الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
16- ابن القيم. ومن كتاب الصلاة ومن الوابل الصيب. القواعد 916-921‏
تاريخ النشر: ١٤ / ربيع الأوّل / ١٤٣٤
التحميل: 3088
مرات الإستماع: 3239

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله-: "ومن كتاب الصلاة لابن القيم".

أسأل الله -تبارك وتعالى- لي ولكم الإعانة على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن يُصلح حالنا وحال المُسلمين.

في هذه المجالس كما هو المُعتاد نقرأ من كتب الحافظ ابن القيم من الفوائد المُنتخبة منها، ونُعرف بكل كتاب من أجل أن يتعرف عليه الإخوان، وما يتضمنه هذا الكتاب؛ لأن هذه الكُتب في غاية الأهمية، وسأحاول إن شاء الله تعالى في كل مجلس أن نُنهي قدرًا مُعينًا؛ من أجل أن ننتهي -إن شاء الله- نهاية الفصل من جميع هذا الكتاب.

هذا الكتاب كتاب الصلاة الذي ترون هو من أجَلّ كُتب الحافظ ابن القيم -رحمه الله- على صغر حجمه، وأنصح بقراءته، وكُتب الحافظ ابن القيم -رحمه الله- لا يكفي أن تُقرأ مرة واحدة، كلما نظرت في كتُب هذ الإمام أشعر دائمًا أنني بحاجة إلى قراءتها من جديد.

هذا الكتاب هو جواب على سؤال وُجِّه إلى هذا الإمام، ما يقول السادة العلماء الذين وفقهم الله وأرشدهم وهداهم وسددهم في.. ثم ذكر السائل عشرة أسئلة، فكان هذا الكتاب جوابًا على هذه السؤالات العشرة بطريقة علمية مُحررة، أبحر فيها المؤلف -رحمه الله- وحقق، وأورد الأدلة من الكتاب والسنة، وفصّل وناقش وذكر الأقوال وأجاب عنها.

السؤال الأول: في تارك الصلاة عامدًا هل يجب قتله أم لا؟

الثاني: إذا قُتل فهل يُقتل كما يُقتل المُرتد والكافر؛ فلا يُغسل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين، أما يُقتل حدًا مع الحكم بإسلامه؟

الثالث: هل تكون الأعمال حابطة بترك الصلاة؟

الرابع: هل تُقبل صلاة النهار بالليل، وصلاة الليل بالنهار أم لا إذا أخر؟

الخامس: هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا؟

السادس: إذا صحت هل يأثم بترك الجماعة أم لا؟

السابع: هل يُشترط حضور المسجد؟ أم يجوز فعلها في البيت، يعني: يُصلي جماعة في البيت؟

الثامن: ما حكم من نقر الصلاة ولم يُتم ركوعها وسجودها؟

التاسع: عن مقدار صلاة رسول الله ﷺ، وعن حقيقة التخفيف الذي نبه عليه ﷺ كما في خبره ﷺ مع مُعاذ بن جبل لما قال: أفتان أنت يا مُعاذ[1]، وقال: إذا صلى أحدكم بالناس فليُخفف[2]، ما ضابط التخفيف؟

العاشر والأخير: هو في سياق صلاته ﷺ كأنك تُشاهدها من التكبير إلى التسليم؟

فهذه أسئلة شاملة، ثم أجاب عنها هذا الإمام -رحمه الله- بهذه الإجابات المفصلة، وكلامه -رحمه الله- كما قلت: نحن جميعًا بحاجة إليه، طلاب العلم، وغير طلاب العلم، هناك مقاطع ومقتطفات في غاية الأهمية يمكن أن تُقرأ على الأهل على الأولاد على الإخوان على الأصدقاء، يمكن أن تُنشر في مقاطع في وسائل الإعلام الجديد، الناس في غاية الأهمية لها، هذا الإنسان الذي تفوته صلاة الجماعة، الذي تفوته الصلاة، الذي يؤخرها عن وقتها، الذي تفوته الأذكار، ما وقع ذلك في نفسه؟ فيتحدث عن قضايا كهذه.

"لما ذكر شيئًا من شُعب الإيمان قال: فكل شُعبة منه تُسمى إيمانًا حتى تنتهي إلى إماطة الأذى عن الطريق وهذه الشُعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشُعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كإماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شُعب متفاوتة تفاوتًا عظيمًا، منها ما يلحق بشُعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشُعبة إماطة الأذى عن الطريق ويكون إليها أقرب".

قول النبي ﷺ عن الإيمان بأنه: بضع وستون أو بضع وسبعون شُعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق[3]، فهذه الأعمال بأنواعها الثلاثة أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأعمال اللسان؛ كل ذلك من الإيمان، فأعلى هذه الشعب شهادة أن لا إله إلا الله، وهناك شُعب تُلحق بهذه الشُعبة مثل التصديق الانقيادي، والإقرار القلبي والإذعان الذي يكون في القلب ليواطئ اللسان هذا لا يصح الإيمان إلا به.

وهناك عبادات أيضًا لابد منها من عبادات القلوب التي جنسها أفضل وأشرف من عبادات الجوارح كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، وما إلى ذلك هذه أقرب إلى الشُعبة الأولى شهادة أن لا إله إلا الله، وليست أقرب إلى إماطة الأذى عن الطريق.

وهناك أعمال أيضًا بالجوارح مثل: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، الجهاد، كل هذا أقرب إلى الشُعبة الأولى يعني في رفعة مرتبته، بصرف النظر هل يتوقف عليه الإيمان أو لا، هذه مسألة أخرى لا نتحدث عنها لكن هناك ما يتوقف عليه الإيمان قطعًا مثل: شهادة أن لا إله إلا الله، مثل: التصديق الانقيادي، الكلام في مسألة الصلاة، وهناك أشياء لا يتوقف عليها صحة الإيمان قطعًا كالسنن الرواتب، صيام التطوع، إماطة الأذى عن الطريق، وما أشبه ذلك، فهذه أعمال تنتظم الإيمان والإسلام جميعًا من أعمال الظاهر والباطن كل ذلك يقال له إيمان، ولهذا قال الله : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، حينما حولت القبلة، فالصلاة إيمان، والصوم إيمان، والصدقة إيمان، والأذان إيمان، والإقامة إيمان، وصلاة الجماعة إيمان، والتكبير إيمان، التكبير في الأعياد، التلبية إيمان.

والحليمي -رحمه الله- جمع كثيرًا من هذه الشُعب في كتابه: "شُعب الإيمان"، وكلامه فيها مفيد، والكتاب هناك أشياء أيضًا تُتقى مما قاله مما يتصل بقضايا الاعتقاد، أو بعض المسائل التي أوردها، وبعض العبارات التي عُبر بها، وهو مطبوع في ثلاثة مُجلدات، ثم جاء البيهقي في "الجامع لشُعب الإيمان" وكأنه بنى هذا الكتاب الكبير على كتاب الحليمي، ولكنه أورد من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف ما اتسع به حجم الكتاب، ولكن هذه الزيادة التي في كتاب البيهقي هي مزية عظيمة لا يُستغنى عنها بحال من الأحوال، ولكن الكتاب أيضًا وقع فيه روايات ضعيفة، وقع فيه بعض العبارات التي لو سلم الكتاب منها لكان أفضل، ولا يوجد كتاب يسلم من كل شيء، ولكن العبرة بما غلب، فلو هُذب هذا الكتاب وقد حُقق وبُذل فيه جهود جيدة في الطبعة الهندية التي طُبعت فيما بعد طبعتها مكتبة الرُشد، وحُكم على الروايات التي فيه، ودُرست دراسة مُفيدة؛ فيُستفاد من هذا، لكن لو أنه هُذب وحُذفت الروايات الضعيفة والعبارات التي لرُبما كان تركها مطلوبًا لكان أنفع لعامة الناس، وإلا فالكتاب فيه من الكنوز والفوائد ما الله به عليم، وآثار السلف أشياء كثيرة جدًا، وكثير مما أوردنا في الأعمال القلبية مُستفادة من كتاب الجامع في شُعب الإيمان للبيهقي مع غيره من الكتب، لكن هذا الكتاب كان من الكنوز المليئة بالآثار، فمن أراد أن يُطالع هذه، وهناك مُختصر لهذه الشُعب في كُتيب من المفيد مُطالعته أيضًا.

