الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
في باب "فضل التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير" أورد المؤلفُ هذا الحديثَ، وهو قوله ﷺ: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمسُ.رواه مسلم[1].
هذه اللام هي التي يُقال لها: الموطئة للقسم، والقسم -كما هو معلومٌ- هو من مُؤكّدات الكلام، وإنما يُؤكّد الكلام إمَّا لأنَّ السامع قد يحصل له شيءٌ من التردد فيه، فيكون فيه من المؤكّدات بحسب حال السَّامع، وليس ذلك بلازمٍ في كل الحالات، فإنَّه قد يُؤكّد الكلام مع ثقة السَّامع كما لا يخفى، وذلك قد جاء في كتاب الله ، وفي سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لكن هنا لما كانت هذه القضية في منظور الناس مما تتهافت عليه النفوس، وهو ما في هذه الدنيا من المباهج، والمكاسب، والتّجارات، والأموال، والعرض الكثير، فإنَّ النبي ﷺ جاء بهذه اللام المؤذنة بالقسم، يعني: هنا قسمٌ محذوفٌ: والله لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرهذه هي الأربع التي قال عنها النبيُّ ﷺ بأنهنَّ: الباقيات الصَّالحات[2]،كما في قوله -تبارك وتعالى-: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف:46].
المال يشمل جميع أنواع ما يتمول من الأموال، سواء كان ذلك بصورة نقودٍ، أو مراكب، أو كان ذلك بصورة المواشي، أو الزروع، أو نحو ذلك مما يتموله الناس: الْمَالُ وَالْبَنُونَ، وذكر البنين؛ لأنَّ العرب يعتزّون بهم، ويرون أنَّ البنين يتقوون بهم، وأنهم يتزينون ويتجمّلون بهم في المجالس، فيفرح الواحدُ منهم إذا رُزق بابنٍ، وكان ينخزل من الناس إذا رُزق بالبنت، فخاطبهم الله بما يعهدون، وبما كانوا يُقدّمون ويُؤثرون: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا، وخير هنا أفعل تفضيلٍ، يعني: أخير -كما هو معلومٌ- في الصِّيغ، ولكن المقارنة حينما لا تكون بين شيئين بينهما تقارب، فزاد أحدُهما على الآخر في ذلك -كما ذكرنا مرارًا-، فإنَّ هذا يكون المرادُ به -والله تعالى أعلم- مُطلق الاتِّصاف، يعني: لا مقارنةَ بين العرض الدّنيوي، وما عند الله -تبارك وتعالى- من الجزاء والنَّعيم المقيم، وما الدنيا؟
فهنا في سورة الكهف: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا، فذلك يكون الجزاءُ عليه أعظم، وما يُرجيه عامله ويُؤمّله لا شكَّ أنه أكبر وأجلّ.
وفي هذا الحديث: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله،"سبحان الله" عرفنا التَّسبيح، ومعنى "سبحان الله"، وأنَّ ذلك بمعنى التَّنزيه لله -تبارك وتعالى-، وأصل هذا التركيب، وكذلك "الحمد لله"، وأنَّ الكثيرين يُعبرون عنه بالثَّناء، يعني: يقولون: الثَّناء على الله، وبينا أنَّ الثناء هو إعادة الحمد ثانيًا، من التَّثنية، وأنَّ الحمدَ هو إضافة المحامد وأوصاف الكمال للربِّ، المالك، المعبود -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.
قوله: سبحان الله، والحمد لله اللام هذه للاستحقاق، يعني: أنَّه مُستحقٌّ لله، و"أل" الداخلة على الحمد للاستغراق، يعني: كل المحامد لله -تبارك وتعالى-؛ لأنَّه الكامل من كل وجهٍ، فله الكمال المطلق؛ لأنَّه لا يُحمد من كل وجهٍ إلا مَن كان كاملًا من كل وجهٍ.
ولا إله إلا اللههذه قلنا: كلمة التوحيد، مفتاح الجنّة، وهي أول ما يُدخل به في الإسلام، وهي أجلّ كلمةٍ على الإطلاق، وأشرف كلمةٍ على الإطلاق: خير ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له[3] الحديث.
وعرفنا أنَّ هذه الكلمة مُركّبة من جملة النَّفي، والإثبات: "لا إله" لا معبود بحقٍّ "إلا الله"، وأن كلَّ الطاعات، والمعاصي، والمخالفات، والشِّرك، والإيمان، كلّ ذلك يرجع إلى هذه الكلمة.
