الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «إذا تقرب العبد إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا..»
تاريخ النشر: ٠٣ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 2684
مرات الإستماع: 25535

إذا تقرب العبد إليَّ شبراً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن أنس عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه قال: إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة[1].

وذكرنا أن هذا من الأحاديث القدسية، ففي الذي قبله: قال رسول الله ﷺ: إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً...[2]، وهنا: قال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه.

فالأحاديث القدسية تارة يقول فيها النبي ﷺ: قال الله تعالى، وتارة يقول الراوي: قال رسول الله ﷺ، أو عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه.

قال: إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة، رواه البخاري.

هذا الحديث يبين معنى كبيرًا إذا استشعره المؤمن فإنه يقبل على طاعة الله بكل انشراح، فهذا الرب الذي نعبده أرحم الراحمين، وقد جاء في الحديث: للهُ أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح[3].

فالله أشد فرحاً بتوبة العبد من هذا براحلته، فأقول: هذا الحديث أيضاً الذي ذكره الإمام النووي -رحمه الله- يدل على شيء من هذه المعاني، وهو أن العبد إن تقرب إلى ربه تقرباً قليلاً تقرب الله منه كثيراً، وإذا تقرب منه كثيراً تقرب الرب منه أكثر، وإذا جاءه يمشي أتاه -تبارك وتعالى- هرولة. الشبر والذراع معروفان، والهرولة هي مشية دون الجري وفوق المشي، فهي إسراع في المشي، وفي بعض الروايات: وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم[4].

والملأ هم الجماعة من الناس، لربما قيل لهم ذلك؛ لأنهم يملئون صدور المجالس، أو الذين يكون لهم شأن يتمالئون على الأمر، يعني: هم الذين يرجع إليهم الناس في الحل والعقد، وما أشبه هذا.

فإذا ذكر ربه في ملأ: أي ذكره ذكراً مجرداً، كأن يقول: لا إله إلا الله، أو ذكره مثنياً عليه، مبيناً لمجده، أو نحو ذلك فإن الله يذكر هذا العبد في ملأ خير من ملئه، فيذكره بين ملائكته، يذكره في الملأ الأعلى، مع أن الله غني عنا وعن أعمالنا، فنستشعر هذه المعاني، وهي أننا كلما تقربنا إلى الله فإن الله أكرم وأرحم وأجلّ، والله -تبارك وتعالى- كما ذكرنا من قبل أرحم بعبده من أن يُضل عملَه، وأن يضيعه كما قال الله -تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ [التوبة:115].

فهذه الأحاديث تدل على سعة رحمته، وقبوله لأعمال عباده، فينبغي للإنسان أن يحسن الظن بالله ، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، وأن يكثر من ذكر الله بالذكر الذي يكون لوناً من التعبد باللسان كسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما أشبه هذا، وكذلك أيضاً بالثناء على الله وتمجيده، وما أشبه ذلك مما يفعله الإنسان.

  1. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي ﷺ وروايته عن ربه (9/ 157)، رقم: (7536).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع (8/ 105)، رقم: (6502).
  3. أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (4/ 2104)، رقم: (2747).
  4. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويحذركم الله نفسه [آل عمران:28] (9/ 121)، رقم: (7405)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى (4/ 2061)، رقم: (2675).

مواد ذات صلة