"وكذلك الكفر ذو أصل وشُعب فكما أن شُعب الإيمان إيمان فشُعب الكفر كفر، والحياء شُعبة من الإيمان، وقلة الحياء شُعبة من شُعب الكُفر، والصلاة والزكاة والحج والصيام من شُعب الإيمان، وتركها من شُعب الكفر، والحكم بما أنزل الله من شُعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شُعب الكفر، والمعاصي كلها من شُعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شُعب الإيمان، وشُعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك شُعب الكفر نوعان: قولية وفعلية".

حينما يُقال مثلاً، بأن ترك الحياء من شُعب الكفر والمعاصي من شُعب الكفر، ليس المقصود أن من فعل ذلك أو تخلى عن الحياء أنه يكون كافرًا ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود أنهما شجرتان؛ كل شجرة لها فروع، الشجرة الأولى هي شجرة الإيمان، فهذه الشجرة يتفرع عنها كل قول طيب وكل عمل صالح، شجرة الإيمان، فيتفرع عنها الذكر، والصلاة، والحياء، والخوف، والمحبة، والرجاء، والتوكل، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، وإغاثة الملهوف، والكلام الطيب الحسن: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53]، وكل عمل صالح وقول طيب هو متفرع من شجرة الإيمان، كل محاب الله هي متفرعة من هذه الشجرة شجرة الإيمان على تفاوت في هذه الأعمال، ينتظم ذلك قول النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شُعبة[4].

الشجرة الثانية: وهي الشجرة التي لا يُحبها الله؛ شجرة الكفر، يتفرع عنها كل ما يسخطه الله -تبارك وتعالى- من عبادة غير الله الإشراك بجميع أنواعه، يتفرع عنها كل قول سيء، يتفرع عنها جميع أنواع الذنوب والمعاصي الكِبار والصِغار هي متفرعة من شجرة الكفر.

فكما أن شجرة الإيمان ليست الفروع التي تتفرع عنها ليست على وزان واحد على مرتبة واحدة؛ بل هي متفاوتة:

فمنها ما يكون انعدامه سببًا لانعدام الإيمان وزواله بالكلية، ومنها ما يُنقصه بحسب مرتبته، كذلك شجرة الكفر منها ما يكون سببًا لانخرام الإيمان من أصله كالشرك الأكبر، الكُفر الأكبر، الظلم الأكبر، الفسق الأكبر، النفاق الأكبر، وهناك أشياء دون ذلك، فكما تعلمون أن مساخط الله على مراتب:

منها ما يكون شركًا أو كفرًا مُخرجًا من الملة، ومنها ما يكون من قبيل الكبائر، ومنها ما يكون من قبيل الصغائر، ولكن ذلك جميعًا يتفرع من شجرة الكفر؛ ولكن ليس بمعنى أن من وقع بشيء من ذلك أنه كافر، لا، في القسمة الثنائية هذه إلى محاب الله ومساخطه، إيمان وما يُقابله من الكفر؛ انقسمت الأعمال هذه القسمة كما انقسم الناس أيضًا إلى مؤمنين وهم على مراتب، وإلى كفار وهم على أيضًا مراتب في كفرهم، الكفر ليس مرتبة واحدة بل هو أنواع، ونار جهنم على دركات والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، فليس الكفر على منزلة ومرتبة واحدة فكذلك الإيمان، هذا معنى كلام الحافظ ابن القيم -رحمه الله-.

"ومن شُعب الإيمان القولية شُعبة يوجب زوالها زوالَ الإيمان، فكذلك من شُعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوالَ الإيمان، وكذلك شُعب الكفر القولية والفعلية، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختيارًا وهي شُعبة من شُعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شُعبة من شُعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا أصل".

هذا الأصل هو في غاية الأهمية، هنا يُقرر -رحمه الله- أن الإيمان يزول بزوال بعض شُعبه القولية أو العملية، كما أن الكفر يحصل ويقع بحصول بعض شُعبه القولية أو العملية، مثل: لو أنه الشُعب القولية لو أنه سب الله أو سب الرسول ﷺ هذه من شُعب الكفر القولية التي يكفر بها، ما لم يكن مُكرهًا.

والشُعب العملية للكفر التي إذا فعلها يكفر مثل لو أنه أهان المصحف قذّره أو أهانه بأي نوع من الإهانة، وكذلك أيضًا لو أنه سجد لصنم، فمثل هذه الأشياء يكفر بها ولا يُحتاج إلى أن يُقال: إنه لا يكفر إلا مع مواطأة القلب هذا الكلام غير دقيق، لا يُشترط في هذا الكفر أن يكون مع مواطأة القلب، هناك أعمال يكفر إذا وقعت منه بصرف النظر عن قلبه، نحن نحكم على هذا الفعل الظاهر فهذا الإنسان الذي يسجد للصنم يكفر بهذا السجود، هذا الإنسان الذي يسب الله يكفر بهذا السب، هذا الإنسان الذي يطأ على المصحف يكفر بهذا الفعل، ولا يُقال: إنه لا يكفر إلا مع الجحود فقط؛ فهذا غير صحيح، حتى أنواع الكفر القلبية هي أنواع وليست فقط بنوع واحد وهو الجحود، بل من أنواع الكفر كما هو معلوم كفر الإعراض، فلا يُشترط إذن لا يُشترط وجود الجحود مع هذه الأعمال، هذا مُعتقد أهل السنة والجماعة أن الكفر يكون بالقلب، ويكون أيضًا بما يصدر عن اللسان، أو بما يصدر من الجوارح مما يكون به كافرًا.

وهذه الأشياء التي تصدر باللسان أو بالجوارح منها ما يُحتاج معه إلى بيان، ومنها ما لا يُحتاج معه إلى بيان، منها ما يُحتاج معه إلى إقامة حُجة، ومنها ما لا يُحتاج معه إلى إقامة حُجة، فهي أنواع.

"وهاهنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب: وهو الاعتقاد، وقول اللسان؛ وهو التكلم بكلمة الإسلام".

الآن القول قول القلب قال: وهو الاعتقاد، وقول اللسان: وهو التكلم بكلمة اللسان، قول القلب وقول اللسان، قول القلب يعني التصديق الانقيادي الذي هو بمعنى الإقرار والإذعان القلبي؛ هذا يُقال له قول القلب الذي يوافق قول اللسان، يعني: حينما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هذا الآن إقرار، وقول اللسان الذي يدخل به الإيمان، يدخل في الإيمان، يحتاج معه إلى أمر آخر وهو مواطأة القلب، ما هذه المواطأة هل المقصود بها الصبر والخوف والرجاء والتوكل مثلاً؟ لا، المقصود بها التصديق الانقيادي الذي بمعنى الإقرار، وليس مُجرد التصديق فإنه قد يكون مُصدقًا لكنه لا يكون مُقرًا ومُذعنًا بقلبه، أبو طالب كان يعلم أن النبي ﷺ نبي من عند الله -تبارك وتعالى-.

ولقد علمت أن دين محمد من خير أديان البرية دينا[5]

لكنه لم يحصل له الإذعان القلبي والانقياد والإقرار؛ فهذا لا ينفعه مُجرد العلم وحده والتصديق المُجرد الخالي عن الإقرار والإذعان، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، فهم يعلمون أنه حق؛ ولكنهم كابروا.

"والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح".

