الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
45- أصول منقولة من كتبه وفتاويه المتفرقة ومطاوي كتبه شيئا فشيئا. القواعد 663-676
تاريخ النشر: ٠٥ / جمادى الأولى / ١٤٣٤
التحميل: 2438
مرات الإستماع: 2212

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله-:

"الإعادة بعد الممات، يُعيد الله الخلق بعدما استحالت أجسامهم إلى غيرها، فيُعيدها من تلك الأجزاء التي انقلبت واستحالت إليها خِلقة كاملة، مخلوقة للبقاء، والنشأة الأولى خِلقة فساد وفناء، فالنشأة الأولى، والثانية نوعان تحت جنس يتفقان، ويتماثلان، ويشابهان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه آخر؛ ولهذا جُعل المعاد هو المبدأ، وجُعل مثله أيضًا، فباعتبار اتفاق المبدأ والمعاد فهو هو، وباعتبار ما بين النشأتين من الفرق فهو مثله".

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالله -تبارك وتعالى- كثيرًا ما يُورد هذا النوع من الاستدلال على قدرته -تبارك وتعالى- على البعث، وذلك بأن الله -تبارك وتعالى- أنشأ النشأة الأولى، وخلق الخلق أول مرة، ومن خلق أول مرة؛ فهو قادر على الإعادة، وقد جاء التعبير عن ذلك في بعض المواضع: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] وقلنا في بعض المناسبات: بأن أفعل التفضيل يحتمل أن يكون بمعنى مُطلق الاتصاف؛ أي: وهو هين عليه، وذكرنا لهذا شواهد، ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابه، يعني: أهون من الابتداء، مع أن الجميع يستوي في حق الله ولكن يكون هذا مما خرج من الخطاب مُراعًا فيه نظر وتصور وفهم المُخاطب، فهو بالنسبة للمُخاطبين الثاني أسهل من الأول؛ لأنه تكرار للأول.

فكون الله -تبارك وتعالى- ابتدئ الخلق، فالله إذًا قادر على إعادته ثانية بعد أن استحالت هذه الأجسام إلى تراب، فالإعادة والخلق كل ذلك تحت قدرته -تبارك وتعالى-، وبين الأمرين مُشابهة إلا أنه يوجد من الفروقات في التفاصيل بين النشأتين ما لا يخفى، فالنشأة الأولى خلق آدم من تراب، حيث بُل بالماء؛ فصار طينًا، ثم بعد ذلك صار هذا الطين لزجًا مِنْ طِينٍ لازِبٍ [الصافات:11] ثم بعد ذلك بقي مُدة؛ فصار من حمأ مسنون، يعني: مُتغير من طول المُكث، ثم بعد ذلك صار إلى حالٍ من اليُبس، فصار كالفخار، جف، فهذه أطوار خلق آدم ثم نفخ فيه الروح، وجعل الذُرية من ماء مهين، ثم هذا الماء المهين يتحول إلى علقة، ثم إلى مُضغة، ثم تكون المُضغة عظاما، فيكسوا الله العِظام لحمًا، ثم يُنفخ فيه الروح، فيتحول إلى خلق آخر إلى شيء آخر، إلى كائن حي.

في النشأة الثانية ليست كذلك، لا يكون الخلق من تراب ابتداءً، ولا يكون من نطفة بهذه الأطوار، ولكن الله يُعيد ما تفرق من هذه الأجساد في التراب، يُعيد هذه الأجزاء، ويجمعها، ولو كان ذلك مما تفرق في بطون السِباع، وفي حواصل الطير، ولو أُكلت تلك الحيوانات، أكلها إنسان، أو أكلها حيوان آخر، ثم استحالت في لحمه، ودمه؛ فإن تلك الأجزاء مهما تفرقت، وتكررت، واستحالت مرة بعد مرة إلا أن الذي خلقها وأوجدها قادر على إعادتها، ولهذا قال الله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ [ق:4] ما تنقص الأرض منهم على القول المشهور قول الجمهور من المُفسرين، يعني: ما ينقص من أجسادهم إذا وضعوا في التراب، إذا ماتوا، فما يتحلل من هذه الأجساد من ذرات من أجزاء -مهما كانت دقيقة- الله يعلمها علمًا تفصيليًّا، فهذا كله دليل على البعث والنشور، وعلى قُدرة الله ، فبين النشأتين اجتماع، وبينهما افتراق.

"ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يُخالف صريح العقل والحِس إلا وفي القرآن بيان معناه؛ فإن الله جعله شفاء لما في الصدور، وبيانًا للناس، فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة، حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول ﷺ إما ألا يعرفوا اللفظ، وإما أن يعرفوا اللفظ، ولا يعرفوا معناه، فحينئذ يكونون في جاهلية؛ بسبب عدم نور النبوة، ومن هاهنا يقع الشر، وتفريق الدين شيعًا؛ كالفتن التي تحدث بالسيف، فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية؛ بسبب خفاء نور النبوة عنهم، فإذا انقطع نور النبوة عنهم؛ وقعوا في البِدع، وحدثت البِدع والفجور، ووقع الشر بينهم، فمسائل النزاع في الأصول والفروع إذا لم تُرد إلى الله ورسوله؛ لم يتبين فيها الحق، بل يصير المُتنازعون فيها على غير بينة من أمرهم، فإن رحمهم الله؛ أقر بعضهم بعضًا، ولم يبغِ بعضهم على بعض، كما كان الصحابة في زمان عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد، فيُقر بعضهم بعضًا، ولا يعتدي عليه، وإن لم يُرحموا؛ وقع بينهم الاختلاف المذموم؛ فبغى بعضهم على بعض، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله، وهذه حال أهل البدع والظلم كالخوارج وأمثالهم، يظلمون الأمة، ويعتدون عليهم إذا نازعوهم في بعض مسائل الدين، وكذلك سائر أهل الأهواء، فإنهم يبتدعون بدعة ويُكفرون من خالفهم فيها، كما يفعل الرافضة والمُعتزلة والجهمية، وغيرهم، فالناس إذا خفي عليهم بعض ما جاء به الرسول ﷺ إما عادلون وإما ظالمون، فالعادل فيهم الذي يعمل بما وصل إليه من آثار الأنبياء ولا يظلم غيره، والظالم الذي يعتدي على غيره".

 هنا يقول: لا يجوز أن يكون في القرآن ما يُخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه، هو يقصد هنا ما يُخالف صريح العقل والحس فيما يتراءى للناظر، وإلا فالواقع أنه لا يُخالف، لا يوجد في القرآن أصلاً شيء يُخالف صريح العقل والحِس هذا غير موجود، وتعرفون كلام شيخ الإسلام أنه قال ما هو أبعد من ذلك، قال: لا يوجد في السنة شيء من ذلك، بل قال: جميع ما ثبت عن الصحابة من الفتاوى، وما نُقل عنهم من الاجتهادات، فإنه لا يوجد منه شيء يُخالف صريح المعقول، فكيف بالقرآن، مع أن الصحابة يُصيبون ويُخطؤون.

فإنما يقصد هنا ما يتراءى للناظر، ويدل على هذا أنه قال: ولكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة، يعني: يكون ذلك بسبب قصور في العِلم، أو النظر، فيبدوا لهؤلاء لأول وهلة أن هذا النص يُخالف صريح العقل أو الحِس؛ لقصور علمهم ومعرفتهم، ويكون بهذا الاعتبار بالنسبة إليهم من قبيل المُتشابه، فهو المُتشابه النسبي، فمثل هذا يُرد إلى المُحكم، يعني: إلى ما لا يلتبس، ولهذا قال: إلا وفي القرآن بيان معناه، فالأشياء التي قد تبدوا لهؤلاء الناس؛ لجهلهم؛ لقلة علمهم أنها مُخالفة للعقل أو للحس يوجد في القرآن ما يُبين المُراد بها.

ثم ذكر بعد ذلك: أنه في حال الخفاء، خفاء ما جاء به الرسول ﷺ وضعف أنوار النبوة في بعض الأمكنة، أو في بعض الأوقات، يقع بسببه الاختلاف، وذلك أن هؤلاء قد لا يبلغهم عن الشارع ما يحصل به الاهتداء، فينقسمون إلى أقسام، تارة يوفق الله من شاء من عباده، فيتعاذرون، فيكون كل من بذل وسعه، واتقى الله ما استطاع في طلب الحق، استفرغ الوسع، ولم يكن مُتجاريًا مع الهوى في تطلُبه؛ فإنه يُعذر، فيحصل العُذر بينهم؛ كما خفي بعض ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ فلم يؤدِ ذلك الخلاف إلى شقاق وافتراق، فلا يكون هذا الاختلاف في هذه الحال من الاختلاف المذموم، والناس لطالما اختلفوا؛ تارة بسبب اختلاف مداركهم وأفهامهم، وتارة بسبب نقص العلم بأي وجه كان، إلى غير ذلك من التفاصيل الداخلة تحت هذين.

