الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
حديث «لا تركبوا الخز..» ، "نهى عن جلود السباع"
تاريخ النشر: ٢٦ / ربيع الآخر / ١٤٣١
التحميل: 2226
مرات الإستماع: 5950

لا تركبوا الخَزّ ولا النِّمار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب النهي عن افتراش جلود النمور، والركوب عليها، والنمور معروفة، هو الحيوان السبع المعروف، المخطط، العادي الذي يعدو على فريسته، يعدو على الناس، وهو أجرأ من الأسد.

يقول: عن معاوية قال: قال رسول الله ﷺ: لا تركبوا الخَزّ، ولا النِّمار[1]. حديث حسن، رواه أبو دواد، وغيره بإسناد حسن.

لا تركبوا الخَزّ، الخز يحمل على الحرير، ما نسج من الحرير؛ لأنه هو المحرم، وذلك من زي العجم، أو من فعل أهل الكبر، أو لأن ذلك قد جاء النهي عنه، فإن ذلك يكفي وحده.

قال: ولا النِّمار النمار في الأصل تطلق على الثياب المعلمة، فيها خطوط سوداء وبيضاء، ومثل هذه في الأصل جائزة، تكون من صوف، ومن غيره، كان الناس يلبسونها في زمن النبي ﷺ ويجلسون عليها.

وكأن المؤلف -رحمه الله- فهم أو قد يفهم من إيراده هذا الحديث تحت هذه الترجمة -باب النهي عن افتراش جلود النمور- أنه فهم أن النِّمار يعني: جمع النمر، ولا يخلو من إشكال -والله تعالى أعلم، فالنِّمِرة تجمع على نِمار، والنَّمِرة معروفة كما قلت.

أما جلود النمور فقد ورد النهي عنها، وعن جلود السباع عموماً، كما في الحديث الذي بعده.

نهى عن جلود السباع
حديث أبي المليح عن أبيه، وهو أسامة بن عامر، أو أسامة بن عويمر، أو أسامة بن عويمر بن عامر بن أقيشر الهذلي : "أن رسول الله ﷺ نهى عن جلود السباع"[2].

عموماً فيدخل فيه النمور والأسود والذئاب والثعالب والفهود، إلى غير ذلك، "نهى عن جلود السباع". رواه أبو دواد والترمذي والنسائي، بأسانيد صحاح.

وفي رواية الترمذي: "نهى عن جلود السباع أن تفترش"[3]. بعض أهل العلم يقولون: لأن ذلك من زي العجم، فنحن لا نتشبه بهم.

التشبه بالأعاجم من الكافرين في خصائصهم الدينية، أو العادية -يعني في أمور العادات- لا يجوز، أما أمور العادات فإن الاختصاص يزول إذا فشا ذلك، وانتشر في غيرهم.

فيما يتصل بالأعاجم المسلمين: يكره التشبه بزي الأعاجم ولا يحرم إذا كانوا من المسلمين، يعني: مثلاً النساء كثيراً ما يسألن اليوم على طريقتنا في التسول على الأمم، وأخذ أزيائهم، وتلقف ما يأتي منهم، يسألون عن لبس البنجابي كثيراً، هل  يجوز أن ألبس البنجابي؟ هذا من زي العجم، نقول: من زي الأعاجم المسلمين، يكره لهذه العلة، ولكن قد يمنع لأمر آخر، وهو أن النساء يتلاعبن باللباس، ولا يزال الشيطان بإحداهن حتى تقصره شيئاً فشيئاً، حتى ينكمش الجزء الأعلى كما هو حاصل، ثم بعد ذلك تكون في حال لا تسترها، وليس هذا موضع الحديث، المقصود أن من أهل العلم من قال: لأن ذلك من زي الأعاجم.

وبعضهم يقول: إنما نُهي عنها؛ لأن الدباغ لا يطهرها، لأنها غير مذكاة، والتذكية لا تؤثر فيها أصلاً، والدباغ لا يطهرها، لأن الدباغ مختلف فيه، هل يطهر مأكول اللحم؟.

أيما إيهاب دُبغ فقد طهر[4]فهذه للعموم، فهل المقصود بذلك من مأكول اللحم، بمعنى لو أنه لم يُذكَّ، شاة ماتت؟، النبي ﷺ قاله بهذه المناسبة شاة ميمونة هلا انتفعتم بجلدها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها[5].

فأخبرهم النبي ﷺ عن هذا المعنى أن الدباغ يطهرها، فهذا بالنسبة لمأكول اللحم، لكن الحيوانات التي لا تطهر أصلًا بالذكاة، مثل جلود السباع، مياثر النمور، هل تطهر بالدباغ أو لا؟

من أهل العلم من يقول: لا يطهرها الدباغ.

هل يجوز الانتفاع بها في حقيبة من جلود سباع، حقيبة، حزام وما شابه ذلك، هل يجوز؟ يقال: يجوز هذا القدر فيما إذا قلنا بأنها لا تطهر، فيما لا يتصل بعرق الإنسان، أو بما يوصل إليه النجاسة، كأن يصيبه بلل؛ لأن النجاسة تنتقل مع الرطوبة، إذا قلنا: إنها لا تطهر، والمسألة فيها تفصيل كثير عند أهل العلم.

النِّمار جمع نَمِرة، وهو ثوب مخطط بخطوط، وقد يطلق أيضاً على ثياب، أو كساء يلبسه الإماء، والأعراب، فهو ليس بذاك.

لكن كان موضع الإشكال الذي أشرت إليه بالأمس هو أنه قال: "ولا النمار"، وأورده المصنف -رحمه الله- في باب النهي عن افتراش جلود النمور، جمع نَمِر، ونِمْر.

وراجعت كلام أهل العلم على هذه الرواية: لا تركبوا الخَز، ولا النِّمار فوجدت في بعضها رواية "ولا النمور"[6].

يعني: جلود النمور، وهذا يكون ظاهراً في إيراد المصنف -رحمه الله- هذا الحديث تحت هذا الباب، تحت افتراش جلود النمور، بل إن بعض أهل العلم ذكر أن النمور تجمع على النِّمار حتى على هذه الرواية، وعليه فلا إشكال.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع (4/ 67)، رقم: (4129).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع (4/ 69)، رقم: (4132)، والترمذي، أبواب اللباس عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في النهي عن جلود السباع (4/ 241)، رقم: (1771)، والنسائي، كتاب الفَرَع والعتيرة، النهي عن الانتفاع بجلود السباع (7/ 176)، رقم: (4253).
  3. أخرجه الترمذي، أبواب اللباس عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في النهي عن جلود السباع (4/ 241)، رقم: (1770).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب اللباس عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت (4/ 221)، رقم: (1728)، والنسائي، كتاب الفرَع والعتيرة، جلود الميتة (7/ 173)، رقم: (4241)، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس جلود الميتة إذا دبغت (2/ 1193)، رقم: (3609).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة على موالي أزواج النبي ﷺ (2/ 128)، رقم: (1492)، ومسلم، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ (1/ 276)، رقم: (363).
  6. أخرجه أبو داود، باب من كرهه (4/ 48)، رقم: (4049)، والنسائي، كتاب الفرَع والعتيرة، النهي عن الانتفاع بجلود السباع (7/ 176)، رقم: (4254)، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب ركوب النمور (2/ 1205)، رقم: (3655).

مواد ذات صلة