الإثنين 28 / جمادى الآخرة / 1446 - 30 / ديسمبر 2024
09- السبعينية، الأصفهانية. (القواعد 132-139)
تاريخ النشر: ٢٤ / ذو الحجة / ١٤٣٢
التحميل: 5307
مرات الإستماع: 3255

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فاللهم اغفر لشيخنا ولنا وللحاضرين،
قال -رحمه الله-: من السبعينية.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه الرسالة المسماة هنا بـ "السبعينية" لها أسماء أخرى أيضاً مبثوثة في كتب شيخ الإسلام -رحمه الله، وفي كتب بعض أصحابه وتلامذته كابن القيم وغيره، فيقال لها: "السبعينية"، وهذا العنوان ذكره في كتاب "الرد على المنطقيين"، وذكر أيضاً أسماء أخرى لها.

والحافظ ابن القيم سماها بـ "المسائل الإسكندرانية" نسبة إلى الإسكندرية؛ لأن الشيخ -رحمه الله- كتبها في الإسكندرية، وابن عبد الهادي سماها: "مسائل الإسكندرية في الرد على الملاحدة والاتحادية"، وفي كتاب "النبوات" لشيخ الإسلام سماها: "الرد على ابن سبعين وأهل الوحدة"، ولها عناوين أخرى مقاربة.

المقصود أن هذه الرسالة كتبها شيخ الإسلام -رحمه الله- حينما سيروه على مصر، ثم بعد ذلك أخرجوه من السجن، وأبعدوه إلى الإسكندرية من أجل أنه يوجد هناك كثير من الصوفية من أهل وحدة الوجود آنذاك، وكان قد رد عليهم، وعلى بعض شيوخهم، فرجَوْا أن يقوم أحد من هؤلاء بقتل شيخ الإسلام فيتخلصوا منه، وتكون نفسه قد ذهبت على أيدي أولئك الصوفية، فيستريحون، فلما نفوه إلى الإسكندرية وبقي هناك في مكان أُعد له صار الناس يأتونه ويسألونه ويقرءون عليه، ويناقشونه، ويطلبون منه الجواب والرد على كتب معينة أن يقرأ كل جملة منها، وأن يجيب عنها، وأن يناقشها وهم من أتباع ابن سبعين، وابن سبعين هذا من القائلين بوحدة الوجود، من الصوفية المعروفة بالصوفية الفلسفية؛ لأن الصوفية على نوعين:

صوفية سلوكية بحتة، وهي صوفيه عملية، وهم الذين يُعنوْن بالزهد والتقشف والعبادة، ولربما خالط ذلك شيء من البدع والمخالفات. 

واللون الآخر من الصوفية هي أخطر بكثير من النوع الأول، وهي الصوفية ذات الخلفية الثقافية، يعني التي لها مشرب فلسفي، وهؤلاء مثل: ابن عربي وابن سبعين، وأمثال هؤلاء، وإذا قرأت في كتبهم وفي رسائلهم مثل: "رسائل إخوان الصفا"، أو "الفصوص" وما أشبه ذلك، فإنك تقرأ في كتاب من كتب الفلسفة، وكثير من العبارات لا تُفهم، يعني لا يفهمها من لا يعرف الفلسفة فمزجوا التصوف بالفلسفة، وجاءوا بكفريات وشناعات عظيمة جدًّا، وإذا نظر الناظر فيها ممن عافاه الله من هذا البلاء والشر والفتنة فإنه يتعجب كيف وجدت هذه الأطروحات والأفكار الفاسدة، كيف وجدت ذيوعاً وقبولاً وأتباعاً كثيرين حتى إن بعضهم جاءوا لشيخ الإسلام -رحمه الله- يناقشونه، ويقولون: نحن على هذه الكتب منذ أربعين سنة فبين لنا ما فيها، هات الاعتراضات، فجعل شيخ الإسلام يأخذ بعض هذه الكتب، ويناقش ما قيل فيها عبارة عبارة، وجملة جملة حتى رجع بعض رؤسائهم، وكثير من أتباعهم، فانقلبت الحال على غير ما أراد أولئك الذين نفوه، وقال ما قال -رحمه الله- حينها من أن هذا آخر مُلك الجاشنكير، وهو الأمير الذي كان قد تواطأ مع هؤلاء على الإيقاع بشيخ الإسلام -رحمه الله- حتى إنهم أصروا على أن يسيروه وحده دون أن يذهب معه أحد من أصحابه، وهذا ما حصل، فقد ذهبت دولتهم بعد مدة وجيزة، ورجع شيخ الإسلام، ودعاه الملك الناصر أول ما جاء إلى القاهرة ولم يكن له شأن واشتغال إلا بطلب شيخ الإسلام، وكان يريد أن ينتصر به -بعدما آذاه وحبسه- على أولئك الذين صاروا مع من انقلب عليه من القضاة والعلماء ونحو ذلك، صاروا مع الملك الجديد، فلما استرجع ملكه غضب، وأراد أن ينتقم منهم بفتوى من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، لكن شيخ الإسلام كان أعقل وأذكى وأبرّ منه، فكتب هذه الرسالة -رحمه الله- في مناقشاته تلك، ولا بأس أن أعرض بعض  كلامه هناك.  

شيخ الإسلام -رحمه الله- ناقش في هذا الكتاب هؤلاء المتفلسفة من الصوفية الغزالي، وابن عربي، وابن سبعين، وتكلم على الغزالي، وذكر مقالات شنيعة للغزالي، وما دخل فيه من الفلسفة، وما وافق فيه أمثال ابن سينا، وعبارات له في هذا كجعل اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية إلى غير ذلك.

فالشاهد أن شيخ الإسلام -رحمه الله- رد عليهم جميعاً، يقول: لما دخلت إلى مصر بسببهم ثم صرت إلى الإسكندرية جاءني من فضلائهم من يعرف حقيقة أمرهم، وقال: إن كنت تشرح لنا كلام هؤلاء، وتبين مقصودهم ثم تبطله، وإلا فنحن لا نقبل منك كما لا نقبل من غيرك[1]، فإن هؤلاء لا يفهمون كلامهم.

يقول: هؤلاء الذين يردون عليهم، ويقولون: هؤلاء الضُّلال ما يفهمون كلام هؤلاء، مثل: ابن عربي وابن سبعين، وأمثال هؤلاء، يقول: فقلت: نعم، أنا أشرح لك ما شئت من كلامهم، مثل: كتاب لابن سبعين اسمه: "الإحاطة"، وكتاب آخر أيضاً.

والشاهد أنه شرح هذه الكتب، يقول: فقال لي: لا، ولكن كتاب "لوح الأصالة"، يقول: هذا في رءوس الناس هنا، يقول: "فقلت له هاته، فلما أحضره شرحته له شرحاً بيناً حتى تبين له حقيقة الأمر، وأن هؤلاء ينتهي أمرهم إلى الوجود المطلق"، يعني الذي لا يفرقون به بين خالق ومخلوق، نسأل الله العافية.

فقال: "هذا حق، وذكر لي أنه تناظر اثنان: متفلسف سبعيني، ومتكلم على مذهب ابن التومرت، ابن التومرت أشعري، فقال ذاك: نحن شيخنا يقول بالوجود المطلق، فقال الآخر: ونحن كذلك إمامنا"[2]، -نسأل الله العافية، يعني أن ابن التومرت كان يقول هذا أيضاً؛ لأن الأشعرية مدارس، ولكنهم لا يثبتون لله العلو، فبعضهم يقول: الله في كل مكان، ويمنعون أن يقال: في السماء، أو أنه على العرش استوى.

فذكر شيخ الإسلام أن الوجود المطلق لا حقيقة له ولا وجود إلا في الأذهان، وأما في الأعيان فلا بد من أن يتحدد ذلك، فيقال: وجود الله، وجود المخلوق، وجود زيد، وما أشبه هذا، فيكون لله وجود يخصه، ويليق به، ويكون للمخلوق وجود يخصه ويليق به.

يعني في الخارج لا يوجد وجود مطلق، إنما في الذهن كغيره من الأوصاف، حينما يقال مثلاً: السمع هنا بمعناه المطلق لا وجود له إلا في الذهن، صفة السمع يشترك فيها كل من يتصف بالسمع لكن حينما يقال: سمع الله فهذا وجود بالخارج، فلا بد أن يكون ذلك مختصًّا به، يليق به.

فبين له هذه القضية وشرحها له، وذكر بعض كلامه ورد عليه، وأصبحت الأمور على خلاف ما كانوا يتوقعون، واهتدى خلائق كثيرون من هؤلاء الناس، هذا ما يتعلق بسبب تأليف هذا الكتاب.

قال -رحمه الله-: قد بينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية، فيُغفر له كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية، وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله، وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاء به خطأ كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة.