لكن يبقى أن هذا الاختلاف الذي يكون بسبب نقص المدارك، أو بنقص العلم، أو كان من جهة ثالثة قائمة بنفسها، أو برأسها، وهو أن يكون ذلك مما يرجع إلى الهوى، يعني: اختلفوا بسبب الأهواء، فالهوى يدخل في هذه الأمور جميعًا، يعني: قد يختلف الناس بسبب اختلاف المدارك والأفهام، وقد يختلف الناس بسبب نقص العلم، ما بلغه الدليل، أو لاعتبار آخر، أو يكون اختلافهم أصلاً بسبب الأهواء التي تتجارى بهم، فهذا هو الخلاف المذموم، هذا الذي نهى الله عنه، وهو الذي يحصل بسببه البغي، تارة بالقول، وتارة بالفعل، بالقول بإطلاق العبارات التي لا يجوز إطلاقها من التكفير والتبديع والتضليل والرمي بالعظائم؛ فذلك فعل أهل الأهواء، هؤلاء الناس إذا فعلوا وسعهم؛ فهم معذورون، ولا يجوز للإنسان أن يحمل الناس على اجتهاده، ويُضلل من خالفه، وإنما كان ذلك صنيع أهل البدع.

وتارة يكون البغي بالفعل، وذلك بالقتال، بالضرب، بالحبس، بالأذى الفعلي، فهذا كله من البغي، وقد يُجمع بينهما، يحكم عليه بهذه الأحكام، الكفر مثلاً، ثم بعد ذلك يستحل دمه، فيجترئ على قتله أو أذيته، إما بنفسه، وإما بغيره، بغيره، يعني: مثل بعض أهل الأهواء إذا اختلفوا مع غيرهم، فإنهم قد يفزعون إلى السُلطان، فيُغرونه بهؤلاء الذين اختلفوا معهم؛ من أجل أن يوصل إليهم أنواع المكروه والأذى، فهذا لا يجوز، وهو من أسباب الفتن.

بل ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذا، يعني: إن دخل فيه السلطان مع طائفة دون طائفة أنه من أسباب سقوط الدول، واضمحلالها؛ لأنه من البغي والظلم، وإنما الواجب هو أن يُعذر من استفرغ وسعه في طلب الحق، ولم يُصبه، والله يعفو عن هذا، ولا يُكلف نفسًا إلا وسعها، فمن فعل غير ذلك، ففعله من جُملة أفعال أهل البِدع والأهواء.

"من أضر الأمور على العبد أن يكون مُتميزًا عن العامة ببعض العلوم الطبيعية أو غيرها، فإذا جاءته العلوم الدينية النافعة، التي لم تدخل في علمه؛ نفاها؛ فخسر دينه، وصار علمه الجُزئي لبعض المعلومات، وبالاً عليه، وهكذا تجد من عرف نوعًا من العلم وامتاز به عن العامة الذين لا يعرفونه فيبقى بجهله نافيًا لما لا يعلمه، وبنو آدم ضلالهم فيما جحدوه ونفوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما صدقوا به وأثبتوه، قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس:39] وهذا لأن الغالب على الآدميين صحة الحِس والعقل، فإذا أثبتوا شيئًا، وصدقوا به كان حقًا بخلاف ما نفوه، فإن غالبهم، أو كثير منهم ينفون ما لا يعلمون، ويُكذبون بما لم يُحيطوا بعلمه، ويتفرع على هذا الأصل الباطل الجهل بالإلهيات، وبما جاء به الرسول ﷺ، والجهل بالأمور الكُلية المُحيطة بالموجودات، وبهذا ضل زنادقة الفلاسفة وغيرهم؛ كما أنكروا الجن والملائكة وأمور الغيب، إذ لم تدخل تحت علومهم القاصرة؛ فجحدوها وكذبوا بما لم يُحيطوا بعلمه، وجاءتهم الرسل بالبينات والبراهين، ففرحوا بما عندهم من العلم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون".

 شيخ الإسلام -رحمه الله- هنا يُقرر أن العلم أحيانًا يكون جناية على صاحبه، كما أن الذكاء أحيانًا يكون جناية على صاحبه، ولهذا يذكر في بعض المواضع عن هؤلاء؛ لأنه يتكلم عن الفلاسفة، ومن اقتفى آثارهم من المُتكلمين، أوتوا ذكاء، ولم يؤتوا زكاء، وأوتوا علومًا، ولم يؤتوا فهومًا، يعني: عندهم علوم في الأمور المادية والتجريبية، ولكن ليس لهم علم بما يتصل بالوحي والهدى الذي بعث الله به رسله -عليهم الصلاة والسلام-، فكان هذا العلم سببًا لإنكارهم وكفرهم بما لم يدخل تحت علومهم، كما هو الحال الآن في كثير من أحوال، أو من علوم الغرب المادي، فإنهم لا يؤمنون بالغيبيات، وإنما يؤمنون بما يدخل تحت الأمور الحسية التجريبية، ومن ثَم فهذا الغيب جميعًا عندهم لا حقيقة له، ولهذا بعض من أراد أن يُقرب لهم الإسلام أخطأ خطأ فادحًا كما هو معروف عند أصحاب ما يُسمى بالمدرسة العقلية، فأرادوا أن يُفسروا لهم القرآن وحقائق الدين بما تُدركه تلك العقول المادية، فجاءوا إلى كل شيء من أمور الغيب، وأولوه بتأويلات مادية بحتة أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ۝ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ۝ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ۝ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:1-4] الغرب لا يؤمن بهذا، الغرب لا يعرف هذه المعجزات والآيات، وما إلى ذلك، طيب ماذا يُقال إذًا؟ قال هؤلاء الذين أرادوا أن يُقربوا هذه المعاني لأصحاب هذه العلوم المادية قالوا: إن الطير الأبابيل هذه هي البعوض، يحمل الطين من المُستنقعات التي فيها الملاريا، فأُصيب هؤلاء أبرهة ومن معه بالملاريا؛ فهلكوا، الغرب يفهم الملاريا، ويفهم المُستنقعات، ويُدرك هذه الأشياء، فلا يوجد طير أبابيل جاءت من السماء، ورمتهم بحجارة من سجيل، فصاروا كعصف مأكول، وإنما أُصيبوا بمرض الملاريا، الطير الأبابيل هي البعوض، فهذا خطأ فادح.

بل جاء من فسر الملائكة والشياطين بنوازع الخير والشر، الملائكة من الأمور الغيبية، وهي من أركان الإيمان، وقصة آدم وإبليس، وما حصل فيها من المجاوبة بين الله -تبارك وتعالى- وإبليس يقولون: هذه صورة، هذا تقريب، وتصوير للصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، فلا يوجد إبليس، ولا يوجد جن، ولا يوجد شياطين، ولم يحصل هذا أصلاً، لاحظتم؟! هذه أشياء خطيرة، تُفسر الملائكة بالخير الموجود، والجن والشياطين بالشر، هذا كله باطل، وقول على الله وجراءة على كتابه، لا تجوز، فهذا المسلك مسلك مُنحرف معروف لأصحاب المدرسة العقلية في التفسير.

فهؤلاء علومهم لم تنفعهم، ولا يصح بحال من الأحوال أن الحرص على دعوة هؤلاء إلى الإسلام، تقريب حقائق الدين لهم، محبة الخير لهم أن يدخلوا في الإسلام، أن نُحرف حقائق الدين، وأن نعبث بمعاني القرآن بهذه الطريقة، هذا لا يجوز، فيُعرض الحق بصورة صحيحة على طبق من ذهب، وبعبارات يحصل بها المطلوب من غير تنفير أو إقذاع، أو نحو ذلك، ولكن يُعرض الدين كما هو، حقائق الدين كما هي وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] أما التبديل والتغيير فهذا لا يجوز، وللأسف هذا مسلك لا يقف عند أصحاب المدرسة العقلية، بل يتعداهم ممن شابههم، ممن يُسمون بالتنويريين، فهم أيضًا يحاولون تغيير حقائق الشريعة أيضًا بما يوافق الغرب، فوجد منهم من يُنكر الحدود باعتبار أن الغرب لا يتقبلها، جمعيات حقوق الإنسان، فأنكروا الحدود، وقالوا: هذه كانت في البيئة البدوية، وأما الآن فلا حاجة لمثل ذلك، وأنكروا أشياء كثيرة مما يتعلق بالمرأة، وكونها تأخذ نصف الميراث، أو أنها على النصف من دية الرجل، أو أن النساء كما قال النبي ﷺ ناقصات عقل ودين، فردوا كل هذه الأشياء، وآخر خبر قرأته اليوم عن أحد زعماء هذه الطريقة، وهو راشد الغنوشي يقول: عن ختان الإناث بأن هذا أمر لا حقيقة له في الشرع، ولا علاقة له بالدين، ولا يمت إليه بصلة، بهذه الطريقة، وهذه قضية يسيرة بالنسبة لما عندهم؛ لأنهم وصلوا إلى أمور كِبار كما هو معروف.