عمل القلب ما الفرق بينه وبين قول القلب؟ قول القلب الذي يدخل فيه الذي يكون به مؤمنًا يعني لا بد منه مع الشهادتين أو مع قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، لابد من التصديق الانقيادي هذا قول القلب، وعمل القلب ما زاد على ذلك مثل: سائر الأعمال القلبية الأخرى من محبة، وخوف، ورجاء، وتوكل، وإنابة، وصبر، ورضا، وشكر قلبي، كل هذا من أعمال القلب الزائدة على قول القلب، فكما أن اللسان يكون قوله بمعنى النطق بالشهادتين فهناك أعمال اللسان، ما هي؟

أعمال اللسان مثل: الذكر وقراءة القرآن وما أشبه ذلك، هذا قدر زائد على ما يدخل به الإيمان وهو النُطق بالشهادتين، فقول اللسان وعمل اللسان هذا الفرق بينهما، وعندنا قول القلب وعمل القلب، وكذلك عمل الجوارح، فالإيمان عند أهل السنة يدور على هذه الأركان الثلاث: اللسان، والقلب، والجوارح، فاللسان لا بد من النُطق بالشهادتين، والقلب لا بد من الإقرار والإذعان مع التصديق، -التصديق الانقيادي-، والجوارح لا بد من قدر من عمل الجوارح دلت عليه الأدلة؛ كقوله تعالى مثلاً: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وفي الآية الأخرى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فدل على أن بعض الأعمال التي شرعها الله -تبارك وتعالى- إذا تُركت لا يكون إيمانه مُنجيًا صحيحًا كترك الصلاة عند أصحاب رسول الله ﷺ؛ ما كانوا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة[6]، فإذا احتج مُحتج وقال في الحديث: أخرجوا أهل الصيام[7]، يعني من النار، وفي النهاية: يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان[8]، فخرج أهل الصلاة، وخرج أهل الصيام، معناها الذين خرجوا لا يصلون، فكيف نُجيب عن هذا من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان؟ نقول: لا بأس حبة من خردل من إيمان، مع الحديث الآخر الذي يحتج به هذا القائل وهو أنه يُخرجوا من النار أقوام ما عملوا خيرًا قط[9]، فخيرًا نكرة في سياق النفي ما عملوا خيرًا قط، أي: خير لا صلاة ولا صيام ولا أي شيء، وهذا التصديق الانقيادي القلبي الإذعان خير أو شر؟ لا بد أن يقال: هذا خير، والحديث يقول: ما عملوا خيرًا قط، فكيف أخرجته؟!، يقال: لا بد من إخراجه، وإلا كيف يكون مؤمنًا.

إذن يُستثنى من هذا التصديق الانقيادي؛ ما عملوا خيرًا قط إلا التصديق والإقرار هذا واحدة استُثنيت، طيب النُطق باللسان النُطق بالشهادتين خير أم لا؟ خير، طيب ما عملوا خيرًا قط يعني ما نطقوا بالشهادتين، قال: لا، لا بد أن يكون نطق بالشهادتين، إذن هذا مُستثنى، والأدلة وإجماع الصحابة على أن الذي لا يُصلي لا يكون مؤمنًا ما عملوا خيرًا قط، لا بد أن نقول: ما دام استثنينا نُطق اللسان وإقرار القلب نقول: لا يكون مؤمنًا إلا بهذا؛ لأن الأدلة دلت عليه، فكذلك لا يكون مؤمنًا الإيمان المقبول المُنجي إلا بوجود الصلاة، يعني: ما عملوا خيرًا قط زائدًا على القدر المُنجي، ما هو القدر المُنجي؟

هو مُنقسم هذه الأشياء، وهذا لا بد منه، ومن ثَم حينما يُقال: يُحتاج بقوله ﷺ: أخرجوا أهل الصيام، أخرجوا أهل الصلاة، إلى آخره، فيُقال: نعم، أهل الصيام وأهل الصلاة، يعني: الذين هذا شأنهم فيُنسبون إليها لمواظبتهم وحرصهم، ليس الذي يُصلي أحيانًا يُصلي ويفوت هذا لا يقال لهم: أهل الصيام ولا أهل الصلاة، فإنما استعمال مثل هذا كما يُقال: أهل الجنة وأهل النار، أهل النار الذين هم أهلها، يعني: أهل الخلود فيها، إلا ما وجد دليل أو قرينة على إرادة غيره، فكذلك هنا أهل الصيام، وأهل الصلاة مثل: أبواب الجنة، هذا باب لأهل الصلاة ولأهل الصيام هل هم الذين يصلون الفرائض ويصومون رمضان فقط؟

لا، الذين عُرفوا بذلك، الذين أكثروا منه حتى صار سِمة لهم، لكنه قد يدخل النار بأسباب أخرى، فيُخرج أهل الصيام وأهل الزكاة أهل الصدقة، لكن يكون دخل النار لأسباب أخرى، أما الذي لا يُصلي أبدًا عفيف الجبهة -نسأل الله العافية-، فمثل هذا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42]، أول قضية: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43]، أول قضية.

فحينما نستدل بهذه الأدلة أنه يُخرج من النار أقوامًا ما عملوا خيرًا قط يُقال: إذًا هؤلاء لا صلوا ولا صاموا، نقول: إذًا لا صدقوا ولا أقروا، ولا نطقوا باللسان بالشهادتين، فما يقوله باللسان والقلب نقوله في موضوع الصلاة أو ما دلت الأدلة على أنه لا بد منه في الإيمان بهذه الطريقة، والله أعلم.

"والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المُعترك مع المُرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مُجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول ﷺ بل ويُقرون به سرًا وجهرًا ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به، وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مُستنكرًا أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولاسيما إذا كان ملزومًا لعمل القلب لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره".

الشيخ: معناها أنه، هو يتحدث في كتاب الصلاة، فما هو أعظم عمل الجوارح؟ الصلاة، ابن القيم يُقرر أن هذه الأمور لابد منها لا بد وإلا فإن الإيمان إذا زالت بالكُلية، أو زال واحدًا منها بالكلية فإن الإيمان يزول بزواله، زال عمل الجوارح بالكُلية فإن الإيمان يزول بهذا الاعتبار، والجواب ذكرته لكم ما عملوا خيرًا، أو لم يعملوا خيرًا قط، لابد من قدر من عمل الجوارح.

"ولاسيما إذا كان ملزومًا لعمل القلب لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإن يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح؛ إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق كما تقدم بيانه، وإنما هو التصديق المُستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مُجرد معرفة الحق وتبيينه بل هو معرفته المُستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سُمي الأول هُدى فليس هُدى تامًا".

يعني الهُدى ليس مُجرد المعرفة قد هذا نوع من الهُدى أن يعرف الإنسان الحق لكن معرفة الحق بمُجردها لا تكفي، كثير من المُستشرقين بعد دراسات ونظر ومُقارنات عرفوا أن ما جاء به الرسول ﷺ حق، وأنه نبي من عند الله لكن لم يُقروا بذلك، ولم تُذعن قلوبهم وتنقاد، فهل يكونون بهذا من المؤمنين؟

الجواب: لا، قد يقول في بعض المجالس وقد يكتب هذا الكلام يقول نحن درسنا دراسة لا يمكن أن يكون أن هذا جاء من عند غير الله، ولكن لا يقوله على سبيل الإذعان والانقياد، فلا يكون مؤمنًا بذلك، لا بد من الإقرار هذا الذي يُعبر عنه شيخ الإسلام بالتصديق الخاص، يقول: لا بد من التصديق الانقيادي، شيخ الإسلام ذكر نحو سبعة فروق بين التصديق والإيمان، وأن الإيمان لا يُكافأ التصديق من كل وجه، وراجعوا هذه الفروق في كتابه "الإيمان الكبير"، ولكنه خُلاصة ما ذكر قال: "الإيمان تصديق خاص"[10]، فلا يُفسر، يقول: "حتى في اللغة لا يُفسر الإيمان بمجرد التصديق في اللغة"[11]، وذكر هذه الفروق السبعة، وإنما هو تصديق خاص يُمكن أن يُفسر بمعنى الإقرار والإذعان القلبي، التصديق الانقيادي، هكذا، والله أعلم.

"وهاهنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول ﷺ جاء به من عند الله جحودًا وعنادًا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يُضاد الإيمان من كل وجه.

وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يُضاد الإيمان وإلى ما لا يُضاده؛ فالسجود للصنم والاستهانة بالمُصحف وقتل النبي وسبه يُضاد الإيمان".

بالنسبة للكفر قال: كفر الجحود وكفر العمل، الكفر بالنسبة للنوع الأول الذي هو كفر جحود الواقع أنه لا ينحصر في هذا فهناك كفر شك، وهناك كفر جحود، وهناك كفر إعراض، يعني: الذي يأتي للنبي ﷺ ويقول: إن كنت نبيًا فأنت أعظم من أن أُكلمك، وإن كنت كذابًا فأنت دون أن أُكلمك ثم يمشي[12]، كثير الآن من الناس في بلاد الغرب وغيرها حينما يُسأل عن الإيمان وماذا تعتقد؟ يقول: هذا الموضوع أنا لا أُفكر فيه، هذا الموضوع لا يعنيني، ماذا تعرف عن دين الإسلام؟ ماذا قرأت ماذا سمعت؟ يقول: لا أعرف شيئًا، هذا ماذا يُسمى؟ هذا كفر إعراض، هناك كفر جحدوا: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وهناك كفر إعراض قد لا يكون جاحدًا لكن الموضوع بالنسبة إليه غير مهم، الموضوع لا يعنيه في نظره هو، وأحيانًا يكون كفر شك يقول: أنا لا أجحد، ولا أنُكر يحتمل أن يكون صادقًا، ويحتمل ألا يكون كذلك هذا كفر شك، فالكفر أنواع ولا ينحصر في الجحود.