هذا الأصل الذي ذكره في غاية الأهمية، والحاجة إلى معرفته ماسة، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا كثير، وقد مضى بعض منه، فهو يقرر هنا أن الخطأ في الأمور العلمية والعملية إذا بذل المكلف وسعه، واتقى الله ما استطاع، أن خطأه مغفور، لَا يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، وأن ذلك يتفاوت ويختلف باختلاف الناس، ومن ثَمّ فإنه يفرق بين الأمكنة، والأزمنة، والأحوال، ففي الأزمنة: فإن الأزمنة التي لا تظهر فيها أنوار النبوة، ولا يظهر فيها العلم بدين الله وشرعه؛ فإن ذلك من شأنه أن تخفى كثير من حقائق الدين على كثير من الناس، فإذا بذلوا وسعهم واتقوا الله على قدر استطاعتهم فما خفي عليهم أو أخطئوا به فهم معذرون، فهذا يختلف من زمان لآخر، ولذلك ذكر النبي ﷺ كما جاء في حديث حذيفة عن الذين يكونون في آخر الزمان، ماذا يعرفون؟

لا يعرفون صلاة، ولا صياماً، إنما يعرفون هذه الكلمة، يقولون: أدركنا عليها آباءنا: لا إله إلا الله، فلما سئل عنهم؟ قال: تنجيهم من النار[3]، لا يعرفون صيامًا ولا صلاة، لا يعرفون إلا هذه فقط، قال: تنجيهم من النار، لماذا كانت تنجيهم من النار، وقد لا تنجي غيرهم ممن لا يكون بهذه المثابة، فقط يقول: لا إله إلا الله ثم لا يصلي، فالذي يترك الصلاة لا يكون مسلماً، الذي يتركها تركاً مطلقاً ويترك العمل بالكلية لا يعمل أبدًا هذا لا يكون مؤمناً، فالحاصل أنه قال: تنجيهم من النار؛ لأن هذا غاية ما استطاعوا، وما توصلوا إليه، فهم معذورون، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

وهكذا فيما يتصل بالأمكنة: يختلف من مكان لآخر، ولهذا شيخ الإسلام يقرر في كتبه الأخرى في مواضع أن مَن أسلم على يد بعض الجهمية، أو على يد بعض الرافضة يكون قد انتقل من شر محض إلى ما هو دونه، يعني: إنسان لا يعرف الإسلام أصلاً على وثنية فانتقل إلى إسلام فيه ضلالات، وبدع، وانحرافات وشناعات، فيرى أن هذا الذي لم يعرف الإسلام إلا بهذا، يعني: على يد المعتزلة مثلاً أو نحو ذلك، أن مثل هذا غاية ما استطاع: لَا يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].

وهكذا ذكر أشياء فيمن نشأ في بادية بعيدة، أو ناحية لا توجد فيها أنوار النبوة، ثم بعد ذلك خفي عليه من حقائق الدين؛ فإن ذلك يكون معذوراً، هذا بالنسبة للأمكنة.

وبالنسبة للأحوال: فإنه قد يقع من المكلف أمور لربما تكون كفراً لو وقعت من غيره، ولكنه لغلبة حالٍ من فرح شديد، أو خوف شديد فيقع له الخطأ، أو يقع له شيء من الخلل، أو الانحراف، ومع ذلك قد يكون معذوراً.

ففي حال الفرح الشديد الرجل الذي قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك[4]، فهذه حال، وفي حال الشدة: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنهمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهمْ نَصْرُنَا [يوسف: 110]، هذه القراءة المتواترة، والقراءة الأخرى "كُذِّبوا" وهي لا إشكال فيها، كذّبهم قومهم لما تأخر النصر وأبطأ، لكن هذه أنهم قَدْ كُذِبُوا ما المعنى؟ معناه أن الوعد تخلف، وهل الرسل يظنون هذا الظن بربهم؟

فيقال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكره جماعة من أهل العلم، ومنهم الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي في كتابه "القواعد الحسان": "إن هذه حال عارضة بسبب الشدة البالغة، لكنها لم تستقر في قلوبهم، فما لبثوا أن دفعوها فما ضرتهم"[5]، فيكون ذلك من قبيل الخواطر التي يلقيها الشيطان فيدفعها المؤمن فلا تضره، هذه في الأحوال.

وقل مثل ذلك في الحديث المعروف: الرجل الذي قال لأولاده: إذا مت فأحرقوني ثم انظروا في يوم عاصف شديد الريح، ثم اذروني، فجمعه الله وسأله ما الذي حملك على ذلك؟ هو كان قد قال لهم: "لئن قَدَر الله عليّ ليعذبنِّي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين"[6]، ما الذي حمله على ذلك؟

بعض العلماء يقول: لم يكن شاكًّا في القدرة، وإنما حال عارضة؛ لشدة الخوف، تصرف بهذا التصرف فكان معذوراً.

وبعضهم يقول: بل كان عنده شك في القدرة - قدرة الله- على إعادته إذا عُمل له هذا العمل أُحرق ثم يُذرى بعد ذلك في الريح، شك في القدرة، ومن شك في قدرة الله على البعث يكون كافراً، فبعض أهل العلم -وهو الذي يميل إليه شيخ الإسلام- يرى أن هذا الرجل كان بهذه المثابة، لكن لجهله كان معذوراً؛ لأن الله قد غفر له. 

فهذا فيما يتصل بالزمان والمكان والأحوال، فهذه ثلاثة أمور، ومِن ثَمّ فإن الإنسان قد يقع منه شيء من الإنكار لبعض ما جاء به الرسول ﷺ، أو فعل ما حرم الله مستحلا له مما يكون معلوم من الدين بالضرورة في الأماكن التي تظهر فيها آثار النبوة، قد يفعل هذا مستحلا له كمن يشرب الخمر، ويعتقد أنها حلال، أو يزني، ويعتقد أنه حلال، هذا إذا كان في مكان تظهر فيه آثار النبوة يكون كافراً مستحلاً لما عُلم من الدين بالضرورة، لكن قد يوجد في مكان في غاية الجهل، ولم يستطع أن يتوصل إلى العلم في هذا، وبذل وسعه، واتقى الله ما استطاع، ولكن هذا هو الذي توصل إليه، وهو أن الخمر حلال، فهل يكفر هذا أو يُعلَّم؟

هذا يحتاج إلى أن يُعلَّم، ولذلك أول ما سقط الاتحاد السوفيتي سنة: 1412هـ، المشايخ وطلبة العلم الذين زاروا تلك البلاد ذكروا أن من الناس من قدم لهم الخمر مغتبطاً بمجيئهم، دعاهم في بيته، وقدم لهم الخمر، فلما أخبروه أنها حرام اعتذر إليهم بأنه قد اشتراها بماله الحلال، وأنها من كده وعرق جبينه، يقول: اشربوا لا حرج عليكم المصدر طيب، فقالوا له: إنها محرمة من الكبائر، فلما علم فزع وأخذها وأراقها وهم جلوس في مجلسه، أراقها خارج البيت، هذا ما كان يَعلم، فكان يحتاج إلى أن يُعلم.

ووُجد من الناس من كان يسأل هل له أجر لأنه وجد امرأة قد اشتدت غِلمتها فوقع عليها، فيرى أنه قد أحسن إليها، وقضى حاجتها، فيسأل هل هو مأجور على هذا؟ فمثل هذا هل يرجم؟

الجواب: لا، هل يقال: إنه استحل معلومًا من الدين بالضرورة فيكفر؟ لا، يحتاج إلى أن يعلم؛ ولهذا أقول: مسألة المعلوم من الدين بالضرورة، ومسألة العذر بالجهل هي من المسائل الدقيقة، والذين كتبوا في هذه القضية، أو يتكلمون فيها كثير من هؤلاء يجمع كلام بعض أهل العلم، ويخفى عليه بعض منه، ثم ينبغي أن نفرق في كلام أهل العلم حينما ننقله بين مقام التقرير، يعني حينما العالم يؤصل للمسألة، وفي مقام آخر في واقعة وحادثة عرضت فأراد أن يحذر الناس من مواقعة ذلك ومزاولته، فتأتي عبارات أحياناً بمناسبة معينة في واقعة معينة، وتجد هذا في كلام العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مواضع، فيأتي من ينقل بعض الكلام فإذا قرأه أحد من الناس قال: ما بعد هذا شيء في الوضوح، ويأتي آخر وينقل كلاماً آخر، فإذا قرأه قارئ قال: ما بعده هذا شيء في الوضوح، لكن من عرف كلام شيخ الإسلام في المواضع المتفرقة، أو كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحم الله الجميع- أو كلام بعض العلماء الذين يُنقل كلامهم كالبغوي وغيره، إذا جُمع المتفرق استطعت أن تنزل كل كلام على ما يناسبه، ويليق به، وليس المقصود الخوض في هذه المسألة، لكن هذا الكلام الذي يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هو من هذا المنطلق، من هذا الأصل، فالمسألة دقيقة، وتحتاج إلى سعة اطلاع، وبصر بالشرع، وعلم راسخ، وتحتاج إلى علم بالحال الواقعة، والشخص المعين، كل هذه الأمور يُحتاج إليها، فقد نخرج في النتيجة بأن هذا العمل كفر مخرج من الملة، بقي الحال الواقعة، بقي الشخص المعين الآن، هل هذا الشخص المعين وجدت فيه الشروط، وانتفت الموانع أو لا؟