فهذا كله لا يجوز أن يكون جذب الغرب المادي للإسلام سبيلاً لتضييع حقائق الدين، فهؤلاء علومهم قد تجني عليهم، أيًا كانوا، الفلاسفة القُدماء؟ أهل الكلام؟ ولذلك شيخ الإسلام لما يُناقش المُتكلمين، ولعلي ذكرت هذا في بعض المناسبات، ويذكر طرائق الحوار معهم والنقاش والمُناظرات شيخ الإسلام يذكر أحيانًا: أن من هؤلاء أحيانًا من لا يقبل الرد إلا بطريقته هو المُتكلفة، الكلامية، ذات العبارات الصعبة المُعقدة، فشيخ الإسلام يرى أن الردود تكون بطريقة صحيحة، وعبارات واضحة، لكن يقول: من لا يُجدي معه إلا هذا الطريق؛ فهو كالمريض الذي يحتاج إلى الدواء المُر لمُعالجته، تكون حالة استثنائية، يُناقش بهذه الطريقة الصعبة، لماذا؟

لأنه لا يقبل أن يكون أسوة العامة، يعني: أن يستوي معهم يسمونهم الجمهور هم يرون أنهم تميزوا بهذه العلوم الفلسفية والمنطق، ولهذا قال الغزالي: من لم يعرف المنطق فإنه لا يوثق بعلمه[1] وقال: إنه لا يبلغ مرتبة الاجتهاد من لم يعرف المنطق اليوناني، فصار هؤلاء حينما يكتبون يكتبون، ويأتون بهذه العبارات الصعبة في ثنايا الكلام في أصول الفقه، وفي البلاغة، وفي النحو من علوم الآلة، وأدخلوا ذلك أيضًا في التفسير وغيره، ربما ليُثبت أنه قد بلغ تلك المرتبة، فهؤلاء من أهل الكلام الذين يشعرون أنهم حصّلوا شيئًا لا يقبلون أن يكونوا كغيرهم، بحيث يُخاطبون بقال الله قال رسوله، لا -نسأل الله العافية- هم يريدون أشياء يختصون بها، لا يفهمها إلا هذا الضرب من الناس، ولهذا قيض الله لهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فأتى على بُنيانهم من القواعد، فأتاه الله من الفهم بعلوم المنقول والمعقول، ولذلك لا يقبلون إلا من كان بهذه المثابة، وهم يقرون له بهذه المرتبة.

وكذلك ابن السمعاني -رحمه الله- يُجمعون على محبته وقبوله مع أنه من أهل السنة؛ لأنه قد أتقن علوم المنقول والمعقول، يعني: كان بارعًا في علوم المعقول، مُتقنًا لها، بحرًا فيها، وكان أيضًا في علوم أهل الإسلام، علوم السنة، كان إمامًا -رحمه الله-.

وهؤلاء قلة، وإلا فكثير ممن حاول الدخول في العلوم الكلامية من أهل العلوم النقلية وقعوا في أخطاء، وفي بعض الإشكالات، والتزموا بعض الالتزامات التي ألزمهم بها هؤلاء من أهل البدع، وهم بين مُقل ومُكثر، فتجد أئمة أمثال البيهقي -رحمه الله- وأضراب البيهقي ممن دخلوا في شيء من العلوم الكلامية، وما أتقنوها، وقعوا في بعض التأويلات، وبعض الأمور التي خالفوا فيها اعتقاد أهل السنة والجماعة.

على كل حال، فالعلم قد يجني على صاحبه، والذكاء قد يجني على صاحبه، واليوم في بعض أصحاب العلوم المادية كذلك من المسلمين المنتسبين إلى الإسلام قد يرد بعض الأحاديث؛ لأن عقله وعلمه التجريبي يقول: إنه يُخالفها، قد يكون هذا من المُتخصصين في علوم الفلك، أو من المُتخصصين في علوم الأرض (الجولوجيا) أو غير ذلك، ثم يرد بعض الأشياء الثابتة في النصوص، ويقول: هذا يُخالف ما ثبت عندنا في هذه العلوم، وما الذي ثبت عندكم في هذه العلوم؟ وما مبلغكم من العلم؟ إنما هي نظريات تتغير، وتتحول، فلا يصح أن تُحاكم إليها النصوص، بل تُحاكم هي إلى النصوص، بل أكثر من هذا قد تجد الرجل إمامًا في علوم العربية، ولربما حمله ذلك الإتقان في علومها إلى رد بعض القراءات الثابتة المتواترة؛ لأنها عنده تُخالف القواعد النحوية، وهذا الذي يقول فيه ابن القيم -رحمه الله- بأن هذه القواعد، ولو كانت ألف قاعدة لا يمكن أن تُرد القراءة الثابتة بها[2].

على كل حال ينبغي أن يخضع الجميع للوحي، والله عليم حكيم أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ [الملك:14] يعلم دقائق الأشياء الْخَبِيرُ [الملك:14] الذي يعلم بواطن الأمور.

يقول: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39] قال: وهذا لأن الغالب على الآدميين صحة الحِس والعقل، فإذا أثبتوا شيئًا، وصدقوا به كان حقًا بخلاف ما نهوه، يعني: بمعنى أن الناس أعداء ما جهلوا، الإنسان عدو ما يجهل، والله ذكر أيضًا في سبب رد ما جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لأقوام كان عندهم شيء من العلوم قال: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر:83] فردوا ما جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والعجيب أنك تجد بعض أهل البدع يؤمنون بخُرافات لا يمكن أن تكون مقبولة لدى من عنده أدنى مُسكة من عقل، وتجد هذا الرجل أستاذ كبير برفسور في الفيزياء، وما شابه ذلك من العلوم الرياضية، وغيرها، وتجده في المآتم، ونحو ذلك، يفعل أفعالاً لا يمكن أن يقبلها من له أدنى مُسكة من عقل، يُلغي عقله تمامًا، ويذكر لهم شيوخهم من الدجل والخُرافات التي لا يمكن إلا أن تكون من أكذب الكذب، ومن أعظم الإفك، يُدرك هذا كل من له أدنى عقل، ومع ذلك تجد هذا إذا جاء هناك ألغى العقل تمامًا، وصدق بهذه الأباطيل والخُرافات تناقض.

"معرفة تفسير اللفظ ومعناه، وتصور ذلك في القلب غير معرفة الحقيقة الموجودة في الخارج المُرادة بذلك الكلام".

يعني: ما معنى هذا؟ الآن معرفة تفسير اللفظ، هو يتكلم على المُحكم والمُتشابه مثلاً وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] في آية آل عمران، ما هذا الذي لا يعلمه إلا الله؟ المُتشابه المُطلق؟

نقول: حقاق الأمور الغيبية، ما هي الأمور الغيبية؟ يدخل فيها صفات الله نحن نعرف معانيها، نعرف معنى استوى، نعرف معنى اليد، نعرف معنى الوجه، نعرف معنى الضحك، نعرف معنى الغضب، لكن هذا المعنى تصور المعنى من حيث كلام العرب، من حيث اللغة، فنفهم أن الغضب غير الرضا، غير الوجه، غير الاستواء، لكن كيف استوى؟ كيف يضحك؟ كيف يده ؟

هذا لا نعلمه هذا الكُنه والكيفية للأمور الغيبية لا نعلمها، فهنا يقول: معرفة تفسير اللفظ، ومعناه، وتصور ذلك في القلب غير معرفة الحقيقية الموجودة في الخارج المُرادة من ذلك الكلام، نحن نعرف ما معنى الجنة، ونعرف ما معنى الثمار التي فيها، والأنهار من لبن، ومن خمر، ومن عسل، لكن إذا رأينا ذلك فالتصور شيء، والوقوف على حقيقته شيء آخر.

لو سألنا الآن، وقلنا: الحورية في الجنة، تعرفون ما معنى الحورية، أن الحورية ليست معناها نهر، وليست معناها شجرة في الجنة، أو قصر في الجنة، الحورية غير القصر، لكن كيف الحورية؟ ما نعرف، لكن معنى الحورية نعرف هذا، امرأة في غاية الجمال، بها حور في عينها من شدة جمالها، لكن إلى أي حد يبلغ هذا؟ لا يمكن أن تصل إليه العقول، وقل مثل ذلك في سائر الأمور الغيبية التي أخبر الشارع عنها.

أخبرنا مثلاً عن أهوال القيامة: السماء تنشق، النجوم تنكدر، وما إلى ذلك، طيب هذه الأشياء نفهم نحن ما معنى تنكدر النجوم، ومعنى انشقاق السماء، ونحو هذا من المعاني، ولكن كيف ذلك؟ هذا أمر لا تصل إليه عقولنا، فالتصور، والفهم، فهم المعنى شيء، والحقيقة الموجودة في الخارج شيء آخر، ولهذا قال: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] التأويل على الوقف يكون بهذا المعنى.

وهكذا أيضًا الأشياء التي أخبر أنها ستقع، متى ستقع؟ الساعة متى ستقع؟ نحن نعرف أن الساعة ستقع، لأن من معاني التأويل وقوع ما أخبر به في باب الخبر، متى تقع الساعة؟ لا نعرف يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ [الأعراف:53] الآن متى يأتي هذا الذي وعد به من قيام الساعة والحساب والجزاء والجنة والنار، متى تقع هذه الأمور؟ لا نعرف، فوقتها وكيفيتها وصفة هذا الوقوع كما هو في الخارج، هذه كلها من حيث القدر والكيفية لا نعلمه.

"أنزل الله القرآن كتابًا مُتشابهًا مثاني، يذكر فيه الأقسام والأمثال؛ فيستوعب الأقسام فيكون مثاني، ويذكر الأمثال فيكون مُتشابهًا".

 يعني: هنا ماذا يُريد -رحمه الله- يقول: أنزل الله القرآن مُتشابهًا اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23] فحكم على كل القرآن بأنه مُتشابه، ما المراد بهذا التشابه؟ المُراد به أنه يُشبه بعضه بعضًا في الحُسن والبلاغة والفصاحة، ويُصدق بعضه بعضًا لا تجد فيه تناقض ولا تخالف ولا تعارض ولا تباين، التباين أقصد من حيث الأسلوب، فإن الإنسان إذا كتب كتابًا في سنين؛ فإن أسلوبه يتغير، فهذا كله لا وجود له في القرآن، هذا بالنسبة لكونه مُتشابه.