هنا كفر العمل يقول: ينقسم إلى ما يُضاد الإيمان وما لا يُضاده، عرفنا أن كفر العمل مثل: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر[13]، فهناك أشياء لا تُضاد الإيمان بمعنى أنه يُعذب، وإن أُطلق عليها أنها كفر يُعذب صاحبها تحت الوعيد لكنه لا يخرج من الملة إذا قاتل مسلمًا، لكن هناك ما يُضاد الإيمان، يُضاد الإيمان مثل: إذا سجد لصنم، هذا ذبح لغير الله هذا يُضاد الإيمان، إذا أهان المُصحف أو نحو ذلك، هذا كله يُضاد الإيمان فيكفر بهذا العمل ولا يُحتاج معه إلى أن يُقال: الكفر لا بد فيه من الجحود، فإن كان جاحدًا كفر إن لم يكن جاحدًا يقال: هذا لا يحتاج معه إلى جحود.

"وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعًا، ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ﷺ، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد".

يعني ليس من قبيل كفر الجحود هو كفر عمل، لكن هل يُضاد الإيمان أو لا يُضاد الإيمان؟ هذا الذي يُحتاج معه إلى هذا النظر، النبي ﷺ يقول مثلاً: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر[14]، بين المؤمن والكفر ترك الصلاة[15]، فهذا كفر عملي، وليس بكفر اعتقادي.

"وقد نفى ﷺ الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر ومن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد وأشياء كثيرة من هذا النوع".

لكن هل يكون بذلك خارجًا من الملة أو لا؟ هذا أنواع، هذا الذي أُطلق عليه أنه كفر أو نُفي عنه الإيمان لا يؤمن، ولعله مضى في بعض المُناسبات أن مثل هذا النفي الأصل أن يتوجه إلى الذات فإن وجدت الحقيقة فإن وجدت، فإنه يتوجه إلى الصحة، فإن دلت الدلائل على صحة ذلك كالإيمان مثلاً، فإنه يتوجه إلى الكمال الواجب بمعنى أن صاحبها تحت الوعيد، فإن دلت أدلة على أنه الكمال المُستحب فذاك، ولكن هذا يحتاج إلى نظر، وتأمل وتتبع هل يوجد من هذا ما يُنفى عنه الإيمان مثلا، والمقصود به نفي الكمال المُستحب.

كذلك ما جاء بصيغة الحصر: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، فإنما تأتي تقريبًا في الدرجة الثانية من صيغ الحصر عند الأصوليين من ناحية القوة، يعني: هي في المرتبة الثانية بعد النفي والاستثناء لا إله إلا الله، فمفهوم المُخالفة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، أن من لم يكن كذلك فلا يستحق اسم الإيمان، هل معنى ذلك أنه يكون كافرًا؟

الجواب: لا، لا يستحق اسم الإيمان الكامل، وإنما يكون معنى ذلك أنه يكون تحت الوعيد أنه نقص من إيمانه الواجب ما استحق معه النفي، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:2-3]، ثم قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4]، فمن لم يكن كذلك فليس بمُحقق للإيمان الواجب، هذا حاصل ما يذكره شيخ الإسلام في بعض كتبه لاسيما كتاب "الإيمان الكبير".

"ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه عن الدائرة الإسلامية والملة بالكُلية، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان، وهذا التفصيل هو قول الصحابة، فهاهنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم.

وهاهنا أصل آخر وهو أنه لا يلزم من قيام شُعبة من شُعب الإيمان بالعبد أن يُسمى مؤمنًا؛ وإن كان ما قام به إيمانًا، ولا من قيام شُعبة الكفر أن يُسمى كافرًا؛ وإن كان ما قام به كُفرًا، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يُسمى عالمًا ونحو ذلك، إلى أن قال: فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان هذا سر المسألة، والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يُقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة".

الآن النبي ﷺ لما قال في أبي ذر -رضي الله تعالى عنه-: إنك امرؤا فيك جاهلية[16]، فقد يكون في الإنسان المؤمن شُعبة من شُعب الجاهلية، أو شُعبة من شُعب النفاق، أو شُعبة من شُعب الكفر، ولكنه لا يكون بذلك كافرًا، ولا يخرج بذلك من الإيمان، كما أنه قد يوجد بالكافر شُعبة من شُعب الإيمان، قد يوجد في الكافر مثلاً: الحياء، صلة الرحم، لكن هل يكون بذلك مؤمنًا؟ الجواب: لا.

"دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أن السيئات تُحبط الحسنات، كما أن الحسنات يُذهبن السيئات".

هذه مسألة سبق الكلام عليها.

"والحبوط نوعان: عام وخاص، فالعام حبوط الحسنات كلها بالردة، والسيئات كلها بالتوبة، والخاص حبوط السيئات والحسنات بعضها ببعض، وهذا حبوط مُقيد جُزئي".

شيخ الإسلام قرر كلاما مثل هذا، شيخ الإسلام يرى أن السيئات تُحبط الحسنات، فالمراتب عندنا على النحو الآتي: عندنا حبوط جميع الحسنات بالسيئة، فهذا لا يكون إلا بالكُفر المُخرج من الملة، الكفر والشرك: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، تبقى مسألة إذا رجع إلى الإسلام هل ترجع إليه أعماله أو لا؟ إذا كان حج قبل ردته ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام هل تُجزيه حجة الإسلام الأولى أو يحتاج إلى حج جديد؟

هذه مسألة أخرى مسألة فقهية، والأقرب أن الأعمال لا تكون حابطة إذا رجع إلى الإيمان؛ لأن الله قيد ذلك في الآية الأخرى: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217]، فهو مُقيد بالموت على الكفر كما يقول الشافعي -رحمه الله-[17].

إذن صار عندنا السيئة التي تُحبط جميع الأعمال هي الكفر: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81]، السيئة التي تُحيط بصاحبها هي الكفر بالله وليست المعاصي التي تكون دون الكفر، وهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير الآية[18]، وذكره غيره، عندنا حسنة تُبطل جميع السيئات، ما هي؟ الإيمان يجب ما قبله، الهجرة تجب ما قبلها، التوبة تجب ما قبلها، فهذه حسنة، والله قال عن التائبين: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]، قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وقال النبي ﷺ لعمرو بن العاص: أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، وأن الهجرة تجب ما قبلها[19]، الحديث.

فهذه حسنة تُبطل جميع السيئات السابقة، هناك سيئات تُبطل ما تعلق بها من العمل الصالح ما ارتبط بها عمل خاص مُعين ارتبطت به سيئة مُعينة، مثل: الأعمال التي وقع فيها شيء من الرياء أو السُمعة، فإن ذلك يُحبط هذا العمل المُعين على تفصيل ذكرته سابقًا، الرياء قد يكون في أول العمل في مُبتداه فهذا الراجح أنه يُبطله، وما يكون عارضًا إن استرسل معه فهو يُبطله، إن كان عارضًا فدفعه، يعني: جاء في أثناء العمل فدفعه فالأقرب أنه لا يُبطل العمل، وأيضًا المن والأذى: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى[البقرة:264]، فهذا يُبطل هذه الحسنة، كذلك أيضًا العُجب بالعمل قد يُبطله، عمل عملاً مُعينًا فأصابه شيء من الزهو والعُجب فصار كأنه مُدل على الله بهذا العمل، فقد يبطل هذا العمل بسبب هذا العُجب، هل يوجد سيئات تُبطل حسنات مستقلة غير مُرتبط بها؟ عرفنا الرياء مُرتبط بهذا العمل، المن والأذى مرتبط بهذا العمل، طيب سيئات مُستقلة تُبطل حسنات مُستقلة هل يوجد؟ هذا القدر هو الذي وقع فيه الخلاف بين أهل العلم، وكلام شيخ الإسلام السابق وكلام ابن القيم هنا أنه يحصل إبطال حسنات بالسيئات، لكن ما الذي يبطل هل هو جميع الحسنات؟

الجواب: لا، إنما يُبطل ما يُقابلها يعني بقدرها، تذكرون الفائدة السابقة صفحة 134 في الطبعة التي عندي الفائدة رقم 452، يقول شيخ الإسلام في كتاب الاختيارات يقول: "والكبيرة الواحدة لا تُحبط جميع الحسنات لكن قد تُحبط ما يُقابلها"[20]، وذكرنا حديث ثوبان مرفوعًا إلى النبي ﷺ في أولئك الأقوام من أمته ﷺ قال: يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثورا، فلما سأله ثوبان عن هؤلاء صفهم لنا، لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[21]، إخوانكم يعني من المؤمنين فالأخوة هنا الإيمانية: إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، فمعنى ذلك أن خوف الله من قلوبهم وأن مراقبته خفت فصاروا إذا خلوا اقتحموا حدود الله وفعلوا ما يحلوا لهم، فصار عندهم سيئات وكبائر وذنوب كثيرة أكلت ما يُقابلها من الحسنات العظمية التي كجبال تهامة البيضاء، لما تكاثرت عليهم هذه الذنوب.