ومن ثَمّ، فإن هذا لا يكون من بدايات العلم، لمن ابتدأ في طلب العلم، فكيف بمن لم يبتدئ بطلب العلم أصلاً واشتغل بهذه القضايا؟ ثم صار ينزل هذه الأحكام على الناس في كل واقعة، ثم بعد ذلك تعدى هذا إلى أحكام قضائية، وصار يفصل فيها ويقضي، ثم بعد ذلك تعدى إلى أمور وراء ذلك، وهي تنفيذ ما اعتقده مما أوجبته تلك الأقوال أو الأفعال في نظره، فيبدأ ينفذ فيما يزعم حكم الله على هؤلاء الناس، فيحصل بسبب ذلك فساد في الأرض كبير. 

فالمسألة ليست سهلة، تحتاج إلى علم راسخ، وتحتاج إلى بصر، تحتاج إلى معرفة كلام أهل العلم، وتحتاج إلى استقراء، يمكن للإنسان أن يجمع كلاماً لأهل العلم لكن يصب في اتجاه معين، فإذا قرأه أحد مما لا بصر له، ولا خلفية قال: هذه أشياء واضحة كالشمس، ويأتي آخر يغلِّب جانبًا إرجائيًّا مثلاً ويجمع من كلام أهل العلم عبارات وكلامًا لأئمة ثم يعرض هذا، وبالجزء والصفحة، ولربما يصور المقاطع تصويراً، ويقول: انظر، فإذا قرأه أحد من الناس قال: ما شاء الله ما بعد هذا شيء، والحق ليس مع هذا، ولا مع هذا، ولذلك الذي أنصح به دائماً الإخوان والشباب: أن لا يشتغل بهذه المسائل أصلاً، وأن يبتعد عنها، وأن يشتغل بالعلم الصحيح، وأن يأخذه عن أهله، ولا تكون تصرفاته ناشئة عن ردود أفعال، أو أحكام في أوقات لربما تحتدم فيها النفس، أو بموافقة ومحاكاة لغيره في أمور لا بصر له فيها، ولربما يوافق الإنسان من لا علم له، ولم يُعرف قط بطلب العلم، ويزهد في أهل العلم الذين شابت مفارقهم فيه، ثم بعد ذلك يقع في أمور قد تذهب بآخرته، فالمسألة ليست سهلة.       

فالمسائل العلمية والمسائل العملية هذه قد يعذر الإنسان فيها، وهكذا مسائل الإكراه، من الناس من يقول: يعذر بالقول ولا يعذر بالفعل، مع أن هذا لا دليل عليه، فالإكراه المعتبر شرعاً يعذر الإنسان فيه في الأمور العلمية والأمور العملية إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان، ولذلك فالنصيحة التي أنصحكم بها وأنصح بها نفسي: أن يحذر الإنسان غاية الحذر من مثل هذه المزالق، والكتب في العذر بالجهل كثيرة، كتب، ومقالات، ورسائل، وبحوث، وفي قضايا تتعلق بهذا في المعلوم من الدين بالضرورة، وما أشبه ذلك، وكثير من هذه الكتابات ناقصة، قد يكون أصحابها اجتهدوا، هذا الذي توصلوا إليه، بحث في المسألة لكن ليس عنده الخلفية الكافية ليعرف كلام أهل العلم المتفرق في هذه القضايا، وقد لا يكون لديه الفقه فيعرف المناسبة التي قيل لها هذا الكلام والمناسبة التي قيل فيها الكلام الآخر فينزل كل كلام على الموضع اللائق به، وكما قلت في البداية: فرق بين مقام التقرير، والمقام الآخر الذي يمكن أن يكون من قبيل التحذير مثلاً، فرق بين هذا وهذا، وكم أدت هذه الأمور إلى مصائب ومتاهات، ثم بعد ذلك أحياناً قد تقع ردود أفعال عكسية، فيرجع الإنسان إلى حال من الإرجاء، -نسأل الله العافية- لا يكفر عنده أحد،، فلا هذا ولا هذا، فهو لماذا تكلم في البداية من غير علم، ولم يتأهل في مثل هذه القضايا؟ ثم بعد ذلك يبدأ -نسأل الله العافية- يتقلب ظهرًا لبطن في كل حين على مذهب، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أشار إلى هذه المسألة في هذا الكتاب، يقول: قد بسطنا هذه المسألة، لما ذكر حديث هذا الرجل، وهو بهذه المناسبة تكلم على هذه المسألة عند الكلام على الحديث المخرج في الصحيح الرجل الذي قال لأولاده: أحرقوني إلى آخره.

يقول: "قد بسطنا الكلام على هذا الحديث في مسألة التكفير، وما فيها من اضطراب الناس بغير هذا الموضع، وبينا أن من تأول قوله في هذا الحديث: "قَدَر" بمعنى "ضَيّق"، هذا التأويل يعني لئن قَدَر الله عليّ، يعني ضَيّق عليّ، هذا تأويل بعيد، يقول: "أو بمعنى "قضى" من التقدير فلم يصب مقصود الحديث، وبينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية فيغفر له كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية"[7]، قوله: "العملية" هذا في الأصل، أي بغية المرتاد.  

فشيخ الإسلام يذهب إلى أن هذا الرجل أخطأ، يعني وقع له ذلك بسبب جهله، ويقول: "وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]، وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة"[8]، وذكر حديث حذيفة: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا زكاة، ولا صوماً، ولا حجًّا إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولان: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة: ما يغني عنهم قول لا إله إلا الله وهم لا يعرفون صلاة، ولا زكاة، ولا صوماً، ولا حجًّا؟، قال: تنجيهم من النار"[9].

وذكر قول النبي ﷺ كما في الحديث القدسي: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]: قال الله: قد فعلت[10]،  فاستجاب ذلك، وهكذا ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أشياء من هذا القبيل، فهذه مهمة جدًّا، وهذا هو السياق الذي ذكر فيه شيخ الإسلام هذه القاعدة -أو الأصل- وهي كثيرة في كلامه، متفرقة في كتبه بعبارات شتى، لكن المضمون يدور حول هذا.

قال -رحمه الله-: وفتنة الدجال لا تختص بالموجودين في زمانه، بل حقيقة فتنته الباطل المخالف للشريعة المقرون بالخوارق، فمن أقر بما يخالف الشريعة لخارق فقد أصابه نوع من هذه الفتنة، وهذا كثير في كل زمان ومكان، لكن هذا المعيَّن فتنته أعظم الفتن، فإذا عصم الله عبده منها سواء أدركه أو لم يدركه كان معصوماً مما هو دون هذه الفتنة.

هذا الكلام ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد كلام -من المناسب، أو من المفيد أن يُعرف- ذَكَره قبله لما تكلم على هؤلاء الاتحادية، وذكر بعض عبارات هؤلاء في مسألة رؤية الله  وذكر بعض أصولهم الفاسدة، وأن قولهم يرجع إلى الوجود المطلق، قال: "وهذا الكلام هو تعطيل للخالق ولرؤيته، ودعوى الربوبية لكل أحد كما قال صاحب الفصوص -ابن عربي-: ولما كان فرعون في منصب التحكم وأنه الخليفة بالسيف، وإنْ جار في العرف الناموسي لذلك قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"[11]، أي: وإن كان الكل أرباباً بنسبةٍ ما فأنا الأعلى منهم بما أُعطيته في الظاهر من التحكم فيهم، ولمّا علمت السحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه، وأقروا له بذلك، وقالوا: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه: 72]، هو يعتذر لفرعون -نسأل الله العافية-.