وكذلك حكم عليه بأنه مُحكم؛ بمعنى: مُتقن، وقد سبق الكلام على هذا المعنى، وقال: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] فهذا يُقصد به الإحكام والتشابه الخاص، يعني: المُحكم ما ظهر معناه، واستقل بنفسه، لم يحتج إلى غيره حتى يتبين معناه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]، وأُخر متشابهات، هذا الذي يحتاج إلى غيره؛ ليُفهم المُراد به، هذا هو المُتشابه النسبي من جهة المعنى، فيحتاج إلى المُحكم، يُشكل على زيد، لكن لا يُشكل على عمرو، يُشكل على بعض الناس، ولا يُشكل على جميعهم.

فهنا يقول: أنزل الله القرآن مُتشابهًا مثاني يذكر فيه الأقسام والأمثال؛ فيستوعب الأقسام فيكون مثاني، ويذكر الأمثال فيكون مُتشابهًا، ماذا يقصد هنا بالأقسام والأمثال؟ لا يقصد بالأقسام القسم الذي هو اليمين والحلف، لا، يقصد أقسام الأشياء، يعني: أن الله -تبارك وتعالى- جعل هذا الكتاب تبيانًا لكل شيء، فيذكر الله -تبارك وتعالى- فيه أخبار الأنبياء والأُمم، ويذكر فيه -تبارك وتعالى- الأحكام ويُفصلها، ويُبين ما يحتاج الناس إليه، ولا يدع في الحق خفاء، أو يدع الحق مُلتبسًا؛ فهو تبيان لكل شيء، يقول: هذا معنى كونه مثاني، يعني: ذكر الشيء ثانيًا، وليس المقصود مرتين، وإنما المقصود أنه يُذكر الشيء والشيء والشيء، وهكذا، ولهذا فإن الثناء على الله غير الحمد إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي... فذكره بأوصاف الجمال والجلال والكمال هذا حمد، فإذا أعاد ذلك ثانية فهذا الثناء من التثنية فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي[3] المجد كثرة الكمالات كثرة أوصاف الكمال.

فهنا نزّل الله القرآن متشابهًا مثاني، يذكر فيه الأقسام والأمثال، الأقسام يعني: أن الله يُبين فيه الحقائق الشرعية بأنواعها، وما يحتاج الناس إليه، والأمثال: يذكر النظير والنظير، فيضم النظير إلى النظير، لا تجد فيه تناقضًا، ولا تجد في الحق خفاء؛ فيكون بذلك مستوعبًا، هذه القضية تتطرق إليها شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع.

انظر مثلاً على سبيل المثال في المجلد السادس عشر صفحة (522) يقول مثلاً: من تدبر القرآن وجد بعضه يُفسر بعضًا، -هنا يتكلم عن الأقسام والأمثال- فإنه كما قال ابن عباس في رواية الوالبي: مُشتمل على الأقسام والأمثال، وهو تفسير مُتشابهًا مثاني[4] يقول: ولهذا جاء كتاب الله جامعًا كما قال النبي ﷺ: أُعطيت جوامع الكلِم[5] وقال: كتابًا متشابهًا مثاني، فالتشابه يكون في الأمثال، -يعني: ذكر النظير والنظير- والمثاني في الأقسام، فإن التثنية في مُطلق التعديد كما في قوله.. إلى آخره، يتكلم في موضوع التثنية.

فيقول: فهو جميعه متشابه، يُصدق بعضه بعضًا، ليس مُختلفًا، بل كل خبر وأمر منه يُشابه الخبر؛ لاتحاد مقصود الأمرين، ولاتحاد الحقيقة التي إليها مرجع الموجودات، فلما كانت الحقائق المقصودة والموجودة ترجع إلى أصل واحد وهو الله كان الكلام الحق فيها خبرًا وأمرًا مُتشابهًا -يعني: كله يرجع إلى كما يقول الشافعي -رحمه الله- كل ما تقوله الأمه فهو شرح للسنة، كل السنة شرح للقرآن، كل القرآن شرح لأسماء الله، وصفاته[6].

يقول: ليس بمنزلة المُختلف المُتناقض، كما يوجد في كلام أكثر البشر، يقول: وهو جميعه مثاني؛ لأنه استوفيت فيه الأقسام المُختلفة، فإن الله يقول: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] فذكر الزوجين مثاني، والإخبار عن الحقائق بما هي عليه بحيث يُحكم على الشيء بُحكم نظيره، وهو حكم على المعنى الواحد المُشترك خبرًا أو طلبًا خطاب مُتشابه، فهو مُتشابه مثاني، يقول: وهذا في المعاني مثل الوجوه والنظائر، إلى آخر ما ذكر، فيُراجع كلامه -رحمه الله-.

"مُتابعة النبي ﷺ يُعتبر فيه القصد، فإذا قصد مكانًا للعبادة فيه؛ كان قصده لتلك العبادة سُنة، وأما إذا صلى فيه اتفاقًا من غير قصد لم يكن قصده للعبادة سنة".

 مُتابعة النبي ﷺ يُعتبر فيه القصد، قصد من؟ قصد النبي ﷺ، وهذه المسألة يطول تفصيلها، يعني: لو جلسنا نتكلم عليها سينتهي الدرس، ونحتاج إلى درس آخر، ودرس ثالث، لكن لعله يتيسر -إن شاء الله تعالى- أتكلم في غير هذه المجالس عن الافعال النبوية، وأقسام الأفعال النبوية، لكن أذكر الآن على سبيل الإجمال بما يُناسب المقام: أن الأفعال النبوية على أنواع:

الأول: ما كان من قبيل الجِبلي، ما كان على سبيل الجِبلة، وهذا الذي على سبيل الجِبلة ينقسم أيضًا إلى قسمين، والقسم الثاني منهما ينقسم إلى أقسام، لكن دعونا في الإجمال الآن، أفعال النبي ﷺ منها ما يرجع إلى الجِبلة، هذا رقم واحد، ودعونا نُجمل الكلام على أقسام الجِبلي؛ لأنه نوع منه غير اختياري، ونوع اختياري، فهذا الجِبلي غير الاختياري مثل ماذا؟ أصل قضاء الحاجة هذا جِبلي، أصل ذلك غير اختياري، التنفس؛ بل هناك أشياء أوضح من هذا مثل التألم، إذا جُرح الإنسان يتألم، هذا شيء غير اختياري، الشعور بالجوع، الشعور بالعطش، الشعور بالتعب، الصُداع، هذه أشياء غير اختيارية، جبلية غير اختيارية، هذا لا يتعلق بها التشريع إطلاقًا، هناك نوع من الجِبلي اختياري، وهذا الاختيار لها مُتعلقاته، اختيار في الوقت، اختيار في النوع، اختيار في الصفة، إلى غير ذلك من أنواع الاختيار الداخلة، والمُتعلقة به، جِبلي اختياري، الآن جبلي اختياري مثل النوم، ينام، المكان الذي ينام فيه، الشيء الذي ينام عليه، الوقت الذي ينام فيه، الصفة التي ينام فيها، هذه كلها تُلابس الجِبلي، فالنوم جِبلة، لكن يُلابسه أشياء، فهذه الأشياء أنواع ولها أحكام، وليست على مرتبة واحدة، هذا القسم الأول الجِبلي.

القسم الثاني: وهو العادي، يعني: المُتعلق بأمور العادات، العادات مثل ماذا؟ لبس الإزار، الرداء، العمامة، بناء البيوت، هذه من أمور العادات، كيف كان بيته ﷺ؟ من طين، صفة هذا الأمر الاعتيادي، سقفه من جريد، هل هذه الأمور يتعلق بها الاقتداء، أو لا، الأمور العادية؟ هي أنواع، ولعله يأتي تفصيلها -إن شاء الله كما قلت في مناسبة- يعني: كونه داوم عليه، ينام على جنبه الأيمن، يضع كفه الأيمن تحت خده الأيمن، هذه من العادات، من الأمور العادية، هل فعله قصدًا، أو لم يفعله قصدًا؟

فعندنا هناك مُرجحات داوم عليه، اقترن به قول كونه يأكل بثلاثة أصابع، يأكل بيمينه، هذه من أمور العادات، لكنه اقترن به قول: وكُل بيمينك[7] فإن الشيطان يأكل بشماله[8] أيضًا، الأحاديث الواردة في الباب فهذه مُرجحات يختلف معها الحكم في الأمور العادية كونه يأكل بثلاثة أصابع هل هي مثل الأكل باليمين؟ يضع النوى هنا بين هذين الأصبعين على ظهرهما، هل هذا مما يتعلق به التشريع، ويُطالب المُكلف بالاقتداء به، أو فعله على سبيل العادة المحضة؟ هل نقول: لبس الإزار والعمامة والرداء الناس كانوا يفعلونه في عصره، لم يتميز عنهم ﷺ بلباس آخر، فهل يُقال للناس: الاقتداء أن تلبس الآن إزار وعمامة ورداء، أو لا؟

هذه أمور عادية، لكن من هذه الأمور العادية ما أيضًا دل دليل على إيثاره له، ومحبته له، وكذلك الأمور الجبلية، يعني: مثلاً: في الأمور الجبلية الأكل نوع الأكل كان يحب ﷺ الدباء و"يتتبع الدباء من حوالي القصعة"[9] فهل الاقتداء به في هذا؟ كان رسول الله ﷺ يحب الحلواء والعسل"[10] إنسان يأكل هذه الأشياء، يقول اقتداء بالنبي ﷺ لاحظت، وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالأمور العادية، كان يُعجبه القميص هذا القميص "كان أحب الثياب إلى رسول الله ﷺ القميص"[11] لكن اللون، البياض، اقترن معه شيء آخر البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم[12] الحديث صحيح، اقترن معه قول فيُرجحه، مع أنه من أمور العادات، لكن كون النبي ﷺ لبس نوعًا من الثياب، آخر، ثوب حبِرة[13] مثلاً، أو نحو ذلك، مُخطط، يعني: مُقلم، أو نوع من البرود، فهل هذا يُطلب أن يُقتدى به فيه -عليه الصلاة والسلام-؟