فالشقّ الأول "لا إله" هذا نفيٌ لكل معبودٍ، وما يتبع ذلك من الشَّرائع الباطلة، والأحكام الجائرة، والمعاصي والذنوب: الكبائر، والصَّغائر، كلّ ذلك من تلك الشجرة الخبيثة التي: اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ[إبراهيم:26]، شجرة الشِّرك بالله -تبارك وتعالى-.
"إلا الله" هذا جانب الإثبات، وذلك يتفرع عنه فروع الإيمان، وما والاه من محبّة أهل الإيمان، ومُوالاتهم، وتقريبهم، ونحو ذلك، بعكس الشقِّ الأول.
والله أكبر، وذكرنا معنى ذلك، وأنَّه أكبر من كل شيءٍ على الإطلاق، فهو أكبر من كل كبيرٍ، وأكبر من كل ذاتٍ في الوجود، وهو أكبر من كل معنًى في الوجود: أكبر من المال، وهو أكبر مما نُعظّمه، أو نُكبره، إذا كان الإنسانُ يعتزّ بعقله فالله أكبر، وإذا كان يعتزّ بعقول قومٍ فالله أكبر، وإذا كان يعتزّ بقوته، أو بقوة قومٍ، فالله أكبر، وإذا كان يتخوّف من قومٍ، فالله أكبر، وهكذا، فإنَّ الله أكبر من كل شيءٍ على الإطلاق.
ومن ثم فإنَّ العبد حينما يُوقِن بهذه الكلمة؛ فإنه لا يُقدّم شيئًا على محابِّ الله -تبارك وتعالى-، وكذلك أيضًا لا يمكن أن يتخوف شيئًا خوفًا يُؤثر في طاعته، ومحبّته، وإقباله على ربّه، وفعل ما أمره، واجتناب ما نهاه.
يقول: لأن أقول هذا أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمسُ، والكلام في "أحبّ" هنا، هي أفعل تفضيلٍ أيضًا، في اثنين اشتركا في صفةٍ، وزاد أحدُهما على الآخر فيها، تقول: هذه أكبر من هذه، فلان أطول من فلانٍ، لكن لا تقل: فلان أطول من الذّرة، لا يمكن أن يُقال هذا، لا يُقال: بأنَّ فلانًا مثلًا أطول من حبَّة رملٍ، كما لا يُقال أيضًا: بأنَّ السيفَ أمضى من العصا، كما قال الشاعر:
ألم تر أنَّ السيف ينقص قدره | إذا قيل: إنَّ السيفَ أمضى من العصا[4] |
فإذا قارنا بين ما عند الله -تبارك وتعالى- وجزاء الباقيات الصَّالحات، وما في هذه الدنيا من الحطام الزائل، فهنا أفعل التَّفضيل: أحبّ إليَّ هنا لا مُقارنة، فهذه الباقيات الصالحات لا يمكن أن تُقارن بالدنيا، فحمله بعضُ أهل العلم على أنَّ المقصود هنا ليس التَّفضيل، ليس معنى التَّفضيل، وإنما مُطلق الاتِّصاف، يعني: أنَّ ذلك محبوبٌ إليَّ: أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمسُ، ما الذي تطلع عليه الشمسُ؟
تطلع على الدنيا بأسرها، في شرقها وغربها، بما فيها من الممالك، وبما فيها من برٍّ وبحرٍ، ومراكب بريّة، وبحرية، وناقلات، ونفط،وبما فيها من الأحمر والأصفر من الكنوز، وبما فيها من البشر،وبما فيها من الزروع، والضُّروع، والثِّمار، وبما فيها من أنواع المعادن الثَّمينة، والمعادن الخسيسة، إلى غير ذلك، كلّ ذلك من حُطام الدنيا الذي تطلع عليه الشمس.
فهذا يُعبّر به العربُ-كما هو معلومٌ- لبيان الشُّمول والعموم: أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس، يعني: أحبّ إليَّ من كل شيءٍ، أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها.
هذه الكلمات الأربع ما قال: يقول هذه الكلمات ألف مرة، أو عشرة آلاف مرة، أو مئة مرة، لا، أطلق في ذلك؛ فدلّ على أنه لو قالها مرةً فذلك أحبّ إليه ﷺ مما طلعت عليه الشمس.