هذا كلام شيخ الإسلام، وكذلك هنا يوافقه كلام الحافظ ابن القيم -رحمه الله-، وأيضًا تكلم على هذه المسألة الحافظ ابن القيم في كتاب: "الوابل الصيب" بكلام نحو هذا، يُراجع في أول الكتاب.

وهناك أيضًا كلام لابن القيم -رحمه الله- هنا في كتاب الصلاة في هذه المسألة فيه تفصيل يُراجع أيضًا في هذا الموضع نفسه من كتاب الصلاة، كلام مُفصل حاصله ما ذكرت أنها تُبطل وتُحبط ما قابلها من الحسنات، فإذا كانت هذه كبيرة بقدر كذا تُحبط حسنة بقدر كذا.

قال -رحمه الله-: "ومن الوابل الصيب".

كتاب "الوابل الصيب" أفضل طبعات الكتاب طبعة دار عالم الفوائد، وهو من أنفع لا أقول كتب ابن القيم؛ لأن كتب ابن القيم حينما تنظر في كتاب منها تقول هذا من أنفع كتبه لكنه من أنفع الكتب، ويحسُن قراءته فهو في غاية النفع، هذا الكتاب سماه المؤلف -رحمه الله- "بالكلِم الطيب والعمل الصالح"، هكذا ذُكر اسم الكتاب، وفي بعض كتب ابن القيم -رحمه الله- كما في "طريق الهجرتين" سماه: "الكلِم الطيب والعمل الصالح"[22]، يعني كما ذكر بعض تلامذة الحافظ ابن القيم، وهذا الاسم هو الموجود على عدد من النُسخ الخطية.

وفي "مدارج السالكين" سماه: "الوابل الصيب ورافع الكلِم الطيب"[23]، وهذا الكتاب عُرف بهذين الاسمين: "الكلِم الطيب والعمل الصالح"، أو "الوابل الصيب، ورافع الكلِم الطيب".

هذا الكتاب تكلم فيه المؤلف -رحمه الله- عن الذكر، وهو عبارة عن رسالة بعث بها إلى بعض أصحابه، وتدور هذه الرسالة على بيان فضل الذكر وفائدته، وعظيم أثره، ومنزلته، ومكانته، ومقامه، ودرجته، وما لأهله من الثواب في الدنيا والآخرة، وكأنها شرح لحديث الحارث الأشعري الذي أورده في أول هذا الكتاب: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات[24]، الحديث.

ابتدأ هذا الكتاب بمُقدمة لطيفة ذكر فيها الطِباق التي لا يزال العبد يتقلب فيها دهره كله، وأشار إلى حظ الشيطان منه، وإلى مداخله، ثم تكلم عن استقامة القلب، وأن هذه الاستقامة للقلب تكون بأمرين، وشرح هذين الأمرين، وأطال في الثاني؛ وهو تعظيم الأمر والنهي، وذكر منزلة تعظيم الأمر والنهي، وتحدث بحديث في غاية الأهمية عن علامات تعظيم الأوامر والنواهي، كيف يعرف الإنسان من نفسه ومن غيره أنه مُعظم لأمر الله ونهيه؟!

أصحاب القلوب الفارغة القلوب البطالة الذين لا يُبالون إذا وقعوا في المعصية، أو فاتتهم مواسم الخيرات، أو فعلوا ألوان المُنكرات أن هذا علامة على أن هؤلاء أصحاب قلوب مريضة لا تُعظم أمر الله ولا نهيه.

ثم شرع بشرح الحديث، وشرح الأوامر الأربعة الواردة فيه، وذكر أمثالاً لذلك في التوحيد، والصلاة، والصيام، والصدقة، وفي ثنايا ذلك يذكر من الفوائد والمسائل واللطائف الشيء الكثير.

ثم بعد ذلك تخلص إلى الحديث عن الذكر وهو المقصود الأساس؛ فبين جُملة من الأمور المُتعلقة به كفضله، وشرفه، وفوائد الذكر، فذكر للذكر سبعين فائدة، وهي في غاية الأهمية.

ثم ذكر ثلاثة فصول تتعلق بالذكر، والرابع منها في الأذكار التي لا ينبغي للعبد أن يُخل بها، وجعل فيه تحت هذا الرابع خمسة وسبعين فصلاً، تتضمن الأذكار التي يحتاج إليها العبد في سائر أحواله، هنا هذا القدر الذي هو المقصود الأساس من الكتاب يُمثل تقريبًا ثُلث الكتاب، يعني: الثُلث الأخير من الكتاب، أما القسم الأول: فهو في تلك القضايا البديعة التي هي كالمُقدمات لهذا المقصود.

وهذا الكتاب ليس بشرح لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتاب "الكلِم الطيب"، وليس باختصار له، بل الحافظ ابن القيم -رحمه الله- استفاد من كتاب "الكلِم الطيب" لشيخ الإسلام وأورد كثيرًا مما تضمنه الكتاب من الأذكار والأوراد في هذا الفصل الرابع، ولكن الكتاب ليس باختصار، ولا تهذيب، ولا شرح لكتاب شيخ الإسلام، بل هو كتاب مُستقل يختلف تمامًا عن كتاب شيخ الإسلام، وإن كان الموضوع في الذكر، الموضوع في الأصل واحد.

وتجد في هذا الكتاب من المسائل والفوائد ما ليس في كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، يعني: من قرأ هذا الكتاب لا يُقال: إن مضامين كتاب شيخ الإسلام موجودة فيه هذا غير صحيح.

"تفاضل الأعمال عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، فهذا العمل الكامل يُكفر تكفيرًا كاملاً، والناقص بحسبه".

هذا في غاية الأهمية في مسألة تفاضل الأعمال وآثار ذلك وما ينتج عنه، عندنا الآن مثلاً: الصلاة إلى الصلاة كفارات لما بينهن، الجُمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان[25]، من قال كذا كان كمن فعل كذا وكذا وكذا، أو كان له كذا وكذا، يعني: من العتق، أو تكفير السيئات، أو رفع الدرجات، فهذه الأمور تأتي في جزاء الأعمال الجزاء الخاص المُرتب عليها، هل هذا مضمون لمن فعل هذه الأشياء فعلاً مُجردًا، بمُجرد فعلها يُضمن له هذا؟

الجواب: لا، يعني: هذا الإنسان الذي يقول مثلاً: من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال[26]، الذي يذكر حديث النبي ﷺ: فكأنما صام الدهر، يقول: إذا كان كأنما صام الدهر لماذا أصوم الاثنين والخميس، ولماذا أصوم في شعبان، ولماذا أصوم في محرم، ولماذا أصوم عشر من ذي الحجة، ولماذا أصوم عاشوراء، ولماذا أصوم عرفة؟!، الذي يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صيام الدهر، يقول: فلماذا إذن أصوم الاثنين والخميس، والذي يصوم عرفة يُكفر سنة ماضية وسنة آتية، يقول: إذن لماذا أصوم عاشوراء، فتجتمع ثلاث سنوات في سنتين، يكفي أن أصوم عرفة، فابن القيم -رحمه الله- هنا يقول: تفاضل الأعمال عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها فهذا العمل الكامل يُكفر تكفيرًا كاملاً، والناقص بحسبه، فصلاته هذه التي صلاها هل كفرت الذنوب التي ما بين الصلاتين؟

الوضوء يغسل الخطايا، وتتحات الذنوب وتتساقط مع قطر الماء، أو آخر قطر الماء؟ لكن من الذي يستطيع أن يضمن ذلك لنفسه؟!، فهذا كله بحسب قيام العبد بهذه الأعمال، وما يقوم بقلبه عند القيام بها من الإخلاص والتعظيم والحضور، -حضور القلب- عند القيام بها، واستشعار المنة أعني منة الله -تبارك وتعالى- عليه بأن وفقه لذلك؛ بخلاف الذي يُصلي ويرى أنه مُتفضل على ربه -تبارك وتعالى-.

الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة[27]، إنسان حج ويرى أنه قد جاء بعمل عظيم وترك أشغاله وأنفق أمواله فهو بهذا العمل يظن كأنه مُتفضل على الله -تبارك وتعالى-، هذا يُكفر رجل من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويمتن على الله!، وقل مثل ذلك ينقص الحج بأمور هذا الإنسان الذي يحج ويتخير حملة معروفة ومشهورة، وذات أسعار عالية حتى لو لم يجد فيها هذه الخدمات المهم أنه يتحدث في المجالس أنه حج مع الحملة الفلانية، هل هذا يكون كذاك المُخبت الذي حج وليس له نظر إلى نفسه البتة ولا نظر إلى الناس؟! هذا كله يتفاضل به العمل فقد يبطل ثوابه وأجره وقد ينقص.

ومن ثَم صيام عرفة وعاشوراء من الذي يضمن ويقول: أنه كُفر له السنة الماضية، والسنة الآتية ومن ثَم فهو ليس بحاجة إلى أن يجمع معه مع عرفة عاشوراء ويقول: يكفي عرفة وحده، فيتعامل مع ربه بهذه الطريقة، فهذا غير صحيح، فيُراجع كلام ابن القيم فإنه يدور على هذا الأمر الذي ذكرت آنفًا، ولا أريد أن أُطيل بإيراد كلامه لكن هذا حاصله، ومن ثَم لا يقول الإنسان: أنا ما الحاجة أني أذهب وأتعنى وأتكلف وأعمال أعمالاً متنوعة فيكفي أن أعمل بعضها فيُغني عن الباقي، وما يُدريك!.

"المقبول من العمل قسمان:

أحدهما: أن يُصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله ، ذاكرًا لله على الدوام فعمله في أعلى المراتب.

الثاني: أن يعمل العبد الأعمال على العادة والغفلة وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله فأركانه مشغولة بالطاعة وقلبه لاهٍ عن ذكر الله، وكذلك سائر أعماله، فهذا عمله مقبول ومُثاب عليه بحسبه".

مُثاب عليه بحسبه، كما جاء عن النبي ﷺ أنه يُصلي قد لا يكون له من صلاته هذه إلا نصفها، إلا رُبعها، إلا عُشرها، قد يخرج من الصلاة وليس له منها شيء، فالثواب والأثر إنما يتفاوت بحسب ما يقوم بقلب العبد بالإضافة إلى صفة أداء هذه العبادة، ولذلك دائمًا مثلاً في الصلاة الله -تبارك وتعالى- يأمر حينما يأمر بإقامتها: وَأَقِيمُوا [البقرة:43] ولم يقل: وأدوا، فإقامتها تعني أنه يأتي بها مستوفية لشروطها وأركانها وواجباتها، فإذا جاء بالمُستحبات مع حضور القلب فهذه الصلاة الكاملة لا يُحدث بها نفسه.

ثم لا يأتي بعد ذلك بعدها بما يُنقص أجره أو يُبطله يُسمع بعمله هذا أو نحو ذلك، وقل مثل هذا في التنقل في المناسك، أو في القيام بأعمال ووظائف العبودية، الذي يذهب للجهاد يُجاهد في سبيل الله، أو الذي يعتكف في المسجد أو نحو هذا، يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا، فمن الناس من يفعل هذا وقلبه غافل، يُصلي ولو سُئل ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى وماذا قرأ في الركعة الثانية يقول: لا أدري، وهو ينظر إلى من بجانبه إذا ركعوا ركع، وإذا سجدوا سجد، ولو جلسوا جلس، ولو قاموا قام، ولو كانوا ساهين، ولو بقي وحده لما عرف كيف يُتم صلاته، يعني المسبوق، وينظر إلى نغمة الإمام فإذا مد صوته كما يفعل بعض الأئمة بعد التشهد الأول عند الجلوس للتشهد الأول جلس، ولو أنه صلى خلف إمام لا يُغير نبرة صوته لقام، وقد يستمر في قيامه ولو صلى بها عشرا حتى يُغير هذه النبرة أو يرى من بجانبه قد جلسوا، هذه صلاة أهل الغفلة، لا يُحضر قلبه، ولا يعرف ماذا قرأ، وأحيانًا يقرأ السورة مرتين إذا كان يُصلي لوحده من غير قصد، يقرأ السورة الأولى والثانية من غير قصد وهو لا يشعر ماذا قرأ، فمثل هذا قراءة القرآن الذي يقرأ مثلاً: سورة الكهف قد يجد نفسه في أواخر السورة في قصة ذي القرنين، ولا يذكر أنه قرأ قصة أصحاب الكهف، هو قرأها لكن حركة لسان مُجردة أما قلبه فكان مشغولاً، فمثل هذا ماذا يؤثر؟

يكون له نور إلى الجُمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام هذا من قرأها بحضور قلب، قل مثل ذلك أيضًا في الأذكار التي نقولها أذكار الصباح والمساء، ونزول المنزل، الأذكار التي بعد الصلاة، الأذكار التي عند النوم، الرُقى التي نرقي بها أنفسنا ومن معنا، هذه إنما تؤثر بحسب ما يتحقق فيها من جهة ما يقوم بالقلب، وفي الصفة التي تؤدى فيها، فيكون الأثر متفاوتًا غاية التفاوت، ومن ثَم فإن الإنسان لا يضمن يقول: أنا فعلت هذا الشيء إذن تكفير سنة ماضية ضمناه، هذه الصلاة كفرت ما قبلها، الجمعة إلى الجمعة كفرت ما قبلها، أبدًا وإنما يُكثر من الأعمال الصالحة، ويستغفر من التقصير، ويُجاهد نفسه، ويدفع الغفلة وأسباب الغفلة من أنواع الفضول ولعله يُدرك.

فهؤلاء أصحاب القلوب الحية الذي نبه عليه بقوله: وقلبه مُتعلق بالله على الدوام، أصحاب القلوب الحية اليقظة هم الذين يُحضرون هذا القلب، ويُجاهدونه، ويستغفرونه، ويُراجعون أنفسهم، ويُحاسبونها، فهم في تيقظ دائم، أما الغافل فيأتي بما يُسقط عنه المُطالبة بالقضاء أو الإعادة، يعني: لا يُطالب بأن يقضي بهذه الصلاة التي صلاها وهو ساهٍ وقلبه غافل، حج وهو في لغو كثير، هذه الحجة تُسقط الفرض، لكن بعض الناس قد ينتبه بعد سنين ثم يقول: أُريد أن لا تكون تلك الحجة ليس هي حجة الإسلام أريد أن أُحج حجة الإسلام مرة أخرى حجة أرتضيها، كثير يسألون هذا السؤال؟

يُقال: لا، هي الأولى التي وقعت حجة الإسلام، وما بعدها فهو نافلة، يقول: كنا في غفلة، وكنا نسهر إلى الفجر بضحك وحديث لا قيمة له خاصة النساء يسألن عن هذا كثيرًا، يحصل لهن من الانبساط، فحديث طول الليل ونوم في النهار وغفلة عارمة، فهل هذا الحج يُمكن أن يكون حجًا مبرورًا ليس له جزاء إلا الجنة ويُكفر ما مضى؟

لا يستطيع أحد أن يطمئن إلى عمل كهذا أنه يحصل له هذا الأثر لكن يُسقط الفرض، يقال: حج حجة الإسلام.

"وفي ذكر الله أكثر من مائة فائدة: يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويُزيل الهم، ويجلب السرور، ويقوي القلب والبدن، وينور القلب والوجه، ويجلب الرزق، ويُكسب المهابة والحلاوة، ويورث محبة الله التي هي روح الإسلام، ويورث المعرفة والإنابة، والقُرب وحياة القلب، وذكر الله للعبد.

وهو قوت القلب وروحه، ويجلو صدأه، ويحط الخطايا ويرفع الدرجات، ويُحدث الأُنس، ويُزيل الوحشة، ويُذكر بصاحبه، ويُنجي من عذاب الله، ويوجب تنزل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.