ويقول: "فصح قوله: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24]، وإن كان عين الحق، بناء على أن مذهب هؤلاء وحدة الوجود، يعني: أن الجميع هو الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً، ويقول -قبحه الله- بأن الذين عبدوا العجل إنما كفروا؛ لأنهم خصوا العجل، خصوا بعض الأعيان، والمفروض أن لا يخصوا شيئاً منها؛ لأن الكل واحد، كفرٌ يصعب أن يُنقل وأن يقال -نسأل الله العافية- فهذا كلام هؤلاء الناس، فشيخ الإسلام يرد عليهم، ويقول لمّا ذكر حديث الدجال: فقال النبي ﷺ: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين"، يعني الذي قتله الدجال، قطعه نصفين إلى آخره، يقول: فإذا كان فرعون صادقاً في قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى مع أنه لم يأتِ بشبهة صادقة، فالدجال أحق أن يكون صادقاً على قول هؤلاء، يعني: فرعون قال كلمة من غير أي شبهة أن معه خارقًا للعادة مثلاً، أما الدجال فيقول للسماء: أمطري، فتمطر، وللأرض: أنبتي، فتنبت، ويمر بالخَرِبة -يعني الخرائب- ويقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كيعاسيب النحل[12]، إلى غير ذلك مما ذكره النبي ﷺ من الخوارق، فشيخ الإسلام يقول: على قولهم هذا ما معنى التحذير من الدجال، وفتنة الدجال التي نستعيذ منها في كل صلاة؟ على الأقل الدجال عنده خوارق، فرعون ما عنده خوارق.     

يقول شيخ الإسلام: ويكفيك بقوم ضلالاً أن يكون فرعون والدجال صادقين على مذهبهم، وهما أعظم عدو لله من الإنس، وأعظم الخلق فرية في دعوى الإلهية؛ ولهذا أنذرت الرسل جميعاً من الدجال، وأما فرعون فلم يذكر الله في القرآن قصة كافر عدو له أكثر وأكبر من قصته، معلوم أن موسى وعيسى هما الرسولان الكريمان صاحبا التوراة والإنجيل، وموسى أرسل إلى فرعون وعلى يديه كان هلاكه، والدجال يُنزل الله إليه عيسى فيقتله، فيقول: الدجال يزعم أنه الله يقتله المسيح، ولما كانت دعواه الربوبية ممتنعة في نفسها لم يكن ما معه من الخوارق حجة لصدقه، بل كانت محنة وفتنة يضل الله بها من يشاء، ويهدي من يشاء، كالعجل وغيره، لكنه أعظم فتنة، وفتنته لا تختص بالموجودين في زمانه، ثم ذكر هذا الكلام الذي تقدم.  

ثم ذكر أولئك الذين يدعون النبوة، ومن يدعي الإلهية، أو يدعي أنه المهدي أو خاتم الأولياء، أو نحو ذلك، وذكر حديث النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون، قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول[13]، وأنه: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم، ولا يفتنونكم"[14]، إلى غير ذلك من الأحاديث، ثم ذكر أصل الدجل فقال: أصل الدجل التغطية والتمويه والتلبيس، ومعلوم أن مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، وسجاح كانوا مرتدين، وقد قاتلهم أصحاب النبي ﷺ إلى آخره، يعني يقول: هؤلاء بماذا صاروا مرتدين إذن إذا كان فرعون ما شاء الله عند أهل وحدة الوجود؟  

فكيف وجد ابن سبعين في هذه الأشياء التي يقولها، ويتفوه بها، ويكتبها في كتبه كيف وجد هؤلاء الأتباع الكثر؟ كيف وجد هؤلاء الأتباع؟ وإذا نظرت في تاريخ الفرق، وقرأت في كتب التاريخ، ونظرت في بعض رءوس الفرق تجد أنه أحياناً يُتهم بالجنون، ويُرمى بالعظائم، بعضهم كما قيل: يبيت على سكر ويغدو على جرائرها -نسأل الله العافية- مثل ما قيل في ترجمة النظّام، وبعضهم لا يصلي، ويفعل الفواحش، وأمورًا عظيمة جدًّا، ومع ذلك عنده فرقة تنسب إليه، كيف وجد هؤلاء الأتباع وفي أزمنة ليست كزماننا هذا، وفيها علماء وأئمة كثير كالجبال؟ كيف وجد هؤلاء الأتباع؟

هذه عبرة يقف الإنسان معها طويلاً، ولا يأمن على قلبه: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال: 24]، فيطلب السلامة، وطلب السلامة لا يتأتى إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، لا طريق إلا هذا، وأما اتباع هذه الفلسفات والآراء الفاسدة فإن ذلك يودي بصاحبه إلى الهلكة، هلكة محققة، وقد يقول الإنسان بأنه ينظر في هذه الأشياء للتسلية، أو من أجل الثقافة والمعرفة، أو من أجل الرد على هؤلاء، فيعلق ذلك بقلبه، ففتنتهم -أعني أهل البدع- أعلق بالقلب من الجرب، فلا يستطيع أن يتخلص من ذلك، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هنا  بأن  فتنة الدجال لا تختص  بالموجودين في زمانه، هو لا ينكر أن الدجال هو المسيح الدجال المعروف الشخص المعين الذي رآه تميم الداري  وذكر خبره للنبي ﷺ وحذر منه رسول الله ﷺ، وحذر منه الأنبياء[15]، وهو شخص معين، وصفه النبي  ﷺ بأوصافه يخرج في آخر الزمان.

فشيخ الإسلام لا ينكر هذا، لكن يقول: بأن فتنة الدجال هي الفتنة العظمى التي تكون في آخر الزمان حذر منها الأنبياء، ولكن الدجل وتلبيس الحق على الناس بالباطل هذا لا يخلو منه زمان، فشيخ الإسلام يقول: الذين يفتنون بما هو دون ذلك هؤلاء فتنوا لهم نصيب من فتنة الدجال، فلو وجد الدجال لكانوا إليه أسرع، فاليوم تجد بعض الأشياء التي تطرح هنا وهناك من الأفكار المنحرفة تجد لها أتباعًا، واليوم سوق رائجة في هذه الوسائل الجديدة في التويتر، أو الإنترنت، أو الفيس بوك، أو في غير ذلك، يكتب الواحد مثل هذه الأشياء ويجد أتباعاً كثيرين، وهو داخل في قوله -تبارك وتعالى-: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر: 1]، فيتكاثر الناس كم عدد المتابعين له، والمصفقين، والذين يهتفون؟، فيقول: هذا معه خمسمائة ألف، وهذا معه عشرات الألوف، وهذا معه كذا، وهذا معه كذا، أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، ليست العبرة بالكثرة، والله يقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116]، إنما العبرة بلزوم الحق، والحق ما جاء به الرسول ﷺ فهذه أمور يحتاج المؤمن أن يتبينها، وأن يقف عندها، وأن يراجع نفسه، وأن يحاسبها، وأن لا يفتن بفتنة الدجالين في أي وقت من الأوقات، يقول: "بل حقيقة فتنته الباطل المخالف للشريعة، المقرون بالخوارق، فمن أقر بما يخالف الشريعة لخارق فقد أصابه نوع من هذه الفتنة، وهذا كثير في كل زمان ومكان".

قال -رحمه الله-: وأما المؤمنون وولاة الأمور من العلماء والأمراء ، ومن يدخل في ذلك من المشايخ والملوك، فلهم حقوق بحسب ما يقومون به من الدين، فيُطاعون في طاعة الله، ويجب لهم من النصيحة والمعاونة على البر والتقوى، وغير ذلك ما هو من حقوقهم، ولعموم المؤمنين أيضاً من المناصحة والموالاة وغيرها من الحقوق ما دل عليه الكتاب والسنة.

لمّا ذكر ما يجب لله  وما يجب للرسول ﷺ ذكر بعد ذلك ما يجب لغيرهم من أصحاب الحقوق، فذكر هنا ولاة الأمور من العلماء والأمراء، يعني: المقصود من يرجع إليهم الناس فيما ينوبهم، يدخل في ذلك رؤساء العشائر وأمراء الأجناد، وما إلى ذلك، يقول: "ومن يدخل في ذلك من المشايخ والملوك فلهم حقوق بحسب ما يقومون به من الدين"، يعني: أنهم يتفاوتون فيما يستحقون، فليسوا على مرتبة واحدة، فمن كان قائماً بالشرع قائماً بالعدل، فإن له من الحقوق ما ليس لغيره ممن لم يكن متصفاً بهذه الأوصاف.