الإنسان لو قيل له: أنَّه لو قال هذه الكلمة لأُعطي ريالًا واحدًا فقط؛ لصار الناسُ يقولونها ليلًا ونهارًا، ويحصلون ألوفًا في يومهم وليلتهم، ثم بعد ذلك تركوا متاجرهم، وصنائعهم، وأعمالهم، ومهنهم، وتركوا الأهل، والولد، والذّرية، وتركوا كلّ شيءٍ، وربما ألهاهم ذلك عن الطَّعام والشَّراب، ريالٌ واحدٌ إذا قال الكلمات الأربع، لو يُعطى ريالًا واحدًا لرأيتَ الناس يتركون كلَّ شيءٍ؛ لأنه سيقول هذه في اليوم والليلة آلاف المرات، ويتنافس المتنافسون في هذا، وسيخترعون من الطُّرق التي يختصرون فيها الطَّعام والشَّراب، مما لايحتاجون معه إلى مضغٍ؛ لئلا يتعطّل قولها، فيلتهمون ذلك، يستفّون الكعك، كما كان ابنُ عقيل يفعل من أجل العمل.
ولما ضيّعت الأوقات هنا وهناك، واستثقل الناسُ البقاء في بيوت الله -تبارك وتعالى- من أجل دقائق؛ لأن يقول الواحدُ منهم أذكار الصباح والمساء، أو الأذكار التي تُقال بعد الصَّلاة، كأننا على مِلَّةٍ، لو قلتَ لإنسانٍ: انتظر قليلًا حتى نفرغ من الأذكار، ثم نتحدّث معك. كأنَّه محجورٌ، محبوسٌ، بعضهم يخرج، لا يقبل هذا الكلام: الأذكار، تُكمل الأذكار، هو ليس عنده قُدرة على هذا الصَّبر، ولن يبقَ دقائق بعد الصَّلاة، أو حتى التَّبكير للصّلوات، نُوقّت الوقت على الإقامة، هذا في حال التَّبكير، انظروا إلى هذه المقاييس والمعايير المختلفة التي يذكرها النبي ﷺ: أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
إذًا الذَّخائر في الآخرة -أيّها الأحبّة-، والأعمال الصَّالحة هذه لا يمكن أن تُقاس بهذه الدنيا، وتحصيل وجمع الحطام الفاني، فكيف لو كان أحدٌ من الناس يلهج بمثل هذا صباح مساء؟ كيف سيحصل؟ إذا كانت هذه فقط أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
وبعض أهل العلم يقول: إنَّ أفعل التَّفضيل على بابها؛ في اثنين اشتركا في شيءٍ، وزاد أحدُهما بأي اعتبارٍ، مع أنه لا مُقارنة؟
قالوا: باعتبار أنَّ هذه القضايا من عرض الدنيا لها وقعٌ في نفوس الناس، ولها قدرٌ، فاحتاج إلى قسمٍ ليُؤكّد هذا، فلمَّا كان لها تلك المنزلة في النفوس، فإنَّ ذلك احتيج معه إلى التَّعبير بأفعل التَّفضيل: "أحبّ إليَّ"، فهو يُحدِّثهم بقدر ما يفقهون، ويعقلون، ويُدركون، راعى مداركهم، ونظرهم، فجاء التعبير بهذا الاعتبار، والله تعالى أعلم.
هذا الحديث -أيها الأحبة- يدلّ على أنَّ المعايير التي عندنا تحتاج إلى مراجعةٍ، وأنَّ أعمالنا واهتماماتنا تحتاج إلى مراجعةٍ، وأن الأولويات في حياتنا تحتاج إلى مراجعةٍ: ما الأشياء التي نُقدّمها؟ وما الأشياء التي ينبغي أن تكون في المرتبة الثانية، أو الثالثة، أو العاشرة؟
فهذا الحديث يدلّ على أنَّ الذكر له تلك المنزلة، حتى قال بعضُ أهل العلم: إنَّه أفضل من الصَّدقة؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس، فدلّ ذلك على فضله بإطلاقٍ، بل قدَّمه بعضُ أهل العلم على جميع النَّوافل من العبادات.
ونحن عرفنا في مقدمات هذه المجالس ما ذكره شيخُ الإسلام -رحمه الله- من فضل الذكر: أنَّ الأفضل يختلف من حالٍ إلى حالٍ، وذلك أنَّه في كل حينٍ قد تكون بعض الأعمال أفضل من بعضٍ-كما هو معلومٌ-؛ فتارةً تكون القراءةُ أفضل، وتارةً يكون الذكرُ أفضل، وهكذا[5]، فذلك يختلف أيضًا باختلاف الناس مع الأحوال، والأوقات، والمواضع –الأمكنة-.
فذلك كلّه مضى، لكن هذا يدلّ على فضل الذكر ومنزلته، ومن ثم فإنَّ هذه الكلمات التي ذكرها النبيُّ ﷺ أيضًا بينها من التَّرابط والتَّلازم ما يظهر للمُتأمّل، فهذه الكلمات كما صحَّ عن النبي ﷺ أنهنَّ: الباقيات الصَّالحات، وهُنَّ أفضل الكلام بعد القرآن.