ويُشغل عن الكلام الضار، ويُسعد الذاكر، ويسعدُ به جليسه، ويؤمن الحسرة يوم القيامة، وهو مع البكاء سبب إظلال الله للذاكر، وبه تحصل العطايا والثواب المتنوع من الله، وهو أيسر العبادات وأفضلها، وهو غِراس الجنة، ويأمن العبد من نسيان ربه وانفراط أمور العبد ويسير بصاحبه في كل حال من أحواله، وهو نور للعبد في دنياه وقبره ويوم حشره وبه تخرج أعمال العبد وأقواله وله نور، وهو رأس الولاية وطريقها، ويُزيل خلة القلب، ويُفرق غمومه وهمومه، ويُنبه القلب من نومه، ويُثمر المعارف والأحوال الجلية، والذاكر قريب من مذكوره، والله معه".

يعني الآن إذا كان النبي ﷺ يقول: إنه ليُغان على قلبي، وإني لاستغفر الله في اليوم سبعين مرة[28]، "وكانوا يعدون له ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة يستغفر"[29]، -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك يقول: وإنه ليُغان على قلبي، فأصحاب القلوب الغافلة إذًا ماذا يقولون؟! فهذه الوحشة التي نجدها في قلوبنا، هذا الحُزن الذي لا يعرف الإنسان أحيانًا تفسيره، هذا الضيق الذي يُعاني منه الكثيرون، السبب إن لم يكن مُدركًا معلومًا، يعني: فيه مُشكلة معينة بسببها حزن مات له قريب، أو نحو ذلك، هذه أسباب مُدركة، لكن السؤال الذي نسأل دائمًا الناس الذين يشتكون من هذا؟ نقول: هنا سبب معلوم أو لا يوجد سبب؟ يقول: لا يوجد سبب مثلاً، نقول: هذا واضح، القلب لا يمكن أن يستغني عن الذكر، لا يمكن فإذا جف اللسان من الذكر أو كان الذكر باللسان فقط دون مواطأة القلب فالقلب يجف يصير مثل الشجرة الخاوية اليابسة، ومن ثَم تحصل الوحشة وتنطفأ أنواره، يُظلم يجد الإنسان فيه من الحُزن والألم ما يتنغص به عيشه، فهذا هو السبب الأساس، تبقى الذنوب والمعاصي مؤثرة في هذا، سائر ألوان الطاعات.

وهناك أشياء لاشك أنها من أعظم أسباب الانشراح مثل النفع المُتعدي، الإحسان إلى الناس بجميع أنواع الإحسان، فهذا من أعظم أسباب الانشراح، لكن الذكر لاسيما إذا كان بصوت تسمعه أُذنه فمثل هذا الذكر يؤثر تأثيرًا بليغًا إذا كثُر فاجعل ذلك دائمًا الإنسان هو في سيارته إنسان وهو يتحرك ويمشي ويجلس وينتظر في أوقات طويلة تمضي عليه أن يُكثر من ذكر الله ، فإذا اعتاد فإن ذلك يكون سجية له لا يستغني عنه بحال من الأحوال، وإذا تركه وقتًا يسيرًا بدأت الوحشة تصل إلى قلبه تطرق بابه فينتبه فيذكر الله فيستيقظ القلب، وتنسد طرق الشيطان إليه، أمور عظيمة جدًا كل ذلك يحصل بهذا الذكر.

وهذه الفوائد التي ذكرها ابن القيم، وقبلها ذكر فوائد نفائس ولطائف جيد أنها تُقرأ بين الإخوان إذا جالسوا إذا اجتمعوا، وكذلك تُقرأ على الأهل، تُقرأ على جماعة المسجد، تُجزأ عليهم شيئًا فشيئًا، كل يوم نُعطيهم فائدة أو نُعطيهم فائدتين أو ثلاث ونُعلق عليها، فهذا من أنفع الأشياء، هذا مثل: التُفاح الشامي الذي يُثمر من عامه كما يقول الشافعي -رحمه الله- عن الفقه[30]، الكلام في مثل هذه القضايا، وبهذا يستريح الناس من كثير من المعاناة التي يُعانونها.

"وأكرم الخلق على الله من لا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله، ويُزيل قسوة القلب، وما استُجلبت نِعم الله واستدفعت نقمه بمثل ذكره، ويوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر، ومجالس الذكر مجالس الملائكة ورياض الجنة، وجميع الأعمال إنما شُرعت لإقامة ذكر الله، وأفضل كل عامل أكثرهم لله ذكرًا، وإدامة الذكر تنوب مناب كثير من الطاعات البدنية والمالية والمُركبة منهما".

المُركب مثل: الحج من عبادة مالية وبدنية.

"وهو يُعين على طاعة الله، ويُسهل كل صعب، ويسير الأمور، ويُعطي الذاكر قوة في قلبه وبدنه، والذاكرون أسبق العمال، وهو سد بين العبد وبين نار جنهم، وتستغفر الملائكة للذاكر، وتتباهى الجبال وبقاع الأرض بمن يذكر الله عليها، وتشهد له، والذكر أمان من النفاق، ويدخل في ذكر الله ذكر أسمائه وصفات والثناء عليه بهما، وتنزيه عن ما لا يليق به، والخبر عن أحكام ذلك، وذكر أمره ونهيه، ويكون الذكر بالقلب واللسان وهو الأكمل، ثم القلب وحده، ثم اللسان وحده".

يعني مجالس الذكر هذه هذا مجلس ذكر الآن، هي مجالس الذكر، مجالس شرح حديث رسول الله ﷺ، مجالس التفسير، هي مجالس الذكر، مجالس السيرة هي من مجالس الذكر، كل هذا، يعني: قد لا تكون الفائدة مُباشرة للقلب بحيث إنها تتحدث عن أمر يعتل منه القلب، أو يُعاني منه، أو يحتاج إليه حاجة مُباشرة أبدًا، هي هذه المجالس يحصل بها حياة، يحصل بها عمارة القلوب، ولذلك أذكر مرة في درس التفسير الذي كان بعد الفجر كل يوم فتوقفنا مدة من الوقت انقطعنا فجاءتني رسائل كثير من الذين كانوا يحضرون يقولون: وجدنا أثرًا سيئًا سلبيًا بسبب توقف هذا الدرس؛ لأنه كان سبب لحياة القلوب، مع أنه درس علمي ليس فيه وعظ، وليس فيه معاني إيمانية، ولا قضايا تربوية، هو درس لطلبة العلم، كيف يوجه الأقوال، وكيف يعني يكون ملكة في التفسير ونحو ذلك، يعني: لا يصلح للعامة، ومع ذلك كانوا يجدون هذا الأثر، فتأملت مثل هذه الأشياء التي تواردت فلم أجد جوابًا لهذا إلا أن أصل مجالس الذكر هي أصلاً حياة للقلوب، فكيف إذا كان مرتبطة بالقرآن، ولذلك أقول: أنا أعرف بعض ممن ابتلوا بعض ممن أرسلوا كانوا يقول: أعاني من سحر منذ خمسة عشر سنة.

وبعضهم يقول: كُنا نُعاني من ذنوب ومعاصي وأشياء ورجعنا لبعضها بسبب التوقف، كلهم يقولون: ما كان الدرس يُعالج قضايا مُباشرة، لكن يقولون: حضور المجلس كان يُحيي القلوب فتبقى مرتبطة بالله فيُعطينا قوتًا سائر اليوم، وهذا لا يُستغرب فكلام الله أبلغ موعظة، فحضور مجالس الذكر، أحضر مجالس الذكر يحيا بها القلب، التي يُذكر فيها الله، ويُثنى فيها عليه لا على المخلوقين، ويُمدح فيها ، فهذه حياة القلوب، بالإضافة إلى كثرة ذكر الله -تبارك وتعالى-، وقراءة كلامه فهذا هو الدواء الشافي وليس بأوهام يتعلق بها الإنسان تخيل كذا وتخيل كذا، هذا الذكر، وهذا القرآن هو المعين الذي لا ينضب، وهو البلسم الشافي الذي يُزيل جميع الأدواء، وأعرف من الأمثلة على هذا الشيء الكثير الذي لو ذكرت هذه الأمثلة والنماذج التي أعرفها ووقفت عليها لصابحنا الصبح.