كذلك في أمور العادات، ما كان من قبيل الوسائل، ركب الناقة، هل ركوب الناقة أفضل من الجمل؟ ركب البغل، له بغلة بيضاء، هل البغلة البيضاء أفضل؟ هل نركب البِغال؟ هل نحن مطالبون بهذا؟ هل نقتدي بالنبي ﷺ ونركب بغلة، ويشتري الإنسان بغلة من أجل أن يركبها؟ أو جمل من أجل أن يركبه؟ هذا لا، هذه أمور العادات كانت في عصره، لكن نوع منها يتعلق بالعبادة، يعني: يرتبط بالعبادة، دخل في عبادة، فهذه العادات، الأمور العادية إذا دخلت في العبادة قبلها، أو في أثنائها، أو بعدها، فهذه تكون محل احتمال، وليست على وتيرة واحدة، مثل ماذا؟

الآن طاف وهو راكب على بعيره ﷺ على ناقته[14] هل الطواف راكبًا أفضل؟ وهل المقصود مُطلق الركوب، أو الركوب على ناقة؟

وقف في عرفة من بعد الزوال لما صلى، وخطب الناس، وجاء إلى موضع الصخرات عند الجبل، واستقبل القبلة، وجعل يدعو إلى أن غربت الشمس[15] وهو على ناقته -عليه الصلاة والسلام- الوقوف على ناقة، أو الوقوف راكبًا إذا قلنا: الجنس، يعني: كونك جالس في سيارة أفضل في عرفة، أو جالس على الأرض؟

البقاء في عرفة هل الأفضل أن يكون راكبًا، أو يكون جالسًا؟ تضع السيارة جهة القبلة، وتجلس تدعو وأنت راكب فيها، هل هذا مقصود، أو أن النبي ﷺ فعل ذلك اتفاقًا؟ أو فعله من أجل أن يراه الناس، ويأخذوا عنه خذوا عني مناسككم[16] هذا في أثناء العبادة، وهناك أشياء قبلها، وهناك أشياء تكون بعدها، حينما يجلس جلسة الاستراحة فيها، هل هذا فعل عادي؟ الاستراحة يستريح؟ أو قُصد به التعبد، هل احتاج إليه النبي ﷺ لما ثقُل، أو أنه فعله للتعبد؟ هذا محل احتمال وتردد.

وهكذا أيضًا حينما كان يضطجع[17] حينما يُصلي سنة الفجر حتى تُقام الصلاة، حتى يؤذنه بلال بالصلاة؛ فهل هذه النومة القصيرة أو الخفيفة أو الاضطجاع مقصود شرعًا؛ فيُقتدى به أو لا؟ هذا محل احتمال، نفس الصحابة اختلفوا فيه، بعضهم قال: بدعة، ابن عمر قال: بدعة هذه، وأنكرها بعض الصحابة، وبعض السلف أثبتها، لاحظ هذا الاضطجاع هل هو من الأمور العادية البحتة، الآن جاء هذا قبل العبادة، انصرافه من الصلاة تارة عن اليمين، وتارة عن الشمال، يعني: بعد ما يُسلم ينصرف إلى الناس يستقبلهم من جهة اليمين، أو من جهة اليسار، أو حينما يستدير لهم[18] هل هذا فعله من قبيل العادة، أو فعل ذلك للتشريع، فالأئمة يقتدون به في طريقة الانصراف؛ ليستقبل الناس، هذه أمور تتعلق بالعبادات الآن، فهذا النوع الثاني العادات.

النوع الثالث: وهو ما كان من قبيل الأمور التشريعية فهذا لا شك أنه يُقتدى به.

وهناك نوع رابع، وهو: تدبير الأمور الدنيوية، حفر الخندق، هل يُسن حفر الخندق في الحروب؟ النبي ﷺ نظم الجيش بطريقة مُعينة، هل هذا مقصود؟ يعني: للاقتداء، نقول: نُنظم الجيش بنفس الطريقة، أو أن كل عصر له طريقته، وجيوشه، وتنظيمه بحسب الآلات، وما جدّ في ذلك العصر، وقل مثل هذا أيضًا في أمور تتعلق بنزوله ﷺ في بعض الأماكن في أمور دنيوية، ابن عمر كان يتتبع هذا[19] حتى المكان الذي قضى فيه حاجته؛ يذهب ويقضي فيه حاجته، برك فيه ناقته؛ برك فيه ناقته، يتتبع مواضع خُطى ناقة النبي ﷺ فهل هذا يُطلب الاقتداء به في هذه الأمور الدنيوية، أو لا؟

أمور التداوي هي من الأمور الدنيوية، وهي ليست على مرتبة واحدة، البخاري -رحمه الله- في أبوابه في الصحيح تجد أشياء تتعلق بتداوي النبي ﷺ وما جاء في الحِجامة ما جاء في كذا[20] فهناك أشياء الحِجامة جاء الحث عليها، العسل هو بيان لقوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69] فكون النبي ﷺ يتداوى بالعسل[21] القُسط الهندي فيه شفاء من سبعة أدواء[22] في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام[23] كل هذه الأحاديث صحيحة، طيب هل هذه الأمور الدنيوية من أمور التدبير الدنيوي في الطب، أو الحرب، أو السياسة والاقتصاد، وما إلى ذلك غير أمور الربا، والاقتصاد لا أقصد هذا، هذا تشريع، لكن أقصد ما فعله على سبيل العادة فقط، الأمور العادية في تدبير المعيشة، كون النبي ﷺ مثلاً كان يدخر لأهله لمدة سنة، قوت سنة[24] هل يُقال مثلاً: من السنة أن ندخر قوت سنة؟ هذا كله فيه تفاصيل.

فهنا شيخ الإسلام ماذا يقول؟ يقول: مُتابعة النبي ﷺ يُعتبر فيه القصد، فإذا قصد مكانًا للعبادة فيه، هنا يتكلم على قضية تتبع الأماكن، يرد على أهل البدع الذين يتبعون آثار الأنبياء، ويتخذون ذلك معابد، فهنا يقول: كون النبي ﷺ صلى تحت شجرة، جلس تحت شجرة، صلى في هذا الوادي، في هذا المكان من غير قصد له، وإنما اتفاقًا؛ لأنه مر به، فمثل هذا لا يكون محلاً للاقتداء، لكن لو فعله قصدًا لهذا المكان، وتحريًا له؛ فهنا يُقتدى به فيه، فهو يرد على هؤلاء المُبتدعة الذين يتتبعون آثار الأنبياء، ويبنون المشاهد والمساجد، ولذلك عمر - قطع الشجرة لما رأى الناس يتسابقون ويصلون تحتها، الشجرة التي بايع النبي ﷺ أصحابه تحتها بيعة الرضوان.

"وكل ما كان الرجل أتبع لمحمد ﷺ كان أعظم توحيدًا لله وإخلاصًا له في الدين، وإذا أبعد عن متابعته نقص من دينه بحسب ذلك، فإذا كثُر بُعده عنه ظهر فيه من الشرك والبِدع ما لا يظهر فيمن هو أقرب منه إلى اتباع الرسول ﷺ".

 النبي ﷺ هو القدوة الكاملة، والله جعله أسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، فعلى قدر الإتساء به؛ يكون الاهتداء، وإذا نقص الإتساء بالنبي ﷺ ظاهرًا وباطنًا؛ نقص من هداية العبد بحسب ذلك، وهذه قضية في غاية الأهمية أولئك الذين يقتدون بغيره من المفكرين أو من الفلاسفة أو من اللاعبين، أو من غيرهم من الناس، هؤلاء ينقص من اهتدائهم بقدر ما نقص من اقتدائهم، وهذا أمر لا شك فيه، فمن أراد الهداية الكاملة؛ فليُتابع النبي ﷺ متابعة كاملة، لكن يبقى فيما لم يُقصد به التعبد، يعني: من أمور العادات والجِبلة والأمور الدنيوية على تفصيل فيها، ابن عمر -رضي الله عنه كان يتتبع النبي ﷺ في تفاصيل دقيقة كثيرة -كما سبق- ولم يوافقه الصحابة على ذلك، لكن كان لشدة محبته للنبي ﷺ وشدة تعظيمه له، واقتدائه به؛ فعل ذلك، ولعله لم يقصد بهذا أنه مُطالب بذلك شرعًا، ولكن لشدة محبته، فإن من عظُمت محبته لغيره فإن ذلك يظهر أثره عليه في طريقة كلامه، وحركاته، ولباسه، وتنعله، والأمور التي لا يُطلب فيها الاقتداء عادة، وهذا موجود في الناس اليوم، فيمن يُحبون، ويتأثرون به.

"الأصل بقاء ما كان على ما كان، والاحتياط في المياه بمجرد الشك ليس مُستحبًا، ولا مشروعًا، والمائعات كالماء لا تنجُس إلا بتغيرها بالنجاسة".