وقوله: "فيُطاعون في طاعة الله"، هل يقصد شيخ الإسلام أن طاعتهم في الطاعة فقط؟

 يعني: عندنا ثلاثة أشياء: طاعة في الطاعة، فيما يُعلم أنه طاعة لله، وعندنا طاعة في المعصية، وعندنا واسطة بينهما، وهي في الأمور العادية المباحة، فهنا يقول: "فيُطاعون في طاعة الله" هل يقصد أنهم يطاعون فيما يُعلم أنه طاعة لله إذا أمروا بالصلاة، أو الصيام، أو الجهاد، أو نحو ذلك، مما هو طاعة لله فيطاعون في ذلك؟والأمور العادية الأخرى؟ هل يقصد التخصيص؟

شيخ الإسلام له في الاختيارات كلام ذكر فيه تفصيلاً، ذكر فيه أن أئمة العدل يطاعون فيما لا يُعلم أنه معصية، فيدخل في هذا نوعان: الطاعة فيما يُعلم أنه طاعة، وما لا يعلم أنه معصية من الأمور المباحة، وأن أئمة الجور يعني: الذين لهم ولاية شرعية أئمة الجور يطاعون في ما يعلم أنه طاعة فقط، أنه طاعة لله  يعني لا يطاعون في الأمور الأخرى المباحة، أما المحرمة فالجميع لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وله كلام آخر في منهاج السنة وفي بعض كتبه الأخرى قد يفهم من ظاهره الإطلاق فيما لا يعلم أنه معصية، وهذا هو الأظهر والموافق لدلائل الكتاب والسنة؛ لأنه لم يرد فيها استثناء ولا تخصيص، وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور فيما لا يكون معصية لله  فهذا التفصيل حينما يقال: أئمة العدل يطاعون في ما لا يعلم أنه  معصية، وأئمة الجور يطاعون فيما يعلم أنه طاعة، يعني أن طاعتهم في مجال أضيق، هذا لا أعلم عليه دليلاً لا من الكتاب ولا من السنة، بل الأدلة مطلقة إلا في المعصية، كما قال النبي ﷺ: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[16]، ولا يمكن أن تنضبط أمور الناس إلا بهذا: أن تكون الطاعة مطلقة في ما لا يعلم أنه معصية، فإذا كان في معصية الله فلا طاعة، لكن هذا في أصحاب الولايات الشرعية.  

يقول: "ويجب لهم من النصيحة والمعاونة"، لكن هنا العبارة لماذا خصصها قال:  "فيُطاعون في طاعة الله"؟

لأنه في مقام يقرر فيه، ولذلك أحتاج  في كثير من الأحيان أن أذكر السياق الذي قيل فيه الكلام، هنا في مقام لا يريد أن يتحدث عن تأصيل مسألة الطاعة، وإنما يريد أن يرد على هؤلاء الذين يجعلون لأحد من المخلوقين منزلة لا تصلح إلا للخالق مثلاً، فيرد على هؤلاء يقول: من أُمر بطاعتهم من ولاة الأمور والعلماء وما إلى ذلك فإنهم يطاعون في طاعة الله  وليس لأحد طاعة مطلقة، ويُتلقى عنه كل شيء، كما قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، هذا هو المقصود، فإذا فهم السياق الذي قيل فيه هذا الكلام انتفى الإشكال، والله أعلم.

قال -رحمه الله-: وكل من جعل غير الرسول بمنزلة الرسول في خصائص الرسالة فهو مُضاهٍ لمن جعل معه رسولاً آخر كمسيلمة ونحوه، وإن افترقا في بعض الوجوه.

يعني: هذه تابعة للتي قبلها، فهو يقول: الله له حقوق خاصة، فمن أعطى أحداً من المخلوقين شيئاً من حقوق الخالق فقد جعل له شريكاً، ومن أعطى غير الرسول ﷺ شيئاً من خصائص الرسول ﷺ فقد جعله شريكاً له في هذا المقام والمرتبة، كالذين يقولون: إن الأئمة مثلاً يجب طاعتهم ولهم العصمة فيُتلقى عنهم كما يُتلقى عن الرسول ﷺ فهؤلاء أعطوهم منزلة لا تصلح لهم، وغلوا فيهم، بل زادوا على مرتبة الرسول ﷺ وادعوا لهم أنهم يحركون ذرات الكون، وأنها خاضعة لهم، فهذا من خصائص الربوبية.

فهنا لما ذكر هذا الكلام قال: إن الإقرار بهذين الأصلين هو أصل دين الإسلام، فالخالق له حقوق، الرسول ﷺ له حقوق، أما ولاة الأمر من الأمراء والعلماء وما يكون لأهل الإيمان، فإن هؤلاء لهم حقوق تليق بهم، فيطاعون في طاعة الله  إذا أمر الوالد بشيء يطاع، لكن فيما لا يكون معصية، الزوج إذا أمر امرأته بشيء تطيعه فيما لا يكون معصية لله ، فتُضبط الأمور بهذا، فتستقيم أحوال العبد، والله المستعان.

قال -رحمه الله-: من شرحه على الأصفهانية.

هذه الرسالة أيضاً كتبها الشيخ -رحمه الله- حينما كان في مصر سنة سبعمائة واثنا عشر، وهي شرح لعقيدة مختصرة رسالة مختصرة في العقيدة لأحد المتكلمين من الأشعرية اسمه: شمس الدين الأصفهاني، وهذا من علماء الكلام، ألف رسالة في العقيدة لخصها من كتب الرازي، فجاء بعضهم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقال: نريد أن تشرح لنا هذه الرسالة، العبارات إذ قرأتها في هذه الرسالة وشيخ الإسلام ينقل النص -المتن- ثم يشرح يعني تحتاج إلى صبر؛ لأن الكلام الذي فيها كلام بعيد عن أنوار النبوة تماماً، وفيه مغالطات وجهالات، وعبارات لم ترد في الكتاب ولا في السنة، فشيخ الإسلام جلس يشرح لهم ويبين ما فيها من المخالفات، ويسرد الأدلة من الكتاب والسنة، ويبين الدلائل العقلية، وينقض دلائلهم، ويبين نقصها وأطال في ذلك في سائر الأبواب، سواء كان في قضايا التوحيد، توحيد الإلهية، أو الربوبية، وطريقة تقرير هؤلاء له، أو كان ذلك فيما يتصل بالنبوة، وإثبات النبوة، ناقشهم طويلاً في هذه المسألة، أو في غير ذلك من أبواب الاعتقاد في مناقشات طويلة.

قال -رحمه الله-: وقد عُلم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو كان المخلوق مماثلاً للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق يجب وجوده وقدمه، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده و قدمه، بل يجب حدوثه وإمكانه.

سميت الأصفهانية بهذا الاسم؛ نسبة لشمس الدين الأصفهاني، صاحب المتن، شيخ الإسلام يقرر هذا المعنى: عُلم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما..، يجوز في باب الاعتقاد الاستدلال بالأدلة العقلية، هذا لا إشكال فيه؛ لأن الدلائل العقلية الصحيحة هي من جملة أدلة الشرع، كما سبق الإشارة إلى ذلك، أن دلائل الشرع نقلية وعقلية، فشيخ الإسلام يحتج عليهم بالأدلة العقلية، ويوجد في القرآن من الأدلة العقلية أشياء معروفة في هذا، فشيخ الإسلام يذكر هذا الكلام تعليقاً على ما ذكره المؤلف من إثبات سبع صفات على طريقة عامة الأشاعرة، والأشاعرة مدارس منهم من يثبت سبع صفات وهذا هو المشهور، ومنهم من يثبت أكثر من ذلك، وهذه السبع يقولون: إن العقل دل عليها، وهم في إثباتهم لها أيضاً يقع لهم بعض الإشكالات والانحرافات في بعض هذا الإثبات، فشيخ الإسلام يقول: أيضاً كون العقل دل على هذه الصفات، فإن النقل دل عليها، ودل على غيرها، كون العقل دل على هذه الصفات، يقول: هناك صفات دل عليها العقل أيضاً غير هذه السبع، وهناك صفات دل عليها النقل لا تدرك بالعقل، فكون العقل يدل على هذه الصفات لا يعني أن يُنفى ما عداها، وذكر مذاهب المتكلمين منهم من ينفي ما عداها، ومنهم من يتوقف فيه؛ لأن العقل ما دل عليه، فأهل الكلام جعلوا العقل أصلاً، والنقل تابعاً وعاضداً للعقل، وهذا انحراف في أصل  كبير أدى إلى انحرافات كثيرة عند هؤلاء، فشيخ الإسلام يرد عليهم، يقول: عُلم بالعقل -كما مضى نحو هذا الكلام في التدمرية- أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو كان المخلوق مماثلاً للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق يجب وجوده وقدمه، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده، إلى آخره، فهو يقول: من الناحية العقلية أن المثلين يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع على الآخر، والله يجب له أشياء لا تكون للمخلوق، ويمتنع عليه أشياء لا تمتنع على المخلوق، فالله منزه من الصاحبة والولد، والمخلوق يكون ذلك كمالاً فيه، وقل مثل ذلك في أمور كثيرة، فهذا فيما يجوز ويمتنع، فضلاً عن الاشتراك في أصل الصفة.

