفون، اشتغل، أجاب أحدًا، تكلّم مع صاحبه؛ فإنَّه يستعيذ حتى في أثناء القراءة، ويقرأ، والمصحف بين يديه،يعود إلى الاستعاذة من جديدٍ، لكن لو أنَّه ذكر الله، أو صلَّى على النبي ﷺ، أو ردَّ السلام؛ فإنَّ هذا جميعًا من الذكر، فلا حاجةَ لإعادة الاستعاذة.

وقد ذكر الشَّوكاني -رحمه الله- أنَّ الأحاديث الواردة في التَّعوذ ليس فيها إلا أنَّه فعل ذلك في الركعة الأولى،هذا هديه ﷺ، مع أنَّه قد ذهب جماعةٌ من السَّلف إلى أنَّه يستعيذ في كل قراءةٍ في كل ركعةٍ، جاء هذا عن الحسن، وعطاء، وإبراهيم النَّخعي أيضًا[22]،قالوا: يُستحبّ في كل ركعةٍ. مُحتجّين بالعموم: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، قالوا: إذا قرأ القرآن في الركعة الأولى يستعيذ في الركعة الثانية كذلك، وهكذا.

لكن الجوابَ عن هذا أنَّه استعاذ، ولم يفصل بأجنبيٍّ، وفعل النبي ﷺ يدلّ على المراد، وهذه الآية تدلّ على مشروعية الاستعاذة مطلقًا، يعني: في الصَّلاة، وخارج الصَّلاة، وهذا الحديث يدلّ على مشروعية الاستعاذة بالله تعالى من الشَّيطان الرجيم: من نفخه، ونفثه، وهمزه.

أيضًا الحافظ ابن القيم -رحمه الله- ذكرتُ كلامًا له في الكلام على الحديث الذي أشرتُ إليه سابقًا في الاستفتاح؛ في تفسير الهمز، والنَّفخ، والنَّفث، لكن الذي ربما فارق به غيرَه من الشُّراح في تفسير هذه المواضع أو الألفاظ الثلاث هو أنَّه ذكر معنًى للهمز أعمّ مما قد يقوله غيرُه، وفصَّل فيه، وحاصل كلامه: أنَّه إذا أفرد الهمزات–والهمز: همز الشَّيطان- دخل فيه جميع إصابات الشَّياطين لبني آدم: من وسوسةٍ، وخنقٍ، وصرعٍ، وتلبيسٍ، وما إلى ذلك، وإذا قرنت بالنَّفخ والنَّفث؛ كانت نوعًا خاصًّا[23]،على كل حالٍ مضى الكلامُ على هذا.

الحديث الآخر: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: إذا نُودِي للصَّلاة أدبر الشَّيطانُ وله ضراطٌ حتى لا يسمع التَّأذين، فإذا قضى النِّداء أقبل، حتى إذا ثوّب بالصَّلاة أدبر، حتى إذا قضى التَّثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظلّ الرجلُ لا يدري كم صلَّى؟ هذا الحديث مُخرَّجٌ في "الصَّحيحين"[24].

يقول: إذا نُودي للصَّلاة يعني: بالأذان، أدبر الشَّيطانُ يعني: انصرف عن الموضع الذي يُنادى فيه، وله ضراط، وهذا لشدّة الأذان عليه، ولثقله، فهو لا يحتمله، ولا يُطيقه، قال: حتى لا يسمع التَّأذين، هذا تعليلٌ لإدباره وما يكون منه، يدلّ على ما يُعانيه من شدّةٍ عند سماع الأذان.

حتى إذا ثوّب بالصَّلاة أدبر والتَّثويب بالصَّلاة المقصود به: الإعلام بها مرةً أخرى، يعني: الإقامة.

وأصل التَّثويب: أنَّ الرجل كان إذا رأى فزعًا لوَّح بثوبه مُستصرخًا، بثوبه، فكان ذلك كالدُّعاء، يدعو قومه، يُنذرهم، يُحذِّرهم، ثم كثر ذلك حتى صار يُسمَّى الدُّعاء، الذي يدعو غيره، يُناديه، يُقال له: تثويب.

فهذا النِّداء بالصَّلاة (الإقامة) قيل لها: تثويب، فهي دُعاء للصَّلاة، وقد يُقال أيضًا لغير ذلك مما قد يقوله بعضُ الناسمما جاء عن السَّلف إطلاق الكراهة فيه، يقصدون به ما يقوله المؤذنُ بعد ذلك، يعني: بعد الأذان يقول للناس:"الصَّلاة، الصَّلاة"، فإذا أطلقوا الكراهةَ يقصدون هذا المعنى: أنَّه قدرٌ زائدٌ على الأذان، وأنَّ مثل هذا لا يُشرع أن يقوله المؤذنُ.