 هذه قواعد، الأصل بقاء ما كان على ما كان، هذا كله يتفرع على قاعدة اليقين لا يزول بالشك، فالأصل بقاء ما كان على ما كان، فمثلاً شيخ الإسلام في الفتاوى يتكلم على أولئك الذين لربما يوسوسون في الطهارات، في المياه، في الحياض التي تكون مجامع للماء، في الطرق، وفي الأسفار، وفي غيرها، ويطلب أن تكون هذه الحياض بها ماء كثير، فينتظر حتى تمتلأ؛ لأن فيها مثلاً صنبور من الماء يُزايد الماء الذي فيها، وما إلى ذلك، فشيخ الإسلام يقول: الأصل، أولئك يقولون: لعله طرأ عليها ما يُنجسها، فشيخ الإسلام يرد على هؤلاء بمثل هذه القواعد: الأصل بقاء ما كان على ما كان، هذه الحياض، الحياض التي في الحمامات سابقًا، الحمامات التي كان يغتسل الناس فيها، الأصل بقاء الطهارة، ولا يُنتقل عنها إلا بيقين، والماء لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه بنجاسة وقعت فيه: إما اللون، أو الطعم، أو الرائحة، فعندنا اليقين لا يزول بالشك، الأصل بقاء ما كان على ما كان، وهذا كثير في الأشياء.

الآن لو أن الإنسان مثلاً كان على طهارة، يعرف أنه توضأ، ثم شك هل أحدث أو لم يُحدث، هل انتقض وضوؤه أو لم ينتقض، ماذا نقول له؟

نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، الأصل بقاء الطهارة.

لو أنه كان غير مُتطهر، وشك هل توضأ أو لا؟

نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، أنت غير مُتطهر.

لو أنه ذهب إلى الخلاء، واستنجى، ثم وجد في ثيابه بللاً؛ فشك هل هذا قطرات من البول، أو أنه من الماء، نقول: الأصل بقاء الطهارة، وأن هذا الماء هو من أثر الاستنجاء، ولهذا كان ابن عمر ينضح الماء في داخلة إزاره أو ثيابه؛ من أجل أنه إذا شعر ببلل يقول: هذا الماء الذي نضحته، ويقع الوسوسة، فالأصل بقاء الطهارة.

وهذا في أشياء كثيرة النكاح مثلاً، النكاح صحيح هل طرأ عليه ما يُفسده، أو لم يطرأ عليه ما يُفسده، نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، شك هل طلق أو لم يُطلق؟ نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

يقول: والاحتياط في المياه بمُجرد الشك ليس مُستحبًا، ولا مشروعًا، هذا مُكمل للذي قبله؛ لأن هذا يكون من التكلف حينما يتمحل في هذه المياه، هل هي طاهرة أو نجسة؟ الأصل بقاء الطهارة، مياه الشوارع الأصل أنها طاهرة، ولا يحتاج أن يسأل عنها.

يقول: والمائعات كالماء لا تنجس إلا بتغيرها بالنجاسة، المائعات كالماء، يعني: مثل العصير، والشاي، وما إلى ذلك من سائر المائعات، كالزيت لا تنجس إلا بتغيرها بالنجاسة، فإذا وقع فيها نجاسة، ولم يحصل التغير فإنها تكون طاهرة.

"ما كان من باب التروك التي يُقصد تركها، واجتنابها لم يُشترط فيه القصد، وفعل العبد كإزالة النجاسات، ونحوها لكن إذا فعلها العبد بنية التقرب إلى الله؛ أُثيب على ذلك، ومثل ذلك رد الأمانات والغصوب والحقوق، ونحوها".

 يعني: هذه مسألة النية، النبي ﷺ يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[25] فما الذي يُطلب فيه النية؟ عندنا العمل أقسام، الأعمال بالنيات، الأعمال لفظ عام، الأعمال، فما الذي يدخل تحت العمل؟ يدخل تحته أربعة أشياء:

يدخل تحته: عمل القلب، فهذا لا يحتاج إلى نية أصلاً، الخوف، والرجاء، والمحبة، والتوكل، والإنابة هذا ما يحتاج إلى نية؛ لأنه انبعاث من القلب كالنية، فهي إرادة القلب، وتوجهه، وقصده، هذه كلها أعمال قلبية.

وهناك الأقوال، فهذه تحتاج إلى نية، ومن أهل العلم من يستثني ما لا يقع إلا على وجه العبادة، مثل ماذا؟ يقولون: الذكر وقراءة القرآن، قراءة قرآن يقولون لا يمكن تقع؛ لأن النية تُفرق بين العادة والعبادة وأنواع العبادات، فهذا قراءة القرآن والذكر لا يمكن تكون عادة، مثل الاغتسال ممكن للتبرد، وليس الاغتسال الشرعي، فهذا يقع عادة وعبادة، لكن الذكر وقراءة القرآن لا يقع إلا على وجه واحد، فالقصد لا يؤثر فيه، لكن الواقع أنه بحاجة إلى نية من وجه آخر، وهو أن لا يكون القصد محرمًا كالرياء والسُمعة، هذه أقوال اللسان.

وعندنا أفعال الجوارح هذه تحتاج إلى نية، لكن هل كل أفعال الجوارح تحتاج إلى نية؟ يُقال: ما يُقصد به التعبد تُطلب فيه النية في الجملة، فالنية تارة تُفرق بين الفرض وغيره، فهذه صلاة فريضة، وهذه صلاة سنة راتبة، وهذه نفل مُطلق، فيُحتاج إلى النية في هذه العبادات.

ولكن ما كل الأعمال التي تكون بالجوارح أيضًا تحتاج إلى نية مما يتصل بالأجر والثواب، يعني: قد يفعل الإنسان فعلاً، ويؤجر عليه، فالذي يسعى في طلب الرزق يؤجر أو لا يؤجر؟ إن لم يكن تكثرًا، النبي ﷺ: لما قالوا: لو كان ذلك في سبيل الله رجل يتصبب عرقًا، فقال النبي ﷺ: إن كان يقوم على أبوين فقيرين، أو عيال يكفيهم من الفقر فهو في سبيل الله فيؤجر.

الأذى الذي يقع له بغير اختياره الشوكة يُشاكها[26] يكون له بها أجر، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك[27].

وفي بضع أحدكم صدقة[28] قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر[29] فهذا لم يحتسب، ويؤجر.

المرأة التي جاءت لعائشة، وقسمت التمرة بين ابنتيها، فأخبر النبي ﷺ أنها بهذا الفعل: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار[30] المرأة البغي من بني إسرائيل التي سقت الكلب، ما ذُكر أنها احتسبت الأجر عند الله، ومع ذلك غُفر لها[31].

الرجل الذي قطع الغُصن لئلا يؤذي المسلمين[32] قل هذه نية.

لكن يوجد من الأعمال ما لا يخطر في بال الإنسان أحيانًا فيه نية، نية التقرب إلى الله، ويؤجر عليه تبسمك في وجه أخيك صدقة[33][34].

النبي ﷺ أخبر أن الدرهم الذي يُنفقه على نفسه صدقة[35] على أهله[36] وولده صدقة، إكرام الضيف صدقة يؤجر عليها[37] هداية الضال في الطريق صدقة إماطة الأذى عن الطريق[38] صدقة، كل هذه صدقات، ولو لم يُحضر نية؟ ولو لم يُحضر نية، ما لم يكن له قصد فاسد؛ رياء وسُمعة، لكن لو وجدت النية، طلب ما عند الله، فهذا أفضل، لكن هل يتوقف عليه الأجر؟

الجواب: لا، وهذه الأدلة تدل على أنه لا يتوقف عليه الأجر، وهذا التفصيل قلّ ما يُذكر، يعني: الغالب أنه يُقال: لا بد من النية، مع أنه كما ترون الأدلة في بعض هذه الأعمال لا تحتاج إلى نية، ففي هذا التفصيل -والله أعلم- إذًا كم صار عندنا؟ ثلاثة أشياء.

الرابع: الذي هو الترك، التروك، هذا الذي يتكلم عليه شيخ الإسلام يقول: ما كان من باب التروك التي يُقصد تركها، واجتنابها لم يُشترط فيه القصد يتخلص يبري فيه ذمته، لأن الترك -كما يقول شيخ الإسلام- ليس مقصودًا لذاته، بل هو مقصود لغيره، هو من باب التخلي، هل يحتاج إلى نية؟ بغض النظر عن موضوع الأجر.

إزالة النجاسة، وقع على ثوبه نجاسة، وطلع في المطر، وأصابه المطر حتى غسله غسلاً، وذهبت النجاسة، وما نوى، فهذا الثوب أصابته نجاسة، وضع في السطح، أو في الحوش، فجاء مطر، وغسله، ما الحكم؟ ما نوى؟ هذا رجل في ثوبه وبدنه نجاسة، فطب نزل في البحر أو في البركة، أو في ماء، أو في حوض، وما ينوي، هو ينوي الترويح، أو التبرد فقط، وذهبت النجاسة، ما الحكم؟ تزول، يطهر بهذا، ولو لم ينوِ؟! ولو لم ينوِ.

لو أن هذه النجاسة في الأرض مثلاً جاء مطر، وغسلها لا إشكال، جاءت الرياح والهواء، تحولت هذه الميتة إلى مِلح، الخمر إلى خل من غير فعله؛ تطهر، ما يحتاج إلى نية، ولا يحتاج إلى، هذا في باب التخلي.