فبعض هؤلاء يقول: نحن الآن نعيش في جنة لما غيروا حياتهم بالذكر وقراءة القرآن بعد الغفلة، ونحن نُعاني كثيرًا وأنا طبعًا أول من يُعاني من هذا التقصير، نحن نعتبر أنفسنا من الصالحين ومن المُتدينين ومن المُستقيمين ولرُبما نُعبر بهذا أو يُعبر به عنا، ولكن إذا نظرنا إلى ذكرنا لله نجد أنه في غاية الضعف، من منا إذا جلس في المجلس الواحد نحو سبعين مرة، لو أن أحدنا يفعل هذا كان لربما أول من ينتقصه ويتهمه في عقله هم جُلساؤه من الصالحين، يقول: فلان أصبح فيه شيء من اللبس أو الوسوسة، أو المس؛ طول الوقت وهو جالس يُحرك شفتيه ويذكر الله ، لو أن أحد منا في المجلس الواحد يستغفر سبعين مرة هذا النبي ﷺ يفعله قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فماذا نقول نحن؟! حتى نُدرك المسافة بيننا وبين حياة أولئك الذين يذكرون الله كثيرًا، ولهذا تجد جميع المواضع التي يُذكر فيها الذكر في القرآن يؤمر به مُقيدة بالكثرة: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ[الأحزاب:35]، فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، في جميع الحالات، وفي المُقابل أهل النفاق: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142]، هذه صفة المنافق قلة الذكر، والإنسان إذا كان يُحب أحدًا من أهل الدنيا أكثر من ذكره، واستحلى بذلك فهو يدعي أنه يُحب ربه -تبارك وتعالى- فما باله لا يذكر ربه، وينفر من مجالس الذكر، ولا يتحملها.

"وأفضل أنواع الذكر القرآن، ثم الذكر والثناء على الله، ثم أنواع الأدعية".

الثناء هو من جُملة الدعاء، وأشرت في بعض المناسبات إلى قول النبي ﷺ: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير[31]، ما قال هنا ما ذكر مثالاً للسؤال، وإنما ذكر هذا الذكر الذي هو أجل الذكر التوحيد، خير ما قلت أنا والنبيون قبلي، فدل على أن الدعاء ينقسم إلى: السؤال والذكر والثناء على الله، فالذي يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذا يدعوا هذا دعاء، كما أن الدعاء يكون أيضًا بالفعل، فالصلاة دعاء، بالفعل، والصيام دعاء، وذلك داخل في قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186]، فيدخل فيه هذه الأنواع الثلاثة، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، اذكروني اسالوني اعبدوني، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فهذا يدخل فيه الأنواع الثلاثة على الأرجح.

قال -رحمه الله-: "ومن زاد المعاد في هدي خير العباد".

كتاب "زاد المعاد" هذا هو أيضًا من أنفع كُتب هذا الإمام -رحمه الله-، مطبوع في نحو خمسة مُجلدات، وهذا الكتاب قدم له بمُقدمة نفسية عظيمة، ذكر فيها اختيار الله -تبارك وتعالى-: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، فذكر أن هذا الاختيار يقع في الملائكة: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ [الحج:75]، وذكر أيضًا أن هذا الاختيار يقع في البِقاع فاختار مكة، اختار المدينة، اختار بيت المقدس، وكذلك هذا الاختيار يقع في الأوقات فاختار يوم عرفة لوقوف الحاج بعرفة، واختار يوم النحر، اختار أشهر الحج، اختار الأشهر الحُرم، وكذلك اختار يوم الجمعة على أيام الأسبوع، كل هذا داخل في قوله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، يختار مما خلق من هذا الخلق بناء على حكمة يعلمها -تبارك وتعالى-.

وهذا الاختيار يقع في الناس، فاختار أهل الإيمان من بين سائر الناس، اختار هذه الأمة على سائر الأمم، إن الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كِنانة[32]، فهو ﷺ خيار من خيار من خيار من خيار، هكذا اصطفى الأنبياء على أهل الإيمان، اصطفى الرُسل على الأنبياء، اصطفى أولي العزم على الرسل، واصطفى محمدًا ﷺ على سائر الأنبياء والمرسلين.

ثم بدأ عن هذا النبي الذي كانت له هذه الكمالات جميعًا فهو أكمل البشر، أكمل الأنبياء والرُسل، قال: "من كان بهذه المثابة فحري أن تُعرف أحواله، وصفته، وأخلاقه، وأعماله، وعباداته"، ثم بعد ذلك بدأ يتحدث عن هدي النبي ﷺ، ولهذا هذا الكتاب يُقال له يُسميه العلماء عادة بــ"الهدي النبوي"، فذكر صفة النبي ﷺ في خلِقته، ذكر نسبه، ذكر ولادته، ذكر سيرته كاملة، وذكر مغازيه، وذكر كل ما جاء عنه ﷺ من صفة صلاته، وتكلم على الزكاة، والصيام، والحج، وتكلم على شرائع الإسلام بهذا الكتاب.

وتحدث عن أمور أخرى حتى في قضايا الطب، والمطعومات، والأشياء التي وردت عنه ﷺ أنه ذكر من المطعوم بنوعيه: المشروب والمأكول، وفوائد ذلك، وما أشبه هذا، كل هذه القضايا في هذا، فمن أراد هدي النبي ﷺ فيجده في هذا الكتاب، فهو حري أن يُقرأ وأن يُعتنى به غاية العناية، وهو من أشهر كُتبه.

والعجيب أنه -رحمه الله- كتبه في رحلته إلى الحج، يقول: "ومع قلة المُعين، وانعدام المصادر والكُتب والمراجع"، ألفه في الحج، كيف لو كان في مكتبة، وتجد في هذا الكتاب من النقولات عن العلماء فضلاً عن الأحاديث والآثار الكثيرة، وكلام الأطباء القُدماء لما يتحدث عن قضايا الطب النبوي مثلاً، كأنه قد جلس في مكتبة حافلة يعرف كيف يستخرج المصادر منها، وصاغه بأحسن صياغة يقول: "مع تشتت الفكر وكثرة الانشغال والصوارف وقلة المدارك"، لو اشتغل بتحقيق كل مُجلد طالب في الدكتوراة لاحتاج كل واحد إلى أربع سنوات ويطلب تمديد، والإمام ابن القيم -رحمه الله- ألفه وهو في طريقه إلى الحج، في سفره إلى الحج، وأكثر كتب ابن القيم -رحمه الله- ألفها بعد وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

فهذا الكتاب خرج لنا مع تشتت الفكر، والبُعد عن المصادر والمراجع، هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، إن لم نستطع أن نكون مثل هؤلاء فلا أقل من أن نكون من المُحبين لهم، لا نُزري عليهم، وأن نكون على طريقهم وهديهم، ونُعظمهم ونُجلهم، وننتفع بعلومهم، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أحمد في المسند، برقم (14190)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  2. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم، إذا رأى ما يكره، برقم (90).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم (35).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم (35).
  5. العجالة السنية على ألفية السيرة النبوية (ص: 196).
  6. الصلاة وأحكام تاركها (ص: 41).
  7. لم أقف عليه.
  8. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، برقم (22)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، برقم (184).
  9. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (5506)، وقال: "لم يرو هذا الحديث عن صالح مولى التوأمة إلا ابن أبي زناد".
  10. الإيمان لابن تيمية (ص: 101).
  11. الإيمان لابن تيمية (ص: 101).
  12. لم أقف عليه.
  13. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، برقم (6044)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، برقم (64).
  14. أخرجه الترمذي، أبواب الإيمان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4143).
  15. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82).
  16. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، برقم (30)، وبرقم (6050) كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، ومسلم، كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، برقم (1661).
  17. تفسير القرطبي (15/277).
  18. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/315).
  19. أخرجه أحمد في المسند، برقم (17827)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
  20. انظر: مجموع الفتاوى (10/322)، والفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/277).
  21. أخرجه ابن ماجه، أبواب الزهد، باب ذكر الذنوب، برقم (4245)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7174).
  22. طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 42).
  23. مدارج السالكين (2/402).
  24. أخرجه الترمذي، أبواب الأمثال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، برقم (2863)، وأحمد في المسند، برقم (17800)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل موسى بن خلف- وهو العمي- فهو صدوق حسن الحديث، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1724).
  25. أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233).
  26. أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان، برقم (1164).
  27. أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب العمرة وفضلها، برقم (1773)، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، برقم (1349).
  28. أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم (2702).
  29. أخرجه أحمد في المسند، برقم (4726)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  30. انظر: الفروع وتصحيح الفروع (2/356).
  31. أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، برقم (3585)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (2598).
  32. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2276).

مواد ذات صلة