الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» ، «إذا اقترب الزمان..»
تاريخ النشر: ٢٤ / جمادى الأولى / ١٤٣١
التحميل: 1304
مرات الإستماع: 3823

قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب الرؤيا وما يتعلق بها.

والرؤيا هي: ما يراه الإنسان حال نومه، وهذه الرؤيا لها أحكام، وهي أنواع، وسيأتي شيء من ذلك في ثنايا الكلام على الأحاديث التي أوردها المصنف -رحمه الله.

وأما الآية التي أوردها فهي قوله -تبارك وتعالى-: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم:23]، ووجه تعلق هذه الآية بموضوع الرؤيا هو: أن النوم آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، وذلك أن الإدراك والشعور يرتفع فيه، مع أن الروح لا تفارق البدن مفارقة تامة، كما هو في الموت، وإنما يبقى لها تعلق بالجسد، لكنه يرتفع معه الإدراك، فهذه الروح لها أحوال، وتنقلات، وتحولات، وأمور غيبية لا ندركها، فتنتقل في الملأ الأعلى، وترى أمورًا في نومها، قد تكون من الله --، وقد يكون ذلك من تلاعب الشيطان، وقد يحصل للإنسان شيء في منامه يراه مما كان يحدِّث به نفسه، ويشتغل به قلبه، فمن هذه الآيات المتصلة بالنوم في هذه الحال العجيبة: أن الإنسان يرى أمورًا يطلعه الله عليها، ويكشف له عن أشياء قد تكون في المستقبل مما يقع له، أو يقع لغيره من الناس.

وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ[الروم:23]، من أهل العلم من يقول: إن قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ هو: النوم بالليل، وقوله -تبارك وتعالى-: وَالنَّهَارِ أي: أن ابتغاءكم المعاش والرزق في النهار آية من آيات الله ، فالنوم في الليل، وابتغاء الرزق بالنهار، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ[الإسراء:12]، فهما دالان على قدرة الله -تبارك وتعالى.

لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات
وذكر: حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة[1]رواه البخاري.

قوله: لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، هذا باعتبار الغالب، يعني: لم يبق بعد النبي ﷺ، بعد وفاته، إلا المبشرات، وهي: الرؤيا، فسميت بالمبشرات باعتبار الغالب -والله تعالى أعلم-، وذلك أن الرؤيا: لا تكون دائما مبشرة، بل قد تكون منذرة، محذرة، منبهة للإنسان على أمر من الأمور، بمعنى: أنه ليس فيها تبشير أحيانًا، ليس كل رؤيا فيها تبشير، الرؤيا الصحيحة، الرؤيا التي من الله.

قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة، وهي التي تكون من الله.

لم تكد رؤيا المؤمن تكذب

وذكر أيضًا:

حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة[2]متفق عليه.

قوله: إذا اقترب الزمان، ما معنى اقترب الزمان؟

بعض أهل العلم قال: إذا اقترب الزمان يعني: وقت الاعتدال، في وقت الربيع والخريف، اعتدال الليل والنهار، تقارب الليل والنهار، فهذا: إذا اقترب الزمان.

وبعضهم يقول: إذا اقترب الزمان بمعنى: ما ذكر في آخر الزمان من أشراط الساعة، ما ذكره النبي ﷺ من أن السنة كشهر، والشهر كأسبوع، والأسبوع كيوم، واليوم كساعة[3].

وبعضهم يقول: إذا اقترب الزمان يعني: كان ذلك في آخر الدنيا، فاقترب زمن الآخرة، وهذا يرجع إلى القول الذي قبله، إلا أن القول الذي قبله فيه تفصيل أكثر، وهؤلاء قصدوا اقترب من الآخرة، والذين قبلهم يلزم من قولهم الاقتراب من الآخرة؛ لأن كون السنة كشهر، والشهر كأسبوع، إلى آخره، هذا لا يكون إلا عند قرب القيامة، في آخر الوقت، آخر الدنيا.