الآن رد المغصوب، هل يحتاج إلى نية أن هذا مغصوب؟ لو أعطاه هذا المال على سبيل القرض، ثم بعد ذلك تذكر أنه غصب منه، ونِدم، وتاب، ثم قال: هذا الذي أعطيتك لا تُرجعه، ونوى فيه رد المغصوب، أو أن ذاك لم يُرجعه أصلاً، فنوى هذا إبراء ذمته، في رد المغصوب، كان يساويه، فما الحكم؟ تبرأ الذمة، أو لا تبرأ؟ تبرأ الذمة، لا يحتاج إلى نية، لكن لو أعطاه قرضًا، ثم تبين له أنه فقير ومُفلس، أو أصابه فقر وجائحة، وما استطاع يرد عليه، بعض الناس يسأل يقول: أحسبها من الزكاة؟ نقول له: لا، ما يصح، الزكاة لابد ابتداء تنوى، فليست كرد المغصوب، ورد العارية، وقضاء الدين كل هذا إلى نية.

لكن إذا فعلها العبد بنية التقرب إلى الله؛ أُثيب على ذلك، رد الأمانة والغصوب إلى آخره، قصد بذلك ما عند الله، قال: أنا تائب إلى الله، أريد ما عند الله، فهو يؤجر على هذا.

"ما حُرم تحريمًا خفيفًا بأن حُرم لغير ذاته، بل لأنه وسيلة إلى مفسدة؛ أُبيح من هذا النوع ما تدعو الحاجة إليه".

 هذه مسألة مهمة يقول: ما حُرم تحريمًا خفيفًا بأن حُرم لغير ذاته، بل لأنه وسيلة، يعني القاعدة: أن ما حُرم تحريم الوسائل؛ أُبيح للحاجة، هذه قاعدة: ما حُرم تحريم الوسائل أُبيح للحاجة، ما حُرم تحريم المقاصد لم يُبح إلا للضرورة، الآن الميتة نجسة، خبيثة لا يجوز أكلها، فهذا حُرم تحريم المقاصد، يُباح للضرورة؛ إذا خشي على نفسه، ويأكل بما تندفع به ضرورته فقط، كما قال الله : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173] يدخل في عموم قوله: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ[البقرة:173] أشياء ومعاني منها أنه ما يتفنن في أكلها، يعني: الآن حصل له غصة شرب الخمر، ما وجد شيء يدفع الغصة إلا بالخمر، فهل يجوز أن يشربها بطريقة كما يشرب أهل السُكر؟

الجواب: لا، هذا يكون باغيًا، التصوير حرام، فإذا اضطُر إلى الصورة لوثائق رسمية، ونحو ذلك لا يذهب يتزين، ويتهيأ، ويلبس لباسًا خاصًا من أجل التصوير، هذا غير مُضطر هذا ليس بفعل مُضطرين الآن، فهذا حصل فيه البغي والتعدي، وقل مثل ذلك أيضًا فيما حُرم تحريم المقاصد يجوز للضرورة، الخمر حُرمت تحريم مقاصد تجوز للضرورة، حُرم تحريم وسائل يجوز للحاجة، تحريم، وسائل مثل ماذا؟ مُلابسة النجاسة ما حكمه؟ مُحرم لا يجوز، لكنه من باب تحريم الوسائل، هذا من قبيل التحسينيات، وليس من قبيل الحاجيات ولا الضروريات؛ لأن الشريعة جاءت بحفظ الضرورات والحاجيات والتحسينيات، التحسينيات ما يحصل به كمال المروءات، وكون الإنسان على حال مرضية، ملابسة النجاسة لا تجوز، لكن هذا من باب الوسائل، يتنزه الإنسان عن النجاسات، لكن للحاجة يجوز، مثل ماذا للحاجة؟

الآن الذين يشتغلون في المختبرات، تعرفون يُلابسون نجاسات، أو لا، أليس كذلك، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز لوجود الحاجة، أصلاً لا يجوز مُلابسة النجاسة، لكن للحاجة يجوز، المُعاشرة بين الزوجين يكون فيها مُلابسة للنجاسات، المذي نجس على الراجح، فمُلابسته هذه للحاجة لا بأس للاستمتاع بين الزوجين.

عندنا مثلاً: لُبس الحرير للرجال مُحرم، وأُبيح للنساء؛ لأنهن محل التجمل والزينة، وهي بحاجة إلى التزين، أُبيح لها فهو مُباح، بالنسبة للرجل هو مُحرم تحريم الوسائل أو المقاصد؟ الوسائل، لباس أهل الترف والنعيم والخُيلاء، وما أشبه ذلك، فأُبيح للحاجة، لو به حكة، أو أنه ما وجد ثوبًا يلبسه من العُري إلا الحرير، أو أنه أصابه برد، ولم يجد شيئًا إلا حرير يتدثر به، ففي هذه الحال يجوز للحاجة فإذا اُستغني عنه كان مُحرمًا، وما أشبه هذا مما يُباح للحاجة، ما حُرم تحريم الوسائل، فإنه يجوز للحاجة.

كشف العورات محرم تحريم مقاصد أو وسائل؟ مقاصد، إذا كان مقاصد لا يجوز إلا للضرورة، والضرورة تُقدر بقدرها، وإذا قلت: إنه من باب تحريم الوسائل؛ فإنه يجوز للحاجة، يعني: دون الضرورة، الآن توليد المرأة للمرأة ضرورة أو حاجة؟ ما تستطيع المرأة تولد نفسها؟ السابق المرأة أحيانًا تلد في البر، وهي ترعى الغنم، أو لا؟ فإذا قلت -بغض النظر عن الأمثلة- إذا قلت: إنه حاجة فأُبيح، إذا قلت: إن هذا حاجة؛ إذًا هذا كشف العورة من باب الوسائل فأُبيح للحاجة.

الآن النظر في البكارة، وما إلى ذلك، لو تداعى الزوجان، قال الزوج: إني وجدتها غير بكر إلى آخره، أو ادعت أنه عنين، وادعى أنه حصل الوطء، فيؤتى بامرأة لتنظر هذه بكر، أو ليست ببكر مثلاً، هل هذه ضرورة، أو حاجة؟ حاجة؛ جاز معها كشف العورة، فما كان تحريمه من باب الوسائل؛ جاز للحاجة، وتبقى بعض المسائل مُترددة.

قلنا: أكل الميتة تحريم مقاصد، فلا يجوز إلا للضرورة، طيب التعاطي مع النجاسات، والميتات في غير الأكل والشُرب، في علاج خارجي على الشعر، علاج للجلد، علاج بعض أهل العلم قال: لا، هذا أصلاً ما جعل الله شفاء في رجس[39] مطلقًا في الأكل والشرب، وغيره، وبعضهم قال: لا، هذا حُرم من باب الوسائل؛ لأنها نجسة، فيكون من قبيل مُلابسة النجاسة، وليس من قبيل أكل الميتة، ففرق بين هذا وهذا، قالوا: إذًا يجوز التداوي بأشياء من شحم الخنزير، أو من الميتة، أو من أمور، يعني: حشيش -أكرمكم الله- وما أشبه هذا الذين يسأل عنه النساء كثيرًا، هل هذا من هذا؟

هذا فيه خلاف بين أهل العلم، الاستعمال الخارجي، ابن عمر لما سئل عن التداوي بالخمر؟ قال: لو كان في دُبر حماري قُرحة ما وضعتها عليه، دُبر الحمار، يقول: ما أضعها عليه، يعني كيف يضعها على بدنه، لما سئل عن الخمر، هل توضع استعمالاً خارجيًا، يعني: في التداوي.

"ومُلابسة النجاسة جائز للحاجة؛ إذا طهُر ثوبه وبدنه للصلاة".

 هذا مُلابسة النجاسة جائز، يقول: إذا طهُر ثوبه وبدنه للصلاة، يعني: ما تكون على ثيابه، أو على بدنه لا بد من التخلي، والتخلص منها، لكن في غير هذا كما قلت: عمل مُختبرات، أو مُلابسة النجاسات، الاستمتاع بين الزوجين هذا فيه مُلابسة للنجاسة، طبعًا لا أقصد الاستمتاع بما يسأل عنه كثير من الناس عن طريق الفم؛ فإن هذا يُمنع إذا فيه مُلابسة للنجاسة تصل إلى الجوف، فهذا لا يجوز، لكن في غير هذا، فمثل هذا كالمُباشرة باليد، ونحو ذلك، فهذا يجوز، فالاستمتاع بين الزوجين، ولو كان فيه مُلابسة للنجاسة؟! ولو كان فيه مُلابسة للنجاسة.

"من عاب شيئًا فعله رسول الله ﷺ أو أقر عليه؛ عُرّف، فإن أصرّ قُتل كافرًا".

 هذا صحيح ظاهر، فإن من عاب شيئًا مما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- عاب شرعه؛ فإن ذلك يكون كُفرًا، لكن قد يخفى عليه أن هذا من فعل النبي ﷺ فيُذكر له الشيء، فينفر منه، أو يعيبه، فإذا عُرف أنه فعل النبي ﷺ- ينبغي عليه أن يتوب، ويرجع، ويستغفر الله من هذا، فبعض الناس قد يتسرع في بعض الأشياء؛ لأنها تُخالف مثلاً ما عهد ما اعتاده، أو ما يوافق ذوقه، أو نحو ذلك، قيل له مثلاً: رأى إنسانًا يضع الطيب في رأسه، وشعر الرأس، فلربما بادر في عيبه، وقال هذا، يعني: لا يُحسن، ولا يفهم، وهذا نوع من كذا، ونوع من كذا، وتكلم، يحصل يُقال له: هذا فعل النبي ﷺ كان يُرى وبيص المسك في مِفرق رأسه -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا لو ذُكر مثلاً تظفير الرجل، وضع ظفائر لشعره، فعابه، فقيل له: هذا فعل النبي ﷺ يُعرف بهذا، فإن أصرّ، وعاب فعله ﷺ فإنه قد يكفر بذلك.

