الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله..» (5-5)
تاريخ النشر: ١٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٦
التحميل: 2874
مرات الإستماع: 3723

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلا زلنا نتحدث عن حديث جبريل ﷺ، لما سأل النبيَّ ﷺ عن السؤالات المشهورة عن الإسلام، والإيمان، والإحسان.

ثم سأله عن الساعة، فلما سأل النبيَّ ﷺ عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، فسأل النبيَّ ﷺ عن أماراتها.

قال: فأخبرني عن أماراتها، جمع أمارة وهي العلامة، بمعنى: ما هي العلامات التي يعرف برؤيتها، أو بوقوعها أن الساعة قريبة الوقوع؟.

قال: أن تلد الأمة ربتها...، هذه العلامات التي ذكرها النبي ﷺ هي من العلامات الصغرى، والساعة كما هو معلوم لها علامات صغرى، ولها علامات كبرى، والعلامات الصغرى أكثرها قد تحقق ووقع، ومن ذلك أن النبي ﷺ ذكر جملة من الأحاديث التي يذكر فيها أشراط الساعة الصغرى، كالنار التي تخرج في أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصرى[1].

ووقع ذلك في القرن السابع الهجري، بعد الستمائة من الهجرة، وقعت نار في حَرَّة المدينة من الناحية الجنوبية الشرقية، من ناحية المطار إلى ناحية طريق القصيم الآن، وهو ما يعرف بحرَّة النار.

خرجت تلك النار، وفزع أهل المدينة فزعاً شديداً، وتابوا إلى الله وامتلأ بهم المسجد النبوي، وكُتبت أخبارها في ذلك الحين، ورئي ضوءها يلوح في أعناق الإبل هناك ببُصرى، وهي نار بركانية ضخمة وصفها الواصفون بما توصف به البراكين اليوم، ومن نظر إلى ذلك المحل عرف هذا، فأخرجت الأرض حمماً نارية، صخوراً ذائبة ملتهبة، تسيل كأنها الطوفان، حتى مالت إلى ناحية المدينة، فخافوا أن تصل إلى مسجد رسول الله ﷺ وأن تحرق المدينة بكاملها، ثم بعد ذلك مالت ناحيةً عنه إلى أن توقفت.

وكذلك ذكر من علاماتها أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله[2]، وكذلك أيضاً ذكر أموراً كثيرة منها أنه ﷺ قال: بعثت أنا والساعة كهاتين[3] وجمع بين المسبِّحة والوسطى كهاتين.

قال: أن تلد الأمة ربتها الأمة بمعنى المسترقّة التي تباع وتشترى، فأن تلد ربتها هذا يحتمل أن يكون المراد به كثرة ما يحصل من الإماء، بسبب الفتوحات الإسلامية؛ لأن أصل الرق الكفر كما هو معروف.

فتحصل فتوحات كثيرة حتى إن الإماء لكثرتهن لربما وطَأ الرجل المرأة بملك اليمين، ثم بعد ذلك تتداول في الأيدي لكثرة الإماء، فلا يتمسك بها صاحبها، يشتريها هذا، ويبيعها الآخر، حتى يشتريها ابنها الذي من ذلك السيد الذي قد وطأها وباعها أو وهبها، تكون في ملكه، يشتريها وهو لا يعلم، وهي أمه؛ لأن الرجل إذا تسرّى بالأمة، ثم جاءت بولد فإنه يكون حراً، وإذا تزوج الأمة بعقد نكاح فإن الولد يكون عبداً يملكه سيد هذه الأمة، فيمكن أن يكون هذا هو المراد.

ويمكن أن يكون المراد بذلك: أن هذا يعني تغير الأحوال من جهة أن الأمة إذا أنجبت ولدا فإن عامة الصحابة يرون أنه لا يجوز بيعها، وإنما تعتق بوفاة سيدها، فإذا مات صارت حرة، وهي التي يسمونها أم الولد، وهذا الذي عليه عامة الصحابة فمن بعدهم، وخالف فيه علي بعد ذلك، وكان موافقاً لهم، ثم خالف فيه في أيام خلافته، ورد عليه الصحابة، وقالوا: إن رأيك في حال الاجتماع أحب إلينا من رأيك في حال الافتراق.

فيحتمل أن المراد أن هذه الأمة التي قرر عامة الصحابة فمن بعدهم أنه لا يجوز بيعها؛ لأنها أنجبت من سيدها ولداً، أن الأمور تتغير والناس يفرطون، ويتساهلون، ولا يلتفتون إلى أحكام الشرع، ثم تباع أمهات الأولاد، ثم بعد ذلك قد يشتريها هذا الابن أو البنت وهو لا يعلم.

ويحتمل أن تكون أم الولد هذه لا تعتق بعد موت سيدها، لا يطبقون الأحكام الشرعية فتصير ملكاًً لوارثه -للولد أو البنت- فتكون الأم مسترقة لولدها، وهذا لا يجوز.

ويحتمل أن يكون المراد بذلك العلو والتسلط، أن تلد الأمة ربتها، بحيث يكثر العقوق، وتكون الأم بمنزلة المسترقة عند البنت، وسواء كان هذا، أو هذا، أو هذا فإن الفعل يدل على تغير الأحوال.

ومن فهم منه أن ذلك يكون بسبب كثرة الإماء فيحصل هذا الاختلاط، وأن ذلك لم يقع بعد قالوا: هذا يدل على أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وأن الاسترقاق سيرجع من جديد.