قال: حتى يخطِر هكذا بكسر الطَّاء، وضبطه بعضُهم بالضمِّ، وكلاهما لغة:"حتى يخطِر، حتى يخطُر".

بين المرء ونفسه يعني: وقلبه، يعني: يحجز بينه وبين قلبه بالوساوس والخواطر، فيُذكره بالأشياء في يومه وليلته، وما يُزاوله، وما ينويه، أو يعزم عليه، أو يهمّ به.

وفرق بعضُ أهل العلم -كالنَّووي رحمه الله- بين الكسر والضمِّ: "يخطُر، يخطِر"، فالنَّووي يرى أنَّ الكسرَ بمعنى: يُوسوس[25]،يخطر، أي: يُوسوس، من خطر البعير بذنبه؛ يضرب به على فخذه، يُحرِّكه بقوةٍ، فهذا يخطِر، ويخطُر: يدنو منه.

فعلى كل حالٍ، هو يقترب منه، يشغله بالخواطر والوساوس، وما إلى ذلك، يقول: فسّره هنا بقوله: اذكر كذا، اذكر كذا يعني: أشياء يُذكره بها غير مُتعلقة بالصَّلاة: بأعماله وأشغاله، لما لم يكن يذكر شيء لم يكن المصلِّي يذكره قبل شروعه في هذه الصَّلاة: من مُعاملات، حسابات، أشغال، بيع، شراء، وما إلى ذلك.

نُقل عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنَّه جاءه رجلٌ، وذكر له أنَّه نسي شيئًا من وديعةٍ أو نحو ذلك استُؤمن عليها، فقال: توضّأ وأحسن الوضوء، وصلِّ ركعتين. فصلَّى الرجلُ ركعتين؛ فتذكر تلك الأمانة[26].

طبعًا نحن لا نقول للإنسان إذا نسي شيئًا: اذهب وصلِّ ركعتين حتى يأتيك الشيطانُ؛ فتتذكّر. فتكون الصلاةُ أداةً لمطالبنا الدُّنيوية، فهذا لا يخلو من ابتذالٍ لهذه الصَّلاة وما فيها من ذكر الله، فهذا أعظممن أمور الدُّنيا.

هذا الحديث فيه فضل الأذان، وأنَّه يطرد الشَّيطان، إذًا عندنا الاستعاذة:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرجيم، أعوذ بالله السَّميع العليم من الشيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه"، فهذا كلّه يطرد الشيطان، لاسيّما قبل القراءة.

فالعبد بحاجةٍ إلى ذلك كما ذكرنا سابقًا، فهو يتطهر ويتهيّأ لهذه القراءة والصَّلاة، سواء كانت القراءةُ في الصَّلاة، أو خارج الصَّلاة، يتطهر بالماء، فهذا تهيّؤ لها بطهارةٍ حسيَّةٍ، والتَّهيؤ الثاني بالطَّهارة المعنوية من علائق الشَّيطان ووساوسه، هذه لا تتأتى بالماء، هذا يتأتى بالاستعاذة، فيكون مُهيًَّا، لا يحول الشيطانُ بينه وبين صلاته وقراءته.

إذا كان الشيطانُ يفرّ هذا الفرار العظيم الشَّديد إذا سمع الأذانَ، هل يُقال مثل هذا: أنَّه يُؤذّن الإنسانُ ليطرد الشيطان إذا تسلّطت عليه الوساوس؟

وردت آثارأنَّه إذا تغوَّلت الغِيلان[27]جاء فيها الأمرُ بالأذان، باعتبار أنَّ هذه الغِيلان عبارة عن شياطين تتمثل للناس في الأسفار، وفي الطُّرق، وفي المفاوز، لكن قد لا يصحّ شيءٌ من هذه الأحاديث التي يُذكر فيها الغيلان.

وقد يُقال: بأنَّ الأذانَ عبادةٌ تُقال في أحوالٍ وأوقاتٍ مخصوصةٍ، وكون الشيطان يفرّ عند سماعه لا يُبرر أنَّ الإنسان إذا حصل له شيءٌ من الوساوس أذَّن، أو تخوَّف من كيد الشَّيطان وتسلّطه يُؤذِّن، يُقال: هذا قد لا يُشرع -والله أعلم-،لكنَّه يستعيذ، ولا يسترسل مع هذه الوساوس.

يمكن للإنسان إذا تهيَّأت له صور الشَّياطين أو الجنّ بصورٍ مُعينةٍ، تتراءى له في مكانٍ، فيُمكن أن يقول: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق[28]، ويمكن أن يقرأ المعوّذات، ويقرأ آيةَ الكرسي، ويقرأ سورةَ البقرة -وهذا سيأتي في الحديث الذي بعده-، يقرأ هذه السُّورة؛ فإنها تطرد الشَّياطين،وسيأتي الكلامُ على ذلك -إن شاء الله.