"الصحيح إن كان من صلى في الوقت بحسب إمكانه لا يُعيد كالعاجز عن شيء من واجبات الصلاة، أو شروطها، أو عن بعضها".

 هذا صحيح، الصحيح قال: لأنه يوجد قول آخر بالإعادة، أن كل من صلى في الوقت بحسب إمكانه لا يُعيد، كالعاجز عن شيء من واجبات الصلاة، أو شروطها، أو عن بعضها، الآن هذا إنسان مريض، وصلى إلى غير القبلة؛ لأن السرير موجه إلى غير القبلة، وعليه أجهزة، أو ما وجد عنده أحدًا، وصوت، طلب مُمرضًا طلب أحدًا، ما أحد أتاه، وحضر وقت الصلاة، وخشي أن يخرج الوقت، فصلى إلى غير القبلة، ثم جاءوا إليه قالوا: ماذا تريد؟ قال: أريد أن أُصلي جهة القبلة، قالوا: نحن نُدير السرير الآن، هل يُعيد الصلاة؟

الجواب: لا، اتقى الله بحسب استطاعته، ما وجد ماء، أو مريض، فجيء له بالتيمم، تيمم، ثم بعد ذلك وجد الماء، أو استطاع أن يصل إليه، رُفع عنه الجهاز الذي كان يمنعه من القيام في الوقت، فهل يُطالب بالإعادة؟ الجواب: لا.

هذا الإنسان صلى قاعدًا؛ لأنه مريض، ثم بعد ذلك وجد له نشاط، ويستطيع أن يُصلي قائمًا في الوقت بعد ما صلى، كان عاجزًا، فهل يُطالب بالإعادة؟

الجواب: لا، وإن كان من أهل العلم من يقول: يجب عليه أن يُعيد، الراجح: أنه لا يجب عليه الإعادة، طيب تحرى، واجتهد في القبلة، وصلى إلى غير القبلة، ثم اكتشف أنه صلى هذا الفرض، أو فروضًا إلى غير القبلة، هل يُطالب بالإعادة؟ الراجح: أنه لا يُطالب بالإعادة.

صلى بثوب نجس، وهو لم يعلم، أو عنده ثياب، وأحدها نجس، فتحرى بغلبة الظن، وأخذ ثوبًا، وصلى فيه على أنه هو الطاهر، وتبين أنه هو النجس، هل يُطالب بالإعادة؟ الجواب: لا.

صلى عُريانًا لأنه لا يجد شيئًا يلبسه، أخذه قُطاع الطُرق، أو كما يقولون: كُسرت به السفينة، وهو يُريد أن يُصلي، وثيابه ذهبت في البحر، ثم وجدت ملابس، لا يُطالب بالإعادة، والأمثلة كثيرة جدًا، لكن ما لم يكن منه تفريط بهذا القيد، ولهذا تأتي مسائل الآن، بعض الناس يقول: أنا استأجرت شُققًا مفروشة، وتحريت القبلة، وصليت، ثم تبين أني صليت على خلاف القبلة، أنا سألت العامل، فقال لي: القبلة من هنا، ثم تبين أن القبلة من جهة أخرى، فما الحكم؟

تجدون كلام العلماء بعضهم يقول: لا يوجد تحري، ولا يوجد اجتهاد في البلد، كان عليه أن يذهب، وينظر إلى المحاريب، ويسأل من يثق به، ولا يسأل أي أحد، فلا يوجد مجال للاجتهاد في البلد، فإن حصل منه اجتهاد؛ فإن صلاته غير صحيحة، وعليه أن يُعيد، حتى لو جلس شهرًا؟! قالوا: حتى لو جلس شهرًا، وبعضهم يقول: الاجتهاد في البلد لا مانع منه، يبذل وسعه، ويجتهد، ولو كان في البلد، مبنى هذا؟ لماذا هؤلاء يقولون: يُعيد، وهؤلاء يقولون لا يُعيد؟

الذين يقولون: يُعيد، يقولون: لأنه مُفرط؛ لأن البلد ليست محلاً للاجتهاد، هذا يُعتبر تفريط، فعليه الإعادة؛ لأنه فرط، الذين يقولون: لا، هو بذل وسعه، وتحرى، ونظر، وفتح النافذة، وأخطأ، وضع البوصلة، تبين أن البوصلة لم تعمل بشكل جيد، فأخطأ، فما الحكم؟

يقولون: صلاته صحيحة، فعلى كل حال إذا بذل الوسع، واتقى الله ما استطاع، قد يسأل إنسان، ويُجيبه خطأ، قد يسأل الاستقبال في الفُندق، أو يتصل عليهم، ويقولون له: من الجهة الفلانية، أو وضعوا لاصقة فيها سهم إلى القبلة، وتبين أن اللاصقة خطأ، ولم يكتشف إلا بعد أسبوع، ليست المسألة ميلان النبي ﷺ يقول: ما بين المشرق، والمغرب قبلة[40] وهنا نقول: نحن بين الشمال، والجنوب قبلة، إلى الغرب يعني، فالمسألة مرجعها إلى التفريط فإن لم يوجد تفريط؛ فكل من اتقى الله، وبذل وسعه فأتى بالعبادة بحسب استطاعته؛ فلا إعادة.

"من اعتقد ما لم يدل عليه دليل شرعي قُربة؛ فهو مُخطأ ظالم".

 من اعتقد ما لم يدل عليه دليل شرعي قُربة؛ فهو مُخطأ ظالم، كما قال الله : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] فهذه الأشياء التي لم يُشرعها الله مما يفعله أهل البِدع يقول: فهو مُخطأ ظالم، شيخ الإسلام يذكر أمثلة على هذا، الآن في بعض البلاد تجدهم إذا سلم الإمام؛ بدأوا بصوت واحد، يُرددون معه الأذكار، أو أدعية، فهذه بدع، ما أنزل الله بها من سُلطان، وعندهم هذه من أوجب الواجبات، تجدهم أحيانًا في بعض البلاد إذا أذن بين الأذان والإقامة يُقرأ القرآن، أو يضعون شريطًا مُسجلاً في مُكبر الصوت إلى الإقامة، وبعضهم يفعل هذا في بعض الصلوات كالفجر مثلاً، ولربما من الأذان الأول، وأحيانًا تجد يوم الجمعة يجلس بعض القُصاص، ويقصون بين يدي الخطيب مثلاً، ويعتقدون أن هذا من أعمال الجُمعة، وما أشبه هذا من البِدع والمُخالفات والمُحدثات التي يفعلها بعض الناس من الأذكار، والأعمال المُختلفة، تعبدات في أوقات معينة، في شهور مُعينة، في أيام في ليالي مُعينة، مواسم ما أنزل الله بها من سُلطان، فهذا كله لا يجوز بحال من الأحوال، وهذا كله من الإحداث في الدين، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

  1. انظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، لأحمد الريسوني (7).
  2. انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (2/252).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم (395).
  4. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (16/522).
  5. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (523).
  6. انظر: دراسات أصولية في القرآن الكريم، محمد إبراهيم الحفناوي (ص: 5).
  7. أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، برقم (5376)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (2022).
  8. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (2020).
  9. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب ذكر الخياط، برقم (2092).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الحلواء والعسل، برقم (5431)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته، ولم ينو الطلاق، برقم (1474).
  11. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، برقم (4025)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (4328).
  12. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الأمر بالكحل، برقم (3878)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (1638).
  13. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، برقم (5812).
  14. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، برقم (1272).
  15. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، برقم (1218).
  16. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب دخول مكة، باب الإيضاع في وادي محسر، برقم (9524)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7881).
  17. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب طول السجود في قيام الليل، برقم (1123).
  18. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين، والشمال، برقم (707).
  19. أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب باب، برقم (7074)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (7033).
  20. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الحجامة من الداء، برقم (5696) ومسلم، كتاب المساقاة، باب حل أجرة الحجامة، برقم (1577).
  21. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم (5680).
  22. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب السعوط بالقسط الهندي والبحري، برقم (5692).
  23. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الحبة السوداء، برقم (5688)، ومسلم، كتاب السلام، باب التداوي بالحبة السوداء، برقم (2215).
  24. أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال، برقم (5357).
  25. أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ برقم (1).
  26. أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم (5640)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، برقم (2572).
  27. أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، برقم (3936)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم (1628).
  28. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم (1006).
  29. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم (1006).
  30. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان إلى البنات، برقم (2630).
  31. أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (3467)، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم (2245).
  32. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم، برقم (1914).
  33. أخرجه ابن حبان في صحيحه، فصل من البر والإحسان، برقم (529)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (530).
  34. أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب حسن الخلق، برقم (474)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (474).
  35. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف، برقم (1445)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم (1008).
  36. أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، برقم (5351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، والوالدين ولو كانوا مشركين، برقم (1002).
  37. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، برقم (6019)، ومسلم، كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها، برقم (48).
  38. أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة، برقم (2631).
  39. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير موقوفاً، برقم (8910)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1634).
  40. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، برقم (342)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (715).

مواد ذات صلة