فالله له ما يليق بجلاله وعظمته من هذه الصفة، فيقول: فلماذا تمتنعون من إثبات  الصفات التي دل عليها السمع؟  لا إشكال في هذا؛ فالخالق غير المخلوق، فما كل ما جاز للمخلوق جاز للخالق؛ لأن الله لا يماثل المخلوقين، ومن ثَمّ فله أوصاف تخصه، وللمخلوقين أوصاف تخصهم؛ فإن حصل الاشتراك في بعضها فإن ذلك لا يعني الاشتراك في أن يكون ذلك من قبيل التمثيل، وأن حقائقها واحدة، ومتماثلة، كما أن ذات الخالق غير ذات المخلوق.

قال -رحمه الله-: الله سمى نفسه بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه بالرحمة والمحبة، وليست رحمته ومحبته كرحمة المخلوق ومحبته، ومعلوم أن صفاتنا بالنسبة إلينا كصفات الله بالنسبة إليه، فكلما لا مثل لذاته لا مثل لصفاته.

هذا الكلام تابع أيضاً للذي قبله وهو أشبه ما يكون بالتطبيق والمثال، فكما أن ذات الخالق غير ذات المخلوق، الخالق له ما يليق به، والمخلوق له ما يليق به، فكذلك أيضاً سمى الله نفسه بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه بالرحمة والمحبة، كما قال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156]، ويُحِبُّهمْ وَيُحِبُّونه [المائدة: 54]، هنا ذكر الأوصاف المتعلقة بالمشيئة والإرادة؛ لأن هؤلاء ينفونها -أعني المتكلمين- في الجملة، يقولون بناءً على اعتبارات معينة: أن ذلك يلزم منه مسألة حلول الحوادث، أو لما يتوهمونه من معانٍ تكون للمخلوقين، يقولون مثلاً: الرحمة انعطاف في القلب، وأن ذلك لا يليق بالله، هو يقول لهم: إن رحمة الله غير رحمة المخلوقين، فكما أن الخالق له وجود يليق به، -تثبتون الوجود- والمخلوق له وجود يليق به، فكذلك لله رحمة تليق به، وللمخلوق رحمة تليق به، للخالق محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، فيقول: أعطُوا هذا ما يستحق، وأعطُوا هذا، كما أننا في ذواتنا وصفاتنا لنا أوصاف حقيقية تليق بهذه الذوات، فرحمتنا ومحبتنا وما إلى ذلك تليق بذواتنا المخلوقة الناقصة، وأما الله فذلك يليق بذاته وجلاله وعظمته، فكما أنه لا مثل لذاته كذلك لا مثل لصفاته، هو يرد عليهم، فهذا مثال تطبيقي على ما سبق.

قال -رحمه الله-: وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر الله به ورسوله من صفاته ليس موقوفاً على أن يقوم دليل عقلي على تلك الصفة بعينها، فإنه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرسول إذا أخبرنا بشيء من صفات الله وجب علينا التصديق به، وإن لم نعلم ثبوته بعقولنا، ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قال الله عنهم: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الأنعام: 124].

هذا الكلام تابع للذي قبله.

قال: ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة ليس مؤمناً بالرسول ولا متلقياً عنه الأخبار بشأن الربوبية، ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك أو لم يخبر به، فإنّ ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به، بل يتأوله أو يفوضه، وما لم يخبر به إنْ علمه بعقله آمن له، وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره وبين عدم الرسول وعدم إخباره، وكان ما يذكره من القرآن والحديث والإجماع في هذا الباب عديم الأثر عنده، وقد صرح به أئمة هذا الطريق.

هذا الكلام ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حينما ذكر نفيهم للمحبة والرضا والغضب ونحو ذلك، بحجة أنهم زعموا أنهم لا يعقلون لها حقيقة إلا ما يليق بالمخلوقين، أما الخالق فإنهم أولوا ذلك بالإرادة، قالوا: المحبة إرادة الإحسان، الرضا إرادة الإحسان، الغضب إرادة الانتقام، ففسروا ذلك وأولوه بالإرادة مع أنه رد عليهم، قال لهم: المخلوق أيضاً يوصف بالإرادة، فعلى أساسكم وأصلكم هذا الفاسد قد شبهتم الخالق بالمخلوق، اشترك الخالق والمخلوق في صفة واحدة.

فإذا قالوا: له إرادة تليق بجلاله وعظمته وللمخلوق إرادة تليق بضعفه ومسكنته، فيقال لهم: قولوا: للخالق محبة تليق بجلاله وعظمته، ورضا يليق بجلاله وعظمته، وغضب يليق بجلاله وعظمته، وللمخلوق كذلك، هو يرد على هؤلاء، لكن هذا الكلام الذي قرره في صدره ذكرت في ما مضى طرفاً يتعلق بمعناه، وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر به الرسول ﷺ عن الله -تبارك وتعالى- أن هذا لا يتوقف على إدراك العقل، فكما قلنا في المرة الماضية: إن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- جاءوا بمَحارات العقول ولم يأتوا بمُحالات العقول، فالعقول قاصرة، فحجاب الغيب دونها لا تصل إلى ما وراء ذلك، فيُتلقى عن طريق الوحي، الذين جعلوا العقول قائدة لهم وقعوا في أمور عظيمة، تركوا الوحي وصاروا يقررون الأصول الكبار فيما يتصل بالأمور الغيبية مما يتعلق بالله وجلاله وعظمته، ونحو ذلك بالدلائل العقلية والمنطق اليوناني.

فإذا قرأت في بعض كتب هؤلاء والمتون التي يدرسونها في معاهدهم ونحو ذلك كأنك تقرأ كتابًا في المنطق، وتصيبك الدهشة أين ما جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام؟ أين ما جاء به النبي ﷺ؟ أين الأدلة الكثيرة التي في القرآن؟ يقرر الله فيها قضايا الاعتقاد التي هي أجلّ القضايا وأشرفها وأعظمها؟

فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- جاءوا لتقرير التوحيد أولاً، ثم يأتي هؤلاء ويلغون هذا كله، ويعتمدون على منطق اليونان، وكلام أهل الفلسفة، مع أن شيخ الإسلام يقرر في كتبه أن الفلاسفة هم أضل الناس في الإلهيات؛ لأنهم لا يستضيئون بالوحي، فهو يقول: من يثبت ما أدركه عقله فقط وما لم يدركه عقله نفاه أشبه الذين قال الله عنهم:لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ، يعني: نحن لا نقبل منك، لا نقبل من الرسل حتى نكون بمنزلتهم، فنصل إلى ما وصلوا إليه، أمّا أن نتلقى عنهم فلا، يقول هنا: "فإنّ ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به بل يتأوله، أو يفوض، وما لم يخبر به إنْ علمه بعقله آمن به، وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره.."، يعني: كأن الرسل ما بعثوا فضلاً عن الدلائل الأخرى، فقضية الإجماع مثلاً لا قيمة لها عندهم؛ لأن الإجماع ليس بدليل عقلي وإنما هو من جملة الأدلة النقلية، والإجماع له مستند إما من الكتاب وإما من السنة، والإجماع يُنقل، فهو ليس من دلائل العقل، فمثل هؤلاء لا قيمة للوحي عندهم ولا لهذه الدلائل العظام كالإجماع، فتبقى العقول الفاسدة، المتفاوتة.

واليوم تسمع من يقول مثل هذا الكلام ويردده، ربما بلا وعي أحياناً، شباب صغار يرددون هذا، يقول: أعمِل عقلك، لا يملي عليك أحد، لا تسلم قيادك لهؤلاء -يعني العلماء- وإنما لك عقل تفكر به، فيجترئ على رد الأحاديث الثابتة في الصحيحين، وحقائق كبار من الدين؛ لأن عقله بزعمه لم يدركها، أو لا يقر بها، أو لم يفهمها، أو نحو ذلك، فيبدأ يحكم بعقله، ويملي هذا على الآخرين، ويقول لهم: عندكم عقول، لا تُؤجر عقلك على الآخرين، وهذا يقوله بعض الشباب الصغار في المرحلة الثانوية، ويجد هذا سوقاً رائجة في هذه الوسائل التي أشرت إليها آنفاً، وقد يقع بعضهم في بعض عباراته بالكفر الصريح، وتتحول المسألة إلى أذواق وأمزجة وعقول، ما أملاه عليه عقله قبله دون قيود من الوحي والنقل، وهم أجهل الناس في هذا الباب، ثم بعد ذلك يبدأ يثبت وينفي، ويتكلم في المسائل العظام بناء على ذلك، وهذه الفتن الواقعة اليوم التي ترجع إلى هذا الأصل بسبب اتباع العقول الفاسدة، أو ما يظنونه من هذا القبيل، هو من الضلال المبين الذي وقع فيه كثير من الناس، وستجدون هذه الأيام من يكتب ويتكلم، يعني: يرد دلائل الكتاب والسنة ولا يلقي لها بالاً أو لا يعرفها أصلاً، فيعتقد أن الشعب هو مصدر السلطات، أن الحرية هي الأساس والأصل، وأن الشريعة تأتي بعد ذلك، مع أن دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- واضحة جدًّا، التوحيد، تعبيد الناس لله لا للحرية، ولا لشهواتهم، والأهواء ليس لها منتهى، وليس لها حد، والعقول في غاية التفاوت، والرسل -عليهم الصلاة والسلام- في دعوتهم ما جاءوا يقولون: نحن جئنا ندعو للحرية، الحرية قبل التوحيد، الحرية أولاً ثم التوحيد والعبادة والدين والشريعة ثانياً، لا، جاءوا يُعبِّدون الناس لله رب العالمين: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه [الأعراف: 85]، هذه التي تحصل بها النجاة، ولا يقول أحد: إنهم كانوا في مجتمعات منفتحة، فقد كانت الأحوال معروفة من الظلم، القوي يسطو على الضعيف، وهناك أمم يسودها الإقطاع والقهر والتهميش، وأمم أخرى قد احتُلت بلادهم واستُعبد أهلها، وما إلى ذلك، والمرأة في أوضاع معروفة في الجاهلية، ما جاءوا يقولون: جئنا لنقرر الحرية أولاً، عليكم بالحرية، ندعوكم إلى الحرية، بل قالوا لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه، وانظروا وتأملوا في دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بماذا خاطبوا أقوامهم؟