يقول ابنُ بطَّال -وهو أحد شُرَّاح الصَّحيح-: يُشبه أن يكون الزجرُ عن خروج المرء من المسجد بعد أن يُؤذّن المؤذّنُ من هذا المعنى، يعني: لئلا يكون مُتشبِّهًا بالشَّيطان الذي يفرّ عند سماع الأذان[29].

ونحن نعرف حديثأبي هريرة لما قال: "أمَّا هذا فقد عصى"[30]،عصى النبيَّ ﷺ،"عصى أبا القاسم" -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ما العِلَّة؟

يحتمل أن تكون مُشابهة الشَّيطان، ويحتمل أن يكون هذا الذي أدرك الأذانَ وهو في المسجد قد لزمهحضورُ هذه الصَّلاة التي نُودي لها، مع أنَّ بعض أهل العلم رخَّص لمن خرج ليُصلِّي في مكانٍ آخر، وأنَّ الصلاةَ لا تفوته، رخَّص بعضُهم له بذلك.

على كل حالٍ، يتحرى الإنسانُ أن يخرج إن كانت له حاجة قبل الأذان:في مجالس العلم، في الدُّروس، ونحوهذا، يتحرى أن يكون الخروجُ قبل الأذان؛ لئلا يكون مُتشبِّهًا بالشَّيطان من جهةٍ، ولئلا يدخل في ذاك الحديث: "أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم"-صلى الله عليه وآله وسلم[31]-؛لأنَّ العِلّة غير مذكورةٍ، وقد يكون ممن لزمه حضورُ هذه الجماعة التي نُودي لها وأُذّن وهو في المسجد، فليس له رخصة في الخروج، قد يكون هكذا، مع أنَّ بعض الفُقهاء يُرخِّص في هذا.

على كل حالٍ، نتوقف عند هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 
  1. أخرجه أبو داودفي "سننه": كتابالصَّلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بـ(سبحانك اللهم وبحمدك)، برقم (775)، والترمذي:أبواب الصَّلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصَّلاة، برقم (242)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (1217).
  2. أخرجه أبو داودفي "سننه": كتابالصَّلاة، باب ما يستفتح به الصَّلاة من الدعاء، برقم (764)، وضعَّفه الألباني في نفس الكتاب.
  3. أخرجه الترمذيفي "سننه": كتابأبواب الصَّلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (242)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (815).
  4. أخرجه أبو داودفي "سننه": كتابالصَّلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بـ"سبحانك اللهم وبحمدك"، برقم (776)، وصححه الألباني في نفس الكتاب.
  5. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب حُجّة مَن قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399).
  6. انظر:"خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام" للنووي (1/361).
  7. انظر: "سنن الترمذي"(1/206).
  8. انظر: المصدر السَّابق(1/324).
  9. انظر: "المجروحين" لابن حبان (2/37).
  10. انظر:"خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام" للنووي (1/361).
  11. انظر: "مسند أحمد"(18/52).
  12. انظر:"نتائج الأفكارفي تخريج أحاديث الأذكار" لابن حجر (1/417).
  13. انظر: "تخريج الكلم الطيب" للألباني، برقم (130)، و"مشكاة المصابيح" للألباني، برقم (1217)، و"إرواء الغليل" للألباني، برقم (342).
  14. انظر:"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي (2/265).
  15. انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (2/228، 229).
  16. انظر: "السيل الجرار" (ص137).
  17. انظر: "سنن الترمذي" ت: أحمد شاكر (2/9).
  18. انظر:"التعليقات الحسان" للألباني (3/292).
  19. انظر: "مشكاة المصابيح" للألباني (1/383).
  20. انظر: "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/94).
  21. انظر: المصدر السَّابق.
  22. انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (2/230).
  23. انظر: "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/95).
  24. أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب فضل التَّأذين، برقم (608).
  25. انظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للنووي (4/92).
  26. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (3/210).
  27. أخرجه أبو يعلى في "مسنده"، برقم (2219)، وقال مُحققه: رجاله رجال الصَّحيح. وضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع"، برقم (545).
  28. أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، بابٌ في التَّعوذ من سُوء القضاء ودرك الشَّقاء وغيره، برقم (2708).
  29. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (2/235).
  30. أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب النَّهي عن الخروج من المسجد إذا أذّن المؤذّن، برقم (655).
  31. أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب النَّهي عن الخروج من المسجد إذا أذَّن المؤذّن، برقم (655).

مواد ذات صلة