وكذلك أيضًا إذا نظر الناظرُ فيها فإنَّه يجد من الملازمة بين بعضها؛ فمن ذلك: أنَّ التَّسبيح قرين التَّحميد: كلمتان خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. وهو مُخرَّجٌ في "الصحيحين"[6].
وكذلك في "صحيح مسلم" من حديث أبي ذرٍّ -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ النبي ﷺ قال: أفضل الكلام ما اصطفى اللهُ لملائكته: سبحان الله وبحمده[7]، فيذكر التَّسبيح مع التَّحميد، والله -تبارك وتعالى- يقول: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[النصر:3]، فكان النبي ﷺ كما سبق يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر ليكما في حديث عائشة[8] -رضي الله تعالى عنها-،كلّ هذا فيه اقتران التَّسبيح بالتَّحميد.
وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ[غافر:55]، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ[الروم:17-18]، فذكر هذا وهذا.
وأما التَّهليل فهو يقترن كثيرًا بالتَّكبير، كما في الأذان: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله"، فذكر التَّكبيرات الأربع مع الشَّهادتين.
كذلك أيضًا في آخر الأذان، فإنه يقول:"الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله"، وكذلك أيضًا في غيره من المواضع، فإنَّه جاء التكبير مع التَّهليل، فهذه هي الكلمات الأربع.
الحديث الذي بعدههو حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله ﷺ فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنةٍ؟ فسأله سائلٌ من جُلسائه: كيف يكسب أحدُنا ألف حسنةٍ؟ قال: يُسبّح مئة تسبيحة، فيُكتب له ألف حسنةٍ، أو يُحطّ عنه ألف خطيئةٍ.الحديث أخرجه الإمامُ مسلمٌ في "صحيحه"[9].
فقوله ﷺ: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنةٍ؟ يعني: مَن الذي يعجز عن هذا؟
فلمَّا سُئل قال ﷺ: يُسبّح مئة تسبيحة، كأن يقول مثلًا: "سبحان الله" مئة مرة، فيُكتب له بذلك ألف حسنةٍ، وذلك باعتبار أنَّ الحسنة بعشر أمثالها، فتكون المئةُ بألفٍ، وهذا أقلّ ما يكون في المضاعفة، فالله -تبارك وتعالى- يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام:160]، وأمَّا في المضاعفة فوق ذلك فهذا فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، كما قال الله : وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة:261].
وقوله: أو يُحطّ عنه هذه "أو" يحتمل أن تكون بمعنى: الواو، يعني: يكون له ألف حسنةٍ، ويُحطّ عنه ألف خطيئةٍ، فيُجمع له بين هذا وهذا، وهذا قد جاء في روايةٍ من روايات هذا الحديث بالواو.
ويحتمل أنَّ ذلك للتَّنويع، يعني: أنَّه يحصل له هذا، أو هذا، بحسب ما يكون عليه حالُ العبد: إن لم تكن له سيئات؛ فإنه يُكتب له بذلك ألف حسنةٍ.
ويحتمل أن يكون ذلك من قِبَل الراوي: أنَّه وقع له شيءٌ من الشَّك، فقال: أو يُحطّ عنه ألف خطيئةٍ يعني: أو قال النبي ﷺ ذلك، يكون له هذا أو هذا، والله تعالى أعلم.
وهذا عملٌ يسيرٌ، لا يتطلب جهدًا، ولا كُلفةً، يستطيع أن يقوله الإنسانُ وهو ماشٍ، أو مُضطجعٌ، أو وهو على حالٍ غير ذلك.
والله تعالى أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله، وصحبه.
- أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التَّهليل والتَّسبيح والدعاء، برقم (2695).
- أخرجه ابنُ أبي شيبة في "مصنفه": كتاب الدعاء، باب ما قالوا في الرجل إذا بخل بماله، أو جبن عن العدو، وعن الليل أن يقومه، وما يدعو به، برقم (29729)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (3212).
- أخرجه الترمذي: أبواب الدعوات، برقم (3585)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (2598).
- انظر: "أبيات مختارة تشتمل على: عقيدة، نصائح، مواعظ، وصايا، حِكَم، أمثال، أدب" للبصيري (ص80).
- انظر: "الإخنائية" لابن تيمية(ص307).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الدّعوات، باب فضل التَّسبيح، برقم (6406)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التَّهليل والتَّسبيح والدُّعاء، برقم (2694).
- أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل سبحان الله وبحمده، برقم (2731).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب ما يُقال في الركوع والسجود، برقم (484).
- أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم (2698).