وبعضهم يقول: إن معنى اقتراب الزمان: هذا بالنسبة للمعين، للشخص المعين، أنه يكون في آخر أيامه، فيكون هذا وقت الاستواء، والتؤدة، والأناة، والاعتدال، فتصدق رؤياه.

هذه أربعة أقوال في قوله ﷺ: إذا اقترب الزمان، ولعل الأقرب -والله تعالى أعلم- أن المقصود: قرب الآخرة، والعلة في ذلك -والله تعالى أعلم- من جهة: أن الزمان زمان غُربة، وإذا كان زمان غربة بالنسبة للمؤمن، فإنه بحاجة إلى المبشرات، وإلى ما يثبته، والوحي قد انقطع، ومن جهة أخرى: فإن النبي ﷺ ليس بعده نبي، والأنبياء كانوا يسوسون الأمم التي قبلنا في كل وقت، فلا يخلو وقت من نبي، وأما في هذه الأمة فإنه لا يوجد نبي بعد رسول الله ﷺ، فإذا كان آخر الزمان فإن رؤيا المؤمن لا تكاد تخطئ، يقول: لم تكد رؤيا المؤمن تكذب.

قال: ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، فكون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تخطئ، أو تكذب، ليس معنى ذلك أن الذين يكونون في ذلك الوقت أنهم أفضل من الصحابة ، لا، وإنما لما كانوا لضعفهم وبحاجة إلى تثبيت أيدهم الله بالرؤيا، كما قال شيخ الإسلام أيضًا في باب الكرامات: إن وقوع الكرامة لا يدل على أن صاحبها أفضل ممن لم يقع له شيء من ذلك؛ لأنه قد يحتاج إلى تثبيت؛ لضعفه، فتظهر على يده الكرامة.

قال: ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة متفق عليه، وجْه ذلك -والله تعالى أعلم-: ما ذكره أهل العلم من أن الرؤيا وقعت ستة أشهر قبل نزول القرآن، قبل نزول "اقرأ" على النبي ﷺ، كانت ستة أشهر، ابتُدئ بالرؤيا الصالحة، كما في حديث عائشة -ا-، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، فكان يخلو في غار حراء، حتى جاءه الملك[4]، وبقي النبي ﷺ في مدة النبوة ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين في المدينة، فهذه ثلاث وعشرون سنة، ونسبة ستة أشهر إلى ثلاث وعشرين تساوي واحدًا إلى ستة وأربعين، فهكذا فُسر بأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.

وفي رواية: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا[5]، باعتبار أن صدق الرؤيا مرتبط بصدق الإنسان؛ ولهذا قالوا: إن الأنبياء رؤياهم حق قطعًا؛ لأن الشيطان لا يتلاعب بهم، ورؤيا أهل الصلاح والاستقامة غالبًا ما تكون حقًّا، وقد يقع فيها الخطأ، وقد يقع فيها من الشيطان، لكنها غالبًا ما تكون صدقًا وحقًّا، ورؤيا من كان بين بين تكون بين بين، أحيانًا من تخليط الشيطان، وأحيانًا تكون رؤيا، وأما أهل الفسق والفجور فعامة ما يرون من الشيطان، من تلاعب الشيطان بهم، وأما الكافر فقالوا: قلّ، أو يندر أن يرى رؤيا صدق، وقد يرى، مثلما رأى الملك في قصة يوسف إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ [يوسف:43]، ولم يكن على التوحيد، فقد تصدق رؤيا الكافر، ولكن ذلك يكون نادرًا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب المبشرات، رقم: (6990)
  2. أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب القيد في المنام، رقم: (7017)، ومسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2263).
  3. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في تقارب الزمان وقصر الأمل، رقم: (2332)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (2/ 1237)،رقم: (7422).
  4. أخرجه البخاري، باب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، رقم: (3)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم: (160).
  5. أخرجه مسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2263).

مواد ذات صلة