فهؤلاء الذين يعتقدون أنه لا سيادة للشريعة، وإنما السيادة للشعب، والسيادة للجماهير، الكلمة أولاً وأخيراً للشعب، والشعب هو مصدر السلطات، هذا هو الكفر الأكبر الذي له قرنان، نسأل الله العافية.

ولكننا لا نقول بكفر هؤلاء؛ لأن كثيرًا من هؤلاء لا يفقهون ما يقولون، ولا يدركون أبعاد هذا الكلام وخطورته، فهم جهلة يحتاجون إلى تعليم وتبصير، وأن يُفتح أمام الواحد منهم المصحف، ويقرأ عليه الآيات ماذا جاءت به الرسل؟ وماذا خاطبوا أقوامهم؟ وما الذي دعا الله إليه؟ ثم بعد ذلك يأتي نقاش آخر.  

وقل مثل ذلك في هؤلاء الذين يقولون: إن الديمقراطية هي الأساس، وهي الأصل، وهي المطلب، وهي الغاية، وما إلى ذلك، أين الشريعة؟ أين شرع الله ؟  

فهؤلاء إنما يريدون أن تسود الأهواء، وأن يُعبَّد الناس لها، هؤلاء الذين يقولون: الشعب مصدر السلطات هؤلاء يطالبون بأهوائهم، وما تمليه عليهم نفوسهم، فيكون المتبوع هو الهوى وليس الشريعة، الشريعة إنما جاءت لإخراج الناس من داعية الهوى إلى العبودية لله  جاءت لتعبيد النفوس لربها وخالقها  لهذا جاءت الشريعة، إخراج الناس من ربقة الهوى، فإذا جاءوا مع هذا بالوادي الذي طم القرى، وقالوا بهذا المنهج الجديد، المنهج الذي يسمونه التيسير، فحلحلوا نصوص الشريعة على قاعدة: لا حرج، ودعونا في الأمور القطعية، كلمات مجملة يقولونها: دعونا في الأمور القطعية، وما وراء ذلك هذا أمر لا ينبغي أن نلزم الناس فيه، إذن ضاعت الشريعة.

فإذا أضفت إلى هذا القضايا الخلافية، وأنه يجوز للمكلف أن يتخير، وأن يقلد فيما شاء من هؤلاء فهذا خروج من ربقة التكليف -نسأل الله العافية- فصار ذلك الضلال في الأمور العلمية والاعتقادية، وصار أيضاً في الأمور العملية، وصار الناس يتبعون أهواءهم بدلا ما يتبعون الشريعة، فالشريعة تقيد حرية هؤلاء الناس، هناك هامش من الحرية أقره الشرع، ولكن لم يجعلها حرية مطلقة، هم عبيد لله  يتقيدون بضوابط وحدود الله  وقد توعد الله من تعدى حدوده، ثم هؤلاء يريدون إلغاء أصل كبير بعض أهل العلم جعله من أركان الإسلام، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مضاد للحرية بحيث يوقف هؤلاء الذين يتجاوزون حدود الله عند حدهم، ويؤخذ على يد هؤلاء السفهاء، فهذا مناهض للحرية؛ ولذلك ضاقت صدورهم ذرعاً به، ويرون أنه مظهر من مظاهر التخلف، والتسلط على الناس بغير حق، نسأل الله العافية.  

فأقول: هذه ضلالات كبار تروج، ويردد بعضَ العبارات بعضُ الشباب الذين لا يفقهون مراميها، فهؤلاء تارة منهم من يردد كلمات سمعها، ومنهم من يريد أن يُغرب على زملائه، ومنهم من يريد أن يتميز بشيء يجد له فيه تابعاً، يعني حينما كان في وسط بيئة صحيحة تتبع الوحي، وتلزم السنة، ونحو ذلك، وجد نفسه في هامش الناس، لم يكن له بصر بالعلم، ولم يكن له نصيب في المجاهدة والعمل، فأراد أن يُتبع فلا بد أن يأتي بأشياء، كما قيل: أعيتهم الآثار أن يحفظوها جاءوا بهذه الأمور.

وبعض هؤلاء يكون قد تشرب هوى إمّا لقراءة كتب مترجمة، أو أن هذا يقرأ لبعض العتاة الكبار من أئمة الضلال الذين ينتسب بعضهم إلى الإسلام وهم في غاية الانحراف، فكان بعضهم في يوم من الأيام على مذاهب يسارية، أو غير ذلك، ثم أرادوا أن يأتوا بإسلام بحسب ما فهموا، وليسوا من أهل العلم لا في قليل، ولا في كثير، فصاروا يقررون حقائق الدين بحسب جهالاتهم وتصوراتهم الفاسدة والرواسب التي عندهم من قبل.

الشوكاني -رحمه الله- درس العلوم الكلامية ويقول في بعض رسائله السلفية: إنه ما استطاع أن يتخلص من اللوثات الكلامية، مع أنه يرفع راية السلف واتباع السلف بقوة، ويناضل دونها، وكاد أن يقتل مراراً، و مع ذلك يقول: ما استطعت أن أتخلص من اللوثات الكلامية.

وذكر شيخ الإسلام هذا بالنسبة للأشعري ولجماعة ممن تابوا من العلوم الكلامية ما استطاعوا، فكيف بمن درس المذاهب الغربية والفلسفات الغربية بعجمتها أحياناً، يعني: تعلم العجمة، وغلبت عليه أكثر من العربية، إمّا اللغة الفرنسية أو اللغة الإنجليزية، أو غير ذلك، فصار أعجمي القلب وأعجمي اللسان، ثم صار يقرر هذه الأصول وليس من العلم في قليل ولا كثير، ثم يُخرج هذا في كتب مزوقة مزينة لها أغلفة جذابة، وبأحجام لربما تليق بمن قصرت همته عن قراءة الكتب المصنفة في العلم -الكتب الكبار ونحو ذلك، وتجد هؤلاء يتهافتون عليها وصارت موضة العصر.   