أما الجهاد فلا شك أنه ماضٍ إلى يوم القيامة، كما أخبر النبي ﷺ، فهذا ضمان من الشارع، وأما ما يتعلق بكون هذا الحديث يدل على أن الاسترقاق سيرجع فهذا علمه عند الله لأن هذا الحديث لا يدل بالضرورة على ذلك، وهذا الأمر قد يكون وقع في السابق، كانت الإماء بكثرة إلى وقت قريب.

بل إن عبد الملك بن مروان جيء إليه وهو يخطب الجمعة على المنبر بنحو ثلاثين من ملوك الفرنج، وهم من ملوك أوروبا، عليهم تيجان الذهب، مقيدين في الأصفاد، فهذا هو العز، وهذا هو المُلك الذي يفتخر بمثله، ليس بالفوز بمباراة.

قال: وأن ترى الحفاة، العراة، العالة، رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان حفاة لفقرهم، عراة لقلة ذات اليد، رِعاء الشاء وذلك أن رعاء الشاء هم أهل الضعف والمسكنة، بخلاف أهل الإبل، فهي من أعظم الثروات عند العرب، ولذلك يقال: حمر النعم، وأيضاً هذه الإبل يكون أهلها من أهل الكبر والتعالي والرفعة.

أما رعاء الشاء فهم يكونون أهل مسكنة وأهل ضعف، فهم أناس ضعفاء، يتحولون إلى شيء آخر في آخر الزمان، يتطاولون في البنيان، بمعنى أن كل واحد منهم ينافس الآخر، أيهم أكثر رفعة في البنيان، وهذا الأمر قد وقع، وهو شيء مشاهد، الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.

وهذه الأشياء التي ذُكرت في هذا الحديث، أو التي ذكرت في غيره لا يفهم منها بالضرورة أنها تعني الذم، فإذا قلنا: إن هذا يدل على كثرة الإماء، أو يتطاولون في البنيان لا يعني أن هذا الفعل الذي حصل أنه شيء محرم على بعض التفسيرات.

ومن أشراط الساعة بعث النبي ﷺ، ولا شك أن هذا شمس -أو أعظم من الشمس- أشرقت على الدنيا.

ومن علامات الساعة: خسف في المشرق، وخسف في المغرب، وخسف بجزيرة العرب، والنار التي تخرج في أرض الحجاز، والرجل الذي يكون من قحطان يسوق الناس بعصاه، على أحد التفسيرات أنه يستقيم له الأمر وينضبط له الحال، ويثبت له الملك، وكذلك خروج المهدي، وهذا كله لا يعني الذم.

وهناك علامات كبرى إذا وقعت فهي كالعقد الذي انفرط، من خروج الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج المسيح الدجال، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، إلى غير ذلك من الأمور التي ذكرها النبي ﷺ.

فهذه إذا وقعت تتابعت، فالشمس إذا خرجت من مغربها خرجت الدابة ضحى، وهذه الدابة تسِمُ كل إنسان، وتضع عليه سمة يعرف بها، والله يقول: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام: 158]، جاء في بعض التفسيرات أن المقصود بقوله: بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ الدابة، وبعضهم قال: خروج الشمس من مغربها، ولا منافاة؛ لأن الشمس كما قلت إذا خرجت من مغربها خرجت الدابة على الناس ضحى، ثم انتظر ماذا يحصل بعد ذلك بقية يومك، فنسأل الله العافية.

يقول عمر : فلبثت ملياً، أي: انتظرت قليلاً، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل؟، قلت: الله ورسوله أعلم.

هذه العبارة يمكن أن يقولها الإنسان في الأشياء التي تصلح لذلك، فإذا سئل الإنسان عن شيء مثل عمر هنا يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن النبي ﷺ يعلم عن هذا.

لكن لو قيل لك: أين فلان؟ فلا تقل: الله ورسوله أعلم، لأن النبي ﷺ لا يعلم ذلك، النبي ﷺ لا يعلم الغيب، فهذا من الغيب النسبي.

لو قيل: ماذا سيقع لك غداً؟ لا تقل: الله ورسوله أعلم، وإنما تقول: الله أعلم، لكن أقول: ما حكم المسألة الفلانية؟ ما حكم العمل المعين؟ تقول: الله ورسوله أعلم، لأن النبي ﷺ يعلم الأحكام الشرعية.

قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، فالدين هو هذه المراتب الثلاث، الإسلام، والإيمان، والإحسان، يعلمهم بهذه الطريقة، طريقة السؤال والجواب.

قال: ومعنى تلد الأمة ربتها، أي سيدتها، ومعناه: أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السُّرِّية بنتاً لسيدها، وبنت السيد في معنى السيد، وقد قيل غير ذلك.

لكن هذا الأمر -هذا التفسير- فيه إشكال؛ لأنه موجود من زمن النبي ﷺ.

قال: والعالة الفقراء، وقوله: ملياً أي زمناً.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب خروج النار (6/ 2605)، رقم: (6701)، ومسلم،  كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز (4/ 2227)، رقم: (2902).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة (5/ 2382)، رقم: (6131).
  3. أخرجه البخاري، باب قول النبي ﷺ: بعثت أنا والساعة كهاتين (5/ 2385)، رقم: (6138)، ومسلم،  كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة (4/ 2268)، رقم: (2951).

مواد ذات صلة