وأنا أدعو بعض هؤلاء الذين يحبون الإغراب أن يقرءوا في كتب شيخ الإسلام، ولن يفهموا كثيراً منها، لكن لو قرءوا مثل: "الأصفهانية" هذه، وقرءوا في "درء تعارض العقل والنقل"، و"الرد على المنطقيين"، و"التدمرية" ونحو هذا، سيجدون عبارات لا يفهمونها، كأنه يتكلم بلغة أخرى، فمن الناس -كما قال شيخ الإسلام- من لا يُشبع نهمته إلا هذا، يعني يزهد في الكلام الواضح السهل، والأدلة الواضحة المرتبة على مقدمات بدهية دون أن تذكر؛ للإقرار بها ومعرفتها، فلا يقبل إلا الأدلة المعقدة، يقول شيخ الإسلام: مثل هذا قد ينفع في معالجته مثل هذا الطريق الصعب الوعر؛ لأنه يريد أن لا يخاطب بما يخاطب به العوام، فمن هؤلاء من يكون منطلقاً من هذا المنطلق أنه يريد أن يتميز؛ ولهذا كنت أدعو إلى إقامة برامج في الأماكن التي يحضر فيها هؤلاء، في جامعات، أو في فنادق؛ لأنهم لا يحضرون في المساجد، هم أكبر من أن يحضروا في المساجد، المساجد لنا ولأمثالنا من المساكين، لكن هؤلاء قاعة في فندق خمس نجوم، ممكن في قاعة في جامعة مرموقة، ويؤتى لهم ببعض المحاضرين الذين يلقون محاضرة من أولها إلى آخرها بشرط أن لا يفهم هؤلاء الحضور كلمة واحدة منها، وهذا ممكن وأعرف نماذج يمكن أن يلقي محاضرة لا يفهم الحضور شيئاً مما قال، أعني الحضور من هذا الصنف، ما أعني طلبة العلم، يخرجون ما فهموا شيئاً، فيعرفون أن في الزوايا خبايا، ولذلك يعجبني ردود الشيخ محمود شاكر -رحمه الله- جُمعت ردوده في الصحف، في مدة مضت، وكان يرد عليهم ردودًا بليغة؛ لأن هؤلاء ينتسبون للأدب وما هم من الأدب في شيء، انظروها جمعت في كتاب اسمه أباطيل وأسمار، فأنا أتمنى ممن يرد على هؤلاء في الكتابات ما يرد عليهم أي أحد، يرد عليهم من يقطع دابرهم، وبأسلوب أدبي رائق يلعب بهم، كأنما تقرأ مقامة من المقامات الأدبية، لا يُبقي ولا يذر، فمثل هذا يعلمهم ما هو الأدب الحقيقي، الذين يولعون بالأدب ويزعمون أنهم أدباء، وهذه أمور يعرق لها الجبين حينما ترى بعض الناس ليس من الأدب في شيء، ويسمي نفسه أديبًا، وكنت أظن أن بعضهم يمزح، ورأيت مرة له قصيدة أرسلها وكاتبٌ عليها: الأديب، ما بقي من الأدب إلا هذا فلتُكسر الأقلام، هذا أدب! مماحلة صبيان، لكن الإنسان لا يبصر عيوبه. 

والصنف الآخر هم الذين يزعمون أنهم  يتبعون العقل والمنطق، وأن الإنسان لا يؤجِّر عقله للآخرين، هؤلاء يمكن أن يخاطَبوا بلغة راقية فيها دلائل عقلية، وما أشبه ذلك مما لا يفهمونه، ولعلي آتيكم ببعض عبارات شيخ الإسلام هي من هذا القبيل، ويوجد بعض المعاصرين يُحسن هذا، وقد حصل أنه ألقى بعض المحاضرات في عدد من الأماكن في نوادٍ أدبية ونحو ذلك، وخرجوا وكل واحد فاتح فمه، لا يدرون ماذا قال آنفا، فهذا دواء ينفع لمثل هؤلاء الذين يأتون بهذه العظائم.

فالمسألة خطيرة، المسألة ليست سهلة، قد تذهب بعقيدة الإنسان، بتوحيده، بإيمانه، وسيأتي من كلام شيخ الإسلام أشياء من هذا القبيل.

قال -رحمه الله-: من عرف حقائق أقوال الناس وطرقهم التي دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة، فعَلِم الحقَّ ورَحِم الخلقَ، وكان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول ﷺ فإنهم يتبعون الحق، ويرحمون من خالفهم باجتهاده؛ حيث عذره الله ورسوله، وأهل البدع يبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم فيها.

يعني: شيخ الإسلام لما ذكر مذاهب هؤلاء في مثل هذه الصفات الاختيارية: الغضب، والرضا، والمحبة، ونحو ذلك، وقالوا: إن الغضب إرادة الانتقام وأولوه بهذه التأويلات ذكر الحامل لهم على هذه الأشياء، ومسألة الكفر والمعاصي والذنوب إلى آخره هل يحبها الله أو لا يحبها؟ لا يفرقون بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فأولوا المحبة بالإرادة، ثم وقعوا في إشكالات: 

هذا الكفر الذي وقع، والمعاصي هل أرادها الله أو لا؟ فحاصوا هنا، وتفرقت مذاهبهم فيه، بعضهم قال: ما أراد لكنها وقعت، وكما ناظر بعضُهم ودعا أحدَ الملاحدة من الدهرية في سفينة دعاه إلى الإسلام فقال له: إن الله أراد منك الإيمان والشيطان أراد منك الكفر، فقال ذاك: ومن الذي تحققت إرادته؟ قال: الشيطان، قال: إذن هذا شيطان قوي، أقوى من الرب الذي تدعوني إليه.

فهم ربطوا بين الإرادة والمحبة فقالوا: إن كل ما وُجد في الكون أراده الله ، الذين قالوا: أراده قالوا: الإرادة تقتضي المحبة، إذن الله أحب ذلك، وبعضهم نفى قال: لا، ما أراده؛ حتى لا يلزم منه المحبة.

أما أهل السنة فيقولون: الإرادة نوعان: إرادة كونية لا تقتضي المحبة، كوقوع الكفر، والشرك، والفواحش، أرادها كوناً، لا يقع في الكون تحريكة، ولا تسكينة إلا بإذنه وإرادته، والإرادة الثانية الإرادة الشرعية الدينية، الأمر بالإيمان، والتقوى، والطاعة، والعفاف، فهذه إرادة شرعية يحبها الله  ويحب مقتضاها، بالتفصيل المعروف في الإرادتين، هؤلاء ما فهموا هذا، فشيخ الإسلام يقول: إن هؤلاء أرادوا تنزيه الله فوقعوا في هذا الإشكال، وأن أهل السنة يبينون الحق، ويرحمون الخلق، فهؤلاء الذي أدى بهم إلى هذا فهمهم الفاسد، فيَقصد أن الإنسان كما قال ابن القيم في النونية:

واجعل لقلبكَ مُقلتيْن كلاهما بالحقِّ في ذا الخلقِ ناظرتانِ[17]

الأولى: ينظر إليهم بعين القدر أنهم مساكين ضلوا، وأن الله لم يهدهم، فيرحمهم، وإذا نظر إليهم بعين الشرع فإنه يقيم أمر الله فيهم، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزجر ونحو ذلك، فيمن يستحق الزجر، وهكذا حينما يقوم عليهم الأئمة بالأحكام الشرعية من التعزيرات والحدود، وما إلى ذلك، هذا النظر إليهم بعين الشرع، فينظر إليهم بعين القدر نظر رحمة، ويحمد الله أن عافاه من ذلك، كما قال ابن القيم:

فاحمَدْ إلهكَ أيُّها السُّني إذ عافاك من تحريفِ ذي بهتانِ[18].

ويقول:

لو شاء ربُّك كنتَ أيضاً مثلهم فالقلبُ بين أصابعِ الرحمنِ[19].

فالإنسان لا يسخر من الناس، ولا يستهزئ بهم، وإنما يسأل ربه العافية، فيبين الحق وينهى عن الشر والباطل وينكره ويعرض عنه، ويسأل ربه السلامة والعافية، هذا منهج أهل السنة والجماعة، بينما أهل البدع كما قال: "يبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم فيها".

شيخ الإسلام يقول: "أهل السنة يتبعون الحق ويرحمون من خالفهم باجتهاده؛ حيث عذره الله ورسوله"، هذا الذي بذل وسعه، تجد أحياناً علماء لا يُتهمون في صدقهم، ومع ذلك وقعوا في انحرافات، وقضايا كلامية، ونفوا بعض الصفات، أو أولوها، أو نحو ذلك، لكن هو غير متهم، هذا الذي أدى إليه اجتهاده، لا نتابعه في هذا، ونرحم الخلق، ونبين الحق، ونتبعه، هذا طريق الوسط.

  1. انظر: النبوات لابن تيمية (1/ 398).
  2. انظر: المصدر السابق (1/ 401).
  3.  أخرجه ابن ماجه، أبواب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، برقم (4049)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (87).
  4.  أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، برقم (2747).
  5. انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص: 155).
  6. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ [سورة الفتح:15]، برقم (7506)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، برقم (2756).
  7. انظر: بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية (ص: 311).
  8. انظر: بغية المرتاد (ص: 311).
  9. أخرجه ابن ماجه، أبواب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، برقم (4049)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (87).
  10. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوه [سورة البقرة:284]، برقم (126).
  11. انظر: بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية (ص: 477).
  12. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم (2937).
  13. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3609)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، برقم (157).
  14. أخرجه مسلم، في المقدمة، باب في الضعفاء والكذابين ومن يرغب عن حديثهم، برقم (7)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (8151).
  15. أخرجه ابن ماجه، أبواب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، برقم (4077)، والنسائي في الكبرى، برقم (4245)، وأحمد في المسند، برقم (25089)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1361).
  16. أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (381)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7520).
  17. نونية ابن القيم (ص:19)
  18. المصدر السابق (ص:20).
  19. المصدر السابق (ص:25).

مواد ذات صلة